قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والثلاثون

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والثلاثون

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والثلاثون

كانت ليلة حالكة السواد، والطرقات شبه خالية من المارة، وصوت أنفاسها اللاهثة يخترق أذنيها، استدارت فرح بعينيها المرتعدتين لتعرف أين هي، فلم تجد أي أحد، ولكنها لمحت طيفا يخترق ذلك الظلام، فانتفضت في مكانها، وتسرب الرعب إليها، فركضت بكل ما أوتيت من قوة، ولكنها كانت تشعر بثقل قدميها، وأنها غير قادرة على الحركة، تلاحقت أنفاسها بشدة، وكانت تلتفت بين الفنية والأخرى للخلف لتراه، فوجدته في إثرها يسير بخطوات ثابتة، فحاولت أن تبتعد عن ذلك الشبح الذي يطاردها، ولكنه كان يقترب منها بشدة..

فغرت شفتيها لكي تصرخ، ولكن خانها صوتها، ولم يخرج من جوفها، فبدت أنها فاقدة للنطق، عاجزة تماما عن الكلام، حاولت أن تصرخ مرارا وتكرارا ولكن للأسفل تجمدت الكلمات في حلقها..

تثاقلت خطواتها أكثر وأكثر حتى باتت غير قادرة حتى على الزحف، فإستدارت للخلف برأسها، فبدى طيف هذا الشبح جليا أمامها، فحدقت فيه بعينيها لتتبين ملامحه، فوجدته يزيد، فشهقت في فزع، ولم ترمش بعينيها، وضمت قبضتي يدها إلى صدرها، وخفق صدرها بحدة، وحاولت أن تجبر قدميها على التحرك، ولكنها كانت كما لو تم تثبيتها عنوة على الأرض الإسفلتية، ثم وجدت ذراعيه تمتدان في اتجاهها لتمسك بها، فإنحنت بجسدها للأسفل لتتجنب لمسه لها، وإنطوت على نفسها أكثر، وجاهدت لكي تصرخ، ولكن خرج صوتها مبوحا، ثم وجدت ثقلا يجثو عليها، فتنفست بصعوبة شديدة، وفجأة فتحت عينيها لتجد ضوءا ساطعا مسلطا عليهما فآلمها، لذا أغمضتهما مجددا، وبدأت تفتحهما تدريجيا لتتأمل المكان من حولها..

كان كل شيء في البداية مبهما، ومعالمه غير محددة، ولكن بدأت الرؤية تتضح رويدا رويدا لتدرك فرح في النهاية أنها متواجدة بغرفتها وعلى فراشها..
ثم سمعت صوت همهمات طفولية بجانبها، فحركت رأسها قليلا تجاه مصدر الصوت، لتجد طفلة صغيرة تجلس القرفصاء بجوارها، وتمسك بخصلات شعرها الهائجة، فحدجتها بنظرات غريبة، و..
-فرح بنبرة ضعيفة ومتحشرجة: آآ، انتي، انتي مين؟

حدقت فيها الصغيرة بنظرات مرحة، ثم تركت خصلات شعرها و..
-سلمى بنبرة طفولية: أنا لوما، مس إنتي الآلوسة ( مش إنتي العروسة )؟

رمقتها هي بنظرات استغراب، في حين أمسكت الصغيرة بشعر فرح و..
-سلمى مبتسمة في براءة: آملك ضفيلة زيي ( أعملك ضفيرة زيي ).

ظلت تتأمل فرح تلك الصغيرة بنظرات متفحصة وهي غير مستوعبة سبب وجودها، ثم..
-فرح متسائلة بخفوت شديد: انتي، انتي جيتي هنا ازاي؟
-سلمى بنبرة سعيدة: مع بابي، ومامي.

ابتسمت فرح لعفويتها بعذوبة، ثم مدت يدها في اتجاهها، وأمسكت بكف يدها الرقيق و...
-فرح بنبرة خافتة: ومين بابي ده؟
-سلمى ببراءة: أدومي.

ضيقت فرح عينيها المرهقتين في عدم فهم، في حين تابعت الصغيرة حديثها ب...
-سلمي مكملة بنبرة طفولية: بس بابي مسى مع مامي ولاحوا لأنا، وأنا أعدة مع آمو زيت ( بس بابي مشى مع مامي وراحوا لنينة ).

ارتعشت فرح حينما سمعت اسم يزيد يخترق أذنيها، وابتلعت ريقها في خوف، وفرت الدماء من عروقها، فاستغربت الطفلة سلمى مما أصابها، و..
-سلمى بنبرة بريئة: إنتي مالك؟

ثم وقفت تلك الصغيرة على الفراش، ووثبت لعدة مرات عاليا قبل أن تتحدث ب..
-سلمى بنبرة طفولية متحمسة: أنا هالوح أقول لآمو زيت ان آلوسة صحت ( أنا هاروح أقل لعمو يزيد إن العروسة صحيت ).

ثم جثت الصغيرة على ركبتيها لتتمكن من النزول عن الفراش، وركضت بخطوات صغيرة في اتجاه باب الغرفة الذي كان ( مواربا ) ثم فتحته إلى حد ما بقبضتها الصغيرة وهي تصرخ ب...
-سلمى عاليا بنبرة سعيدة: آمو زيت، آمو زيت، آلوسة صحت، آلوسة إكلم ( عمو يزيد، العروسة صحيت، العروسة بتتكلم ).

حاولت فرح أن توقف تلك الصغيرة بالنداء عليها، ولكن كان صوتها مبحوحا وضعيفا، فارتبكت أكثر في فراشها، وحاولت أن تتحرك، ولكن كانت معظم عضلات جسمها تؤلمها بسبب عدم تحركها لفترة طويلة..

أسندت هي ذراعيها على الجانبين، ولمحت من زاوية عينها تلك البقعة الزرقاء الداكنة في منتصف كف يدها، وشعرت بوخزة خفيفة بها حينما حركتها قليلا، ورغم هذا حاولت أن تتراجع بظهرها للخلف لتستند على ظهر الفراش، ولكنها توقفت عن فعل أي شيء حينما رأت يزيد يفتح باب الغرفة على مصرعيه، ووقف محدقا بها بنظرات متفائلة، في حين رمقته هي بنظراتها المذعورة و..
-يزيد بنبرة متلهفة: فرح..!

كان على وشك الدخول للغرفة، ولكنه لم يتحرك قيد أنملة حينما رأى الرعب الحقيقي متجسدا في عينيها، وشعر بإنقباضة قوية في صدره حينما رأى شحوب وجهها السريع، وارتجافتها المرئية لرؤيته، فأطرق رأسه في خزي، بينما انكمشت هي أكثر على نفسها، وحاولت ضم ساقيها إلى صدرها، ولكنها لم تستطع..
رفع يزيد عينيه ليواجهها رغم شعوره بالندم، فتفاجيء بأن ملامح وجهها صارت أكثر فزعا عن ذي قبل، فأشار لها بيديه و..

-يزيد بنبرة متحشرجة: آآ، أنا مش هاعملك حاجة، ماتخفيش مني يا فرح.

دفعته الصغيرة سلمى من الخلف لكي تمرق هي إلى داخل الغرفة و...
-سلمى بنبرة طفولية: حاسب آمو زيت، آوزا آعدي ( عاوزة أعدي ).

ثم ركضت في اتجاه فراش فرح، وجاهدت لتصعد عليه، ثم مدت ذراعيها الصغيرتين لتحتضنها و...
-سلمى بنبرة مرحة: أنا حبك آلوسة ( أنا بحبك عروسة ).

تكورت فرح على نفسها، وظلت الصغيرة محتضنة إياها، في حين لم يحيد يزيد ببصره عن كلتاهما، و...
-يزيد وهو يبتلع غصة في حلقة، وبنبرة مختنقة: أنا عاوز بس أطمن عليكي، ولو عاوزاني أطلع فأنا هاطلع بس سيبني آآ...
-فرح مقاطعة بنظرات محتقنة، ونبرة هادرة: اطلع براااا، امشي من هنا، أنا مش عاوزة أشوفك.

أرخت الصغيرة ذراعيها عن فرح، وتراجعت خطوة للخلف بعيدا عنها حينما رأتها تصرخ بحدة، ونظرت إليها بخوف ممزوج بالارتباك...
-يزيد بنبرة هادئة وهو يشير بيده: اهدي طيب، وأنا هاعمل كل اللي انتي عاوزاه
-فرح متسائلة بغضب عنيف: انت جاي هنا ليه؟ أخرج من أوضتي، يا ماما، يا ماما تعالي بسرعة، إزاي تدخلي البني آدم ده هنا..؟!

خافت الصغيرة من فرح، ونزلت عن الفراش، وركضت مسرعة في اتجاه يزيد، ثم اختبئت خلفه، ولفت ذراعيها الصغيرين حول ساقه لتحتمي به، وبدأت تختلس النظرات إلى فرح، في حين زم هو شفتيه في ضيق، وأجفل عينيه في انزعاج للأسفل، بينما تابعت هي ب...
-فرح بزمجرة عنيفة: ماما، يا ماما، تعاليلي بسرعة!
-يزيد بنبرة مريرة، ونظرات شبه دامعة: للأسف، هي، مش هاتقدر تسمعك، لأنها مش موجودة معانا.

ارتعدت أوصالها، ورمشت بعينيها في خوف، ثم جاهدت لتنهض من على الفراش، فترنحت حينما وقفت على قدميها، وكادت تفقد توازنها و تسقط، فإستندت بكف يدها على طرف الفراش لتحول دون وقوعها، ومالت برأسها للأمام...
أراد يزيد أن يساعدها، ولكنها أشارت له بيدها لكي لا يتحرك، فأخفض رأسه في ضيق، وانزعج في نفسه، ولم ينبس بكلمة، اكتفى فقط بإيماءة خفيفة، ومد يده ليمسك بالصغيرة التي تختبيء خلفه..

ظلت هي واقفة للحظة في مكانها، ثم اعتدلت في وقفتها، ورفعت رأسها لتواجهه و..
-فرح بجدية، ونظرات قاسية: وسع من سكيتي، خليني أشوف ماما فين
-يزيد بنبرة شبه مختنقة: فرح، الحاجة فوزية، تعيشي إنتي..!

خفق قلبها بقوة، وارتفع صدرها وهبط في توتر شديد، ثم رمقته بنظرات أشد حدة و..
-فرح بصراخ عنيف: انت كداب، بطل تقول كده عن ماما.

خافت الصغيرة مجددا من صراخ فرح، وانطوت على نفسها، فرأها يزيد، وانحنى بجسده عليها، ثم قبلها من رأسها وهمس لها ب...
-يزيد بنبرة خافتة، ونظرات حنو: لوما حبيبة قلبي، في كرتون برا شغال روحي شوفيه.

هزت سلمى رأسها رافضة ما قال، فمسد هو على شعرها برفق، و..
-يزيد بخفوت: معلش يا لوما، أنا جاي وراكي، روحي بس انتي شوفيه بدأ ولا لسه عشان تناديني.

ثم انحنى على أذنها وهمس لها بشيء غير مسموع، فابتسمت الصغيرة له، وأومأت برأسها موافقة، ثم انصرفت إلى خارج الغرفة وهي تدندن بكلمات غير مفهومة...
وما إن تأكد يزيد من خروج سلمى من الغرفة حتى أغلق الباب خلفها، ووقف مستندا بظهره عليه، فارتجفت فرح كثيرا، ورمقته بنظرات حادة قبل أن تردف ب..
-فرح بنبرة شبه مذعورة رغم ثباتها: انت، انت بتعمل ايه؟ افتح الباب ده!

تحرك هو في اتجاهها بخطوات متمهلة، و...
-يزيد وهو يشير بيده، وبنبرة هادئة: اهدي يا فرح، أنا مش هاعملك حاجة، بس لازم تفوقي وتركزي معايا.

تراجعت هي للخلف بخطوات بطيئة وحذرة، و...
-فرح بغضب شديد، ونظرات محتقنة: أنا مش عاوزاك في حياتي، سيبني لحالي بقى، اوعى خليني أروح لماما.

حاصرها يزيد في أحد أركان الغرفة، فلم يعد أمامها أي مهرب منه، ثم أمسك بها من ذراعيها، فانتفضت على الفور، وكانت على وشك الصراخ، فوضع يده على فمها ليكممه، وثبتها على الحائط بالذراع الأخر و...
-يزيد بجدية، ونظرات ثابتة: اسمعيني يا فرح، أمك ماتت يا فرح، ماتت من يومين!

حدقت هي فيه بنظرات متسعة، ولم ترمش لثانية، وفغرت شفتيها في صدمة، بينما لم يبعد هو عينيه الثاقبتين عنها، و..
-يزيد بنبرة هادئة ورخيمة: أمك سابتك أمانة في رقبتي يا فرح.

ثم صمت لبرهة يبتلع غصة مريرة في حلقه قبل أن يتابع ب...
-يزيد بصلابة، وهو ينظر مباشرة في عينيها بنظرات جادة للغاية: وأنا، مش هافرط في الأمانة.

ظلت ملامح وجهها جامدة، متصلبة من هول الصدمة، ولم تطرف بعينيها الجاحظتين، ثم تدريجيا بدأت تنساب عبراتها رغما عنها على وجنتيها، فرأها وهي تذرف الدموع، فتآلم في نفسه، ثم بدأت تنتحب وتعلو شهقاتها المكتوبة، فأبعد يده عن شفتيها، وأرخى ذراعه عن جسدها، وتراجع خطوة للخلف وهو متمعن النظر فيها..

أجهشت فرح بالبكاء المرير على فراق والدتها، ثم خارت قواها، وجثت على الأرضية الصلبة وهي تشهق في حزن بليغ، ودفنت وجهها بين راحتي يدها وتعالت شهقاتها وآنينها و..
-فرح بنبرة باكية ومختنقة: ليه يا ماما تسيبني؟ ليه تبعدي عني؟ سيبتيني لوحدي ليييه؟ أنا ماليش حد بعدك!

أراد يزيد أن يحتضنها، يضمها إلى صدره، يربت على ظهرها، يبث في روحها القوة والعزيمة، ولكنه جاهد لكي لا يفعل هذا حتى يترك الفرصة لها لكي تنفس عن آلامها، وظل ينظر إليها بنظرات نادمة آسفة..
ظلت هي باقية على تلك الوضعية لعدة دقائق، وهو واقف إلى جوارها يتابعها بإهتمام إلى أن سمع صوت طرقات على باب الغرفة، فتوجه ناحيته، ومن ثم فتحه، فوجد الصغيرة سلمى تنظر إليه بنظرات معاتبة و..

-سلمى ببراءة: انت اضحك ع لوما ( انت بتضحك على لوما )
-يزيد وهو يمط شفتيه في ضيق: معلش يا لوما، أنا بس هاشوف طنط فرح مالها وأجيلك.

سمعت الصغيرة صوت بكاء يأتي من داخل الغرفة، فمالت برأسها وجسدها للجانب لكي ترى من تبكي، فوجدت أنها فرح، فدفعت يزيد بيدها الصغيرة، وركضت في اتجاهها وهي تصرخ ب...
-سلمى بنبرة طفولية: آمو زيت، انت زعل آلوسة ليه؟ ( عمو يزيد، انت بتزعل العروسة ليه ).

ثم مالت الصغيرة على فرح واحتضنتها ببراءة شديدة، وظلت تربت على ظهرها و..
-سلمى بخفوت طفولي: مس تعيطي آلوسة، أنا حبك ( متعيطيش يا عروسة، أنا بحبك )
-يزيد بلهجة شبه آمرة: سلمى، سيبي فرح في حالها، وتعالي هنا
-سلمى وهي تهز رأسها بالنفي: تؤ.

أبعدت فرح كفي يدها عن وجهها، ونظرت إلى الصغيرة بأعينها الحمراء الملتهبة من كثرة البكاء، فربتت الصغيرة مجددا على كتفها، ثم انحنت لتقبلها من وجنتها و..
-سلمى بنبرة بريئة: أنا حب فلح ( أنا بحب فرح ).

أحاطت فرح الصغيرة بذراعيها، وإحتضنتها بقوة وظلت تبكي بمرارة..
فرمقهما يزيد بعينيه، ثم فكر في أن يترك فرح بمفردها مع الصغيرة سلمى لعلها ببرائتها تهون عليها الأمر، لذا انسحب في هدوء، وأغلق الباب عليهما...

اقتربت الشمس من المغيب، ويزيد جالس بالخارج يراقب باب الغرفة بنظرات ثابتة، كاد الفضول يقتله لمعرفة ما الذي يدور بداخلها، ولكن قطع تفكيره صوت قرع جرس الباب، فنهض عن الأريكة، وتوجه ناحيته، ثم فتحه ليجد آدم وزوجته شيماء يقفان على ( عتبته )، فأفسح لهما المجال ليمرقا إلى الداخل و...
-آدم بنبرة هادئة: سوري يا يزيد، اتأخرنا عليك، بس هاعمل ايه، عمتي كانت تعبانة ومعرفناش نخلع من بدري.

-شيماء مبتسمة ابتسامة زائفة: اوعى البت سلمى تكون زهقتك!

ثم جابت بعينيها المكان بحثا عنها، و...
-شيماء متابعة بنبرة متسائلة: اومال هي فين؟ ليه مش باينة؟
-يزيد بنبرة شبه جادة وهو يشير بعينيه: هي جوا أعدة مع فرح
-شيماء بنبرة مذهولة، ونظرات مصدومة: هي فرح فاقت؟
-يزيد وهو يوميء برأسه إيماءة خفيفة: أها
-آدم متسائلا بترقب: طيب هي عاملة ايه الوقتي؟ يعني الوضع عامل ايه بالنسبالها؟

لوى يزيد فمه في امتعاض، ثم تنهد في انزعاج، و...
-يزيد بخشونة: والله مش عارف، هي قلبت الدنيا أول ما عرفت بإن أمها ماتت، وبعد كده سلمى فضلت أعدة معاها
-آدم باستغراب: سلمى!
-شيماء بنبرة مدهوشة: البت المفعوصة دي!
-يزيد بنبرة شبه هادئة: اه، بقالهم ساعات أعدين جوا، وانا محبتش أدخل عليهم
-شيماء بنبرة جادة، ونظرات حائرة: طب أنا هادخل أشوف مالهم.

ثم تركتهما شيماء، وتوجهت ناحية باب الغرفة، وطرقت عليه طرقات خفيفة، ثم أمسكت بالمقبض وفتحته، ودلفت إلى الداخل، وأغلقت الباب من خلفها..
تابعها يزيد بنظرات متربصة، في حين مال عليه آدم برأسه و...
-آدم متسائلا بجدية: طب هاتعمل بعد كده ايه معاها؟
-يزيد بنبرة رخيمة: مش عارف، بس أكيد مش هاسيبها
-آدم بنبرة متوجسة: بس يمكن هي متقبلش ده!
-يزيد بنبرة حازمة: ده متوقع، بس أنا هاتعامل معاها باسلوب تاني خالص.

-آدم بنبرة قلقة: اوعى تكون ناوي على نظامك الناشف ده معاها!
-يزيد مبتسما في لؤم، ونظرات واثقة: لأ، أنا ناوي على خطة جديدة خالص، هاستخدم فيها كل التكتيكات المشروعة وال، آآ، احم والذي منه!
-آدم وهو يبتلع ريقه في ارتباك: ربنا يستر ويعديها على خير، أنا مش متفائل
-يزيد بنبرة جادة: اتجدعن انت بس وخد مراتك وسيبلي سلمى يمكن أعمل بيها شغل.

قطب آدم جبينه في استغراب، ثم رفع أحد حاجبيه و...
-آدم بنبرة شبه قلقة: هاتعمل بيها شغل ولا، آآ، ولا ناوي تضيع بنتي في الرجلين
-يزيد مبتسما بثقة: اطمن، ده أنا المقدم يزيد جودة، المهم تعالى أعملك شاي
-آدم بإيجاز: ماشي.

ثم اتجه كلاهما إلى المطبخ، وبدأ يزيد في اشعال الموقد ووضع البراد عليه بعد أن وضع به المياه، ثم استند إلى جواره منتظرا غليانها، في حين وضع آدم ثلاثة أكواب زجاجية على الصينية المعدنية، ووضع إلى جوارهم علبة السكر..
رفع آدم يده على رأسه ليحكها قليلا، ثم..
-آدم بنبرة جادة ومتلهفة: بالحق نسيت أقولك
-يزيد بنظرات ثابتة، ونبرة هادئة: خير
-آدم بنبرة مهتمة: مركز اللي ما تتسمى ولع بيها أمبارح.

-يزيد متسائلا بنبرة مندهشة: مركز مين؟
-آدم بجدية: هايدي.

لوى يزيد فمه في انزعاج، وتبدلت ملامح وجهه للضيق، في حين تابع آدم ب...
-آدم مكملا بنبرة جادة: في بلطجية هجموا على المركز بتاعها امبارح، وكانت هي موجودة جواه، وولعوا فيها وفيه، بيقولوا انها كانت بتعمل عمليات مضروبة وبتنصب على الناس، كلام كتير من ده
-يزيد بنبرة ممتعضة: طب وهي عاملة ايه؟
-آدم بهودء: مكتوب إن حالتها خطيرة
-يزيد متسائلا بجدية: وانت عرفت منين؟

-آدم بنبرة عادية: الموضوع موجود على الفيس والجرايد، خش على النت وشوفوا
-يزيد وهو يتنهد بخفوت: ربنا يتولاها، هي خدت جزائها على اللي عملته فيا وفي غيري
-آدم بنبرة مغتاظة: ربنا ياخدها، دي كانت كارثة من الكوارث المتحركة
-يزيد بإقتضاب: متدعيش عليها، كفاية اللي هي فيه
-آدم متسائلا باندهاش: أنا مستغرب إنت ازاي مش فرحان في اللي حصلها بعد اللي نيلته معاك.

-يزيد بجدية: اللهم لا شماتة، هي خلاص راحت لحالها، أنا اللي يهمني الوقتي هي فرح وبس، غير كده الباقي ميفرقش عندي في حاجة
-آدم مبتسما، وهو يغمز: هنياله يا باشا
-يزيد بنظرات صارمة، ونبرة محذرة: بلاش آر، أنا مش ناقص
-آدم مبتسما بنبرة سعيدة: حقك، انت خدت اللي فيه الكفاية وزيادة.

أطفأ يزيد الموقد، وقام بصب الشاي الساخن في الأكواب، و..
-يزيد بنبرة شبه آمرة: طب يالا.

ثم عادا إلى غرفة المعيشة، وبدأ كلاهما في ارتشاف قدحي الشاي..

في نفس التوقيت، دلفت شيماء إلى داخل غرفة فرح، فوجدت صغيرتها نائمة في أحضانها، وكلتاهما تلف ذراعيها حول الأخرى، فابتسمت لهما في حنو، و اقتربت من الفراش، وكانت على وشك تدثير كلتاهما، ولكن انتبهت لها فرح واستيقظت من غفلتها، وحدجتها بنظرات ضيقة من عينيها المنتفختين قبل أن تحاول النهوض بحذر حتى لا توقظ الصغيرة و...

-شيماء بخفوت، ونظرات دافئة: ازيك يا فرح، أنا شيماء مرات المقدم آدم ومامت سلمى، أكيد فكراني صح؟

أومأت فرح برأسها إيماءة، فابتسمت لها في عذوبة، ثم جلست إلى جوارها على طرف الفراش و..
-شيماء مكملة بهدوء خافت: انتي عاملة ايه الوقتي يا حبيبتي؟

تنهدت فرح في آسى، وجاهدت لتقاوم عبراتها و..
-فرح بنبرة متحشرجة ومتلعثمة: آآ، أنا، آآ، تعبانة أوي، ماما، ماما سابتني وراحت
-شيماء بنبرة مواسية: ربنا يرحمها ويغفرلها ذنوبها، هي كانت ست طيبة والله، ولأخر وقت كان كل همها إنتي
-فرح بنبرة شبه مختنقة، وأعين لامعة: أنا بقيت لوحدي من بعدها، معدتش معايا حد.

أسندت شيماء يدها على فخذ فرح، وظلت تربت عليه عدة مرات و...
-شيماء بنبرة متلهفة: متقوليش كده يا فرح، كلنا جمبك ومعاكي، محدش هيسيبك أبدا.

أجهشت فرح بالبكاء المرير، وأطرقت رأسها للأسفل، و..
-فرح بنبرة باكية: بس ماما سابتني لوحدي، سابتني بعد كل اللي حصلي، مين هايقدر يحبني زيها، محدش هايعاملني زيها أبدا، أنا بقيت لوحدي.

مطت شيماء شفتيها في إشفاق، ثم وضعت ذراعها حول كتف فرح، وضمتها إلى صدرها، و..
-شيماء بخفوت: والله انتي ما لوحدك، أحنا كلنا معاكي وآآ، وبنحبك.

ظلت شيماء تتحدث مع فرح محاولة التهوين عليها ومواساتها حتى تخرج من تلك الحالة الكئيبة التي تمر بها إلى أن هدأت هي تدريجيا، ثم ساعدتها على النوم مجددا في الفراش، ودثرتها بالملاءة، وما إن اطمأنت أنها غفت حتى دارت حول الفراش لتحمل صغيرتها على كتفها، ثم دلفت إلى خارج الغرفة..

رأى آدم زوجته وهي تحمل ابنته، فنهض عن الأريكة وتوجه ناحيتها، ثم حمل عنها الصغيرة و..
-آدم متسائلا بهدوء: ايه الأخبار؟
-شيماء بإيجاز: حالتها صعب
-آدم بنظرات ثابتة، ونبرة جادة: ربنا يعينه يزيد بقى عليها
-شيماء بنبرة راجية: ربنا يهديهاله
-آدم بنبرة عادية: بقولك ايه، يزيد نزل تحت يجيب أكل، أول ما يرجع احنا ناخد بعضنا ونخلع من هنا، خليهم يتصافوا مع بعض.

-شيماء بتوجس: بس أنا قلقانة من ردة فعل فرح، هي الصراحة حالتها النفسية تعبانة أوي
-آدم مبتسما بثقة: لأ متقلقيش، يزيد ناوي يستخدم معاها اسلوب جديد خالص.

عقدت هي حاجبيها في عدم فهم، ثم رمقته بنظرات استغراب و..
-شيماء متسائلة بقلق: هو ناوي يعمل ايه؟ اوعى يكون آآ..
-آدم مقاطعا بثقة: لأ اطمني، ده هايستعمل تكنيك رجل الحرب والسلام
-شيماء بتوجس، ونظرات مرتبكة: استرها يا رب.

ثم سمع كلاهما صوت فتح لباب المنزل، فالتفتا برأسيهما في اتجاهه، و..
-آدم مبتسما بحماس: ده يزيد جه أهوو، حلو أوي، كده نقدر نخلع
-يزيد متسائلا بدهشة، ونظرات ضيقة: ايه يا جماعة، انتو رايحين فين؟
-شيماء بنبرة طبيعية: يدوب نلحق نروح البيت، احنا طول اليوم بنلف
-يزيد بجدية: ده لسه بدري
-شيماء مبتسمة نصف ابتسامة: معلش عشان تاخد راحتك مع مراتك، وأنا مش هوصيك عليها، تخلي بالك منها يا سيادة المقدم.

-آدم وهو يوميء برأسه مؤكدا: بالظبط، خليك حنين معاها
-يزيد بنبرة هادئة: انتو هتوصوني على فراشتي، دي أغلى ما عندي، وربنا يعيني وأقدر أعوضها عن اللي فات
-شيماء بنبرة واثقة: إن شاء الله هاتقدر، أنا مطمنة.

ثم التفتت برأسها ناحية زوجها، وأشارت له بطرف عينها و..
-شيماء بخفوت: مش يالا بينا بقى
-آدم بنبرة عادية: ماشي.

ثم صافح يزيد آدم، ونظر إلى شيماء بإمتنان، وقبل الصغيرة النائمة في رأسها، وأوصل ثلاثتهم إلى باب المنزل، ثم أغلق الباب خلفهما، ووقف في مكانه محدقا أمامه، ثم وضع يده في جيبي بنطاله و..
-يزيد بنبرة واثقة للغاية، ونظرات متفائلة تحمل الغرور: وابتدى المشوار معاكي يا مدام يزيد جودة...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة