قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع والعشرون

رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم كاملة

رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع والعشرون

بعد أسبوع من التباعد المتعمد بين ريم وريان الذي انتهت اجازته وبدء في ممارسة عمله من جديد، قررت ريم اتخاذ موقف لإنقاذ علاقتهما فهي تعلم ان ريان رغم غضبه من ليان إلا انه يشعر بقليل من الذنب وداخله هاجس بأن يكون احمد قد اجبر شقيقته على الزواج منه لكن زوجها العنيد المزعج يكابر ويرفض الاعتراف.
فكلما حاولت فتح الحديث معه يغيره أو يندفع للخارج متحججًا بمشاوير العمل وهي تعلم بأنه يغادر ليتجنبها ويعود ليلًا حين تخلد إلى النوم، ولكنها لا تنام بل تبقى مستيقظة في قلق تنتظره ثم تتظاهر بالنوم حتى تشعر بذراعيه يحتضناها في سكون وحذر قبل ان يستسلم إلى نوم مؤرق.

تنهدت فعلى الأقل هو لا ينفر من قربها بل يناشده كل ليلة، وقفت ريم أمام الباب تفكر في توتر هل عليها الطرق واستكمال مهمتها ام عليها الرحيل، نظرت لعمر الذي يقف بين احضانها رافعًا رأسه يرغب في معرفة سر وقوفهما السخيف هذا أمام احد المنازل التي لم يزورها من قبل.
ففركت خصلاته تطمئنه قبل ان تجذب انفاس عميقة عازمة على الاستكمال لتدق جرس الباب، مرت ثوان قليلة قبل ان يأتيها صوته التي صارت تبغضه فانعقدت ملامحها في غضب رغم رغبتها في المحافظة على ملامحها الخاوية.

فتح أحمد الباب ليتفاجأ بها وبعمر الذي يقف امام جسد ريم المتصلبة ترفض النظر نحوه وهي تسأله في حزم:
-عايزة أقابل ليان.
ابتلع ريقه خجلًا غير مهيأ لسرعة المقابلة بينهما لكنه انزاح من امامها مشيرًا للداخل في هدوء فقالت ريم في حدة:
-نادي ليان لو سمحت.
رمش في حرج يعلم انها تخشى الدخول فتبقى وحيده بمفردها معه بعد اتهاماته الحقيرة لها، لتشعل داخله تلك المشاعر التي تؤنب ضميره من جديد لكنه تنفس الصعداء حين أنقذه صوت ليان المتسائل:
-مين يا احمد...

صمتت ما ان رأت ريم وركضت نحوها بأعين متسعة قائلة:
-ريم .. حصل حاجة ولا ايه؟
حركت ريم رأسها في رفض قبل ان تبلل شفتيها تخفي اضطرابها قائلة في جدية:
-لا أنا جيت عشان حابه اتكلم معاكي شوية لو سمحتي.
-طبعا طبعا اتفضلي، تعالى يا عمر عامل ايه يا حبيبي؟
مالت بعفوية تقبل رأس أبن شقيقها في حنان ليقابلها بابتسامه مهتزة وعيناه تنتقل بينها وبين ذلك الرجل الذي يكرهه من كل قلبه لأنه السبب الذي استطاع ان يحرمه من والدته عامًا كاملًا.

ضغطت ريم فوق كتفيه بابتسامه في مؤازرة تكبح خيالاته الطفولية واتبع كلاهما ليان التي أشارت لهم باتباعها إلى داخل إحدى الغرف بينما اتجه أحمد سريعًا يختبئ في غرفته يكاد يموت حرجًا.
جلست ريم مشيرة لعمر بالجلوس قريبًا منهما ثم تحدثت في صراحة دون تطويل:
-أنا هدخل في الموضوع على طول، انتي حقيقي اتجوزتي أحمد بمزاجك ولا هو اللي غصب عليكي؟
انهت جملتها ثم مدت ريم اصابعها تلامس كف ليان المتوترة لتؤكد في ثقة:
-صدقيني انا هقدر أساعدك مش عايزاكي تخافي من أي حاجة!

ابتسمت ليان في حزن لكنها هزت رأسها في رفض مؤكدة:
-ريم يا حبيبتي أنا اتجوزت أحمد بمزاجي، هو مالوش ذنب بالعكس أنا اللي اصريت.
ظهرت ملامح الذهول على وجه ريم التي سارعت في السؤال:
-ليه؟
-عشان بحبه ده اولًا وعشان ابعده عنك ده ثانيًا.
-أنا.
-أيوة كان لازم أعمل كده عشان أحس اني صلحت غلطتي.

ازدردت لعابها في ارتباك وحزن مستكملة في خيبة أمل على الذات:
-ريم أنتي ممكن متكونيش قادرة تسامحيني من قلبك، بس تأكدي اني ندمت ندم شديد وان ربنا عاقبني باني ما شوفت يوم سعادة أو رضا بعد اللي عملته فيكي.

اوقفتها ريم عن حديثها المرتبك في خجل، فهي ذاتها كادت تموت من الذنب بعد ان ظهر لها جانب مظلم من شخصية أحمد حتى صارت تخشى من تحوله لوحش بشكل كامل مصدقة احتمالية اجباره لها، مسحت وجهها لتردف في نبرة جدية صادقة وملامحها تعكس تأثرها النابع من القلب:
-ليان يا حبيبتي انا سامحتك من زمان اوي، انتي عارفة انا مش بحب افتكر اي حاجة وحشة اتعرضتلها، اللي حصل حصل بلاش نفتح في القديم...
تساقطت دموع ليان الخجلة فاندفعت تعانق ريم في قوة مستمرة في بكاءها هامسة:
-وحشتوني أوي، ريان مش هيسامحني مش كده؟

ربتت ريم على ظهرها وخصلاتها في شفقة هامسة:
-أخوكي عنيد انتي عارفة، بس اكيد مع الوقت هيلين.
صمتت ثوان لتسألها مرة أخيرة من باب زيادة التأكيد:
-يعني احمد بيعاملك كويس؟
-أحمد طيب أوي هو يكاد يكون مش بيعاملني اصلًا، هو مستسلم لوجودي في حياته بس انتي أكيد اكتر حد عارف طبعه...

ناظرتها ريم في صمت لأنها كانت تظن بأنها تعرفه حتى اظهر وجهه القبيح، لكنها استمعت في هدوء لليان المستكملة وكأنها تشكوها في الخفاء:
-أوقات كتير بحس اني قاعدة لوحدي بفضل اتكلم واتكلم وفي الأخر بسيبني ويدخل ينام.
كانت ريم ترغب في اخبارها انها لا ترغب في الحديث عنه فجروحها لم تلتئم بعد لكنها تحاملت على نفسها تساعدها من واقع معرفتها بأحمد الوطيدة:
-متزعليش نفسك، هو طبعه كده بيبان مش مبالي لكن في الحقيقة هو بيسمع كل حرف وبينتبه لكل حركة حواليه.

حركت ليان رأسها بعفوية قبل ان تخبرها ريم في نبرة داعمة:
-طالما بتحبيه يبقى كل حاجة هتبقى تمام، رغم كل اللي حصل من أحمد، بس انا معرفش غير أحمد اللي قلبه طيب واتمنى ان اللي صدر منه قبل كده تكون زوبعة وعدت من حياتنا، ليان لو محتاجة اي مساعدة أي وقت كلميني!

كانت ريم تتحدث لتطيب خاطرها لكنها من داخلها ترغب لو تذهب إلى تلك الغرفة التي يقبع داخلها لتبرحه ضربًا، لمعت عيون ليان في فكرة وامل قبل أن تميل نحوها في حرج تخشى الحديث لكنها طلبت منها على أي حال:
-هو انا فعلًا محتاجة مساعدة، في دوا احمد بياخده عمال على بطال، والصراحة الموضوع مخليني على اعصابه وخايفه يكون إدمان، بس هو بغبقى عصبي مرة واحدة وشوية يبقى في منتهى البرود.
-يعني اعمل ايه مش فاهمة؟

سألت ريم في توجس لا تفهم طبيعة طلبها لتجيبها ليان في نبرة خافته خجلة:
-انا محتاجه تعدي على دكتوره انا اعرفها بس مش حابه انزل وهو في الحالة دي وتسألي عن الدوا، هينفع؟
فكرت ريم في توتر برد فعل ريان الذي سيحرقها بنيران غضبه لكنها تنهدت قبل ان تعض شفتيها قائلة في استسلام:
-ماشي هاتي الاسم...

ابتسمت ليان في امتنان وانطلقت راكضة تحضر العلبة الفارغة التي تخفيها في حجرتها، اعطتها إلي ريم التي وقفت مستأذنه الذهاب واعدة بأن تساعدها في اقرب وقت.
لتوقفها ليان في حرج قبل أن تهمس في أذنها تطلب سؤالها عن موضوع أخر حين تذهب للطبيبة ابتعدت ليان تضغط على اصابعها في توسل، متابعة وجه ريم الذي احتله حمرة الخجل قبل أن تهز رأسها تومأ موافقتها في صمت.

بعد ساعات العصر عاد ريان إلى المنزل أخيرًا يشعر بألم حاد في الرأس وفراغ في الصدر فقد مر الأسبوع الماضي عليه غريب كأنه مغيب غارق في هواجسه وغضبه المنصب على جميع من حوله دون سبب.
كان لديه الكثير من الأعمال اليوم عليه تعويضها بسبب إجازته الطويلة ولكنه وجد نفسه مستنزفًا غير قادر على أداء عمله مستوقفه بان قلبه مشتاق ... غارق في لهفته لزوجته ولطفله عمر...

فالساعات الضئيلة التي يقضيها في البيت هي ساعات نومه، ليستيقظ في الصباح الباكر متعمدًا عدم إيقاظ أيًا منهما مكتفي بتقبل جبينهما في صمت والذهاب للعمل...
ثم يعود لتناول وجبة غداء رتيبة هادئة يشعر فيها ان اسرته الصغيرة تخشى التنفس في وجوده فينفجر كالقنبلة الموقوتة في وجههم ولم يفت عليه تلك النظرات الصامتة بينهما في خضوع.

ابتسم فلا شيء قادر على مضايقته أكثر من شعوره بانه مستثني من انسجاهما.
اتجه للغرفة فوجد ريم سابحه بساقيها فوق الفراش متقمصة دور إحدى الشخصيات في الأفلام القديمة غارقة في حديث ما على هاتفها لدرجة لم تشعر بوصوله للمنزل، قطع تحديقها بجسدها الصغير صوت ضحكات منبثقة من غرفه عمر الذي كان يحادث لعبته الإلكترونية يتوعدها بالنصر في حماسة، فتركها تكمل مكالمتها واتجه لصغيره يفتح باب غرفته قائلًا:
-كفاية لعب بالتابلت بقى هيجيلك توحد!
-يا بابي لسه ماسكه من شويه والله.

زين وجه ريان ابتسامه مشاكسة وهو يردف في نبرة متهكمة:
-يا راجل وطول النهار كنت قاعد مؤدب مش ماسكه صح؟
-ايوة يا بابي احنا كنا في الشارع طول اليوم اصلًا.
انعقد حاجب ريان في تعجب ليسأله:
-انتوا خرجتوا؟
-اه روحنا بيت عمتو ليان وبعدين روحنا لدكتورة ريم.

تسمر رسان ما ان سمع اسم شقيقته الخائنة فأغمض جفونه يستجمع رباطة جأشه وقد رفض عقله الثبات على موقف واحد وظل يتنقل بين مشاعر مختلفة متناقضة، فتحرك في صمت تاركًا صغيره متجهًا نحو غرفة ريم.

-للأسف قالتلي إنها متقدرش تأكد ده إدمان ولا لا لازم تحاليل وتكشف على المريض، بس الموضوع ما يطمنش لأن الدوا ده نازل جدول وهي استغربت ان في دكتور ممكن يكتبه للمريض بتاعه.
وكمان اكدتلي أن في حالات كتيرة بتوصل لحالة الإدمان على المهدئات لو مش متابعة مع دكتور بشكل مناسب.

عضت ريم على شفتيها في قلق وهي تحادث ليان تخبرها عن نتائج زيارتها مع الطبيبة لتكتشف عواقب ذلك الدواء الوخيمة:
-أنا مستغربة ازاي الدكتور يكتبهوله ويا ترى بياخده من امتى، انتي متفتكريش مثلًا امتى اخر مرة راح للدكتور؟
سألت ليان في نبرة متوترة خائفة وشعرت ريم بالضيق لأنها تجهل هذا الجانب من شخصية احمد وردت:
-للأسف انا مكنتش أعرف انه بيتعالج أصلًا بس هو مضغوط نفسيًا وأنا حسيت انه ممكن يكون عنده مشاكل بسبب قسوة والده عليه. وانه دايما حاسس بالوحدة.
أرادت ليان سؤالها عن باقي ما تخشاه فتحاملت على خجلها قائلة في خفوت:
-طيب وقالت أيه في الموضوع التاني؟

أغمضت ريم جفونها في خجل لا تصدق انها تناقش هذا الأمر الخاص مع شقيقه زوجها لكنها تحاملت على خجلها فللضرورة أحكام فهي ائتمنها على المساعدة وعليها التلبية على أكمل وجه:
-أيوة، قالت ان الدوا بيأثر طبعًا على طبيعة العلاقة بين الراجل ومراته، بس متقلقيش هي اكدتلي أن أي دوا اضراره مش دايمه ونسبة تأثيره في المواضيع دي بتكون متفاوته حسب تركيبه العلاج.

زمجرت ليان في غضب تشعر الحقد على أحمد الغبي وطبيبه الذي ستقتلع عيناه بأسنانها لتسببه بهذه الكارثة ثم قالت في حده:
-يعني هو ده سبب المشكلة اللي عند أحمد مش كده؟
تخضبت وجنتي ريم باللون الأحمر لكنها استكملت في جراءة:
-طبعا هيسبب مشكلة بس الدكتورة نبهتني ان طالما المريض بيستخدم المهدئات فاحتمال كبير يكون عنده اكتئاب مزمن او ضروب نفسي من نوع ما وان ده ممكن تأثيره يكون أكبر من آثار الدوا السلبية.

هزت ليان رأسها في إرهاق شديد كانت تعلم انها ستعاني الكثير في تلك العلاقة التي استحدثتها من العدم بينها وبين أحمد ولكنها لم تعتقد انها ستتحمل غباءه بالكامل.
وله الجرأة بان يتعجب من وجود خطب ما به !
-طيب يا ريم أنا متشكرة بجد، واسفة مرة تانية اني حطيتك في موقف زي ده بس حقيقي هو حابس نفسه حرفيًا في البيت كأنه مستنى ابوه يجي يطردنا منه.
اعتدلت ريم في جلستها وعيونها تضيق في قلق متسائلة:
-طيب افرضي طردكم فعلًا هتعملوا أيه؟

-متقلقيش أنا كلمت البواب وهو جابلي ارقام شقق للإيجار ولقيت كام حاجه حنينه فاضية لو أبوة طلع معندوش ضمير فعلًا ومشانا هنطلع على حاجه منهم.
اجابتها ليان في اعتياديه وثقه بأنها قادرة على تمالك الأمور من حولهم فأخبرتها ريم في لهجة جدية حقيقية:
-ليان لو احتاجتي اي حاجة كلميني او كلمي ريان، اخوكي مهما زعل مش هيبقى عايزك تتمرمطي!
خرج منها ضحكة صغيرة ساخرة قبل أن تهز رأسها في رفض قائلة:
-وانا مش هقبل أني امرمطه معايا تاني يا ريم، ريان من حقه يزعل وانا هسيبه براحته الفترة دي، لكن ده مش معناه اني هستسلم أو أيأس وهفضل اتصل بيه كل يوم لحد ما يفهم ويسامحني.

انهت جملتها بلهجة مليئة بالأمل والاصرار فابتسمت ريم سعيدة بروح المحاربة منها وجانب صغير داخلها متأكد بأن ليان ستكون حبل النجاة لأحمد حتى وإن لم يستحق فهي سعيدة لأجله ولأجلها.
أغلقت الهاتف بعد تبادلهم لبضعه نقاط أخرى ثم تهدت ريم تشعر بأن جبال العالم ارتفعت من على كاهلها، فهي بريئة من أي ذنب متعلق بليان أو بأحمد.
مطت ذراعيها تلوي جسدها للخلف في تعب لتتفاجأ بريان يقف على باب الغرفة يطالعها في غموض، ارتعشت ابتسامته قليلًا لوجوده الغير متوقع وسألت:
-انت جيت امتى؟

نظر إليها في غموض قبل أن يدخل بالكامل للغرفة مجيبًا:
-جيت من شويه بس قولت اسيبك تخلصي تلفونك.
سعل بخفة متجهًا لتغيير ملابسه يفكر في امثل طريقة لبدء حديثه دون أن يفقد صوابه ويفجر غضبه في وجهها لكنه تفاجأ بصوتها المغرد في توجس:
-ريان ممكن اقولك على حاجة بس متزعقليش؟
التفت يطالعها بحاجب مرفوع وجزء داخله يتمنى ان تخبره بلسانها ما حدث اليوم ثم أرتفع جانب فمه في سخرية مردفًا:
-والله على حسب، أيه المصيبة!

-احنا اتفقنا على الثقة المتبادلة واننا هنبدأ حياة جديدة وصادقة، وأنا مش حابه اعمل حاجة من وراك فهتسمع من غير سخرية ولا أسكت وترجع ريما لعادتها القديمة؟
اخبرته في انزعاج واضح من رد فعله الساخر فرمى بقميصه على المقعد قبل ان يمسك نظراتها بنظرات ثابتة عن قصد قائلًا:
-على حسب العادة اللي ريما عايزة ترجع ليها.

شعرت باتهام طفيف يفوح من نظراته لكنها تعلقت بها في شجاعة قائلة وهي تمد ذراعها تجذب ملابسه البيتية ثم قدمتها إليه كي تمنع توترها:
-أنا خرجت انهارده وروحت قابلت ليان!
ارتفع حاجبه في اتهام ثم قال في حده من بين أسنانه:
-قابلتي أحمد!
رفعت أصبعها في وجهه توقف شكوكه في مهدها بنبرتها الحازمة:
-انا قولت ليان مجبتش سيرة احمد ولا قعدت معاه ثانية واحدة.
-والمفروض ان أنا أصدقك مش كده؟

قالها في غيظ وهو يلقي بالملابس أرضًا فمالت رغم خوفها تلملمها وتدفعها في صدره مجبرة إياه على امساكها من جديد لتخبره في مدافعة:
-ايوة ولو مش هتصدقني قولي عشان اعتبر اتفقنا ملغي واحتفظ باللي حصل لنفسي.
قرص ريان أنفه يمنع انفعالاته قبل ان يجبر ابتسامه زائفة مظلمة فوق فمه قائلًا في غيظ:
-كملي روحتي ليه لليان؟
عقدت ذراعها في تذمر من لهجته لكنها قالت في صدق:
-روحت عشان اتطمن هي فعلا اتجوزته برضاها ولا هو أجبرها على كده.

ضحك ريان في سخرية وعاد لتغيير ملابسه بجسد مشنج كي يشغل نفسه عن خنقها ثم قال:
-انتي سمعتيها بنفسك قالت انه مغصبش عليها، ومش هو ده السبب الوحيد اللي خلاكي تروحي، صح؟
-صح اللي خلاني أروح كلام بيجاد، كنت خايفة من احمد بعد اللي عمله معايا يكون اتحول لإنسان همجي وغصب علي ليان عشان تتجوزه، بس الحمدلله ربنا خيب ظني.

-الحمدلله فعلًا هو مش همجي، اختي أنا اللي مش متربية!
جاء رد ريان الساخر مع ابتسامه كبيرة لم تصل لعينيه، فزفرت ريم تحاول ترتيب افكارها واللحاق بمنحنى مشاعره قائلة:
-ليان بتحب أحمد بجد وبتحارب عشانه.
وضع ريان يده فوق صدره مستحضرًا ما يملكه من شفقه ساخرة فوق ملامحه قائلًا:
-أيوة بتحارب أخوها الشرير المجرم اللي واقف قدام سعادتها مش كده؟
-ريان ممكن تبطل سخرية وتسمع بالعقل شوية.
تذمرت ريم وهي تضرب بساقيها في الأرض فاندفع ريان خطوة للأمام نحوها هاتفًا في عضب مكبوت داخل صدره:
-أسمع ايه؟

ان أختي بتحب الراجل اللي مش بكره قده في حياتي، وانها اختارته على اخوتها وفضلته عليا!
اقتربت منه ريم دون خوف تمسك كفوفه لكنه جذبها منها في حده فابتلعت غصتها لتستكمل في مدافعة:
-أنا مقولتش كده، وكلنا عارفين ان اللي عملته ليان غلط، بس كلنا بنغلط لما بنحب، والحاسبة بتعطل قدام مسائل الحب وأنت أدرى الناس بكده.
-أنا مش عايز أتكلم في الموضوع ده تاني يا ريم، حوار ليان منتهي.

استدار ناحيتها مؤكدًا في نبرة مغتاظة أمره:
-دي هتكون أخر زيارة ليكي هناك، احنا اتفقنا على الصراحة وانا احترمتك وتقبلت كلامك رغم اني عايز اقتلك، لكن انا بقولك صراحة اهوه إياكي تخطي برجلك في بيته من تاني او في اي مكان هو موجود فيه حتى لو عشان خاطر اختي.
حركت رأسها تومأ في موافقة حزينة قبل ان تقترب منه تحتضنه في رقة لا متناهية هامسة في صدره تسترضيه:
-حاضر اللي يريحك، وبعدين انا روحت عشان عارفة ومتأكدة انك مش متطمن مية في الميه من موضوع جوازها حتى لو انت بتنكر الوضع.

تنفس عدة مرات يخرج طاقته السلبية بها فهو لا ينكر بأن هناك جزء خفي داخله يشعر بنوع من أنواع الامتنان بأن شقيقته ليست تحت سيطرة شخص مجنون لكنه لن يعترف ابدًا ولا يريد لزوجته بالتدخل.
-ممكن افضل في حضنك شوية، وحشتني!
حطمت أسواره بنبرتها الحانية فتنهد وهو يطالع زوجته الحنونة الفاتنة تتوسل قربه ليتحرك معها ثم يجلسها إلى جواره قبل أن يقتحمها في عناقه القوي مستسلمان للراحة بين ذراعي بعضهم البعض.

مرت الدقائق طويلة وكأنها الدهر نجح فيها في تهدئة افكاره والسيطرة على غضبه مقررًا الترثي والهدوء معها فعلى الأقل هي صادقة وتحارب من أجله.
قبل مقدمة رأسها في حب قاطعًا صمتهم الطويل وهو يعبث بأناملها قائلًا:
-وحشتيني أكتر على فكرة، وكنت هتجنن من الصبح مستني اروح ليكي انتي وعمر..

نظرت له بعيون تتلألأ في سعادة وبهجة مبتسمة في خجل مهيب يخلب العقول، وود لو يخفيها داخل منزله فلا يلمحها أحد غيره، حاول اقحام غيرته الحارقة داخل جره مشاعره ثم مد ذراعيه حولها يبادلها عناقها مؤكدًا:
-مش بحب الغيرة، متجبرنيش أحسها عشان ساعتها ههدم كل اللي بنيته.
-مفيش حاجة تستدعي الغيرة وياريت تتفهم اللي حصل وبلاش تزعل مني.

همست محاولة تغيير مجرى الحديث وسمح لها ريان بذلك خاصة عندما استمرت في مسح وجهها كالقطط في صدره تمتص غضبه كالمغناطيس وتستبدله بشحنة حنان وعشق موجه نحوها فلامس خصلاتها متسائلًا في قلق طفيف وقد تذكر كلمات صغيره:
-روحتي للدكتورة ليه كان مالك؟
شعر بجسدها الصغير يتصلب فأغمض جفونه متأكد بأن ما سيخرج من فمها سيشعله غضبًا، عضت ريم شفتيها في حرج وارتباك ثم قالت في خفوت طفولي وهي ترمقه بطرف عينيها:
-قول والله العظيم مش هزعل منك يا ريم ومش هتقمص أسبوع كمان.

-اولا أنا مش هقول العبط ده، ثانيًا انا مكنتش مقموص انا كنت مضغوط شوية ومكنتش حابب اضايقك انتي وعمر معايا.
أخبرها ريان بملامح منكمشة في غيظ لسذاجتها فتنهدت في استسلام قبل أن تسرد عليه تفصيل ذهابها للطبيبة بناء على طلب ليان كي تساعدها مع حالة أحمد المريبة.

سند ريان مرفقه فوق كفه الأيسر بينما استقرت أصابع كفه الأيمن فوق فمه يفكر في طريقة لقتل ريم دون أن تفقد حياتها بشكل كامل، عض شفتيه يتابع حركتها الملتوية في توتر أمامه قبل أن يخبرها بقلة حيلة:
-قوليلي أعمل معاكي أيه وأنا هعمل!
-أنا أسفة والله بس مكنش ينفع مساعدهاش.
جز على اسنانه وهو يمسك جانب وجهها ليتخلل لحمها بين أصابعه جاذبًا إياه في غيظ متعجبًا:
-ليه مينفعش، عليكي كمبيالات، ماضية شيكات أو ورق على بياض مثلًا، ده إيه المرار ده، انتي مفكرتيش شكلك هيبقى ايه قدام الدكتورة لما تسأليها عن مشاكل واحد غريب!

شهقت في دفاعيه وهي تبتعد عن انامله ترفع اصابع يدها امامه في مدافعة تؤكد براءتها:
-والله العظيم ابدًا انا قولتها جوزي!
اتسعت أعين ريان في صدمه قبل ان يهتف في وجهها غير مصدقًا وقاحتها:
-يا فرحتي بيكي، يا فرحة قلبي بيكي، ياريتك قولتلها راجل غريب، بتفضحيني يا ريم!
ارتبكت ريم عندما خبط ريان بقبضته فوق رأسه وكأنه يكبح نفسه عن نطحها فقالت في خوف وتوتر:
-يا حبيبي أنت زعلان ليه هي تعرفك اصلًا!

-لا لازم اروح افهمها الحقيقة واثبتلها أني زي الفل.
قال دون شعور وهو يجول المكان اماها ذهابًا وإيابًا كارهًا ما حدث ولا يدري ماذا يفعل بذلك الانزعاج الغير مبرر، ولم يلاحظ زوجته التي تخصرت في غيظ وهي تتابع عيناه المخططة هاتفه في حنق:
-ريان اتربى.
هز ريان رأسه يحاول استيعاب جراءتها بأنها تلومه بعدم التربية في حين انها من ذهبت واساءت إلى مظهره العام.
ارتفع حاجبه متعجبًا ملامح الضيق على وجهها لكنه فهم ظنها الوقح بعد ثوان فابتسم في بهجة مغيظة:
-لا والله لازم أثبتلها، اديني عنوانها بسرعة.

جزت على اسنانها تطالعه في صمت وانفاس عالية فانفجر ضاحكًا في رضا قبل ان يغيظها في سماجته المعتادة:
-تستاهلي عشان تحرقي دمي تاني.
-انسان لا يطاق.
-اسكتي بالله عليكي، يا شلال المفهومية.
رمقته في غرور وتحدي تحاول السيطرة على ابتسامتها لكنها فشلت في التمسك بتذمرها حين اقترب يحتضنها متناسيًا ما دار وحدث منذ قليل وزاد من دهشتها اكثر حين أخبرها:
-أنهارده وصلت لحاجة مهمة جدًا.

طالعته في صمت فاستكمل بابتسامته الرائعة وقد استعاد مزاجه الجيد من جديد:
-انكم وحشتوني أوي واننا بعد كده لازم نفصل بين حياتنا وأي أحداث خارجة عنها.
-وحط كمان اننا ما نتقمصش أسبوع!

تذمرت في غنج ودلال تتمايل بين ذراعيه عن قصد فدوت ضحكاته الغالية بينما يشد على خصرها يمنع ابتعادها مدللًا إياها بكلماته المجنونة الساخرة يلاعب أوتار غيظها تارة وحنقها تارة اخرى قبل أن تتحول أجواء المرح سريعًا إلى أجواء أشد إثارة يهاجم فيها كل دفاعاتها ببسالة حتى يمتلك عشقها ويقدمه كقربان للطمأنينة داخل صدره.

اندفعت ليان داخل غرفة أحمد الذي يرفض الخروج منذ أن رأى ريم في الصباح لا يزال غارق في مشاعر الخذلان، قبل ان تقتحم ليان المكان وبكل جراءة جذبت علبة الدواء من فوق الطاولة تلقيها في وجهه متهمة:
-ابقى روح أسأل دكتورك المتخلف اللي اداك العلاج ده انت عندك مشاكل ليه!
أمسك أحمد المنذهل بعلبه الدواء قبل ان يقف امامها متسائلًا في استنكار:
-دكتور ايه؟

-الحمار اللي بتتابع معاه وبيديك المهدئ ده!
رمش أحمد مرتين قبل أن يخبرها في بلاهة:
-انا مش بروح لدكتور اصلا.
ارتسمت البلاهة تلك المرة على وجه ليان التي تقدمت نحوه بعيون ضيقة تحدقه في قسوة قائلة من بين اسنانها:
-اومال أنت بتاخد الدوا ده ازاي؟
-باخده لوحدي وبعدين انتي داخله تزعقيلي كده ليه انا حر!
حاولت سحب انفاسها لتهدأ قبل ان تقول في نبرة مضطربة وهدوء زائف:
-أحمد بعد اذنك بلاش تعاندني وجاوب بصرحة لأن دي مصيبة الدوا ده اصلًا نازل جدول بتوصله ازاي؟

-واحد صاحبي صيدلي وبيجبهولي، وبعدين انا مش مطالب ابدًا اني أبرر تصرفاتي ليكي.
انهى كلماته في حده وهو يتحرك من امامها معطيها ظهره فاندفعت تديره نحوها قبل ان تصيح في غضب:
-أنت أيه عايش في العصر الجاهلي مش عارف ان دوا زي ده من غير دكتور ممكن يموتك مش بس يدمرك، بلاش ده مفكرتش تقرأ نشرة العلاج تشوف أثاره.
وقف أمامها بملامحه الجامدة ثم أخبرها في حده يرفض الاعتراف بوجود خطب ما:
-مش بيجي بورقه أنا بخده منه كده.

وضعت يدها فوق رأسها تكاد تستشيط بنيران الغضب غير مصدقة درجة الغباء التي وصل لها فقالت مغتاظة:
-فهمني أنت ازاي انسان سلبي ومش بتفكر كده، فين ثقافة الوعي اللي عندك، ازاي تقبل تاخد علاج متعرفش عنه اي حاجة غير انه بيريحك، انت كده بالظبط زيك زي المدمنين!

التفت أحمد بعيدًا عن اتهاماتها وقد بدأت انفاسه في التصارع يخشى التفكير فيما تحاول اقحامه داخل عقله، فكل ما يراه في دواءه سبيل للهروب من ظلمات، فابتعد قائلًا في نبرة مهتزة مدافعة:
-أنا مش مدمن ده دوا اكتئاب مش مهلوسات وأي حد بياخدها عشان ينام.
-أي حد ده ...ممكن ياخدها لما يبقى بيتابع مع طبيب، أي حد ده ... مش بيصحى من النوم يقولك بس أنا مكتئب هنزل اجيب شوية علاج!

علا صوتها الغاضب في تهكم فصرخ بها مستنكرًا:
-انا باخده من سنين ومحصليش حاجة ومش مدمن على حاجة، مش عشان دخلتي حياتي كام يوم هتفتكري نفسك فاهمة كل حاجة ومش عشان ساكتلك هتفتكري انك امتلكتيني...
خرجت كلماته قاسية مستنكره لأنها تشعره بغبائه بانه استمع لرفيق عايشه في وقت المراهقة ونعم لم يسأل فقد كان شاب صغير متخبط لا يفقه شيء وكل ما أرداه هو النوم، ضغط على فكيه في غضب لم يطلب الجاه ولا المستحيل بل طلب حق آدمي حرم منه وهو النوم قرير الأعين كباقي المخلوقات...

فلما تعاقبه بأن تلوح بضعف يحاول الهرب منه في وجهه بقوة، خرجت ضحكات ليان الساخرة التي جذبته من أفكاره مصدومة من كلماته لكنها جزت على اسنانها متقدمة نحوه في خطوتين هامسة في قوة:
-أنا امتلكتت فعلًا حتى لو بتقنع نفسك بالعكس ومن حقي احافظ على ممتلكاتي طالما محدش غيري هيحافظ عليها...
كانا يتواجهان وجهًا لوجه في معركة صامته تترجمها لغة العيون وكلاهما ينتفض بأنفاسه العالية لأسبابه الخاصة، تعلم ليان أنه سيتراجع كعادته في اللحظات الحاسمة فقررت إعادة الحوار لمنصبه الأساسي بكلماتها الماكرة:
-فكر كده انت بتاخد الدوا ده كل قد ايه؟
مرتين في الاسبوع، لا لا أكيد تلاته عشان مضغوط ..

أقولك أنا هحسبهالك أسهل، انت بتاخده كل يوم عشان تهرب وتعرف تنام ولو حطينا عليها جملتك "أنا باخده طول عمري"…
قطعت حديثها ممسكة عيونه المرتبكة بأنظارها الحارقة التي تلامس دواخله ثم استطردت في حدة وثبات:
-فانت مش بس مدمن على المهدئات، أنت أذيت نفسك وجسمك أذية ملهاش عدد.

لامست وجنته منهية حوارها اللاذع فنفضها في حده وهو يبتعد للخلف في رفض يكره كلماتها ويكره تعريتها لدواخل حياته، فمالت برأسها محركة شفتيها في تقبل قبل أن تتجه بخطوات ثابتة نحو الدواء متعمدة قذفه نحوه من جديد وحين التقطه كرد فعل ابتسمت في غموض قائلة بنبرة مقطرة بتحدي:
-موقف صعب بس الاخيار سهل الهروب ولا المواجهة ؟

تحركت نحو الباب تعطيه ظهرها تخفي ملامحا الحزينة قبل أن تقذفه بكلماتها المتحدية الثابتة:
-لوعندك الشجاعة خد الدوا ده وروح لدكتور واسأله أنت عندك مشكلة في ال... اااه كنت مسميها أيه؟.. ايوة افتكرت ... عجز ...، خد الدوا ده واسأله أنت عاجز ليه؟
تقطرت جملتها الأخيرة بالسخرية وكأنها تحارب الواقع بأن عجزه الوحيد داخل عقله المتعفن ثم تركته وخرجت مغلقة الباب ساندة فوقه لتترك جفونها تنغلق في حزن بينما ترتفع أصابعها المرتعشة فوق قلبها المتسارع في حده، تعلم انها تقسو عليه وتشعر بالشفقة تتملكها ولكن ما باليد حيلة فإن لم تدفعه هي لن يتحرك هو...
وقف أحمد مكانه دون أن يتحرك خطوة وانظاره معلقة بالباب الذي خرجت منه ليان، كم ينقم عليها لأنها تخترق خلوته وتقحم داخله مشاعر غريبة عنه وكأنها تسكب من روحها الشجاعة كي تطفئ ظمأ داخل روحه.

ضغط على علبه الدوا وعقله يدور في تساؤلات متوترة مضطربة:
هل يعقل بأن السبيل الوحيد الذي لجأ إليه والخيار الوحيد الذي اتخذه بمفرده في حياته هو السبب في ما يدور معه؟
هل يستطيع ان يتجرأ ويظن بأنه لا يزال محتفظًا برجولته وان ما حدث قديمًا كان من تأثير تلك السموم؟

أغمض جفونه وقد نجحت ليان في إشعال نيران الشك والحيرة في قلبه فلم يشعر بنفسه سوى وهو مندفع يجذب مفتاح سيارته ويخرج من غرفته متجاهلًا وقوفها بمنتصف الردهة تطالع اختفاءه من باب المنزل في ذهول صامت قطعه الباب المنغلق في حدة.
نكست ليان رأسها ورفعت رأسها للسماء تناشد الرحمة على قلبها وروحها التي هي أضعف بكثير مما تظهره للجميع من حولها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة