قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية في قبضة الأقدار الجزء الأول للكاتبة نورهان العشري الفصل الثالث والعشرون والأخير

رواية في قبضة الأقدار الجزء الأول للكاتبة نورهان العشري الفصل الثالث والعشرون والأخير

رواية في قبضة الأقدار الجزء الأول للكاتبة نورهان العشري الفصل الثالث والعشرون والأخير

ست أمينة سالم بيه خرج من شويه و مردش عليا لما نادتله.
هكذا تحدثت نعمة بعدما أطلت من باب غرفة امينه التي كفكفت عبراتها التي لم تفرغ بمرور الأيام بل تزداد حتى أنها باتت الشئ الوحيد الذي يواسيها في ليلها الطويل مع ذكريات بقدر روعتها مؤلمه عن فقيد قلبها الغالي الذي لا يفلح كل شئ في تعويض غيابه
ناوليني الطرحه يا نعمه.
اقتربت منها نعمه و هي تساعدها على النهوض قائلة بعتاب خفي
بزياداكي بُكى يا حجه. صحتك.

امينه بألم محفور في تجاعيد وجهها و ثنايا قلبها
البُكي دا نعمة من عند ربنا. لولا شويه الدموع إلى بتنزل دي مكنتش القلوب هتتحمل وجعها.
نعمة بإشفاق على حالها
ربنا يهون عليكِ يا حاجه. بالرغم من كل إلى انتِ فيه إلا أنك بتهوني على الكل.
اخرجت وجعها على هيئة زفرة قويه و هي تقول
مقداميش غير كدا. قلبي مش حمل وجع تاني. عايزة اطمن عليهم. ربنا عوضني بابن حازم. ولازم اطمن أنه ميبعدش عن حضني أبدا.

طب يا حاجة انتي مش عارفه اذا كانت أمه هتوافق عالي في دماغك دا ولا لا؟ و كمان سليم بيه صعب تقدري عليه
انكمشت ملامحها بألم ثم تابعت ارتداء حجابها وهي تقول
إلى ربنا عايزه هيكون. المهم اني اطمنت انها بنت كويسه.
ربنا يقدم إلى فيه الخير و يبرد قلبك يارب.
دق باب الغرفة و أطل منه سليم فأمرت امينه نعمه بالانصراف و قالت بهدوء
تعالي يا سليم اقعد
لم يتفوه بحرف فتوجه إلى حيث أشارت و جلس بهدوء فاقتربت منه قائلة.

انت شوفت سالم قبل ما يخرج؟
سليم بجفاء
لا. مع أنه المفروض كان يستناني عشان ورانا حاجات مهمه. معرفش ايه اللي حصل و خلاه خرج فجأة
زفرت امينه بتعب و قالت بصراحه صدمته
انت كنت عارف أنه عايز يتجوز فرح؟
التفت يناظرها بذهول سرعان ما انمحي و حل محله الجمود حين قال
ايوا كنت عارف.
أمينة بعتب
- ومقولتليش ليه؟
سليم بفظاظة
الموضوع ميخصنيش عشان اتكلم فيه.
نجم في استثارة غضبها فقالت
الموضوع يخصنا كلنا لو مش واخد بالك.

سليم بامتعاض
أنتِ عارفه سالم يا حاجه. و عارفه انه لا بياخد رأي حد و لا بيحب حد يدخل في إلى يخصه. و بعدين افهم من كلامك دا انك مش موافقه؟
احتارت هل تخبره بما حدث و تشوه صوره تلك التي من المُحتمل أن تكون مظلومة فهي تعرف اندفاعه جيدًا لذا قالت بمراوغه
الموضوع زي ما قولت يخصه. و بعدين هو لسه متردد.
رفع حدي حاجبيها قائلا باستنكار
سالم متردد!
انكمشت ملامحها بالحيرة فقالت مغيره الموضوع.

قولي يا سليم انت إيه رأيك في البنات دول؟
دفعته بحديثها إلى حقل ألغام لا يقدر أن يخطو به خطوة واحدة فآثر أن يجيبها بشكل عائم
ماليش راي. يعني مبركزش. معرفهمش
كانت تعلم بأنه يراوغها فاهتزاز ملامحه وتغير نبرته خير دليل على ذلك و لذلك آثرت الحديث بصراحه فقالت
طيب يا سليم بما اني اكتر واحده عرفاك فهتكلم بصراحه لو قولتلك ايه رأيك تتجوز جنة هيكون ايه ردك؟

لم يتخيل للحظه أن والدته ستعرض عليه هذا الأمر أبدا و معني ذلك أنها تري أعماقه بشكل اغضبه كما اغضبه ضجيج قلبه الذي عصى عليه لأول مرة بحياته و أوقعه بذلك المأزق و لأنه يتنفس الكبرياء قال بطريقه صدمتها
هرفض طبعا ايه إلى انتي بتقوليه دا يا حاجه؟
كانت تتوقع رده ولكن تلك الطريقه الصارمة و كأنها تعرض عليا جريمه نكراء أصابها بااصدمه فقالت.

لما عرضت عليك تتجوز سما كنت متأكدة من انك استحاله توافق. إنما جنة! ليه
خربشت بأناملها على جراحه النازفة بعد أن وضعت سيف الحيرة على رقبته و ألقت به فريسة بين أنياب العشق والوجع في حرب الكبرياء الطاحنة التي تنهش جوانب صدره بضراوة والتي حسمها عقله حين أعلن العصيان على قلبه فرجل مثله بلغت عزته عنان السماء و لا يقبل الانحناء أمام مذلة العشق أبدًا حتى ولو كان عشقها!

لو كنت رفضت سما مرة ف جنة هرفضها ألف مرة.
هكذا أجابها بلهجة جافة لا تحمل أيًا من مشاعره المُبعثرة و لا آلامه الدفينة
انفعلت قائله بعتب
وليه عايز تعذب نفسك؟ بتلف طوق الذنب حوالين رقبتك ورقبتها ليه؟ عنيك معريه قلبك يا سليم.
ثارت جيوش تمرده على كلماتها و رفع رأسه بشموخ ينفي عن نفسه عار تلك المشاعر المسمومة قائلًا بنبرة مغترة
قلبي ملكِ. يوم ما يعصي عليا احطه تحت جزمتي.

كانت تعلم معاناته ف تحلت بفضيلة الصبر و قالت بنبرة مُتزنة
طب قلبك هتحطه تحت جزمتك طب و واجبك تجاه اخوك وابنه.
كان يعلم هدفها فتجاوزه ببراعة
ابنه في عنيا وعمري ما هخليه يحتاج لاي حاجه أو اي حد و أنا موجود.
وصلت لمبتغاها فقالت بتخابث
طب و هتقبل أنه يتحرم من أمه؟
تقصدي إيه؟

اقصد أن جنة صغيرة وحلوة والف مين يتمناها و طبيعي هتفكر تتجوز خصوصا انها معاشتش حياتها وقتها هتسيب ابن اخوك يتربى مع حد غريب؟ ولا هتحرمه من أمه.
نجحت في تسديد هدف قاتل في مرماه فهي أكثر من يعلمه و ملامحه التي كانت مِكفهرة مُستنكِرة خير دليل على ظنها و خاصةً حين وجدته ينتفض بقوة كالملسوع في قلبه قائلًا بانفعال طال كل ذرة من جسده
الكلام دا مش هيحصل ابدًا. يعني ايه تتجوز تاني! مجنونه دي ولا ايه؟

في قانون الكبرياء سأحبك دائما حتى لو رفضتك للأبد
و في قانون القلب سأُشعِل الف حرب على الكبرياء والقدر حتى اظفر بسلام قربك.
وفي قانونه الخاص سأكتفي بعشقك حتى و لو كان العشق دائي و سأرفض قربك حتى و لو القرب دوائي. ولن ينجو كلينا من بطش كبريائي. فلن تكوني لي و لن تكوني لغيري فما أنا برجل يقبل أن يكون فدائي...

لا مش مجنونه يا سليم. دي بشر لحم ودم بنت لسه صغيرة من حقها تعيش حياتها زي باقي البنات. دي الحقيقة اللي مينفعش نعمي عيوننا عنها.
أظلم قلبه بعد أن احترق بنيران الغيرة حتى صار بركانًا أن ثار لن يقف بوجهه أحد
بطلي كلامك دا. انتي بتقولي كده عشان تستفزيني صح؟ طيب خديها مني بقي عشان ترتاحي جنة عمرها ما هتكون لراجل تاني ابدًا واي حد هيفكر يقرب منها يبقي حكم على نفسه بالموت.

نجحت في إخراج وحوشه الكامنة و إضرام النار بغيرته القاتله والتي جعلتها تشعر بالشفقة عليه فقالت بأسى
وليه الوجع يا ابني؟ ليه تظلمها و تظلم نفسك.
بعينين هالكتين و قلب فتت الوجع أضلعه من شدة قساوته. القي بحمله الثقيل الذي لم تفلح قوته في تحمله وقال بصراخ.

عشان متنفعش! متنفعش أأمنها عليا ولا على بيتي. انتي عارفه هي اتجوزت حازم ازاي؟! دي محافظتش على نفسها وفرطت فيها بالشكل المُهين دا! أسلمها اسمي و شرفي ازاي!
شهقة قويه خرجت من جوفها حين سمعت ما تفوه به و لم تكد تتحدث حتى سمعوا صوت نعمة وهي تقول بلهفه
ست جنة. يا ست جنة.
سقط قلبه بين أضلعه حين سمع اسمها و هرول إلى الخارج فوجد نعمة التي تقف أمام باب القصر من الداخل و بصوت اهتز من فرط القلق سألها
في ايه؟

نعمة بجزع
ست جنة طلعت تجرى على برة و هي منهارة وبتقول مش راجعه هنا تاني
عقاب الزمن قاسي خاصة و أن كان القدر اعطاك الفرصه كامله و لم تغتنمها بل لفظتها متسلحا بكبرياء اهوج لا يستطيع ابدا اخماد الألم و لا مداواة الجروح.

هرول إلى الخارج باحثا عنها بكل مكان حوله بقلب يتلظي بنيران الخوف و عقل صار يتوسل القدر ألا يختبره بها. اخذ يدور حول نفسه كالمجنون حتى أنه صار ينادي عليها بالشوارع كالطفل الذي تاه عن والدته و فجأة أتاه الإنقاذ على هيئه هاتفه الذي على رنينه وكان المتصل مروان
مروان جنة مشيت و منعرفش راحت فين مش كلمتك.؟
مروان بغضب
جنة منهارة و في المقابر عند حازم.

صاعقة قويه ضربت قلبه فبعثرته إلى أشلاء حين علم أنها لجأت إلى شقيقه المتوفي لا يعلم هل كانت غيره ام ألم على ما سمعته من قذائف مدويه خرجت من بين شفتيه بعدما اصابه العجز أمام والدته التي عرت ضعفه أمامها.

كان يقود سيارته بسرعه جنونيه و كأنه يريد أن يطير إليها لا يعلم هل يعتذر منها أو يعتذر من أخيه أو يخبرها بالسبب الحقيقي لحديثه هذا ام يعنف نفسه على غبائها؟ لا يعلم ماذا عليه أن يفعل فقط يريد رؤيتها سالمه لا اكثر.

سقطت فوق الارض الرمليه التي ارتوت بعبراتها الغزيرة و التي لم تقو على إيقافها فقد خدرت وجعها لوقت طويل و لم تعد تحتمل أكثر من ذلك. وهاهي تقف أمام ذلك الذي لا تعلم هل تلعنه ام تدعو له بالرحمه التي هي في امس الحاجه اليها الآن.

فقد دهست كرامتها و سحقت مشاعرها للحد الذي جعلها تريد الهروب من كل شئ ترغب في أن تتواري تحت الثري حتى تختبئ من ذلك العار الذي لطخها و السبب في ذلك أنها استمعت إلى قلبها. في المرتين كانت النتيجه هزيمه كبيرة و خسائر فادحة لا يحتملها جسدها الهزيل.

مش عارفه اقولك ايه؟ ادعيلك و لا ادعي عليك. ضيعت حياتي يا حازم. و طلعت جبان حتى في اخر لحظه في عمرك و سبتني أواجه كل حاجه لوحدي. ليه؟ ليه ليه كدا يا حازم. ليه اتكتب عليا اعيش كل الوجع و القهرة دي لوحدي ليه؟
شعرت بركلة قوية أسفل بطنها و كأن أحدهم يذكرها بوجوده. فامتدت يدها تلامس موضع ضربته وهي تقول بحب يقطر من عينيها.

انت بس بس مصبرني على كل حاجه بتحصلي. انا عارفه اني مينفعش اعترض و مينفعش أضعف و انت موجود بس الوجع زاد اوي. كسرة الخاطر صعبة و جرح القلب اصعب وانا اتكسر خاطري و قلبي اتجرح و كرامته اتهانت كتير اوي. سامحني ارجوك.
كأن تلك الروح النقية شعرت بها فنالت ركلة ثانيه أسفل يدها جعلتها تقول بوجع.

انا عارفه اني استاهل و إلى تفرط في نفسها تستاهل إلى يجرالها بس والله انا مش وحشه غصب عني. عارف انت الوحيد إلى تستاهل عشانه افضل كاتمه سري جوايا و ساكته. عشانك بس هقبل افضل وحشه في نظره ونظر الناس كلها. بس اوعدك لما تيجي بالسلامة و تبقي قادر تفهمني هقولك على سرى. انت الوحيد اللي تستاهل تعرفه.

تجمدت خطواته اثر سماعه لجملتها الأخيرة و التي وضعت سيف الحيرة على رقبته فمعني ذلك بأنها مُحتمل أن تكون مظلومه بهذا الزواج!
سر ايه إلى أنتِ مخبياه؟
شهقت بعنف حين سمعت صوته يخترق خلوتها و ذلك السكون المهيب الذي يحيط بها ولكن تحولت صدمتها إلى غضب كبير حين رأته و بكل وقاحه يسألها عن سرها. رغبة عنيفة تملكتها في أن تجعله يتذوق من ويل ما اذاقها فقالت بلهجة جافه
اديك قولت سر. بأي حق تسألني عنه؟

كان يتفهم غضبها و ينوي تجاوزه حتى يصل إلى قشة الغريق التي ستنقذه من ذلك الهلاك الذي يحيط به
عشان ميخصكيش لوحدك. يخص اخويا و ابنه.
قاطعته بقسوة
اخوك و ابنه يخصوني اكتر ما يخصوك. لو ناسي اني كنت مراته!
نجحت في غرز سهمها في منتصف قلبه ولكنه تجاهل ألمه وقال بصراحه فقد ضاق ذرعا بكل شئ و قرر أخيرا أن يفصح عن ذلك الاستفهام الذي يؤرق لياليه
أنتِ اتجوزتِ حازم ازاي؟
ميخصكش!

كانت كلمتها كالسيف الذي مر على رقبته فانتفض بغضب مؤلم
يخصني. و عايز اعرف كل حاجه دلوقتي
أرادت النيل منه بقوة نابعه من حطام كرامتها التي سحقها تحت أقدامه فقالت بثبات
ليه؟ بتدور على اى حاجه تشفعلي عشان تقبل تتجوز واحده زيي؟
تجاهل مرارة كلماتها التي آلمته قبلها وقال باختصار
أنتِ شايفه ايه؟
جنة بقسوة.

شايفه انك توفر على نفسك وجع الدماغ. عشان أنا واحده وحشه و كنت بجري ورا اخوك عشان فلوسه و قبلت اتجوزه عرفي و برغم كل القرف دا انا عمرى ما هقبل اتجوزك. حط الكلمه دي في دماغك. لو انت آخر راجل في الدنيا عمري ما هقبل اتجوزك.

أشعلت كلماتها جحيم غضبه والذي تجلي بعينيه التي احترقت باحمرار داكن و ملامحه التي اكفهرت فبدت مرعبة و قبضته الغير رحيمه التي امتدت تمسكها برسغها بقوة يجرها خلفه إلى حيث أوقف سيارته و قام باجلاسها على الكرسي المجاور له و اصوات أنفاسه الهادرة ترعبها من قوتها مما جعلها تلجأ للصمت طوال رحلة العودة.

كانت تدخل من باب البيت بأقدام مثقلة بالخيبات والألم فتفاجئت بالجميع ينظرون إليها بغرابه فقالت بهدوء
في ايه؟
نالت نظرات ساخطه من عيني حلا التي ما أن أوشكت على الحديث حتى رمقتها والدتها بغضب فانصاعت لتحذيرها الصامت و دخلت إلى غرفة الجلوس تليها سما فتنقلت انظارها بين الحاضرين لتستقر على أمينة التي قالت بتحفظ
جنة اتضايقت شويه و خرجت و كنا قلقانين عليها. بس الحمد لله اطمنا.

انكمشت ملامحها بذعر تجلي في نبرتها حين قالت
يعني ايه خرجت متضايقة. حصل ايه ضايقها؟ وهي فين دلوقتي؟
امينه بغضب دفين
قولتلك اطمنا عليها و زمانها جايه دلوقتي
زاد رعبها مضافا إليه الغضب فانسحبت مهروله إلى غرفة المكتب الخاصة به فلا يوجد شخص يستطيع مساعدتها سواه.

فتحت باب المكتب دون أي استئذان و دخلت بأعين ضائعه وجدت ضالتها حين رأته يقف أمام النافذة فهرولت إليه متجاهله مروان الذي ود لو ينبهها بحالته المرعبة تلك ولكنها لم تمهله الفرصة و توجهت إلى سالم تقف أمامه قائله بلهجه مرتعبه بينما امتدت يدها تلامس ذراعه الأيسر بعفوية
سالم حصل ايه لجنة. محدش بيرد عليا بره.

لهجتها المرتعبه و ملامستها له و عينيها التي تتوسل اليه كل تلك الأشياء كان لها وقع باعماق قلبه و لكنه تجاهلها بعد أن أقسم الا ينخدع بزيف برائتها و استقامتها مرة أخرى فتراجع خطوتين للخلف بعد أن أرخى ذراعه ليسقط كفها عنه بطريقه احرجتها كثيرا و قال بلهجة فظة و عينين يغلفهما جمود صدمها
جنة كويسه جايه هي و سليم دلوقتي.
تمتم مروان بتهكم
سليم ايه. المفروض انك كدا بتطمنها!

تفاجئت من برودته معها و لكن ما ازعجها أكثر حين ذكر اسم ذلك الرجل مقترنا بشقيقتها فجميع أفعاله معها تدينه لذا قالت بانفعال
اه. سليم! قولتلي. يبقي انا كده عرفت هي اتضايقت من ايه.؟
من فرط تأثرها لم تلحظ تلك التعابير المخيفه المرتسمه على ملامحه و التي كانت نابعة من احتراق روحه بنيران الخيانة فخرجت لهجته قاسيه توازي قساوة ملامحه و حدة نظراته.

إياكِ تعلي صوتك قدامي و متتجاوزيش حدودك معايا! متنسيش نفسك. فاهمه!
شهقه قويه خرجت من جوفها ولكن لم تتجاوز أعتاب شفتيها جراء صدمتها من حديثه و نظراته وملامحه التي كانت تطالعها و كأنها شئ بلا قيمة أمامه و قد كانت تلك هي المرة الأولى التي يناظرها هكذا. و تلك الكلمات التي غرست أسهم الإهانة بصدرها مما جعلها تكابد حتى تثبط موجة من الدموع تهدد بالانفجار في اي لحظة و شحذت بعضا من كبريائها لتقول بجمود.

فاهمه! عندك حق يا سالم بيه. مش هنسي نفسي و لا هتجاوز حدودي معاك تاني.
ألقت كلماتها بملامح مرتجفه و عينين تهتز من ثقل العبرات بها والتفتت تنظر إلى مروان قائله برجاء
مروان لو سمحت عيزاك شويه
رق مروان لحالها كثيرا و لوضعها الذي يهدد بالانفجار فهب من مكانه قائلا بلهفه
طبعا أنا تحت أمرك.

اجبر نفسه بصعوبه على تجاهل ما يحدث أمامه و بداخله نيران تغلي و تحرق أوردته التي ثارت عليه من قساوة الوجع ولكنه بصعوبة التفت إلى الجهة الأخرى قبل أن تخونه يديه و تفعل شئ قد يقضي الباقي من حياته نادما عليه.

توجهت بخطوات سريعه كل ما ترجوه هو الابتعاد عنه و ما أن فتحت الباب حتى وجدت سليم بملامحه المرعبة يسد عليها الطريق فتراجعت خطوتين إلى الخلف بصدمة ازدادت حين وجدته يدخل بعد أن أغلق الباب خلفه بقوة مزمجرا كالوحوش
دلوقتي تروحي لجنة و تعرفي منها ايه السر إلى مخبياه عن علاقتها بحازم. و إلا وديني اليوم دا ما هيعدي على خير
تجاوزت صدمتها وقالت بانفعال
انت باي حق تكلمني بالشكل دا!
صاح بزمجره كالأسد الجريح.

مش هكرر كلامي تاني. إلى قولتهولك تسمعيه. حالا دلوقتي تعرفيلي هي مخبيه ايه؟
لم تكد تجيبه حتى خرجت منها شهقه قوية حين شعرت بقبضة مؤلمه تجذبها من معصمها بقوة تحميها من مواجهة هذه الأسد الثائر لتجد نفسها خلف ظهره بلمح البصر بينما ارعد هو بصوت مفزع
سليم. أنت ازاي تكلمها بالشكل دا؟
تراجع سليم الى الخلف بانفعال واضعا يده فوق جبهته و أخذ يدور في الغرفة بصورة هستيريا و هو يقول بكل ما يعتمل بداخله من قهر.

مش هقدر اسكت اكتر من كدا يا سالم. في سر هي مخبياه و أنا لازم اعرفه. كفايه عذاب لحد كدا بقي.
لم يكد سالم يجيبه حتى فوجئ بتلك التي نزعت يدها بغضب من قبضته و هرولت إلى باب الغرفة فقد نالت كرامتها اليوم جرعة كبيرة من الإهانه لم تختبرها مسبقا و لتكن هذه هي الطامة الكبرى التي أما ستخرجهم من هذا الجحيم إلى غير رجعة أو ستدفنهم به للأبد.

دلفت إلى داخل الملحق الخاص بهم فوجدت جنة التي كانت تجلس بانكسار على أحد المقاعد ولأول مرة تتجاوز وجع شقيقتها و تفصح عن ألمها الذي ينخر بداخلها منذ أن حدثت تلك الكارثه
عاجبك الوحل إلى رمتينا فيه دا؟ عاجبك الإهانات دي كلها؟ عاجبك رقبتك المحنيه طول الوقت دى؟ ردي عليا؟
رفعت جنة انظارها فتفاجئت من مظهر شقيقتها المبعثر أو لنقل هيئتها المدمرة فخرجت الكلمات من بين شفتيها التي شققها الوجع.

انا اسفه يا فرح. اسفه والله. سامحيني
صرخت بقهر نابع من وجع بات يقتات على روحها حتى أوشك أن يدميها
مفيش حاجه اسمها اسفه. اسفه دي مش هتمنع رصاص كلامهم و لا الاحتقار إلى بينط من عنيهم كل ما تيجي علينا.
صمتت لثوان ثم تابعت بقلب محترق
- أنتِ رخصتي نفسك اوي. و إلى بيرخص نفسه محدش بيغليه!
خرج صوتها جريحًا من بين شفتيها حين قالت بقهر.

عارفه اني غلطت. أقسم بالله عارفه اني استاهل الموت على غلطتي. ياريت لو يرجع بيا الزمن عمري ما هعمل كده في نفسي أبدا.
ياريت ينفع ألف عالبنات كلهم بنت بنت واقولهم اوعوا تأمنوا و لا تسلموا. اوعوا تسمحوا لمشاعركم تتخطي حدود قلبكوا.
هبت من مكانها وهي تقول بقهر من بين نهنهاتها المتقطعة
عايزة اصرخ بصوت عالي و اقول اني ندمانه لحد ما نفسي يتقطع و اروح في ستين داهيه و أرتاح و أريحك من كل الوجع دا.

كان قلبها و كأنه موشوم بالوجع الذي أهلك كل ذرة فيها و امتص منها روحها فأصبحت كخرقه باليه لا تصلح لأي شئ و لا ترجو اي شئ ولكن كان وقع الإهانه اصعب ما يكون لذا تجاهلت كل العذاب و الألم و حتى الشفقه التي تجتاح قلبها على شقيقتها و قالت بلهجه قويه جافة
لو عايزة تريحيني فعلا يبقي تقوليلي اتجوزتي حازم ازاي؟ يمكن يكون عندك حاجه تريحني.

نحن لا نملك دائما الحق بالاحتفاظ بذكرياتنا و اسرارنا مهما بلغ ثقلها ولا يمكن أن نتجاهل ألمها الذي يزهق ارواحنا بموت بطئ فلكل شئ نهايه و قد تكون بعض النهايات بداية لعصور أخرى لا تعلم ربنا تحمل رائحه السلام.
توجهت جنة إلى غرفتها واحضرت شئ ما و الذي كان عبارة عن ملف ناولته لفرح وهي تقول بنبرة متألمه.

حازم مكنش مدمن زي ما انتوا فاكرين. حازم كان مريض كان عنده سرطان في المخ. و كان بيضطر ياخد الزفت دا عشان يخفف عنه الألم ودي الاوراق اللي تثبت كلامي. و على فكرة أنا روحت معاه للدكتور وأكد لي كل اللي في الورق دا. كان شرطه الوحيد علشان يبتدي يتعالج إني أوافق اتجوزه عشان يضمن اني مضعش منه ابدا وخصوصا بعد مانتي رفضتيه وعشان كدا. وافقت!

كانت صدمه قويه افقدتها النطق لبضع لحظات طافت بها عينيها على تلك الأوراق و أخذت تقارن الأعراض التي يجب أن تظهر على فريسة ذلك المرض بهيئه ذلك الشاب اليافع الذي كانت الصحه و القوة تنبعث من ملامحه فلم تجد أي مجال لتلك المقارنة أبدا فمن المستحيل أن تكون حالته بتلك الطريقة المدونة في الورق و يكون بمثل هذه القوة و النشاط. هنا انار عقلها بتلك الحقيقة النكراء وهي أن شقيقتها وقعت فريسته لخداع ذلك الذئب الذي تجرد من كل معالم الانسانيه.

فاقت من شرودها على صوت جنة التي كانت تتوسل إليها قائلة
ارجوكِ يا فرح خلينا نمشي من هنا و أنا مش عايزة حاجه من الناس دي يكفي انهم يعترفوا أن الولد ابن حازم و مش عايزه حاجه منهم تاني.
تحول بؤسها و حزنها إلى نيران حارقة تجلت في نبرتها و ملامح وجهها حين قالت
اسكتِ خالص. و كفياكِ غباء بقي. الناس دي لازم تعرف حقيقة ابنهم.
صرخت جنة بقهر.

و هيفيد بأيه إلى حصل حصل. وحازم كام مستأمني على سره و مكنش عايز ممته تعرف عشان قلبها مش هيتحمل. ارجوكِ يا فرح متقوليش حاجه ليهم و خلينا نمشي من هنا.

تمت
الجزء التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة