قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

ومرة أخرى لا يخلو قلب مرء من الألم، في غمار بهجته هناك جانب - مستيقظ دائما لسبب ما نجهله - سريّ يفتح ذراعيّه للدموع التي تطفيء اشراقة تلك الإبتسامة فنجده من الصعب المضي قدما متجاهلين حزمة الذكريات المرهقة المنجبرة أن تبقى حبيسة الأضلع التي لولا متانتها لانتصب الحزن على الجسد.

فجرا وقد اشتدّ المطر كما اشتدت الأيادي على معاطف أصحابها، كانت (ناتالي) في المرآب تركن سيارتها وقد اكتسحتها حمرة تشبه حمرة المرض التي التمعت تحت عرق الحمى و( مهران) يجلس بقربها محاولا البث بقلبها المنتفض سكينة لتجابه غيابه النهائي عنها، مهما قال مواسيا ومهما سيقول لن يزيل عنها غمامة الحزن التي حطت بإصرار على قلبها، انها تودع ابنا للمرة الرابعة، سيرحل وربما يتذكرها بعد أشهر بمكالمة هاتفية أو بالكريسماس بهدية بسيطة تحمل واجبه باتجاهها الذي يجبر عليه ثم تدريجيا يختفي كسائر الأشياء..

قال (مهران) وهو يفك حزام الأمان ليرتجل من السيارة كما فعلت هي:
أنت تجبرينني لأتذكر وجهك الباكي لمدة بقائي هناك إلى أن ألاقيكي ياحلوتي، أعدك أن أعود لتفقدك في أقرب وقت و...
قاطعته قائلة:.

لا أريد وعودا أيها الوسيم، عليك الرحيل ولست مضطرا للعودة، لقد عادت إلى ذاكرتي الأيام التي كنت أودع فيها أبناء مثلك، يقفون وقفتك ويعدون ألف وعد يتبخر ما أن تطأ أقدامهم بيتا غير صدري، كن بخير صغيري وتذكرني وأنت تبتسم، سأصلي من أجلك دائما.
نزلت دموع (مهران )واحتبست الكلمات بحنجرته فاكتفى بعناقها بصمت للحظات ثم أزاحته بهدوء وقد أمسكت يده وتوجها إلى داخل المطار ثم أردفت:.

مرت أيام وقد غطى فيها الثلج كل شيء وها قد أتى موعد رحيلك فأمطرت بغزارة كأن روما بعظمتها تبكي رحيلك.
فقال مداعبا اياها:
-إذن سأتذكركما باكيتين هكذا، كأنه عقاب لي!
كان عقابا أن يتجرع مرارة الفراق لعدة مرات بعد أن فارق والديه طواعيّة، كل الفراقات هيّنة إلا فراق( شذا)، ترك ندبة على قلبه كالتي على طرف جبينه كلما تحسسها تذكرها.

أقلعت الطائرة فودعته روما باكية وودعها بترك جزء من قلبه المنفطر فيها إكراما لسنوات إحتضانها له.

سويعات قليلة قد اتضح فيها النهار الشتوي الكئيب كانت قد حطت فيها طائرة (مهران )الذي لأول مرة شعر بشيء يشبه عدم الانتماء ليس للبلدة فحسب بل لجميع من حوله، لفه الصمت طوال الطريق بينما العم (كامل) سائق والده يثرثر بالاحتفال الكبير الذي يقيمونه على شرف عودته إلى وطنه فكان يكتفي بابتسامة باهتة لاتصل إلى عينيه.

وصل الوريث إلى قصره وارتجت الأجواء بقرع الطبول ونفخ المزامير فتبادر في ذهنه ناقص أبو تنورة ويبقى مولد الحاج عسران ورغما عنه ابتسم وهو يرى لهفة والده الذي يقترب منه بذراعين مفتوحين فضمه إليه بشوق كبير ثم أمسك وجهه بين كفيه كأنه يحاول اكتشاف ماقد نحتته بلاد الغربة بداخله وقال:
نورت بلدك ياولدي، الحمد لله اللي رجعك لينا بالسلامة، مافيش سفر تاني إنت واعدتني!
قبّل (مهران) يد والده وقال مطمئنا له:.

متجلجش يابوي معبعدشي من حديك واصل.
وبينما راح والده يدعوا له برضوان الله اقتربت والدته ومن ورائها أختيه هرولة ليسبقها ويقبل يديها ورأسها وهو يشدد من إحتضانها وهي تردد باكية:
-واخيرا عاودت ياولدي لحضني، حمد الله على السلام ياكبدي.
فتح (مهران) ذراعيه لاختيّه( راوية وزهرة )يحتضنهما بشوق كما تفعلان.

سحبوه إلى الداخل وسيل من الأسئلة يندفع حوله لم يوقفه سوى ظهور عمته (زبيدة )التي ابدت لهفة مصطنعة له غير انه قابلها بذات الود الذي قابل به عائلته فالتفتت إلى (ثريا) وقالت:
اهو ولدك عاود يمك ياثريا لاه وبجى حاجة كبيرة، مفخرة البلد كوليتها، عوجبال ماتفرحي بيه ياخيتيّ.
فردت عليها( ثريا )بتعال:.

وأنا فى ديك الساعة لما انجي لولدي العروسة اللي يشرفو أصلها وفصلها ونسبها وتبجى ست بنات البلد تؤمر، الغالي يرخص لها، عتفرحيلو مش اكده مانتي عامتو وخابرة انك مستنية اليوم دا كومان.
وضعت كل من( راوية وزهرة )يديهما على فمهما تكتمان الضحكات وقد لمستا في كلام كل من والدتهما وعمتها سبا وقذفا بطريقة راقيّة نوعا ما.

أما (مهران )فقد تأبط ذراع كل منهما وسار نحو السفرة الكبيرة التي قد وضعت عليها والدته فطورا شهيا لاتراه يليق سوى ببطن وحيدها وكان يقول لهما:
ممكن نفرح بحاجات تانية كاتير غير الجواز زي الوكل دا اللي يفتح النفس.
سحب كرسيا لوالدته فجلست على يمينه ثم لعمته فجلست على يساره فشرعت كل واحدة تصف في طبقه الأكل بلا توقف فاردف:
اكفاية اكده محدش هياكل غيري ولا اييه؟
قالت(ثريا):.

كل ياولدي تلاجي وكل امك وحشك، انت كل مرة تعاود خاسس كنك مابتكلش واصل، هي الحجة متولي مابتوكلكش؟
قال( مهران) وهو يضحك ملأ قلبه:
متولي مين ياأماي دي اسمها ناتالي نا، تا، لي!
دست قطعة كبيرة من الفطير فى فمه كأنها تمنعه من الضحك عليها أمام عمته التي همست جاهلة وقالت:
متولي متولي اجعد انا إياك ابرطم في اسمها الغريب مليش صالح بيها، كل ورم عضمك ياحبة جلبي.

أما (مهران )فكان يلوك مابفمه بصعوبة بينما اختاه تطالعانه بشفقة، جلس والده على رأس السفرة وقال:
انت عاودت جبل وجتك ياولدي، مش جلت تخرجك هيبجى فى شهر سبعة؟ إنت بخير ياسندي!
بلع لقمته برشفة ماء من الكأس التي ناولته إياه أخته (راوية )وقد حاول أن يكون كلامه مقنعا حين قال:.

بخير يابوي الحمد لله، أنا جدمت ملف تفاصيل مشروع تخرجي واتفجت أنا والدكتور هتواصل معاه بالنت وأرجع روما بداية شهر سبعة عشان تخرجي، يعني جعدتي اهناك مكنش ليها عازة فجلت أعاود، ولا شكلكم إتعودتوا على فرجتي واستغربتوني وسطيكم!
فقال الأب بود:
ياولدي من فرحتي بيك مش سيعاني لا أرض ولا سما، أنا كنت بعد سنين غيابك يوم بيوم واستنى ترجعلي وتجف في ظهري والحمد لله عاودت ودي فرحة عيد بجلوبنا كولاتنا.

فقال (مهران )وقد دمعت عيناه:
ياجماعة مصرين تبكوني ليه؟
واستقام يقبل يد والده ويدعوا له بطول العمر وقتذاك دخلت( نوار) تحمل بيدها صحن كبير فتهللت أسارير (زبيدة )وابنتها تلقي التحية عليهم فقابل( مهران) تحيتها بلطف وسألها عن أحوالها كما فعل مع أختيه، وضعت( نوار )الصحن بين يديه وقالت:
عملت ليك بسبوسة ياسي مهران، يارب تبجى أيامك كلاتها حلوة زي رجعتك.
هم( مهران )ليقول شيء فقاطعته والدته قائلة:.

ماكنش له عازة تغلبي روحك يانوار خير ربنا كاتير تسلمي يابتي، اجعدي حدا خواتك اهناك افطري معانا.
جلست (نوار) بجانب( راوية وزهرة) بينما قالت( زبيدة):
لا تعب ولا حاجة بتي نوار شايلة كل شغل البيت عني ولا عمرها اشتكت ونضيفة جوى وأكلاتها ماتتشبعش منيها، لمن سمعت برجعت مهران كانت هتعمل كل الوكل اللي يحبه بس أنا جلتلها هيحب ياكل من يد امه لول فعملت حلا عشان تحلي أيامه.
فقال (مهران) بمجاملة:.

تسلم يدك يابت عمتي، أصيلة ربنا يبارك، هاكل منيها بس لما افوق، استأذنكم اطلع أنام ساعة تعبت من السفر ومش شايف جدامي واصل، بس خليكم متجمعين عايز لما اصحى ألاجيكم عشان جبتلكم هدايا على الله تعجبكم.
غادرهم وأمه تنظر في طيفه وتردد:
- رجعتك أجمل هدية ياولدي.

لاول مرة كان يشعر( مهران) أنه افلت منه شيء، إنه تائه ويشعر بغربة من نوع ما، أحاديث عائلته الطيبة التي كانت تطرب قلبه لم تعد كذلك، أيعقل ان يكون غياب( شذا )من فعل به ذلك؟ حتما هو، فقد شعر بانقباض قلبه حين تحدثت والدته عن الزواج إنه يعلم جيدا أن رجعته لن تكون بهذه البساطة ستعمل والدته على تزويجه مهما كلفها الأمر.

رجعة( مهران )أصبحت حديث البلدة بأكملها، فقد أقام العمدة بساحة البلدة وليمة كبيرة حضر فيها الجميع، بالرغم من أن الحاج (عسران) كان رجلا طيبا محافظا يحبه أهل بلدته غير أن هناك أعين حاقدة ونفوس غار عليها الكره تراقبه باستمرار..

عاد (راجى) إلى بيته الطوبي الذي يقع أطراف البلدة ودخل على والدته الغارقة في سحابة من بخور ورائحة كريهة من العقاقير تزكم الأنوف، عجب كيف تتحملها، كان كلما دخل عليها وضع شاله على أنفه ويناديها حتى تخرج إليه، واصل مناداتها وهو يسعل لكنها كانت مستغرقة فيما تفعل، ناداها عدة مرات لكنها لم تستجب له فخرج ينتظرها وهو يحوم حول نفسه وهو يردد:
- كنه محدش اتعالم غير ولدك في الدنيا دي ياعسران.

مرّت قرابة الساعة أو أكثر على ظهور (عوالي) من غرفتها كان يبدو عليها الإرهاق جلست وهي تجفف العرق من وجهها وقالت:
مش جيلالك ميت مرة يابهيم انت معتهوبش ناحيتي لما يحضروني، رايد هبل أكثر من اللي راكبك اياك!
قال بملل:
واه راح من بالي، مهران الهواري رجع وأبوه دابح نص بهايمه ومفرجها على البلد كلياتها وماشي فشخرة بين الخلج كنه الريس ذات روحه.
ضحكت( عوالي) على غضب ابنها وقالت:.

اباه، انت مالك بيه ياحزين مايتفشخر؟
استقام بغضب وهدر:
مهران زين وانا لاه؟ احنا بعمر بعض هو يعاود الباشا مهران وأنا اهنا خدام لعفريتك ومضحكة لاهل البلد، ليه ياأماي؟ليه هو اتعلم وانا لاه.
دفعته (عوالي) بيدها ليجلس مجددا ووضعت يديها على خصرها وقالت بحدة:.

هو ولد الباشا من يوم يومه وانت ولد الشيخة عوالي اللي الناس بتعمل لرضاها ألف حساب، هو اتعلم بس انت مجتدر، يبجى مين أحسن، معتخرفش ع الصبح جتتي مش مستاحملة، واطمن مش عيكون لا فشخرة ابوه ولا حاجة أمك عتعدله، جوم خلص موضوع الحرمة عتكون مستعوجاك، وعاود بسرعة عبعتك في جضية.
استقام متذمرا وخرج يتمتم:
-الحريم دي هدت حيل ابوي.
بينما (عوالي )تضحك من غيرته، ثم ضربت على صدرها ولسان حالها يقول:.

-بعد عن النار لعتحرجك إنت وابوك.
دقات خفيفة على الباب لتجدها (زبيدة) فتهلل وجهها ورحبت بها، جلست (زبيدة) بجانبها وقالت:
طمنيني يامبروكة عملتي ايه فى جضيتي عاد؟
اعتدلت (عوالي )في جلستها وقالت:
طلبات الاسياد واعرة، عتجضيها يخدموكي ماجدراشي يبجى حبي على يد خيّك يجوز بنتك ابنه.
انتفضت( زبيدة )من مكانها وقد تفت مرتين ثلاثة في ثوبها وقالت:
لاه، لاه طلباتهم مجابة على راسي الي عتعوزيه يحضرلك.

قالت(عوالى )بإستنكار:
وه وه، ماعيحضرليش أني، كله ليهم، مدد يا أسيادنا مدد.
وراحت تحرك رأسها وترفع يديها يمينا ويسارا و(زبيدة )ترتجف ذعرا وهي تردد:
-السماح يا اسيادنا السماح أنى جاهلة.
توقفت( عوالي) عما تفعله واردفت:
جبيلي حاجة لمستها يده وشعر من راس أمه و ريش طير مش مهم نوعه و و..
الأسياد طالبين دهب كتير، عندك دهب يابت الهوارة؟
بدأت (زبيدة )في نزع صيغتها ووضعها في حجر (عوالي) وهي تردد:.

-كله ليهم ما عايزاش حاجة.
قالت(عوالى):
وه وه دي جليلة ياحرمة!
قالت(زبيدة):
هجيبلك زييها لما أعاود، بس انتي ماتعوجيش فى قضيتي، أمه أم اربعة واربعين مش عترتاح غير لما تجوزه وتجهرني.
ابتسمت( عوالي )وهي تلملم الذهبات من حجرها وقالت:
ماشي، اجعدي مكانك هجيبلك حاجة من جوه!
اومات( زبيدة )برأسها بينما دخلت (عوالي) إلى وكرها كريه الرائحة ثم خرجت تحمل بعض الأشياء، جلست سيرتها الأولى وقالت:.

-خدي الحجاب دا، عتحفريله بعتبة باب جصر أخوكي بعد المغرب واسجيه بالمية ديا، و الرماد اللي فى يدك ده عتحطيه بمبخرة وتخلطيه ببخورك وبخري بيه بتك ريحتها مش عتعلج بمنخاره بس لاه عتعلج بدماغو كومان.
قبلت (زبيدة) يدها بفرحة غامرة وهي تشكرها وتتمنى لها طول العمر فاردفت (عوالي):
-متنسيش اللي جولتلك عليه ومهران عيبجى خدامك انتي وبتك.

لفت( زبيدة )خمارها على وجهها وخبأت أشيائها في حقيبتها ورجعت بيتها تتلفت يمنة ويسرة، من شدة لهفتها لم تنتظر إلى المغرب كما قالت لها (عوالي )بل استغلت انشغال الجميع ودسته أسفل نخلة عند عتبة المنزل وهي تحدث نفسها:
- ماعيفرجشي ليل من نهار، مهران عيجوز نوار يعني عيجوزها.

كان مايواسي (مهران )في هجران( شذا) له الأحلام التي تلتقي فيها روحيهما، لم يصدف له أن غط في نوم إلا ورآها - في الأحلام - كان يعاتبها على رحيلها فتسترضيه، يتحدثان طويلا كما اعتادا ويضحكان، يتجولان بأريحية كأنهما في عالم تواجد من أجلهما فقط، فيستيقظ (مهر)ان وقد أطفأ شوقه لها ليوم آخر.

كانت هناك أعلى الجسر الذي ألقت بنفسها منه لأول مرة، يدها تمتد إليه، كانت طافية في الهواء وهو يطالعها من الأعلى بقلب يرتجف يحاول إمساك يدها وماأن التقطها حتى هوى على الأرض بينما هي لاتزال طافية تطالعه بخيبة.

استفاق (مهران) وقد وقع من سريره على الأرض، كان جسده يرتجف وقد شعر بشيء يتسرب من روحه، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ودخل فتوضأ وصلى ركعتين شكرا لله وركعتين دعاء حاجة فتضرع ربه بكل مايعتري قلبه وجلس يسبح ويستغفر ويحوقل وختمها بالصلاة على الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.
وجه نظره إلى الساعة فوجدها تقارب الظهيرة فردد بينه وبين نفسه:
-الحمد لله هلحج الضهر جماعة.

حمل حقيبة الهدايا ونزل بها إلى الأسفل فوجد والدته تتحرك بنشاط وقد سحبته إلى الغرفة الصغيرة وقد همست:
اطلع من الباب الوراني في جمعة نسوان اهناك، إيجم يهنوني برجعتك ياكبدي.
فقال وهو ينظر إلى حقيبته:
والهدايا ياأماي؟
فقالت وهي تسحبها من يده:
هملها دلوك، روح لأبوك كان سأل عنيك من شوية وبعد الصلاة يكونوا النسوان انفضوا ساعتها عنشوف الهدايا.

استجاب (مهران) لكلام والدته وخرج من الباب الخلفي لمنزلهم والتحق بوالده وأهل بلدته من أجل صلاة الظهر ومن بعدها توجهوا للغداء بين الناس الذي استقبلوا رجعته بفرحة كبيرة.

كان( عواد وكامل) قد أحضرا الغداء إلى القصر من أجل النسوة المجتمعين هناك أيضا بعدما تخطيا الباب انتابهما دوار خفيف تجاهلاه ظنا منهما أنه نتيجة تعبهم مع كل هذه التحضيرات، كانت زوجتاهما تعملان بالقصر أيضا زوجة (عواد )كانت العمة( نفيسة) التي ساعدت (ثريا )في تربية أطفالها واهتمت بكل شؤونها منذ بداية زواجها، والست (حورية )زوجة (كامل )التي أصبحت فردا منهم منذ عملها هنا قبل أكثر من خمسة عشر سنة.

كانت (زبيدة) تحوم بالمكان كقط يبحث عن فأر وما أن غافلت الجميع حتى صعدت إلى غرفة (مهران) ودخلتها تقلب بين أغراضه عن شيء يمكنها أخذه وإخفاءه ببساطة فلمحت عيناها خاتما جميلا من الفضة على طاولته بجانب السرير فالتمعت عيناها وامسكته بسرعة ووضعته بداخل ثيابها ووضعت يدها على صدرها تتحسسه بنصر وتقول:
- معتكنشي غير لبتي ياولد ثريا وجتها هاخد حج أبوي اللى إتحرمت منيه.

خرجت مسرعة كما دخلت واتجهت نحو غرفة( ثريا) فوجدت الباب مواربا همت لتدخل لكن وجدتها هناك قائمة تصلي فهمست تحدث نفسها:
- عاملة فيها الحاجة خضرة ياثريا، ابجي ادعي لولدك هحسر جلبك علي اللى هعمله فيه.
لم تستطع انتظارها الى أن تنتهي فنزلت إلى الاسفل خوفا من أن يراها أحد.

كان قلب( نوار )فارغا يميل وفق ماتقوله والدتها فحسب، لقد أوهمتها أن( مهران) يحبها ويريدها لكنها حين لقائها به لم تشعر بشيء نحوه مازالت تراه بذات الصورة التي كانا عليها وهما طفلين كما انها لم تشعر بشيء في كلامه او نظراته يبين رغبته بها كانت في حيرة كبيرة من أمرها..
جلست الفتيات بالمطبخ يتناولن غدائهن برفقة العمة( نفيسة )والعمة (حورية) التي قالت:.

ولدي السبع، العيل كولاتها بتتحدت عنيه وكلاتهم رايدين نسبه، امها داعيالها اللى عتتجوزه.
لكزت (زهرة) (نوار )وقالت وهي تبتسم:
آمين، آمين! عوجبالنا يارب.
فقالت العمة (نفيسة ):
-يابت اختشي أهه..!
لتقول( راوية):
فرحة الولد غير العيلة كولاتها، عايزة تفرح بيه، واحنا فرحنا مش فرح عاد، الا محدش جال عجبال ما نفرح بيكم!
ربتت العمة (نفيسة )على يدها وقالت:.

كلاتكم جطعة من الجلب ياحبة عيني، فرح أخوكم فرح إنما فرحكم غصة بالجلب على فرجتكم، بس لما ربك يبعت النصيب هنجول أمين يابت جلبي.
فعادت (حورية) لتقول:
يابتي انتو شوية، لازمن اللي يريدكم يحفى ويلف السبع دوخات عشان ينولكم انتم بنات الحاج عسران بهيبته.
شعرت الفتاتان ببعض الطرب من كلام (حورية) إلا( نوار) التي قالت:
معاكي حج ياخالة، محدش له عازة ببت مالهاش أصل وفصل.
لتقول العمة( نفيسة):.

-وه وه لازمته حديتك ده ايه دلوك؟ انتي بتنا من لحمنا ودمنا أصلك يشرف كل البلد، اهيه.
قالت(نوار):
-لا ياخالة، أنا بت السوكارجي الجومارجي اللي انجتل عشان سرج الناس من أجل دينه اللي معرفشي يسدده، ده أصلي اللي يعيبني.
فقالت( رواية):
بكرة لما تجوزي اخوي هتبجي ست البنات كلاتهم دا اصلك اللى عتفتخري بيه من اهنا وجاي، فاهمة ياام دماغ تخين.

احتضنت الفتيات بعضهن بمشاعر أخوية يشعرن بحزن بعضهن البعض، قاطع ذلك دخول( زبيدة) وهي تنادي على( نوار):
انتي اهنه وانا بدور عليكي، تعالي عاوزاكي فى حاجة.
غادرت( نوار) تتبع والدتها التي اتجهت نحو منزلهم الذي لايبعد سوى بضعة أمتار عن بيت أخيها وما ان دخلتا حتى همت( نوار) بسؤالها:
في ايه ياأماي جايين ومهملين بيت خالي في الوجت دا ليه؟

فقالت (زبيدة )وقد وضعت ذاك الرماد في المبخرة وعليه بعض البخور المعطر واشعلته وراحت دخنته تعلوا في الفضاء مشكلة سحابة كبيرة ادمعت عينيهما فسعلت (نوار )كثيرا ثم دفعتها لتجلس ووضعت المبخرة بيديها وهي تفرد شعرها المضفور وتتمتم بكلام غير مفهوم لتتذمر (نوار)قائلة:
-عتخنج من الريحة العفشة دي، بتعملي اكده ليه عاد؟
لتقول بحزم:.

-ببخرك من العين وكيد النسوان، اجعدي اهنا هبابة وبعدين اكتميها هتطفى لوحدها اوعك ترشي عليها ماي، خابرة انك هبلة، اكتميها وعتطفي، وبعدين عاودي بيت خالك ماتغيريش خلجاتك عاودي زي ماانتى دلوك، اوعي تعوجي.

تركتها (زبيدة) غارقة في دخان المبخرة وعادت بسرعة إلى القصر فرأت( ثريا )منشغلة بتوديع النسوة فصعدت غرفتها واخذت بضعة شعيرات من مشطها ونزلت بسرعة ثم خرجت من الباب الخلفي متوجهة مرة أخرى إلى بيت (عوالي) من أجل اتمام المهمة.

اطفأت( نوار) المبخرة كما أوصتها والدتها وأعادت ضفر شعرها ووضع المنديل عليه ثم توجهت نحو بيت خالها مسرعة فتعثرت بحفرة على جانب الطريق فالتوى كاحلها ووقعت على ركبتيها متأوهة، كان (راجى) يمر من هناك فركض نحوها ليساعدها:
انتي زينة يا اسمك ايه؟
فنظرت إليه بغيظ وصرخت:
-مالكش صالح بيا غور من اهنه!

فتقابلت عيناهما وقد استنشق عبيرها الذي انغرس بقلبه كسهم رام محترف فتلعثمت على شفتاه الكلمات ووقف يطالعها بدون حراك فكانت كلما تحاول الوقوف تنزلق رجلها لتجلس على الارض متأوهة فهمست بحنق:
-بينى كسرت رجلي.
قال ببلاهة:
هاه!
كان مأخوذا بكل حركاتها حتى أنه لم يستمع إلى ماقالته إلا حين بدأت تعرج وهي مبتعدة عنه عائدة إلى منزلها فتبعها من بعيد دون أن تشعر وحال لسانه يقول:
-شكلك وجعت ياولد عوالي.

جلس (مهران) إلى جانب، بعيدا عن الضجة وفتح كاميرا هاتفه يتحدث مع( ناتالي) وقد صور لها بلدته التي أصبحت مبتهجة بعودته، أما هي فكانت مستلقية في سريرها لم تتناول شيء منذ رحيله، لكن اتصالها أعاد إلى قلبها الحياة فحملها إلى أن تدخل إلى المطبخ وتعد عجة وبعض الجبن لتتناوله بنهم.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة