قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثلاثون

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثلاثون

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثلاثون

تحرك يزيد بخطوات بطيئة نسبيا في اتجاه السيارة وهو مطرق لرأسه، فقد اكتسى وجهه بتعبيرات حزينة ممزوجة بالصدمة، ظل يفكر في طريقة ما لإبلاغ فرح بذلك الخبر المشؤوم، ولكنه قرر أن يعمل بنصيحة رفيقه آدم، ويؤجل الأمر ريثما يعود إلى النادي فهو في حالة نفسية ومزاجية سيئة، خاصة وأن وفاة تلك السيدة الحنون قد أثر فيه بدرجة كبيرة، ولم يرد هو أن يزيد الطين بلة بإخبارها بما صار مع والدتها، فهو لا يضمن ردة فعلها..

أمسك هو بمقبض السيارة وفتحه، ثم انحنى بجسده ليركب خلف المقود، ولكنه تفاجيء بفرح ترتجف بشدة فور رؤيته إياه جالسا بقربها، ومن ثم رمقته بنظرات مذعورة، ثم مدت يدها المرتعشة ناحية مقبض بابها محاولة فتحه، وبالفعل نجحت في هذا، وكادت أن تخرج من السيارة، ولكن أسرع يزيد بمد يده ليمسكها من ذراعها وقبض عليه، فصرخت هي عاليا فيه ب...
-فرح بصراخ حاد، ونظرات خائفة: ابعد عني، سيبني في حالي، ماتلمسنيش..!

لم يجبها يزيد بل استدار بجسده كليا ناحيتها، ومن ثم مد ذراعه الأخر ليتمكن من الإمساك بها جيدا، ثم جذبها إلى داخل السيارة، ومنعها من النزول منها، ثم عقد ذراعيها أمام صدرها، وثبتها في مقعدها بإحكام، ثم رمقها بنظرات لامعة وثاقبة و..
-يزيد بلهجة شبه آمرة وبنبرة مختنقة: اسكتي خالص، مافيش نزول من العربية، احنا راجعين النادي تاني، فإهدي..!

ثم صمت لبرهة قبل أن يردف ب...
-يزيد بصوت متحشرج يحمل التهديد: أنا، أنا هاسيبك، بس لو فكرتي تنزلي من العربية، هاتصرف بطريقة مش هاتعجبك، ماشي؟

أخذت فرح تبكي بصوت مرتفع، فنهرها يزيد بحدة و...
-يزيد بنبرة متشنجة: سمعتي اللي أنا قولته.

أومأت هي برأسها ايماءة خفيفة ومتكررة، فأرخى ذراعيه تدريجيا عنها، ومد يده ليمسك بمقبض الباب ومن ثم أغلقه، ثم اعتدل في جلسته على المقعد، وتنهد بحزن مرير، ثم استدار مجددا في اتجاهها ليرمقها بنظرات مطولة غير مفهومة بالنسبة لها قبل أن يلتفت برأسه لينظر أمامه ووجهه عابس للغاية...

أغمضت فرح عينيها لتتجنب النظر إلى عينيه القاسيتين، وظلت تبكي بمرارة شديدة، ثم ضمت شفتيها معا لتغلق فمها نهائيا، وبالتالي تتجنب توبيخاته إن علت شهقاتها وهي تبكي على حالتها.

أدار هو محرك السيارة، ثم بحركة مفاجأة استدار بها ليقطع الطريق من منتصفه، فمالت فرح بجسدها عليه كرد فعل طبيعي نتيجة استدارة السيارة، فمد ذراعه أمامها، ليثبت جسدها به كي لا تنزلق من المقعد، شعر هو بإرتجافتها المذعورة من مجرد لمسته لها، ومن تعبيرات وجهها الخائفة، ومن نظراتها المليئة بالهلع لمجرد اقترابه الشديد منها، فأدرك فداحة فعلته، وجز على أسنانه في حنق، ظن أنه ربما يكون بالغ معها في تصرفه، ولكنه لم يتوقع أن يصيبها بحالة الفزع الرهيبة تلك...

سادت حالة من الصمت الرهيبة بين كليهما طوال طريق العودة إلى الإسكندرية، وكان يقطعها بين الحين والأخر صوت رنين هاتف يزيد..
كان ينظر هو إلى الشاشة ليرى اسم المتصل، ثم يلقي بالهاتف دون إكتراث على التابلوه..
بينما كانت فرح في معظم الوقت متكورة على نفسها، منكمشة في مقعدها، ضامة لساقيها معا، وملتصقة بباب السيارة الملاصق لها..

لم ينظر هو إليها إلا من طرف عينه ليتأمل حالها، وظل يفكر بطريقة شبه عقلانية في كل ما دار، ويستعيد لحظات غضبه الممزوجة بتهوره معه..

انتهت الندوة الطبية المقامة في القاعة الملحقة بالنادي، وتم محاصرة هايدي من قبل بعض الصحفيين المهتمين بتغطية تلك النوعيات من الندوات، وبدأت تجاوب بكل أريحية على أسئلتهم وكأنها ملكة متوجة..
تابعها الطبيب عبد الرحيم بنظرات مشمئزة، فقد استحوذت بمهارة على اهتمام الكل، وتغاضواعن دور البقية في انجاح الندوة، و...

-عبد الرحيم لنفسه بخفوت: استغفر الله العظيم، أنا لو كنت أعرف انها هتعمل كده، مكونتش فكرت أجيبها، بجد اليوم قفل معايا، هي، والست اللي ماتت جوا في الفرح، ربنا يهون ونخلص بقى...!

وقفت شيماء في حالة ذهول تام إلى جوار جسد السيدة فوزية الممدد على المقعد، والمغطى بملاءة بيضاء، شردت هي فيما فعلته معها قبل قليل، وعاتبت نفسها لأنها لم تكن في سماحة تلك الراحلة الفاضلة، وأنها كانت فظة معها إلى حد الوقاحة، ورغم هذا عاملتها تلك السيدة بكل أدب واحترام..
أدمعت عينيها، وانسدلت بعض العبرات على وجنتيها، فمدت أطراف أناملها لتمسحهم..

لمحها زوجها آدم وهي على تلك الحالة الهائمة، فاقترب منها وهو يحمل صغيرته النائمة على كتفه، ثم مد يده ووضعها على كتفها، لتنتبه هي إلى وجوده، ثم...
-شيماء بنبرة شبه باكية، ونظرات لامعة: أنا كنت وحشة أوي معايا يا آدم، أنا لو كنت أعرف إن، إن هايحصل كده مكونتش فتحت بؤي واتكلمت، الست، الست كانت آآ...
لف آدم ذراعه حول زوجته، ثم ضمها إلى صدره، و..

-آدم بخفوت: شششش، مالوش لازمة الكلام ده دلوقتي، اهدي بس عشان نقدر نشوف هنتصرف إزاي في اللي جاي
-شيماء بنبرة مختنقة: انت عارف أخر حاجة قالتها قبل ما تموت ايه؟
-آدم متسائلا بهدوء: ايه؟
-شيماء بنبرة مريرة، ونظرات حزينة: بتوصي يزيد على فرح، بتوصيه عليها يا آدم.

شعر آدم بغصة في حلقه بعد ما قالته زوجته، فحتى وهي تلتقط أنفاسها الأخيرة، أوصت السيدة فوزية يزيد على ابنتها الوحيدة، مازالت تثق فيه، مازالت تؤمن بحبه الصادق لفرح..

انهت هايدي الحوار الصحفي دون أي مقدمات مما أثار دهشة الصحفيين، ثم تغنجت بجسدها أمامهم وكأنها ملكت كل شيء، وسارت بخطى واثقة في اتجاه الطبيب عبد الرحيم متجاهلة بعض الأسئلة التي تحاصرها، ثم..
-هايدي بنبرة باردة، ونظرات مترفعة: أنا تعبت يا دكتور، خلاص كفاية كده عليكم، من فضلك شوفلي العربية اللي هترجعني كايرو ( القاهرة ) تاني!
-عبد الرحيم وهو يلوي فمه في ضيق، وبنظرات منزعجة: طيب، لحظة!

ثم انصرف تاركا إياها تسير بخيلاء بين المتواجدين، وتوجه إلى ردهة النادي حيث يتواجد السائق الخاص به، وظل يغمغم مع نفسه بكلمات مبهمة..

اقترب يزيد بالسيارة من النادي، ومع كل شبر كان يقطعه بها يتنفس هو بصعوبة إلى حد ما، فهو يعلم أن القادم أسوأ، وربما يؤدي لهبوب عاصفة انفعالية رهيبة، وعليه أن يبقى ثابتا متماسكا رغم كل شيء..
كما كان - بين الحين والأخر- يختلس النظرات إلى فرح ليعرف كيف صارت الآن بعد ما فعله معها، فكانت هي على حالتها المتجمدة، لا ترمش، لا تتحدث، فقط صوت نحيب خافت يصدر رغما عنها..

ذلك الصوت المؤلم الذي كان يثيره ويشعره بالضيق من نفسه، مجرد محاولة تهديد زائفة لها أصابتها بكل هذا الهلع، فماذا لو علمت بوفاة والدتها..

كانت فرح تتابع بحذر كل حركة أو إيماءة تصدر عن يزيد، فهي باتت تخشى على نفسها من تواجدها معه في نفس المكان، وكانت تحسب كل خطوة تقوم بها حتى تتجنب إثارة غضبه مجددا، فهي لم تعد تقو على تحمل المزيد من الضغط النفسي أو التهديد بالعنف البدني معها، هي فقط تريد العودة إلى أحضان أمها، والاحتماء بها من بطش ذلك الذي ظنت أنه مختلف عن غيره..

كانت تلوم نفسها لأنها تسرعت حينما وافقت بجرأة على تلك الزيجة دون أن تعرفه حق المعرفة، هي انساقت وراء مشاعرها التي تملكت كل ذرة فيها، ولم تضع في الاعتبار تبعات ذلك الارتباط الغير متكامل – من وجهة نظرها، فلو كانت أعطت لنفسها الفرصة للتفكير وللتريث لما وصل بها الحال إلى هنا، لذا حسمت أمرها بالإنفصال الفوري عنه فور عودتهما إلى النادي..

أشار الطبيب عبد الرحيم إلى هايدي بيده لكي تأتي إلى ردهة النادي، فامتعض وجهها لأنه لم يحضر بنفسه إليها، واضطرت أن تسير بخطوات متعجلة إلى هناك ووجهها مكفهر للغاية، وتعقد ما بين حاجبيها في تجهم، و...
-هايدي ببرود مستفز: ايه يا دكتور عبد الرحيم للدرجادي المعاملة الرديئة دي معايا؟!

حدجها هو بنظرات متأففة قبل أن يردف ب...
-عبد الرحيم بنفاذ صبر، ونظرات منزعجة: في ايه يا دكتورة هايدي، معاملة ايه دي اللي رديئة، ده ماحدش اتعمل معاه زي ما اتعمل معاكي النهاردة، بجد أنا مش مصدق بعد ده كله تقوليلي الكلام البايخ ده
-هايدي بنبرة متشنجة، ونظرات مشتعلة من الغضب: أنا غلطانة إني عبرتك ووافقت إني أجي الندوة دي من الأول، اوعى..!

ثم دفعته بكف يدها من كتفه، وسارت بخطوات غاضبة في اتجاه بوابة النادي حيث تنتظرها السيارة التي ستقلها إلى القاهرة، بينما رمقها هو بنظرات ساخطة وهو يتمتم بكلمات تحمل السباب لها، ثم ركبت هي بداخل السيارة، وصفقت الباب خلفها بقوة، وأشارت للسائق بيدها لكي ينطلق، ولكنه كان يتهادى بالسيارة نظرا لوجود أخرى قادمة في الاتجاه العكسي.

في نفس التوقيت وصل يزيد بالسيارة إلى مدخل النادي، وقام بتهدئة سرعتها تدريجيا، ثم بالانحراف بها قليلا ناحية اليسار لكي يفسح المجال لتلك السيارة القادمة في اتجاهه، ولكن جحظت عينيه حينما رأى تلك البغيضة هايدي جالسة في المقعد الخلفي وترمقه بنظرات متشفية، وما أدهشه حقا هو أنه رأها تشير للسائق بالتوقف، ثم ترجلت من السيارة، ووقفت مستندة بذراعيها على الباب الخلفي، وعلى وجهها علامات العنجهية الممزوجة بالتعالي والترفع..

رأتها فرح هي الأخرى فإزداد عبوس وجهها الشاحب، وقطبت جبينها أكثر، ثم قررت أن تثأر لنفسها منها، فربما لن تكون الفرصة سانحة لها لكي تواجهها مرة أخرى وتدافع عن نفسها بعد الذي صار في وقت سابق من اليوم..
فيزيد ظلمها، وصدق إدعاءاتها الباطلة عنها، وهي التي لم تعرف أنها كانت زوجته ذات يوم...

وبالفعل ترجلت هي الأخرى من السيارة، فتفاجئ يزيد بما تفعله فرح، وظل قابعا في مكانه يتابع كلتاهما في صمت مشحون وبترقب شديد..
سارت فرح بخطوات ثقيلة في اتجاه هايدي التي تحركت هي الأخرى بخطوات مغترة ناحيتها، ثم توقفت كلتاهما لتواجه بعضهما البعض..
لثوان قليلة كانت كلا منهما ترمق الأخرى بنظرات نارية متحدية مليئة بالغل والحقد..
قررت هايدي أن تقطع ذلك الصمت المليء بالانفعالات، و...

-هايدي بنبرة جافة تحمل التهكم في طياتها وهي تمط شفتيها: ايه ده هو انتو لسه مع بعض، ده انا قولت خلاص فركشتوا بعد ما الباشا عرف حقيقتك، يالا مش هتفرق كتير، عادة أنا مش ببص لبواقي رميتها من حياتي..
-فرح بنبرة منفعلة: اسكتي خالص، ايه الكلام اللي بتقوليه ده.

-هايدي بنبرة محتقنة وعالية، ونظرات احتقار وهي تشير بإصبعها: مين دي اللي تسكت، إنتي مش عارفة أنا أبقى مين، ولا خلاص نسيتي نفسك، ده أنا الدكتورة هايدي، ومش انتي اللي هتقوليلي أتكلم امتى ولا أسكت امتى!

ضرب يزيد بيده على مقود السيارة في انفعال واضح خاصة بعد أن استمع لكلام هايدي المستفز، ثم فتح الباب الملاصق له، ووقف إلى جواره وهو يرمق هايدي بنظرات نارية قاتلة.

كورت فرح قبضة يدها في ضيق، ثم...
-فرح بنبرة واثقة رغم عصبيتها: لأ أنا عارفة نفسي كويس، لكن الدور والباقي عليكي، المفروض تكوني آآآ...
-هايدي مقاطعة بنبرة آمرة تحمل الغضب: بس مش عاوزة أسمع صوتك المقرف ده، انتي واحدة ماتستهليش غير اللي أنا عملته فيكي، كفاية عليا إني عرفت البيه حقيقتك.

ثم استدارت بعينيها في اتجاه يزيد لترمقه بنظرات احتقارية وهي تزم شفتيها قبل أن تعاود النظر إلى فرح التي كان وجهها مشتعل من الحنق و...
-فرح وهي تجز على أسنانها من الغضب، وبنظرات ضيقة: حقيقة ايه دي؟

أخذت هايدي نفسا عميقا، ثم نفثته في وجه فرح لتلفح وجنتيها بهواء فمها المقزز، ثم قامت بعقد ساعديها أمام صدرها، ورمقتها بتلك النظرات التي تحط من شأن الفرد و...
-هايدي مبتسمة بتشفي، وبنبرة مستفزة: هو مقالكيش، لأ بجد غريبة، مع إني عارفة ان دمه حامي ومش هايقبل إن واحدة زيك تلعب عليه، بس متقلقيش أنا خدمتك، وبكرة تيجي تشكريني على اللي عملته معاكي!

-فرح بنبرة عصبية، ونظرات شرسة: انتي ايه؟ ازاي تتجرأي وتقولي عني كلام محصلش، حرام عليكي يا شيخة.

أرخت هايدي ساعديها، ثم استدارت برأسها قليلا لتتابع ردة فعل يزيد الذي كان الغضب جليا على وجهه، والتفتت برأسها في اتجاه فرح وحدقت فيها بنظرات لئيمة قبل أن تتابع ب...
-هايدي ببرود مستفز: وهو أنا قولت حاجة أصلا؟ إنتي مش جيتي عندي برجلك، وأنا استقبلتك بالترحاب، تقدري تنكري ده
-فرح مقاطعة بصراخ عنيف وهي تلوح بيدها: جيت عندك كمريضة بتتعالج، مرة واحدة بس، ويا ريتني ماجيت، يارتني!

ضحكت هايدي بطريقة رقيعة ومستفزة، ثم وضعت يدها على فمها لتوهمها بأنها تحاول السيطرة على نوبة الضحك التي إنتابتها، ثم رمقتها بنظرات ساخطة قبل أن تميل برأسها ناحية أذنها و...
-هايدي بنبرة أقرب لفحيح الأفعى: حظك بقى تقعي معايا، بس الغريبة إنه لسه معملش فيكي حاجة، واضح أوي انه بيحبك، يا خسارة، كان بودي اخدمكم، بس ملحوئة، تحاليلك عندي، وأنا أقدر أعمل بيها اللي ماتتخيليش انه يتعمل...

ثم اعتدلت هي في وقفتها بعد أن غمزت لها في توعد، ولكن لم تجب عليها فرح، بل رمقتها بنظرات حادة للغاية من عينيها الدامعتين، ثم رفعت يدها عاليا في الهواء لتهوي بها فجأة على وجه هايدي، وصفعتها بقوة على وجنتها، ثم...

-فرح بنبرة غاضبة: انتي فعلا أوطى خلق الله، استحالة تكوني بني آدمة، إنتي شيطانة، إزاي يجيلك قلب تقولي عني كلام ماحصلش لمجرد إنك مش طايقة واحد كان جوزك في يوم من الأيام، ذنبي أنا ايه تدخليني في لعبتك القذرة دي، ها؟ قوليلي؟!

صعق يزيد مما فعلته فرح، وصفق باب السيارة بقوة، ثم سار في اتجاه كلتاهما، بينما احتقن وجه هايدي بالدماء التي تغلي، وكادت عينيها أن تخرجان من مقلتيهما و...
-هايدي بصراخ هادر: انتي اتجننتي، أنا هدفعك تمن القلم ده غالي، أنا هخليكي تندمي على اليوم اللي فكرتي بس آآ...
لم تكمل هايدي باقي عبارتها الأخيرة حيث أمسك بها يزيد من ذراعها بقسوة، ثم رمقها بنظرات شرسة و...

-يزيد مقاطعا بنبرة عنيفة وآمرة: اركبي عربيتك يا مدام!

ثم سحبها معه للخلف في اتجاه سيارتها، وقام بفتح الباب الخاص بالمقعد الخلفي، ومن ثم دفعها بكل حدة إلى الداخل، وصفع الباب بعنف، وضرب بيده على سقف السيارة عدة مرات بكف يده وهو يصرخ ب...
-يزيد بلهجة قوية ومتصلبة: اطلع بالعربية يا اسطى، يالا..!

تنحت فرح جانبا لتفسح المجال للسيارة بالمرور، في حين ظلت هايدي تصرخ من داخلها وتسب كلاهما بأبشع وأقذر الألفاظ التي لا يمكن أن تخرج من فم انسانة متحضرة..
توقف يزيد في مكانه، وحدق في فرح بنظرات متمعنة، بينما رمقته هي بنظراتها المحتقنة، ثم أطرقت رأسها للأسفل، وأمسكت بطرف فستانها، وتحركت في اتجاه مدخل ردهة النادي..

وقف يزيد أمامها ليسد عليها الطريق، فحاولت هي أن تتحرك في الاتجاه الأخر، فتحرك هو معها و...
-يزيد بنبرة شبه هادئة، ونظرات جادة: فرح، أنا عاوزك تسمعيني.

توقفت فرح عن الحركة، ورفعت رأسها عاليا لتنظر إليه بنظرات تحمل القليل من الكبرياء حتى ترمم كرامتها المهدورة و..
-فرح بنبرة مختنقة: خلاص يا سيادة المقدم كل حاجة انتهت لحد هنا، طلاقنا هيتم حالا وقصاد الكل، فلو سمحت ابعد عن طريقي خليني أروح أشوف والدتي
-يزيد بنبرة حادة نسبيا، ونظرات ضيقة: فرح لازم تعرفي حاجة قبل ما تخشي جوا.

لمحهما آدم من على بعد، فركض وهو يحمل صغيرته النائمة في اتجاههما، فقد كان يترقب وصول يزيد على أحر من الجمر، ثم توقف أمام كلاهما و...
-آدم بنبرة جادة، ونظرات حزينة: يزيد، فرح!

استدارت فرح في اتجاه آدم، وحدقت فيه بنظرات حائرة، بينما مد يزيد يده ليمسك بذراعه، ثم ضغط عليه وهو يرمقه بنظرات محذرة و...
-يزيد بجدية صارمة: آدم، فرح لسه متعرفش حاجة.

التفتت هي برأسها ناحية يزيد ورمقته بنظرات ضيقة ومتسائلة، و..
-فرح متسائلة بضيق: أعرف ايه تاني؟ هو في حاجة أهم من انك كنت متجوز قبل كده ومقولتليش رغم إنك كنت عارف حاجة عني، وصدقت في لحظة اللي قالته طليقتك المحترمة، لأ وكمان كنت عاوز آآ، آآ..
ثم صمتت لتبتلع ريقها في تخوف وهي تتذكر تهوره معها، ومن ثم أشاحت بوجهها بعيدا عنه لتقاوم رغبتها في البكاء بمرارة و..

-فرح وهي تتابع حديثها بنبرة شبه مختنقة: مالوش لازمة الكلام، كل حاجة خلصت خلاص، دي كانت غلطة مني من البداية، وأنا، انا أسفة عن إني كنت موجودة في حياتك، وخدعتك زي ما هي قالت، عن اذنك.

ثم تركتهما وسارت بخطوات راكضة - وقد فشلت في كبح دموعها - في اتجاه المرحاض لتعدل من هيئتها قبل أن تلتقي بوالدتها وهي في تلك الحالة المزرية..
نظر آدم إلى يزيد بنظرات متجوسة، ثم..
-آدم متسائلا بتخوف: هو انت عملت فيها ايه؟ يزيد اتكلم، في ايه اللي حصل بينكم؟

حدق يزيد أمامه في الفراغ ليتجنب النظر في عيني رفيقه المحدقة به، و..
-يزيد بإقتضاب: محصلش حاجة
-آدم متسائلا بقلق: أومال كلام ايه اللي هي بتقوله ده؟ أنا مش فاهم حاجة.

صمت يزيد ولم يعقب، وزفر بضيق بعد أن أخذ نفسا مطولا، ثم سار في اتجاه المرحاض ليلحق بفرح، بينما تبعه آدم و..
-آدم بنبرة شبه جادة: طب مين هايقولها عن اللي حصل لأمها؟ لازم تاخد بالك، فرح انسانة رقيقة ومش هاتستحمل الخبر، حاول تبلغها بهدوء.

أكمل يزيد سيره، بينما وضع آدم يده على كتفه ليوقفه عنوة و...
-آدم بضيق: يزيد أنا مش بكلمك، استنى شوية، في مصيبة جوا وانت سايبني وماشي.

تنهد يزيد بإنزعاج، ثم وضع يده على رأسه ليحكها قبل أن..
-يزيد بنبرة متشنجة: آدم لو سمحت سيبني في اللي أنا فيه، أنا مش طايق نفسي أصلا، وآآ..
-شيماء مقاطعة بنبرة عالية وهي تركض في اتجاههما: يزيد الحمدلله أنكم رجعتوا، أنا مش عارفة هاتقول لفرح إزاي باللي حصل، المرحومة لأخر وقت كانت مطمنة انك مع بنتها وآآ..

-يزيد مقاطعا بنبرة متعصبة: شيماء، أرجوكي مش عاوز حد يكلمني في أي حاجة، أنا مش عارف أفكر، مش عارف أعمل أي حاجة، سيبوني في حالي، سيبوني في اللي انا فيه.

ثم تركهما وقرر أن يغير مساره، ويسير في اتجاه حديقة النادي، بينما تسمر كلا من آدم وزوجته في مكانهما، وحدقا في بعضهما البعض بنظرات حائرة و..
-شيماء متسائلة بقلق: هو في ايه ماله؟
-آدم وهو يلوي فمه في امتعاض: مش عارف، بس الظاهر ان الصدمة كبيرة عليه، وهو مش قادر يستوعبها.

-شيماء بنبرة شبه حزينة: عنده حق، أنا نفسي مش مصدقة اللي حصل، ربنا يكون في عون فرح، انت مش متخيل هي كانت منهارة أد ايه لما جوزها الأولاني مات، فما بالك بأمها
-آدم بنبرة منزعجة: طب بلاش تجيبي السيرة دي قصاد يزيد، وتعالي نشوف هانعمل ايه
-شيماء متسائلة بفضول: طب هي فرح فين؟ أنا مش شايفاها
-آدم وهو يشير بعينيه، وبنبرة جادة: في الحمام.

-شيماء بنبرة جادة، ونظرات ثابتة: أنا هاروحلها، وانت حاول تجيب يزيد وتستنونا هنا
-آدم بإيجاز وهو يوميء برأسه: طيب.

ثم سارت هي في اتجاه المرحاض، بينما توجه آدم ناحية الحديقة ليبحث عن يزيد.

تفاجيء يزيد ببعض الضباط الذين يحاوطوه، فهم ما إن رأوه يدخل إلى الحديقة حتى أسرعوا ناحيته، وقاموا بمصافحته وتعزيته في حماته الراحلة..
بادلهم هو المصافحة وكلمات العزاء المقتضبة رغم أنه كان مشدوها بما يحدث، فهو لم يستوعب الأمر بعد..
ثم انضم إليهم أحد القادة العسكريين، ووقف أمام يزيد فقام الموجودين بتحيته بالتحية العسكرية، ثم أردف هو ب..

-القائد بنبرة رسمية وهو يصافحه: البقاء لله يا سيادة المقدم، عاوزك تشد حيلك وتقف مع مراتك، كلنا هنموت في الأخر
-يزيد بنبرة خافتة وبإيجاز: الحمدلله على كل حال
-القائد بلهجة جادة: بلغ تعازيا للمدام، آه وانتو الاتنين في أجازة لمدة اسبوع لحد ما الظروف دي تعدي
-يزيد بنبرة رسمية، ونظرات ممتنة: شكرا يا فندم على اللي بتعمله معانا
-القائد بلهجة جادة ورسمية: أنا معملتش حاجة، وربنا معاكو، عن اذنك.

-يزيد بجدية: اتفضل يا فندم..
ثم انصرف القائد مبتعدا عنه، وظل هو يتلقى كلمات المواساة من زملائه، ثم تركهم وسار في اتجاه جانب الحديقة، ووقف منزويا بنفسه محاولا التحكم في انفعالاته...

دلفت شيماء إلى داخل المرحاض لتجد فرح منكبة على وجهها وهي تبكي وتشهق بمرارة، ومستندة بقبضتي يدها على طرفي الحوض، فإزيلت مساحيق التجميل عن وجهها، وظلت فقط بعض البقايا التي جعلت أسفل عينيها أسودا..
أشفقت الأولى على حالها كثيرا، وظنت أنها ربما تكون قد علمت بخبر وفاة والدتها، لذا سارت في اتجاهها، ثم وقفت إلى جوارها، ووضعت يدها على ظهرها، ومالت بجسدها قليلا ناحيتها، و..

-شيماء بنبرة خافتة، ونظرات شبه لامعة: ف، فرح!

التفتت إليها فرح ونظرت إليها بعينيها المغرورقتين بالدموع، ولكنها لم ترد عليها، فشعرت شيماء بغصة آليمة في حلقها، ثم سحبت يدها في اتجاهها و..
-شيماء بنبرة شبه مختنقة، وأعين شبه دامعة: أنا عارفة إن الموضوع مش سهل عليكي بس، بس دي سنة الحياة، كلنا هنموت، وهي مش عزيزة على اللي خلقها.

اعتدلت فرح في وقفتها، ثم كفكفت دموعها بطرف يدها، ونظرت إلى شيماء بنظرات غير مفهومة، و..
-فرح متسائلة بحيرة: انتي بتقولي ايه؟

أغمضت شيماء عينيها، وتنفست ببطء لتسيطر على حزنها، ثم عاودت فتحهما مجددا، ونظرت إلى فرح بنظرات نادمة، و..
-شيماء وهي تبتلع غصة في حلقها، وبنبرة خافتة ومتلعثمة: أنا عاوزاكي تكوني قوية، وهي والله لأخر وقت كانت بتفكر فيكي وكانت مطمنة إنك مع يزيد، يمكن، يمكن هي مقدرتش تقولك ده، بس، بس أنا كنت معاها قبل ما تموت وسمعتها وهي بتوصيه عليكي.

هزت فرح رأسها في عدم فهم، ونظرت إليها باستغراب شديد، ثم أخذت نفسا قصيرا لتستعيد ثباتها الانفعالي، و..
-فرح بنبرة مختنقة: انتي بتكلمي عن مين؟

صمتت شيماء للحظة تستوعب فيها رد فعل فرح الغريب، ثم فغرت شفتيها فجأة حيث أدركت توا أن فرح لم تكن تبكي لوفاة والدتها، وإنما لشيء أخر، لذا حاولت أن تختلق أي عذر، ولكن سبق السيف العزل حيث مدت فرح قبضتيها في اتجاهها، ثم أمسكت بها من ذراعيها، وأخذت تهزها بقسوة و..
-فرح بنبرة أقرب للصراخ، ونظرات جاحظة: مين دي اللي ماتت؟ قولي، ميييين؟

حاولت شيماء أن تهديء من روع فرح، ولكنها لم تستطع فقد كانت الأخيرة متعصبة بطريقة زائدة عن الحد، ولم تسلم هي من محاصرتها بالأسئلة حول هوية المتوفية، لذا أضطرت في النهاية أن تبوح لها ب...
-شيماء بخفوت شديد، ونظرات مجفلة: آآ، الحاجة، ف، فوزية، مامتك..!

أرخت فرح ذراعيها عن شيماء، وتسمرت في مكانها غير مستوعبة ما سمعته بأذنيها..
شعرت أن صاعقة ما قد أصابتها في رأسها، وأن جسدها أصيب بالعجز الكلي..
تابعت شيماء تبدل حال فرح بعد ذلك الخبر الصادم بتوجس شديد، وأدركت أنها على وشك الانهيار في أي لحظة، لذا بادرت بمد يدها وإسنادها من ذراعها، و...
-شيماء بنبرة قلقة، ونظرات مضطربة: أنا، انا مش عارفة أقولك ايه، بس اجمدي عشان خاطر نفسك، هي، هي كانت بتحبك وآآ..

لم تكمل شيماء جملتها، حيث أزاحت فرح يدها، وسارت بخطوات راكضة في اتجاه باب المرحاض، ثم دفعته بقسوة، وركضت كالمغيبة في اتجاه حديقة النادي..
حاولت شيماء اللحاق بها، ولكنها لم تستطع فقد تعثرت في فستانها، بالإضافة إلى كعب حذائها العالي الذي أعاقها عن الركض بصورة طبيعية..

دخلت فرح إلى الحديقة، وجابت بعينيها الباكيتين المكان بحثا عن والدتها، فلم تجدها، ووجدت فقط بعض المحدقين بها، الذين كانوا ينظرون إليها بنظرات آسفة ومشفقة على حالها، فوقفت هي كالتائهة في المنتصف لا تعرف إلي أين تذهب، أو ماذا تفعل!

رأها آدم على تلك الحالة، فتوجه ناحيتها، و..
-آدم بنبرة شبه هادئة، ونظرات حزينة: فرح!
-فرح بنبرة مختنقة، وأعين باكية وهي تشير بيدها: م، ماما فين؟ أنا، أنا كنت سيباها هنا..
في نفس اللحظة وصلت شيماء إلى داخل الحديقة، وبحثت عن فرح فوجدتها تتوسط الحديقة وإلى جوارها زوجها، فأسرعت في خطاها ناحيتهما..

-فرح بصوت مختنق للغاية: هي كانت أعدة هنا، أيوه أنا عارفة انها موجودة، بس أكيد راحت تجيب مياه، اه، ده، ده ميعاد الدوا بتاعها.

أطرق آدم رأسه في آسف، وتمسك بابنته النائمة على كتفه أكثر، ثم..
-آدم بخفوت: لا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم زفر في مرارة، والتفت إلى جواره ليجد شيماء قد وصلت إليهما، فأشار لها بعينيه، فأومأت هي برأسها إيماءة خفيفة لتوحي بأنها فهمت ما يريده، ثم وضعت يدها على ظهر فرح و...
-شيماء بنبرة حزينة، ونظرات آسفة: فرح، تعالي معايا.

ثم بدأت في جذبها للخلف، ولكن صرخت فرح فيها عاليا، وأشاحت بيدها في وجهها، و..
-فرح بنبرة هادرة، ونظرات زائغة: ابعدي عني، انتي مسكاني ليه؟ عاوزة مني ايه؟ سيبني أشوف ماما، اوعوا من سكتي.

انتبه يزيد إلى صوت صراخ فرح، واستدار بجسده ليجدها تقف في منتصف الحديقة، فانقبض قلبه وهو يراها على وشك الانهيار
-يزيد بنبرة متوجسة: فرح!
ثم ركض في اتجاهها، وعيناه لا ترى سواها أمامه...

حاولت شيماء تهدئة فرح، ولكنها دفعتها بحدة للخلف فكادت تسقط على ظهرها ولكنها تماسكت في اللحظة الأخيرة، وحاول آدم هو الأخر أن يقترب منها ولكنها كانت تتراجع للخلف مبتعدة عنه وهي ترمقه بنظرات محذرة و..
-فرح بصراخ حاد وهي تشير بإصبعها: انتو عاوزين تمسكوني ليه؟ أنا عاوزة أمي، أنا هاجيبها، ابعدوا عني!

ثم استدارت بجسدها للخلف، وسارت كالمغيبة تنظر في أوجه الحاضرين تتفرس ملامحهم بحثا عن والدتها بينهم، ولكنها تسمرت رغما عنها في مكانها حينما وجدت أذرع قوية تحاوطها من الخلف، وتمسك بذراعيها لتثبتها أمام صدرها، فتلوت بجسدها محاولة تحرير نفسها، و..
-فرح بزمجرة عنيفة: آآه، انت، انت بتمسكني ليه، ابعد عني، سيبني.

مال يزيد برأسه على رأس فرح إلى أن التصق بها، وهمس في أذنها ب..
-يزيد بخفوت شديد: شششش، اهدي يا فرح، ششش، اهدي عشان خاطري، ماينفعش اللي بتعمليه ده.

أغمضت فرح عينيها غير مصدقة أنه مقترب منها إلى هذا الحد، وأن أنفاسه الحارة تلفح عنقها وأذنها، ولكنها لم تستسلم لتأثير صوته الذي أصبحت تبغضه الآن، فكل شيء يهون أمام فقدان الأم، لذا قاومت قبضتيه بكل ما أوتيت من قوة، و...
-فرح بنبرة حادة: ابعد عني، سيبني أروح لأمي، هي اللي هتحميني منك، ابعد عني، أنا مش عاوزة حد في حياتي غيرها.

أرخى يزيد قبضتيه قليلا لكي يتمكن من جعلها تستدير فتصبح في مواجهته، ثم عاود إحكام قبضتيه عليها، وضمها أكثر إلى صدره، ضمها بشدة كي لا تفلت منه و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة