قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل السابع عشر

رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل السابع عشر

رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل السابع عشر

يا عروسة الزين يا حلوة يحميكِ اللّه من العين.

كانت والدة شيما تتغنى بها وهي ترى ابنتها يتم حفل خطوبتها على فتى أحلامها، مُبارك يا شيما، صرخت هايدي بفرح شديد وهي تضم رفيقة العمر ناحيتها لتنظر لها شيما بأعين متلألئة من السعادة، في تلك الأثناء كانت عائشة تراقب المكان بسعادة خالصة، الفتيات في غرفة كبيرة نسبيًا في منزل شيما يتضاحكون سويًا ويغنوا بسعادة كبيرة فرحين بصديقتهم، أما الرجال فجلسوا سويًا في صالة المنزل الواسعة، سفيان يكتف صالح بقوة وأدهم وفرغلي يمسكون قدميه بتفرق، يريدون رفعه للهواء كعادة أي أصدقاء لهم صديق آخر يتزوج!

فرغلي هعد، واحد، اتنين، تلاتة، نرمي فوق ماشي، قال سفيان بحماس شديد وهو يقهقه على صالح الذي يتلوى كالأفعى بين أيديهم، والد صالح يجلس في ركن بعيد مع العم أمجد يمسكون كوبًا من الشاي ويتسامرون بينهم متجاهلين الولولة الخارجة من فم صالح، يلا، واحد، إتنين، اتنين ونص، تلاتة.

صرخ سفيان بهم بعد استطاعوا بمساعدة أصدقائهم من الحارة مساعدتهم في رفعه، يالهوي، يا ماما، صرخ صالح بفزع وهو يقترب من سقف الغرفة وحين هم بالسقوط ذكر اللّه بخوف، ثم رفعوه مرة ثانية وثالثة وفي المرة الرابعة نادى على سفيان بفزع فضحك صديقه ثم حين همّوا برفعه مرّة أخرى منعهم سفيان بابتسامة طفيفة، هو يعلم بأن صالح يخاف من المرتفعات ولكنه أراد أن يُمازح رفيقه، حمد الله على سلامتك يا زمالة، قال فرغلي بسخرية وهو يأخذ برأسه بين يده ليصرخ صالح بغضب ثم لكمه في معدته بقوة جعلت من فرغلي يصرخ بتفاجؤ، آه يا غبي، دي بطني مش مخدة يا متخلف، قال فرغلي بألم فضحك صالح بسخرية بحتة ثم نظر لسفيان بلؤم قبل أن يبتسم حين ضمه له بقوة، مُبارك يا حبيب أخوك، ربنا يتمم بخير ويجعلكوا مأوى وسند لبعض، قال سفيان بهدوء فابتسم له صالح بدفء قبل أن يجذبه أدهم ناحيته بقوة، بص بقا يا باشا، شيما خط أحمر وزعلها يزعلني، وربي لو عيطتها يوم مهتعرف إيه إللي هيجرالك، قال أدهم بجدية فنظر له صالح بتفهم قبل أن يحتضنه أدهم مهنئًا إياه، وظل الشباب في أجواء جميلة خالية من الأغاني ومن كل ما يغضب اللّه، جلسوا يتمازحون ويضحكون سويًا أما في غرفة الفتيات فقد تكهرب الجو لحظيّا بسبب تلك العقربة التي تدعى.

سولافا ابنة عم صالح والتي كانت تطمع به في بعض الأحيان، هو بجد إنتِ محطتيش ميكب؟
قالت سولافا بنظرة متقززة وهي تنظر لها من أسفلها لأعلاها فتركت شيما غطاء الحلة التي كانت ممسكة به تخبط واحد بالآخر مصدرة صوتًا مزعجًا لمن يحاوطها وحينها تضحك شيما بطفولية وكأنها بلغت مناها، اه يا حبيبتي محطتش، عيب ولا إيه؟

قالت شيما باستفزاز وهي تتخصر إمام الأخرى التي ضحكت بسخرية، لأ بس ده شغل فلح بصراحة، قالت سولافا ولم تستوعب ماذا حدث حتى وجدت نفسها تُسحب بقوة من قبل هايدي التي تناظرها بنظرات مرعبة، سولافان، بليز نقطينا بسكاتك علشان عيب شغل الأطفال ده، مش كل مرّة تيجي تزعليها وتمشي ماشي، مش كل مرّة بتسلم الجرّة، قالت هايدي بنظرات محذرة وهي تربت على كتفيها فنظرت لها والدة شيما بامتنان لتغمزها هايدي بمشاكسة ثم سرعان ما أطلقت زغرودة عالية جعلت من الفتيات يبتسمون بسعادة، أما رهف فقد نظرت لأختها بتفاجؤ، هايدي بتعرف تزرغط، كرمشت عائشة وجهها باستغراب، تزرغط؟!، طيب!

ضحكت رهف عليها حيث أنها تُخطئ في بعض الكلمات المنتقاة وتجعل عائشة أحيانًا تفقد صوابها،
رنين الهاتف جعل عائشة تخرج من قوقعة الشرود خاصتها، السلام عليكم، مين معايا؟

قالت عائشة بتساؤل قبل أن تستمع لرد الطرف الآخر، وعليكم السلام، عائشة أنا سليم تعاليلي على القسم بسرعة، قال سليم بجدية أقلقتها وقبل أن تسئله على شيء آخر أنهى المكالمة فتنهدت عائشة بقلق ثم إن سليم لم يهاتفها منذ أن أخبرها بأنه سيتمم على الأمر خاصتهم، أخبرت عائشة رهف بضرورة ذهابها ولم تبالي بتفسير أي شيء لها بل خرجت تحت نظرات سعاد القلقة منها ومن أختها، يا رب أسترها معانا وأحمينا، قالت سعاد برجاء وهي تدعوا اللّه بينما تفكر في طريقة لكي تحمي أولادها منهم فلم يخفى عليها أبدًا نظرات ابنها المعجبة بتلك العائشة، خرجت عائشة مسرعة ناحية الصالة وهي تستأذن من الرجال الذين يتنحون جانبًا حين يرونها، اللّه، مش دي المدام برضوا يا دوك؟

قال فرغلي وهو يحك ذقنه فنظر سفيان ناحية ما أشار إليه وحين لمح طرف عائشة نهض مسرعًا وهو يستأذن من رفيقه بعينيه فأومأ له صالح بابتسامة، رايحة فين دي بس يا ربي؟
قال سفيان وهو يركض لكي يجاري خطواتها السىريعة حيث أنها تركض تقريبًا لتصل إلى وجهتها، يا آنسة، بسبسبس، قال سفيان بصوت خافت حين تقاربت خطواته منها أما هي فقد خافت واعتقدته شاب يتغزل بها، يا بنتِ، يا أستاذة، عائشة.

قال سفيان نهاية جملته بنفاذ صبر حين فقد الأمل أن تلتفت له، إيه ده، إنتَ بتعمل إيه هنا؟
قالت عائشة باستغراب وهي تكتف يديها فوق صدرها ليبتسم سفيان ببرود. ، جاي معاكي، صدمت عائشة من وقاحته وصرخت به بغضب، ليه كنت الحارس بتاعي مثلًا!
اتسعت ابتسامة سفيان المستفزة التي زادت من اشتعالها، واللّه معنديش مانع حضرتك، بس مرتبي غالي شوية، أحسن العضلات دي مبتتعبش ببلاش!

قال سفيان بسخرية وهو يستعرض بجسده العضلي أمامها لتردف هي بقرف، بلطجي!، وربي بلطجي ومسمينك دكتور علشان الوجهة بس، قهقه سفيان على ملامحها الغاضبة فصرخت في وجهه بغل ثم تركته وذهبت بسرعة وكأنها تعتقد بأنها تستطيع الإفلات منه، حيرتيني معاكِ وحيرتِ قلبي، يا ويل قلبي منك يا عائشة!

وصلت عائشة للقسم أخيرًا ثم التفتت وراءها لتراه وحين لم تجده تنهدت بارتياح قبل أن تصرخ بعنف حين وجدته يقف أمامها ويكتف يديه باستمتاع دون أن يناظرها وكأنه يعلم بأنها كانت تبحث عنه، آنسة عائشة!
قال صديق سليم أحمد وهو ينظر لعائشة التي نظرت له بتوتر، تفهمها أحمد ثم مد يده ناحيتها بتحيّة ليجد يد قاسية تقبض على كفه فرفع أنظاره ناحيته بتعجب قبل أن يرمقه سفيان بضيق، أحمد باشا، الآنسة مبتسلمش.

أومأ أحمد بخجل طفيف ثم حك رقبته باعتذار وتقدم ناحية القسم بعدما طلب منهم أن يتبعوه، عائشة، قال سليم بفزع حين اقتربت منه لتنظر له الأهرى بصدمة، لما يقف سليم أمامها وهو مكلبش اليدين بهذه الطريقة، سليم، ايه إللي بيحصل ده، إنتَ كويس؟ رائف عمل فيك حاجة؟

قالت عائشة بفزع وحين لمحت حالته المشعثة صرخت بصدمة، رائف عرف إن مروان هرب؟ قتل مروان؟ انطق يا سليم، رفع سليم يديه المكتفة على رأسها يسحبها لحضنه يطمئنها بأن كل شيء سيكون بخير و قبل أن يطلب من صديقه أن يتركهم بمفردهم، رأى سفيان يقف أمامه بملامح حادة وأعينه القاسية تناظره بغضب مشتعل، نظر له سليم بصدمة فابتسم سفيان ببرود وهو يتجه نحو الباب يغلقه بعد خروج أحمد حيث أنه كان هذا اتفاقه مع سليم، ايه يا باشا، متتخضش كده بس، لو إنتَ سليم فأنا سفيان وبعدين من ذكائك رايح تكلم واحدة اسمها ماريا بخط محمي، محستش إننا هنشك، ولا الغباء وراثة عندكوا؟

قال سفيان بسخرية وهو يجلس براحة على الأريكة فنظر له سليم ببرود مصطنع وأغمض عينيه يتمالك أعصابه، عيوشة، مروان كويس، واللّه العظيم مروان كويس، وهو هرب من رائف متقلقيش وكمان خلاص أهو نازل مصر وممكن يكون نزل كمان، عائشة القضية اتفتحت زي ما خططنا، أينعم الغدر جه من حد متوقعتوش بس أهو الخطة ماشية فل، مروان يونين بالكتير وهيكون عندك، يومين يا عائشة، حافظي على نفسك و على اختك ومامتك يومين كمان، مروان هيجي يطلعني علشان للأسف أحمد مش مصدق أنه عايش ومش هيصدق غير لما يشوفوا بنفسه، رائف مبيت ليكِ نيّة سودة، وأنا مش هعرف أحميكِ بنفسي بس هعين ليكوا حراسة خاصة مش هيبعدوا عنكوا، أنهى سليم حديثه فارتفع صوت شهقاتها بألم وخوف، ليقبض سفيان على المقبض بغضب شديد قبل أنه يوجه حديثه نحو سليم، هل مروان مصدق إني خاين؟

قال سفيان بغضب وهو يحاول أن يهدئ من نبضات قلبه الثائرة، مروان قلبه شايل ومحمل من ناحيتك ومستحلفلك كمان، بس تفتكر ليه مخلانيش أبعد عائشة ورهف عن هنا وهو عارف إنك عايش هنا وكمان عارف إنهم يعتبر عايشين مع عيلتك؟

قال سليم بتساؤل وهو يرمق سفيان الذي أشرق وجهه فجأة وأطلق تنهيدة كانت عالقة في صدره تمنعه من أخذ أنفاسه بحرية، نظر سفيان لعائشة التي جلست تبكي بين أحضان سليم الذي أحاطها بحنان شديد وهو يهدهدها كالطفلة الصغيرة بينما سفيان ينظر له بغضب وغيرة!
سفيان...

قال سليم بخفوت حين نامت عائشة في أحضانه وقد كانت هذه عادتها حين حزنها، توترها، أو غضبها، كانت طريقتها في اخراج مشاعرها السلبية، نعم، قال سفيان بهدوء هو الآخر، أنا طالب منك إيد هايدي، قال سليم بهدوء مصطنع وهو يلقي جملته بسرعه لينهض سفيان من مكانه صارخًا بقوة أفزعت عائشة من غفوتها، نعم، مين، هايدي أختي أنا؟، أتهبلت في مخك ولا ايه يا بن المسلماني، قال سفيان بصراخ فانكمشت عائشة بخوف منه وحين لمحها ازداد غضبه فلاحظ سليم حالته فابتسم باستفزاز، سلم واستلم يا باشا، عندنا إللي يخصك، ومعاك إللي يخصني، قال سليم ببرود فقهقه سفيان بغل وهو يضغط على فكّه بقوة ثم توجه ناحيتهم لتقف عائشة بخوف وهي تتراجع بعيدًا عنه، يلا يا هانم قدامي، واقفة بتبصلي إزاي، مش قولت يلااا.

صرخ سفيان بها فركضت من أمامه مسرعة بطريقة مضحكة للغاية فانفلتت منه ضحكة مستمتعة صدمت سليم، اقترب سفيان من سليم وربت على كتفه بقوة، إللي يخصني عندي، وعائشة مكتوبه على اسمي من كام سنة فاتوا، أما هايدي فنجوم السما أقربلك منها، قال سفيان بهدوء لم يكن يشعر به ثم خرج من الغرفة يصفر باستمتاع وهو يسرع بخطواته عله يلحق بالمجنونة خاصته...

أيتها الصهباء، هل أنتِ متأكدة من هذا المكان؟

قال مروان بتساؤل وهو ينظر حوله للفندق المتدني أمام ناظره، مروان، لم أرى شيء أفضل منه، أنتَ تعلم بأننا مطلوبين من قبل رائف الآن، أخبرني سام بأنه عرف بهروبك، قالت ماريا بتنهيدة وهي تراقب الأجواء حولها، لاحت ابتسامة قاسية على شفتيه وهو يتخيل غضب رائف حين علم بنجاة مروان من قفصه، يالهي، بالتأكيد كان غاضبًا جدًا أتمنى لو كنت أستطيع رؤية الغضب والانكسار حين علم بهزيمته، قال مروان بنبرة حماسية فابتسم ماريا بسخرية، مروان عزيزي لا تتعجل أبدًا مع هذا الحقير ثم إنك خائف من مكان فقط سنختبئ فيه ليومان اثنان قبل أن يأتي الشخص الذي سيوصلنا لسليم، قالت ماريا بتعجب منه فابتسم بألم قائلًا، من اعتاد القلق، سيظل قلقًا طوال حياته ماريا، فقط أتمنى أن أجتمع بعائلتي على خير، يالهي لا أصدق بأنني أخيرًا سأرى أمي وأسمع صوتها، سأرتمي بحضنها الدافيء وسأشاكسها كعادتي القديمة، سأعوضهم ماريا أقسم، سأعوضهم عما عاشوه بدوني و س، سأفعل كل شيء من أجلهم، غصّ مروان في نهاية جملته ببكاء مرير كعادته عند تذكره أسرته فتهدت ماريا بحزن وشفقة، صبرًا مروان صبرًا، تحملت لسنواتٍ طوال، لا تجزع بسبب يومين، قالت ماريا بتحفيز فابتسم مروان بألم، وكل الخوف تجمع بداخله في هذه اللحظة، هل كتب له مع عائلته لقاء؟!

كان سفيان يمشي ببطئ بجوار عائشة التي تمشي بخفة وسعادة كأنها لا تصدق بأنها أخيرًا ستلتقي بنصفها الثاني، وحاميها القوي، سفيان كان ينظر لها خلسة ثم سرعان ما يضع أعينه أرضًا وهو يستغفر ربه، أنقذه من هذا الموقف رنين هاتفه الذي أخرجه من شروده بها، هايدي!

قال سفيان باستغراب ثم فتح المكالمة ليصل له صوت أخته مفزوعًا صارخًا بألم، سفيان ألحقنا، محل بابا الكبير اتسرق، والعربية ولعت، مش عارفة فيه ايه، الحقنا يا سفيان، تعالى باللّه عليك، قالت هايدي بصراخ ولأن الشارع كان فارغًا من الناس فقد استمعت عائشة للمكالمة بأكملها فنظرت نحو سفيان بفزع وقبل أن يركض سفيان لمساعدة أهله وجد سيارة سوداء تقف في طريقهم، ولا يعلم سفيان لما أحس بالخطر يحاوطهم فجعل عائشة وراء جسده ثم حين لمح هبوط رجلان ملثمان من السيارة تأكد من ظنونه، الباشا بيقولك متلعبش مع أسيادك، وبيقول للحلوة إللي وراك دي زي ما مشيتي هترجعي تتحايلي عليه تاني، لا مؤاخذة في الكلمة زي الكلبة بالظبط، قال الرجل الملثم بسخرية فغضب سفيان من حديثه المهين وهم بالهجوم عليه ليخرج الرجل المدية من جيبه بسرعه وكتف صديقه سفيان لحظيًا ثم في لحظة غدر خالصة، طُعن سفيان بواسطة الرجل وتحت صرخات عائشة المكلومة بخوف عليه، ثم تُرك أرضًا كالذبيحة وهرب الرجلان بسرعة وهم يضحكون باستمتاع، وبقيت عائشة تراقب سفيان الذي فقد وعيه في نفس التوقيت ولا تعلم كيف تتصرف في هذه اللحظة، بل بقيت تتساءل أقتل النفس هينًا هكذا، لحظة واحدة، ضربة واحدة، وجثة واحدة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة