قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل الأول

رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل الأول

رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل الأول

-يا إلهي. ما الذي حدث؟ أهي بخير؟
ما الذي تفعله بأحضارها الى هنا؟ ماذا أن ماتت؟ علينا ان ننقلها الى المستشفى حالا
لا. ليس بعد. فنحن لا نعرف بمن نثق في الوقت الحالي
(اصوات وهمسات كثيرة! اصوات تحركاتهم تدق كالمسامير في عقلي، هل فقدت ذاكرتي ام اني من الاساس لا اعرف هؤلاء المحيطين بي؟

لا، اظن اني املك ذاكرتي، فحتى اخر مشهد قبل سقوطي ارضاً وهما يتهافتان على بالضرب من دون رحمة لا زلت اذكره. ولكني لا اتذكر هؤلاء
بدأت الغرفة تدور بي مجدداً. واصبحت اصواتهم قادمة من اعماق بعيدة لا يمكنني سماعها، واختفت ملامح وجوههم تحت السواد، بدأ رأسي يتثاقل مجدداً. اشعر ان الدماء كلها تصعد اليه. او تهبط منه لا فرق، ثم سحبني. وسحبني. الى ان ارجعني. الى غيبوبتي).

(قبل ذلك بساعات).

كان صوت المنزل هادئاً جداً ألا من صوت غليان ابريق الشاي فوق النار وخطوات ركض سريعة تعود لمرام ما بين خزانتها ومرآة غرفتها. تدخل قدمها في فردة الحذاء الاخرى بينما تضع الدبوس في حجابها وتركض نحو سترتها المعلقة لترتديها فوق قميصها الابيض لتنظر نظرة اخرى في المرآة لتتأكد ان ملابسها مرتبة بشكل جيد ولم تتأثر نتيجة لسقوطها قبل قليل بسبب ركضها، وفي خضم كل ذلك تسمع صوت ملامة والدتها سعاد قادم من الصالة:.

عمركِ 26عاماً وحالكِ حال طفلة في السادسة
خرجت تضع الحاجيات الاخيرة في حقيبتها وتحبس بين اصابعها الرقيقة نظارتها الشمسية وابتسامة مرحة تعتلي ثغرها وهي تخاطب والدتها قائلة:
ألم تتعبي من أعادة نفس الشريط كل صباح؟
ألم تتعبي انتِ من سماعه؟
بالنسبة لي؟ لا لم اتعب استمري بجهودك.
اريد افهم بماذا سوف تفيدكِ الخمس دقائق الاضافية في السرير؟ لو انك قمت مبكراً أكنتِ ستتأخرين هكذا؟

سحبت كرسي المائدة وقالت ومزاحها لا ينقطع: على الاقل اختاري كلمات جديدة. انها نفس الكلمات كل يوم لدرجة اني حفظتها
سحبت والدتها الكرسي المجاور لتجلس عليه وبدأت بسكب الشاي وهي تتمتم بتململ: انها نفس الكلمات وانتِ لا تطبيقها كيف لو كانت كلمات مختلفة؟
يا امي. علاقتي بالوسادة علاقة معقدة لا يمكنكِ فهمها.

نظرت سعاد بطرف عينها تحاول قدر الامكان اخفاء ابتسامتها، فهي لا تريد ضحكة وسط اجواء الملامة هذه. قالت وهي تحافظ على جديتها في الأمر:
مرام. انتِ لم تعودي صغيرة. عليك تعلم الانضباط والالتزام بالكثير من الامور، لا زلتِ الى الان تتصرفين كطفلة. إن انا تغاضيت عن امور كهذه فبيت زوجك لن يفعل
ملأت فمها بقطعة من الجبن وقطبت حاجبها قائلة:
بيت زوجي؟!
ثم هتفت مدعية التفاجئ:.

يا إلهي أمي هل زوجتني وانا نائمة؟ ألم اقل لكِ اني اريد ان احضر حفل خطوبتي؟
اسخري اسخري
ضحكت مرام وقالت: بالله عليكِ امي اي بيت زوج هذا وانا لم افكر بشاب حتى؟
والى متى ستبقين معرضة عن الزواج ايتها الذكية؟
نظرت اليها مرام نظرة جدية وقالت بنبرة ذات معنى:
الى ان تتغير نظرتي عن الرجال.
ارتشفت قليلاً من كوب الشاي خاصتها واكملت:.

لقد اقسمت لكِ مسبقاً امي، انا لن احب ولن اتزوج، فجميعهم متساويين بنظري، جميعهم زيد وعلاء وابي
ليس لأن ثلاثة أذوكِ يعني ان الجميع متساويين
ضحكت مرام بسخرية وقالت: انتِ لا تفهمين الفكرة امي، ليس لأن ثلاثة اذوني كرهت الجميع.

ثم امالت جذعها العلوي باتجاه المائدة وارتكزت بمرفقيها عليها وقالت بكلام تفهمه والدتها جيداً: بل لأن جميع المقربين مني قد اذوني وتخلو عني. واظن انه لا داعي ان نعيد فتح الماضي، فبعد وفاة ابي قررت ان انسى وان لا اخوض هذا النقاش. فلا تذكريني به.
صمتت سعاد لثواني ثم قالت بابتسامة ماكرة وهي تعرف تأثير جملتها التالية على مرام: إذاً. قلتِ لي انكِ لن تحبي؟

ثم اراحت ذقنها على يدها وقالت: ماذا عن ذلك الشاب؟ الذي تحدقين بصورته يومياً داخل حاسوبك الشخصي؟
استطاعت سعاد بوضوح ان تشاهد الاحمرار يتوهج فوق وجنتي صغيرتها وارتباك يديها وهي ترمقها بنظرات سريعة غير قادرة على تثبيت نظرها داخل عيني والدتها وقالت بتلكؤ: انا. انتِ تعرفين اني كنت فضولية بشأنه فحسب
-لمدة خمس سنوات؟
-يمكنكِ تسميته تأنيب ضمير إذاً.

فأومأت سعاد برأسها مدعية الاقتناع وهي تمنح مرام ابتسامة ذات مغزى بينما مرام قد تحاشت ان تعلق بعدها بشيء اخر وتفتح على نفسها ابواباً هي بغنى عنها
مر بعض الوقت بسكون قطعه صوت تحرك الساعة فحسب ينبه مرام ان الوقت يمر بسرعة وعليها الاستعجال. قالت سعاد بعد ذلك: أستقابلين مدير الشركة اليوم؟
اومأت برأسها ب نعم من دون ان تتكلم فأكملت سعاد: هذا جيد. انا متأكدة انهم سيقبلونكِ.

رفعت مرام رأسها نحو امها وعلقت بسخرية:
غريب! اصبحتِ الان متحمسة لفكرة عملي في شركة. ألأنها ليست شركة ابي؟
زفرت سعاد مرة اخرى بضيق وقالت:
ظننتكِ قلتِ لن تخوضي هذا النقاش مجدداً؟
اعادت مرام ابصارها الى صحنها خاتمة بذلك هذا النقاش العقيم الذي تدرك جيداً انها لن تخرج بنتيجة ايجابية منه. ولكن فترة الاستجواب لم تنتهي من طرف سعاد فقالت مرة اخرى:
هل اتصلوا بكِ مؤخراً؟
من؟
ومن قد يكون؟ اخويكِ بالطبع!

لا. لم يفعلوا
وأن فعلوا؟
رفعت مرام رأسها باقتضاب من فوق صحنها وتطلعت لثواني امامها في محاولة منها لإخماد نيران غضبها قبل ان تلتفت الى والدتها. ثم ادارت بصرها اليها بحدة وقالت:
لا يزال جوابي كما هو أمي ولن يتغير، انا لست طفلة بلهاء لأوقع اوراق لا تسمحون لي بقراءة مضمونها
رمت سعاد الشوكة بنفور فوق المائدة وقالت:.

مرام. انا والدتكِ. هل يعقل ان افعل شيئاً ضد مصلحتك؟ أخبرتك اني قرأت البند وما موجود فيه لن يمسك بسوء. صدقيني هو من مصلحتك وانا موافقة عليه. هل يعقل ان اوافق على شيء يضرك؟
نحن نختلف انا وانتِ في نظريتنا للأشياء التي تضرني امي، فقرار ابي بأخذ كل اسهمي وعدم السماح لي بالعمل معهم في الشركة حتى وان كان منصب موظفة عادية هذا القرار قد دمرني. ولكنكِ رأيته من مصلحتي وانتِ موافقة عليه. هل لي ان اعرف لماذا؟

سكتت سعاد ولم تعلق بشيء. اراحت مرام ظهرها للكرسي مجدداً ورفعت حاجبها بثقة وقالت بحزم:
لقد اخبرتكم بشرطي مسبقاً. سأقبل توقيع الاوراق مقابل ان تعيدوا لي اسهمي في الشركة وتسمحوا لي ان اتوظف هناك.
مرام. عملك في شركة ابيكِ امر لن اسمح لك حتى التفكير به
قامت مرام باستياء وهتفت قائلة:.

ولماذا؟ لما الجميع يعارض عملي هناك؟ وان كنتم تعارضوه فلماذا جعلتموني ازرع احلامي فوق ارض قاحلة؟، تعلمين كم درست بجهد وكم كنت كل يوم اجلس واتخيل وانتظر يوم تخرجي من ادارة الاعمال بفارغ الصبر لأستلم منصبي في الشركة وكنت ترين ذلك ولم تنطقي بشيء. لم تقولي لي ان ابيكِ يا مرام واخوتكِ سيسحبون منك اسهمك وسيجردونك من كل حقوقك في العمل هناك فور تخرجك وسأساندهم على ذلك وجعلتموني ابني احلامي واتأمل لتهدموا لي هذه الاحلام بقسوة في النهاية، لتصبح سنين دراستي الطويلة في هذا المجال مجرد سخافة لا معنى لها. لنقل كوني ابنة الزوجة الثانية جعل علاء وزيد يكرهوني ويساندون ابي على قراره هذا ان لم يكن هم من اقترحوا عليه قراره. ولكن انتِ يا امي؟ انتِ؟

قامت سعاد واحتضنت وجه ابنتها الجميل بين كفيها وقالت بعطف:.

حبيبتي. انتِ كل ما املك. ولا استطيع تحمل فكرة خسارتكِ. أو. أو ان تصبحي شيئاً لا اريدك ان تكوني عليه، سنين دراستك لم تضع هباء. فها انتِ اليوم ستتقدمين الى العمل في انجح الشركات واضخمها. ومن يعلم قد تحققين نجاح اكثر مما ستحققينه لو انك عملت في شركة ابيكِ. وبخصوص الاوراق. فأنا اتوسل اليكِ. ارجوكِ. فقط وقعيها. دعينا ننهي هذه المسألة ونبتعد عن اولاد هالة. انتِ قلتها. انتِ ابنة الزوجة الثانية لذلك لا تتوقعي من اخوتكِ ان يتصرفوا معكِ ك اخوة. انهم اخوتك من ابيك فقط. لم تحملكم بطن واحدة ولم تتربوا تحت السقف ذاته. ونحن نعلم جيداً ما هم قادرين على فعل، لاسيما زيد، لذلك لا اريدكِ ان تخاطري معهم.

تطلعت مرام في وجهها بلامح جامدة خالية من اي تعبير ثم ابعدت يدي والدتها بهدوء وقالت:
وداعاً امي، لا اريد ان اتأخر عن مقابلتي.

سارت مرام ويدا سعاد لا تزال معلقتان في الهواء. نزلت دموعها قبل ان تنزل يديها. فجأة شعرت بفراغ بداخلها وهي تراقب خطوات مرام تبتعد عنها باتجاه باب الخروج. راقبتها بألم. بافتقاد. بشوق. لا تعرف مصدر هذا الشعور ولكنه احساس الامومة فحسب، وصلت مرام الى باب وتوقفت. التفتت الى والدتها وحدقت فيها قليلاً ثم منحتها ابتسامة لطيفة وقالت:.

انا اسفة امي. لا يمكنني ان انفذ ما تطلبيه مني. لذلك ارجوكِ لا تغضبي مني او تحزني...
ثم فتحت الباب وخرجت. في داخل سعاد رغبة قوية ان تهتف باسمها وتناديها تطالبها الرجوع. ولكن كانت هناك غصة في حنجرتها منعتها من الحديث او حتى التحرك. لو انها كانت تعرف انها ستكون المرة الاخيرة التي سترى فيها وجه ابنتها لتمسكت بها لأطول فترة ممكنة مهما كان الثمن الذي ستدفعه!

خرجت مرام باستعجال واتجهت نحو الشارع وهي تحاول اغلاق حقيبتها بصعوبة مطرقة ابصارها نحوها غافلة عمن ينتظرها في نهاية الطريق. رفعت عينيها وتباطأت خطواتها فوراً وهي تشاهدهما يقفان على مسافة عنها يحدقان بها بنظرات مبهمة. علاء ذو 35عاماً يغرق كفيه داخل جيوب بنطاله ويقف مقابل زيد ذو34 عاماً الذي يكتف يديه امام صدره ويستند على باب السيارة يحدق فيها من خلف نظارته الشمسية.

تأففت بضيق واقتربت منهما بخطوات متثاقلة وقالت:
اصبحنا واصبح الملك لله، ماذا هناك؟
اجابها علاء وهو يزفر بضيق:
ألن تلقي التحية اولاً؟
لا داعي للشكليات اخي. نعلم ان احدنا لا يطيق الآخر.
قاطعت حديثهما ضحكة من زيد الذي تطلع فيها جانباً وهو يقول:
الحمد لله ان احدنا يفهم مشاعر الاخر
رفعت نظرها نحوه باقتضاب مكتفة يديها امام صدرها وقالت
انت بالأخص مشاعرك واضحة جداً.

ماذا يمكنك ان تقولي يا اختي العزيزة. انا انسان صريح لا يمكنني الكذب
ماذا تريدان يا زيد؟
اطلق سراح يديه من امام صدره وتقدم خطوتين نحوها بعد ان محى الابتسامة عن وجهه وقال:
علينا ان نتحدث.
أدعت الغباء وهي تجيبه بعدم استيعاب:
انا وانتم؟! نتحدث؟ ماذا لدينا من مواضيع لنتحدث بخصوصها؟
رفع زاوية فمه بابتسامة ساخرة واكمل:
لا تستغبي معي يا عزيزتي، فاليوم لست بمزاج جيد
ومنذ متى تمتلك مزاجاً جيداً؟

شعرت بأنفاسه الحارقة تلهب وجهها وهو يزفر بضيق ويستدير مانحاً علاء نظرة تحذيرية من انه سيفقد اعصابه معها فتقدم علاء فوراً بدلاً منه فعلى الرغم ان علاقتها سيئة مع الاثنين ألا انها اكثر تفاهماً نوعاً ما مع علاء لكونه اقل قساوة وحدة من زيد.
قال علاء بنبرة حاول قدر الامكان ان يجعلها هادئة وباعثة للثقة والاطمئنان:
مرام. الى متى سنظل هكذا؟ انا اقول ان نجلس ونتفاهم للمرة الاخيرة علّنا نصل الى حل هذه المرة.

فردت بنفاذ صبر:
نحن جلسنا وتفاهمنا كثيراً يا علاء ولم نصل لحل. ما الذي سيختلف الان؟
تنهد علاء بقلة حيلة وتطلع باتجاه زيد فأشاح الاخير نظره الجهة الاخرى معطيه الصلاحية التامة ليتولى دفة الحديث فأعاد بصره باتجاه مرام واكمل:
نحن سنجعلكِ ترين البند
انزلت يديها بهدوء من امام صدرها وفتحت عينيها بدهشة وهي تقول بتشكيك:
أحقاً؟!
ثم ضيقت ما بين عينيها بعدم ثقة واكملت:
ما الذي جعلكم تغيرون رأيكم الان؟

اجابها بثقة غير قابلة للشك:
لأننا نحتاج توقيعكِ. نحتاجه بشدة. ولكن لدينا شرط
شروط اخرى؟
لن تقرئيه في منزلكِ امام والدتكِ. سنذهب الى اي مكان تختاريه انتِ عدا منزلك
وما الضر؟ ألم تقرأ امي البند مسبقاً؟
نعم فعلت. ولكن ليس كله. هناك شيء يجب ان تعرفيه انتِ فقط.
تأففت بضيق وقضمت شفتها السفيلة -وهي حالة تفعلها اذا فكرت بشيء يثير توترها- ثم قالت بعد ان حسمت قراراها.

حسناً. ولكن لدي موعد الان مع مدير شركة من اجل توظيفي
تبسم علاء وقال:
-لا داعي للمزيد من المقابلات.
صمت للحظات وهي تنظر نحوه بعدم فهم فأكمل بذات الابتسامة:
-بعد قراءتكِ للبند لن يكون هنالك أي مانع من توظيفكِ معنا في الشركة. شرط أن توافقي على محتواه.

ضيقت عيناها قليلاً وهي ليست متأكدة من صحة ما يقولانه. ولكن ما الضرر من المحاولة؟ هما لن يجرؤا على فعل شيء لا سيما أنهما تركا لها حرية اختيار المكان الذي سيجلسون فيه وستحرص على أن يكون مكاناً عاماً يحيطها الكثير من الناس فلن يقوما بأي شيء لجبرها على التوقيع ووضع بصمتها.
دفعها طبعها الجريء للمخاطرة والموافقة على مرافقتهما ببساطة.

كل شيء سار ببطئ، نظرات متبادلة لم تفهم معناها. خطوات ثقيلة واخرى سريعة. تشتت الملامح وضاعت التعابير، سارت السيارة وكل شيء اخر احسته يسير معهم. صوت انفاسها كان يرتفع الى اذنيها ثم يخرج بارتجاف من بين شفتيها الورديتين، توقف كل شيء حولها. ربما حتى الطيور تجمدت في السماء وتوقفت ساعتها عن النبض فوق معصمها، ثم لا شيء. مجرد دوار يجعلها لا ترى شيء بوضوح. اصواتهم بدت بعيدة وذات صدى مشوش. كان هناك شيء ما قاما بوضعه فوق وجهيهما لم تتمكن من رؤيته جيداً. ولكنه بالتأكيد شيء ما يمنعهما من تنفس البخاخ المخدر الذي قام علاء برشه في وجهها بينما زيد يستمر بالقيادة بهدوء تام وابتسامة منتصرة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة