رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل التاسع
قال سفيان وهو يحمل عائشة بين يديه وينظر لرائف
الذي صرخ بغضب؛
سيبها، متلمسهاش، سفيان، إنتَ عارف مين رائف، متلعبش معايا أحسنلك.
نظر له سفيان بكره ثم نظر لصالح الذي كان يقف ويُناظر رائف بغل، صالح يلا نمشي من هنا، هات أختها ومامتها، أدهم اتصرف لو سمحت، عايزه يشيل الليلة كلها، وميطلعش بسهولة ولو طلع بلغني...
قال سفيان بأمر لصالح ثم وجّه حديثه لأخيه الذي كان ينظر للوضع بضيق شديد، هذا الأمر لن ينتهي بسهولة، توجه صالح ناحية سلاح أدهم والذي سقط أرضًا بسبب قيام أدهم بالقبض على رائف، أمسكه صالح بمنديل قماشي كان معه ثم أمسك يد رائف ووضعه به لكي تصبح بصماته عليه، ابتسم صالح بخبث على صراخ رائف الغاضب الذي ارتفع بسخط شديد وكلما يرتفع صوت صراخه يشد أدهم على قيده خلف يده، ابتسم سفيان بألم، فبالتأكيد كان هذا ما فعله رائف معه في الماضي، جعله يمسك بالسلاح لكي يحمل بصماته ويصبح هو المتهم الأول، وإلا من أين أتت بصماته على السلاح؟
لو إنتَ فاكر إنك لوحدك إللي بتعرف تلعب ب يبقا متعرفناش، ليلة سعيدة يا باشا
قال صالح بخبث وهو ينظر لرائف بإشمئزاز، نظر له أدهم بإعجاب، قولتلك إنتَ كان المفروض تبقى ظابط، قال أدهم ليرد عليه صالح بطريقته الساخرة، وابقى مش محصل ظابط إيقاع زيك كده، لا يعم متشكرين.
ابتسم سفيان بقلة حيلة عليهم، حتى وإن كانوا على وشك الموت لا يستطيعون التوقف عن مضايقة بعضهم البعض، شوف عمل في البت إيه، يا أخي إنتَ ملتك إيه، أنتَ فاكر نفسك راجل كده، ده إنتَ مش محصل نكلة في سوق الرجالة ولا حتى حصلت ست في سوق الحريم، قال صالح بغضب بعدما رأى حالة رهف الدامية وملامحها التي تشوهت تقريبًا، نظر أدهم لها بنظرات مشفقة ثم نظر بتوعد لرائف الذي نظر لهم بسخرية شديد، مبسوط كده يعني وإحنا نازلين فيك تهزيق، يا مهزق.
قال أدهم بغضب وهو يركل جسد رائف بقدمه فنظر له بغل وتوعد، فاكرني هخاف منك يا حيلتها، فوق لنفسك واعرف إنتَ وقعت مع مين، أنا أدهم الدرملي يا ننوس عين ماما، قال أدهم بسخرية ليقهقه سفيان وصالح بقوة خاصًة حين جذب أدهم خصلات شعر رائف بقوة، اتلقى وعدك بقا يا، حيلتها.
قال سفيان بإستفزاز لرائف الذي سكن فجأة وهو ينظر لسفيان ببرود شديد وتوعد، غابت جميع الملامح عنهم، فقط سفيان وعائشة بين يديه فاقدة للوعي ورائف الذي ينظر لهم بتوعد شديد، يلا يا صالح، هات البنت دي ويبقا نرجع نجيب مامتها، زمان الشرطة على وصول، قال سفيان لصالح ليهز الآخر رأسه بالإيجاب، شدد سفيان على جسد عائشة بين يديه ولاحظ الآن أنها ترتدي ملابس بيتيه لن يستطيع إخراجها بها، زفر سفيان واستغفر ربه بغضب ولا يعلم سر تلك الحرارة الغاضبة التي اشتعلت في داخله حينما فكّر في أن هذا الرائف ورجاله قد رأوا جسدها دون ساتر هكذا، توجّه سفيان ناحية إحدى الغرف ووضع جسد عائشة برقة على السرير ثم توجه ناحية الدولاب وأخرج منه ملاءة التي توضع على السرير ثم لف جسدها به وجذب خمار أيضًا ووضعه بهرجلة على رأسها يخفي جميع خصلاتها، سامحني يا رب، واللّه العظيم أنا آسف بس مجبر أعمل كده، أكيد مش هخلي إللي رايح وإللي جاي يتفرج على جسمها كده، قال سفيان بقلة حيلة وهو يتمتم بالإستغفار ثم توجه لها وحملها مرّة أخرى؛.
أنا بعد كده هعمل حسابي في حامل وأحطه في العربية، كل لما يغم عليكِ أحطك فيه بدل اللمس ده كده، وبعدين إنتِ بتستقصديني صح، كل لما تشوفي وشي يغم عليكِ وشيل يا سفيان، سفيان هيشيل ذنوب كتير بسببك يا اسمك إيه، قال سفيان وهو يخاطب عائشة التي كان جسدها ملتف ولا يظهر منه سوى وجهها، ابتسم بخفة على تفكيره وقد أعجبته الفكرة بصراحة، خرج سفيان مرّة أخرى نحو صالة الإستقبال، ورأى صالح ينظر لرهف بشفقة، البنت دي نايمة بالإسدال، ظبطه بس ومش تخلي شعرها يبان، الرجّالة طوابير برّه.
قال سفيان لصالح الذي تنهد وقام بفعل ما أمره به الأول بينما أدهم كان واقفًا أمام الباب يمنع دخول أي أحد من الجيران، رائف كان جالسًا أرضًا يفكر في طريقة للخروج من هذه المشكلة الصغيرة، رائف لم يكن يعلم بأنه في منطقتهم، وأنه إذا كان له واسطة قوية فهم مساعدهم هو اللّه وهو حسبهم ووكيلهم، فكّر كويس أووي هتخرج منها إزاي، ولو خرجت هنبقى بالمرصاد يا، باشا.
قال سفيان مُوجهًا حديثه لرائف، فرفع الآخر أنظاره ناحيته ورأى الطريقة التي كانت عائشة ساكنه بها في جسده فإشتعلت النيران بداخله؛
عارف مشكلتك إيه، إنك مش بتتعظ من إللي بيحصل معاك يا دكتور، إنتَ بدأت فقابل إللي هيستناك بقا.
قال رائف بإستفزاز وعلى وجهه ارتسمت جميع ملامح الخبث، رائف كان شيطانًا متنكرًا في زي إنسان، خبيث، لئيم، قاسي، بارد، ويحصل على ما يريد دائمًا ودون أن يعلم رائف هو سيواجه سفيان بصورته الجديدة؛.
سفيان الذي يتقوى باللّه في كل خطوة، سيواجه أدهم الذي لن يترك أخاه، أدهم الذي سيحارب بكل قوته ليحمي أخاه منه، سيواجه صالح صديق سفيان وأخاه الرابع ورفيق قلبه كما يُخبره، صالح الذي لن يتوانى أبدًا في التضحية بأي شئ لمساعدة صديقه، حتى وإن كانت حياته...
دلف سفيان لمنزله وقد فتحت له هايدي الباب، نظر لملامح وجهها الباكية وتنهد بضيق وحين أراد أن يطمئنها استمع لصراخ جدته؛.
قتيل، يالهوي يا سفيان، قتيل في بيت الحاج أمجد الدرملي يا مصيبتي السودا، أنا كنت عارفة إنك مش هتجيبها البر يا بن أمجد، قالت زينبو بصراخ وهي تلقي نفسها على الأريكة بدراما ساخرة، زوبة، مش وقتك باللّه عليكِ، قال سفيان بغيظ وهو يدلف لإحدى الغرف ويضع عائشة بداخلها ثم أغلق الباب ونظر لهايدي يأمرها بالدخول إلى الغرفة و تغيير ملابسها، توجّه صالح ناحية غرفة سفيان ووضع رهف على سريره ليدلف سفيان وراءه تتبعه زينبو التي بكت بشفقة على حال رهف، هي لم تعتقد أن حالتها سيئة لتلك الدرجة، وجهها مليئ بالكدمات الزرقاء ويديها ايضًا وتقريبًا جسدها بأكمله مشوه بهذه الطريقة البشعه، لا حول ولا قوة إلا باللّه مين إللي عمل فيها كده؟
قالت زينبو بشفقة وهي تجلس بجوارها على السرير، صالح إنزل هات مامتهم من العربية وبراحة عليها إنتَ شوفت حالتها، زوبة، هي تقريبًا كدمات بس فهخليكي تدهني ليها من المرهم ده و...
قال سفيان ولكنه لم يستطيع إكمال حديثه بسبب والدته التي اقتحمت الغرفة تقريبًا لتدخل إليهم، بسم اللّه الرحمن الرحيم، مين دي وإيه إللي حصل.
قالت سعاد بفزع وهي تناظر رهف بإستغراب، مش وقته يا أمي لو سمحتِ، تعالي بس ساعدي زوبة وغيري هدومها وإدهني المرهم ده على الكدمات دي وجروحها، أردف سفيان وهو يربت على كتفها بحنان ثم خرجَ من الغرفة، سفيان...
وقف سفيان في مكانه حين استمع لصوت أبيه الحازم، أؤمر يا حاج
قال سفيان بهدوء ليتنهد أمجد بضيق، أنا خايف عليك...
أردف أمجد ليبتسم سفيان بهدوء كعادته حين يحادث أبيه، متخافش، ابنك بمية راجل ولا إنتَ شايف إيه؟
ربت أمجد على كتفه بحنان ثم قال، أخوك أتصل، بيقول الزفت ده هيتحجز يومين على ذمة التحقيق، وهو هيقعد شوية هناك وبيقولك هو مستنيك توفي بوعدك.
زفر سفيان أنفاسه بضيق، هو لم ينكث وعدًا قطعه أبدًا، الليلة ستُفتح الدفاتر، الليلة ستنكشف اسراره، الليلة سيعلم أدهم خبايا الماضي المؤلمه، ولا يعلم أستتغير نظراته نحوه أم سيبقى ينظر له كقدوة كما أخبره يومًا ما...
اللّه يناديك سحيرًا
قُم واسأل يا عَبد الله
فاسألني أعطكَ ما تَرجو
لا تطلب من غَير اللّه
إن كنتَ مريضًا يا عبدي
فأنا الشافي وأنا اللّه
أو كنت كسيرًا هل أحد
يجبرُ كسركَ غير اللّه
مولانا ارحمنَا واجبرنَا
يا مولانا أنتَ اللّه
وصلاة اللّه على الهَادي
أحمدُ سيد رسل الله.
كان سفيان يتغنى بها ليلًا وهو جالس في غرفة مكتبه ينتظرُ أخاه بعدما انتهى من أداء صلاة القيام، هايدي نامت في غرفة زينبو بعدما ظلّت بجوار عائشة التي لا زالت نائمة، تلكَ الفتاة تعاني من ضعف في الغذاء. فهي تفقد وعيها كثيرًا! والدتها جاورتها على السرير بعدما مددها صالح عليه وللعجيب أنها لا زالت نائمة، بينما رهف نائمة بمفردها في غرفته ولا يعتقد بأنها ستستيقظ قريبًا على أثر كدماتها المُوجعة...
كان سفيان جالسًا بسكون لم يتوقع أن يزوره أبدًا هذه الليلة، ولكنه صلى وطلب من ربه وتقريبًا كانت في ساعة استجابة واستجاب له الرحمن سريعًا.
فُتح باب المكتب بخفة ودلف أدهم يحمل بين يديه صينية عليها ثلاث أكواب من الشاي ودلف صالح وراءه وهو يتنحنح بخجل، مالك؟ عامل نفسك مكسوف ليه.
قال سفيان بسخرية ليبتسم صالح بألم فقد كانت طريقته المُعتادة في تلطيف الحوار، سفيان، أنا مش عارف إيه إللي حصل زمان، ولو إنت مش عايز تحكي أنا هحترم قرارك ده، واعرف إني دائمًا هكون في ضهرك وسندك، وهكون أخوك وعمري ما هغيّر نظرتي ناحيتك أبدّا، قال أدهم وهو يجلس بجوار سفيان، لقد رأى في عينيه ألمًا لم يراه من قبل، وصالح جلس على الكرسي المُقابل لهم، تعرف إني بحب الشاي من إيدك أووي، قال أدهم لسفيان الذي أغمض عينيه بعد حديثه الأول وأسند رأسه على ظهر الأريكة ونظر للسقف بأعين مغلقة، ابتسم سفيان بخفة على حديثه بينما صالح إتخذ وضعية المُشاهد وقد أخذ على نفسه عهدًا بعدم التدخل ابدًا إلا لو حدث شئ يلزم تدخله، كإنهيار سفيان مثلًا...
أنا عايز أقولك إن كل كلمة هتسمعها مني دلوقتي حصلت زمان، سفيان بتاع دلوقتي مختلف تمامًا عن زمان.
قال سفيان بصوت منخفض وهو يعتدل في جلسته ثم بدأ يحكي ماضيه المُؤلم بكل حذافيره، دون التغاضي عن أي شئ حدث معه، ~
لمّا بابا وافق إني أروح الإسكندرية فرحت طبعًا كأي شاب، هبقى لوحدي بقا، وصحاب وهيصة، خصوصًا إني كنت طايش أووي وبعيد عن ربنا، كنت بزعق معاه وكنت بقاوح وأعلي صوتي، كنت فاكر إني كده هبقى متشاف، زيك.
زي أدهم المُحترم إللي عمر صوته ما طلع أبدًا، أدهم إللي كل ما أعمل حاجة كانوا يقولولي أخوك عملها قبلك، طب ما أنا كمان عملتها بس إنتَ عملتها الأول.
كانت ماما على طول تلعب معاك وتهزر معاك إنتَ، ولما تيجي عليّا تدعي وتشخط وتزعق ولا كإني ابن جوزها، كنت بكون عايز أقولها ما أنا برضوا ابنك زيه. أنا سفيان. بس كنت بسكت وبكتم جوايا، ممكن تكون إنتَ مقرب منها خصوصًا بعد ما تعبت وإنت صغير فإضطروا يودوني عند زوبة وجدي اللّه يرحموا علشان ياخدوا بالهم منك، كنت إنتَ عندها حاجه كبيرة اووي، مش بقولك كده بقا علشان جو الصعبانيات ده، بس حقيقي ده كان سبب علاقتنا المدّمرة، إني كنت بغير منك، لما وافق الحاج على مرواحي هناك، حسيت إني حر بقا، هقدر أكون سفيان إللي أنا عايزة، سفيان إللي محدش يقدر يقوله كلمه مش تعجبه، فطحت هناك بقا، ومحدش موجود علشان يقولي عيب أو حرام، كنت واخد راحتي على الأخر، لحد ما قابلته، رائف النسخة إللي كنت عايز أكون زيها، الشاب الطايش إللي مفيش منه اتنين، غني بقا وفلوس وعربيات، وسجاير وكل حاجة ربنا قال عليها حرام، فدوست معاه، كنت بقلده في كل حاجة علشان ابقى زيه، بيشرب سجاير شربت سجاير، بيشرب خمره شربت خمره، بتاع بنات، خربتها مع البنات علشان أبقى زيه، وهو كان مبيروحش مكان من غيري، أي طلعة أي سهرة كنت لازم أكون معاه، كنت فاكره بيحبني بقا وصاحبي وكل ده، بس هو كان مبيتلي النيّة لحاجة كبيرة، فاكر إني في مرّة سألته فلوسه دي بيجبها منين ضحكلي ضحكة لغاية دلوقتي فاكرها، شوفت الضحكة إللي قلبك بينقبض لمّا تشوفها أهي هيا دي، قالي شغل قولتله شغلني، قالي الشغل ده عايز رجّالة قولتله أنا معاك ويا ريت لساني إتقطع قبل ما أنطقها، ولإن شيطاني كان أقوى مني فدوست على حتّة الضمير إللي جوايا وكملت معاه...
تنهد سفيان ببكاء فعلم أدهم أن باقي الحديث أكثر إيلامًا، لم يصدق أدهم ما تسمعه أذنه ولولا أن سفيان الذي يحكي لم يكن سيصدق أحد، حسنًا هو يعلم أن أخاه كان يتضايق كثيرًا بسبب معاملة والدته له بتمييز، أدهم كان مريض قلب وهو صغير فكان يحتاج رعاية كبيرة من قبل والديه، ولكنهم نسوا أن ابنهم الآخر بحاجتهم أيضًا فألقوه عند جدته وجده لكي يعتنوا به، تنحنح صالح بألم هو الآخر ونهض مجاورًا لصديقه الذي تنهد وأكمل مُتجاهلًا نظرات الإعتراض من أخيه وصديقه، ~.
لسّه فاكر أول مرّة روحت معاه مكان شغله، كان مكان ضلمه ومرعب اووي، وعلى الرغم من إني مش كنت بخاف بسهولة، خوفت من المكان ده وقلبي إتقبض جامد، كنت عايز أرجع واقوله غيّرت رأيي كنت عايز أعمل أي حاجة بس خوفت، خوفت أووي يتريق عليّا، يقولي منا قولتلك إنه تقيل وعايز رجالة، فكملت معاه، كنا بنتاجر في كل حاجة حرام ممكن تتخيلها، حشيش، بانجو، سلاح أي حاجة تدخل النار كنا بنتاجر فيها، ولما نخلص الصفقة ناخد الفلوس نروح بقا أي ملهى ليلي ونكمل الليلة، دوست معاه في طريقه ومشيت فيه وموت ضميري ونسيت أهلي، تقريبًا عمري ما سافرت ليكوا في أي أجازات غير مرتين بس، نسيت أمي وأبويا، أنا حتى محضرتش عزا جدي إللي رباني، تحشرج صوت سفيان في آخر حديثه وسرعان ما بدأ بالبكاء، كان ذلك أكثر شئ يؤلمه في ماضيه ولن يتخلص أبدًا من رواسبه، قاطع صالح حديث الأخر ولم يعد يريده أن يكمل وتناثرت دموعه الصامته على حال رفيقه المُخزي، بينما أدهم كان متصنمًا في مكانه ولا زال لا يصدق هذا الحديث، هو يتذكر بعض صفات شخصية أخيه ولكنه لم يعتقد بأنه كان بهذا السوء؛.
~
جدي مات وكان نفسه يشوفني، ده رن عليا وأنا كنسلت علشان أكمل السهرة، واللّه العظيم كنت فاكره بيطمن عليّا كالعادة بس مكنتش أعرف إنه عايز يودعني، مردتش عليه علشان البت متطفش مني ومعرفتش إنه مات غير بعد عزاه بإسبوعين، وإنتوا كنتوا مشغولين بالميت بقا وزوبا كانت تعبانة وهايدي والناس وأنا...
وأنا كنت بسهر وأسكر زي ونسيته، نسيت إنه رباني وكبرني ده كان بيناديني يا سندي، وأنا مستاهلش اللقب ده أبدًا، لإني مقدرتش إللي عمله معايا، ده أنا فضّلت مزاجي عليه! إزاي أبقى سند ليه، ها رد عليّا يا أدهم إزاي أكون سنده
شهقة عالية خرجت من سفيان على حين غفلة منه فنظر له أخيه بهلع وجذبه محتضنًا إياه، وصالح إنزوى على نفسه يبكي بقلة حيلة عليه، ولا يوجد بيده أي شئ يفعله ليخفف عنه، ~.
فاكر لما عرفت عملت إيه، عزيتكوا، قولتلكوا البقاء لله أنا مضطر أمشي علشان ورايا مُحاضرات، كنت عايز أطفش، مكنتش طايق نفسي كنت هموت لو فضلت معاكوا، ونزلت الإسكندرية وأول حاجة فكرت فيها إني أروح أموت نفسي، فروحت عند الكورنيش وقفت هناك وخلاص هموت، هموت عاصي. هموت وأنا سكران، هموت وأنا جيبي فيه حشيش ومخدرات، بيني وبين النار تكة ولسه هرمي نفسي سمعت صوت عيلّة بتنادي على أخوها يلحقني، عيلة كانت السبب في إنقاذ سفيان من النار. إنتَ متخيل، وجه أخوها وكتفني ولإني كنت شارب فمكنش فيا حيل أناهد معاه فسيبت نفسي ليه، أخدني بيته، أكلني وشربني وصليت معاه!
بعد إنقطاع سنتين عن الصلاة روحت أصلي، كنت مكسوف أووي وأنا بصلي، والحمدلله كنت فاكر مش ناسي، فاكر القرآن إللي جدي حفظهولي والصلاة ومنسيتش، كنت بعيط وأنا بصلي، بعيط بصوت عالي أووي بس هو احترمني واحترم موقفي وسابلي الأوضة وخرج، مرّة مع مرّة وموقف مع موقف بقينا صحاب، بس هو مكنش يعرف إنه مصاحب شيطان، وشه كان بشوش أووي وتحب تبصله، كان لما يتضايق مش يفضل يتأفف بقا والكلام ده، كان يفضل يحمد ربنا ويشكره، وعلى لسانه دائمًا ولئن شكرتم لأزيدنكم، كان عارف إني ماشي مع شله مش كويسه، ففضل ينصحني ويقولي ربنا أولى بوقتك منهم، إنت بتصلي دلوقتي بكره بسببهم هترجع تاني، بس أنا الغرور خدني وقولت مستحيل هما يتحكموا فيّا، ده أنا سفيان...
بقا صاحب مقرب ليا أووي، وأمنِ على بيته وأهله مش عارف ليه، عرفني على باباه وصاحبته وكان بيعتبرني ابنه زيه، وده كله وأنا لسه مع رائف، بس هو حس، حس إني ماشي مع حد كويس، ماشي مع حد أنضف مني ومنه، ماشي مع حد جزمته برقبتنا، فحب يوقعني وكان أذكى مني أو أنا إللي مخونتوش بس هو خدعني ووقعني في فخه، جابني في يوم وقالي إننا هنوسع التجارة بتاعتنا، كان عايزنا نتاجر في، نتاجر في الأعضاء.
سقط كوب الشاي من بين يدي أدهم الذي نظر لأخيه بعدم تصديق بينما سفيان إزدادت ملامحه المُتألمة ولولا قبضة صالح على كتفه لكان إنهار بصورةٍ سيئة، ~.
طبعًا سفيان القديم مكنش هيرفض، أهي حاجة بتدخل فلوس كتير، بس هو استغرب لما رفضت، استغرب اووي واتغير من ناحيتي، وبدأ سنة سنة يبعد عني ويراقبني من بعيد، يراقب تحركاتي والأشخاص إللي بكلمهم لحد ما فيوم لعب لعبته الكبيرة، خطف أخت مروان الصغيرة، وأنا مكنتش أعرف لسه إنهم قرايب، خطفها وهدد أبوها بيها، وطبعًا مروان مكنش هيسكت، فضل يدور ويدور وبعد إسبوعين حن علينا وبعت لينا صور على الواتس، أنا مكنتش أعرف إن رائف هو إللي خاطفها، مروان قالي إن بينهم وبين عمه وابنه مشاكل وهو عايز ورث أبوهم فعلشان كده خطف أخته، الصور إللي اتبعتت كانت كفيلة تغير مروان من شاب هادي بشوش مش متسرع لشاب قاسي عايز يعمل أي حاجة علشان يرجع أخته، مروان كان عنده أختين واحدة كانت صغيرة أووي وواحدة أكبر منها، هما رهف وعائشة إللي برّة، عائشة إللي كانت مخطوفة، وهو كان باعت لينا صور ليها، وهي يعني، عريا، كانت من غير هدوم ومقعدها في البرد، جسمها كان أزرق والمريض كان بيضرب فيها، وفجأة لقيت تلفوني بيرن، كان هو، قالي لو عايز مكان أخت صاحبك تعالى على المكان بتاعنا، روحت ومكنتش عارف رائف عرف إزاي إن أخت صاحبي مخطوفة، قولت إنه علشان هو صاحبي وعارف أنا مختفي ليه بقا وكده، وصلت المكان، نفس المكان إللي دخلته أول مرّة خايف وبعد كده نسيت خوفي، دخلته تاني بس كنت مرعوب ومعرفش السبب، لقيته هناك قاعد وحواليه البنات بتوعه، مسافة ما وصلت لقيته بيضحكلي ضحكة خبيثة كده بس برضوا مخونتوش، قالي السهرة بتاعتنا هتبقى صبّاحي فسايسته علشان أعرف أطلع منه بمكان البنت، وسهرت معاه وشربت وسكرت ونسيت نفسي، ولما صحيت لقيت نفسي في السجن. متهم أول في قتل صاحبي إللي معرفش هو جه إزاي هناك، وإيدي مليانة دم، وأبوه، أبو صاحبي إللي مفرطش فيا واقف قدامي بيبص ليّا بكره، قالي إنه لو يعرف إن ابنه كان مصاحب شيطان كان قتله، حلفتله إن مليش دعوه باللي حصل، بس مصدقنيش، فضل يضرب فيا وأنا سيبته، يمكن يطلع غله كله فيّا بس هو دعى عليّا، قالي ربنا يكسرك زي ما كسرتني على ابني، وسابني ومشي وبابا جه لما المحامي بتاعي خلاني أكلمه، قولتله متعرفش حد بس هايدي وصالح كانوا معاه وجه بابا وصالح، وشافني، شاف الشيطان إللي ابنه بقا عليه، وفجأة المحامي بتاعي انسحب من القضية، فضلت محبوس شهرين وأبويا عمّال يلف على المحامين بس كلهم رفضوا، وكأن حد مهددهم او فعلًا كان في حد مهددهم، خد عندك بقا، كوابيس وقرف وكل حاجة كانت ضدي، مكنتش بنام علشان صورة مروان متجيش ليا في الحلم، كنت بهرب منه، وفجأة بعد شهرين طلعت فجأة، لحد دلوقتي أنا معرفش طلعت إزاي، القضية اتقفلت ولا كإنها اتفتحت، وأبويا مسبنيش يوم كمان في إسكندرية، خدني معاه وأنا مصدقت أهرب، كنت جبان. مقدرتش أواجه وللأسف ده خلاني دايمًا مهزوز لإن أساس الحاضر بتاعي مش ثابت...
سكت سفيان عن الكلام وإزداد إهتزاز جسده الباكي، صالح لم يتحمل حديثه فبكى معه متذكرًا جميع الأحداث التي واجهها معه، أدهم كان مصدومًا ولم يستطع النطق، فإعتقد سفيان أنه مشمئزًا منه، مصدومًا فيه فبكى أكثر وتعالت شهقاته اليائسة، أنا عارف إنك زعلان مني بس لو سمحت، مش تكرهني يا أدهم أنا ما صدقت علاقتنا تبقى كويسة، قال سفيان بيأس وهو يحتضن جسد أخيه بقوة وكأنه خائف من فقدانه، أنا، زعلان بس، يعني أنا كنت فين من ده كله، طب ليه محدش قالي، هو أنت كنت بتكرهني للدرجادي، لدرجة إنك إستبعدتني من حياتك؟
قال أدهم بغضب وهو ينهض من جانب أخيه، ظل يدور في الغرفة بغضب وأفكاره تتزاحم بداخله بكثرة وتولى الشيطان توليد أفكار سيئة بداخله، نهض سفيان بتثاقل فترنح في وقفته فجأة ليسنده صالح بقوة بعدما لاحظ وقفته الغير مستقرة، نظر أدهم لأخيه بقلق ولا يعلم كيف إنمحى كل شئ يفكر فيه ولم يبقى سوى صورة أخيه المريضة، فتوجه ناحيته كاتمًا غضبه ثم سحبه من صالح لينظر له بقوة، ثم أردف بكلمات لا يعلم كيف أخرجها من فمه على الرغم من غضبه، سفيان فوق، الماضي حصل في الماضي، وإنت غلط وعرفت غلطك، أينعم إنت اتصرفت بسذاجة لما هربت من هناك من غير ما تعرف إللي حصل بس قدّر الله وما شاء فعل، فوق يا سفيان اللعبة بدأت تاني بينك وبين رائف. متفكرش إنه هيسكت على إللي حصل، أنا عارف النوعية دي كويس أووي، وإياك تفكر إنك لوحدك أبدًا، أنا حتى لو زعلان منك وعايز أمسكك أرنك علقة موت عمري ما هسيبك لوحدك أبدًا، إنتَ أخويا إللي أنا بتسند عليه.
قال أدهم حديثه بتأثر شديد لينظر له سفيان بفخر، أخاه لن يتخلى عنه أبدًا فإحتضنه بقوة مربتًا على كتفه ليربت أدهم على كتفه هو الآخر بدعم، هو أنا يعني علشان مليش أخوات ووحيد أبويا وأمي مش من حقي أتحضن ولا إيه، أحضني يلا إنت وهو وإلا وربنا أعيط وأفضحكوا دلوقتي.
قال صالح بمزاح وهو يرفع يده ويخبط بها كتف أدهم وسفيان فقهقه الإثنان عليه ثم جذبوه بقوة وتمازحوا سويًا فتعالى صوت صراخه المكتوم بفضل يد سفيان وإنقضت تلك الليلة الكئيبة، ولا يعلم سفيان كيف كان سيكمل حياته دونهم، دون سنده وعزوته، رائف لا يعلم ما ينتظره منهم، هو يعتقد أنه سيواجه سفيان وحيدًا، ولكنه نسى أن وراء سفيان هناك إثنان لو تجرئ هو على إيذاء سفيان سينقضوا عليه بقوة ينهشون في لحمه، لن يكونوا كما كانا في الماضي، رائف لا يعلم شعور أن يكون لكَ عائلة...
رائف لا يعلم معنى السند.
لا زالت الرحلة في بدايتها، لازال الطريق موحشًا، لازلنا في بداية اللُعبة، سنرى كيف يكون الأخوة سند، سنرى كيف يكون هناك صديق أكثر من أخ بالنسبة لك، سنرى كيف يكون الإيمان باللّه أقوى سلاح نتسلح به، سنرى كيف يكون الحب سلاح قوي نتسلح به في مواجهة صعوبات الحياة، سنرى كيف يكون الحب...