قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث عشر

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث عشر

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث عشر

تحول اسم صغيرتها من شمس عزام إلى شمس نضال الغانم
اسم ثقيل على صغيرتها وتمنت في يوم ان لا ترتكب صغيرتها نفس حماقتها وحماقة والدتها...
ما إن خرجت من المحكمة حتى قابلته
يقف مستندا بجذعه على سيارته الرياضية، يرمقها بإزرداء وتهكم
رغما عنها اقتربت منه، اغرورقت عيناها بالدموع هامسه بإسمه لتجده يكشر عن انيابه قائلا
- مبارك على نجاحك للقضية يا مارية
استعطفته بتوسل وهي تمد يدها إلى ذراعيه
-ماهر ارجوك.

اشاح بذراعيه بعيدا عنها وغمغم بمرارة
- خلاص يا ماريا ملهوش لزوم
اتسعت عيناها بذهول ونطقت اسمه بألم
-ماهر
وضع نظارته القاتمة والتفت اليها صائحًا ببرود
- انا راجع لامريكا تاني
شملها بنظرة وداع، وطوي تلك الصفحة ليستعيد حياته قائلا بتفكه
-مبارك لنجاحك في الحرب ولو اني اظن انك فتحتي باب من ابواب جهنم.

تنظر إلى المرآة، خصلات شعرها الطويلة قبل ان تقصه في حركة تمرد
لامست بأناملها صورتها العاكس لتنقبض ملامحها ما إن تطلعت إلى وجهه في المرآة، شهقت بفزع وهي تستدير تقابل عيناه الذئبتين التي تتفحص كل انش في جسدها بجوع وشهوة، اشمئزت ملامحها للقرف حينما هجم عليها مكبلاً ذراعيه مدحضًا اي مقاومة للفرار، صرخت بقهر وهي تلكمه وتنبش بأظافرها في وجهه بحرقة
-سيب ايدي.

مال على اذنها يستنشق عبير عطرها ويده تلمس خصلات شعرها الذي افتتن به ليهمس بنبرة مقززة
- مش هسيبك يا فريال، اللي بينا لسه مخلصش
من الضعف للقوة
من الانكسار إلى الصلابة
من الخوف إلى الشجاعة
استبدلت نظرات عيناها وهي تتلبس تلك الروح التي صنعها بيده، زمجرت بوحشية
- كله انتهي
قهقه فرحا وهو يميل إلى اذنها يصيح بلهجة خطيرة
- مش هسيبك يا فريال، استخبي في اي مكان لكن انا هلاقيكي.

صمت للحظان حينما لاحظ تشنج جسدها تحت قبضته، ونظرات عيناها الخاوية ليربت على وجنتها هامسا بنبرة وعيد
- ومش هرحمك وقتها
شهقت بعنف وهي تنظر بإضطراب إلى ما حولها، تصبب العرب من جسدها رغم مكيف الهواء، ضمت ساقيها لذراعيها وهي تستعيد لحظات الثبات، تعد الارقام بهدوء تكاد تحسد عليه، تمتم بصوت خافت محفزة كل خلايا جسدها المرتعبة
-انتي مش ضعيفة، هو راح ودلوقتي انتي في امان القرصان.

سحبت هاتفها الذي اضاء معلنا عن مكالمة جيهان لتلتقط الهاتف وهي تعبس من الوقت المتأخر من الليل وخشت ان يكون أصاب أحدهم بشيء
-ايوا يا جيجي
اغمضت جفنيها وهي تستمع إلى اخبار الغير مبشرة اطلاقا لتهمس بجفاء
- جيه
تمتمت ببعض العبارات قبل ان تغلق هاتفها وعيناها تشع بإصرار
- مفيش غيرك يا قرصان.

-صباح الخير
صاحت بها رهف بأبتسامه هادئة وهي تقترب نحو فريال والمرأة السمراء الملامح الفاتنة، هزت السمراء رأسها بتحية هادئة لتجذب فريال ذراع شادية إلى رهف قائلة بتعريف
- تعالي يا شادية اعرفك بصديقتي رهف الغانم
ثم التفت إلى رهف محدثة قائلة
- شادية السويسري بنت خالي واختي.

تنهدت بإبتسامة ناعمة وتعجبت رهف من تغير مزاج فريال المفاجيء، وكأن الشخصيتين تتصارع للبقاء لفترة اطول وتحارب بعضهما بضروارة، هزت رأسها بتفهم
- اكيد، اكيد هو حد ميعرفهاش
تابعت فريال بابتسامتها الناعمة
- وطبعا جيجي السويسري تبقي اختي التانية، معنديش اخوات ودول اللي طلعت بيهم وفيه اخ كده مش بيسأل ولا يعبر بس علشاان عنده ظروف
بلعت رهف ريقها بتوتر لتحاول اشباح ماضيها في الظهور.

تجلدت بصبر وعزيمة وهي تحاول ان تتناسي نا حدث معها ف الجميع محق، هي الوحيدة التي تحارب اشباح الظلام والاخرين مهتمين بعملهم ودنياهم، تسلحت بإسلحتها وجلست على المقعد وحولها المرأتين، المطعم راقي و رائحته عطره هذا جيد
مزدحم ويعج بالفوضي هذا سيء للغاية.

تخشي ان صاحب المطعم يكون رجل فظ غليظ اللسان، قصير واصلع وبدين، هزت رأسها وهي تتذكر ان المطعم هنا شامي ورجال ابشامين تعلم ان كلامهم معسول، لا يهم الاهم ان تلك الخطوة كانت يجب ان تتخذها منذ فترة، لكنها هنا الان، يبقي فقط وقاص ليعلم امرها ان لم يكن ذلك الحارس المتخفي لم يخبره
سمعت تنهيدات من الفتيات بالطاولة التي بجوارها لتعبس شفتيها وهي تتطلع بفضول إلى ما ينظرن نحوه.

رأته شابًا يبتسم بجاذبية لا تنكرها ويتقدم نحو، طاولتها
غمغم بصوت رخيم ونبرته الشامية تفعل الاعاجيب للمراهقات اللاتي بجانبها
-صباح الخير
تهللت اسارير شادية واقتربت تصافحه قائلة
- كويس انك جيت يا نزار، بص بقي لاول مرة هطلب منك طلب ومش عايزاك تكسفني
اتسعت ابتسامة نزار وهو يجيب بترحاب شديد وامتنان اشد
-تكرم عيونك يا شادية
بادلته النظرة ثم قامت تقترب من رهف تحيط ذراعيها قائلة بنعومة.

- القمر دي، رهف الغانم عايزة تبقي من الطاقم معاك
ضيق نزار عيناه قليلا جعلها تبلع هو يهتف ببشاشة
- بتعرفي مطبخنا السوري؟
بللت رهف طرف شفتها وهي تقلع عيناه اقتلاعا من عيناه الفضولوتين لتهمس بصوت شاحب
- لا، انا بعمل شوية حلويات
تلك المرة صاحت فريال بمشاكسة
- اوعك تتخدع بتخاف من الحسد، الكب كيك بتاعها يجنن يا نزار لازم تدوقه
لمعت عيناه وهو يعود بعيناه نحو المرتبكة ليقول بهدوء.

- ما في مشكلة بنوب من بكرا على الساعة عشرة ورح اعملك امتحان صغير وان شاء الله خير
كانت تتوقع شادية هذا، لن يتردد وهو يرد بعض من مساعدتها التي قدمتها له بترحاب صدر، صفقت يداها بجزل
- اصيل يا شامي والله
صاح بترحاب شديد وهو يجلب نادل ليساعدهم في طلباتهم
- بما انو اجيتو فكلكن على حساب المطعم وان شاء الله الاكل يعجبكم
ما ان استدار مغاردًا حتى تنفست رهف الصعداء، غمغمت بنفي
- انا مش عايزة.

رمقت شادية فريال التي اقتربت من رهف تمسك كفيها قائلة
- بصي يا رهف انا عارفة اني اخدتك على خوانة وشادية جبتها من اخر الدنيا لهنا بس صدقيني بدل وجودك هنا وانك تحسي بملل اهو ممكن تشغلي هوسك في الحلويات
اخفضت عيناها ارضا وتمتمت
- بس وقاص
قاطعتها قائلة
- متقلقيش اظن هو اكثر من مرحب للفكرة دي
اعترضت بوهن
- بس
تلك المرة اقتربت شادية وهي تغمز بشقاوة
- اوعك تتأخري بكرا، نزار ليه وش ربنا ما يوريكي قلبته.

اختلج قلبها بعنف وخوف، شحب وجهها وهي تهمس بتردد
- بيبقي ايه؟
ردت شادية بلا مبالاة وقالت وهي تقوم من مقعدها ساحبة متعلقاتها قائلة
- هتكتشفي انتي، كفاية كدا انا ورايا استعدادت لحفلة الحق ارجع العاصمة
ضيقت عينا فريال بعبوس شديد، ترا ما الذي تغير في شادية؟!

لم يصدق ما اخبرته سكرتيرته عن وجود اخيه في الخارج
اليوم حافل بداية من مجيء الباشا العزيز و المحامي وينتهي بضيف متوقع حضوره
استقام في جلسته وصاح مهللا بترحاب لأخيه
- غريبة الباشا وابنه شرفوا المكان المتواضع
تمتم وقاص بنبرة جافة
-جيت ابارك لابوتك
ضيق نضال عيناه قبل ان يهتف بجمود
- احتفظ بيها لنفسك
ثم اقترب يقلص المسافات الفاصلة بينهما، صاح وقاص بشرر ناري وشياطينه تتراقص في مقلتيه
- فينه؟

مال نضال اليه واضعا كفيه على سطح مكتبه قائلا
- تؤتؤ، مش ممكن الابن البكر الاول وقاص الغانم يلوث ايده مع شوية ناس لا تسوي و
اغمض وقاص جفينه، يحاول أن يبقي لاخر نفس هاديء وساكن
فتح جفنيه ونظر إلى عمق عيني اخيه قائلاً
- انت عارف ان رهف عندي بالدنيا، والكلب اللي مخبيه عني هعرف اجيبه
ابتسامه شاحبة ارتسمت على شفتي نضال وهو يجيبه
- متقولش كلام انت مش قده يا وقاص
زفر وقاص بحرارة وقال بنبرة جامدة.

- تعرف انا مشفق عليك جدا يا نضال، بتكرر نفس امجاد الوالد بس على نضافة شوية، من زمان افتكر كنت جاي بملامح طفل مذعور لبيتنا لاول مرة، والكل كان بيبصلك بنظرة دنيوية
ان كان ظن ان وقاص ضرب في الوتر الحساس
فهو ببراعة نجح في ذلك
للحظة تبدلت ملامح السخرية بوجوم شديد قبل ان يستعيد نبرته الساخرة قائلاً
- افتخر بالماضي بتاعي يا وقاص، على الاقل مش بتصنع قدام حد ولا بحط وش مش وشي.

رفع وقاص عيناه محذرًا وهو يلقي بكلام نضال الخبيث في عرض الحائط
- ده اخر تحذير يا نضال
واستدار مغاردًا حتى قبض بيده على مقبض الباب وما إن هم بالخؤوج حتى سمع صوت نضال الهاديء
- افتكر دايما لما يقع الاختيار هيختارني انا لاني كنت ابن حبيبة القلب
جز وقاص على اسنانه يحاول ان لا يلقي بلكمه في وجهه المستفز، يحاول ان يدخر بعض الطاقة لتلك المدعوة بفريال، لقد حان لقاؤها الان واللعب على الورق المكشوف.

يقولون عنها ماكرة، جافئة، عملية، ورثت إلى حد كبير صفات الإنجليز الباردة.
ذات قلب متحجر لأنها بعد شهور عدتها توجهت إلى مكتب زوجها، يصل الحد لتكون إن المشاعر في داخلها قد اندثرت، غير محملة بالعواطف، لكن ما امامها امرأة يتحرك بعقل والروح مثقلة بخطايا..

دقت بكعب حذائها العالي ذو الرنة المتميزة، تصدر خبرًا للجميع أن الملكة قد عادت، لا يعني وفاة الملك أن الملكة لا تقدر على الحكم خلفه، من قال ان النساء لا تستطيع أن تحكم دولة؟
من الأحمق الذي هتف بتلك الجملة قديمًا؟!، تسير كما تسير الملكة، تلتقط أعين النساء المصدومة والرجال ما بين نظرات ازدراء وخنازير عبدة لشهواتها.

دلفت للمصعد وهي تخلع نظارتها لتكشف عن عيناها الجليدية، ملامح وجهها الناعمة لا يجعلها تتخذ الوجه الصارم، يكفي النظرة في عينيها التي تبث سموم قاتلة في وجه العدو، انتبهت انها وصلت للطابق المنشود، قدماها متوجه نحو مكتب محدد، مكتب المدير التنفيذي، مكتب زوجها سابقًا ومكتبها حاليًا، هي لها احقية في ذلك الكرسي رغم عن انف أي رجل، هي التي أمسكت مقاليد الشركة حينما كانت في الحضيض، تقسم أنها ستدافع عن ذلك الكرسي بمخالبها إن تجرأ ذكر فقط على رفع صوته.

رمقت سكرتيرة زوجها السابق وسكرتيرتها الحالية، المرأة التي تخطت الحاجز الاربعون، لطالما اعجبت بسرعتها ودقتها في العمل رغم كونها امرأة متزوجة وتحمل وحوشًا صغارًا تقدمت نحوها ببرود شديد لتستقيم السكرتيرة واقفة وعيناها الجاحظتين جعلتها ترتسم ابتسامة ساخرة على ثغرها
صاحت بصوت صارم وهي تدق بأناملها المطلية باللون الأحمر على مكتب سكرتيرتها
- مدام تغريييد، سرحانة في ايه؟

شملتها المدعوة ب تغريد بنظرات متفحصة، تلك ليست ربة عملها التي عملت منذ أكثر من عام في الشركة، من أمامها كمثال دقيق عن عروس ماريونيت، تدع للرائح والغادي فرصة ليفتتنوا بها، ل تتلظى ف احشائهم نار لن تخمد، انتفضت حينما سمعت صوت حاد من ربة عملها لتهز رأسها بعملية وهي تشير إلى المكتب
- لا ابدًا يا فندم، اتفضلي.

ارتسمت ابتسامة باردة اقرب منها مميتة على شفتيها و بكل برود دلفت إلى حجرتها، حجرة المدير التنفيذي، رمقت بعينها التغيرات من ألوان الحائط التي تبدلت من اللون الرمادي إلى اللون الأسود و الأرائك الجلدية السوداء إلى ارائك صفراء التي تعمي العينين برضا تام، رمت حقيبتها بلا مبالاة ارضًا وارتمت بثقل جسدها تتحس نعومة الارائك الجديدة، رفعت ساقيها تضعها بكل وقاحة على المنضدة لتغلق جفنيها براحة تامة لما حققته.

صراخ شديد اقتحم طبلة اذنيها مما عكر مزاجها الراقي اليوم، تأففت بضجر وهي تسحب سحبًا من تلك الأريكة المذهلة، رغم ثمنها الباهظ إلا أنها تستحق ذلك، وما إن زاد صراخ من في الخارج حتى تلبستها الشياطين جميعًا ل تفتح باب الغرفة، صائحة بصوت حاد
- ممكن اعرف ايه سبب الدوشة دي هنا؟

ارتكبت معالم تغريد لتميل بجسدها نحو ربة عملها وهي تشير بعيناها إلى الجثة الضخمة الذي ابتلع جسد تغريد كليًا، وجهت نظرها الى الجبل الشامخ الذي التفت نحوها هادرًا في وجهها
- يعني ايه اغيب فترة وارجع الاقي المدام ماسكة المنصب ده؟، فين اعضاء مجلس الادارة ازاي سمحولها بكده
بري، متوحش كما قابلته في عزاء زوجها، لا يعلم حتى مع من يتحدث، عقدت ذراعيها حول صدرها وردت بجفاء تام.

- والله يا استاذ سراج ديه مش مشكلتي انك تغيب فترة عن بلدك وترجع تلاقي الحاجة مش زي ما كانت، وبمناسبة الكرسي ده انا اللي اولي بيه منك ومن اي حد في عيلتكم
عض على نواجذه كي لا يدق عنق تلك المرأة المثيرة لأعصابه، تتفنن دائمًا في اثارة سخطه ومقته بعيناها الباردتين، حدجها بنظرة مميتة بعينيه القاسيتين
- مدام أسرار
القت نظرة ساخرة في وجهه وتمتمت ببرود صقيعي ارجف بدن تغريد الواقفة أمامها.

- الكرسي ده بتاعي وأعلى ما خيلك اركبه، مدام تغريد وصلي الاستاذ لمكتبه شكله اتلخبط بين الادوار
في منتصف الجبهة تمامًا، تمتمت بها تغريد سرًا وعيناها معلقتان على الشخص البوهيمي امامها، لو كانت النظرات تقتل لاردتهما صرعا
- مدام تغريييد، حالا عايزه اجتماع اعضاء مجلس الادارة
صاح بها بصوت اجش ارتعدت لها مفاصلها لترد بصوت جاهدت في ظهوره
- تحت امرك يا مستر سراج.

ألقي نظرة أخيرة ل صاحبة الجليد، نظرة شملها كليًا لم يهتز جفنها لتقابل نظراته المتحدية ب أخرى قاسية، بل رفعت حاجبها الانيق تتحداه بسفر أن يطأ الغرفة التي تتخذها عرش لها، تظهر انيابها بشراسة أمامه وهو، عدوها اللدود، لكن ما جعله يتلقى شلل لمدة ثواني معدودة هو إغلاقها الباب في وجهه
- شرفت يا سراج باشا.

اغلقت الباب خلفها وبقي محدقًا في أثرها لمدة لا تقل عن ثلاثين ثانية، عاد بنظراته نحو تغريد التي تنظر نحوه بخشية، يكاد يشعر انها تحبس انفاسها كي لا تتنفس الهواء المحيط به، صاح بصوت أجش
- ساعتين والاقي كل أعضاء مجلس الإدارة في الاجتماع
هزت تغريد رأسها ايماءا
- تحت امرك
غادر الطابق برمته وعيناه تتقدان شررًا، واخيرًا التقطت ذرات الاكسجين في الجو الحانق لتهمس بخشية
-ربنا يستر من اللي جاي.


الشيطان يكفيه عشر ساعات ليقنع رجلاً، والمرأة يكفيها ساعة واحدة لتقنع عشرة شياطين.
نزار قباني
التف جميع أعضاء مجلس في الطاولة المخصصة للاجتماعات، مظهرها الواثق وكأنها تملك المكان لم يهز فيه شعره.

هو لم يعبأ ابدا بأعمال المؤسسة الخاصة بالعمل، يأتيه في كل اخر شهر حصة الأرباح وهو منذ البداية ابتعد عن اعمال العائلة واختار أن يؤسس ورشة لصيانة السيارات، ضيق عيناه وهو يرى عيناها الزجاجية تنظر اليه بشماته وهو يستمع إلى المحامى ويخبره عن أدق الأحداث ما إن تمسكت بمقاليد الشركة، التفت إلى المحامي وقال بجمود
-يعني ايه الكلام ده يا استاذ؟
اعطي عدة وريقات التي أمامه وقال بصوت هادئ.

-بمعني إن مدام اسرار ليها أسهم في الشركة دي يا أستاذ سراج
اتسعت عيناه دهشة إلى ما سمعه، لما لم يخبره أحدا بتلك النقطة، والدته الكثيرة الشكوى لم تخبره بشيء مثل هذا الا اذا، أمه لم تكن تعلم ووالده العظيم لم يخبرها بتلك الفاجعة، قست عيناه حينما استمع إلى ضحكتها الساخرة وهي تنظر اليه بمكر ليزفر بحنق وهو يحاول الا يدق عنق تلك المرأة المثيرة الأعصاب ليقول بصوت اجش للمحامي
-امتي الكلام ده حصل؟

أجاب المحامي بنبرة علمية وما زال يعطي اوراق في كل جملة يقولها أمام عينيه
-فترة خسارة الشركة، فكر ان استاذ ضياء الله يرحمه يبيع بعض أسهم الشركة ويدخل معاه شريك علشان يقدر ينقذه من الديون اللي غرقت الشركة
ضيق عيناه الى الورقة التي أمامه وقال ساخرا
-والمدام اول حد من عرض المساعدة
لم يعبأ أحد بنبرته الساخرة ليتابع المحامي بلا مبالاة لتلك النيران المستعرة في داخله.

-مضبوط يا فندم، نسبتها في الشركة مش قليلة ومركزها اخدته بموافقة أعضاء مجلس الإدارة
قاطعت اسرار المحامي وهي تهمس بصوت مبطن بالسخرية
- شكرا جدا يا استاذ حسين تعبت حضرتك في شرح مش هيقدم ولا يأخر شيء
استقام المحامي من مقعده وتبعه الرجال التي لم تنبس ببنت شفه وغادروا الغرفة لتبقى هي وهو والأوراق
ما أن غادر آخر شخص من الغرفة حتى التفت إليه وقالت ببرود.

-نورت يا سراج باشا، المرة الجاية تجيب حماتي وبالمرة تزور أحوال المؤسسة ماهو مش كل حفلة وسهر تسحبه من البنك من تعبي وشقايا
مال بعينيه نحوها، يتعمق إلى اختراق الحائط الزجاجي العازل عنه، راغبا في تعرية دواخلها الغامضة، حك ذقنه بطرف سبابته ليقول بنبرة غامضة
-مدام اسرار، متشديش ديل الأسد بسذاجه
اقتربت منه وهي تهبط بجذعها إلى مستواه لتهمس بنبرة جافة
-ومين قالك اني بشدة فضول؟

عاد برأسه يقيم تلك الجرأة التي أدهشته، أسند رأسه على رأس المقعد وهو ينظر إليه بغموض لتقرر الإبتعاد عنه وهي تقول بلا مبالاة
-عموما كونك فرد من أفراد المؤسسة من حقك تعرف ايه اللي حصل خلال سفرك، مدام تغريد تقدر تساعدك في أي ملف عايزة
واستدارت مغادرة وما ان امسكت مقبض الباب حتى التفت إليه وقالت بنبرة متهكمة
- متخافش مني أوراقي سليمة ولا حماتي العزيزة كانت زمانها استلفت من اللي يسوي وميسواش.

وقحة، سليطة اللسان، لا يعلم كيف أخيه المسالم تزوج تلك المرأة، من الواضح أن أخيه لم يقدر على ترويض زوجته او استطاع ترويضها وهي فقط تظهر مخالبها للعدو!

إذا قالت امرأةٌ
إنها ستُحبُّكَ حتى الأبدْ..
وإنكَ زَيْنُ الرجالِ
فلا قبلكَ كانَ أحدْ
ولا بعدَك..
سوفَ يكونُ أحدْ.
فلا تطمئنَّ كثيراً إليها،
لأنَّ الدقيقةَ عند النساءِ،
أبدًا
- نزار قباني.

أغمض جفنيه والهواء الذي يدخل من نافذة سيارته يداعب خصلات شعره التي استطالت، وترك قميصه محلول حتى منتصف صدره، أرخى رأسه على مقعد سيارته وعقله يفكر في خائنته الجميلة مارية، كانت عنفوانية وتضج بالحياة في مرحلة سابقة قبل أن يأتي ذلك المسخ ويمتص رحيق حياتها، كانت محط أنظار الجميع نساءً ورجالا وهو لن ينكر سحرها وهالتها التي رآها بها أول مرة...

كان هو في طريقه للخروج من المطار، شقيقته وعائلته منتظرة إياه على أحر من الجمر لرؤيته بعد فترة التي قضاها في الخارج، لهفته لم تجعله ينتبه إلى ذلك الجسد الناعم الذي ارتطم به، سمع نبرة حانقة من صوت انثوي تسبه وتلعنه بالانجليزية، ضيق عيناه وهو يراها تلملم محتوياتها التي سقطت من حقيبتها ارض، اخفض جذعه وهو يلتقط اشيائها ليقول بنبرة ساخرة ما أن رآها مرتدية شعار شركته للطيران
-نعم!

والكومة الشقراء رفعت عيناها الآسرتين لعيناه، وكم كانت آسرة بلمعة الغضب التي تطل من عينيها الساحرتين لتبرطم بالانجليزية
- I said are you blind?
رفع حاجبه بتسلية وهو يراها تراقب زي الطيار الذي يرتديه بامتعاض، وضع محتوياتها في حقيبتها وصاح بنبرة لاذعة
-متعوجيش لسانك معايا زي ما شايفة احنا هنا في ارض الوطن
اتسعت عيناها لوقاحته، وهو يغرق في عيناها بدون رحمة، شدت على خصلات شعرها بجزع هاتفة بحنق.

- what ?، who you think your self?
استقام قائلا وهو ينفض تراب وهمي من ملابسه
- اظن كلامي واضح يا انسه، لسانك ده تغيريه على حسب الدولة اللي عايشين فيها، وبما ان احنا في مصر ف انتي مضطرة تتكلمي بلغتها
والتفت مغادرا دون أن يزيد كلمة أخرى واضعا نظارته القاتمة على عينيه وهي وقفت مشدوه، عيناها متسعة ببلاهة هامسة بزمجرة قطة
- الوقح.

التقط تلك الكلمة بسهولة، لقد حفظ بسرعة رهيبة إلى نغمات صوتها الناعم، وذلك الصوت حتى الان لا يترك مخيلته قط، هي تعذبه ليلا ونهارا والغبية لا تعلم او تتظاهر انها لاتعلم!
ماذا يفعل معها، لقد تعب يقسم أنه حاول بعد تلك الليلة أن يعود لأمريكا كما كان، لكن ذلك النابض اليائس جعله يعدل عن قراره، فتح عيناه ليضرب بيأس على المقود صائحا بوحشية
- ازاي كنت غبي بالشكل ده.

بعد عدة دقائق اخرج شحناته السلبية وما أن أبصر الى اسم المتصل الذي يدق بإلحاح على هاتفه، ابتسم ما ان علم هوية المتصل شقيقته ليرد على الاتصال بنبرة هادئة
- ايوا يا حبيبتي، ايوا وصلت مصر
ارتخت ملامحه المتشنجة ما ان استمع الى صوتها الدافيء الذي يتسلل بخبث إلى قلبه، سكنت ملامحه وهو يقول
- وانتي كمان وحشتيني، شوفي اختك التانية فين وجيبها حتى لو كانت في بالي تيجي في أقرب فرصة.

اغلق الهاتف بعد عدة عبارات وعد عن قدومه إلى المنزل، عاد يغلق جفنيه مرة اخرى، عليه اولا ان يطمئن على اختيه، لقد تصفح ليلة أمس صفحة جيهان تلك المتمردة ليراها تضع حول عنقها ثعبان ضخم، لا يعلم ما الذي يفعله ليكبح جماح أفعالها المتهورة، لكن أكثر ما يقلقه تلك الهادئة شادية، لا يعجبه ذلك السكون المنبأ بالعاصفة...

زفر بحرارة وهو يعيد تشغيل المحرك لينطلق بسيارته وهو يحاول ان يخرج ذكري المخادعة مارية هامسا بحزم
- اظن ان دي النهايه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة