قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

حملت (قمر)بعض الأخشاب وإتجهت بها إلى حجرة الصغيرة (شمس)من أجل مدفئتها. حين دلفت إلى الحجرة وجدتها بداخلها تجلس على سريرها تبكى، وضعت الأخشاب من يدها على الطاولة وإتجهت إليها على الفور تجلس جوارها قائلة بقلق:
-مالك ياشمس؟بتعيطى ليه؟
ظلت الصغيرة تبكى دون كلمة فسحبت قمر يدها ووضعتها بين يديها قائلة بحنان:
-إحنا مش بقينا أصحاب؟
أومأت(شمس)برأسها بصمت، لتردف (قمر )قائلة:
-يبقى تحكيلى على اللى مزعلك.

قالت (شمس):
-بابا كل أما يشوفنى مع تيام بيزعقلى، هو عمره ماعاملنى بالشكل ده غير لما جينا هنا. أنا بحبك ياطنط قمر وبحب تيام وبحب طنط أمنية وآنكل صادق وسارة ودادة سعاد، بحبكم كلكم لكن كرهت المكان. أنا بفضل طول النهار لوحدى فيه. وتيام بيسلينى بس بابا مصر يبعدنى عنه.

أوجعتها كلمات الصغيرة وإرتباطها بولدها(تيام)، وتصارع مشاعرها مابين إرضاء رغبة والدها(أكرم)فى أن تنأى بعيدا عنه وبين رغبتها فى صحبته، فهي تعيش الوحدة فى هذا المكان رغم كل شيء كما أعلنت الآن. تنهدت وهي تربت على كفها الصغير قائلة:
-شمس حبيبتى، مفيش حد فى الدنيا ممكن يخاف على الطفل قد مامته وباباه، بيبقى كل همهم حمايته من الأذى وباباكى خايف عليكى مش أكتر.
قالت (شمس)بحيرة:
-وهو خايف علية من إيه بس؟

من شيء فى علم الغيب حبيبتي، شيء لن أستطيع إجبار عقلك على إستيعابه الآن فمازلتى صغيرة على إدراكه.
لا تستطيع(قمر) لوم(أكرم) على تفكيره فقد نمت بذرة حبها له وهي أكبر من(شمس)بعامين تقريبا وهو بكل تأكيد يخشى إرتباطاً روحيا ينمو مع الأيام ليصير حبا مستحيلا بكل تأكيد.
قالت(قمر):
-بابا خايف عليكى تتعلقى بتيام وبعدين تسافروا مثلا فيوحشك او تزعلى.
قالت(شمس):.

-وإشمعنى تيام؟ماهو شافنى بلعب مع سارة و فارس ومقالش حاجة.
لم تدرى (قمر) بم تجيبها ولكنها آثرت تغيير الموضوع قائلة:
-بقولك إيه، انا عارفة حاجة ممكن تروقك وتسعدك كمان، إيه رأيك تيجى معايا؟
نجحت بالفعل فى إثارة إهتمام الصغيرة التى قالت بلهفة:
-فين؟
قالت (قمر):
-أوريكى الزرعة الجديدة اللى زرعتها فى الجنينة، وأوريكى عملتلها إيه.
قالت (شمس)بحماس:
- يلا بينا.
قالت (قمر):
-نظبط الدفاية الأول ونروح، إتفقنا؟!

هزت الصغيرة رأسها بحماس ثم إندفعت تحتضن (قمر)التى تفاجأت بذلك ولكنها مالبثت أن ضمتها بدورها تربت على شعرها بحنان، بينما تراجع (أكرم)وهو يشيح بوجهه عن هذا المنظر متجها إلى حجرته بخطوات غاضبة، لقد جاء لغرفة طفلته يبغى أن يطمأن على حالها بعدما وبخها بشدة لعصيانها أوامره، يدرك كم هي رقيقة الإحساس لم تتعود منه على تلك القسوة فوجد عندها (قمر). كاد أن يدلف إلى الداخل ويبعدها عن صغيرته حين إشتكته الأخيرة إلى (قمر) ظنا منه أنها ستلوك سيرته بالباطل ولكن على العكس تماما فاجأته بتقديم مبررات لتصرفاته وهي تحاول بكل جهدها أن تخفف عن الطفلة، ثم رأى تلك السعادة التى شملت ملامح(شمس)حين أبدت لها (قمر)بعض الحنان. تفتقد صغيرته حنان الأم بكل تأكيد وقد وجدت فى (قمر)ذلك الحنان على مايبدو. يدرك أن (قمر)لا تصطنع حنانها على الأطفال فقد بدا واضحا دوما عشقها لهم ولكن جلّ مايخشاه هو إرتباط صغيرته ب(قمر)فيوما ما سيطردها بقسوة من حياته وهو لا يريد لصغيرته أن تتأذى جِراء ذلك لكنه فى الوقت الحالى لا يستطيع حرمانها ذلك الحنان الذى تغدقه (قمر)عليها، ربما سيفكر فى حل لتلك المعضلة ولكنه فى الوقت الحالى سيكتفى بالمراقبة فحسب يود لو يعرف لمَ لم تهجوه (قمر)امام طفلته؟وما الخطة التى ترسمها وتسعى إليها؟لو لم يكن يعرفها جيدا لقال أنها فقط، طيبة قلب.

تأملت(شمس) السور الذى أحاط بتلك البقعة من الأرض ولم يكن موجودا من قبل إلى جانب تلك الأعمدة المتراصة من مصابيح الفلورسنت، لتستدير بوجهها تجاه(قمر)التى تتطلع إلى المكان بدورها قائلة:
-فين البنفسج اللى قلتيلى عليه؟
إبتسمت(قمر)قائلة:
-لسة هينور المكان بلونه وجماله لما يزهر.
قالت(شمس):
-وليه حطيتى سور حواليه؟ واللمبات دى كمان. هو بيخاف زيي بالليل.
ضحكت (قمر)بقوة قبل ان تقول:.

-لأ مبيخافش بس زهور البنفسج مبتتزرعش فى الشتا ياشمس، بتتتزرع فى الصيف لإنها بتحتاج درجة حرارة كويسة وإضاءة بزيادة وعشان كدة ركبتلها اللمبات دى، اللى بيتزرع فى الشتا لازم يكون نبات متساقط الاوراق عشان يكون اقل تأثر بالجو او أشجار مستديمة وبنغطيها بالبلاستيك زي حافظة للاشجار، كمان بنرشها بمواد مخصوصة عشان نقلل الفاقد من المية.
طالعتها(شمس)ببلاهة، فإبتسمت (قمر)قائلة:.

-بمعنى أبسط جو الشتا قاسى وبيحتاج نبات قوى عشان يقدر يتحمله زي الصنوبر والتوت الأحمر.
قالت(شمس) بحماس:
-أنا بحب التوت جدا.
إتسعت إبتسامة (قمر)قائلة:
-هزرعلك حبة ياجميل.
إبتسمت(شمس)فى سعادة ثم مالبثت ان عقدت حاجبيها قائلة:
-لما البنفسج بيتزرع فى الصيف زرعتى منه فى الشتا ليه ياطنط قمر؟
قالت فى نفسها بغيظ(حُكم القوى)، واكتفت بقول:
-تغيير ياشموسة.
قالت(شمس) وهي تتطلع إلى الحديقة:
-الجنينة شكلها حلو أوى.

قالت(قمر)وهي تتاملها بدورها:
-فعلا، عم خلف أحسن جناينى فى الدنيا.
قالت(شمس):
-هو فين؟
قالت(قمر) وقد شعرت للتو بالذنب لتقصيرها فى حقه، فلم تذهب إلى منزله وتطمأن عليه خاصة وهي تعلم بمرضه:
-عيان شوية، بإذن الله يبقى بخير ويرجعلنا بسرعة.
لتردف فى نفسها:
-عشان يرحمنى منه بقى ومن طلباته اللى مبتخلصش فى الجنينة. نضفى الحتة دى، قصرى ورق الشجرة دى، ناقص يقوللى شيلى كل الزرع وابتدى من اول وجديد.

أفاقت من افكارها على صوت(شمس)تقول بحماس:
-الله. شفتى الفراشات الحلوة دى.
قالت(قمر)بإبتسامة:
-عشان تزرعى الجنينة صح لازم تخصصى مكان تحطى فيه الحبوب عشان تيجى العصافير. وتزرعى نبات بتحبه الفراشات لإن وجود العصافير والفراشات بيساعد على نمو النبات.
قالت(شمس)بإنبهار:
-إنتِ عرفتى كل الحاجات دى منين؟

مرّ بخاطرها. فعلت ملامحها إمارات الحزن وهي تتذكر بعض اللحظات معه. حين علمها كل شيء عن النبات فأضحت مثله عاشقة، ولكن إن تخلى هو عنها فأرضها لم تتخلى عنها. على الأقل ليس بإرادتها.
افاقت على صوت( شمس) وهي تقول:
-طنط قمر. روحتى فين؟
قالت(قمر):
-ها. انا معاكِ ياحبيبتى، إيه رأيك أفرجك على عش عصافير قريب من هنا؟

ظهرت السعادة على وجه (شمس)تمد لها يدها بحماس فامسكت(قمر) بكفها الصغير تسير معها جنبا إلى جنب، بينما تتابعهما عينان وقف صاحبهما فى الشرفة غير راض عن تلك العلاقة التى تجمع صغيرته بتلك الخائنة ولكن تلك السعادة على ملامح طفلته حالت دون أن يقف فى طريقهما، يفكر جِديا بالتخلى عن إنتقامه والعودة من حيث أتى، فمنذ عودته لم يستطع رغم كل مايفعل أن يشعر بالرضا وهذا حقا يقلقه، تماما.

هرولت (امنية)عندما سمعت صراخ إبنتها وبكائها لتجد (سارة)تحاول أن تأخذ شيئا من(فارس)يخفيه وراء ظهره وهو يطالعها بسخرية، هدأ قلبها المتسارع الخفقات قليلا وهي ترى أن كليهما بخير، لتقول موجهة حديثها لطفلتها بهدوء:
-فيه إيه؟بتعيطى ليه ياسارة؟
اشارت (سارة)ل(فارس)قائلة من وسط بكائها:
-أخد منى عروستى ومش راضى يديهالى.
نظرت (أمنية)إلى (فارس)قائلة:
-ومش راضى تديهالها ليه يافارس؟

أخرجها من خلف ظهرها ورفعها وهو يكسرها قائلا:
-أهى. إتفضلى.
ثم ألقاها أرضا لتنظر إليه (أمنية)بصدمة بينما إنطلقت (سارة)تبكى وهي تهبط على ركبتيها تحمل اجزاء عروستها بكلتا يديها، بينما تقدمت (أمنية)من( فارس )قائلة:
-ليه عملت كدة؟
قال بسخرية:
-مزاجي.
قالت(أمنية):
-اللى عملته غلط، اعتذر من أختك فورا.
قال بتحدى:
-مش هيحصل.
قالت (أمنية)بحزم:
-يبقى هتضطرنى اقول لباباك.
تغيرت ملامحه للغضب قائلا:.

-أكيد هتقوليله عشان تفرقى بينى وبينه زي مافرقتى بينه وبين ماما، مش كدة؟
قالت (سارة)صارخة:
-متقولش على ماما كدة، انت وحش.
قال لها بحدة:
-وانتى هتطلعى لمين غير..
قاطعه صوت والده الذى هدر فى المكان قائلا:
-فارس.
نظر الجميع تجاهه فقال (صادق)الذى تجهمت ملامحه بقوة، موجها حديثه ل(فارس):
-إعتذر لطنط أمنية. حالا.
قال(فارس)بحدة:
-مش هعتذر.
ازداد إنعقاد حاجبي (صادق)وهو يقول:
-إعتذر وإلا..
قاطعته (أمنية)قائلة:.

-خلاص ياصادق ملوش لزوم.
قال(صادق)بغضب:
-إسكتى إنتِ ياأمنية، إعتذر حالا يافارس وإلا..
قاطعه (فارس)قائلا بسخرية مريرة:
-وإلا إيه ها؟هتحرمنى من الجنة اللى عايش فيها، انا اصلا مش عايزها ولا عايز أعيش هنا معاكوا انا عايز ارجع لحضن أمي هتعرف ترجعنى؟!
جز (صادق)على أسنانه قائلا:
-روح على اوضتك يافارس ومتطلعش منها غير لما اقولك.
طالعه (فارس)بغضب. ليهدر(صادق) قائلا:
-حالا.

سار (فارس)بإتجاه حجرته بخطوات غاضبة، بينما إتجه(صادق)لصغيرته وجلس على ركبتيه أمامها يمد يده ليأخذها بحضنه ويربت على ظهرها بحنان قائلا:
-متزعليش ياقلبي بكرة هجيبلك غيرها.
طالعتهما (امنية)بأسى وهي تفكر كيف تكسر هذا الحاجز المنيع بينها وبين(فارس)من اجل عائلتها الصغيرة، ومن اجل طفل يبدو عليه التخبط والحرمان، من الحب.

دلف (حافظ)إلى غرفة زوجته بملامح متجهمة، وما إن راته (سوزان)على هذا الحال حتى أدركت ان (رجاء)سبقتها بالحديث معه وبخّت سمومها فى آذانه كما إعتادت قديما، شعرت بنيران الغضب تلفحها ولكنها اجبرت نفسها على الهدوء كي تصلح ماافسدته تلك الحية، لذا تقدمت بإتجاهه مبتسمة وهي تقول:
-حمد الله على سلامتك ياحاج.
قال (حافظ)بغضب:.

-سلامة إيه بقى بعد اللى سمعته؟بقى كدة ياسوزان! خليتى بنتك متعملناش حساب ولا إعتبار، هي بقت...
قاطعته قائلة:
-متقولش كدة ياحاج، بناتى دول تربيتك قبل مايكونوا تربيتي انت عارف إن هم بيعملولنا ألف حساب.
قال (حافظ)بسخرية:
-ماهو واضح اهو. البنت وخطيبها قرروا يتجوزوا سُكيتى من غير مايشاورونا. فعلا عاملين لنا حساب قوى.
طالعته بهدوء قائلة:
-مش ده اللى عودت بناتك عليه ياحاج؟
عقد حاجبيه قائلا:
-عودت بناتي على إيه؟

اقتربت منه خطوة حتى صارت امامه مباشرة تطالعه بقوة قائلة:
-مش انت اللى عودتهم ياخدوا قراراتهم بنفسهم ويتحملوا نتيجتهم؟
طالعها بإرتباك قائلا:
-أيوة بس..
قاطعته قائلة:
-وبرضه قرار نهال ان يكون حفل جوازها على الضيق مكنش قرارها لوحدها، ده قرار مشترك بينها وبين خطيبها بتوجيهات منك.
قال بدهشة:
-منى أنا؟
إبتسمت قائلة:.

-إنت عارف قد إيه بناتك بيحبوك وخصوصا نهال. ده انت روحها ياحاج، فاكر لما قلت مرة قصادها إنك مبتحبش حفلات الأفراح الكبيرة وبتفضل الأفراح العائلية، هي عملت كدة بالظبط. اخدت برأيك وحابة تعمل الفرح عائلى. يعنى نيتها كانت رضاك مش زي اللى وصلك ما قال.
أشاح بعيونه عن نظراتها العاتبة ونبرتها اللائمة فى جملتها الأخيرة، ليقول بإرتباك:
-أنا محدش وصلى حاجة..
قاطعته قائلة:.

-انت حجيت بيت ربنا ومينفعش تكدب ياحافظ، عموما أنا عايزة اقولك حاجة واحدة بس. مترميش ودانك لرجاء وافتكر إنها مرة فرقت بينا ولولا ربك اراد يظهر الحقيقة عشان نصيبنا مع بعض كان فاتنا دلوقتى كل واحد فى ناحية، خد بالك ياحاج منها. أنا هعديهالها المرة دى بس قسما بالله إن عادتها مهخليها فى بيتي لحظة واحدة، أنا ممكن أعديلها اي حاجة إلا إنها تهدم البيت اللى بنيته طول السنين اللى فاتت دى ياحافظ.

مر بخاطر (حافظ)بعض الذكريات التى جعلته يعود إلى رشده ويبعد عنه الشيطان، يشكر الله على عقل زوجته الذى لطالما أعاده للطريق الصحيح ليمسك كلتا يديها قائلا:
-ربنا يباركلى فيكى وميحرمنيش منك أبدا.

شعرت (رجاء)التى كانت تتلصص عليهما من خلف الباب بالغضب يسرى فى شرايينها، لتعود إلى حجرتها على الفور وقد احست بحركة قريبة منها، تغلق الباب خلفها وهي تعقد حاجبيها. لم تفلح خطتها لإحداث صدع بين (سوزان) و(حافظ)ولن تستطيع الإقتراب مجددا من علاقتهما خشية تهديد(سوزان)بطردها خارج المنزل، وهي حاليا تحتاجه بشدة. فبالتأكيد لن تعود لتكون خادمة فى منزل المزرعة ك(قمر)ولن تتحمل ذُل (أكرم)لذا ستخضع فى الظاهر مؤقتا حتى تنال مأربها وتصبح سيدة المنزل. بلا منازع.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة