رواية غوثهم يا صبر أيوب ج1 للكاتبة شمس محمد الفصل الثمانون
أغمض مُنذر عينيهِ يحاول اقتباس السلام من الهدوء المحاوط له ليجد فجأة سكينًا وضِعَ على عنقهِ جعله يفتح عينيه فجأةً لتتسع كلتاهما حتى وصلتا لمرحلة الجحوظ فيما تحدث هذا الشخص المُلثم بنبرةٍ مكتومة: بالشفا وأبقى سلم على أبوك وابن عمك.
لم يأمن ولن يأمن وحقًا يبدو كأن الدنيا اعتبرته غريمًا لها لكي تحارب لأجل التخلص منه منذ أن وضعته أمامه طفلًا رضيعًا وحتى أصبح شابًا يافعًا، وكأن مهمة قتله والتخلص منه هي المعضلة الأكبر في الحياة ليكون كمن قيل عنهم ابن موت وهو منذ أن وُجِد نُضفةً بداخل رحم أمه كُتِبَ عليه الموت.
طالت السكين عنقه وقبل أن تقوم بأداء مهمتها تمامًا، حينما جرحت عنقه كان خرج هو من مرحلة ذهوله المفروضة عليه بفعل دهشته وركض من الفراش يُخلص نفسه من هذا المعتدي وهو يبحث عن سلاحهِ لكي يدافع به عن نفسه، وقتها لم يَطل الخزانة حتى يفتحها فوجد الأخر يهجم عليه من الخلف يقبض على عنقهِ بكلا كفيه معًا، يبدو أنه حارب لأجل مهمته هذه فلم يكن أمامه سوى القضاء على هذا الضعيف الذي حارب لأجل البقاء حيًا، لأول مرة يتمسك بحياتهِ بعدما ألقاها مرارًا وتكرارًا في وجه المخاطر لعل حياته تنتهي ذات يومٍ.
حينها استغل التدريبات التي تلقاها على أيدي أفراد العائلة الملكية التي قامت بخطفهِ وقام بضرب الرجل في منطقةٍ ما وهو يعلم أثر فعلته جيدًا وتيقن من ذلك حينما نجح في إبعاد الأخر عنه وهو يتألم بنبرةٍ مكتومة فيما سحب مُنذر السكين وأقترب من الأخر لكي يضربه في كتفهِ بها وقبل أن يطوله صفعه الأخر ثم دفعه حتى أرتطم بالطاولةِ، ونظرًا للفارق الجسدي تغلب الأخر عليه بكل سهولةٍ ثم خرج من الشقةِ ركضًا كمن لاذ بالفرار.
تركه أرضًا عنقه ينزف بسبب الجرح الذي توسطه وعظامه تؤلمه بشدة كما أن الصفعة أدت إلى اختلال توازنه وألم بسائر جسده، في الطبيعي هو يملك القوة للرد على ذلك، لكن عنصر المفاجأة هو الذي بعثر كل هذا الثبات، بكى رغمًا عنه حينما أشتد الألم عليه ولم يجد يدًا تسعفه.
بكى وهو يتسطح الأرض دون أن يستند على ذراعٍ يشدد من أزرهِ، وحينها حارب لأجل أن يعتدل بمفرده وهو يحاول أن يساند نفسه بنفسهِ وما إن نجح في ذلك والعبرات تنساب على وجنتيهِ ألقى جسده على الفراش، لم يكن البكاء لأجل ألم جسده، بل لأجل روحه المُعذبة، يبكي لأجل حياته التي كتب عليها الموت منذ أن وُلِدَ في هذه الحياة، وقد سحب هاتفه يطلب الرقم الذي يعلم أنه لن يتأخر عن معاونته.
أخرج رقم أيوب الذي أخبره وجعله يقسم له أن يهاتفه حينما يحتاج إليه، في هذه اللحظة لم يجد غيره مُنقذًا له، وبالطبع هو لازال حكيمًا وهادئًا في تصرفهِ والتهور لم يكن من صفاته، وهو حاليًا في أشد الحاجة إليه لذا هاتفه بأنامل مرتعشة بسبب ألم جسده وقد جاوبه الأخر بنبرةٍ ظهر بها أثر النعاس: السلام عليكم خير يا مُنذر.
رد الأخر موجزًا بنبرةٍ جامدة حتى لا يُظهر بها ألمه وضعفه بالرغم من أنه شعر بتوقف ضربات قلبه: أنا محتاجك دلوقتي، ممكن تيجي؟
انتبه الأخر لصوتهِ الذي بدا على عكس طبيعتهِ وقد أخبره بسرعة المجيء إليه وحينها أغلق الهاتف ثم ترك غرفته وابن شقيقه بها ثم حمل سترته يضعها على جسده بحركاتٍ سريعة وما إن فتح باب الغرفة وجد حينها والده في وجههِ فهتف الأخر بنبرةٍ قلقة يسأله: رايح فين كدا؟ وبتجري كدا ليه؟
التفت برأسه يخبره بنفس العُجالة: معلش يا بابا، مُنذر كلمني وشكله تعبان، دا أمانة في رقبتي، عن إذنك ومتقلقش الموبايل معايا وهكلمك ولو مجيتش هنا تعالى ورايا على المسجد، السلام عليكم.
رحل وترك والده الذي نظر في أثره بمشاعر مختلطة نطقتها عيناه ما بين الفخر والفرح بقلب ابنه وبين الخوف والقلق عليه، لكنه يعلم في قرارة نفسه أن ابنه يُعد غوثًا بفضل المولى وحده عز وجل، لكن ثمة شيئٍ أنبئه بخطرٍ ما لذا ترك موضعه وخرج خلف ابنه لكنه تمهل في خطواته لكي يترك لهما حريتهما.
في نفس التوقيت بمكانٍ أخرٍ
تحديدًا ببناية العطار الخاصة بسكن يوسف.
صدمة قاتلة ألقتها شهد أمام الجميع وخاصةً عهد و قمر اللاتي نظرتا لبعضهما فيما وقف يوسف أمامها لا يصدق ما فعلته هذه الحرباء الملونة، أكان يعطيها سره يومًا لكي تُفشيه أمام الجميع دون رأفةً به؟ توتر بشدةٍ وتنفس بحدةٍ ووقف يفكر في موقفه ليجدها أقتربت من زوجته تسألها بتهكمٍ:.
ياترى البيه اللي خاطف جوزي عنده قالك إنه مريض وكان في مستشفى أمراض عقلية؟ ولا ماشي يسوق الهبل على الكل وخلاص وسيادتك مخدوعة فيه؟
حسنًا هي هنا لكي تنتقم وليس إلا.
اللعنة عليها وعلى لسانها وعلى رأسها الفارغة هكذا سبها بداخلهِ، وقد حرك رأسه بعيدًا عن عهد لكي يهرب منها وأغمض عينيه حينما وُضِعَ في أكثر المواقف التي لا يُحسد عليها، يود الآن أن يصبح كل ماهو به حلمًا وليس واقعًا، فهاهي تتحقق أكبر مخاوفه أمام مرأى عينيه، أرتفعت حركة صدرهِ صعودًا وهبوطًا وقد رفعت عهد صوتها ردًا عليها بانفعالٍ أجج غضبها داخل قلبها:.
أنتِ مجنونة! محدش هنا مجنون غيرك أنتِ، جاية تخربي كل حاجة علشان الغل مالي قلبك، لو فيه حد يستاهل مكان زي دا هو أنتِ مش حد غيرك.
رفعت شهد حاجبيها باستنكارٍ قاصدة التقليل من الأخرى وهتفت بنبرةٍ تهكمية ترد عليها بنفس الاستهتار:
والله! وخطفه لجوزي دا إيه؟ وشغل جنونه دا إيه؟ بلاش حُبك ليه يعميكِ أنه مريض وأفعاله مش موزونة، أهو عندك يكدبني في اللي بقوله، ماتقول لحبيبتك إنك كنت في مستشفى المجانين يا يوسف.
أغمض عينيه وهو يبتلع ريقه الذي نتج عن ابتلاعه انتشار الألم في حلقه وأذنيه وكأن الغصة حضرت تحتل المكان على الفورِ، فتح عينيه وحركها نحو عهد الذي رأى ألاف الأسئلة في عينيها التي ذرفت الدموع دون دراية منها وحينها أعتذر منها بعينيهِ وحرك رأسه نحو فاتن وهتف بنبرةٍ منكسرة لأول مرة يتحدث بها وكأنه استسلم للوجع بداخلهِ:.
مبسوطة؟ ارتاحتي كدا! هو دا حُبك ليا اللي بتتكلمي عنه؟ يا شيخة ملعون أبو دا حب على أبو اللي عاوزه لو هييجي منك بالشكل دا، أعمل إيه تاني علشان تسيبيني؟ أعمل إيه علشان تحلوا عني؟ ها!
أخفضت رأسها هي تهرب من كلماتهِ بينما هو صرخ بكلمتهِ الأخيرة وهو يسألها بوجعٍ على الفور سكن عينيه ليعلن عن نفسه في بيتهِ الجديد مُتباهيًا بسكنهِ مما جعل الأجساد تجفل نتيجة صراخه بينما هو أولاها ظهره ثم تحرك نحو شقته يَجُر خلفه نادر الذي وقف بالفعل على أعتاب الشقة يتابع ماحدث بعينين مذهولتين مما يراه وحينها دفعه يوسف يهتف بنبرةٍ هادرة من حنجرته التي لم ينفك عنها الوجع:.
روح لأمك، مشوفش وش حد فيكم تاني، فاهم!
دفعه تجاه زوجته فيما هتفت شهد بنبرةٍ عالية تصرخ في وجههِ بعدما كرهت تعامله مع زوجها أو باعتباره الآمر الناهي وحده:
بطل شغل الجنان دا بقى، واخده عندك وبتذله وزعلان أوي علشان بقول إنك مجنون! ما تبطل طبع السيطرة دا وإن كلنا شغالين عندك وأنتَ اللي بتؤمر على الكل، أنتَ ولا حاجة لولا شوية القوة وفتحة الصدر دي.
في هذه اللحظة تدخل نادر يضغط على مرفقها وهتف بنبرةٍ جامدة يهدر من بين شفتيه مُنفعلًا فيها:
أنتِ كدا زودتيها أوي بقى وأنا مش هتحمل.
طبعًا، ماهو لعب في مخك أكيد مش هتستحمل.
ردت عليه بذلك ولم تعلم هي أن ما تفعله بداخلهِ بطريقتها وحديثها، لم تفهم كيف تتسبب في ضررهِ حد القتل الغير رحيم، لم تعلم أنها فكت حصار ساكني رأسه، بهذه الطريقة يمكن له أن يقتلها لكن صوت عهد التي وقفت أمامها تصرخ فيها هو الذي أخرجه حينما قالت بنبرةٍ عالية:
أنت تستاهلي فتح دماغك، لو عندك دم أمشي.
ها هو يتم وضعه بداخل صراعٍ جديدٍ، مشاجرة حادة بداخل رأسهِ ومشاجرة أخرى أمام مرأى عينيه وهو يعجز حتى عن استيعاب مكانه ولم يكن أمامه سوى الصراخ من جديد هاتفًا بنبرةٍ عالية في الجميع:
بس! اسكتوا كلكوا مش عاوز صوت من حد، بس، بس، أبوس ايديكم بس بقى.
توسلهم جميعًا بالتوقف والكف عن هذه الغوغاء لكن الأصوات بداخله لم تتوقف بل ازداد صوتها أكثر ولم يكن أمامه سوى أن يقف أمام نادر يتوسله بقولهِ:.
خد مراتك وأمك وأمشي من هنا، سيبني في حالي علشان دقيقة كمان لو حد فيكم مات في أيدي أنا مش هبقى عليه، أمشي يا نادر.
لاحظ نادر حالته ووقف يتابعه وقبل أن يتحرك يوسف نحوهم سحبته فاتن التي أدركت خطورة وقوفها هنا وأن مجرد بقائها أمامه قد يتسبب في كرها أكثر لذا أخذت شهد من ذراعها ولأول مرة تتصل نظرات يوسف بنظرات نادر والأخر يعاتبه على خيانة ثقته التي كان سيضعها فيه، بينما الأخر أثناء تحركه حرك رأسه نفيًا يعتذر منه ويخبره أنه لم يفعلها لكن السيف قد سبق العزل وأصدر الأخر الحكم عليه.
كانت قمر تقف بجوار زوجة شقيقها تطالعه بعينين باكيتين أظهرت كلتاهما الشفقة عليه وما إن تلاقت نظراته بنظراتها و رأى هذه النظرة ارتسم الألم على ملامحهِ وهو يسألها بعينيهِ: ألا زالت تراه مُستغلًا رغم ما تسببوا فيه
طالت نظراتهما معًا وحينها هرب هو من سلطة عينيها رفع صوته يحذرهن بقوله حينما وجد أمه تقترب منه وهي تحاول التحدث:
محدش يقرب مني، خليكوا بعيد أحسنلكم، محدش يقرب.
وقفت غالية تطالعه هي الأخرى بقلبٍ يصرخ باكيًا لأجله وهي تود خطفه داخل ذراعيها وحمايته مما رأه وعاد له لكي يذكره بحجم الألم الذي عايشه لكنه أوقفها عن الإقتراب حينما هدر بنبرةٍ عالية وكأنه أصبح شخصًا جديدًا غير الذي وقف أمامهم من دقائق قليلة:
قولت محدش يقرب مني!
ألقى جملته ليجفل جسد الثلاثة ثم نظر لزوجته التي طالعته بحيرةٍ دون أن تفهم ما يفعله هو لكنه تركها وترك الجميع وركض من أمامهم يترك البيت بأكملهِ هربًا من نفسه قبل الهرب من نظراتهِ، يركض قبل أن ينهار مُجددًا كما فعل يوم وفاة حكمت ويُغمغم بكلماتٍ غير مفهومة، رحل وهو يبكي بداخلهِ حتى وصل لسيارته وحينما وقف يفحتها وجد عهد خلفه وهي تلهث بأنفاسٍ متقطعة وحينما شعر بها تحدث دون أن يلتفت لها بقوله يحذرها:.
أطلعي، أحسنلك أطلعي لو مش عاوزة تخسري حاجة، أطلعي أنا مش ضامن نفسي، أطلعي.
صرخ فيها بينما تسمرت هي محلها وقد جمدها هو بكلماتهِ ونبرته، لم تتوقع أن يفعلها ويهرب منها، لم تتوقع أن تكون طريقته معها بهذا الجفاء وقد ركب سيارته ورحل من أمامها وهي تقف باكيةً على حبيبٍ يتألم وزوجٍ يتعذب وبدلًا من مصارحتها يتركها ليلوذ بنفسهِ في حين أن الألم يقتلها أضعاف ما يقتله هو.
أما هو فركب سيارته وقادها بسرعةٍ تنافس سرعة البرق، ركب يهرب من الجميع وقد سمح لنفسه أن يظهر بصورة القاسي المتجبر أهون على قلبه الإنهيار أمام أعينهم وتحاوطه نظرات الشفقة، رفع كفه يشد خصلاته بعنفٍ واستمع للحديث الدائر بداخلهِ حينما ازدادت حدة المُشاجرة ليصله صوت الأول بتهكمٍ:.
شوفت! مش دي اختيارك؟ مش دي اللي قولتلك بلاش تعرفها حاجة عنك ومتديهاش الأمان، قولتلك دي لأ، دي متعرفش تبقى بيت لحد، جاي دلوقتي تشيلني الهم معاك؟
تدخل الأخر يهتف بنبرةٍ منكسرة كُليًا بعدما لاحقه الخذلان:.
أنا كنت أعرف منين؟ الغدر طلع في دمها، بتنتقم مني لمجرد إني بعيش حياتي في الوقت اللي هي رمتني فيه، أنا كنت فاكر إن السر دا هي هتحافظ عليه وتراعي أي حاجة ليا عملتها علشانها، أنا مش قصدي إنها تكون جرح العمر كله.
تدخل الثالث يهتف بنبرةٍ جامدة فيهما معًا:.
براحتكوا خالص، بس فيه واحدة تانية أهم من كل دا، فيه عيلته اللي هو سابهم ومشي وفيه مراته اللي لسه كان عندها أمل فيه، أهو خبا عليها استفاد إيه بقى؟ ولا أي حاجة، وطبعًا عارفين هيعمل إيه.
أغمض يوسف عينيه بعدما فاض به الكيل من التراهات بداخل رأسه، يود البكاء وإفراغ طاقته حتى لو قتل أحدهم لعل ذلك ينجح في تهدئة غضبه، نظرة قمر وحدها جعلته يهرب، فماذا إذا رأى نظرات أمه؟ هل نظرة الانكسار على صغيرها ستروقه أم أنها ستغضب المُتحكم بداخلهِ، كادت السيارة أن تصطدم بسيارةٍ أخرى لكنه تحكم سريعًا في الأمر وأوقف السيارة سريعًا يلهث بأنفاسٍ مُتقطعة ثم مسح عينيه حتى لا يسمح لدموعه إن تخرج من عينيه، بل يودها كما هي حبيسة داخل مُقلتيه.
صعدت عهد إلى شقتها بعدما مسحت دموعها وكففت عبراتها المُنسابة، غضبت منه ومن عنفوانه وصرخاته عليهن ولعنه عقلها بينما القلب ألتمس له العذر، رجلٌ مثله ينكسر أمام عائلته وأمام والدته بهذه الطريقة؟ مِن مَن؟ مِن مِن المفترض أنها كانت يومًا رفيقة حياته، لكن هل حقًا دلف مشفى الأمراض العقلية؟ هل تعدد شخصياته التي تعهدها هي منه له علاقة بذلك؟ ملايين الأسئلة تركض في عقلها دون هوادة وكأنها تركض في سباق العدو وكل الأسئلة فقط هو مَن يملك جوابها.
وصل أيوب إلى مُنذر فوجد دمائه على الفراش وعلى ثيابه، جرح عنقه كان كبيرًا وكذلك الكدمة الكبيرة بصدرهِ ومعهم الجرح الذي كان في كفه، عدة جروح ظهرت فجأةً على جسده جعلت أيوب يقدم له الرعاية الكاملة حينما طهر الجروح وقام بوضع الدهان الطبي عليها وعاونه حينما جلب له الأدوية ومُسكنات الآلام ثم وضعه في الفراش وسحب المقعد وجلس بجوارهِ مبتسم الوجه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:.
ألف سلامة عليك، ربنا يحوش عنك ويردلك سلامتك من تاني، مش تخلي بالك يا عم! قطر كدا يدخل يدوسك ويخرج؟
ابتسم له مُنذر بوجعٍ وأضاف بسخريةٍ أعربت عن الجرح الغائر الذي يتوسط قلبه:
وإيه الجديد يعني؟ هي أول مرة؟ أنا كل محطة أدخلها لازم قطر يدوسني شوية، في الأخر لا أنا بموت ولا القُطورات بتخلص، معلش تعبتك معايا بس أنا فعلًا عجزت عن أني أساعد نفسي، معلش تعبتك معايا.
رفع أيوب كفه يربت على كتف الأخر وهو يقول بوجهٍ مبتسمٍ ببشاشةٍ:
مش عاوزك تفكر كدا، أنتَ هنا أمانة في رقبتي والحج موصيني عليك، وأنا مقدرش أزعل الحج مني، ثانيًا بقى أنا رقبتي سدادة للغريب وعمري ما قولت لحد لأ، عاوزني أقولك لأ، لأ.
هتف كلمته الأخيرة بمزاحٍ جعل مُنذر يضحك رغمًا عنه وكذلك أيوب شاركه في الضحك حتى توقف مُنذر وهتف بنبرةٍ هادئة رافقها الحزن أو ربما الأسف:
ياريتك كنت أنتَ هو يا أيوب.
هتف الجملة بنبرةٍ وصلت للأخر بمشاعر كثيرة جعلته يُنحي بسمته ويولي مكانها الاستفسار الغير منطوق لتتصل عيناهما معًا وقد سأل أيوب بنبرةٍ وقعت تحت أثر الحيرة:
هو! هو مين بالظبط؟
حينها زفر مُنذر بقوةٍ ثم هتف بنبرةٍ مُحشرجة:.
ابن عمي، أكتر واحد اتمنيت يكون هو، بس للأسف أنتَ مش هو، أنتَ ابن الحج عبدالقادر وللأسف برضه عمي بيحبك أوي وبيحب يكون قريب منك، بس أكيد يعني دا لإنك تتحب يا أيوب ومحدش يقدر يكرهك، وبالمناسبة قبل ما تسأل أنتَ أكبر من ابن عمي بسنة كاملة ولما أتولدت تعبت جامد في المستشفى لدرجة إنك كنت هتموت وفضلت شهور تتعالج، مكانش لسه عمي خلف ابنه الأولاني، وقبل ما تسأل ماكسيم مديني كل حاجة عنك وعن حياتك، فأنتَ كتاب مفتوح بالنسبة ليا.
ابتسم له أيوب وهز رأسه مومئًا بحركةٍ بسيطة قد لا تُذكر من الأساس ثم سأل الأخر عن حياته وتفاصيلها وحينها أخبره مُنذر عن كافة لحظات عمره وكيف تمت معاملته كما لو أنه سِلعة رديئة تتبادلها الأيادي وكل فردٍ يتركها للأخر، لم يعلم كيف أخبره وكيف خرج الحديث منه ليضيف أخيرًا بنبرةٍ متألمة:.
الفكرة مش فيا ومش في ابن عمي ولا حتى مجرد عيال تايهة من عيالها، الفكرة كلها التاريخ اللي بياخدوه لنفسهم في الأراضي اللي بيسرقوها وفي الشباب اللي بيقضوا عليهم، غسيل مخ بيتعمل يسقوك بيه الوهم، الفكرة أكبر من مجرد عيل تايه وعيل بيتلعب بيه، الفكرة في الإتجار بالبشر وفي بنوك الأعضاء اللي هتبقى زي بنوك الفلوس بعد كدا، الفكرة هنا في إنهم بيقضوا على السلالات وعاوزين الكل ملهوش أصل زيهم، الفكرة أكبر من إني بدور على ابن عمي، أنا هنا بدور على حياة كاملة، شوف كام واحد زيه وغيره راحوا في سكة اللي يروح ميرجعش، صدقني الحكاية أكبر بكتير من أي حاجة ممكن تدور في خيالك.
تنهد أيوب بثقلٍ وهتف بنبرةٍ هادئة يُدلي بحكمته حينما صبغ كلماته بما هو معتاد منه ومن تفكيره:.
ربنا سبحانه وتعالى خلق كل شيء بحساب، وخلق الكون كله اللي محدش فينا عارف هو إزاي بيتحرك وإزاي الدقة دي في كل طرفة عين وأنتَ ثابت مكانك والأرض بتتحرك بيك، تفتكر يعني مهما بلغت قوتهم ومهما زاد علمهم هيقفوا في وش ربنا؟ تفتكر مهما كانت مقدرتهم فيهم حد هيقدر يعادي الخالق سبحانه وتعالى؟ ربنا جل وعلا خلق الجنة والنار وخلق الثواب والعقاب، ليه؟ علشان اللي زي دول ملهمش غير النار، زمن الفتن الناس كلها فكراه لسه مجاش، ميعرفوش إن الدنيا أصلًا بدايتها كانت فتنة، لما سيدنا آدم عليه السلام نزل الأرض واتفتن بالشجرة، أول جريمة قتل في الأرض كانت من اتنين أخوات بسبب الغيرة، يعني دي فتنة، الفكرة إننا بنلوم الدنيا والناس والعيشة والكرب وناسيين نفسنا، عارف ليه؟
كان الأخر معه بكل جوارحه وحينما ألقى أيوب السؤال عليه رفع عينيه له بحيرةٍ وحرك رأسه نفيًا فهتف أيوب بنبرةٍ هادئة يجاوب على نفسه:
في مرة الدكتور مصطفى محمود
كتب في كتاب الجسدو الروح: (اللَّهُ خلَقَ كُلًّا منَّا فردًا مفردًا فريدًا منفردًا ونسيجًا وَحده. وكُلٌّ منَّا يولَد وَحده ويمرض وَحده ويتألَّم وَحده ويشيخ وَحده ويموت وحده ويلقى اللَّه وَحده ويحاسب وَحده. ).
أنهى حديثه ثم أضاف مُستدلًا بالآية الكريمة قائلًا:
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا.
يعني قدام ربنا هنقف لوحدنا، كل واحد بطوله وكل واحد لوحده هيتحاسب على أفعاله وعلى أعماله هو وعلى قوة إيمانه، صدقني ربنا قادر على كل شيء بس ليهم ميعادهم، واحنا اللي علينا نقوي قلبنا بإيمان عامر يسكن القلوب وطاعات وتقرب من ربنا يكون عون وإنقاذًا لينا من الدنيا وشرورها، مهما طغوا ومهما فسدوا في الأرض إلا أن هناك حكمة ربنا وحده العالم بيها، هتقولي دليلك إيه، هقولك قول ربنا سبحانه وتعالى:.
(وَإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)
سكت هُنيهة قليلة ثم أضاف من جديد مُفسرًا:
ربنا سبحانه وتعالى خلق البشر في الأرض ولما الملايكة سألوه ربنا سبحانه وتعالى جل جلاله قال.
أعلم ما لا تعلمون يعني ربنا عارف اللي إحنا منعرفهوش، فبدل ما تسأل ليه الظلم دايم وليه الناس دي مبتخلصش، المفروض نملا قلوبنا يقين في الخالق، إنه القادر على كل شيء، القلوب مش محتاجة حاجة غير القوة في طريق ربنا سبحانه وتعالى، دي القوة الوحيدة اللي لا يمكن حد يستهون بيها، لأن الإنسان في الأساس ضعيف وهَش، قوته بتيجي في حالة واحدة، لما يكون في طريق ربنا سبحانه وتعالى، فاللهم إنا نسألك الثبات في الطاعات والرزق في حُبك والاكثار من شكرك.
تنهد مُنذر وابتسم له وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة يواري خلفها حزنه على نفسه في جعلها بأمور الدين:
مش قولتلك ياريتك هو؟ ربنا يكرمك ويراضيك وأدعيلي، أنا فعلًا محتاج الدعاء منك أوي، أدعيلي أنا مكسوف أدعي.
رفع أيوب عينيه له يطالعه بلمحة حزنٍ وقبل أن يتحدث معه بخصوص هذا الشأن كان عبدالقادر طرق الباب بعدما أنتظر ابنه في الأسفل كثيرًا وما إن شعر بالملل أو ربما ساوره القلق قرر أن يصعد لهما، حينها فتح له ابنه الذي هتف بنبرةٍ ضاحكة:
اتأخرت، أنا قولت هتطلع من بدري.
هتف عبدالقادر بنبرةٍ جامدة بعض الشيء:.
علي فكرة أنا استنيت كتير، بس مقدرتش وخوفت عليك، علشان عارف إنك ممكن ترمي نفسك في النار لأجل أي حد، قولت مرة آمنك أنا بقى، المهم فيه حاجة؟ طمني عليه.
أوجز أيوب في سردهِ للتفاصيل ثم أشار لوالده حتى يدخل معه وما إن دلف عبدالقادر حاول مُنذر أن يعتدل لكن يد أيوب منعته فيما أقترب الأخر يطمئن عليه بحنوٍ بالغٍ وهو يحتويه بنظراتهِ وحينها أدرك مُنذر أن هناك من يشبه عمه في قلبهِ، كما أدرك بنفس اللحظة أنه وُلِدَ لأبٍ متحجر القلب وعاش مع رجلٍ أكثر قسوة، زفر مُطولًا ثم ابتسم لهما دون أن ينتبه لحديثهما بل غرق في ألم روحه أكثر من السابق.
في اليوم الموالي تحديدًا بمنتصفهِ.
يدرك المرء في بعض الأحيان أن اللحظات فارقة والثواني مؤثرة، ثمة ساعة يحدث فيها ما يقتل المرء لتكون محفورة بداخل حوائط عقله، لحظات تمر مهما بلغت قسوتها، وهاهي تجلس في شقة والدته بعد محاولة الحصول على طريقة توصلها به لكنها فشلت، كل الطرق باءت بالفشل، أغلق هاتفه وابتعد منذ الأمس وكأنه رغب في حدوث ذلك وبشدة.
كانت غالية تتضرع بقلبها أن يعود ابنها أو يطمئنها عليه لكن الأخر يبدو أنه تلذذ بذلك كثيرًا، ألم يكفيه ألم قلبها منذ الأمس؟ ألم يكفيه أنها لم تنس لحظات الأمس؟ ألم يكفيه ألم قلبها عليه؟ كانت دموعها هي من تتحدث عن صمتها وكأن العبرات خُلقت تُشفق على القلوب المُعذبة وقد جلست بجوارها أسماء تمسح على ظهرها و عهد في الشرفة تنتظره بينما قمر في غرفتها باكيةً منذ أن نظر لها بعينين لم ولن تنس نظرتهما المنكسرة.
وصل حينها أيوب أخيرًا لهن وطرق الباب وقد وقفت عهد وخرجت تفتح الباب له فوجدته يقول بأسفٍ:
أنا روحت الكافيه مش هناك وروحت سألت عند الخيول مراحش هناك وروحت عند شغله قولت يمكن سافر برضه مش هناك، متعرفيش مكان تاني؟ أنا قولت ل إسماعيل لو وصل يكلمني، متعرفيش مكان تاني؟
حركت رأسها نفيًا وسرعان ما تذكرت أمر أرض والده، تلك الجنة التي تعلم أنه يسكنها وهي تسكنه وتعجبت كيف لم تطرأ ببالها هذه الفكرة سابقًا لكن بنفس سرعة ظهور الفكرة اختفت وساورها الإحباط حينما تذكرت أنها لم تعلم مكانها وقد لاحظ أيوب تباين ردود أفعالها فسألها بنبرةٍ هادئة:
فيه حاجة؟ لو تعرفي قولي طيب.
زفرت بقوةٍ ثم هتفت بنبرةٍ متخبطة لم تعلم بما تجاوبه:.
بص هو فيه مكان بتاع باباه، أرض هو باني فيها بيت صغير كدا بس أنا مش عارفة هي فين ولا أنهي منطقة، لأن ساعتها روحنا بالعربية ومش فاكرة اي حاجة خالص، بس أقولك، الشباب أكيد عارفين لأن عمو نَعيم كان بيخلي باله من المكان.
ابتسم أيوب لها ثم هتف بلهفةٍ أعربت عن حماسه:
طب ممكن تغيري هدومك وتيجي معايا؟ هنروح الأول عند الحج نَعيم وبعدها نروح المكان دا، لو مش حاب.
بترت هي حديثه قبل أن يُكمله وكأنها فهمت ما سيتفوه به لذا اندفعت به بغير هوادة:
استحالة أكون مش حابة، هتلاقيني خلال دقايق.
تركته ورحلت ركضًا نحو شقتها فيما أقترب هو من غالية يجلس على رُكبتيه أمامها وهو يقول بنبرةٍ هادئة يحاول طمئنتها من خلالها:.
بلاش تعملي كدا في نفسك، صدقيني هو زعلان شوية من الموقف وهيرجع تاني، زيه زي أي طفل عنيد، هو أنا برضه يا ست الكل اللي هقولك طبع ابنك؟ بس وعد مني هرجعه ليكِ بس توعديني إنك تضربيه علقة محترمة كمان، أصله معصبني بصراحة، ينفع؟
مازحها بكلماتهِ لكي تضحك وقد ابتسمت له وهتفت بنبرةٍ ودودة أعربت عن طيبة قلبها وهي تستقبل أحاديثه:
عيوني، وهحبسه كمان بس يرجع.
ابتسم بعينيه ثم حركهما نحو غرفة زوجته دون إرادةٍ منه فهتفت أسماء بنبرةٍ هادئة تحثه على أخذ هذه الخطوة:
أدخلها، هي زعلانة من إمبارح ووجودك هيفرق.
ترك محله ثم دلف غرفة زوجته بعدما حصل على إذن الولوج للداخل وما إن دلف لها وجدها ترفع رأسها نحوه بعينيها الدامعتين وقد انسابت دموعها أكثر حينما وقف أمامها وسألها بمعاتبةٍ:
كدا! طب وأنا لازمتي إيه طيب؟
هتفت بنبرةٍ باكية ردًا على حديثه المعاتب لها:.
حاسة إني زعلته مني، أنا مكانش قصدي أبصله كدا، مكانش قصدي أحسسه إنه غلط في حاجة، أنا بس ماكنتش مصدقة، أنا إمبارح شوفتها وهي واقفة قصاده تعايره وتذله واستغربت إزاي قلبها جاحد كدا، خايفة يمشي وميرجعش تاني، أنا بحبه أوي
بكت من جديد فيما أقترب منها أيوب وجلس بجوارها على طرف الفراش ثم ضمها ووضع رأسها على صدرهِ ورفع كفه يمسح على ظهرها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:.
وهو بيحبك أوي، بس معذور، أنا اتحطيت في نفس موقفه دا وأول واحدة طلعت فيها زعلي كانت آيات أختي، تخيلي؟ كانت أول مرة يعتقلوني وساعتها كنت خارج مهزوز ومتوتر ومش فاهم حاجة ولا طايق حد معايا، كنت حاسس نفسي مكسور، ولما آيات حاولت أنا طردتها ومديت أيدي وخرجتها رميتها في وش أيهم، نفس الفكرة أخوكِ، كون إن إحنا رجالة نظرة الشفقة بتتعبنا ومتسأليش ليه لأن دي غريزة فينا، أكيد اتجرح لما حاجة زي دي ظهرت بالمنظر دا قدام عيلته وأهله، هي مش وصمة عار بس، تجرح اللي منه علشان شاف معاناة زي دي.
بكت من جديد وهتفت بنبرةٍ مقهورة على شقيقها:
منهم لله، فيه إيه تاني معملهوش فيه؟ دلوقتي بس أنا عندي عذر لكل حاجة يعملها، عندي عذر لطريقته وعنفه وعصبيته، دلوقتي بس عرفت ليه زعل لما اتهمته إنه بيستغل نادر أكيد حس إني شايفاه وحش، وهو مش كدا، دا أحسن أخ في الدنيا كلها.
لثم أيوب جبينها ثم أمسك كفها يمسح على أوتاره بأناملهِ في حركاتٍ دائرية رقيقة يعلم أثرها في إخفاء التوتر من الجسد، ثم هتف بنبرةٍ هادئة يقطع لها وعدًا تعلم هي أنه كان صادقًا حينما عزم النية عليه بداخل فؤادهِ:.
بإذن الله قبل الليلة دي ما تخلص هيكون عندك أو أقل حاجة هطمن قلبك، كله بأمر الله بس أنا نيتي خير وإن شاء الله هرجعلك بيه، بس عاوزك تقومي تغسلي وشك وتصلي وتدعي ربنا يردلك الغايب وصدقيني أكبر هدية ممكن حد يديها لحد بيحبه هي إنه يدعيله، قومي يلا يا
كل ناس الأسطى وأنا هروح أجيبه وأجي، وقبل ما تسألي أنا لسه معرفتش مكانه بس فيه طريقة هتوصلنا بيه، يلا بقى.
ابتسمت له ثم رفعت رأسها تُلثم وجنته وهتفت بنبرةٍ هادئة بعدما حاولت إضافة السعادة لها أو لمحة مرحٍ هادئة:
روح هاته وتعالى وأنا مستنياكوا أنتوا الاتنين، أنا كدا كدا طول العمر مستنية ومتأكدة برضه أنكم معايا وهتفضلوا معايا، ربنا يباركلي فيك ويقدرني وأرد جمايلك.
ابتسم هو الأخر ثم أقترب منها يهتف بخبثٍ يقصد به مشاكستها أو ممازحتها بقوله:.
سيبي رد الجميل دا لحد ما نتجوز علشان دا موضوع يطول شرحه شويتين، وأنا بصراحة مبحبش حاجة تتكروت، قومي بس كدا روقي حالك وروقي على الست غالية وأنا هروح أجيبه وأجي.
ابتسمت رغمًا عنها من وقاحة كلماته ونبرته الخبيثة فيما أبتعد هو عنها أخيرًا ثم خرج من الغرفة ولحقته هي الأخرى بعدما اطمئنت بسبب تواجده، لازال أيوب هو مصدر القوة في أوج لحظات ضعفها وفي أشد الأوقات حاجةً إليه.
خرج هو فوجد عهد أمامه فأشار لها كي تتقدمه ورحل بعدما ودع الجميع وطمئنهم على الأخر وأن الأمر فقط يتطلب عدة ساعات وسيكون هُنا من جديد، وقد جلست قمر بجوار أمها التي احتضنتها تمسح على ظهرها وهتفت بنبرةٍ حزينة وهي تعتذر لابنتها:.
حقك عليا وحقه هو كمان، لو بأيدي كنت رفضت الجوازة دي من أولها، كنت بعدت عن عيلة الراوي ورحمتكم ورحمت نفسي، أذاهم طال كل اللي ليا، مفيش حد مني سلم من آذاهم حتى بيت أبويا ضيعوه مننا، أنا آسفة.
شددت قمر مسكتها لوالدتها وكأنها توقفها بهذه الطريقة عن التحدث، وقد شردت في زوجها وشقيقها وهي تفكر فيهما، الإثنان يُشبهان بعضهما كثيرًا بخلاف طباعِهما لكن نفسها الحياة المقتولة والطفولة المُغتصبة والشباب المُدمر وحظها هي فقط أنها الروح لكليهما.
بعد مرور بعض الوقت.
أوقف أيوب السيارة أمام بيت نَعيم وقد ومعه عهد التي نزلت من السيارة بسرعةٍ كبرى خاصةً مع بداية حلول الليل وكأن النهار كان هو مصدر الأمل لها، تبعها أيوب بعدما ترك لها حرية التصرف وقد خرج لهما نَعيم ومعه سمارة ترحب بهما وبعد مرور بعض الوقت من جلوسهم معًا وعُقب عبارات الترحيب هتفت عهد بنبرةٍ أقرب للتوسل:.
أنا آسفة إني جيت هنا، بس أنا متأكدة إن حضرتك عارف مكان يوسف أنا بس عاوزة أتطمن على جوزي، صدقني أنا مش عاوزة حاجة غير بس إني أتأكد إنه معملش حاجة في نفسه، منظره إمبارح كان تايه كأنه مضروب فوق دماغه، ممكن تساعدني أوصله؟
حرك نَعيم عينيه نحو أيوب الذي حرك رأسه آسفًا ثم وكأنه يخبره باستسلامهِ في الوصول إليه وحينها طلب منها نَعيم أن تخبره بما حدث وحينها هتفت بنبرةٍ متوترة حفاظًا على صورة زوجها:.
تسمحلي أحتفظ بالسبب؟ أنا بس هقولك إنه موقف بسبب شهد غير كدا أنا مش هقدر الحقيقة وهو ممكن يقول لحضرتك، أتمنى متزعلش مني، بس أكيد ليه أسبابه.
أنبهر نَعيم من رجاحة عقلها وموقفها الشبه مثالي في وجهة نظره، أدرك الفارق بينها وبين شهد، يرى أمامه مُهرة أصيلة تصون خيالها الذي قسى عليها رغمًا عنه، يرى أمامه الصورة الحقيقية للخيل الوفي لصاحبهِ بالرغم أنه تركه في الميدان وحده لكن الأخر لازال ينتظر قدومه لكي يقوم بترويضه، أنهى تمعنه فيها وفي عينيها التي تصرخ بالخوف على خليل قلبها، وحينها هتف بنبرةٍ هادئة:.
هو أكيد هناك، كل مرة بيتعب ويزعل يروح يرمي نفسه هناك، روحيله أنتِ وخليكِ معاه، بس ليا عندك طلب، بلاش تكلميه في أي حاجة، سيبيه ولو زعل وزعق عندي أنا دي، هو هناك مبيكونش في وعيه، بيخطف نفسه من الدنيا كلها.
حركت رأسها موافقةً وهتفت بنبرةٍ أقرب للبكاء:
صدقني أنا مش عاوزة أضغط عليه، على الأقل لو من باب المعروف اللي عمله معايا أول ما دخل حياتي، إن شاء الله بعد كدا يطلقني لو دا هيريحه بس بلاش يعمل كدا.
تدخل أيوب يُعلق على كلماتها بحديثهِ:
صدقيني هو مستحيل حتى يطلقك، في الحالة اللي هو فيها مهما عمل هيفضل وجودك هو الفارق الوحيد اللي يخليه يقوم تاني على رجله، دلوقتي هنروح ونتطمن عليه، مش عاوزك تقلقي.
وقف أيوب يأخذ العنوان من نَعيم الذي أملاه عليه وقبل أن يتحرك قيد أنملة أوقفه من جديد حينما أخرج من ميدالية مفاتيحه مفتاحًا صغيرًا ومد يده به ل عهد وهتف بنبرةٍ هادئة بعض الشيء:.
ممكن يكون نايم أو ميرضاش يفتح، المفتاح معاكِ أهو خليه معاكِ وأدخلي عنده، خلي بالك منه ومن نفسك، روحي يا بنتي ربنا يكرمكم ويراضيكم، وألف شكر على أصلك يا بنت الأصول.
ابتسمت له بسمة فاترة مقتولة لم تتصل بعينيها وخرجت مع أيوب الذي ودعه وأخبره أنه سيطمئنه على الأخر بكل تأكيدٍ، وحينها وقفت سمارة بجوارهِ تهتف بأسفٍ:
ربنا ينتقم منها الحرباية، منكدة عليه حتى وهي مش معاه.
طالعها نَعيم بقلة حيلة وبسط كفيه وكأنه يخبرها أن اليد فقدت كل حِيلها وكل ما كانت تملكه من أمورٍ قد تنفعه وتسعفه ووحدها الأخرى هي القادرة على ذلك، هي من تملك القوة التي تحركه وليس هو كما يتضح.
في منطقة الزمالك.
تحديدًا بداخل بيت الراوي كان نادر بعيدًا عن الجميع بندمٍ فتك به نتيجة تركه ل يوسف أراد أن يعود له وأن يخبره أنه لم يفعلها وأنه لم يطلب من زوجته مثل هذا الطلب، لقد عطف عليه الأخر حتى وإن كانت طريقته تتنافى مع ذلك، لكنه أهتم به كمن يهتم بصغيرٍ تاه عن أهله وقصد بيتًا في منطقةٍ نائية وحينها أكرموه أهل البيت بالرغم من خوفهم منه.
دلفت له شهد غرفتهما التي لزمها منذ الصباح هربًا منهم جميعًا وقد نظرت له وهي تقول بتهكمٍ ساخرةً منه:
أنا مش مصدقاك، بجد أنتَ زعلان لسه؟ كنت عاوزنا نسيبك هناك عنده؟ لعب في مخك وخلاك زي ما هو عاوز علشان بعد كدا ييجي يشوف نفسه عليك؟ بدل ما تدافع عن نفسك وتقف في وشه مستسلم ليه ومخليه يكسبك!
ترك موضعه ووقف أمامها يسألها بترقبٍ أو ربما تأهبٍ منه:
قصدك إيه؟ وضحي أكتر كدا؟
ابتسمت باستخفافٍ ثم هتفت بتفسيرٍ له:
قصدي إنه بيستغلك، هيخليك تحبه وتقف في صفه ويوريك شوية إهتمام وحب منه يخليك تصدق أنه طيب ومظلوم ومرة واحدة يقلب على الوش التاني لمجرد إنك هتخرج عن طوعه، عاوزه يستغلك؟ عاوزه يشوف نفسه عليك إنه بيعمل اللي هو عاوزه وأنتَ زي اللعبة بيحركها؟
ابتسم هو لها إبتسامة قاتمة ثم أقترب منها أكثر بطريقةٍ أخافتها وجعلتها تتراجع للخلف حتى كادت أن تتعرقل في المقعد الخلفي لكنه أسندها بذراعه حينما ضغط على خصرها وهتف بنبرةٍ حالكة وكأنها تقارب غموض اللون الكُحلي حينما همس لها:.
ودا بالظبط اللي هو عمله معاكِ علشان كدا كنتي هتموتي وتخربي حياته صح؟ دا اللي حصل بينكم لما كنتي عاوزة تتجوزيه وبعدها اكتشفتي إن حياته مش هتليق بيكِ لما تضطري تكشفي عن ماضيه، بس متزعليش نفسك، إذا كان هو عرف يلعب بيكِ فأنا لأ، عن إذنك يا مدام.
دفعها على المقعد دون أن يكترث بها ثم خرج من الغرفة وهي خلفه تتأجج في جلستها مثل كتلة لهيبٍ مشتعلة تود إلقاء نفسها داخل بيتٍ لكي تلحق الأذى به قبل أن تنطفأ، ازداد غضبها منه ودفعت الطاولة بقدمها وهي تسبه بداخلها وعلى طريقته معها، يبدو وكأن سحرها لم يعد بنفس مفعوله عليه، وحينها بدت كمن فقدت قوتها وسبب هذه القوة.
رُبما تلعب المسافات دورًا هامًا في المشاعر وتأثيرها لكن لا شك أن المرء يتأثر بالغياب ويسعد بالعودة ويحزن بالهجر، لم يعلم لما طوال الفترة السابقة تحديدًا منذ أن مرضت وفقدت وعيها بالعمل وهو يفتقد تواجدها، اليوم هو أول الأيام لها منذ أن عادت للعمل، وحينها قرر أن يخرج من مكانهِ وتوجه إليها بعدما حمل أشيائه الخاصة ثم طرق باب مكتبها وحينها أذنت له فوجدته يبتسم لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:.
أنا جيت أعرفك إني خلصت وهمشي خلاص يا رهف، الحقيقة ورايا مشوار تاني مهم وقولت أمشي طالما خلصت.
ابتسمت له رهف وهتفت بنبرةٍ مرحة:
معاك واسطة يعني؟ بس ماشي علشان تعرف إني طيبة وكفاية إنك شيلتني لما كنت غايبة، ربنا يوفقك في مشوارك ولو خطوبة أبقى أعزمني، إحنا برضه زملا.
ضحك لها ثم جلس على المقعد أمام مكتبها وهو يقول بنبرةٍ حائرة تعبر عن مدى تخبطه دون حتى أن يعلم كيف اتخذ قرار إخبارها بهذا الأمر:.
هو مش خطوبة، بس هو مشوار مهم، بصي أنا بثق في حكمتك في الأمور وإنك عملية شوية بخلاف العواطف، لو فيه حد من بيئة مختلفة جاي يتقدم لأختي وأنا خايف عليها أو خايف مستقبلًا يعني يكون الموضوع دا سبب مشاكل، بس في نفس الوقت أنا شايف حب وقبول كبير وقصة زي الأفلام، تفتكري الحل إيه؟
تخبطت رهف وهي أمامه وهتفت بنبرةٍ تائهة أو ربما حائرة في أمرها وهي تعطيه جوابها الذي لم تعلم مدى صحته:.
بص هو أنتَ بتقول تفكير عملي، بس الأمور دي ساعات بتحتاج العواطف، طالما فيه حب وتقبل من الطرفين خلاص هما أحرار لأن دي حياتهم هما، طالما الموضوع مش هيأثر على عيشتهم حاليًا مع بعض يبقى دا قرارهم هما، أكيد طالما وصل الأمر لعلاقة رسمية يبقى كل واحد فيهم على دراية كافية بجوانب الموضوع، أختك هي اللي هتعاشر وتعيش مش أنتَ، وصدقني هي ممكن تكون فرصة العمر ليها وبتدخلك منها تضيعها.
تحدث هو بلهفةٍ يخبرها بتفكيره قائلًا:
بس الفكرة كلها إن دي أختي يعني مش هسيبها تخوض التجربة وتتأذي وبعدها أقولها أديكِ أتعلمتي من غلطك، على قولك دي حياة وجواز يعني مفيهاش تجارب، خايف آجي بعد كدا ألوم نفسي إني مباعدتش الأذى عنها وخايف برضه أكون أنا سبب إنها تزعل لما تسيب اللي بتحبه.
هتفت حينها رهف بنبرةٍ دبلوماسية أقرب في طورها للعملية الهادئة:.
تاخد نصيحتي؟ طالما فيه حب أفضل حل إنك متكونش عزول بين القلوب، الحب بالذات مفيهوش فروق اجتماعية أو تعليمية أو حتى مادية، أصل الحب دا مش زرار هندوس عليه يتحكم في مشاعرنا يا عُدي شوف الطرف التاني وأتكلم معاه وشوف عقله وطريقة تفكيره، وشوف إزاي البيئة المحاوطة بيه شكلت شخصيته، وأهم حاجة احترامه وأخلاقه ووعيه، أكيد أنتَ شاب وهتعرف تحكم.
ابتسم لها بصفاءٍ ثم أعتدل واقفًا وحمل حقيبة ظهره بعدما حثته بكلماتها دون أن تعي لذلك وقد علمت هي أثر كلماتها عليه حينما وقف يطالعها من عِليته وهتف بنبرةٍ هادئة:
أنا عاوز أشكرك علشان لفتي نظري لحاجة مشوفتهاش، وشكرًا إنك سمعتيني وشاركتيني، بس عندي سؤال ومش فضول ولا تطفل مني، بس يمكن استنتاج لكلامك.
أومأت له تحسه على التكملة فوجدته يسألها بتوترٍ طفيفٍ بعض الشيء كأنه يخجل من إخراج هذا السؤال:.
أنا بس عاوز أسألك عمرك حبيتي قبل كدا؟
تلاشت بسمتها وترقرق الدمع في مُقلتيها فورًا وكأنها انتبهت لشيءٍ ربما تكون نسته أو تناسته وهتفت بنبرةٍ طغى عليه الحزن:
للأسف حبيت، وحبيت أوي كمان بس الحمدلله على كل حال محصلش نصيب وربنا استرد أمانته من تاني، فمن ساعتها الباب أتقفل خلاص وبقيت كدا عايشة علشان الشغل ومؤخرًا علشان ماما وأختي إيناس، الحمدلله برضه الحياة إلى حدٍ ما حلوة وهادية جدًا.
حرك رأسه موافقًا وأجبر شفتيه على التبسم قائلًا:
ربنا يرحمه ويعوضك بابن الحلال، عن إذنك.
تركها ورحل بشيءٍ غريبٍ عليه وكأنه أختلف كثيرًا عن دخوله لها، لم يعلم لما تأثر بها وبإخلاصها لذلك الأخر لكنه أحترمها كثيرًا وأدرك أن حكمها على الأمور يأتي من خبرة تجربتها ولذلك استطاعت لفت نظره إلى موضوع آخر كان غائبًا عن مرآى عقله، وحينها طلب سيارة أجرة عن طريق التطبيق الإلكتروني وذهب بها إلى مكانٍ أخر لم يتوقعه هو بذات نفسه.
وصل إلى محل عمل إسماعيل وجلس على طاولةٍ ما وطلب من أحد الشباب العاملين حضور الأخر له وما إن علم الأخر بذلك حارب نفسه لأجل هذه المواجهة، لم يعلم ما يُخبئه له القدر من هذه المُقابلة، فربما تكون له منصفة وربما تكون مُجحفة، وقد حسم أمره وخرج له يقابله بتوترٍ وهو يقول مُرحبًا به:
أهلًا وسهلًا يا عُدي أتفضل نورت.
شبك كلاهما كفه بالآخر في وضع التحية وحينها أشار له إسماعيل بالجلوس واستمر في الترحيب به حتى سأله الأخر بوجهٍ مبتسمٍ:
أكيد طبعًا أنتَ متوتر أو مستغرب حضوري هنا، بس صدقني أنا مش جاي أزعجك أو أعطلك في حاجة، هما كلمتين وبس وهمشي، هتسمعني يا إسماعيل؟
أومأ له الأخر موافقًا بقوةٍ جعلته يضيف بأريحية:.
طب الحمدلله، المهم أنا هنا بخصوص موضوعك أنتَ و ضُحى أنا عارف كل حاجة منها وهي مخبيتش عليا ودا خلاني أحترمها وواثق إنك محترم مش هتخبي حاجة، وعرفت حاجات عنك لما سألت بخصوص موضوع علاقتك بأختي، أنا اللي يهمني إن أختي تكون بخير وبس، مع واحد يحبها ويصونها، قبل كدا كانت مع واحد جرحها جرح صعب أوي، أنا كراجل حسيت بإهانة ما بالك هي بنت! عاوز أقولك إن أختي ممكن تكون مش مثالية ومش علطول لسانها هادي بس بيت بجد، اللي يطلب منها طلب تسلمه روحها كلها، قصاد دا عاوزة بس تتحب، فأنا جاي أقصر المسافات واسألك إيه اللي ممكن تقدمه لأختي؟
شعر إسماعيل بالأمل يظهر بداخلهِ إثر حديث الأخر الذي كان أكبر من خياله وحينها هتف بكل صدقٍ:.
أنا عمري ما حبيت وعمري ما فيه بنت واحدة قدرت تشدني، بس هي واحدة، ضُحى مفيش غيرها، أنا عاوز أقولك إني ماليش حد غير أخويا وأكيد طبعًا عارف حاجات كتير عني، حلم العيلة والبيت والأسرة دا كله بسبب ظروف حياتي مكانش في دماغي، بس فجأة أنا بقيت عاوز دا، عاوز يكون ليا بيت وأسرة وبنت تكون معايا نتشارك العمر اللي جاي، ووعد مني البنت دي مش هتكون واحدة غير أختك، ولا هتشاركها واحدة غير أختك.
ابتسم له عُدي وحرك رأسه موافقًا ثم أعتدل واقفًا وهو يقول بنبرةٍ طغت عليها الفرحة التي نتجت عن الراحة:
مش عاوز غير كدا منك، وأنا هفاتح بابا وأخد منه ميعاد وأبلغك بيه وتيجي تفتح الموضوع رسمي، طبعًا دا إذا كنت حابب يعني حاجة زي دي ومش حاسس إن فيه تسرع.
وقف أمامه الأخر وهتف بيأسٍ تخللته الضحكات:.
ياعم وحد الله في قلبك أنا جيبت جاز خلاص، لو بكرة العصر أنا موافق جدًا ومعنديش إعتراض نهائي، أو لو حاسس باستعجال خليه المغرب، على الأقل تكونوا جهزتوا البيت يعني، أنا مش بضغط عليك.
ضحك له عُدي وودعه بعدما طمئنه أنه سيقف في صفه وصف شقيقته حتى يكونا سويًا ورحل من عنده براحةٍ لم يفهم سببها، هل لأنه أصبح سببًا في حل معضلة شقيقته، أم لأنه رأى الصدق في عيني الأخر ونبرته، أم لأنه وثق برأي رهف؟ أم أن الأمور اجتمعت مع بعضها لتشكل حالة انتصارٍ؟
كان الأخر يود التحليق في السماء بسعادةٍ بالغة برغم أن الأخر لم يتحدث معه عن ماضيه أو يلومه أو يطلب منه توضيح أي شيءٍ، لكنه لم ينكر أن عُدي بمجيئه إلى هنا أزال كثيرًا عن كاهلهِ وحينها ركض إلى مكان إيهاب فوجده فارغًا منه، لذا دلف إلى سراج الذي ما إن رأه عقد مابين حاجبيه فوجد إسماعيل يعانقه وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
أبسط يا ابن المحظوظة، قربت تتجوز خلاص.
رفع سراج حاجبيه وهتف بسخريةٍ وهو يرفع ذراعيه يحتضنه هو الأخر:
يعيني؟ أنتَ رجعت للحشيش تاني؟ ياترى اسمها إيه الحتة دي، ما تذوقيني يا ماما؟ ولا يا دبلة الخطوبة؟
ضحك إسماعيل وابتعد عنه هاتفًا بسخريةٍ:
اسمها الصُلح خير قوم نتصالح.
رفع سراج كفه بجوار رأسه يشير إلى علامة الجنون وقد حرك إسماعيل رأسه موافقًا وسحبه من كفه قائلًا بلهفةٍ:
يلا نروح نركب خيل، يمكن يوسف يكون راح هناك.
رحل الأخر معه منصاعًا خلفه بصمتٍ دون أن يعارضه لكنه فهم أن إسماعيل الآن في أوج لحظات سعادته وعليه أن يكون داعمًا له خاصةً أن العلاقة بينهما بدأت تعود كما السابق حينما كانا مع بعضهما أكثر من الأخرين، وهاهو إسماعيل يتصرف بتلقائيته وكأن نفسه القديمة عادت له أو ربما تكون جديدة عرفت معنى الحياة.
لم ينس الأمس وكأنه حصل على كل الخيال.
كانت لحظاته أمسًا حياة كاملة إذا عاش هذا اليوم من جديد سيضيفه إلى عمرٍ أخرٍ إلى حياته، حصل عليها أخيرًا وأصبحت على اسمه وضمها للمرةِ الأولى وأمعن النظر في وجهها دون خجلٍ أو تأنيب الضمير، حتى هي ظنها فتاة أخرى غيرها، لم يعلم أن مجرد الحديث منها حياة، أخرج هاتفه على صورته معها بالأمس بعد عقد القران وابتسم تَيام بسعادةٍ وسرعان ما قام عقله بجرد لحظات الأمس وذكره ب نَعيم ووقوفه بجوارهِ وهو يسانده أمام الجميع وحينها أخرج صورة والده وهو يقول بنبرةٍ هادئة:.
كان نفسي تكون معايا في يوم زي دا، أنا كنت واقف ملط إمبارح بس الحمدلله ربك ستر، الحج نَعيم قام بالواجب، مجاتش من أجواز خالاتي العرر وجت من الغريب، بس سيبك أنتَ، وحشتني أوي أوي، ربنا يرحمك يا حبيبي.
لثم صورة والده ولأول مرة يشعر بهذا الشوق نحوه، شوق تخطى كل المراحل منذ وفاته، لا يعلم هل لأن الأمس كان أهم أيام حياته أم لأنه أفتقد عناقه وافقتد دلال أبيه أم أنه أضطر آسفًا للجوء إلى نَعيم أن يأخذ دور أبيه والأكثر كان مرحبًا بشكلٍ جعله يفتقد أبيه وعائلته التي فرقته عنها الحدود، خرج من هذه الحالة ثم فتح صورتها ملاكه من جديد يبتسم لها ولازال ماحدث أكبر من توقعاتهِ.
في مكانٍ أخر بنفس الحارة.
النظرات تطاير منها الشررات بين الإثنين لكن أحدهما شعر بالاستمتاع وهو يتجاهل هذه النظرات وأمعن نظره في طاولة السُفرة التي يتم إعدادها لأجلهِ، من غيره بيشوي الذي بدأ أولى خطواته في جلطة قلبية تصيب جابر الذي يرمقه بنظرات نارية، وقد أتت زوجته من الخارج ترحب بضيفها قائلةً:.
نورت يا بيشوي يا حبيبي، صدقني من الصبح وأنا البنات طايرين من الفرح علشان هناكل مع بعض، وخطيبتك يا سيدي بنفسها تولت المهمة دي، دوق بقى عمايل أيدها وأتطمن بنتنا شاطرة مش أونطة وهنضحك عليك.
ابتسم لها وهتف يثير استفزاز الأخر بقولهِ:.
من غير ما تقولي هي متتقارنش بحد، أصلًا لو مش شاطرة أنا ماكنتش صممت عليها لحد ما بقيت هنا قاعد جنب حمايا وبناكل مع بعض من عمايل أيدها، بس أنا أصلي طيب ومقدر إن هييجي يوم وكل دا هيكون ليا لوحدي.
خرجت في هذه اللحظة مهرائيل تبتسم له وهي تمسك قالب المعكرونة المفضلة له وحينما كادت تجاور أبيها زجرها بعينيه وهو يشير إلى جواره وقد سحبت والدتها المقعد الأيمن بجوار جابر لتتحرك الأخرى وتجاور بيشوي الذي ابتسم بانتصارٍ، حيث كان جابر يترأس الطاولة وعلى يساره بيشوي الذي جلس عنادًا معه لكي يكون حائلًا بينه وبين ابنته.
أتت مارينا وهي تأكل قطعة لحم في أيديها وجاورت والدتها وهي تقول بنبرةٍ معاتبة في كلماتها:
طب بأمانة عيب، كلوا يا جماعة مستنيين إيه؟
هتفت مهرائيل بتهكمٍ تسخر منها:
مستنيين اللحمة اللي سيادته بتختبريها.
ضحك بيشوي ومال على أذنها يهتف بسخريةٍ:
أنا عن نفسي مستني أبوكِ يقوم، هطفح اللقمة كدا.
رفعت عينيها تخبره بخجلٍ:.
بعد الشر عنك، ألف هنا وشفا على قلبك، هو أكيد مش هيبصلك في الأكل، دوق بس وقولي رأيك فيا وفي عمايلي.
تجاهل هو الجالسين وهتف بصدقٍ وهو يشبع عينيه منها:
لو عليا رأيي معروف من زمان أوي وهو إنك مفيش منك اتنين، بس هانت كلها شهر وهعرفك رأيي واحدة واحدة إجمالًا وتفصيلًا، مش كدا أحسن برضه يا هيري؟
حركت رأسها للجهة الأخرى تهرب منه وهي تكتم ضحكتها بينما جابر تابع همساتهما بصمتٍ وهو يرضخ للأمر الواقع دون أن يقتحم صفو هذه اللحظات وقد رفعت زوجته كفها تضعه على كفه وما إن تلاقت نظراتهما حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم له وتحثه على صمته وعدم تدخله، بينما مارينا أخرجت هاتفها تلتقط لهما الصور سويًا وهما يتهامسان معًا بنبرةٍ خافتة وكأنهما نسيا من حولهما.
أوقف أيوب سيارته أمام الأرض التي أشارت عليها عهد وحينها حرك رأسه للأمام يستطلع البيت ثم عاد من جديد يقول بنبرةٍ هادئة:
أدخلي أنتِ عنده، وأنا هنا، الوقت لسه بدري، يفضل إنك أنتِ اللي تكوني معاه مش أنا علشان ميزعلش أو يتضايق، وتليفوني معاكِ رني عليا لو فيه حاجة وأنا مستني بالعربية.
حركت رأسها موافقةً ثم هتفت بنبرةٍ هادئة كأنها حصلت على الفكرة لتوها بعدما شارفت على الخروج من السيارة:.
طب معلش أنا هدخل أشوفه ولو خرجت ليك هخليك تمشي لاني هحتاج أكون معاه وقت أطول وأنتَ تروح تطمن والدته وأخته وعيلته كلها، وأنا هنا معاه ولو فيه حاجة هكلمك تيجي، ممكن؟
أومأ لها بجفونهِ يخبرها عن موافقته وتقديره لموقفها ومشاعرها وقد ترجلت هي من السيارة بسرعةٍ كُبرى تسبق خطواتها لكي تصل له، تود طمئنة قلبها عليه وتود رؤيته أمامها بخيرٍ، أخرجت المفتاح من حقيبتها وهي ترتعش بقلقٍ مما قد تواجهه بالداخل.
بينما هو ما إن وصل إلى هنا دلف بكل هدوء ووقف أمام صورة والده يبكي بقهرٍ وهو يشكو له عائلته وما فعلوه به، أنهار تمامًا وركل كل شيءٍ أمامه وضرب سطح الطاولة الزُجاجي حتى جرح كفه، أخرج الصراع المشتعل بداخلهِ على كل من حولهِ حتى خارت قواه وجلس أسفل صورة عهد يستند بظهره على الحائط وقابله على الحائط الأخر صورة عينيها ليزداد شعوره بالذنب أكثر وظل هكذا منذ الأمس وهو يطالع عينيها فقط دون فعل أي شيءٍ أخر.
دلفت عهد تبحث عنه بعينيها المُتلهفتين بقلقٍ بلغ أشده حتى لمحته جالسًا بهذه الطريقة عادت دون أن تقترب منه وأشارت ل أيوب الذي وقف عند مقدمة سيارته وما إن حصل على الإشارة رحل من المكان ليتولى المهمة التالية وهي طمئنة عائلته.
عادت عهد من جديد وجلست على رُكبتيها أمامه لتجده حرك عينيه نحوها وأرجع رأسه للأمام بعدما كان يساندها على الحائط خلفه وسألها بذهولٍ:
أنتِ بتعملي إيه هنا! وجيتي إزاي.
ابتسمت له بفتورٍ ثم هتفت بقلة حيلة:
جيت هنا علشانك أنتَ، إنما جيت إزاي فدي تعبتني أوي لحد ما وصلت ليك هنا، مقدرتش أكتر من كدا أقعد من غير قلبي ما يتطمن عليك، لو أنتَ يجيلك قلب، أنا مجاليش قلب أعملها يا يوسف.
سحب نفسًا عميقًا وأغمض عينيه هاتفًا بنبرةٍ خاوية لا حياة بها ولا روح حتى:.
روحي يا عهد، روحي وسيبك مني علشان مش هقدر أقولك حاجة أو أجاوب أي سؤال، روحي وسيبك مني بلاش تزودي جروح فوق جروحك أنتِ مش ناقصة يا بنت الناس.
رفعت كفها تضعه نحو موضع قلبه وهي تقول بنبرةٍ مختنقة حينما ظهرت العبرات في مُقلتيها:.
أنا علشان دا، مش علشان اللي قدامي، كلامك عكس اللي هو عاوزه، مفيش شبيه بيسيب شبيهه لوحده حتى لو هو عاوز دا، هو دا الحب اللي قولتلي عليه؟ إنك مع أول مشكلة تديني ضهرك وتمشي لوحدك؟ ولما أجيلك تطلب مني أمشي؟ هو دا الحب والثقة اللي أنتَ كنت خايف من حبي بسببهم؟ عاوزني أمشي بج.
قبل أن تكمل حديثها وجدته يضمها وهو يتشبث بها بين ذراعيه وظل يُشدد عناقه لها وكأنه يخشى أن تنفذ مطلبه المجنون وهتف بنبرةٍ مختنقة أقرب للبكاء وهو يدفن رأسه في كتفها يتوسلها بقولهِ:
خليكِ، لو بتحبيني بجد خليكِ متمشيش يا عهد.
رفعت ذراعيها تضمه هي الأخرى وهتفت بنبرةٍ باكية وهي تشعر بحالتهِ الغريبة وكأنها طوق النجاة الذي أتى فجأةً لغريقٍ بمنتصف البحر وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة:
مش همشي، أنا هنا علشانك أنتَ.
حسنًا لقد تبدلت الأدوار تمامًا وهي من تقوم بدورهِ و بحديثهِ لتصبح هي من تتحدث بدلًا عنه، أصبحت هي من تمده بالقوة بعدما علمها كيف يكون المرء قويًا، هنا كلاهما يُساند الأخر بالرغم من ضعفهِ، الآن تختاره من وسط عالمٍ أعلن الحرب عليه لتعلن عن نفسها جيشًا له أمام خصومة العالم، ويبدو أن انتصر بها هي، ظل يسمح على ظهرها ثم ابتعد عنها يطالع وجهها وعينيها السوداوتين اللاتي لازال يرى نفسه فيهما مُعانقًا ومُحتميًا بين الجفون وحينها شعر أنه أشتاق لها فهتفها بصدقٍ وهو يحتضن وجهها بين راحتيه:.
وحشتيني، وكنت خايف أخسرك، أنا عندي استعداد أخسر حياتي من تاني وروحي وأضيع نفسي مني وأبقى مجنون في عيون الكل، بس قصاد كل دا تفضلي أنتِ، مش عاوز أتغرب في عينيكِ يا عهد.
نزلت دموعها وضمته من جديد تمسح على ظهرهِ وهتفت بنبرةٍ باكية حينما تذكرت هيئته أمسًا حينما طالعها بانكسارٍ وهرب منها ومن نظراتها خوفًا من الغُربة بهما.
وأنتَ وحشتني أوي يا يوسف، أنا هنا معاك أهو فرصة متضيعهاش من إيدك، حافظ عليها علشان تبقى أنتَ الكسبان في كل دا، وإذا كان عليا، فأنا مكتفية بيك نصيبي.
أسكتته بحديثها وجعلته يصمت هو ورأسه وكأنها أعطته هُدنة من حربه وأعلنت حينها أطراف الحرب إذعانها لها وكأنها هي من تقود الحرب وتُنهيها، أو ربما هي الطرف الحيادي الذي تحترمه كل الأطراف وتُعلن إنصياعها له، وقد بدت أمامه ببريق عينيها مثل أداة أزالت عنه عبئه وأسكنته في عينيها لتصبح كرسالةٍ كتبها كافكا إلى ميلينا ذات مرةٍ قائلًا:
ذاك البريق الذي يسكن
عينيك، يزيل معاناة العالم.
وهي فقط وليست غيرها من تطالعه ببريقٍ يتلألأ مثل نجمٍ مُضيءٍ في سماءٍ مُعتمة ظهرت لشريدٍ في الصحراء تاهت عنه السُبل وما كان أمامه إلا أن يُتابع النجوم لعلها ترشده في خطاه، وها هو أمام البريق اللامع ينسى عبئه في عينيها.
لا شك أن هناك بعض الأفراد في العالم لازالوا يتمتعون بالقوة وبعض الخِصال الكريمة لدرجةٍ تجعلك تشك في حقيقتهم، والآن مُنذر يجلس في الفراش ويعاونه أحد العاملين بالعيادات الأهلية مستوصف في الحارة ويهتم بجرحه الذي زاد إلتهابًا عن الأمس وكذلك الكدمات الأخرى ووقف بجواره أيهم يراقب عمل الأخر بصمتٍ وقد خرج إياد من المرحاض وفي يده المناشف القطنية وأعطاها للممرض قائلًا:
أتفضل يا عمو، ربنا يوفقك.
ضحك أيهم وكذلك مُنذر أيضًا فيما أنهى الأخر عمله وطمئن أيهم بحديثه ثم أخبره بضرورة الرعاية ورحل من المكان بعدما أوصله أيهم للخارج وعاد من جديد يبتسم ل منذر وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
حمدًا لله على سلامتك، أنتَ متوصي عليك من فوق أوي، أولًا الحج نَعيم ثانيًا الحج عبدالقادر وثالثًا أيوب يعني مش هعرف أفلص منك، المهم أنتَ دلوقتي بخير؟
حرك مُنذر عينيه نحو إياد وهتف بوجهٍ مبتسمٍ:.
بصراحة يعني من ساعة ما شوفت إياد وأنا مبسوط جدًا، بس ألف شكر تعبتكم معايا وعطلتكم، حقكم عليا، وأشكرلي الحج و أيوب على اهتمامهم دا، دا دين في رقبتي لآخر لحظة في عمري.
تحرك أيهم نحو حقيبة الطعام يخرجها ثم أفرغ محتوياتها أمام مُنذر وهتف بنبرةٍ هادئة لكنها آمرة وقوية لم تقبل النقاش:.
أبقى أشكرهم أنتَ بس كُل الأول علشان المسكن والمضاد اللي هتاخده، وعلى فكرة لو ماكلتش إياد هيبات في الشارع، شرد ابني بقى كمان.
ضحك منذر له بعينيه ثم أستسلم في نهاية الأمر لتناول الطعام ولازال عقلهِ مشغولًا ب إيهاب وما أخبره أن يفعله، الأمر فقط يتطلب منه بعض الإنتظار لكنه لم يقدر وكأن هذه اللحظات أكبر من طاقتهِ، مرت دقائق أخرى تبعها.
دخول إيهاب مثل الإعصار ومعه أحد الرجال وقد قام بسحبهِ وألقاه على الأريكة مما جعل أيهم يخرج من الغرفة وخلفه ابنه و مُنذر الذي سأله بدهشةٍ:
بتعمل إيه يا إيهاب! قولتلك روح لمراته هو خلاص قال اللي عنده والباقي عند مراته هي اللي عارفة الواد عند أنهي ست، بترجعنا ورا تاني ليه؟
ابتسم بزاوية فمه ثم أخرج مديته يضعها على عنق الرجل ثم لوى ذراعه للخلف مما جعل الأخر يصرخ متأوهًا وقد هتف إيهاب بنبرةٍ هادرة من بين أسنانه:
أنطق يا حيلتها كدا وسمعهم، يلا.
تحدث الأخر بتلجلجٍ وهو يرتجف بين قبضتي إيهاب الذي ضغط على عنقه أكثر بسلاحهِ الأبيض:.
هقول والله، سامي جه أتفق معايا ودفعلي ربع مليون قصاد إني أتوه الباشا، وقالي كمان على كلام مخصوص وحفظهولي، بس يمين بالله يا باشا هو اللي كان مخطط لكل حاجة وهو اللي دبر إزاي يتوهه، والولية مراتي هو اللي عرف مكانها وتلاقيه راحلها.
ابتسم إيهاب بثقةٍ ثم دفعه على الأريكة بعدما جرح عنقه عن عمدٍ كذكرى للآخر حتى لا ينساه وخاصةً أن هو الذي تهجم على مُنذر ليلًا، من جديد الخيوط تتشابك مع بعضها لتزداد حيرة مُنذر في أمر ابن عمه وكأن مسألة الحياة أو الموت وحينما غرق أكثر في شروده خرج على صوت ميكي الذي وصل إليهم وفي يده إمراة كبيرة وهتف بزهوٍ في نفسه:
الست أهيه يا عمهم في نفس المكان اللي أنتَ قولت عليه، وهتقولك كل حاجة أهيه.
من جديد ابتسم إيهاب ثم حرك عينيه نحو البقية وهو يقول بثباتٍ لم يلق بغيره:
عرفتوا أنا عمهم ليه؟
من جديد ثقته تعود وجرأته تظهر لتعلن عن دوره الذي لم يقل ولم يتخل عنه أحدٌ، كان ولازال هو مصدر القوة في هذه العائلة التي اجتمعت بروابط القلوب وليست روابط الدم، بالرغم من غرابته إلا أنه ماسك الخيوط ومحرك الجميع تحت رغبته وبناءًا على أوامرهِ.