رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث
رامي
(ذات صباح الحادثة)
- رامي. رزان. سيبرد الفطور!
قالتها السيدة ندى بنفاذ صبر وهي تستمر بمناداة كليهما منذ 15 دقيقة دون أن يخرج أحدهما من غرفته. أول من استجاب ندائها بعد هذه المدة هو رامي ذو ال28عاماً وهو يخرج من غرفته بينما يرتب ربطة عنقه السوداء ويثبت أحكامها فوق قميصه الابيض ويعدل من وضعية سترته الانيقة. فاجتماع اليوم يستلزم ان يتأنق بهذا الشكل الرسمي.
قال بينما يجلس على كرسيه:.
- صباح الخير غاليتي.
ردت ندى بينما تسكب له الشاي:
- صباح الخير يا حبيبي.
وفجأة تقلقل وضع الابريق في يدها من قُبلة رزان القوية على خدها بينما تقول بصوتها المرتفع كالعادة:
- صباح الخير ايتها العائلة الكئيبة التي كانت كارثة عالمية إنني انضممت لها.
ضحكت ندى على طريقة تصرفات ابنتها ذات ال24 عاماً والتي لا تنضج ابداً بينما قال رامي وهو يشاكسها ليضحكا عليها:.
- هل يوجد أحد في الكون يُقبّل بهذه الطريقة؟ أين انوثتكِ؟!
فقالت بينما تحشر قطعة خبز محمص في فمها:
- لقد تم بيعها لك يا ظريف
- أجل اذكر ذلك. لدرجة إني أصبحت أكثر رجولة حين حصلت عليها واكثر خشونة بفضلكِ.
ضحكت ندى بينما تشاركهم الجلوس وهي تقول: - استسلمي. لا يمكنكِ تحطيمه!
فقالت بزهو: - لو أردت لفعلت. ولكن لدي اشياء أهم من الرد على هذا المستفز.
- اشياء مثل ماذا؟ فادي الاحمق؟!
- من الجيد أنه صديقك قبل ان يكون خطيبي. لذلك أنت تهين نفسك بمصادقة الحمقى.
ثم نظرت نحو ساعتها وقالت: -اللعنة! سيقتلني الدكتور عصام أن تأخرت عن المحاضرة هذه المرة!
فقالت ندى مؤنبة: -ألفاظكِ!
فردت رزان وفمها محشور بالطعام: - ماذا؟ أنا لعنت فقط!
نظر رامي لها مدعياً القرف وقال: - جدياً. كيف يتحمل فادي كل هذا؟
ثم نظر نحو امه واستأنف: - احياناً أشعر أننا قمنا بغشه!
فقالت ندى تسايره وهي بالكاد تكتم ضحكتها وتدعي الجدية: -ولنستمر بهذا وندفع كفارة ذنبنا لاحقاً. أخشى أن نعترف له بحقيقتها فيعيدها لنا
- لا لن يفعل. لقد وضعت فقرة بعقد الزواج أن المباع لا يرد ولا يستبدل. لذلك هو نوعاً ما قد تورط.
- الحمدلله!
فصاحت رزان بهما: - هيي انتما الاثنان! فقط ارحماني من تعليقاتكما في حضوره وهو لن يتركني.
ثم نظرت نحو ساعتها مجدداً ونهضت بينما تشير لرامي ان ينهض: - بسرعة. تأخرت عن امتحاني!
قال باريحية ليعذبها وهو يشرب الشاي: - كان عليكِ أخذ نصيحتي بدخول الهندسة بدل الطبية. لكنتِ تخرجتِ الان وتوظفتي معنا في الشركة بدل أن تكوني تدرسي الى الان!
- وهل أنا مجنونة لأتوظف معك في ذات الشركة؟ ألا تكفيني رؤيتك في المنزل لأراك في العمل ايضاً!
رد بينما ينظف اظفر بنصره بأظفر ابهامه وكأنه لا ينوي النهوض ليستفزها أكثر:
- حسناً. أنا لا يهون على تعذيب أختي. سأجعلكِ تريني في المنزل فقط.
ثم نهض وقال:
- لذلك سأذهب للعمل وحدي دون أن أجعلكِ تضطرين الركوب معي في ذات السيارة.
ضيقت عيناها بغيض طفولي وقالت:
-أقسم لك أنك ستستيقظ غداً لتجد كل عجلاتك فارغة من الهواء أن لم توصلني.
عندها ضحكت ندى بقوة وقالت:
-أقسم لك أنها ستفعل ذلك حقاً.
فضحك رامي وقال:.
- أنتِ بلائي الذي لا أملك خيار سوى الصبر عليه لعل الله يجازيني ويدخلني الجنة مقابله.
هزت ندى رأسها بيأس بينما تراقبهما وهما يسيران خارجاً مستمرين بمشاكستهما الطفولية كل صباح. ما أن أغلقا الباب من بعدهما حتى بدأت ابتسامتها تتلاشى شيئاً فشيئاً. الشقة من دون صوتيهما كل صباح تصبح موحشة وقاتلة وهي بالكاد تطيق البقاء بها لحين عودتهما. لم تكن معتادة على وضع كهذه قبل خمس سنين. قبل ان يموت زوجها عصام. رغم أنه كان يذهب للعمل ايضاً ولكن كان للمنزل روح. كانت تترقب عودته في وقت ما من النهار. أما الان فلا يوجد امل كهذا. خمس سنوات مرت والوجع ذاته في قلبها، لا سيما وأن طريقة موته كانت مؤلمة وقاتليه لم ينالوا عقابهم. وجع يكتمه هؤلاء الثلاثة في صدرهم مدّعين أنهم تخطوا الأمر رغم أنهم يدركون استحالة ذلك.
كانت تشغل نفسها فترة الصباح بتلاوة القرآن والصلاة أو انهاء اعمال المنزل وأعداد الغداء. ولكن كانت هناك ايام ينتهي عملها بسرعة فتجلس محاصرة بين ذكرياته ويوم رحيله البشع فتنهار بالبكاء بينما تحتضن صورته بين يديها وتعاتبه وهي لا تدرك عمّا تعاتبه فعلاً!
انقضى اليوم كعادته وعادا نحو الشقة ليؤديا صلاتهم ويتناولون الغداء معاً وبعدها ذهب رامي نحو غرفته ليأخذ قسطاً من الراحة واستغرق في النوم ككل يوم الى أن اقترب موعد صلاة المغرب. استيقظ من نومه وغيّر ملابسه ليتجه نحو المسجد ليؤديها هناك وبعد ذلك يلتقي بصديقه ويتجهان معاً نحو مشوارهما اليومي لمقابلة بقية اصدقائهم ومن ثم يعود نحو المنزل قبل الحادية عشر كي لا يترك أمه واخته بمفردهما، ولكن. هل تؤمن بالقدر؟ ومن أن كل شيء يحصل لسبب ما. ربما حتى قراءتك لهذه لم تكن مصادفة وهناك سبب وراء هذا لم تدركه بعد، كل شيء يحصل في الحياة، كل كلمة تنطقها، كل حركة تقوم بها - مهما كانت بسيطة-، أي قرار تتخذه. كل هذا مرسوم مسبقاً من قبل داخل رواية كبيرة اطلقوا عليها تسمية القدر.
ربما هو القدر الذي جعل الجسر الذي يقطعه رامي يومياً يُغلق في ذلك اليوم من أجل الترميم ليضطر الى أتخاذ طريق اخر للوصول نحو مشواره. طُرق مظلمة ومهجورة لم يقطعها رامي في يوم قطعها الان. ليعثر عليها ملقاة هناك على شفا حفرة من الموت. أو ربما كانت قد وقعت في الحفرة مسبقاً!