قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث عشر

رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم كاملة

رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث عشر

بعد مرور ساعات واقتراب الظلام من السماء، طلت "وسام" من الشرفة للمرة الألف تطالع زوجها للذي لا يزال جالسًا بكل أريحية يشرب كوب من الشاي وكأنه لا ينتظر أحدهم لسفك دماءه!
- فاكر نفسه عايش في شيكاغو، طيب ابلغ عليه بنفسي وارتاح ولا اهبب ايه.

قالت في غضب حانقة على افعاله ثم فركت معدتها المتألمة تحاول التفكير في طريقة للتخلص من تلك المصيبة التي وقعت فيها.
اتجهت نحو غرفتها تفتح الباب لتناظر بعيون متسعة ذلك النائم بكل أريحيه فوق فراشها وكأنه يمتلك المكان فصرخت به:
- يا بجاحتك وكمان نايم قوم يا شيخ قامت قيامتك.
استيقظ الشاب في رعب مبررًا غفوته:
- تعبان ودايخ هموت يا كفرة،روّحوني.

حركت شفتيها لليمين والشمال لتبصق كلماتها في غضب:
- ولما انت مش قد الشقاوة بتتنيل على عينك ليه؟
أمسك رأسه متأوهً قبل ان يخبرها:
- دماغي هتنفجر مني أنا لازم أروح لدكتور، جوزك جابلي ارتجاج في المخ.
- وماله انزل.
ردت "وسام" وهي تخبط بإحدى قدميها ارضًا في غضب وتوتر ليسأل الشاب في لهفة:
- بجد هو مشي؟!

- لا قاعد في الشارع على باب العمارة مستنيك بس لو حابب تنزل اتفضل.
ابتلع الشاب ريقه في ارتباك ثم صمت ليتأوه من جديد ممسكًا صدره، فقالت له "وسام" في شماتة:
- احسن عشان تحرم تيجي على ستات الناس، المهم اسمع انا عندي فكرة فوق معايا كده وإياك تنام إنت فاهم دي فرصتك الوحيدة.
هز الشاب رأسه في موافقه واتسعت عيناه في ترقب وهو يستمع لمخططها.

استقام "بيجاد" يلوي جسده لليمين والشمال في ملل وارهاق ثم صاح مرة أخيرة بصوت رج المكان:
- تليفونك ومفاتيحك معايا خليك بقى مستخبي زي الحريم.
اقترب منه صاحب المتجر المسن نسبيًا ليخبره:
- وحد الله يا ابني وخلاص ما انت اديته اللي فيه النصيب سيبه يمشي وخلصنا من الليلة دي، ولّا يرضيك الرجالة دي قاعدة متمرطة وخايفين عليك تجيب أجله.
- وأنا مش هيكفيني فيه غير أجله يا عم أمين دي مراتي عارف يعني ايه مراتي!

ده انا هقطع صوابع ايده واحطها في عينه بأيديا دي.
- استغفر الله، يا ابني يعني هتودي نفسك في داهيه عشان حتة عيل مترباش؟
- على الأقل يتربى لكن وربي ما اسيبه يمر كده مرور الكرام ولو على جثتي!
قال بيجاد في حقد وغضب ليقطع حديثهم صوت وسام الهاتفة من الشرفة:
- بيجاد.

أسرع يطالعها في غضب لخروجها ومناداته وسط الطريق مشيرًا لها بالدخول لكنها أصرت على وقفتها وهي تزيد من الإشارة له بيدها كي يصعد.
زفر قبل ان يستأذن ويصعد إليها كي يوبخها لعلها تتعقل قليلًا، وحين وصل وجدها تقف على الباب في انتظاره ممسكه بطنها المنتفخة بملامح يشوبها الألم فأسرع نحوها في تساؤل:
- إيه مالك؟
- بطني بتوجعني ومتشنجه أوي.
أمسك "بيجاد" ذراعها يدفعها بخفة للداخل قائلًا في خوف وقلق:
- طيب واقفه ليه ادخلي ارتاحي على سريرك شوية.
- لا لا لا...

أسرعت وسام قائلة في نبرة عالية وحين نظر لها بتساؤل اقتربت منه بجسدها تستند برأسها فوق صدره قائلة في توتر تحاول كبحه دون جدوى:
- اقصد لا شكل النونو عايز يحس بيك مش أكتر، تصدق بقيت مرتاحه وأنا قريبه منك كده.
ارتفع وجه "بيجاد" في ابتسامه خفيفة ليضمها إليه وقد نسى كل ما يغضبه ليخبرها في خفوت يوضح رضاه:
- عنده أصل، ابقي فكريني اجبله البسبوسه اللي بيحبها واحسن لك تاكليها للواد مرة واحده.

حركت رأسها مرات عده واصابعها تشتد حول جسده تقربه منها تستمد منه القوة لتفعيل مخططها، لكنها حاولت مرة أخيرة:
- ما تقفل الباب وأدخل كفاية ربنا يهديك، أنا مسامحه يا أخي.
- بس أنا مش مسامح.
قالها في انفعال وهو يبتعد للخلف عنها فضربت وسام على وجنتها مرة في غيظ حارق هاتفة:
- إنت عنيد ليه، أنا تعبت.
كاد ينسحب "بيجاد" من المنزل في هدوء يكظم غيظه دون اجابه فأمسكت بذراعه سريعًا قائلة في ارتباك:
- خلاص استنى كنت عايزة اقولك على حاجة.
- اتفضلي يا وسام.

التفت حوله تغلق الباب ثم وقفت قبالته مطالبه:
- ممكن تفضل معايا شوية بطني بتوجعني.
- ما قولتلك ادخلي اوضتك ارتاحي.
- هرتاح ازاي وانت قاعد تحت مستني تموت واحد!.
- وأنا مش هرتاح غير لما أفرفت عضمه ايه رأيك بقى؟!
صوت ارتطام طفيف قطع كلماته فرفع رأسه نحو غرفتها في تساؤل:
- ايه الصوت ده؟

- دي اكيد حاجه وقعت من على السراحه أصلي فاتحه الشباك.
- شباك ايه اللي يوقع حاجه؟!
سأل وهو يهم بالتحرك نحو غرفتها فوقفت وسام أمامه تنظر له بأعين متسعة مرتبكة فسأل في ريبة:
- هو في ايه بالظبط؟

اقتربت منه دون تفكير تلصق جسدها بجسده ثم وقفت على أطراف أصابعها تثبت فمها أسفل فمه، اتسعت أعين بيجاد غير متوقع فعلتها ولكن حين اشتدت قبلتها وأصبحت أكثر تطلبًا وقف عقله تمامًا عن العمل ووجد نفسه يميل كي يجاري تطلبها في شوق مطبقًا بذراعيه حولها يضمها نحوه أكثر.

ابتعدت وسام لثواني هامسة أمام ثغره وعيناها تتعلق بعينيه المسبلتين برغبته المحمومة:
- وحشتني ومحتاجه أحس بقربك مني يا بيجاد.
انفرجت أسارير وجهه واشتعلت عيناه بنظرة فرحة ناطقة لاعترافها وقد ارهقه عقابها بينما قبل ان يميل كي يخطف أنفاسها في قبله يبث فيها شوقه الحارق هامسًا بين قبلاته:
- مش أكتر مني، كفاية بعاد انا بتعذب من غيرك.

أخبرها "بيجاد" في صدق وكل ذرة في جسده تكاد تنفجر في سعادة وأمل، فهزت "وسام" رأسها في موافقة لتتدفق الدماء في عروقه.
كاد قلبه الذي أخذ في الضخ داخل صدره بشكل قوي أن ينفجر في سعادة صادقة حين اقتربت منه تتعلق في عنقه مهاجمه بكل مشاعرها ليبادلها بأشد منه توقًا وهو يرفعها بين ذراعيه متحركًا نحو الأريكة فابتعدت تلتقط انفاسه هامسة في ارتباك خفي:
- لا في أوضتنا...

هز رأسه دون ان ينطق كلمه فحلقه الجاف باحتراق مشاعره يمنعه من ذلك.
شدت وسام فوق عنقه تعيد رأسه نحوها ليذوب كالثلج بين ذراعيها بينما يترك لساقيه حريه التحرك نحو غرفته ولم ينتبه لذراع زوجته الذي امتد من خلفه ليغلق باب الغرفة في قوة أكثر مما ينبغي.

وضعها في بطء فوق الفراش منتبهًا على بطنها المنتفخة ومال يقبل أعلى معدتها ممررً أنفه فوق جسدها لأعلى حتى أستقر فوق عنقها فيستنشق عطرها الخلاب في توق حقيقي صادق قبل ان يبتعد ويدفع بكفيه حول وجهها مستقرًا بفمه الكبير فوق ثغرها الرقيق الناعم المستسلم لمشاعره.
منطلقًا معها في رحلة جياشة المشاعر كانت مثل انسياب الغيث الذي يهطل على صحراء قلبيهما فتزهر كل المساحات العطشة وترتوي بعد طول انتظار.

ألصق الشاب المذعور أذنه بالباب الخشبي أكثر يستمع إلى همهمات الزوجين بالخارج ولسان حاله يتمنى نجاح خطتها كي يتمكن من الهروب على خير، دعا الله في سره واعدًا بتوبة انه لن يفعل ما فعله مرة أخرى لأي امرأة ابدًا.
اندفع في ترتر وخوف وهو يستمع لتهديدات بيجاد دون وعي فارتطم بسراحه الشعر الخشبية متسببًا بسقوط إحدى العلب الفارغة، زادت دقات قلبه في ذعر ونظر حوله مفكرًا في وسيلة في الهرب إن اكتشفه الرجل.

ولم يجد خلفه سوى النافذة العالية فكاد يبكي في مكانه وهو يتوسل ويرجو داخل قلبه بأن لا ينتبه وبالفعل حين عدت الدقائق عليه دون دخوله عاد للباب يستمع في هدوء تام ثم كاد يصرخ فرحًا حين استمع لصوت الباب المجاور يغلق.
فحسب خطة السيدة التي طالبته بالتنبه بأنها ستقنع زوجها بالذهاب للغرفة المجاورة وحينها سيكون عليه ان ينتظر ثلاث دقائق قبل أن يتسلل للخارج مغلقًا باب المنزل في هدوء خلفه وبعدها:
- تاخد ديلك في سنانك وتقول يا فكيك، إنت فاهم.

صدحت كلمات وسام في عقله ليجيبها في حماس على أي حال:
- فاهم والله.
وبالفعل بعد انتهاء المدة المتفق عليها تحرك في بطء وهدوء حتى وصل إلى باب المنزل ولم يصدق حظه الحسن بأنه خرج بالفعل ليطلق ساقيه للريح متجاهلًا ألامه فيركض دون توقف.

انفتح باب الغرفة التي انعزل بها ريان طوال اليوم رافضًا رؤيتها أو تناول الطعام فخرجت من افكارها ورفعت عيناها تطالع هيئته الهائجة بريبه وانخلع قلبها من مكانه حين اقترب منها بصورة مباشرة فاستقامت مذعورة وتلاها في الذعر "عُمر" الذي وقف فوق الأريكة يتشبث بقوة في خصرها حين صدح صوت ريان الغاضب المختلط بشيء من الجنون:
- أنا حجزت تذكرة طيران ومسافر كمان ساعة.

تحرك صدر "ريم" للأعلى وأسفل تشعر باختناق يضعها في بؤرة سوداء بينما حدقتي عيناها تلتفتان لليمين واليسار في جنون يحمل اضطراب مشاعرها وقد رجت الصدمة كيانها فحاولت إطباق جفونها لتسترد أنفاسها، ثم قالت في صوت منخفض ضائع رغمًا عنها:
- هتسافر... هتسافر...هو ...الطيارة...
لم تستطع إخراج جملة صحيحة من على لسانها وقد شعرت بضغط دمها ينخفض وبدأت شفتيها ترتعش دون وعي.
وكل ما يسيطر على تفكيرها هو انه يتركها من جديد،..

يعيد فتح ألامها وقتلها كعادته...
لا يراعي وجودها ولا قلبها الهائم في حبه...
فكبريائه لا يتحمل أن يعطيها مساحتها في رد بضعًا من أخطائه الجسيمة في حقها.
تسمر ريان في مكانه يطالع رد فعلها في تساؤل وارتباك فخف من حده ملامحه وهو يقترب نحوها ببطء وتروي يلامس وجنتها المبللة فقد انهمرت دموعها دون أن تشعر.

فرفعت "ريم" عيناها اليه تتوسل أمرًا هي ذاتها لا تعلم ما هو، هامسه في نبرة متعبة محمله بالاستسلام:
- هتسافر تاني يا ريان؟!
مرر ابهاميه يمسح عبراتها السائلة فوق وجنتيها يهدئها وقد بدء عقله يبدي استجابة مفسرًا سبب اضطرابها، شاعرًا بقلبه يتمزق لآلاف القطع لأنه السبب في كل الضعف والخوف المنبثق من عينيها فأجابها في نبرة متأثرة يقتلها الندم:
- إهدي، إنتِ فهمتي غلط، ليان في مصيبة، أنا هسافر وهرجع تاني متقلقيش يا عيوني.

اومأت "ريم" رأسها في حركة متوترة وكأنها تتمنى تصديقه، فحاول ريان إبعاد افكاره العنيفة التي تتملكه بسبب مكالمته مع ليان لأنه على ما يبدو فالقتل سيكون هوايته هو حين يلتقي بزوجها النذل وليس أخيه "بيجاد".
هز رأسه يبعد سوداوية مشاعره ثم اقترب يقبل رأسها لينتبه إلى صغيرُه ذو الوجه الباكي في صمت فأخبره "ريان" في تعجب وهو يبعد إحدى كفيه عن وجهها ليمده نحو عُمر ملامسًا وجنته المستقرة فوق خصرها:
- عيب يا عُمر إنت راجل، بطل عياط.

- لا أنا مش راجل أنا صغير ومش عايز أسافر، أنا عايز ابقى عندي ماما تفضل معايا زي صحابي كلهم.
أجابه عُمر في صوت مخنوق ببكائه فانفجرت ريم في بكائها بتأثر وقد ثقل قلبها في حزن مرير وكل ذكرياتها الكئيبة تعود لعقلها تواليه وكأنه سباق، وقد سرع انفجارها كلمات عُمر الصادقة التي لامست قلبها فهي تريد طفلها تحت رعايتها وهي أحق به من أبيه الظالم المستبد الذي لا يشعر بأمومتها ويسرقها منها مرة أخرى.
ضمت عُمر نحوها وسط ذهول "ريان" الغائب عنه مشاعرهما والذي ألجم الموقف لسانه لكنه حاول مردفًا:
- ريم ممكن تهدي بلاش عياط، أرجوكي.

ضمها "ريان" نحوه وهو يخرج صوتًا خافتًا من فمه كناية عن محاولته في تهدئه ريم التي صارت تهتز بالكلام بين ذراعيه.
شعر بالعجز والفشل لأنه لا يستطيع طمئنه قلوب أسرته المهتزة بفشلُه من البداية حين سمح لأحد بالتدخل في علاقتهم لخداعُة وهو سار خلف الأكاذيب والغيرة كالأبله..

بعد دقائق من جلد الذات حاول ريان السيطرة على انفعالاتها هي وعُمر، فزفر بقلة حيلة يحاول التفكير في حل يلجم به جماح خيالاتهم حتى لمعت عيناه في فكرة رائعة نعم مرعبة قليلًا بالنسبة إليه لأنه لم يفعلها قط لكنها كافية لكسب ثقتها من جديد، فما فعله كان صعب وحقير ويتطلب منه الكثير والكثير ليكفّر عن ذنوبه.
ابعدها ريان قليلًا عنه ينظر لها قبل أن ينظر إلى صغيرُه المستقر بينهما ليخبرهما بابتسامة خفيفة:
- خلاص خلصتوا عياط، أنا اصلًا مسافر لوحدي وعُمر هيفضل معاكي كام يوم.

صرخ عُمر في فرحة حقيقية وهو يتثبت أكثر بخصر ريم الذي تعلقت عيناها بعيون ريان تشعر بالصدمة محاولة التأكد من صدق كلماته.
- بتتكلم بجد يا بابي.
لم يبعد ريان أنظاره عن ريم التي تطالعه كطفلة صغيره تائهة فابتسم على أمل إخفاء حده تأثره ليخبرهما في مشاكسة:
- بجد ده لو إنت هتفضل مؤدب ولو ريم موافقة ومعندهاش مانع؟
- هقعد مؤدب والله.

أخبره عُمر بينما كل ما استطاعت ريم ترجمته هي هزة سريعة قويه من رأسها توضح موافقتها وعقلها المرهق في تعب يرفض التأقلم مع من حوله، نظر لها ريان مرة في قلق ثم نظر لعُمر قبل أن يتنهد قائلًا:
- يا جماعة مش كده، حرام عليكم نفسكم هتموتوا نفسكم من الزعل عشان أنا مسافر كام يوم بس!.
ارتفع جانب وجه ريم في شبح ابتسامه صغيرة ترغب لو تخبره انها بالفعل حزينة وتخشى غيابُه فداخلها مذبذب غير مستقر...ولطالما كانت... لكنه من دفع القوة فيها، قوة لم تعهدها إلا بعودته لحياتها من جديد.

اقترب ريان يلامس وجهها بينما يوجهه حديثه لعُمر:
- إدخل جوا يا عُمر عايز اقول لريم على حاجة قبل ما أمشي.
أومأ عُمر رأسه ببطء واتجه للداخل في توتر وكأنه يخشى القادم.
- أنا هسيب عُمر معاكي كام يوم لحد ما ارجع، عارف إن دي مسئولية كبيرة عليكي بس انا مقدرش أثق في حد غيرك في الدنيا كلها.

رمقته بنظرة عتاب دون ان تنطق فأكمل وهو يمد يده يمسك يدها الصغيرة ويرفعها لفمه يقبلها رغم اعتراضها الواهي:
- أنا لازم أمشي دلوقتي، خدي بالك من نفسك وخدي بالك من عُمر.
- حاضر.
همست في ضعف تخفي الكثير والكثير من المشاعر المتناقضة والمتناثرة داخلها ولكنها حين تحرك سألت في لهجة أعلى مما تنوي:
- إنت هتسافر كده، فين شنطتك؟!
- مفيش وقت، نظر إلى ساعة يده قبل أن تنكمش ملامحه في ضيق ليضيف:
- كان لازم أكون في المطار دلوقتي أساسا.

تحرك نحو الباب فاتبعته في خطوات سريعة قلبها ينبض وتنفض في ذعر دون مبرر ولكن جرحها في الماضي أقوى مما يقوله ويخبرها به، توقف "ريان" واستدار نصف التفاته يطالع وجهها الشاحب فتنهد وعاد خطوتين ليستقر أمامها ويضمها في عناق عميق حتى ارتفعت أصابعها عن الأرض بينما تبادله هي العناق تتعلق في عنقه بقوة وتخفي وجهها الممتلئ بدموعها في صدره.

مر الوقت عليهم كساعات طويلًا تعمّد فيها ريان وضع قبلات طفيفة فوق خصلات شعرها وجبينها وشعر بالأمل يكتنف صدره بأنها ستعود له عاجلًا أم آجلًا فهي تستحق منه أن يعطيها مساحتها ووقتها لتعود إليه.
رفع ذقنها نحوه ثم طبع قبلة طويلة فوق ثغرها المرتخي أسفل فمه تاركًا انفاسهما تختلط بضع لحظات قبل أن يبتعد يقبل وجنتها هامسًا:
- بَحبِك..
كانت تشعر بدقاتها في حلقها من شده الانفعال لكنها ابتعدت خطوتين في توتر دون ان تجيبه.
- احم...عُمر تعالى سلم عل...

لم يكمل ريان جملته حتى انطلق عُمر راكضًا من غرفته وكأنه كان جالس خلف الباب فابتسم ريان ابتسامة عريضة عندما حمل الصغير القافز بين ذراعيه يحتضنه بقوة قائلًا في مرح:
- لمعت الاوكره يا حبيبي ولا لسه؟
- يعني ايه يا بابي ما هي نضيفه اصلًا.
- لا يا حبيبي متشغلش بالك، المهم إنت راجل البيت هنا في غيابي خد بالك من ريم واوعى تتعبها.

انهى جملته بجدية بعيدة عن المرح، فهز عُمر رأسه في فهم، سعل ريان وهو يرمق ريم بطرف عينيه قبل أن يهمس في أذن صغيره:
- حاول متخلهاش تنزل خالص، ولو الزفت التاني اتصل قولي لما ارجع، واتصرف يا عُمر، فاهمني طبعا.
- فاهم فاهم لا تقلق لا تقلق...
أخبره عُمر بثقه وهو يحرك كفيه الصغيرين فوق كتفي والده فضحك ريان بينما يضعه ارضًا مقبلًا إياه قبله أخيره قبل أن يلقي عليهم السلام ليذهب إلى المطار وكل ذرة في جسدُه تحاربه للبقاء والاستفادة من ثغرة القبول التي اظهرتها زوجته العنيدة.

بعد انتهاء طقوس العشق بينهما جلس "بيجاد" فوق فراشه يلتقط أنفاسه وقد خارت قواه من لقاءهما الحميمي الكاسح لمشاعره واضعًا زوجته الشبه عاريه بين ذراعيه يرفض التخلي عنها او ابتعادها ولو انش واحد.
عبث في خصلاتها بينما قابلته هي بلمسات مختطفه تعبث فوق صدره في استرخاء تام لم يعهد "بيجاد" منذ قررت معاقبته بالانفصال الروحي والجسدي عنه، تنهد في راحة و وَد لو يخلد للنوم وينسى الحياة وما فيها من شغب يومي...شغب..!

انتفض من مكانه محركًا معه "وسام" المرتعبة التي تسألت متعجبة تغيره:
- مالك يا بيجاد؟
- العيل المتني!
ده هيبقى يوم أسود عليا لو الواد مشي.
أبعدها عنه وهرع حول المكان يلملم ملابسه فاعتدلت وسام في جلستها بينما تغطي جسدها بالغطاء قائلة في غل:
- إنت زي ما انت مفيش فايدة فيك.

- خلاص يا ستي أنا مش هعمله حاجه عشان مزاجي رايق بس، ابن المحظوظة انا راضي بالعلقة اللي ادتهاله، بس يمين بالله ما ياخد عربيته غير لما يجيبلي ولي أمره.
قال ساخرًا فحركت رأسها بقلة حيله وقلبها يرتعش بتوتر بين اضلعها ودعت الله ان يكون الغبي الذي بالداخل قد هرب بالفعل.

وقفت هي الأخرى ترتدي ملابسها وقلقها يمنعها من ترجمة كلماته التي يرسلها اليها وهو يغادر، سمعت باب المنزل يغلق فانطلقت راكضه ما ان اكملت ملابسها وهرعت لتتفحص الوضع.
فتحت باب غرفتها وتنفست في راحه واضعه كفها فوق صدرها بينما تستند بجسدها المتراخي للخلف متمتمه:
- الحمدلله، عدت على خير.

وصل بيجاد أسفل المبنى فلم يجد علاء في انتظاره بالتأكيد مل الصغير حين تأخر، اتجه نحو المتجر يناديه قائلًا:
-علاء هات الحاجة اللي معاك؟
-حاجة أيه؟
تساءل علاء مستغربًا فأخبره بيجاد بعفوية:
-مفاتيح عربية الواد وتلفونه.
-ما انا ادتهمله لما نزل يا كوتش.

امسكه بيجاد من ياقته في حده قائلًا من بين أسنانه:
-ادتهمله ازاي يعني، انا مش منبه عليك تناديني لو نزل؟
ارتبك علاء الذي أخبره في نبرة يشوبها الحيرة:
-مش أنت سيبته يمشي يا كوتش.
-سيبته يمشي يا كوتش!
انت سيبته يضحك عليك بالسهولة دي؟

-يضحك أيه بس، انا شايفه بعيني وهو نازل من شقتك..!
تسمر بيجاد كمن صعقه الرعد في مكانه ثم دفع علاء معه نحو أسفل المبنى قبل ان يدفعه بعيدًا عن مسامع الجميع قائلًا بنبرة حادة:
-انت بتقول ايه يا زفت انت، شوفته امتى وازاي؟
-بعد ما انت طلعت الحاج طلب مني اعمل حاجات وكنت خايف الحاجه تضيع مني، وأنا طالع على السلم عشان ادهوملك لقيته طالع من شقتك ولما قربت منه قالي انك صالحته وخد الحاجه ومشي.

شعر بيجاد بالأرض تدور من حوله واصابعه تكاد تنكسر من شده قبضته لكنه جذب علاء أشد من اللازم نحوه مهددًا من بين أسنانه:
-أنا مش عايز كلمه من اللي انت قولتها دلوقتي تطلع لحد برا عني وعنك، أنت سامعني يا علاء!
حرك علاء رأسه بالموافقة وملامحه تعكس ارتباكه وحيرته.
تركه "بيجاد" واندفع كالإعصار الاهوج إلى شقته وكل ما يتملكه هو الغضب واحساس قبيح بالخيانة، موجه نحو شخص واحد فقط... زوجته...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة