قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية عشقتك وحسم الأمر ج1 للكاتبة نهال مصطفى الفصل الأول

رواية عشقتك وحسم الأمر الجزء الأول نهال مصطفى

رواية عشقتك وحسم الأمر ج1 للكاتبة نهال مصطفى الفصل الأول

ساحة قصر واسعه يحتشد فيها جمهور من اهل القريه والقري المجاوره , تغمرهم حاله من الحزن الشديد , في ذلك اليوم المشئوم الذي غابت فيه شمس عائله الابراهيمى , صعدت روح (منصور الابراهيمي) للسماء .

تجلس فتاه مرتديه ثوبها الاسود المكون من بنطال وتيشيرت وشعرها منسدل خلفها الذي يغطى جُزئها العلوى .. انفردت بنفسها بعيدا عن ضجيجهم .. وثرثراتهم المُزعجه .. لانها تري ماكان بداخلها من بكاء وعويل لم يستطع ان يصف مايحترق بداخلها .

نفس الشعور الذي عاشته منذ 10 سنوات سابقه .. وهي طفله لم تدرك شئ غير انها باتت في احضان امها واستيقظت على نفس ضجة العويل اللعينه المُفزعه .. يوم وفاة ابيها وامها واخيها الوحيد في حادث .. لم تتذكر منه طفلتنا غير اختفائها في خزانه حٌجرتها واضعه كفيها على آذانها بجسد مرتعش وعينين حمراوتين .. رافض هراء عالم يتفنن في كيف يؤلمها .. وهذا اليوم يتكرر فيه نفس الوجع بوفاة جدها .. الذي احتضنها وكان اقرب شخص لقلبها .. بعدما فارقت عائلتها عالمنا .. ادركت للتو ان الحياة ماهى الا حُلم يوقظنا منه الموت .

تجلس وعد تراقب الجميع بصمتٍ , مندهشه لدموعهم الكاذبه .. ومشاعرهم البلاستيكيه .. وتصنعهم للحزن على فراق جدهم .. وهم انفسهم اول من تمنوا الموت له مرارا .. وراء ستار الورث والممتلكات الثروه، وراء غل النفس البشريه التى ظنت انها خُلقت لتمتلك وتملك فقط ..

جذب انتباها جميع السيدات الجالسين بالمجلس وقفوا مرحبين بمجموعه سيدات اخريات اتوا للعزاء .. تجهل هويتهم تماما .. ولكن ما خطف انظارها وثار دهشتها اهتمام عمتها وزوجة عمها بهما، يبدو عليهم انهم يحظون بمكانه مرموقه افرضت الجميع على احترامهم وتبجيلهم .

اقبلت ( نجوي ) زوجت عمها نحو الباب المنفتح علي مصرعيه لترحب بهما
" اتفضلوا اتفضلوا .. مكنش ليه لزوم تتعبوا نفسكم .. "

جلست سيده يبدو عليها ملامح الوقار والفخر مرتدية سترتها السوداء التى تكسوها من راسها لقدمها بجوار وعد وهي ترتسم معالم الحزن والضيق
"منصور بيه كان غالي علينا كلنا .. الله يرحمه ويبشبش الطوبه اللي تحت راسه . "
نجوي وهي تصطنع الحزن والهم قاضبه حاجبيها بأسف وهي تضرب كف فوق الاخر
"الله يرحمه .. الف رحمه ونور عليه .. فراقه قطع بينا .. كان بركة البيت والله ياام حمزه "

ثم وجهت كلامها لوعد بصيغه آمره
"سلمي ياوعد علي عمتك (الهام) هانم .. مراة (عاصم بيه الخياط) "
وعد ابتلعت ريقها وابتسمت بهدوء وبصوت خافت
"ازي حضرتك ياطنط ! "
نظرت لها الهام بإعجاب فرمقت نجوي بنظره لا يفهمها سواهم , ثم وجهت كلامها لوعد
"بخير ياحبيبتي .. البقية في حياتك ياغاليه"
وعد بحزن: سبحان من له الدوام .. بعد اذنكم .

شعرت بقبضه قويه تنطبق علي عنقها .. وتيرة نظراتهم المتبادله التى تعجز عن ترجمتها , تسللت من امامهم بخفة متجهه نحو غرفتها بمجرد ما فتحت بابها القت بجسدها في منتصف مخدعها متأوهه .. امسكت بهاتفها لتجري مكالمه مع (الدكتور طارق) حبيبها الذي تعرفت عليه منذ 3 سنوات في امريكا .

تنهيدت بحزن واضعه معصمها فوق جبهتها
" ايوة ياطارق .. عامل ايه؟ "
رد طارق بصوت المُجبر
_"في المعمل ياوعد هكون فين يعني! .. وانا ورايا غير الماستر والدكتوراه ! ."
- "ربنا يقويك ياطارق .. شد حيلك "
قالت وعد جملتها وهي مندهشة علي الطريقه التي يحدثها بها .. فلم يلتفت الي صوتها المبحوح الممزوج بتنهيده ألم .
طارق باهتمام: المهم قوليلي جاايه هنا امتي؟وعملتى ايه في الورث ..
صمتت لبرهه ثم اردفت قائله
-"انا لسه راجعه امبارح ياطارق .. يعني اكيد معرفش هرجع امتي .. احتمال علي بدايه الدراسه عشان الماستر .."
رد عليها بحماس:
"اول ماتخلصي حوار الورث دا تيجي على طول .. عشان انتي وحشتيني اوي على فكرة يعنى ".

تنحنحت بخفوت ثم قالت بيأس
"ربنا يعديها على خير ياطارق .. انا هقفل دلوقتي وانزل تحت .. متتخيلش البيت بشع ازاى من غير جدو .."
طارق بلا اهتمام: خير ياحبيبتي ربنا يرحمه بقي متعمليش فى نفسك كده .
مسحت وجنتها بأناملها: اللهم امين ..
انهت المكالمه معه ثم نهضت بتكاسل شديد مغادرة غرفتها , دلفت مجددا الي اسفل تجلس على اقرب اريكه في ساحه قصرهم المتسعه ..

-"وعد .. ياوعد .. تعالي وصلي الهام هانم واللي معاها للبوابه "
قالت نجوي جملتها بصوت مرتفع بمجرد ان رأتها , وثبت قائمه لتنفذ ما امرتها به باستسلام فقبضت علي هاتفها بتلقائيه وتقدمت صوبهم
-"اتفضلوا من هنا "

تقدمت وعد صفوفهم وسبقتهم الخُطي ..ولم تنج من نظرات الهام التى افترستها بهما فهى تتفتنها بدقة وبين الحين والاخر تلقي عليها نظرات اعجاب وانبهار وانتصار لشيء ما انتوت فعله .
اثار فضول الهام شعر وعد الذي ينسدل وراء ظهرها الي اخر الي فقراته المرفوع على هيئه ذيل حصان وو وقوامها الممشوق الجذابه والخفه التى تتحرك بها من امام عيونها .. وصلوا على اعتاب بوابه القصر،، مدت الهام كفه وتشبثت بشعرها وجذبته بقوه لاسفل متصطنعه اختلال توازنها وسقوطها المُفاجئ .
وعد بتلقائيه اصدرت صرخه مرتفعه متأوهه وهى تستدير برأسها للخلف .. اذن للتفاجئ بأنها اصطدمت بجسد صخري امامها .

انتفض جسدها عندما وجدت نفسها محاصره بين ذراعين مجهول واضعه كفيها الرقيقين علي صدره ممسكه بلياقة جلبابه، تلاقت العيون للحظات وكلا منهما ينظر للاخر مستفهمًا ..
قطع حبال نظراتهما المتبادله وصمتهم صوت الهام قائله بخبث وبلهجه صعيديه
"متأخذنيش يابنتي .. كنت هتجحرت .. مقصدكيش .. هو انا وجعتك ولا حاجه؟"
ظهر عليها علامات الارتباك والقلق والرجفه , فابتعدت سريعًا عن الشخص الذي اصطدمت به
ثم قالت بتلقائيه موجهه كلامها للشخص الواقف امامها
" i am so sorry".

الشخص خفق قلبه ..و مازال محدق النظر اليها بعيون لامعه .. وبلهجه صعيديه وصوت اجش:
- "حصل خير "
الهام بفرحه وفخروهي تقترب منه وتربت علي كتفه
"ولدي حمزه زينه الرجال وكبير النجع .. ودي ياولدي وعد يبقي جدها منصور بيه الله يرحمه .."
ابتسم اليها حمزه قائلا بصوت هادي: البقاء لله ..
اومأت براسها واغمضت عينيها لبرهه بحزن
"سبحان من له الدوام .. طيب هستأذنكم انا .. تأمري بحاجه ياطنط ؟ "
الهام وهي تحدق النظر بها من راسها لصابع قدمها وتحسس علي كتفها
"لا شالله تعيشي ياروح طنط ياقمرة انتي .. "
وعد ابتسمت: بعد اذنكم ..

كالفراشه تسللتت من امامهم بثبات وخفه وجاذبيه وشعرها الذي يتحرك خلفها يمينًا ويسارًا .. ظل يراقبها حتى اختفت من امامه بعيون عاشق للتو التقى بحبيبته بعد غياب .
الهام نكزت حمزه بخبث مما جعلته يستفيق من شروده
-" ايه رايك ف عروستك ياولدي؟"
حمزه رفع حاجبه متبسمًا: هي دي بنت سامي .. صوح ؟
الهام بهمس من خلف ثوبها الاسود بهمس
" ايوه هي .. والبت تعليم خوجات وحاجه اخر اوبهه .. ربنا يجعلها من نصيبك ياولدي "
تنحنح حمزه وسرعان ما ارتسم الجديه وامسك بطرف جلبابه
"يلا يااما اتفضلي مش وقته الحديت دلوق . "
الهام وجهت حديثها للبناتها وخدمها اللاتي خلفها
"يلا يابت منك ليها .. عاوزين نوصلو البلد قبل ما الشمس تُغرب "

 

مر شهر منذ ان توفى جدها.. وفي خلال هذه المدة لم تُفارق وعد حجرتها الا في مواعيد تناول الطعام وتعود لغرفتها ولعالمها الخاص الذي ينحصر في كتبها الاجنبيه التي تحولهم الي العربيه، وهاتفها وطارق حبها التى تعتقد انه الاول والاخير .. والخادمة ( انعام) ام وعد الثانيه .

في المساء .. استجمعت وعد كل قوتها ورتبت ما ستقوله من جُمل القت اخر نظراتها علي المرآه وهى تقفل وتفتح في جفون عينيها وتلتقط عدة انفاس متتاليه , استدارت بجسدها نحو الباب وفتحته بعد تردد سارت بخطواتٍ متأرجحةٍ وهي تحاول استجماع كل قوتها كالجندى الذي يعد اسحلته قبل نزوله ساحة الحرب .

تقدمت نحوغرفة المكتب التى يجلس بها عمها ( جمال ) بهدوء ثم طرقت الباب طالبة الاذن بالدخول ..
ترك جمال الاوراق من يده رافعا نظارته الطبيه: تعالي ياوعد .. مالك؟
تفرك فى كفيها ويبدو عليها علامات الارتباك والقلق اقتربت رويدًا رويدًا وبخطوات متباطئه وهي تبلل في حلقها باستمرار .. حتي اردفت قائله
"بصراحه ياعمو كنت عاوزه حضرتك ف موضوع كده "
نصب جمال عوده من فوق المكسو بالجلد الاسود وبنبره حمااس ثم اردف قائلا بلهجة صعيديه:
- "بت حلال لسه كنت هبعتلك .. وانا كمان عاوزك .. تعالي نقعد اهنيه .. بلاها قُعاد مكاتب عتكسر الضهر . "
جلست فوق حافه الاريكه الموضوعه مقابل المكتب
"اتفضل حضرتك ياعمو عاوز تقول ايه ؟"

ابتسم جمال ابتسامة خافته ثم اردف قائلا باهتمام
" سيبك مني وقوليلي الاول انتي عاوزه ايه ؟ "
بللت ريقها وتنتهدت ببطء محاولة استجماع الحروف المبعثره من فمها
"ب بصراحه كنت عاوزه اخد نصيبي من ورث جدو واسافر عشان دراستي وكده .. اللي هتبدا كمان اسبوع، ماحضرتك عارف !"
قذائف ملتهبه صوبتها نحوه جعلته يرتعد من مكانه .. والدم يغلى بعروقه تغيرت ملامح وجهه .. وازداد احمراره وكأن الدخان يتدفق من اذانه لينهرها بقوه
" انتي عتقووولي ايييه! .. ورث اي اللي انت عتطالبي بيه .. اتهوستي ياك .. من ميتى احنا عنورثوا بنات ؟ "

ارعبتها الطريقة التى ثار بها كما يبدو انها طلبت عضو من اعضاء جسده جعلته ينهض كالملدوغ، علمت للتو انها حقا في مواجهه الاسد ولابد ان تعد اسلحتها للمقاومه،، وقفت امامه ثم اردفت بهدوء
"بس انا ياعمو مش بطلب حاجه مش من حقي .. انا عاوزه نصيبي وخلاص وهمشي .. دا مستقبلى . "
جمال بانفعال وهو يضرب كف فوق الاخر
"والله عال !.. عاوزه تسافري تاني وتعيشي مع الخوجات لوحدك! .. انسي الكلام ده مايمشيش معااى . "
هزت رأسها بعدم تصديق ونظرت له بعيون ضيقه توحى بالسخريه
" منا طول عمري عايشه لوحدي هناك يا عمو .. اي الجديد؟"

جمال بحده وبنبره تحذيريه:
" الكلام دا لما جدك كان عايش وعيصرف عليكي .. دلوق مين هيصرف عليكي يابت اخوي .. العين بصيرة واليد قصيره خلاص .. "
وعد قضبت حاجبيها وعقدت ساعديها امام صدرها قائله
"افهم اي من كلام حضرتك ؟ .. انك مش هتديني حقي.. ؟"
ارتفعت نبرة صووته وانفعاله
"حق مين يابت انتي .. اقولك ايه من النهارده انسي السفر دا خلاص .. ومش هتطلعي من البيت دا غير على بيت جوزك .. وحظك حلو .. عريسك متقدملك من زمان ومستنيكي .. ومستني اشاره منينا .. وانا هبلغه بموافقتنا "
اصابته نوبة من الضحك الساخر.

-عريس ! عريس مين ؟ وكلام فارغ اي اللي حضرتك بتقوله .. وبعدين ازاي حضرتك بتكلمني كده اصلا .. اي الرجعيه دي والاسلوب القيادي دا!
جمال بنبرة صوت قويه وانفعال وهو يلوح بكفيه
"لا عليِ .. علي صوتك كمان وكمان يابت سامي .. اقولك ايه انا مش عشاورك ودي مصالح متوقفة على الجوازه دي واعتبريها تمت خلاص .. وورث بح .. مافيش ورث .. واعلي ما خيلك اركبيه "
رمقته بنظرة سخط ثم اردفت قائله بتحدٍ
"يبقي مابينا المحاكم ياابو رامي .. عن اذنك "
قالت وعد جملتها الاخيره وهي تهم بالذهاب .. وتركته وغادرت بعدما اصدرت ضجيجا قويا نتيجه قفلها للباب خلفها بقوه وعصبيه .
جذب الصوت العالى انتباه نجوي الواقفه بجانب السُلم مناديه عليها
-وعد .. بت ياوعد حوصل ايه ... شووف البت !

لاحت لها بظهر كفها بلا اهتمام وركضت صوب غرفتها .. تحركت نجوى سريعًا غرفة زوجها
"مالها البت دي .. اي اللي قلبها اكده !"
قالت نجوي جملتها بنبره فضوليه وهي تغلق باب المكتب خلفها .
جمال بعصبيه وهو يشعل سيجارته:" الهانم قال ايه عاوزه ورثها .. عاوزه تقلب البلد حريقه .. !"
نجوي ربتت فوق كتفه بحنو
"هدي حالك ياابو رامي .. تعملشش ف نفسك اكده .. من ميتى عناخدو على حديت البنات احنا !"
جمال بصوت منخفض وقلق
"المصيبه مش اهنه .. المصيبه لو متجوزتش ولد الخيااط .. هتفتح بيبان كتير في وشنا احنا مش قديها وانتِ فهمانى يانجوى "
نجوي بخبث: تقلقش هتتجوزه ورجلها فوق رقبتها .. وهتشووف...

جمال بقلق وارتباك: حمزه ايدو طايله وماعيرحمش يانجوي .
فكرت نجوي لبرهه ثم اردفت قائله
-" يبقي خلاص اتحلت .. هو عينو ع وعد من زمان واتقدملها كذا مره بس ابوك كان عيصبروا منا ما تخلص علام واهى خلصت .. ياخدها ويريحنا منها وكفانا من شره.."
جمال سحب نفسا طويلا من سيجارته
-" اعملي حسابك انهم جاايين اخر الاسبوع يتقدموا رسمي .. لساته قافل معاي ."
نجوي ضربت عظام قفصها الصدري بكفها ما يوحي بصدمتها
"يادي العيبه .. ابوك لسه مبردش ف تربته ولا ربعن .. وهما جايين يطلبوا البت! "
جمال بضجر: مخابرش انا هما مستعجلين على ايه!

نجوي زفرت بضيق ثم قالت
" لازمن نخلص من الموضوع ده في اقرب وقت .. وعد لو عرفت ان ليك علاقه بموت وابوها وامها واخوها .. وكمان لو عرفت جدها اللي كاتب باسمها نص تركته .. هتولع الدنيا ومش هتسكت.. دي بت متنوره ومتعلمه وهتلفنا كلنا في حديت .. منه لله ابوك علمها لحد ما ركبت ودلدلت رجليها .. فاحنا لازمن نفكر بعقلنا "
جمال بحذر: وطي حسك ياولية هتودينا ف داهيه .. تعالي نتكلموا فوق احسن من اهنه .

 

فى الغرفه

حملت فوق ظهرها اصفار الغضب والضيق، اسرعت لتختبىء بحُجرها، بمجرد ما فتحت باب غرفتها ارتمت بجسدها فوق الفراش، فاض الدمع من عينيها بدون تفكير اعتدلت في جلستها و قررت ان تُهاتف طارق لتشكو له حُزنها .
" ورحمة جدي ماهسيبلهم حقى يا طارق "
قالت جملتها وهى تجوب غرفتها ذهابا وايابًا كالمجونه .
طارق يقلب في اوراق الماستر التي امامه: اهدي بس ياوعد .. بطلي جنان .. كله هيتحل بالعقل .

فجاة اردفت لتقول
_ طارق .. انت لازم تيجي بكره وتكون هنا تتقدملي ونتجوز وتقف معايا قصادهم .. انا مش هقدر اواجههم لوحدى .
طارق بصدمه حاول ان يهرب من ذلك المأزق: انتي بتقولي ايه! .. انتي عارفه مش فاضي اروح الشقه حتي اخد شاور .
وعد بحزن وتوسل: طارق انا بضيع منك اعمل حاجه لو كنت بتحبنى ...
طارق بانفعال وتأفف:-
" اعملك اي يعني ياوعد .. انتي عارفه ظروفي .. وعارفه اني مطحوون هنا .. ومش بايدى "
وعد بنفاذ صبر وهي تطلق زفيرا قويا
" طيب ياطارق .. خليك فاكر انت اللي بعت .."

انهت المكالمه بدون ماتنتظر منه رد وهى تلقي هاتفها بعيدا شاعرة بقبضه قوية تعصر قلبها، حاصرت راسها بكفيها الاثنين متألمه وبعيون انسكب الدمع منهما، قطع حبال حالتها اليأسه صوت طرق الباب
استدارت نحو الباب بجسدها وهي تمرر اناملها فوق وجنتيها كى تجفف دموعها ثم اردفت بصوت باكى
" اتفضل "
الخادمه انعام بابتسامة تفائل
"الجميل نام ولا لسه ؟! "

وعد بنتهيده يأس ثم تحركت بتثاقل لتجلس فوق طرف فراشها: تعالى يادادا .
قفلت انعام الباب خلفها وجلست بجوارها .. وهى تعبث باناملها برفق في خصيلات شعر وعد.
"عارفه انك موجوعه قوي يانور عيني .. بس ربنا عارف انك قدها وهتتحملى .. والا مكنش ابتلاكى ياوعد "
ارتمت بين ذراعيها بجسد مرتجف هذيل وهى تقول
"انكسرت يادادا ومابقتش مستحمله .. كلهم مشيوا وسابوني .. وعمي بيبع ويشتري فيا كإني جاريه عنده .. انا مش عارفع ولا قادره اتحمل الوضع دا "
انعام ربتت على كتفها.

"وهو دا الموضوع اللي جتلك عشانه"
ابتعدت عنها وقضبت حاجبيها وهى ترمقها بعيون ضيقة
"مش فاهمه يادادا قصدك ايه "
انعام بصوت منخفض يحمل وتيره من الحذر
"عمك جمال مفتري ..وماعيرحمش اللي يقف ف طريقه "
احتلها الياس وملأتها قلة الحيله
" اعمل بس يادادا تعبت اووي"
انعام بتحذير واهتمام وهى تقترب منها
" اسمعي كلامي للاخر .. اهنه غابه البقاء فيها للاقوي .. وانتي مش هتقدري عليهم لوحدك .. عشان القوي ليه الاقوي منه .. وحقك مش هيرجع غير بجوازك من ولد الخياط ,, انا كنت عارفه من فترة ان عينه منك ووو".

فزعت كالملدغه بعدم تصديق
" دا جنان رسمي .. مستحيل اتجوز حد بالطريقه دي .. حتي ولو هخسر كل حاجه .. وبعدين البلد فيها قانون يادادا "
انعام تضرب كف فوق الاخر بحسره:
"حليني عاد لما القانون يجيبلك حقك .. يوم المحاكم بسنه "
شعرت بحبل اليأس والحزن يلتف فوق عنقها ففضلت الهروب من ساحه الحرب التى تحارب فيها بمفردها بدون اسلحه وبدون ما تتعلم فن ومهارة الحروب
" يبقي خلاص مش عاوزه حاجه .. هسيب البلد وامشي ولا انى اتجوز بالطريقة دى .."
انعام بتحذير ضغطت علي كف وعد قم همس في اذنها
"تبقي غبيه وعبيطه .. بتاع اي انتي تسيبي نصيبك ونصيب ابوكي واخوكي لجمال! .. دخلتي فى حرب ياوعد وعشان تكسبيها لازمن تتجوزي من ولد الخياط .. اللي هيسندك ياوعد "

القت انعام قذيفة كلماتها عليها ثم غادرت وتركتها فى حيرتها وصدمتها .. ضغطت فوق راسها من شدة الوجع بذهول وهي تشعر بان الدنيا كلها تدور بها محدثه نفسها
"يعني عشان اخد حقي اتجوز واحد معرفهوش .. وكمان طارق حب عمري يبيعني بسهوله كده .. انا اكيد بحلم ! ... اي اللي بيحصل دا بس ياربى "

 

حمزه الخياط

شباب في منتصف الثلاثنيات.. متوسط الطول .. عريض المنكبين .. مفتول العضلات .. اشبه بالخضامه .. رجلٌ صارم وحازم بداخل عيونه لغز وحيره والف سر .. كبير عائلة الخياط .. ذو هيبة ووقار .. لديه من حب التملك والسيطره ما يملا بر وبحر الكوكب ويفيض ..
جالسا ف الظلام الدامس فوق ضفة النيل يعزف بعوده الموسيقى كما يقل ان الموسيقى غذاء الحب شرد في عالمه الذي لم يسكنه غيرها سحبته الاله الموسيقيه من قفا قلبه اليها .. عندما يعجز قلبه عن وصف شوقه لها ترك العنان للموسيقي تنزف ما بداخله .. دائمايفضل ان يخلو بنفسه ليفكر بها وكأن طيف روحها ذو نفس عزيزه لا ياتى الا اذا ابتعد عن ضجيج العالم ..
صمت لبرهه وتذكرها .. عندما ارتطما الاثنين معا وانحصرت بين احضانه لثوان معدوده ثم تنهد ثم تردد في اذنه صدى صوت طفولى الجمه.

" you're ugly and stupid boy
ثم تنهد بابتسامه متسعه
"هانت ياوعد .. هانت يابت الابراهيمي"
رن هاتفه بمجرد ما قرا اسم المتصل بادر بالرد
"جمال الابراهيمي بجلالة قدره .. يامرحب يامرحب "
جمال تبسم: عندي ليك خبر طال انتظاره
*خير ..
_منتظرينك بعد بكره تيجي تقابل عروستك .

*ايوه اكده ياراجل فرحت قلبي ..هي دي الاخبار ولا بلاش.
ابعد جمال عن نافذة غرفته قائلا بصوت منخفض
_انا نفذت وعدي ليك .. الدور عليك ياول الخياط ..
فهم حمزة مغزي كلماته وعلي الفور اردف قائلا
*وولد الخياط ماعيرجعش ف كلامه واصل .. ولا انت لساتك هتعرفه ؟
_ده عشمي بردك ياحمزه بيه .
انتهت مكالمتهم التليفونيه التى احتلها علامات الاستفهام, عاود حمزه العزف مجددا ودقت طبول بيبان قلبه .. واخيرا .. حان الوقت الذي يأسر فيه قطته داخل عرينه .. اميرته داخل مملكته .. عشيقته داخل زنزانة قلبه .. اليوم نال ما صبر له

 

تُحرك جفونها بتردد يبدو كأنها رافضه هراء وفوضي العالم من حولها , مسحت وجهها بكفيها الاثنين ثم نهضت بتكاسل شديد , اول شيء فعلته فتحت شاشه هاتفه تبحث عن رساله من شخص بعينه "طارق" .. اصابها الضجر والضيق عندما وجدته لم يرسل لها رساله نصيه كعادته منذ امس .

قطعت شرودها دخول انعام حامله فوق كفيها صينية مستديره بها فطار
"لازمن تاكلي ياعرووسه .. ولا عاوزه الهام تاكل وشنا وتقول بنتكم ماعتكلش ! "
ضحكت ساخره وهى تشد اجزاء جسمها بصورة بهيئه رياضيه
- واي الثقه اللي حضرتك بتتكلمي بيها دي؟
انعام بتحدي وهي تضع الطعام فوق سطح المكتب:
"عشان متاكده انك هتوافقي بنت سامي وفريال ماعتسبش حقها لحد واصل ".

اخذتها كلمات انعام لبعيدٍ شارده ثم اردفت قائله بيأس
"بنت سامي وفريال الدنيا جات عليها بزياده اووي !"
انعام بحماس وهي تزيح الغطاء من فوقها
- يلا قومي اكده .. وكلي وانبسطي .. وفكري زين بعقلك .. وبلاش حديت ممنهوش لازمه .
استدارا اثنتيهما نحو الباب لدخول نجوي الغير مُتوقع لانها لا تطأ اقدامها غرفة تلك الغرفه الا حامله معها بوادر كارثه جديده
"وعد جهزي نفسك بكره عريسك جاي يشوفك .. اديني قولتلك اها"

نظرت لها بعيون متسعه توحي بمحاوله استعابها لما اردفت ثم قالت بضحك ساخر
"انتو جايبين الثقه دي منين ياجماعه .. مش هتجوز حد انا واللي مش عاجبه يتجوز هو .. الله ! اي الجنان دا !"
نجوي بنبره تحذيريه: اعقلي وبلاش شغل عيال ... بموافقتك او بغيرها الجوازه دي هتم .. فاهمه ياوعد .
القت قذيفه كلماتها قبل ان تنصرف رمقتها وعد بعدم استيعاب
"انتو متاكدين انكم طبيعيين .. ههه اي بيت المجانين اللي وقعت فيه انا دا .. الله يرحمك ياجدي .. كانو عشان يصبحوا عليا لازم يستأذنوك الاول .. دلوقتي بيبيعوا ويشتروا فيا كأنى جاريه عندهم ".

انعام ربتت على كتفها بشفقه: كلي وفكري زين فى كلامي .. ربنا يهديكي يابتي .
وعد بتلقائيه ركضت صوب هاتفها وعاودت الاتصال بطارق مرارا وتكرارا دون فائده
"اوووف حتي انت كمان .. طيب ياطارق صبرك عليا "
قالت جملتها بنبره توعديه ووهي تلقي بهاتفها نحو الاريكه التي بجوارها وتصفف شعرها باناملها بغل كأنها ترد ان تبعثر شتات افكارها التى تقرضها من الداخل .
" طلعلى منين موضوع العريس دا كمان بس ياربي ! "

 

فى قصر الخياط

استيقظ حمزه من نومه بنشاط وهمه بداخله حماس يدفعه لتحطيم جبل , اتجه نحو ركنه الرياضى المفضل ( كيس الملاكمه ) بدا في ممارسة تمرينه الصباحى .. واثناء انشغاله بالتمرين توقف فجاة قافلا جفونه ليتخذ انفاسه بحريه , اقترب من الباب وفتحه بغضب مرديًا بنطالا واسعًا فقط
"من ميتى حد عيتجرأ ويهوب ناحية اوضتي! "
(ضحي) الخادمه العاشقه له .. بمجرد ما رأته امامها يتصبب عرقًا من مسام جسده الرياضى، تنهدت بشوق وق ثغرها ابتسامه فرحه , جز على اسنانه محاولا السيطره علي غضبه فضرب بقبضة يده علي الباب بقوة
"انتِ سمعتنيش قولت ايه؟ "

انتفضضت من مكانها واهتز كوب اللبن الذي تحمله
"اصل اصل .. ح حضرتك اتاخرت .. قولت اما اج اجيبلك كوباية اللبن لعندك "
زفر بضيق وامسك بالكوب وارتشفه رشفة واحد ثم وضعه فارغًا فوق الصنيه .. وقفل الباب ف وجهها ..
ارتعد جسدها قليلا ثم هامت فيه عشقا وولها
"لو تعرف عحبك قد ايه ياحمزه !"
فزعت من احلامها الزائفه علي صوت باب غرفته وهو يفتحه مجددا .. موجها اليها اسهم اوامره
"قولي لامي .. تجهز زياره زينه بكره لبيت الابراهيمي .. عشان رايح اخطب بتهم "
ثم قفل الباب مره اخري، وقع كلام حمزه على قلبها كجمرات من نار، محاولة استيعاب ما القاه علي اذانها، قادتها قدميها لتطرق علي بابه مرة اخرى لتتاكد مما اردفه، ولكنها تجمدت حركتها، اٌصيبت بشلل كلى، كل ما بها من عضو ثبت إلا دموعها كانت تركض سريعا فوق وجنتها

 

في قصر الابراهيمي

كان مقلوبا راسا على عقب تجهيزا وتحضيرا واحتفالا بعائله الخياط التي تعتبر من اكبر واغني عائلات الصعيد .
سمر بحقد: والله ياما ماعارفه حمزه اي حبه فى وعد دي .. دي حتي بنت ملزقه كده وملهاش ولا لون ولا ريحه .
نجوي متأففه وهى تجهز الاطعمه المختلفه
- اسكتي يابت خليه ياخدها ويريحنا منها ومن همها .
سمر وهي تقطم ثمرة الخيار الموجودة بيدها
"انا مش عارفه انتي وابوى هاممكم ف اي موضوع وعد من اصلو .. ماخلوها تعمل اللي هي عاوزاه وتسافر ".

نجوي بنبره قهره:
-اسكتي انتي فهماااش حاجه واصل .. مش فالحه غير فى الوكل والزفت المخروب اللي ف يدك دا .
سمر بغمز
- طيب مترسيني على الفوله يانوجا ياعسل انتي واعتبري سرك ف بير ..
نجوي بنفاذ صبر وهى تحمل اناء الطعام بين راحتا كفيها: امشي من وشي بس وبطلي حشريه ..
ركضت ابنتها من امامها ضاحكه بسخريه
- الله! يعني اكبر دماغي ابقي مستهتره .. اسال واستفسر .. ابقي حشريه .. اعملكم اي طيب عشان يعجبكم !
نجوي بضيق
- ورينا عرض كتافك ياختى،

جالسه في حديقه القصر منغمسه في تفكيرها تعد رسم خطوة اخري لنجاتها ...
"طيب اسيب حقي واسافر؟ .. ولا اقعد واتجوز شخص معرفهوش! ..
طيب ازاي وانا الاقامه بتاعتي عاوزه تتجدد فى امريكا كمان كام يوم .. ومحتاجه فلوس اد كده! .. اعمل ايه بس ياربي .. اي اللي بيحصل معايا دا بس!"

انتهى اليوم ولم يكن به اي احداث تستدعى الذكر واتي جديد بشمس جديده مشرقه تحجب خلفها خبايا اليوم لتكشفه شيئا فشيئا علي مداره.. تلك اليوم الغريب والفريد .. جوه حر وبرد .. مشئوم وموعود .. يوم مُربك مختلفه
صفت سيارات عائله الخياط خلف بعضها امام بهو قصر الابراهيمى الفخم .. شعر حمزه بشيء ما يتحرك بداخله ربما شعور عامر بالفرحه او رهبه او بالنصر , فاحلامه التى شابت من طيلة الانتظار تحررت للتو لتلمس باجنحتها اعنان السماء ..
دخل حمزه وعائلته المكونه من 4 اعمام وزوجاتهم واولادهم وبناتهم وامه واخواته البنات الاربعه , اقصي يمينه يقف رجال عائلته وعلي الجهه الاخر يصفون النساء المُلثمين بالسترالسوداء .

كانت عائله الابراهيمي واولاد عم جمال فى انتظارهم مرحبين بهما ومهلليين بحضورهم، تقدم حمزه في السير وسبق الجميع , وكذلك قادت الهام السيدات وتوجهت لمجلس السيدات المخصص لهما .

قدمت نجوي اشهي العصائر والحلويات امامهم
"والله نورتونا ياالهام هانم .. اليوم زارنا النبي .. والله مالهوش لزوم كل الحاجات دي "
الهام بوقار وثبات تزيح سترتها السوداء
- متقوليش اكده يانجوي احنا هنبقوا نسايب .. وكله من خير ولدي .
مراة عم حمزه نعيمه بفضول
"اومال عروستنا فين اللي خطفت قلب ولدنا زين رجاله الصعيد! ".

نجوي ابتسمت ابتسامه تخفي خلفها قلقها: ح حالا هتيجي تسلم عليكم .. انعاام استعجلي وعد..
انعام ارتبكت وضربت كف فوق كف بتوتر وخوف وهى تركض لاعلي
"حاضر ياست نجوي .. حاضر"
ركضت مسرعه نحو الغرفه التى تجلس بها .. وجدتها متكئه فوق اريكتها واضعه ساق فوق الاخري تتصفح هاتفها مرتديه تيشيرت قصير فضفاض اسود وبنطال جينز ازرق
انعام ندبت علي وجنتها بكفها بدهشه قائله.

"يابتي الله يهديكي سيبي اللي ف يدك دا .. الناس عيسألو عليكي تحت و "
وعد بدون اهتمام
- قوليلهم مش نازله .. واللي عاوز يسلم عليا يجيلي هنا ..
انعام بتوسل وصوت منخفض
-كيف اللي عتقوليه ده بس .. غلط يابتي .. اعقلي متفضحينااش احب علي يدك .
وعد بانفعال وهي تشير لها بسبابتها
"الغلط اللي بجد اني انزل وانا مش موافقه على الجوازه دي .. ولو نزلت معناها اني موافقه .. ودا محصلش ولا هيحصل".

ركضت انعام لتغلق الباب بتوتر
- اشش اشش حيلك حيلك .. وطي حسك احسن يسمعووكي .
هزت كتفيها بسخريه وصوت مرتفع
"طيب ياريت يسمعوا ويعرفوا بقي ويخلوا عندهم دم ويمشوا "
انعام برجاء وتوسل
- يابتي وطي حسك ورحمة جدك متفضحينا .. احسن تطير فيها رقااب .. انتِ فهماش حااجه .
القت هاتفها جنبًا مُعانده
- لا مش هوطي صوتى .. وهنزل اقولهم الكلام ده بنفسي ..

قبضت انعام علي معصمها لتقفها امامها
"اهدي بس وبطلي هوس .. تعالي اهنه "
سحبت وعد ذراعها بقوه ثم فتحت الباب .. وركضت على الدرج .. مسرعه وبحركات جنونيه .. وفجاه وبدوون مقدمات اقتحمت مجلس الرجال
ووقفت وعقدت ساعديها وهزت ساقها اليسري وبنبره قويه تحمل بين طياتها غضبًا لتردف
"ومين فيكم بقا عريس الغفله ! "

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة