قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

رواية على الرقاب قدر نافذ للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

قبل أن ينتهي عمري كنت أتمنى أن يتحول طيفها إلى حضورها المادي حيث أتخلص من شوقي برؤيتها ولمس يدها، أن نتعاتب كثيرا ونتصالح بكلمة واحدة، أن يعمينا الحب فنركل كل الأولويات بعيدا ونتصرف بأنانية عاشقان فلا نرى من حولنا سوانا، إنها مجرد أمنية فماذا لو تحققت؟

جلس( مهران )على المقعد في الممر وأمسك قلبه الذي لم يتوقف عن الانتفاض لمجرد أنه تخيّلها، ضرب بيده على حافة الكرسي وهو يخاطب نفسه:.

-مايصوحش حالتك دي ياولد الهواري ماأنتاش أول من حب وماطالشي، بجيت فى رجبتك حرمة دلوك لازمن تنسى اللي كان وتعيش ماتظلمش روحك وتظلم البت اللي بتحبك معاك، شذا راحت وماعترجعشي، هملتك من غير ماتجول حاجة تبجى مش مهم عنديها، اثبت ماتخليش العشج يعميك ويعيشك فى وهم مالوش اخر، بدارة جدرك، بدارة وبس!

استقام وهو يمسح على وجهه المحمر من الإنفعال ثم توجه نحو غرفة النزيل الأجنبي الذي يسبب مشكلة لطاقم الخدمة بالفندق، طرق الباب ففتحه شاب في منتصف العمر يلف منشفة حول خصره يبدو عليه الإمتعاض فقال (مهران):
طاب يومك سيدي، أنا السيد مهران المسؤول عن إدارة الفندق، من الواضح أن لديك مشكلة فأتيت لاستفسر عنها.
فأجابه:.

آه المشكلة! كل ما في الأمر أن خدمتكم سيئة طلبت مشروبا عدة مرات فكانوا إما يتجاهلون طلبي أو يرسلون شيء آخر غيره، هذا أمر مشين بالنسبة إلى فندق كبير وذو سمعة كفندقكم.
فقال (مهران )بغيظ:
لقد أعلمك المدير أننا لا نقدم الكحول هنا ولا نسمح بدوخلها مهما كانت مكانة النزيل هذا أولا أما عن تصرفك العنيف في ضرب أحد الموظفين هذا غير مقبول نهائيا وهذا ثانيا أما بالنسبة...

وقد أزاحه جانبا ودخل إلى الغرفة ليجد فتاة بلباس شبه عار تعلك في اللبان بمياعة مما يدل على أنها رخيصة من الدرجة الاولى والتفت إليه وهو يشير إليها وأردف:
-أما بالنسبة إلى هذا الشيء، فليس غير مقبولا فقط بل يعرضك للطرد، لذا اجمع قمامتك وغادر حالا قبل أن أستدعي الشرطة أو الجأ إلى تعنيفك.
فقالت الفتاة:
مابالراحة يابيه ماكلنا بنسترزج!
قال هادرا:.

استرزجي بعيد عنينا اياكي تنشوي بنار جهنم دنيا جبل آخرة، امشي غوري من اهنا جبر يلمك.
سارت متمايعة نحو الباب بغضب فاوقفها الشاب وهو يقول:
ووووو مهلا إلى أين توقفي؟
اقترب منه (مهران) وأمسك بيده وطواها بعنف فانحنا الشاب متاوها وقال:
اسمعني جيدا وقد بدأ صبري ينفذ، أمامك عشر دقائق وأراك أمام مكتب الإستقبال وإلا لن يعجبك ماذا سيحدث.

ودفعه ليسقط أرضا يمسك بيده، اما الفتاة فأطلقت ساقيها للريح خوفا من غضبه، خرج وهو يسب ويلعن في أمثال هذه الفتاة اللواتي يغرقن في القذارة مع أيٍ كان.
نزل إلى الأسفل وطلب من موظف الإستقبال أن يرسل رجلا أمن إلى الغرفة في حالة عدم مغادرة هذا الشاب الأرعن كما طلب منه أن ياخذ بالإضافة إلى فاتورة إقامته تعويضا من أجل الموظف الذي قام بضربه وقد قدره بمئة دولار.

عاد (مهران )إلى أخته وزوجته فعادت إليه بشاشته وهو يقودهن إلى الخارج للتجول حول الفندق وحين خروجه صادف الشاب مجددا الذي تطلع فيه بغل وهمس كالفحيح:
- ستدفع ثمن إذلالي، تذكر هذا.
فقالت (بدارة) بذعر:
الأصفر دا بيجول إيه شكله مابيطمنشي؟
فأجابها (مهران):
ماجالش حاجة هما الخواجات اكداه باردين كيف بلادهم.
فقالت:
جطيعة داهية تودي! أنا مبسوطة جوي الموكان يجانن ياسي مهران ولا الجنينة تشرح النفس.
فقالت (راوية):.

إنتي لسة شفتي حاجة، الموكان دا في الربيع حاجة تانية خالص ماعتعوزيش تطلعي منه، تنسي روحك إهنه.
ابتسم (مهران )وقال:
اليوم مافيش مطرة إيه رايكم نركب جارب ونتجول شوية فالنيل وناكل سمك مشوي كومان العم عيد اكله بيفتح التفس.
فقالتا معا بحماس:
موافجين جوي ااا.
قادهما (مهران )إلى الجهة الغربية من الفندق، بحث عن عم (عيد) المسؤول عن القوارب الشراعية.

واليخت الكبير الذي جعلاه كمطعم متحرك على النيل فوقف (مهران) يتحدث مع (عيد) بينما وقفت (بدارة وراوية )جانبا فلمحت (بدارة )أخيها يأتي باتجاههم فانفرجت أساريرها ولكزت( راوية )وقالت:
دا خيي ناجي!
فقالت (راوية):
ودا إيه اللي جابه اهناه!
رفعت (بدارة )كتفيها على أنها لاتدري بينما هو يقترب وقد ألقى عليهما التحية ففتحت( بدارة) ذراعيها له تضمه من فرط اشتياقها له فضمها هو الآخر ومسح على رأسها وهو يقول:.

وحشتني يابدر دارنا، كيف حالك ياخيتي؟
قالت بحنان:
زينة ياخوي الحمد لله طمني عليك وعلى ابوي هو سامحني مش اكداه ولا لساه شايل مني؟
ربت (ناجي )على خدها وقال:
ويشيل منك كيف وانتي نن عينه مايغركيش زعله هو متوحشك جوي وراضي عنك بس انتي جرحتيه بعملتك كومان وانتي اللي لازمن تطلبي الصفح منه يابدارة.
اقترب( مهران) منهما فصافحه( ناجي) وقال:
سالت عنيك في الريسيبشن جالولي إنك اهنا.
فقال (مهران):.

ابن حلال ياابو نسب تعال ويانا، هنتغدا مع بعض ونتحدت.
أومأ( ناجي) برأسه وقد التفت نحو (راوية) التي بدت غير مكترثة بوجوده بل وكأنه ضايقها فلن تكون على راحتها بوجوده، ناداهم العم (عيد) فتوجهوا نحو اليخت الكبير الذي يعج يالركاب من رواد الفندق ثم جلسوا على الطاولة التي أعدها من أجلهم وتحرك اليخت فوق صفحة النيل الرائقة.
قال (مهران):
إنت بتشتغل إيه صوح ولا لساك بتدرس، منا ماشفتكش من جبل بالبلد؟

فاجابه (ناجي ):
ماانا كنت بدرس بالاسكندرية والحمد لله اتخرجت السنة اللي فاتت من كلية الحقوق واتعينت معيد بنفس الجامعة وجنب منيها بتدرب بمكتب محاماة سمعته كويسة.
استندت (بدارة) على كتف أخيها بفخر بينما قال (مهران ):
ماشاء الله ربنا يرزجك من حلاله ويوفجك يارب.
فقال (ناجي ):
والله ياخوي أنا جيتك عشان حاجة ويارب ماتردني.
فقال (مهران):
وه، ماعاش اللي يردك ياسبع جول وربنا يجدرني أكون كد جولك.

فقال (ناجي) بامتنان:
-الله يكرم أصلك ياأخوي.
ثم أردف:
-بصراحة أبوي لساه زعلان من اللي عملته بدارة بس متوحشها، والله بيدخل أوضتها ويمسك صورتها ويجعد يعاتب فيها ويدعيلها تكون بخير.
ابوي كبر، وجع الجلب مش لايج عليه ياخوي، اللي عايزه منيكم إنكم تطلبوا منه الرضا، تعزموه على بيتكم وتكبروا بيه دا عيفرحوا جوي، جلت إيه ياخوي؟

كلمات( ناجي) وقعت على قلب( بدارة) كالسكين فجعلتها تجهش بالبكاء بينما أطربت قلب (راوية )وقد اعظمته في نظرها وكيف لا وقد أتى ليصلح خطأ أخته ويطفيء غضب والده، استاذنت لتحضر بعض الماء من أجل (بدارة )بينما قال( مهران) وهو يربت على كتف (ناجي):
عااش يازينة الجبايّلة، طبعا موافج ياخوي وهيبجى بكرة على الغدا كومان.
فرد عليه (ناجي )قائلا:
الله يرضى عليك ولايردلك دعا أبدا.
في حاجة كومان لازمن أجولها..

فقال( مهران) وهو يبتسم:
جول ياخوي.
فالتفت نحو( بدارة) المبتسمة وقال:
جومي غسلي خلجتك واشربي مي هناك عند خيّتك.
ابتسمت( بدارة) وقالت:
بتوزعني اياك! ماشي ياماتر ياخبر بفلوس...
غادرت فأردف:
أنا رايد الجرب منيكم، رايد إيد الآنسة راوية بعد إذنكم طبعا.
صمت( مهران )قليلا ثم قال:.

مافيكشي حاجة تتعاب ياخيّ واللي شوفته منك دلوك يبين معدنك الاصيل لو على جولي فالف مبروك بس لازم أسأل أبوي ورواية هي صاحبة الشأن واللي فيه الخير ربنا يبارك لنا فيه.
استقام (ناجي )ومد يده يصافح (مهران) وهو يكاد يطير من السعادة فاستقام( مهران) بدوره يمد يده لكن (ناجي) سحبها وقام بمعانقته فربت( مهران) على ظهره وحال لسانه يقول:
-الله، دول هبل زي بعض ربنا يهني سعيدة بسعيدة.

المصائب التي وقعت على رأس (زبيدة) كانت نتاج أعمالها الشريرة، للمرة الأولى زالت الغشاوة عن عينيها فجلست تحاسب نفسها منزوية في غرفتها تبكي بمرارة، كان( عسران) يتجه نحو غرفته فسمع صوت بكائها ففتح الغرفة ودخل دون أن يستأذن فوجها تجلس على الأرض بجانب سريرها وهي تضم رجليها بيديها، وضع عصاته جانبا وجلس طرف جانب السرير يربت على راسها بحنان دون أن يتكلم فرفعت راسها والدموع تترقرق من عينيها لترى وجهه البشوش دائما كما العادة، وضعت راسها على ركبته وزاد بكاءها فقال:.

خيتي الحلوة اللي من ريحة أمي الطاهرة، اللي وعدتها عمرها ماعتعرف حزن تاني بعد ماترملت وهي لساتها صبية مين اللي بكاها وخلاني منحني جدام عهدي ليها؟
تأوهت من كلامه وهي تعض على يديها وتقول من بين شهقاتها:
مابستهلش اللي عملتو عشاني ولا بستاهل حنانك ياخوي، ورحمة أمي سامحني، سامحني على اللي عملتوا أنى ماجبتلكمشي غير وجع الجلب والراس من يوم يومي.
رفع وجهها نحوه وقال:.

تعملي اللي تعمليه مكانك في الجلب ماعيتغيرشي ولا غلاوتك هتنجص، انتي جطعة من جلبي من لحمي ودمي وأمانة ابوي وامي ربنا يجدرني وأكون كدها، لو عملتي حاجة غلط أكيد أني اللي هكون مجصر فى حجك ومانتبهتش عليكي، أني خابر يازبيدة إن الدنيا جات عليكي جوي وماكنتش الخي الشديد اللي تجدري تتسندي عليه مش لاني ماوجفتش جمبك لأنك كنتي عنيدة ومابتسماعيشي كلمة من حد، حتى عباس ياما جلتلك الراجل دا مش من مجامك ماليكيش صولح بيه بس انتي تبتي فيه أكتر ومع اكده مازعلتش جلت خيتي وحبت المهم تتهنى، الحاجة الوحيدة اللي حرمتك منيه ورث أبوكي مش لأني كلت حجك، لاه أعوذ بالله حجك على راسي لو ماخدتهوش إنتي هيبجى لبتك بالحفظ والصون، عباس كان طامعان فيكي عشان اكده وجفتلك في حجك، ياخيتي ماهما اختلافنا احنا بشر بس عمرنا ماعنفرط ببعض.

قبلت يده وقالت:
-احب على يدك ياخوي الحج بتي، نوار بتضيع مني ياعسران، نوار ضاعت، بتي ضاعت بتي ضاعت.
وراحت تلطم وتضرب على صدرها، جلس( عسران) بفزع أمامها وأمسك يدها وهو يقول:
اتهدي اكداه عشان افهم بتجولي إيه، نوار فينها؟ ضاعت كيف البت؟
فأجابته وهي تصرخ:.

كله مني، كله مني، أنا خليت بتي تترمي فى حضن الغريب بسبب حجدي وجلبي الأسود، مارعيتش بتي ولا اهتميت بيها، كت بقارنها دايما بالبنتة التانيين خليتها ماتعرفشي روحها، اول ماحد جلها كلمة حلوة نطت فى حضنه..
انقبض قلب (عسران) وراحت افكاره تعصف إلى إحتمالات لايحمد عقباها فقال بغضب:
البت فين يازبيدة انطجي، يانوار!
استقامت معه وتعلقت في تلابيبه وهي ترجوه قائلة:.

احب على يدك استر على بتي ماعيزاشي حد يعرف، ورحمة ابوي وامي وطي حسك.
وقف أمامها مذهولا وهي تبكي بهستيريا فقال بحزم:
انطجي ياحرمة بتك فين؟
خرت( زبيدة )على الأرض جالسة وقالت:.

بتي اتجوزت عرفي من ولد عوالي بنت الشيخة خضرة، ضحك عليها وهتك عرضها، اتعلجت بيه هملتنا وراحت حداه، بتي وطت راسنا ياعسران، بس مالهاش ذنب أنا اللي وصلتها لكداه أنا اللي خليتها تحس إنها ماعتتحبش، لما لجت حد كذب عليها صدجته، انا عايزة بتي ياعسران وماعيزاشي لاورث ولا مال ولاحاجة من الدنيا دي، جلبي اتحرج ياخوي، جايدة جواتي نار ماعتتطفاشي، رجعلي بتي احب على يدك.

وقف (عسران) كتمثال ملح نثرته الذكريات في كل الإتجاهات فهوى جالسا على ركبتيه من فرط الصدمة.
اقتربت منه( زبيدة) تحبو على ركبتيها وامسكت وجنتاه وقالت برجاء:.

ماتجتلشي بتي أنى الغلطانة وحيات ربنا أنى اللي وصلتها تعمل اكده، انا عملت شر كاتير فى حياتي، انى بتعاجب ببتي أغلى حاجة عندي، البت اللي بصلب طولي كل يوم عشان هي جنب مني، رجعاهالي وهاخدها واهج من اهنا اوعدك ماعتشوفشي خلجتنا واصل، بس خلصها من يد عوالي وولدها.
استقام (عسران) بغضب وقد امتقع وجهه وجحظت عيناه وقال:
الاجيهم فين؟ساكنة فين بنت الأبالسة اللي اسمها عوالي.
فأجابته بتلعثم:.

جنب، جنب المجبرة آخر دار بطرف البلد.
أومأ برأسه وغادرها.

اللقاءات التي يجبرنا عليها القدر تكاد مالاتطيقها أنفسنا، فبعد أن آلفنا الفراق وبدأ الجرح يلتئم ودماؤه تتخثر عاد ليفتح من جديد بألم أكبر ونزيف أقوى.

لايستطيع (عسران) أن يشرح ل(زبيدة) أنها ليست السبب في ضياع إبنتها بل هو، ماضيه يلاحقه بعد سنوات انحنى عوده فيها، (عوالي) ذاك الحب الذي أعماه حتى كاد أن يتخلى عن كل شيء بسببها لولا مرض والده وتأمينه على والدته وأخته وممتلكاتهم فتراجع عن الزواج بها والرحيل بعيدا ولم تشفع لها دموعها ولا توسلاتها له واليوم سيضطر للوقوف أمامها وربما التوسل إليها لترفع شرها عن المسكينة (نوار) التي لاحول لها ولا قوة.

كانت( نوار) قد جمعت بعض الأموال ومجوهراتها من أجل الرحيل بعيدا مع( راجي) وهاهما يجتمعان في كوخهما من أجل التخطيط لمستقبلهما.
يجلس( راجي) وبجانبه( نوار) تلف دثار وثيرا حولهما والنار مشتعلة على قرب منهما فوقها إبريق الشاي يغلي، قالت (نوار):
أنا هملت الدنيا كلاتها عشانك ياراجي، اوعدني إنك ماعتخلينش فى يوم أندم ولا اتحسر على عملتي.
فقال:
ندمتي؟
نفت سريعا:.

لاه! لو كان عندي شك فى حبنا ماكنتش عملتها، أنا واثجة فيك وبحبك ورايداك بس عايزاك تطمن جلبي.
قبل يدها وشدد من احتضانها وقال:
اوعدك ماعتندميش، هكون كل عيلتك ماعتشتجيش لحدا ولا تفكري بحدا غيري هنعمل عيلة لينا ونعيش وسط ولادنا مبسوطين يكونو شبهك وشداد كيفي..
ابتسمت (نوار) التي أعماها الحب وقلبها كله ثقة ب(راجي )المسحور بها.
وصل( عسران) إلى منزل (عوالي) وطرق الباب عدة مرات فاتت وهي تتمتم:.

وه فاكرني جاعدة ورا الباب ياللي بتخبط، جايه اهه.
فتحت الباب وهمت لتقول شيء فانعقد لسانها وتصبب جبينها عرقا من فرط انفعالها، فاستدار (عسران )وقال:
مدي وراي يابت خضرة!
تبعته بدون وعي حتى وصلا إلى مبنى كان للكتاب قديما وقفا بجانبه وقد اشتدت الرياح وبدأ الظلام يتسلل شيء فشيئا فقالت:
دي سنين ياعسران! جاي بعدها ليه دلوك؟
فقال:
ياريتها ماكانت! بتجرصي كيف الحية غدر ياعوالي؟ نوار ذنبها إيه تنتجمي مني فيها ليه؟

بس ماعستغربشي كيدك إنتي حيّة ربنا فكني من سمها أحمده لحدن ماموت.
غضنت حاجبها وتشدقت بابتسامة سخرية وقالت:
والله ولدي طلع سبع جابك على ملا خلقتك لبابي، ابن، أمه بصحيح.
ماليش صولح بنوار، الولاد اتجابلوا وعشجو بعض اعملهم ايه اياك؟
اقترب منها بغضب وقال:
نوار هربت مع ولدك؟
تجهم وجهها وانتفضت قائلة:
هربوا كيف؟ مش انت خدت عيلتك ع المدينة لاه ماهربوشي.
أمسكها من ذراعها بقوة وقال بصوت حاد:.

ولدك خد البت على انهي مصيبة ياعوالي؟
دفعته وقالت:
ماهخلهوش يهملني دا اللي بجيلي من دنيتي.
ركضت مهرولة فتبعها وقد ظن أنها تهرب منه وبعد أمتار قليلة توقفت عند كوخ قديم ودفعت بابه بقوة فلحق بها، هناك كانت ترقد( نوار )بجانب (راجي) ففزعا من هجوم (عوالي) عليهما ووثبا واقفين ذعرا.
قالت( عوالى) بغضب:.

ليلتك طين يابغل إنت، مش جولتلك ماعتهوبش ناحية بت الهوارة، مجرجرها وراك فى المخروبة دي كومان اهو جالك الجضى ياحزين.
تشبثت( نوار) بذراعه وهي ترتجف ثم قالت:
مين الست دي ياراجي؟
فقالت (عوالي) وهي تسحبها بقوة:
الست دي تبجى أمه ياحزينة، وخري اكداه!
مسكها (راجي) من يدها وبدا يبعدها عن( نوار )التي تكاد تفقد وعيها وعيناها معلقة على خالها الذي يقف مستندا إلى عصاته عند الباب.
ضرب عصاته على الأرض وقال:.

هملي البت ياعوالي.
تركتها (عوالي )لكن( راجي) دفعها وراء ظهره وقال وهو يحمل جذع ملتهب:
إللي عيجرب مني عجتلها وأجتل نفسي، ماحدش يجدر ياخدها مني، نوار مرتي، مرتي!
ابتعدت( نوار) عنه فأردف:
-تعالي يم مني يانوار ماتخافيش ماعيخدوكش مني.
لكنها قالت:
كيف أمك، إنت جلت إنها ماتت؟
فقالت( عوالي) بتهكم:
أباي عليكي بنته، غبية كيف امك.
فقال( راجي) ناهرا والدته:
كفاياكي عاد ياأماي.
ثم أردف موجها حديثه ل(نوار):.

-تعالي نروح من اهناه وأفهمك كل حاجة ماتسمعلهومش عيفرجوا بينا يانوار.
قالت بكسرة:
انت كذبت عليّ ياراجي؟
صرخ (عسران) بصوته الحاد حتى انتفض الجميع خوفا من غضبه:
مدي جدامي يابت عباس!
هرولت( نوار) أمامه وهي تجهش بالبكاء والتفت نحو (عوالي) وقال:
لينا حديت تاني يابت خضرة.
فقالت وهي تبتسم:
وحساب كومان ياولد الهواري.
غادر( عسران )برفقة( نوار )وظلا صامتين طوال الطريق وحينما اقترب من المنزل اوقف سيارته وقال لها:.

اللي حوصل يفضل بينك وبين نفسك ماعايزشي اسمع سيرتك في ضهري، ارجعي ورا واتسطحي وإتغطي بجلبابي، لمن ينامو أهل البيت هتاجي أمك تفتحلك وتطلعك فوج، تكتمي حسك فاهمة.
أومات (نوار) برأسها وفعلت كما أمرها خالها تكتم حسرتها وخيبتها وقدرها البائس.

دخل (عسران )بيته يجر عصاته وراء ظهره بين يديه المضمومتين والدموع محتبسة بعينيه زفر بعمق ثم لبس البشاشة والقى التحية وهو يخطو متجها نحو الصالة ردوا عليه السلام فاستقامت زوجته وقالت:
العشا جاهز يلا بينا على السفرة كنا مستنيين جايتك ياحاج غسل يدينك وتعالى.
اوما لها براسه بينما تبعها الجميع نحو طاولة الطعام أما هو فصعد إلى الأعلى وتوجه نحو غرفة أخته فدخل عليها فركضت نحوه كالمجدوبة فقال لها:.

بتك بالعربية تحت جيبتها من بين احضان ولد المجطوعة، عتروحي تطلعيها بعد ماالكل ينام مانجصناش فضايح.
ارتمت (زبيدة )تعانق أخاها والدموع تنهمر من عينيها فاردف:
اتسبحي وهدي أعصابك هبعاتلك حورية تعملك لمون، ماتضغطيش ع البت همليها الليلة ديه وبكره هنبجى نروح حتة هادية ونكلموا معاها.

خرج من عندها مرهق فدخل غرفته واغتسل وغير ثيابه ثم نزل إلى الأسفل حيث وجد عائلته مجتمعة يتبادلون الأحاديث والإبتسامات، فنادى على( حورية) وطلب منها ليمون من أجل (زبيدة) وأن تأخذ لها عشاءها إلى غرفتها فلبت طلبه بينما قالت( ثريا ):
ليه مالها زبيدة ماعتنزلشي تاكل ويانا ليه؟
فقال:
هي عيانة حبة همليها لوحدها.
مطت شفتيها يمينا وشمالا كأن الأمر لم يعجبها فنطقت( راوية ):.

هطلع اشوف نوار تنزل تتعشى معانا ماشفتهاش طول اليوم.
فقال بحزم:
اجعدي مطرحك، هي وامها متخانجين هملوهم لوحدهم النوبة ديه.
تنحنح (مهران) وحاول تغيير الموضوع فقال:.

يابوي أنا عايز أعمل حاجة بعد إذنك، دلوك إنت وأمي وعمتي والبنات رحتو طليتوا على زهرة وباركتولها، إنما بدارة مارحتش ولا حد جالها، الحاج عويس باينه زعلان لساته، مافيش حاجة هتروح زعله غير اننا نكبر بيه ونعزمه عندينا باكداه تصفى الجلوب، وكمان اهو نشوف زهرة بالمرة، جلت إيه؟
ابتسم الحاج (عسران) وقال:
احنا بجينا عيلة وحدة ياولدي هم اهلنا وناسنا وتشرفنا جيتهم دارنا.
اما (ثريا )فقالت:.

والله وحشتني زهرة جالبي جايد عليها، تعمل زين ياكبدي.
فقال( مهران ):
يبجى عنعزمهم بكرة على الغدا..
فقال( ثريا )وقد كادت تغص بلقمتها:
وه، وكيف عنلحج نحضر لبكرة كنت جلت جبل اكداه.
قال بإبتسامة:
عتلحجوا ياأماي هيساعدوكي البنات، إنتوا كتير والحمد لله.
أومات برأسها مع انها لم تقتنع لكن شوقها ل(زهرة) سيجعلها تقبل بأي شيء.
انتهى (عسران) من طعامه فاستقام وقال:.

ياولاد أني تعبان فالكل يخلص ويجوم على جوضته طوالي ماعايزشي هيصة، تصبحوا على خير.
بعد أن أتموا عشاءهم توجهوا إلى غرفهم فدخل (مهران) غرفته رفقة (بدارة) فهرعت تجهز له الحمام وثيابه، كانت أفعالها الطيبة تاخذ من نفسه كثيرا فيلعن قلبه الذي وضع أسير عشق لا أمل يرجى منه، عزم أمره أن يمنح قلبه فرصة أخرى عله يتعلق ب(بدارة) فيختفي طيف (شذا) عنه للأبد.
جلس وأجلسها بجانبه وقال:.

عترضي تكوني معايا بنص جلب يابدارة، ماعايزشي أظلمك لكن دام الجدر جمع بينا...
قاطعته قائلة:
حتى لو ماكنتش بتحبني أنا رايداك ياسي مهران كفاياني تضحك بوشي واتصبح وأتمسا بطلتك عليا، ماعايزاشي ابجى حمل تجيل على جلبك وتحس انك مجبور عليا، لاه! لو عايز وجت أنا عستناك عمري كلاته ولا يوم اشتكى او امل، أهو يمكن ياجي يوم واتحبني كيف ما بحبك.

طلبها بلطف فلبته وأتم زواجه منها وهي لاتكاد تصدق أنه تقبلها واعطاها فرصة لتكون شريكته.

اذن الفجر فاسيقظ الرجال وتوجهوا إلى المسجد بينما صلت النسوة ودخلن المطبخ لإعداد وليمة الغداء، كان وجه( بدارة) منارا وتتحدث بحماسة وتعمل بحماسة فقالت (حورية) تحاول إثارة غيظها:
شيفاكي منورة يابت يابدارة، هو العشج بيعمل كيف اكداه ياتحبة جلبي؟
ابتسمت (ثريا )وقد احمر وجه( بدارة )خجلا ثم همست:
مش بجيت مرات مهران الهواري على سن ورمح.
فقالت( نفيسة ):
ياليلة بيضا مبروك يابتي ربنا يرزجك على كد نيتك.

اما (حورية )فاطلقت زغرودة مدوية لتهرع نحوها (بدارة )تكمم فمها وهي تقول:
-عتفضحيني حرام عليكي بكسف.
فردت عليها (حورية):
محدش إهنا اطمني كلاتهم بالجامع، يلا شهلي نحضر فطارهم.
أمسكتها( ثريا )من يدها وقالت:
ربنا يجسم ليكي كل حاجة حلوة يابتي إنتي طيبة وتستاهلي كل خير عجبال ماأشيل ولادكم على يدي.
قبلت (بدارة) يدها واحتضنتها كوالدة لها التي لم تشعر بحنانها أبدا.

ارتدوا الجميع ملابسهم ونزلوا لاستقبال أهل( بدارة) و(زهرة )التي اشتاقوا لها كثيرا فدخلت تسير جنب زوجها الذي يمسك يدها ويشد عليها كأنه يخاف ضياعها وخلفهما (فضيلة) وزوجها، كان اللقاء حافلا بالدموع بين (زهرة )وامها واختها و(بدارة )ووالدها فراحت تقبل يداه وجبينه تطلب السماح منه على فعلتها فلان قلبه فعانقها وهو يردد:
- وحشتيني يابدر الدار.

أسعد ذلك قلب (مهران) فاومأ براسه لوالده ممتنا، جلس الجميع وعلى وجوههم ابتسامة جميلة لتقول (بدارة ):
هو ناجي ماجاش معاكم ليه؟
لياتيها صوته من الخلف:
لاه ايجيت، كيف ما اجيش، بس عوجت شوي على ما اجنعت الست فدوى تيجي ويانا.
اقترب منهم يسلم عليهم بينما تسمر( مهران )مكانه كما فعلت (فدوى) لتوزع (بدارة )نظراتها بينهما وقد اشتعلت نيران الغيرة بقلبها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة