قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والعشرون

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والعشرون

رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والعشرون

شعرت فرح بالخجل الشديد يجتاح كل خلية من جسدها المرهق عقب عبارات يزيد الجريئة للغاية معها، لم تتخيل أنه سيلقي على مسامعها مثل تلك الكلمات، وههي التي كانت تعتاد منه على الفظاظة والغلظة، وها هو الآن يتحول معها إلى شخص أخر لديه مشاعر، وقلب..
كم أرهقها أن تثق مجددا بالحب، لقد باتت تخشى أن تستسلم لقلبها، وتعشق من جديد، بل أن تنغمس أكثر في نهر الحب العذب مع من جعل قلبها يخفق وبشدة خلال فترة وجيزة...

ظلت فرح مختبئة خلف الملاءة إلى أن جلست إيلين على طرف الفراش، ثم مدت يدها، وجذبتها عنوة من عليها لكي ترى وجهها بوضوح، فقد كان الفضول يقتلها لكي تعرف هوية هذا الشخص المهيب ذي الملامح الشرقية الحادة والآسرة في نفس الوقت..
-إيلين بنبرة خبيثة، ونظرات فضولية: مين ده يا فرووح؟

لم تجب فرح عليها، بل ظلت صامتة، مما جعل إيلين تشعر بالضيق أكثر لتجاهلها الرد عليها، فعاودت تكرار ما قالته و..
-إيلين بنبرة مصرة: ما أنا مش هاسيبك غير لما أعرف أرار كل حاجة
-فرح وهي تزفر في ضيق: أووف، مش وقته
-إيلين بنبرة فضولية، ونظرات متفحصة: مستحيل، ماهو أنا مش هافضل على ناري كده، ده أنا عاوزة أعرف كل حاجة عن ابو فراشة ده.

ضيقت إيلين عينيها أكثر، وظلت محدقة في فرح محاولة سبر أغوارها، فتنهدت فرح مجددا قبل أن تردف ب...
-فرح بنبرة شبه متلعثمة، ونظرات مجفلة: آآ، ده، ده المقدم يزيد، آآ، رئيسي في الوحدة البحرية.

مطت إيلين شفتيها في إمتعاض، ثم تراجعت بجسدها للخلف، و...
-إيلين بنظرات متسائلة، ونبرة جادة: يا سلام، بس كده..!
-فرح وهي تتنحنح في خجل: آآ، اها.
-إيلين وهي تزم شفتيها في تساؤل، وبنظرات متربصة: مممم، مقدم، طب هو متجوز ولا لأ؟ أنا عاوزة كل التفاصيل يا فروووح.

في تلك اللحظة تحديدا دلفت السيدة فوزية إلى داخل الغرفة وعلى وجهها ابتسامة عريضة، ونظرات مشرقة، ويكسو ملامحها إرتياح كبير، ثم قاطعت حديثهما ب...
-فوزية بنبرة عالية، ونظرات متعشمة: ده يا إيلين يا حبيبتي عاوز يتجوز فرح.

اتسعت عيني إيلين في ذهول كبير، وارتسمت علامات الصدمة الشديدة على وجهها، ثم استدارت برأسها لترمق فرح بنظرات مدهوشة و...
-إيلين بنبرة مصدومة: ايييه، يتجوزها؟ طب ده حصل إمتى وإزاي؟
-فوزية بنبرة هادئة: أنا هاقولك..!

Flash Back لما حدث قبل يومين
كانت السيدة فوزية تطهو الطعام لها في مطبخ منزلها حينما رن هاتفها المحمول برقم غريب – لا تعرفه، لذا ترددت في البداية أن تجيب عليه، ولكن حينما تكرر الاتصال مرة أخرى توجست خيفة أن...
-فوزية بنبرة مضطربة: لأحسن تكون فرح بنتي! أيوه، يمكن بتكلمني من رقم غريب.

لذا أجابت بعجالة على الاتصال، ولكن كانت الصدمة الحقيقية بالنسبة لها حينما علمت بما أصاب ابنتها الوحيدة، و...
-فوزية بنبرة فزعة، ونظرات خائفة: بنتي...!

لم تدر السيدة فوزية كيف استطاعت أن تبدل ثياب المنزل بعبائتها السوداء الواسعة، وكيف نزلت من المنزل وهي هائمة على وجهها لكي توقف سيارة أجرة وتستقلها إلى المشفى العسكري الذي ترقد به ابنتها..
لاحقا توقف سائق السيارة الأجرة أمام مدخل المشفى الواسع، فترجلت السيدة فوزية من السيارة بعد أن دفعت للسائق أجرته، ثم سارت بخطوات راكضة – رغم جسدها المتعب – ناحية استقبال المشفى..

كانت السيدة فوزية تلهث بشدة حينما توقفت أمام الطاولة الرخامية العالية لتستند بكلتا يديها عليها وهي تنظر إلى موظف الاستقبال ذي الزي العسكري و...
-فوزية بنبرة مرتعدة، ونظرات متوجسة: الله يكرمك يا بني أنا كلموني من شوية وقالولي إن بنتي جت هنا في المستشفى، ممكن تقولي هي فين بالظبط؟
-الموظف بنبرة رسمية، ونظرات جادة: اسمها ايه؟
-فوزية بلهفة: فرح عبد الحميد فرغلي
-الموظف بإقتضاب: لحظة.

ثم بدأ الموظف في تفحص بعض الملفات الموجودة على شاشة حاسوبه الالكتروني، ثم...
-الموظف متابعا بنبرة رسمية: ايوه يا حاجة، هي موجودة في أوضة 305 في الدور التالت
-فوزية بنبرة حائرة: طب ودي أطلعلها إزاي؟ ولا أروحلها منين؟
-الموظف بنفس الجدية وهو يشير بيده: الأسانسير على إيدك الشمال ياح حاجة.

سارت السيدة فوزية إلى حيث أشار الموظف وهي ترفع بصرها إلى السماء، و..
-فوزية بنبرة راجية: جيب العواقب سليمة يا رب اللطف من عندك يا كريم..!

ثم اتجهت ناحية المصعد الذي فتحه لها أحد العاملين بالمشفى، وصعدت به إلى الطابق الثالث، ثم دلفت منه إلى الخارج وهي تجوب ببصرها ذلك الرواق الطويل من أجل البحث عن غرفة ابنتها..
حدقت السيدة فوزية في أرقام الغرف المدونة أعلى كل باب، ولكنها شعرت أنها ضلت الطريق حينما وجدت أن أرقام الغرف في تلك المنطقة من المشفى زوجية وليست فردية، فزفرت في انزعاج، وضربت بيدها على فخذيها في ضيق واضح..

-فوزية بنبرة شبه باكية: ده إيه المستشفى اللي مالهاش ملامح دي، مش عارفة أوصل لبنتي، يا رب ساعدني..!

استدارت السيدة فوزية بجسدها في الاتجاه العكسي حيث لمحت بطرف عينها رواقا جانبيا فقررت أن تسلكه، وتتجه ناحية الغرف الموجودة به، ولكن للأسف ضلت الطريق، وظلت تدور حول نفسها، ثم رأت شابا عريضا يسد الطريق ويتحدث في الهاتف، فقررت أن تتوجه ناحيته وتسأله عن أرقام الغرفة لعله يرشدها إلى مكان إبنتها بعد أن أرهقت من البحث عنها...
توقفت هي خلف ذلك الشاب الذي يوليها ظهره، ثم...

-فوزية بنبرة مرهقة، ونظرات راجية: لو سمحت يا بني.

انتبه يزيد إلى ذلك الصوت النسائي الذي يأتي من خلفه، ثم التفت بجسده للخلف ليجد سيدة ما مسنة تنظر إليه برجاء ويبدو الحزن والعبوس جليا على كل ملامحها، ورغم هذا فإنها تذكره بشخص ما، فملامحها نوعا ما تبدو مألوفة وقريبة الشبه من فرح و...
-يزيد بنبرة جادة، ونظرات ثابتة: أيوه يا حاجة.

-فوزية متسائلة بنبرة حزينة، ونظرات زائغة: متعرفش يا بني أوضة 305 موجودة فين، لأحسن أنا عمالة ألف حوالين نفسي بقالي ساعة وآآ..
-يزيد مقاطعا بجدية، وهو ينظر إليها بتفحص: حضرتك والدة فرح فرغلي؟

انقبض قلبها بشدة، وحدقت فيه بنظرات خائفة ممزوجة بالفزع، و...
-فوزية بنبرة متلهفة، ونظرات مرتعدة: أيوه أنا، بنتي مالها؟ جرالها إيه؟ طب، طب هي آآ..
لاحظ يزيد حالة الخوف الزائد التي إجتاحت والدتها، فحاول تهدئتها قليلا و...
-يزيد بهدوء وهو يشير بيده: اهدي يا حاجة، هي كويسة والله
-فوزية بنبرة متلهفة، ونظرات قلقة: أنا عاوزة أشوف بنتي، عاوزة أطمن عليها، هي فين؟

-يزيد بنفس الهدوء: حضرتك بس إهدي، والله هي بخير، الدكتور يخرج من عندها وهتطمني بزيادة.

وضعت السيدة فوزية كلتا يديها على صدرها، وظلت تبتهل إلى الله كي يهون على ابنتها، ثم أشار لها يزيد بيده لكي تجلس على أحد المقاعد القريبة، ومد يده ليمسك بكف يدها المجعد، ثم أسندها وهي تسير بخطوات متعبة إلى أن أجلسها على المقعد المعدني ذي اللونين الأسود والفضي، ثم رفعت هي بصرها إلى السماء، و...

-فوزية بنبرة راجية، ونظرات متوسلة: استرها يا رب من عندك، أنا ماليش إلا هي، يا رب نجيها من اي شر، يا رب إنت عالم بحالي وحالها.

أنصت يزيد إلى ابتهالات السيدة فوزية التي لم تتوقف للحظة من أجل فلذة كبدها الوحيدة إلى أن انضم إليهما آدم الذي نظر إلى تلك السيدة الطاعنة في السن والتي يقف إلى جوارها و...
-آدم بنبرة جادة وهو يشير بيده: الحساب خالص يا يزيد، مافيش حاجة هتدفع، اللواء عادل قال التكاليف كلها تبعنا
-يزيد بإيجاز: تمام.

ثم مال آدم قليلا بجسده على يزيد ليهمس في أذنه ب..
-آدم بخفوت شديد، ونظرات متفحصة: اومال مين الحاجة؟
-يزيد بجدية: دي الحاجة فوزية
-آدم متسائلا وهو يهز رأسه: اللي هي مين يعني؟
-فوزية ( وهي تتدخل في الحوار ) بنبرة شبه حزينة: أنا أم فرح عبد الحميد اللي راقدة جوا.

تهللت أسارير آدم على الفور بعد أن عرف هوية تلك السيدة، واختفت ملامح الفضول من عينيه، ثم رمقها بنظرات مشرقة، و...
-آدم بنبرة متحمسة: إيه ده بجد؟ يا أهلا وسهلا بحضرتك، أنا اتشرفت بمعرفتك والله، صحيح الظروف مش مناسبة، بس مكنش هايكون في فرصة إننا نشوف الست العظيمة اللي جابتلنا فرح، والله إنتي منورة المستشفى...!

رمق يزيد آدم بنظرات حادة، وخاصة أنه لم يكف عن الثرثرة مع السيدة فوزية التي كانت تنظر إليه باستغراب شديد، مما دفع يزيد إلى أن يمسكه من ذراعه، ويجذبه بعيدا عنها، و...
-يزيد بنبرة حانقة: انت يا بني، بالراحة شوية
-آدم بنبرة معترضة، ونظرات ثابتة: يا عم ما تسبني أسلم على الحاجة بعشم
-يزيد بإمتعاض: عشم ايه بس، وهو ده وقته!

-آدم بأريحية، ونظرات متفائلة: طبعا، ده وقته ونص، ده مافيش أحسن من كده فرصة عشان تظبط نفسك
-يزيد بتهكم: أنا مش عارف إيه اللي مصبرني عليك
-آدم غامزا، وبنبرة خافتة: عشان أنا easy خالص...!
-يزيد وهو يلوي فمه في استنكار: لأ واضح..
ثم سمع كلاهما صوت السيدة فوزية وهو يردف من خلفهما ب...
-فوزية بنبرة حزينة: طمنوني على بنتي الله يكرمكم، ماتسيبونيش كده.

استدار يزيد بجسده ناحيتها، ثم سار في اتجاهها وعلى وجهه ابتسامة هادئة، و..
-يزيد بنبرة عميقة، ونظرات ثابتة: والله العظيم هي كويسة، متخافيش، الدكتور قال انه إرهاق نفسي، وهي موجودة بس للاطمئنان عليها مش أكتر.

رمقت فوزية يزيد بنظرات متسائلة، ثم..
-فوزية بنبرة حائرة: طب، طب انت مين؟
-يزيد بنبرة شبه جادة: انا المقدم يزيد جودة، رئيس فرح المباشر في وحدتها العسكرية بالاسكندرية، حضرتك عارفة المأمورية المكلفة بيها من جريدة الضحى.

هزت فوزية رأسها موافقة، في حين تدخل آدم هو الأخر في الحوار وعلى ثغره ابتسامة عريضة و...
-آدم وهو يمد يده بالمصافحة، وبنبرة أكثر حماسة: وأنا المقدم آدم الجزار صاحبه الانتيم، وتقدري تقولي عليا صاحب فرح برضوه.

لكز يزيد آدم في جانبه، ورمقه بنظرات أكثر حدة ومحذرة في نفس التوقيت، فتصنع آدم أنه يتأوه من الآلم و..
-آدم بنبرة منزعجة: الله، في ايه؟

وزعت السيدة فوزية بصرها بين الاثنين، وظلت تنظر إليهما بإستغراب، وعقلها يدور بداخله المئات من الأسئلة حول علاقة ابنتها بهما، و...
-فوزية بنبرة متوجسة، ونظرات شبه مرتعدة: هي، هي بنتي عملت حاجة غلط؟
-يزيد مقاطعا بجدية، وبنظرات صارمة: لأ يا حاجة، بالعكس دي انسانة متميزة ومجتهدة في عملها، ومافيش حاجة بتطلب منها إلا لما بتعملها على أكمل وجه و آآ..

-آدم مضيفا بنبرة حماسية: هو في زي فرح، دي أدب وجمال وأخلاق، بنت ب 100 راجل، بجد واحدة ماتتوصفش
-يزيد بإنزعاج جلي، ونظرات محذرة: خف شوية يا سيادة المقدم
-آدم وهو يتنحنح في قلق: آآ، احم، طيب.

-فوزية متسائلة بفضول أكبر، وبنظرات مترقبة: يعني بنتي مش بتاعة مشاكل؟
-آدم مبتسما بسعادة، وبنبرة مشرقة: مشاكل! دي زي البلسم، حاجة كده آآآ..
ثم التفت آدم برأسه ناحية يزيد ليجده محدقا به بنظرات نارية قاسية، فابتلع ريقه في توتر، ثم..
-آدم بنبرة شبه متلعثمة: هو أنا جوايا، آآ، جوايا كلام كتير بس خايف أقول لأحسن، آآ، موفيهاش حقها
-يزيد بنبرة صارمة: أنا بقول تروح بيتك تشوف مراتك وبنتك أحسن.

-فوزية متسائلة بنبرة شبه مصدومة: هو انت متجوز يا بني؟

أطرق آدم رأسه للأسفل قليلا، وعبست ملامح وجهه بعبوس زائف، ثم..
-آدم بنبرة شبه نادمة: للأسف..
-يزيد بنبرة محذرة، ونظرات متوعدة: طب امشي أحسن، بدل ما يتأسفوا هما عليك.

أومىء آدم برأسه، ثم سا مبتعدا عنهما بعد أن ودع السيدة فوزية ووعدها باللقاء مجددا، في حين أشار يزيد لها بيده لكي تنهض معه و..
-يزيد بنبرة شبه جادة: اتفضلي معايا.

اصطحب يزيد السيدة فوزية إلى غرفة فرح حيث كانت لا تزال غافلة، فتنهدت هي في قلق، وظلت تدعو الله أن يهون على ابنتها، ثم بعد ذلك طلب منها أن تسير معه في اتجاه الاستراحة الموجودة في نهاية الرواق لكي يجلسا سويا ريثما ينتهي الطبيب والممرضات من فحصها..

أطرقت السيدة فوزية رأسها للأسفل، وظلت تفرك في أصابع يديها وهي تستغفر الله كثيرا، بينما تنهد يزيد في ارتباك، فهو يرغب في أن يتحدث معها، ولكنه يجهل كيف يبدأ الحوار معها، وخاصة أن المسألة التي سيفاتحها فيها تتعلق بمصيره المستقبلي..
لاحظت السيدة فوزية التوتر البادي على يزيد، وظلت ترمقه بنظرات حائرة، وقررت أن تبدأ هي بالحديث و...
-فوزية بنبرة هادئة: مالك يا بني؟ انت عاوز تقول حاجة؟

-يزيد بنبرة شبه مترددة: آآ، أنا، أنا كنت عاوز أكلم حضرتك في موضوع كده، آآ، يخص، يخص فرح
-فوزية بنظرات ضيقة، ونبرة متوجسة: فرح!

أخذ يزيد نفسا مطولا، ثم زفره على عجالة، و...
-يزيد بنبرة سريعة، ومتزنة، ونظرات ثاقبة: أنا، كنت عاوز أتقدم لفرح.

اتسعت عيني السيدة فوزية في ذهول، وفغرت شفتيها في عدم استيعاب، ثم..
-فوزية بنبرة مشدوهة: هه.

أعاد يزيد تكرار عبارته الأخيرة، ولكن بنبرة أقل خفوتا وبتريث، في حين لم تعقب عليه السيدة فوزية، ولكنها لم تحيد بعينيها المرهقتين عنه..
-يزيد متابعا بتريث: أنا بحب فرح، وحاسس إنها هتكون الزوجة المناسبة ليا
-فوزية بنبرة متلعثمة: بس بنتي كان مكتوب كتابها، وآآ..
-يزيد مقاطعا بجدية: أنا عارف كل حاجة أنا فرح، مش محتاج إن حضرتك تقوليلي حاجة، بس هي متعرفش عني إلا حاجات قليلة أوي..

صمتت السيدة فوزية للحظات تفكر فيما ألقاه على مسامعها، وأشاحت بوجهها بعيدا عنه، في حين أثر يزيد ألا يضيف أي كلمة أخرى إلى أن يستمع إلى تعقيبها، خاصة وأنها لم تبد أي ردة فعل..
حركت السيدة فوزية رأسها في اتجاهه مجددا، ثم رمقته بنظرات أكثر ضيقا، و...
-فوزية باستغراب: طب وإزاي هتجوزها وانت مش قايلها عنك حاجة؟ تفتكر إن بنتي هتوافق ترتبط بحد مش عارفاه؟

-يزيد بهدوء حذر: ومين قال لحضرتك إني مش هاقولها على حاجة، بس قبل ما أتكلم معاها هي، أنا فضلت أحكي لحضرتك الأول عن كل اللي يخصني
-فوزية بترقب: اتفضل.

أخذ يزيد نفسا أخرا مطولا، وزفره تلك المرة ببطء شديد، ثم..
-يزيد بنبرة شبه مريرة: أنا كنت متجوز قبل كده، وانفصلت عن مراتي من اكتر من خمس سنين
-فوزية فاغرة شفتيها: هاه، م، متجوز
-يزيد مكملا بنبرة آسفة: وسبب انفصالي عنها إنها، إنها كانت انسانة كدابة ومخادعة.

عقدت فوزية حاجبيها في انتباه شديد، ثم قطبت جبينها، ورمقت يزيد بنظرات أكثر فضولا و..
-فوزية بنبرة جادة: إزاي؟

سرد يزيد للسيدة فوزية ما يخص علاقته بزوجته السابقة وأسباب انفصالهما التي تضمنت شغفها بعملها، وإهمالها لزوجها ومسئوليات بيتها، وتفضيلها للعمل على حساب كل شيء، فرمقته فوزية بعدم اقتناع و...
-فوزية بنبرة مريبة: بس متأخذنيش يا بني، كل اللي بتقوله ده عادي، ومش سبب مقنع للطلاق..
-يزيد متابعا بنبرة مريرة: أنا عارف، وكنت مستحمل ده كله، لكن اللي مقدرتش اتحمله هو إنها تموت ابني قبل ما يجي للدنيا...!

ارتسمت علامات الصدمة على وجه السيدة فوزية، وحدق فيه بنظرات مذهولة، فأردف هو بالحديث عن جرائم زوجته الشنيعة، فأصغت إلى باقي حديثه بإهتمام أشد، وظلت تهز رأسها وهي غير متخيلة أن هناك إنسانة تحمل تلك الصفات البغيضة..

لقد أشفقت فوزية على حال يزيد، وأدركت لماذا أثر هو الابتعاد عن الزواج والارتباط لسنوات طويلة، وفهمت الآن سبب إصراره على التقدم للزواج من ابنتها التي نجحت بعفويتها في إخراجه من دائرة حزنه المغلقة..
انتهى يزيد من سرد ذكرياته الآليمة، وزفر على مهل قبل أن...
-يزيد متسائلا بترقب: رأي حضرتك ايه بعد ما عرفتي كل حاجة عني؟

مطت فوزية شفتيها، ثم رمقته بنظرات حانية، و..
-فوزية بنبرة صافية: الأول أنا عاوزة أشكرك يا يزيد يا بني على صراحتك معايا من البداية، أي حد تاني كان ممكن يضحك على بنات الناس ويشاغلهم، لكن انت كنت جاد من الأول وآآ...
-يزيد بنبرة جادة: أنا مش عاوز غير الحلال، وزي ما قولت لحضرتك فرح هي الزوجة المناسبة ليا، وأنا بحبها وعاوزها
-فوزية مبتسمة في ارتياح: كل ده كويس، بس المهم هو رأيها.

-يزيد بنبرة متلهفة: يعني حضرتك مش معترضة على مسألة جوازي منها بعد اللي عرفتيه؟
-فوزية وهي تهز رأسها بالنفي، وبنبرة رزينة: يا يزيد يا بني انت من حقك تكون أب، ويبقى عندك عيلة تحبها وتخاف عليها، ومراتك – منها لله بقى – حرمتك من ده، فأكيد ربنا عاينلك الأحسن
-يزيد بإقتناع: الحمدلله على كل حال.

-فوزية بهدوء: بس زي ما قولتلك الرأي في الأول والأخر لبنتي، هي صاحبة القرار في الموضوع ده، وأكيد انت عارف إنها كانت خارجة من تجربة قاسية، فأنا مش حابة انها تعمل حاجة غصب عنها
-يزيد على مضض: تقصدي جوازها من كريم
-فوزية وهي تمط شفتيها في ضيق: أه، منهم لله، خدعونا، وعيشوا بنتي في الوهم سنتين بحالهم، والوقتي جايين يقولوا حقكم علينا بعد ما بهدلونا.

انقبض قلب يزيد للحظة، ورمق السيدة فوزية بنظرات حادة و...
-يزيد بعدم فهم: قصدك ايه؟
-فوزية وهي تلوي فمها في حنق، وبنظرات لامعة: أبو كريم عاوز يدي لبنتي ميراثها في ابنه اللي مات.

أدار يزيد وجهه للناحية الأخرى لكي يخفي ضيقه الذي بدى على قسمات وجهه، ثم..
-يزيد بتبرم: بس ده حق ربنا
-فوزية بنبرة مؤكدة: وأنا مش عاوزة حاجة منهم، وواثقة ان بنتي هي كمان مش هترضى تاخد حاجة من العيلة دي لما تعرف، وهتصر تتنازل عن حقها..!

في تلك الأثناء عاد آدم إليهما بعد أن صافح أحد الأطباء مودعا إياه، و...
-آدم بنبرة حماسية، ونظرات متفائلة: الدكتور لسه خارج من عند فرح وطمني عليها
-فوزية بنبرة سعيدة: يا ما انت كريم، ألف حمد وشكر ليك يا رب.

استغرب يزيد من وجود آدم في المشفى، خاصة وأنه قد ظن أنه رحل وعاد إلى منزله، و...
-يزيد بنظرات دقيقة، ونبرة متعجبة: هو انت لسه هنا؟
-آدم بإيجاز وهو يبتسم باستفزاز: اه، ما أنا نويت أفضل ملازم للحاجة أم فرح
-فوزية بنبرة متشوقة: اسمي الحاجة فوزية يا بني
-آدم مازحا: إيه ده أساميكم فوزية، وفرح، وفرغلي، هو انتو أخدين توكيل حرف ال F..!
-يزيد محذرا: خف يا ثقيل، مش وقت هزارك السمج ده..!
-آدم بتوجس: طيب خلاص.

ثم التفت برأسه إلى السيدة فوزية، و..
-آدم متابعا بنبرة متفائلة: إن شاء الله خلال يوم أو اتنين بالكتير هاتكون فرح فاقت وبتكلم معانا
-فوزية بنبرة راجية، ونظرات متعشمة: يسمع منك ربنا
-يزيد متسائلا بجدية: طب وهو مقالش كان عندها ايه؟ ولا اللي حصلها بسبب إيه؟
-آدم بهدوء: شوية ضغوط نفسية على إرهاق بدني، كولكشن ( سايكو ) زي ما تقول.

نظر يزيد إلى آدم باستنكار بسبب مزاحه المتواصل، في حين قاطعته السيدة فوزية ب..
-فوزية متسائلة بتلهف: يعني هي هاتفوق وتكلمني؟
-آدم مبتسما بتعشم وهو يشير بكلتا يديه: ندعي ربنا وهو عليه التساهيل.

رفعت السيدة فوزية كلتا يديها إلى المساء، ونظرت ببصرها للأعلى و...
-فوزية بنبرة راجية: يا رب انت عليك جبر الخواطر، اجبر ببنتي، وزيح عنها، يا رب...!

عودة للوقت الحالي
اعتدلت إيلين في جلستها، ورمقت فرح بنظرات فضولية، و..
-إيلين متسائلة بنبرة شغوفة: طب وده لحقتي تعرفيه امتى وازاي، وبعدين هو لحق يحبك أصلا امتى؟

لوت فرح شفتيها، وأشاحت بوجهها بعيدا عن إيلين، و...
-فرح بإقتضاب: معرفش.

اغتاظت إيلين من رد فرح الجاف عليها، لذا...
-إيلين متسائلة بلؤم: طب انتي بتحبيه؟

استدارت فرح لتنظر إلى رفيقتها بعينيها المذهولتين، وبدأت علامات الارتباك تظهر عليها، ثم ابتلعت ريقها في خجل، وفضلت ألا تجيب عليها فإزدادت إيلين غيظا و...
-إيلين بنبرة متشنجة: ردي يا فرووح، هو أنا بسحب الكلام منك بالعافية
-فرح بنبرة متذمرة: اوووف يا إيلي، بليز أنا تعبانة ومش عاوزة أحكي في حاجة..!

زمت إيلين شفتيها في عدم تصديق، ورمقت فرح بنظرات لئيمة، ثم..
-إيلين بنبرة ماكرة: الظاهر إنك انتي كامن بتحبيه بس بتأوحي.

فغرت فرح شفتيها في صدمة، حيث باتت متيقنة أن مشاعرها صارت مرئية للعيان، ومر بعقلها ذكرى حديث يزيد الجريء معها حول خصلات شعرها المتمردة، فابتسمت عفويا، ثم التفتت إلى إيلين فوجدتها محدقة بها وتنظر إليها بنظرات لئيمة، فحاولت أن تصرف انتباهها عنها، لذا...
-فرح بنبرة مرتبكة وهي تشير بيدها: طب، آآ، قومي شوفيلي مشط في الشنطة، خليني أسرح شعري المنكوش ده.

في مركز ماميز الطبي
رن الهاتف الداخلي الموضوع في غرفة مكتب الطبيبة هايدي والتي كانت عائدة لتوها من غرفة العمليات، فصارت بخطوات متمهلة نحو مكتبها، ثم مدت يدها لتلتقط سماعة الهاتف و...
-هايدي هاتفيا بنبرة باردة: ألو..
-عامر هاتفيا بنبرة جادة: ألوو، ايوه يا دكتورة هايدي، معاكي الدكتور عامر منصور.

استندت هايدي بجسدها على سطح مكتبها بعد أن لفت ساقيها حول بعضهما البعض، ثم وضعت يدها هي الأخرى على سطحه لتبدأ الطرق بأطراف أصابعها عليه، و...
-هايدي بنبرة جافة: اهلا يا دكتور عامر، سوري مخدتش بالي
-عامر بهدوء: ولا يهمك، أنا مش هاعطلك كتير، عشان عارف إن عندك مسئوليات كتير
-هايدي بنبرة صلبة: It s Okay..!

-عامر بنبرة عادية: بصي أنا جالي يا دكتورة أكتر من اتصال من كذا دكتور عشان خاطر تحضري الندوة الطبية اللي في نادي اليخت بالاسكندرية..
حلت هايدي ساقيها، ثم ارتفعت عن الأرض قليلا لتجلس على سطح المكتب و...
-هايدي وهي تهز ساقها، وبنبرة باردة: اها..
-عامر متابعا: بس إنتي تقريبا يا دكتورة مردتيش عليهم.

-هايدي ببرود مستفز: بصراحة كده يا دكتور عامر أنا مش فاضية لا للندوات ولا للمؤتمرات، عندي شغل أد كده، وزي ما انت عارف يا دكتور أنا وقتي مش ملكي..!
-عامر بنبرة مصرة: ضروري تحضري يا دكتورة الندوة دي، ده انتي مطلوبة بالاسم، وبعدن في كذا دكتور جاي من برا عشان يتكلموا عن أحدث تطورات الحقن المجهري، وإنتي خير من يمثلنا في الموضوع ده.

فكرت هايدي في الموضوع للحظات، وبدأت تحسب العائد المادي والدعائي لمركزها، ثم..
-هايدي وهي تمط شفتيها في خبث: مممم، عشان خاطرك بس يا دكتور
-عبد الرحيم مبتسما: شكرا يا دكتورة..!

في منزل آدم الجزار
تمدد آدم على الفراش في غرفة نومه، ثم سرد لها بإيجاز عن تلك الفتاة التي أسرت عقل يزيد وتربعت على عرش قلبه، فتملكها الفضول الشديد لكي تعرف هويتها و...
-شيماء بنبرة متلهفة ونظرات متحمسة: ده انت شوقتني يا أندومي أعرف هي مين
-آدم بنبرة هادئة: ماتستجعليش، قريب أوي هتشوفيها
-شيماء متسائلة بترقب: امتى؟

-آدم بنبرة طبيعية: بصي هما عاملين حفلة في نادي اليخت للضباط وأسرهم، فاحتمال كبير تيجي
-شيماء بنبرة متشوقة: ايه ده بجد؟ يعني هنسافر إسكندرية
-آدم غامزا، وبنبرة لئيمة: أيوه، المياه والهواء، والوجه الحسن
-شيماء مبتسمة بسعادة: طب كويس أوي عشان ألحق أجهز الحتة الزفرة، وألبس اللي على الحبل.

لوى آدم فمه في تأفف، ورمق زوجته بنظرات استنكار، و...
-آدم بنبرة ممتعضة ومتهكمة: زفرة! بقى أقولك وجه حسن، تقوليلي زفارة، يا ساتر عليكي دايما بتضيعي ال image الحلوة اللي حاطتهالك...!

استأذنت إيلين بالانصراف بعد أن وردها إتصالا هاتفيا من زجوها أمير لكي تعود إلى صغيرتها مارسيل التي كانت مصابة بنزلة برد، فشكرت السيدة فوزية إيلين، وكذلك فعلت فرح، ودعت كلتاهما للصغيرة بالشفاء..
وبعد لحظات طلبت السيدة فوزية من ابنتها أن تنتهي من الاستعداد للعودة إلى منزلهما ريثما تحضر هي نتائج التحاليل الطبية الخاصة بفحوصات مرض السكري الخاص بها، وكذلك الضغط..

دلفت فرح إلى داخل المرحاض، وقامت بتبديل ثياب المشفى بملابس نظيفة أحضرتها لها والدتها، حيث ارتدت بنطالا من القماش الرصاصي، ومن الأعلى تنورة واسعة من اللون الأبيض، وبأسفلها ارتدت بادي من اللون الأسود..
أمسكت فرح بالمشط وبدأت تمشط شعرها، وابتسمت مجددا حينما تذكرت حديث يزيد - الرومانسي والجريء - في نفس الوقت معها..

ثم دلفت إلى خارج المرحاض، وبحثت عن حذائها لكي ترتدي، فوجدته مسنودا أسفل الفراش، فإنحنت للأسفل لكي تأتي به، ثم جلست على المقعد المجاور للفراش، وبدأت في ارتداء حذائها..
سمعت فرح صوت طرقات على باب الغرفة، فظنت أن والدتها قد عادت و..
-فرح بخفوت: اتفضلي يا ماما.

أدير مقبض الباب بهدوء لكي ينفتح ويمرق منه يزيد، فابتسم ابتسامة عذبة حينما وجد فرح منحنية للأسفل وهي جالسة تحاول ربط رباط حذائها الرياضي الأسود، فسار بخطوات ثابتة ناحيتها إلى أن وقف قبالتها، فارتبكت هي عندما وجدت سيقان رجالية تقف أمامها، فرفعت رأسها تدريجيا للأعلى لترتسم علامات الصدمة سريعا على وجهها حينما تجد يزيد محدقا بإمعان بها..

ارتبكت فرح وتوترت كثيرا، وعجزت عن إكمال ربط رباط حذائها، فإنحنى يزيد للأسفل، وجثى على أحد ركبتيه، فإضطربت فرح أكثر، وشعرت بالحرارة تنبعث من وجهها، وأيقنت أن وجنتيها قد اكتسيتا بحمرة الخجل..
أمسك يزيد برباط حذائها بأصابع يديه، ثم بدأ في عقدهما و...
-يزيد بصوت رخيم: وحشتيني الشوية دول
-فرح وهي تبتلع ريقها: آآآ، انا..

ابتسم يزيد من زاوية فمه بعد أن انتهى من عقد الرباط، ونهض عن الأرض ليمد يده ويمسك بكف فرح و..
-يزيد وهو محدق بها بنظرات رومانسية، وبنبرة عميقة: إنتي فراشتي، وقريب هتبقي مراتي.

ورغم حالة الارتباك الممزوجة بالتوتر والتي تعيشها، إلا أن فرح هزت رأسها بالنفي، وسحبت كف يدها من يده بسرعة، وسارت بخطوات متعثرة بعيدا عنه، فأسرع هو خلفها، وأمسك بها من ذراعها وقبض عليه ليوقفها عن الحركة، ثم جذبها ناحيته، ووقف قبالتها، وحدق مباشرة في عينيها قبل أن يردف ب...
-يزيد بصوت رخيم: حتى لو كنتي معاندة، فالقدر خلاص جمعنا...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة