قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الختامي

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الختامي

رواية غيمة في سمائك للكاتبة مي علاء الفصل الختامي

اخفض رأسه قليلاً مُقترباً فيشعر بتأثرها بكلماته، سألها برجاء وهو يضغط على كفيها
- هتدينا فرصة نرجع؟
رمشت بعينيها لتخفف كم دموعها، فرقت شفتيها للحظات ثم سألته بنبرة معاتبة لتسببه بذلك العالم الجحيمي
- والكوابيس اللي بعاني منها بسببك وبسبب موت رزان، هتخليني أنساها ازاي؟
- هتنسيها، هتنسيها بحبي ومعاملتي الطيبة ليكي، أوعدك اني مش هأذيكي تاني في باقي حياتنا.

اجابها سريعاً وهو ينظر لها بلهفة مُنتظراً اجابتها، دق قلبه بسعادة حين وجدها تسحب كفها كفيها من اسفل كفيه لتمسك هي بكفه وتسأله بحدقتين لامعتين بالخجل
- بتحبني بجد؟!
أومأ برأسه واتى ان يعبر عن ذلك لكنها سبقته بإعطائه إجابتها على سؤاله السابق بنبرة منخفضة، متوعدة، بعيون تلمع بشراستها
- كويس، عشان هخليك تتعذب ببعدي زي ما عذبتني بقربك.

ثم دفعت كفيه بعنف واستدارت مغادرة تاركة اياه مصدوم من ردها المُخيب للأمل.

دخلت جوانة الشقة وقابلت ندى فور دخولها والتي قالت بتعاطف
- خلصتي شغل اخيراً
غمغمت جوانة وهي تتجه لغرفتها لتختفي سريعاً من أنظار ندى فهي لا تريد ان تشغل بالها بأشياء تخصها وبالتحديد أمر اويس.

نامت بملابسها على الفراش وأخرجت تنهيدة تعب من بين شفتيها، نست تعبها الجسدي سريعاً فقد شغلها التفكير ب أويس، رغبت بألا تفكر به ولكنه اقتحم تفكيرها رغماً عنها لتفكر فيما قاله واعترافه ونظراته الصادقة!، وضعت كفها على صدرها لتشعر بنبضات قلبها التي تسارعت لمجرد انه اتى لمخيلتها، تساءلت بتوتر، هل مازال حبه يسكن أعماقها! هل حقاً اهتز كيانها من نظراته ولمسته!، ألم تحرق كل خلية نبضت بحبه بداخلها منذ فترة!، هل بهذه السهولة يستطيع ان يقتحمها مرة اخرى؟ وان يجعلها تفكر به كرجل بدلاً من عدو!، فكرت كذلك هل تستطيع ان تنفذ قرارها وتعذبه!، هل هي قادرة على ذلك حقاً، هل تستطيع ان تصبح بقربه دون ان ينبض قلبها او تتذكر الماضي؟، وآخراً، هل من الممكن ان حبه سيتغلب على ذلك الماضي الاسود ويجعلها تهدم حواجزها؟

كان الوضع مشابه لدى اويس، فقد اصابه الأرق بسبب تفكيره المُرهق ب جوانة وكيفية تعامله معها، انه سيستقبل تعذيبها له بصدر رحب، انه يريد ان يشعرها ببعض الراحة والنصر فهكذا قد تُتاح له الفرصة بأن يعودا سوياً، يعلم انه من الصعب ان تسامحه بسهولة لِم ارتكبه من إثم، لذا سيمنحها هذا الانتصار بقلب سعيد، لكنه بجانب ذلك سيجعلها تنجذب اليه، سيجعلها تفشل في الابتعاد عنه، سيسرق عقلها وتفكيرها.

اليوم التالي
كان أويس ينتظر مغادرة جوانة من خلال مراقبته لها من العين السحرية لباب شقته، حين وجدها تغادر، اسرع ليطرق على بابها لتفتح ندى وفي اعتقادها انها جوانة التي قد تكون نست شي، لكنها حين رأت اويس تغير لون وجهها، بينما اسرع الاخير بقوله
- ممكن اتكلم معاكي؟
كانت مترددة وذلك ظهر على ملامحها بوضوح، فأردف اويس
- مش هاخد وقت كتير
تنفست بعمق قبل ان تتيح له الطريق ليدخل، بدأ حديثه فور جلوسهما.

- تقريباً انتِ عارفاني وفاكراني من المستشفى
اومأت برأسها وهي تضم كفيها لبعضهما بتوتر، التقط انفاسه بقوة قبل ان يتحدث بِم يريده وهو ينظر للأرض
- انا تخطيت الماضي وتخطيت الأذى اللي سببه احمد لأختي وكرهي ليه، منكرش اني بتمناله يتعفن في السجن عقاب للي عمله، وعارف ان جوانة شعورها زيي، هي تخطت أيامي وكانت تتمنى اني مرجعش لحياتها، بس رغم كده انا عايز اجرب واعوضها من الأيام الوحشة، عايز أرجعها ليا.

قاطعته ندى عند تلك النقطة لتوضح له
- بس هي مش هتحب ترجعلك، انا عارفة جوانة، متأكدة انها مكرهتكش ولو مرة بس الفكرة انها خايفة، هي مش عايزة تثق فيك مرة تانية لتخذلها، هي وثقت فيك مرة واتعاطفت معاك واديتك مليون عذر للي بتعمله لغاية موت رزان
بلعت لعابها وهي تنظر بعيداً وتخبره
- وحقيقة وجودك مش صعب عليها لوحدها، وجودك بيفكرنا باللي حصل وباللي عمله احمد، واحنا مش هنقدر نعيش مع شعور الذنب لآخر العمر.

هز رأسه بتفهم وساد الصمت لدقائق قليلة، بعدها تحدث بِم خطر في باله وببساطة
- حبيبة اتحسنت الحمدالله، تقدري تبصيلها وتريحي نفسك، وانا مفيش اي أتهام او عتاب ليكم، ومش هكرر اللي عملته من تلت سنين
شعرت بصدق حروفه وأنه يعنيها حقاً، تنهدت وسألته مُباشرةً
- وممكن تقولي إيه الغرض من انك تتكلم معايا في الموضوع ده؟ عايزني اساعدك؟
- ايوة، في حالة احتجت مساعدتك، هتساعديني؟
التقطت انفاسها وهي تفكر، أجابت بعد برهة.

- هجس نبضها الاول، لو حسيت ولو واحد في المية ان عندها قبول ترجعلك يبقى هساعدك
اشتعلت سماء عينيه بحماس وهو يقول
- وانا أوعدك اني مش هأذيها، اني هحبها وبس
ابتسمت ندى بأمل حدوث ذلك، بعد مغادرته فكرت، لا يهم إذ كان وجوده عير مريح لها مدام هذا سيسعد جوانة.

عصر اليوم
عاد اويس مع حبيبة من جلستها مع الطبيبة النفسية التي ستأنف علاجها، سألت حبيبة اويس بحزن وهما يصعد درجات السلم
- هو انت هتسيبني لوحدي وتروح مشوار كل يوم؟
- عارف اني بسيبك لوحدك وقت طويل بس بخلص شغل مهم، ولو مخلصتهوش خلال الشهر ده هتلاقيني قاعد جمبك بدون شغل وهبقى عاطل، ودة هيرضيكي؟
وصلا امام الشقة، نظرت له بتأثر وهزت رأسها نفياً ثم نظرت خلفها وقالت بتردد.

- طب بص انا مش عايزة اقعد لوحدي، وديني هنا
ادرك اويس ما تريده حبيبة، اعترض بلطف
- مينفعش تروحي عند الناس كتير
- دي طيبة اوي وفضلت تتكلم معايا
اصر اويس على موقفه، ولكن بالصدفة كانت ندى صاعدة لشقتها عائدة مع ابنتها نونة من المدرسة، اتسعت ابتسامة حبيبة وهي تسرع لها قائلة بطريقتها عفوية
- انا عايزة اقعد معاكي، قوليله يوافق ها!
نقلت ندى نظراتها بينهما، قالت بعد برهة.

- خليها تقعد عندي مدام هي عايزة، متقلقش عليها
اتى اويس ان يعترض لكن حماس حبيبة وسعادتها منعاه من ذلك، لذا تنهد مستسلماً لرغبتها.
- شكراً على استقبالك ليها.

منحته ابتسامة ثم دخلت لشقتها ومعها حبيبة، استدار ليدخل شقته ويحضر اغراضه ويغادر سريعاً ولكن قبل ان يتجه لسيارته ذهب لجوانة التي كانت تصب تركيزها على آلة الخياطة، تقدم من خلفها بخطوات خفيفة لم يقصد إفزاعها بها لاحقاً، فقد شعرت جوانة بوجود احدهم خلفها وحين أدارت رأسها وجدته خلفها مُباشرةً ففزعت من ذلك، التقطت انفاسها الذي قطعها لها ثم وبخته بقسوة
- ازاي تدخل كده بدون احم ولا تس...

ابتعلت بقية جملتها حين انحنى لها لتشعر بقرب انفاسه من اذنها الذي همس بها
- اسمعيني كويس، انا كنت جاي اقولك بس ان انا موافق اني أتعذب على ايديك، بس في الاخر هنبقى مع بعض، حبيت أأكداك النقطة دي.

ثم غمز لها بإحدى عينيه واستدار تاركاً إياها تحت تأثير نبرة صوته وكلماته ورائحته الذي تركها خلفه، تلك اللحظة الصغيرة جعلتها تفقد شتات نفسها بهذه الطريقة الجنونية!، قلبها لا يهدأ عن ضرباته المجنونة، حاولت تمالك نفسها حين دخلت زبونة لها.

وصل اويس لشركته التي على وشك الإفلاس بسبب إهماله لها وتوكيل إدارتها لشخص آخر خلال الثلاث السنوات التي مضت، منذ عودته لمصر وحتى الان انه يجاهد بأن يُعيدها لسابق عهدها لكن الأمر ليس بهذه السهولة وهو يدرك ذلك.
مع حلول المساء، كان اويس قد انتهى من مقابلة المستثمر الذي يُعد الفرصة الاخيرة له للنهوض بالشركة، اتصل به جاسر ليطمأن ما إذا سار الاجتماع بنفع ام انه فشل مرة اخرى في إقناعهم.

- ها طمني وافقوا يستثمروا في شركتك ولا إيه؟
أتاه صوت اويس المُحبط
- مش عارف لسة هيردوا عليا خلال يومين ثلاثة كده، بس مش مُتفائل
حفزه جاسر وحاول ان يبث للآخر الأمل
- اما انا مُتفائل وان شاء الله هتنجح المرة دي عشان انت تعبت وحاولت كتير، ما تيجي نلعب جولة؟
وافق اويس دون تفكير فهو بحاجة لأن يخرج الإحباط والتوتر الذي يجتاحه.
اثناء اللعب سقط اويس بعنف ف جُرِح وأصبح يعرج في مشيته، قال جاسر بأسف وهو يلهث.

- ساعتين مش كفاية اة بس نعمل إيه قي حظك!، فتعال أوصلك وأروح
اومأ اويس برأسها قبل ان يلتقط نفس عميق وينهض بمساعدة جاسر، لم يستغرق الطريق الكثير حتى يصل اويس، مزح اويس وهو يترجل بحذرمن السيارة
- شكراً يا باشا على التوصيلة وعلى اللي عملته في رجلي
رفع جاسر حاجبيه بإندهاش ثم ضحك بسخرية
- اة نسيت ما كل حاجة جاسر هو السبب.

ضحك اويس ثم استدار مُتجهاً للمبنى دون ان يلاحظ نظرات جوانة التي تتبعه، فحين وصلت سيارة جاسر وترجل هو كانت تغلق المحل ولمحته وجذبت انتباهها قدمه التي تبدو انها ليست بحال جيدة.

اتجهت بخطوات مُتسارعة لتصبح قريبة منه وحين لاحظت انها فعلت ذلك التصرف الغير مقبول لها أبطأت خطواتها لكنه قد كان شعر بوجودها لذا استدار لينظر لها، إرتسمت على شفتيه بتلقائية إبتسامة شقت ملامحه المُرهقة، تجاهلته وسبقته بخطوتين بينما سألها بلطف
- خلصتي شغلك بدري النهاردة ولا نازلة تاني؟

تجاهلت سؤاله وسبقته لدرجات السلم، توقفت للحظة حين سمعت صوت تنفسه واستدارت بتلقائية فتوقف نظر لها، اخبرها لشعوره بفضولها لمعرفة سبب مشيته الغير مستقيمة
- رجلي اتلوت وانا بلعب كورة، متقلقيش
- مسألتش اصلاً
اتاه ردها الحادثين ان تكلم صعودها، كانت تشعر بحاجته للمساعدة وقد فكرت للحظة في مساعدته لكنها قذفت تلك الفكرة بعيداً، قال حينها
- محتاج مساعدة مش هتساعديني؟

لم يتلقى اي رد، لكنه سقط على جرحه اثر عدم تركيزه، كور قبضته بقوة ضاغطاً عليها لكظم ألمه بينما توقفت جوانة وظلت تنظر له، زفر بإنزعاج
- كملي كملي طريقك
فعلت ذلك وأكملت صعودها ولكنها ما لبثت حتى عادت لتساعده على النهوض وان يستند على كتفها، قالت بإقتضاب
- ساعدتك عشان صعبت عليا مش اكتر ولا اقل
- كتر خيرك.

قالها بخفوت وهو يبتسم مُستغلاً قُربه منها ليشبع من رؤيتها عن كثب واستنشاق رائحتها المميزة، كانت جوانة تشعر بنظراته لكنها جاهدت بأن تصبح ثابتة ولا تتأثر او تخجل.
تركته امام باب شقته واتجهت لشقتها لكنها وجدته يقول
- ناديلي حبيبة
- منين؟
- من عندِك
عقدت حاجبيها بإستغراب وهي ترد بحيرة
- عندي!، واية اللي هيجب...

قاطعها فتح ندى لباب الشقة وخروج حبيبة من عندها لتذهب ل اويس بينما شاهدت جوانة ذلك بعيون غير مصدقة، ما الذي احضر حبيبة ل هنا؟، ولماذا لم تخبرها ندى بوجودها؟ وهل هناك تواصل بين ندى واويس ليتركها لديهم؟!، نعم اليوم لم تصعد جوانة لتتناول طعام الغداء مع ندى ونونة لكثرة العمل الذي تريد انجازه لذا تناولت الطعام في المحل وقد اوصلته لها ندى ولكنها لم تخبرها بشيء فما السبب وراء ذلك؟

شكر اويس ندى لإستقبالها ل حبيبة ثم استأذن ودخل شقته بينما دخلت جوانة بغضب للداخل واستدعت ندى للتحدث معها.
داخل غرفة جوانة
- هي شبطت فيا وكانت عايزة تقعد عندي اقولها لأ ازاي؟، فأستقبلتها
- ولية مقولتليش ونبهتيني؟
- قولت لما تطلعي تتغدي هتشوفيها وهتعرفي بس لما لاقيتك بتقولي انك هتاكلي في المحل قولت خلاص مش لازم احكيلك لأني كنت حاسة انك هتضايقي، ودة اللي حصل
تنفست جوانة بعمق قبل ان توضح.

- مش مضايقة من وجودها، انا بس مش عايزة افتح مجال علاقة بينا و بينه ولو حتى علاقة جيران
- وانا ك ندى مقدرش اقفل بابي في وشها علشانه، ايوة انا مليش أيد في اللي حصلها بس حاسة بالذنب وقلبي بيوجعني علشانها فلما الاقي حاجة بتبسطها هسعى اني اعملها، وهي بتتبسط لما بتيجي عندنا وبتحب نونة اوي فعشان كده هفتح بابي ليها.

جوانة تتفهم شعور ورغبة ندى الاخيرة وتتفق معها ولكن اعتراضها ذلك سيجعل اويس يدخل لحياتها اكثر ويقتحهما دون اي عناء، انها تجاهد مقاومته وتقتل كل شعور يذكرها به، فقلبها الخائن يقبل الركض اليه دون ان يكترث حتى لِم مضى.

اليوم التالي
غادر اويس مُتجهاً لشركته حين أتاه اتصال من المستثمر، تملكه التوتر والخوف والقليل من آلامل، كان قد وصل المستثمر وبدأ في الحديث
- انا وافقت على اني استثمر في شركتك برغم انها على وشك الإفلاس لسبب واحد وهو اني واثق فيك، دي مش اول مرة نتعامل مع بعض ومن معاملتي السابقة معاك انت اثبتلي انك كفؤ وأنك مش هتسيب شركتك تنهار وتختفي بالسهولة دي، فأتمنى المرة دي تكون قد الثقة دي.

غمرت اويس السعادة والحماس لقول السيد امين، وقد شكره وأكد له انه لن يخذله ابداً، وقبل مغادرة الاخير دعاه لحضور حفل زفاف ابنه وقد أكد عليه الحضور.
فور مغادرته اتصل اويس ب جاسر ليخبره بِم حدث
- وخدت الاستثماار يا جاسر خدته، الحمدالله الحمدالله
- ياااه مش قولتلك، يلا مبروووك عليك يا درش
- الله يبارك فيك، يلا بقى اعزمني على كباب يلا
- مش فاضيلك دلوقتي اتسهل
ضحك اويس قائلاً
- اهرب من العزومة اهرب.

- هيبقى ليك عندي عزومة بس دلوقتي ورايا شغل لفوق راسي وعايز اخلصه
- وهتخلص شغلك ده امتى؟
- لا القضية دي مطولة معايا
- ربنا معاك بقى، انا هروح الفرح لوحدي على كده
- فرح إيه؟
اخبره بدعوة السيد امين له، فأقترح جاسر
- طب ما تاخد جوانة؟
- فكرت للحظة، بس مش هترضى ابداً
- حاول
- خلاص هشوف.

بدأ الليل يسدل ستائره في حين كان اويس في طريقه للعودة لمنزله، توقف عند إحدى بائعي الورود ليشتري منه واحدة ويتجه بها بعدها لمحل جوانة التي لم تُكلِف نفسها ان تلتفت وتنظر له حين سألها عن أحوالها، كذلك لم تُجيب، فأستردف مُتسائلاً بغرض استفزازها
- مش بتردي على زباينك كده طبيعي!
- لو كل الزباين اللي عندي زيك ف ايوة طبيعي، بس انت حالة شاذة للاسف.

اجابته ببرود وهي تحرك كتفيها، ابتسم وغمغم بأسف ساخر، تنهدت بقوة قبل ان تخبره بإقتضاب
- لو عايز افصل لك حاجة على عيني وراسي، إما لو جي عشان تضيع وقتك ووقتي فبقولك ا...
ابتلعت باقي كلماتها حين التفتت ووقعت نظراتها على باقة الورد الذي يحملها، خرج سؤالها من بين شفتيها دون إدراك منها ليجعلها ترغب بضرب نفسها بعدها
- دي ليا؟ واية المناسبة؟
رفع حاجبه وهو ينظر لها بدهشة مُستنكراً
- ليكي؟، مين قال انها ليكي!

ادركت الموقف المحرج الذي وضعت نفسها به لكنها تمالكت الموقف قائلة بشموخ
- احسن، واصلا حتى لو كانت ليا مش هقبلها
- هنشوف
رفع زاوية فمه بخبث وهو يتمتم بذلك، اعلمها بإستمتاع وهو يهم بالمغادرة
- هحتاج تفصلي فستان خلال ايام، فهبقى زبونك أبو حالة شاذة
رمقته بإنزعاج وهي تهتف بحنق
- مش بستقبل زباين زيك
وصلت كلماتها أليه لكنه كان قد اختفى من امامها تماماً.

بعد مرور فترة وجيزة، شعرت جوانة بالتعب لذا انهت ما بيدها سريعاً لتغلق المحل وتصعد لترتاح، أقنعت ندى بصعوبة بعدم رغبتها في تناول العشاء معها لشعورها بالشبع والتعب كذلك، دلفت لغرفتها والقت بجسدها على الفراش وهي تغلق عينيها وتتنهد براحة، فتحت عينيها ونظرت بجانبها حين التقطت انفها رائحة الزهور الموضوعة بجانبها، عقدت حاجبيها بإستغراب وقد شبهت انها مثل ما تخص اويس، اخذت البطاقة لتقرأ ما مكتوب بداخله.

ولو مش ليكي هتبقى لمين غيرك!
رفعت رأسها ونظرت حولها بريبة، نهضت ونادت على ندى من باب غرفتها وسألتها
- هو اويس جه هنا؟
- لا، حبيبة جت خمس دقايق ومشيت بعد ما جه اويس
تعلم ندى سبب سؤال جوانة، ابتسمت بمكر بعد ان كذبت عليها، فمن الصعب أخبارها انها هي التي وضعتها لها حين طلب اويس ذلك منها.

عادت جوانة لغرفتها، نظرت لباقة الورد بطرف عينيها والتقطت البطاقة لتستلقي بعدها على الفراش وتقرأ محتواها مرة اخرى فترتسم على شفتيها ابتسامة جاهدت على إخفائها لكنها فشلت بكل سهولة، وقد رأتها ندى التي كانت تراقب رد فعلها الذي أرضاها وأشعرها بالراحة.

عصر اليوم التالي
نزلت ندى للمحل لتساعد جوانة في إنهاء عملها بينما أرسلت نونة لتلعب مع تؤام فاطمة، كانا يتحدثان عن أمور عدة وفي المنتصف أتت ندى بحديثها
- صحيح يا جوانة، عندي فرح صاحبتي اخر الاسبوع ده وبفكر اروح، فأية رأيك تيجي معايا؟
- ورايا شغل وعايزة اخلصه، فمعلش مش هقدر
- اومال انا جاية اساعدك ليه؟
افصحت ندى عن نواياها بشموخ، هزت جوانة رأسها بأسف وهي تتهكم
- وانا قولت هي حنت عليا ليه فجأة!

ضحكت ندى قائلة
- مش عايزة اروح لوحدي فهتيجي عشان تونسيني
- خلاص متروحيش
هزت جوانة كتفيها بلامبالاة لتثير حنقها
- هتيجي يا جوانة يا حبيبة قلبي، ها!
قالتها ندى برقة وهي تلمس على كفها تستعطفها بنظراتها، فابتسمت جوانة وقالت
- بتستغليني كتير عشان انا طيبة
ابتسمت ندى وهي تهز جسدها بحماس ثم قالت بحيرة
- بس هنلبس إيه؟

مساءً
حين عاد أويس من عمله اتجه أولاً لرؤية جوانة في المحل، انتظر خارجاً الى ان غادرت احدى زبائنها ثم دخل، كانت تلويه ظهرها، فقام بتغيير نبرة صوته وهو يسألها
- ها هتقبلي طلبي امتى؟
- طلب إيه؟
سألته بحيرة وهي تستدير بملامح هادئة تغيرت حين رأته، اتسعت ابتسامته وهو يعود لصوته الطبيعي
- مش انا زبون عندك!
- انت مش وراك غيري؟
- ايوة، مليش غيرك.

كان لكلمته تأثير عليها لكنها تحكمت به تمامً، تنفست بقوة قبل ان تلويه ظهرها لتعود لعملها مصطنعة الهدوء
- عايز تفصلي فستان احمر قصير...
نظرت له من فوق كتفها رافعة احدى حاجبيها قائلة بإستنكار
- نعم!، فستان؟
- ايوة، عايزة تعرفي لمين؟
سألها بخبث، زفرت جوانة بضجر قائلة وهي تعود لعملها
- مش هاممني
اقترب منها ليهمس في اذنها
- بجد؟

اجفلت لقربه المُفاجئ، فأرتد جسدها للخلف وكادت ان تسقط لكنه كان مُدرك لِم سيحدث لذا انقذتها ذراعه الذي حاوطت خصرها برفق، كانت على وجهه ابتسامته الجذابة التي تريد تمزيق وجهه بسببها، سألها بخفوت
- احلويتي كده ازاي؟
توردت وجنتيها وشعرت بالحرارة تنبعث من جسدها، بلعت لعابها واخرجت حروفها بصعوبة
- ابعد عني
- المرة دي بس.

لمعت سماء عينيه ببريق يملئه الحب وهو يخبرها ذلك بهيام، رفعها لتعود لموضعها المستقر، غمز لها قبل مغادرته تاركاً إياها في حالتها التي لا يرثى لها، هل ستصاب بهذه الحالة المُخذية كُلما يقترب منها!

مرت عدة ايام على توقف اويس عن إزعاج جوانة التي شعرت بالغرابة من ذلك، كانت تراقبه بالخفاء في الصباح حين يغادر باكراً على تمام الساعة السادسة صباحاً وحين يعود بعد منتصف الليل وهو يبدو عليه الإرهاق، كانت تكذب على عقلها مُبررة فعلتها بأنه الفضول فقط ولا شيء اخر، بينما كانت ندى ترى فعلتها كل يوم واليقين تملكها بشأن هذان العصفورين، ظل ذلك الوضع حتى نهاية الاسبوع.

- يلا يا عمتو بقى كده هنتأخر على العروسة
هتفت بها نونة بضجر وهي جالسة بفستانها الأحمر، خرجت جوانة التي كانت قد انتهت من وضع اخر لمسات مكياجها.
- خلصت ياستي اهو، فين ندى؟
أتتها اجابة ندى من جانبها التي استنكرت بعدها
- انا اهو، إيه ده ملبستيش فستان ليه؟
- انتِ ياللي صاحبة العروسة مش لابسة، فأنا اللي معرفهاش اصلاً ألبس؟!
هزت ندى رأسها بإقتناع ثم تأملتها من رأسها حتى اخمص قدميها، ابتسمت برضى قائلة.

- بس الجاب سوت دي حلوة وشيك اوي، وانتِ طالعة حلوة النهاردة
- انا احلى طبعاً
اتى ذلك الصوت الطفولي من تلك الصغيرة التي تقف بينهما تجذبهما من كفيهما للمغادرة.

وصلا للفندق ودخلا القاعة وجلسا، بعد فترة وجيزة نهضت ندى قائلة
- هروح الحمام مع نونة وأجي
- بس العروسة خلاص وصلت، استني تشوفي الزفة الاول
- مش هينفع نونة تفضحنا
قالتها بتعجل ثم غادرت مع نونة التي كانت طبيعية جداً، اتجهت ندى لخارج الفندق بعد ان أرسلت رسالة ل اويس
- جبت جوانة، روح لها
- رايحين فين يا ماما؟
سألت نونة بفضول فأجابتها ندى بمرح
- هوديكي الملاهي اللي هناك دي.

نهضت جوانة لتقترب وتشاهد دخول العروسين بإبتسامة سعيدة لهما سرعان ما تحولت لحسرة وحزن، فهي لم تحظى بزفاف ولم ترتدي الفستان الأبيض الذي هو حلم كل فتاة، حتى انها لم تحظى بقصة حب حقيقية، استغفرت الله وطعنت ذلك الشعور بداخلها لتعود بسعادتها لهما والدعاء لهم.

اتجه كل ثنائي حاضر الى منتصف القاعة لمشاركة العروسين في رقصة السلو، لذا تراجعت جوانة للخلف وعادت لمقعدها لكنها لم تجد ندى التي تأخرت كثيراً، التقطت هاتفها لتهاتفها لكنه كان مُغلق لذا فكرت انها تذهب خارجاً لتبحث عنها، لكنها حين استدارت وجدت جسد مقابل لها فنظرت لوجهه وجدته اويس!، ما الذي احضره الى هنا؟، قبل ان تخرج حروفها وجدته يبتسم لها بجانب إمساكه لرسغها ليسير بها لمنتصف القاعة ثم يضع ذراعيها على كتفه ويحيط خصرها بكفيه ليقربها منه، اما هي قد كانت في حالة ذهول وعدم استيعاب لمِا يحدث ولوجوده.

- مبسوط انك جيتي
قالها اويس بجانب اذنها، فأستيقظت من حالة ذهولها وأدركت اقترابه ووضعهما لذا سحبت ذراعها بجانبها سريعاً وارادت ان تبتعد بجسدها لكنه احكم محاصرتها، فأنفجرت بأسألة عشوائية والتي تدور بداخلها في هذه اللحظة
- ابعد عني، انت ازاي هنا؟، ازاي تقرب مني بالطريقة دي؟، لحقتني ولا إيه؟ وناوي على إيه ها؟، ومش ناوي تسيبني في حالي بقى!
اجابها بسلاسة على سؤالها الاخير.

- سايبك في حالك بقالي كام يوم، مش كفاية!
- لا مش كفاية، عايزاك تسيبني في حالي خالص
عقد حاجبيه وقال بخبث والابتسامة تتراقص على شفتيه
- بجد!، مش حاسس بيها ليه!، انا كنت حاسس بيكي من ورا الباب على فكرة
- نعم!
اتسعت مقلتيها وتسارعت ضربات قلبها اكثر مما قبل وقد احمر وجهها بأكمله، كيف علم بشأن مراقبتها له!، هل حقاً شعر بها! لكن كيف ذلك!، بلعت لعبها وتلعثمت وهي تدفعه بعيداً عنها
- ابعد عني.

- قولتلك اخر مرة اتقابنا اني مش هسمح بكدة، هفضل قريب منك ومش هتقدري تبعديني
اخبرها بحسم بجانب نبرته الحانية، ألصقها به ليشعر بأنفاسها على رقبته بينما يهمس بجانب اذنها بطريقة أشعلت مشاعرها التي اخمدتها من ناحيته
- من النهاردة مش هقبل مراتي تبعد عني، النهاردة هيبقى بداية قصة حبنا، هنسيكي اللي فات لا ده انا هحرقه، هأكدلك نيتي وحبي...

توقفت الموسيقى وعاد الجميع لمقعدهم، احتضن اويس كفها بقوة خوفاً من سحبها له، واتجه بها ليسلم على السيد امين ويقدمها له بلقب زوجته، لم تهدأ دقات قلبها ابداً حتى انها شعرت بأن كل هذا حلم، بداخلها شعور ينبض بالسعادة لإمساكه بيدها وقربه منها وكلماته، لكن ذلك الخوف الذي بداخلها يذبذب قرارها وقدرتها على الاستسلام له ولحبهما.

اخذها مغادراً القاعة مُتجهاً بها لمكان طبيعي هادئ قريب من الفندق، توقفت في منتصف الطريق ساحبة يدها بحدة ليستدير وينظر لها فواجهته بغضبها الذي يناقد استسلامها له منذ ثوان.

- انت فاكر نفسك إيه؟، يعني لما تقول الكلمتين دول كده هتسحرني وهوافق نرجع؟، ايوة انا اتأثرت بكلامك مش هنكر وبقربك مني لأني لسة جوايا جوانة الغبية اللي بتحبك بس لا، انا مش هخلي جوانة اللي جوايا تهزمني وتخليني أسامحك، انا مينفعش أسامحك، مينفعش نبقى مع بعض
خرج اويس عن هدوءه سريعاً ليواجهها بإنفعاله وعتابه.

- ليه مينفعش؟، ليه بتبني حواجز جواكي وتقنعي نفسك ان مفيش فرصة اننا نرجع؟، ليه مُصِرة على انك تعذبي نفسك!، اللي فات كفرت عنه وقولت هعوضك على اذيتي ليكي، فأنتِ عايزة إيه تاني!
تنفست بقوة وهي تجول بنظراتها حولها محاولة كبح دموعها، لكن ظهر في نبرة صوتها خنقتها
- انا معرفش، معرفش انا عايزة إيه، بس مش هبقى مرتاحة لما ابقى معاك، ومش مرتاحة دلوقتي
نظرت له وقد سالت دموعها، سألته بأستياء.

- انت رجعت ليه؟ انا كنت عايشة كويس قبل ما ترجع، ليه لازم تكون قدام عيني!، انت مخليني واقفة وسط دايرة من النار، خايفة اقرب منك اتأذي..
قاطعها وهو يقترب منها ويسألها بجدية
- يعني مش عايزاني في حياتك؟، لو فعلاً سبتك في حالك مش هتدوري عليا!، مش هتندمي!
- مش خايفة من اني اندم، ومش هرتاح حتى لو مشيت، انت مش عارف الصراع اللي جوايا عامل ازاي..

انهت قولها بقهر ثم استدارت لتتركه وتغادر لكنه لحق بها وأعاق طريقها، التقط كفها ليحضتنه ويحدق في حدقتيها قائلاً بصدق
- ثقي فيا، هنهي صراعك ده وهرسيكي على البر، انتِ بتحاوطي نفسك بسور متين ملهوش داعي صدقيني
هزت رأسها رافضة ذلك وهي تتراجع فترك كفها وقد بدأ يشعر بالإختناق، امر إقناعها مُحال لذا سألها بغضب وحزم
- خلاص يعني مش عايزاني في حياتك؟، مش هنرجع لبعض!، هترتاحي لما ابعد؟

لم يجد منها اي رد فعل يحفزه على البقاء راسخاً ولا يصل لحد الجنون الذي وصل له الان.
- ماشي، شوفيني وانا بموت قدامك عشان ترتاحي وتعرفي تعيشي حياتك صح
كانت عينيه تُظهر مدى جديته وإصراره، لكنه كان يتجه لمنتصف الطريق وهو مُتأكد انها لن تتركه، ذلك الأيمان الذي بداخله بشأن علاقتهما مازال ينبض، بداخله بعض الطمأنينة، اما اذا لم تسرع له فلا بأس ان تُكسر له ذراع او قدم حتى تشعر بالذنب إتجاهه.

حين رأته جوانة يتجه لمنتصف الطريق التفتت لتعطيه ظهرها، تخبره انها لا تهتم، لكن قلبها لم يستطع ان يلتفت ويمضي مثلما أراد جسدها، جعلها مُذبذبة ووضعها في منتصف صراعها لتقرر الآن وتحزم الامر، إما ان تغادر وللأبد دون وجود فرص اخرى او انها تقبل به وتتخطى خوفها لتصبح معه سعيدة.
استدارت لتنظر ل اويس، هتفت
- هتقدر تنسى اللي عمله احمد اخويا؟، وإزاي هتقدر تتعايش مع أي تجمع هيجمعك بيه لأني انا اخته؟

- انا بحبك انتِ وعلاقتي بيكي انتِ مش هو، انا بحبك لأنك انتِ، وممكن مع الوقت اقدر اتعامل معاه على انه اخوكي، متقلقيش هقدر أتعايش
شعرت بصدق اجابته وأنه قادر على فعل ما قاله، تنهدت بشيء من الراحة وقد شقت الابتسامة شفتيها
- طب على فكرة الطريق فاضي ومفيش ولا عربية تقدر تنفذ أُمنيتك وتموتك.

تراقصت نبضات قلبه على نغمات سعادته حين رأى بريق ابتسامتها الذي انعكس فوق شفتيه وهو ينظر لها ويراها تركض اليه ففتح ذراعيه مُستقبلاً إياها بإشتياق، عانقها بقوة واستنشق رائحتها التي افتقدها، قبل عنقها ثم ابتعد ونظر لوجهها ليشبع منه، سالت دمعة منه لفرط سعادته بعودتهما كما سالت دموعها هي أيضاً، قبل جبينها ثم عاد ليعانقها مرة اخرى وهو يتمتم
- وحشتيني، وحشتيني اوي اوي، اكتر مما تتخيلي.

ابتعد لينظر لها ويخبرها ليُطمأنها
- أوعدك انك مش هتندمي على قرارك، أوعدك مش هأذيكي ابداً واني هبقى قد ثقتك دي
ابتسمت جوانة له وهي تهز رأسها برضا ثم تعود لتعانقه، لقد قررت ان تتخطى هاجس خوفها، قررت تحدي نفسها وأرضاءها، انها تستحق ان تصبح سعيدة مع من تحب، انها ترغب بقربه وبشدة لذا تُعلن إستسلامها له.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة