قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل العاشر

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل العاشر

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل العاشر

ظلت ترتعش تحت نظرات عيناه الجافة، تبادلا النظرات لثواني، نظراتها كغزالة تخشي مفترسها وتترجاه أن يرحمها، ونظراته كوحش كاسر أراد الأنتقام ولكن ضل طريقه لتقع هي تحت أنيابه..
وهرولت دموعها من بين لؤلؤتيها هربًا من نظراته المفترسة، والجائعة!
لم يرمش ولو للحظة، وكأنه حصن نفسه جيدًا قبل تلك المواجهات، ليصبح قلبه مغلف بالقسوة المميتة..
وللمرة الألف ترجته بغير يأس:
أرجوك سيبني، أرجوك!

ولنفس عدد المرات يجيبها ببرود ثلجى:
لأ، أنا متأكد إنك عاوزانى زى ما أنا عايزك تمامًا
غمز لها بطرف عينيه متابعًا:
بس يمكن أنتِ مكسوفة شوية!
هزت رأسها نافية، وقد عزمت على هزهزة عرش رحمته ولو قليلاً بكلماتها، فقالت مستعطفة:
أنت هتدمر مستقبلي، أرجوك ارحمنى، فكر إن ممكن يكون حد بيعمل كدة ف مراتك المستقبلية، أو اختك!

كلمتها الأخيرة هي التي لمسته بحق، زينة أيتخيل أن يفعل بها شخص مثلما يفعل هو الان، لا لا لن يحدث طالما أنا لازلت على قيد الحياة!
قال لنفسه هكذا قبل أن يرفع رأسه لينظر لها، ليجدها قد اردفت متحمسة لصمته:
اكيد ماترضهاش لحد من عيلتك، كما تدين تدان يا أستاذ مالك
مستحيل حد يقدر يعمل ف أختى كدة
قالها بفم متقوس بسخرية ونبرة واثقة..
بينما نزف جرحها هي بقوة، وكأنه يقول لها صريحة أنتِ والدك بالسجن لن يحميكِ..

نظرت له ولمعت عينيها بكسرة هزته للحظات قبل أن تستطرد بحزن تعمقها:
عشان أنت معاها، لكن أنا ممعايش حد، معايا ربنا
ظل ينظر لها لدقيقة، اثنان، ثلاثة، أى سحر تستخدمه هي لتجعل قسوته تفر مع نسمات الرياح، لتحتل عينيه نظرات الحيرة والقلق..!
أبتعد عنها قليلاً ليستعيد رباطة جأشة، ثم أرتدى قميصه الذي خلعه منذ قليل، و زج القتوم والخشونة في صوته وهو يقول:.

أنا هأسيبك دلوقتِ لإنك لسة مابقتيش مراتى، لكن أوعدك أول ما تبقي مراتى..
صمت برهه يدقق في أهدابها السوداء المنغلقة وأنفاسها المضطربة التي بدءت تتحلى بالهدوء الأن، ثم أردف بخبث:
مش هاسيبك من تحت أيدى
بدءت تفتح عينيها ببطئ، قرر العفوا عنها! أصدر فرمانه بالأفراج عنها واخيرًا، ولكن ما عكر صفوها، أنه إفراج مؤقت!

بمجرد أن إرتكز بنظراته على لؤلؤتيه، ومن ثم شفتيها المنتكزتين، لمعت عيناه مرة اخرى وهو يقول مداعبًا:
ما تفكك، وأوعدك هتجوزك بكرة
ثم عاد يقترب منها مرة اخرى ليشعر بالقشعريرة التي تثبت له في كل مرة أنها ليست كغيرها ابدًا، ثم همس أمام شفتيها:
بس تبقي ملكى الليلة
مستحيل..
قالتها بهمس مماثل، ولكن كان له اثر واضح في إفتعال غضبه، فزمجر فيها:
قولت لك مش بمزاجك يا حلوة.

قطع كلامهم المتناقض صوت رنين هاتف مالك الذي تأفف وهو يخرج الهاتف من جيب بنطاله، ليرى المتصل زينة فأجابها بضيق:
الوو اية يا زينة
الحقنى يا مالك بسرعة
في اية يا زينة
ماامااا يا مالك
انطقي مالها ماماا
ماما وقعت دماغها اتفتحت ومابتنطقش
ايييية، انا جاى حالاً.

أغلق الهاتف، ثم ركض بإتجاه الخارج تحت أنظار شمس المدهوشة من طوق النجاة الذي ظهر فجأة امامها، ليعود وهو يقول مسرعًا:
جهزى نفسك معاكِ لحد بكرة وراجعلك
ثم اكمل ركضه للخارج وهو يصيح فيها بحدة:
انجزى اطلعى عشان ماقفلش عليكِ
أفاقت من دهشتها وهي تومئ مسرعة، تفر هاربة واخيرًا من براثن الذئاب..!

طوال الطريق وهو يفكر في كلام خالته، فكرة تثير الخوف والجنون بين جنبات عقله، وفكرة تثير أطياف سعادته، ستصبح أعينها مكسورة ويتزوجها بوعدًا من خالته إن أنقذها، ولكن السؤال الموجه له الان، هل سيصمت إن علم أن اخر شاركه فيها بهذه البساطة!؟
لا لا لن يحدث ابدًا، وكلام خالته ما هو إلا عصا لتزجه نحوها وتسترضيه..

هذا ما قاله لنفسه وهو يترجل من سيارة الأجرة بخطى مسرعة نحو الداخل، طرق باب المنزل بقوة، فتحت له خالته، فسألها مسرعًا دون أن يعطيها فرصة:
أية اللي حصل يا خالتى؟
أطرقت رأسها بخزى وهي تجيبه بحزن ظهر جليًا في نبرتها:
أخدها وطلع بيها
جحظت عيناه بصدمة، أخذها بالفعل! سرق حلمه من بين يديه بهذه السهولة! سرقه من عقله بأكمله بكل برود، نعم سرقها حتى من عقله، فيحيى لن يفكر بشمس ابدًا إن مسسها غيره..

والحاجز الذي يحتمي به ذاك الرجل مالك هو إرادته في أمتلاك شمس، تلك الأرادة التي اعتقد يحيى أنه فقدها..
وسألها مرة اخرى هادرًا فيها بحدة:
ميييين
رفعت كتفيها وهي تقول بقلة حيلة:
ماعرفهوش، كل اللي أعرفه إنه الساكن الجديد وأسمه مالك جمال
مسح على شعره بقوة حتى كاد يختلعه متجاهلاً ذاك الألم وهو يلومها بغضب:
وسيبتيه!
نظرت له بطرف عينيها قائلة بضيق:
وأنا كان ف ايدى أية أعمله؟
زمجر فيها بغضب شابته الحدة:.

تمنعيه، تقوليله لأ وتدافعى عن بنتك
هزت رأسها وهي تقول بحزن:
هددنى، هددنى هيفضحها وأحنا ماحيلتنلش غير سمعتنا يا يحيى
لا لا، تتعمد إغاظته وحرقه رويدًا رويدًا بالتأكيد، أى أم هذه التي تُفضل الحفاظ على سمعتهم أكثر من أبنتها! تحمى الوجه الخارجى وتترك الأساس ليصدئ!
ظل يصرخ فيها بغضب هادر:
تقومى تسيبى بنتك عشان السمعة، ينعل أبو السمعة يا شيخة
رفعت إصبعها في وجهه قائلة بتحذير:.

أعرف كلامك وأنت بتكلمنى، دى بنتى أنا، يعنى أنا أكتر واحدة تخاف عليها، ومش معنى إنى طلبت منك المساعدة مرة إنك تعمل كدة يا ابن اختى!
ظل يهز رأسه نافيًا بهيستريا، ثم قال بنبرة تموج غضبًا:
بس مش هاسكت والله ما هاسكت
هتعمل أية يعنى يا ابن خالتى
سألته شمس التي دلفت لتوها، سمعت كل حرف من البداية، وصُدمت، صُدمت في والدتها الحبيبة التي تخشي على سمعتهم أكثر منها، ولكن طفح الكيل، ودلفت!
نظر لها يسألها بلهفة:.

عمل لك أية الكلب ده يا شمس
سألتها أمها هي الأخرى وهي تقترب منها محتضنة اياها بتوجس:
عمل فيكِ حاجة يا بنتي؟
تختلف أماكن الألام والطعنات، ولكن يبقي الألم كما هو موجع، مالك برغبته فيها، و يحيى مثله تمامًا، و، والدتها التي تخلت عنها ببساطة!
كلهم يألمونها بشدة، ولكن الطرق إختلفت، قلقت كريمة من إجابتها فقالت بخوف:
أوعي يكون حصل اللي ف بالى يا شمس؟

لم ترد ايضًا، وكأنها تتعمد اثارة شكوكهم فيها اكثر بصمتها هذا، فصاح يحيى بنزق:
أخد اللي هو عايزه منك ورماكِ
نظرت له فجأة تزجره بعينيها الرمادية التي إحتدت فجأة وقالت:
قصدك اللي أنت كنت عايز تاخده قبله!
برقت عيناه وأقترب منها ممسكًا بذراعيها يهزها بقوة:
يعنى أية؟ يعنى أنتِ بقيتي مدام شمس مالك جمال؟
تقوس فمهت بابتسامة ساخرة وتابعت:
لأ بكرة هنوثق عقد الجواز وابقي على اسمه صحيح.

كاد يفقد عقله في تلك اللحظات، ماذا تعى هي! أصبحت لغيره وأنتهي الامر!؟
زادت النيران إشتعالاً بقولها البارد ظاهريًا:
يعنى بكرة، هبقي ليه ومعاه وللأبد!

وصل المأذون مع ذاك الرجل الذي يدعى خليل على عجالة من أمره، فقد كان كل ما يتردد بعقله، أنه يساعد سيده في العمل على الأنتقام ممن آذوه وبشدة وجعلوه مصدر إثارة للشفقة، ف بعمره لن ينسي الأيام التي عاصرها مع مراد وهو يرى بعيناه تدميره النفسي وحالته المرزية، كانت خلود تجلس شاردة، واجمة، نظراتها تائهة وكأنها تبحث عن النجاة، وبالرغم من أنها قررت الأستسلام أمام قدرها، إلا أنها يصعب عليها وبشدة إخضاع جميع حواسها وعقلها تحت تلك الفكرة المشؤومة، الزواج!

جلس جميعهم على كراسي خشبية صغيرة أمام احدى المنضدات المتوسطة التي جلبها خليل، تفحصت نظرات الشيخ المكان ورأى مراد الدهشة فيهم، فقال متنحنحًا بهدوء حذر:
مش يلا يا شيخنا ولا أية؟
اومأ الشيخ بحرج، ثم سارع مبررًا:
أصلى مستغرب يابنى تكتبوا كتابكم ف مكان زى ده!
جز على أسنانه بغيظ، ثم رسم أبتسامة صفراء على ثغره قبل أن يرد بمرح مصطنع:
أه، أصلنا بنحب نكون مختلفين بقي
اومأ الأخر مبتسمًا وقال بصوت هادئ:.

ربنا يباركلكم يابنى
لا ينقصه الحديث عن هذا الزواج، يتغاضي عنه ويحاول الإبتعاد عنه بشتى الطرق، ولكن بمجرد الحديث عنه يشعر أنه مُجبر في التواجد داخل تلك الدائرة اللعينة!، دائرة الخيانة، نعم فهو في نظره الان مجرد خائن لزوجته الراحلة، وإن كانت الحُجة بسببها ولها!
بدء الشيخ بكتب الكتاب تحت أنظار كلاً من خليل و مراد الشاردة نحو تلك المسكينة الصامتة خلود..
حتى سألهم الشيخ جادًا:
فين الشهود ووكيل العروسة؟

قال خليل مسرعًا وهو يشير للخارج:
اهم وصلوا يا شيخنا
دلف ثلاث رجال، ذوى ملابس أنيقة بعض الشيئ، ملامحهم هادئة لا يبدو عليها الإجرام، وواحدًا منهم كبير بالعمر إلى حدًا ما، يظهر ذلك شعيراته البيضاء..
بدء كتب الكتاب، و خلود لم تتفوه بكلمة قط، نظراتها موجهه للأرضية وكأنها تبحث عن شيئً ما فقط..!
بارك الله لكما، وبارك عليكما وجمع بينكما في الخيير.

أستفاقت على تلك الجملة التي كانت مثل الخنجر غُرزت فيها ببرود لتتركها تنزف دون علاج أو أطياف رحمة!
أبتسم مراد ابتسامة شيطانية خبيثة وهو يرمق خلود بنظرات ذات مغزى، بينما هي كبحت شلالات دموعها بصعوبة، هتف خليل بشماته في خلود:
مبروك يا أنسة خلود
اومأت دون أن ترد، فقال الشيخ مبستمًا:
بالرفاء والبنين ان شاء الله
أردف مراد مبتسمًا بمجاملة وهو يشدد على حروف كلماته:.

إن شاء الله، هنعزمك على سبوع الأطفال كمان يا شيخنا
حدقت هي به وكأنها غير مدركة لما يُقال، السبب الرئيسي والذي دفعها للأستسلام هو التأكيد إن كانت مع هؤلاء الأناس ام لا، والان يرغب في الدخول والتعمق بين طيات حياتها اكثر..!
بل يرغب في تكوين روابط متينة بينهم وهي الأطفال!
أى ورطة أصبحت بها رباه!، مؤكد هذه فرصة للتكفير عن ذنوبي!

قالت هكذا في خواطرها التي مازالت تنزف بلا توقف، وكأن الحال تبدل، لا يتراقص قلبها فرحًا بزواجهم، ولكن يتراقص من الألم المتراكم عليه!
فجأة أدركت أن الجميع ذهب ولم يتبقي سواهم، أبعدت عيناها هربًا من نظراته الشماته، لتجده يقترب منها وهو يتشدق بصوت أشبه لفحيح الأفعي:
مبرووك يا، يا مراتى
ملس على وجنتها متغاضيًا عن تقززه منها، ليهمس بخبث:
خايفة كدة لية، ده حتى الليلة ليلتنا يا عروسة!

ترجل مالك من سيارته مهرولاً بسرعة باتجاه باب المنزل، والقلق ينهش فيه دون رحمة، وجد الباب مفتوحًا وزينة تجلس بحوار والدتهم باكية تحاول إيقاف تلك الدماء التي تسيل منها دون توقف بقطعة قماش صغيرة، وما إن رأت مالك حاى صرخت بهيستريا قائلة:
ألحق ماما يا مالك
ركض بسرعة نحوها، وأمسك بمعصمها بجس نبضها، ليجدها ما زالت على قيد الحياة، ولكن، النبض ضعيف..!
النبض ضعيف!

قالها وهو يشرع بحملها دون تردد، ليسمع زينة تستطرد بهلع:
ماما هتروح مننا يا مالك
قال مالك مسرعًا وهو يقترب من سيارته:
عم محمد اجرى افتح العربية بسرعة
ركض محمد والذي كان خادم يقف بجوار زينة، ليفتح باب السيارة ويضع مالك والدته فيها، وزينة بجوارها لم تتوقف عن البكاء للحظة، متناسية ألامها التي كانت تشعر بها منذ قليل!
ادار مالك المقود بسرعة متوجهًا لأحدى المستشفيات الخاصة بهم..

ولم تكف زينة عن النواح، حتى ضرب مالك المقود بيه صارخًا بوجهها:
بس بقا كفاية يا زينة
هزت رأسها نافية مرددة بجنون:
أنا السبب، أنا السبب عمرى ما هسامح نفسي ابدًا
أنتبه مالك لحديثها وسألها بتوجس:
أنتِ السبب لية يا زينة؟
لم ترد عليه وإنما ظلت تردد نفس الجملة بلا توقف، مما أثار شكوك مالك الذي كان ينظر لها بين الحين والأخر، حتى قال في خواطره بحزن:
ياريت مايطلعش اللي ف بالي صح يا زينة!

كان صديق يحيى المدعو الشبح يقف في المنزل الصغير الذي حدده خصيصًا لتلك الأعمال التي تدمر حياة الكثير مثل شمس، يقف في غرفة ما صغيرة أمام جهاز الكمبيوتر ويعمل على صور شمس بدقة شديدة ونظرات كادت تخترق ذاك الجهاز لتحصل على تلك الفتاة التي تثير غرائزه، وبداخله شيئً اخر مختلف تمامًا عن ما قاله لصديقه يحيى دلف شابًا ما الى المنزل وأقترب منه قائلاً بهدوء:.

أية يا شبح اول مرة اشوفك قاعد كل الفترة دى ادام شغل كدة
إبتلع ريقه وهو يجيبه بخبث دفين:
أصله مش اى شغل، ده شغل مهم اوى
اقترب صديقه ينظر على الجهاز، لتبرق عيناه متساءلاً بلمعة في عيناه:
مين الموزة دى ياض؟
اجابه الشبح مبتسمًا بخبث ظهر جليًا في نظراته ونبراته الراغبة:
دى واحدة يحيى جابهالى اظبط صورها
غمز له متابعًا بابتسامة لعوب:
أيوة ياعم يابختك بتمتع عينيك
اجابه الاخر وهو يأخذ نفسًا عميقًا:.

أنا مش بس همتع عينى بيها، ده انا همتع نفسي شخصيًا بيها
عقد الأخر حاجبيه بعدم فهم، ولكنه لاحظ نبراته قبل نظراته وقد تأكد أنه لا ينتوى خيرًا ابدًا..
فسأله مستفسرًا:
ازاى يعنى هتعمل اية؟
تنهد وهو يجيبه بحماس:
هتعرف لما اجيبه واخد منها اللي انا عاوزه، وابقي اخليك تجرب!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة