قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل العاشر

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل العاشر

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل العاشر

ناولته فنجال قهوته ثم إستدارت بهدوء لتغادر. أوقفها صوت (أكرم)الذى قال فى صرامة:
-إستنى هنا، أنا مأذنتلكيش تمشى.
إستدارت تطالعه ببرود صامتة، فرفع فنجال قهوته إلى شفته يتذوقه قبل أن يغضن جبينه قائلا:
-زي ماتوقعت.
منحها الفنجال مردفا:
-إعمليلى غيره.
طالعته بحيرة قائلة:
-ليه ماله الفنجال ده؟

نهض وهو يتقدم تجاهها حتى أصبح أمامها تماماً، ليلقى بمحتواه أرضا فقبضت على يدها بقوة تحاول أن تبدو متماسكة رغم الألم الذى طال يدها جِراء أصابتها ببعض قطرات القهوة الحارقة، وهو يقول:
-سكر زيادة وأنا بشربها سادة.
قالت:
-بس انت كنت بتشربها..
قاطعها هادرا:
-كنت. دلوقتى بشربها سادة، روحى اعمليلى فنجان تانى وانتى ساكتة وابقى نضفى مكان القهوة.
ليردف بسخرية قائلا:
-صحيح دلق القهوة خير بس النضافة خير برده.

أخذت منه فنجال القهوة الفارغ بيدها السليمة بضعف تشعر فى تلك اللحظة أنها على وشك الإنهيار ألما، فهذا الرجل يتمادى فى إنتقامه ويجبرها على أن تستسلم وهي بالتأكيد لا ترغب بالإستسلام، إشرأبت بعنقها متحاملة على ألمها تسير بكبرياء مغادرة بهدوء يتابعها بعينيه وقد إرتسمت فيهما نظرة قاسية ظللتها لمحة إعجاب رُغما عنه، حانت منه نظرة إلى آثار القهوة المسكوبة لتتداعى قسوة ملامحه وهو يزفر بقوة، يدرك أنه يتمادى فى قسوته ويتصرف على غير طبيعته ولكنها بالتأكيد، تستحق ذلك.

كانوا يجلسون على طاولة الطعام يتناولون الإفطار، حين قالت(أمنية):
-أنا هعمل ساندوتشات لفارس عشان يفطر، خدهاله اوضته ياصادق ده مداقش حاجة بقاله يومين.
ربت بيده على يدها وقد ظللت وجهه إبتسامة ممتنة مالبثت ان تلاشت وقد حل محلها الدهشة وهو يرى أمامه( فارس)، يقف قرب الطاولة يطالعهم بصمت. طالعوه بدورهم ليقول بهدوء:
-أنا، آسف.

ثم تقدم تجاه الطاولة وجلس عليها بهدوء، يشرع فى تناول طعامه وهو يتطلع إلى صحنه بصمت، فنظرت (أمنية)ل(صادق)بدهشة مالبثت ان ظللتها إبتسامة سعيدة بادلها إياها وهو يومئ برأسه، يشعر بأن تأسف (فارس)على ماحدث منه هي بداية مشجعة سيتبعها خير كثير بإذن الله.

كان يتناول قهوته بينما (قمر)تنظف السجاد بيدها السليمة، يدها الأخرى تحرقها وتجعلها تإنّ ألما تجز على أسنانها كي تمنع آهة ألم من الإندفاع خارج ثغرها، قال(اكرم)بسخرية:
-مش عارفة تنضفى شوية قهوة، أنا مش عارف مشغلك عندى ليه وانتى مش نافعة فى أي حاجة؟ماأرميكى فى السجن وأرتاح منك.
لم تتفوه بكلمة وقد غشيت عيناها الدموع رُغما عنها تستميت كي تبدو صلدة ومتماسكة، بينما أردف هو قائلا بصرامة:.

-الحاجة الوحيدة اللى مانعانى من انى أسجنك إنهم هيعدموكِ والموت بالنسبة لأمثالك راحة ومش هيشفى غليلى. اللى هيشفى غليلى إنى أشوف قمر بنت الحسب والنسب مذلولة قدامى وموطية راسها كدة بالظبط، اللى هيشفى غليلى إنى أحس بعذابك قدامى وانتى عاجزة تردى علية أو ترفضي.
ظلت صامتة تحاول بكل جهدها ان تحتفظ بدموعها حبيسة مقلتيها. يهددونها بالسقوط أمامه وهي لن تسمح له برؤيتها ضعيفة أبدا مهما تحملت من أجل ذلك.

أثار حنقه صمتها فطالعها للحظات بغضب قبل أن ينهض متجها إليها وواقفا أمامها قائلا بغيظ:
-قلتلك إشتغلى كويس وإنجزى، مش هنقضى اليوم كله وانتى بتمسحى بقعة قهوة.
تجاهلته تماماً فإنحنى حانقا يسحب يدها التى لا تعمل بها بعنف قائلا:
-تشتغلى بإيديكى الاتني..

قاطعه صرختها وهي ترفع وجهها إليه فهالته دموعها التى سقطت أخيراً وأعجزه الألم فى صرختها عن التفوه بحرف تتبع نظراتها ليدها التى تسكن يده، فإحتبست أنفاسه من الصدمة وهو يرى بقعا حمراء إنتشرت على كفها وبدأ بعضها بالفعل بالتورم، سحبت يدها من يده فطالعها قائلا بصوت شحبت نبراته كملامحه تماما:
-من القهوة. صح؟

لم تجبه وهي تنهض مشيحة بوجهها عنه تضم كفها بيدها، ليغمض عينيه ويلعن تهوره قبل ان يفتحهما معتدلا وهو يقول:
-إستنينى هنا، ثوانى وراجعلك.
ليغادر مسرعا فتنهدت (قمر)وهي تطالع كفها بقلة حيلة، تجلس على الكرسي خلفها وقد أنهكها كل مايحدث وجعلها عاجزة عن الوقوف، عاد بعد لحظات وبيده علبة إسعاف أولية يجلس امامها ويفتح العلبة ثم يسحب كفها، جذبته منه فتمسك به قائلا بحزم:.

-من فضلك الحروق دى مينفعش يتسكت عليها وانتى عارفة كدة كويس، أنا، أنا مش عايزك تقصرى فى واجباتك بسببها. مفهوم؟
تركت له كفها يعالج حروقها بحنكة، تحاول أن توقف إرتعاشة جسدها بسبب لمسته إياها والتى فسر سببها كونها متألمة بينما أنفاسه التى تلفحها وهو يميل تجاهها تجعلها تتطلع إليه، يصرخ قلبها بكل قوة.
عُد رجلا قاسيا صلدا، فهذا الرجل أستطيع التعامل معه.

أما الرجل الذى أمامى الآن فيذكرنى برجل احببته يوما بقدر الحروف التى تحملها أسامى العاشقين.
أحببته رغم القيود ورغم كل شيء.
أسرنى عشقه فعزفت عن حريتي وسلمته أمري.
ذكرياتي معه تطفو الآن للسطح وتعتصر القلب شوقاً.
كانت أجمل ذكريات العمر. غلب طعم الفرحة فيهم كل شيء.
نُحتت تلك الذكريات فى القلب وإستحال طمسها.
حتى بعد أن لوثها الغدر وطالتها الخيانة النكراء.
ظلت نقية كروح طفلة صغيرة لم تُدنسها الشرور.

تُجبرنى على الحنين لسعادة لم أشعر بها سوى مع هذا الرجل الذى أحببت يوماً وصار اليوم عنى، غريبا.
حانت منه نظرة إليها فتوقف الزمن، ونظرة عيونها تجبره على العودة بالذكريات، عيناه تخاطب عيناها وقلبه يخاطب مثيله.
=كنتِ لى وطنا فلماذا أنكرتنى؟
إذا لم تكن أهلا لكلمة أحبك فلماذا قلتها؟
=ألا تخجلين من التحدث عن الحب وقد جرحتى القلب بسكين الغدر؟
أخبرتك أن فراقك سيقتلنى، فرحلت ولم تأبه.

=لغدرك رحلت مُحطم القلب مُنزوع الروح ومُهدّم الوجدان
كل خائن يختلق لنفسه الأعذار وقد خنت قلبى وابتعدت وأنا فى أمس الحاجة إليك.
=تخليت عن العشق مُجبرا لإنى طُعنت بسكين الغدر مرتين، مرة حين منحتك قلبى فألقيتيه كما تلقى بأشيائك القديمة فى سلة القمامة، ومرة أخرى قضت على كل ما حاولت التشبث به حين ادركت أنك إمرأة بلا قلب تقتل أحبتها دون رحمة.

عند تلك النقطة نهض يطالعها بقسوة عادت تغزو ملامحه قبل ان يغادر الحجرة بخطوات غاضبة من نفسه، بينما تتابعه بعينيها التى غشيتها الدموع تتمنى لو كان (أكرم)أحبها حقا فربما كانت لتعيش السعادة بحق ولم تكن لتؤول فى النهاية إلى وهم كبير يعذبها فى كل لحظة.
قالت(رجاء):
-مش مرتاحة ياقمر. سوزان دى عقربة وأخدة بالها منى، ولا بناتها. لا تربية ولا أخلاق، أنا مش عارفة إزاي حافظ بس ساكت على الكلام ده؟
قالت(قمر):.

-والله ياخالتى انا مستغربة اللى انتى بتقوليه ده، اللى اعرفه ان طنط سوزان ذوق جدا وبناتها زي الفل، مش معقولة تلات اربع سنين يغيروا الناس بالشكل ده.
قالت(رجاء)بحنق:
-انتى بتكدبينى ياقمر؟بقولك الست مش طايقانى وبناتها داخلين خارجين كدة من غير إذن وماشيين بكيفهم، المتجوزين والبنت اللى لسة. هو أنا مستقصداهم ولا مش طايقاهم فبتلككلهم مثلا؟!
قالت(قمر):
-طيب إهدى ياخالتى متتعصبيش، الموضوع مش مستاهل.
قالت(رجاء):.

-لأ مستاهل، مش كفاية بعيدة عنك وعن حفيدى تيام لأ وكمان بتعامل معاملة هنا مايعلم بيها غير ربنا، والله لولا الزفت اللى قاعد عندك فى المزرعة وهيحرق دمى وجوده مكان ابنى كنت رجعتلكم ومترددتش ثانية.
قالت(قمر):
-خلاص ياخالتى إهدى بس، أنا خايفة على صحتك.
قالت(رجاء):
-سيبك من صحتي وقوليلى، عامل معاكى ايه سى أكرم؟

زفرت (قمر)وهي تتذكر تجنبه إياها منذ ذلك الحادث فى مكتبه وإنشغاله الدائم فى الأرض، حتى أنه يرسل فى طلب الطعام ليأكل بالخارج، تشعر ببعض الراحة فى عدم مواجهته. الى جانب انه أعاد عم(خلف)لعمله فى الحديقة فأراحها ذلك من العمل الشاق بها، لتحصل على يومان هادئان تدرك أنهما هبة من الله كي تستعيد عافيتها ونفسها التى تشعر بالتخبط فى الفترة الأخيرة بين حنينها و جُرحها.
أفاقت من افكارها على صوت خالتها وهي تقول:.

-قمر. روحتى فين يابنتى؟
قالت (قمر):
-معاكِ ياخالتى، هقولك ايه بس؟لسة على حاله. ربنا يعدى الأيام الجاية دى على خير.
قالت(رجاء):
-يعنى ايه؟هنفضل كدة كتير ياقمر؟
قالت(قمر):
-لغاية ما ربنا يرزقنا مخرج، بقولك ايه. تيام جه أهو من برة وعايز يكلمك.
قالت(رجاء)بلهفة:
-إديهولى.

ناولت(تيام)الهاتف يتحدث إليها بينما جلست جواره تقوم بطي الملابس وذهنها يشرد فى الماضى رُغما عنها، يستعيد الذكريات، لتنطلق من صدرها تنهيدة حارة وهي تدرك أنها لم تكن قط سعيدة كسعادتها معه هو، حبيبها، وخائنها.
قال (عادل):
-ماهو لازم تاكلى حاجة، أنا عازمك على الغدا على فكرة.
زفرت(نهال)قائلة:
-مش قادرة آكل حاجة ياعادل بجد كُل انت بالهنا والشفا.
ترك(عادل)شوكته قائلا:.

-كل ده بسبب طنط رجاء، انا مش قلتلك تتجنبيها خالص ومتحاوليش تدخلى معاها فى حوار.
قالت(نهال)بحنق:
-وانا عملت كدة فعلا، بس هي اللى مصممة تتدخل فى شئونى الخاصة وتعصبنى.
قال (عادل )بهدوء:
-لازم تتحمليها دى ضيفة عندكم والضيف لازم يُكرم.
مال فمها بسخرية وهي تقول:
-مش لما الضيف الأول يخليه فى حاله وميحشرش نفسه فى امور الناس اللى استقبلوه عندهم وفتحوله دراعتهم.
قال(عادل):.

-مهما كان طبع طنط رجاء هتفضل ست كبيرة فى السن وواجب احترامها وتقديرها.
قالت(نهال):
-شوف انت بتقول عليها إيه وهي بتقول عليك إيه، دى بتقول..
قاطعها قائلا بحزم:
-مش عايز أعرف، ومتتعوديش تنقلى كلام اتقال قدامك يانهال. الرسول عليه الصلاة والسلام قال(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا او ليصمت)واتكلم كمان عن الغيبة والنميمة..
طالعته بخجل قائلة:.

-عليه أفضل الصلاة والسلام، أنا آسفة ياعادل. انت عارفنى وعارف انى مش كدة بس..
صمتت لا تدرى كيف تبوح بمخاوفها وقلقها من تلك السيدة التى رأت فى عيونها خرابا تبغيه بعائلتها، فأفاقت على ربتة حانية من يد (عادل )على يدها وهو يقول:
-عارف ومقدر كل اللى انتِ فيه، بس لازم يكون عندك ثقة فى الله إنه مش ممكن يضرك أبدا وإن الخير دايما بينتصر. والشر مهما إنتشر فله آخر.

طالعت عيناه الدخانيتان واللتان بثتا فيها ثقة جعلتها تقول بثبات:
-معاك حق، ثقتى فى الله كبيرة وبإذن الله هيحمى عيلتى من أي شر.
إبتسم (عادل)قائلا:
-يبقى هتاكلى معايا مش كدة؟
بادلته إبتسامته وهى تمسك شوكتها قائلة:
-هاكل طبعا، أنا جعانة جدا.

إتسعت إبتسامته وهو يمسك شوكته بدوره، يشرعان فى تناول طعامهما ويتبادلان الأحاديث حول ترتيبات العرس فى جو خلا تماما من المخاوف وشملته ثقة فى الله بأن كل شيء فى النهاية، سيكون على مايرام.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة