قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل الحادي والعشرون

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل الحادي والعشرون

رواية عروس رغما عنها الجزء الأول للكاتبة سولييه نصار الفصل الحادي والعشرون

شعرت وكأن العالم يميد بها وهي تقرأ رسالته، لا تصدق، لا لا هذا حلم بكل تأكيد، لا لا، تراجعت قليلا وهي تضع كفيها على اذنها، هذا كابوس، هذا لا يحدث، مستحيل ان يتخلي عنها أحمد بتلك السهولة، مستحيل ان يحطمها بتلك الطريقة الخسيسة، لا يمكن أن يكون عقابها هو احمد، هي تتحمل كل شئ الا هذا...
اقتربت من الشاب وقالت: - فين احمد فين...
- معرفش...

رد عليها ببرود لتهتاج هي وتمسكه من قميصه وتصرخ: - انطق فين، فين احمد مستحيل يسيبني في يوم زي ده، حرام عليه. انا كده هموت.
توتر الشاب وهو ينظر إليها وقال وهو محاولا ابعاد كفها: - انا معرفش، معرفش هو فين...
- انطق والا هقتلك...
صرخت به وقد شعرت ان العالم يدور بها، اقترب جلال. وابعدها عنه وهو يضمها اليه ويقول الشاب: - امشي انت دلوقتي، وقول لأحمد يخاف على نفسه لانه هيضطر يواجهني أنا...

ذهب الشاب بسرعة لتنظر حياة إلى جلال وتقول وهي تضحك ودموعها تنساب من عينيها: - ده مش حقيقي يا عمو مش حقيقي، احمد مستحيل يعمل فيا كده، هو بيحبني مستحيل يعمل كده صح...
- حياة.
قالها جلال وهو ينظر إليها بشفقة...
نهض المأذون وقال: - طيب استأذن أنا بقا بما ان العريس والشهود مجوش...

اقتربت حياة وهي تصرخ به: - لا اقعد، اقعد، احمد هيجي دلوقتي، ده مقلب فيا، احمد بيحب يضايقني، بس أنا مش هسامحه بسهولة على اللي عمله فيا...
اقترب جلال وهو يحاول أن يسيطر عليها، فحالتها ساءت كثيرا وبدأت تهذي...
- يا حياة...

قالها جلال لتقاطعه حياة وتقول وهي تمسح دموعها: - الميكب باظ يا عمو، شايف مقالب احمد عملت فيا ايه، أنا لازم اروح اصلحه، لازم ابقي جميلة، احمد بيقول اني لازم ابقي جميلة، وانا جميلة أنا جميلة، مش صح يا عمو. مش انا حلوة؟!

التمعت عيني جلال بالدموع كان مصدوما وهو يراها في تلك الحالة، لم يراها محطمة بهذا الشكل من قبل، كأن احمد احرق حياتها وذهب، نظر الماذون الى حياه المنهارة بتوتر وقال: - يا بنتي وحدي الله بس، واضح أنه مش هيجي فخليني امشي ورايا كتب كتاب.
- وكتب كتابي أنا أعمل فيه ايه!
قالتها حياة والدموع تطرف من عينيها، توتر المأذون أكثر وقال: - ما هو مجاش يا بنتي، هكتب كتابك ازاي...

انسابت دموعها أكثر واقتربت منه وهي تقول بتوسل: - يا شيخ ابوس ايديك اصبر شوية، هو جاي على فكرة، انت متعرفش احمد، هو مش قاسي للدرجادي، مستحيل يعمل فيا كده، عارف هتلاقيه جاي دلوقتي بس ابوس ايديك متمشيش...
جذبها جلال وهو يقول: - حياة بنتي كفاية، كفاية.
ذهب المأذون لتقف حياة متجمدة، الدموع تنساب من عينيها وهي تقول بصوت ميت؛
- عقابي كان أحمد، عقابي على اللي عملته كان أحمد...

وضعت كفها على قلبها واكملت وهي تشعر بالدوران: - هو قدر يكسرني، اخد حقها مني...
نظر إليها جلال بحيرة وقال: - قصدك ايه يا حياة؟!..
- هو اخد حقها، احد حقها مني، احمد كان عقابي، كان عقابي...
اخذت حياة تهذي بتلك الكلمات وهي تتجه إلى الحمام، كانت كمن يحتضر...
.

ولجت إلى الحمام واتجهت إلى الدش ثم فتحت الماء ليندفع عليها بقوة، كانت دموعها تختلط بالماء، كانت تبكي بعنف وهي تتذكر كلمات الحب التي اغدقها بها، هل كان كل شئ كذبة معقول، هل حبه مزيف، لمعة عينيه. وكلامه المعسول، رباه انها تموت، تموت
اخذت حياة تضرب وجهها وتقول بإنهيار: - مكنتش عايزة أنك انت تكون عقابي، كنت مستعدة اتحمل اي عقاب غير ده، غير العقاب ده يا احمد...

كان يقف امام النهر، يشرب سيجارته بهدوء وداخله اعاصير، لقد خطط ان يكسرها بتلك الطريقة، كان يقصد، أذن ما هذا الشعور، لماذا يشعر بالإختناق، لماذا قلبه يؤلمه، هو حصل على الشقة وقرر العمل بمكتب محامي آخر، حياته على ما يرام فعليا، وحياة خارجها تماما، هو ابدا لا يكن مشاعر ناحيتها ولا يفكر بها من الاساس، ولا يمكن ان يفكر بها، لن يسمح لنفسه ان يغرق بالشعور بالذنب.؟ هي تستحق ما حدث لها، تستحق لانها غبية، كيف ظنت انها سوف تتزوج، كيف؟! الفتيات مثلها لا يتزوجون بل هن مجرد تسلية الشباب وهو بالتأكيد لن يربط اسمه بإسم فتاة مثلها، هذا مستحيل.

كان أحمد يحاول أن يدفع عنه الشعور بالذنب وهو يخبر نفسه بهذا، ولكن مع كل حرف كان يقوله لنفسه، كان حقا يختنق، يشعر ان شئ ثقيل يقبع على صدره، ولكنه فكر ان هذا الشعور سوف يكون مؤقت، هو لن يغرق بالآسي عليها، هذا مستحيل، اغمض عينيه وعقله ينحرف إلى ذكرياتهم سويا، تلك الذكريات التي أصبحت تكبله بقوة فجأة، رغم كل المبررات التي كان يضعها في عقله لتركه لها ولكن ما زال يختنق، يحاول أن يستنتج ما حالها الان، ولكنه كان يعرف أن حالها سئ للغاية، هو بفعلته دمرها تماما، وكان يعرف، يعرف أنه سوف يدمرها ولكنه استمر، استمر رغم الحب الذي كان يراه في عينيها!

انهي الكأس الذي يشربه ثم وضعه على الطاولة بجوار الفراش، كانت عينيه السوداء. تبرق وهو ينظر إليها، كانت جميلة بشكل لا يصدق، تشبه الملائكة، وجهها ابيض للغاية وشعرها الطويل ينتشر على الوسادة، وجنتها حمراء بسبب الصفعة، كان يشعر بالإنتشاء، بالإنتصار، فهذا هو شرف ادم، هذا هو ما سيكسره، اتي الوقت الذي سوف ينتقم من ادم منه، وهو سوف يستغل الفرصة تلك، لن يتركها تضيع هباءا، ما زال مروان يتذكر كيف ضربه ادم! كيف اهانه عدة مرات، يتصرف بغطرسة كأنه الشخص الاهم على الاطلاق، ماذا يظن نفسه، هو مجرد شخص معدم وهو الآن سوف يدمره، شقيقته تلك هي نقطة ضعفه، وهو سوف يضرب نقطة ضعفه بقوة...

جلس مروان بجوار ليلي النائمة وهو يمرر يديه على وجنتها، كانت جميلة، جميلة بشكل لا يصدق، سوف يستمتع بها كثيرا، فكر بسعادة وهو يبتسم، امسك شعرها وهو يداعبه، تلك الانثي مثالية، رغم صغر سنها ولكن جمالها ناضج للغاية، هي تعجبه بقوة، وبالتأكيد سوف يحب ان ينالها اكثر من مرة، اقترب بشفتيه منها ولكن فجأة توقف وهو يراها امامه، تقف وعينيها لامعة بالدموع، تنظر إليه وكأنه خذلها بقوة، لقد رأي تلك النظرة كثيرا، دوما تأتي عندما يهم بفعل. شيئا خاطئ، واغلب الأحيان يتراجع عن فعلته بسببها. ولكن ليس تلك المرة، اذية ادم مهمة جدا بالنسبة إليه، هو يجب أن ينال ثأره، انسابت دموعها امامه فاعتصر قلبه من الألم واقترب منها وقال: - ده مهم جدا بالنسبالي، مهم عشان عايز اعلم حد اذاني الادب...

مسحت والدته دموعها وقالت: - بس دي طريقة خسيسة يا مروان، معقول دي تربيتي فيك، معقول عايز تكسرني بالشكل ده، اومال ازاي بتقول أنك بتحبني، اللي بيحب حد مش بيأذيه وانت بتأ ذيني يا مروان، بتأذيني اوووي. يتأذيني لما تأذي البنات التانيين، بتأذيني وانت بتتحول لشيطان، أنا قلبي بيتكسر بسببك يا مروان وانا مش قادرة استحمل اللي بتعمله ده، ليه يا بني تضيع تربيتي فيك بالشكل ده، انا مش ربيتك عشان تطلع شيطان، أنا ربيتك كإنسان سوي فخليك سوي! سيب البنت دي...

- بس يا ماما...
قاطعته وهي تقول: - قولتلك سيبها يا مروان، انت فاهم ؛؛؛
ثم اختفت من أمامه كما اتت، اقترب مروان من ليلي وجلس بجوارها، مجددا لا يستطيع أن يؤذي أحد، مجددا هو ضعيف، لقد خطط كثيرا بما سيفعله بتلك الفتاة، خطط كيف سيكسرها ويكسر شقيقها ومهرا أيضا. ولكن جميع خططه فشلت تماما، والان يجب عليه إعادة ليلي إلى مكانها...

زفر بضيق وهو يمرر أصابعه على وجنتي ليلي البارد بينما الدموع تنساب من عينيه، يشعر بالاختناق وكأنه سوف يموت حقا، ماذا يفعل، ماذا، هل يصبح كما إرادته والدته ام يصبح شيطان، لأن الشيطان على الأرض هو الذي يعيش...
تنهد بعمق، لتفتح ليلي عينيها وهي تشعر بالتشويش، اتسعت عينيها وهي تنظر إليه بصدمة، واخيرا تذكرت ماذا حدث!
- ابعد ابعد...
صرخت بها وهي تدفعه بقوة وتقول: - انا ايه اللي جابني هنا...

أشار مروان بكفه وهو يقول بحذر: - اهدي، اهدي بس هروحك...
- انت عملت فيا ايه انطق!
صرخت بها بعنف وهي تلقي عليه مزهرية وتقول بجنون: - انطق والا هقتلك النهاردة، انطق...
- معملتش حاجة، والله ما عملت، خلاص تقدري تروحي والله ما هأذيكي. تاني، ومفيش حاجة حصلت بس امشي بسرعة لو سمحتي بدل ما اغير رأيي...

ما كاد أن يقول هذا حتى شدت حقيقتها وهي تخرج مسرعة بينما تدعو أن يكون الباب مفتوحا، وبالفعل كان مفتوحا لتهرب، وهربت هي وتحررت وهي تبكي بعنف!

- اتفضلي يا اختي الاكل، اتطفحي بسرعة ومتبهدليش الدنيا، كفاية اني لوحدي بخدمك يا برنسيسة زمانك...

قالتها. علياء وهي تنظر إليها بقرف، امسكت ميار الطعام ثم بدأت بالأكل بشراهة، لقد منعها والدها من الطعام لمدة يومين، يومين وهي تقاسي الجوع وتبكي من الظلم، كانت علياء تنظر اليها بتشفي، شعرها المقصوص بعشوائية، طريقة اكلها التي تدل على انها تعاني، كل تلك الاشياء جعلت قلب علياء يرقص من السعادة، لا أحد يتخيل كم علياء تكره ميار، هي تكرهها بشدة، تلك الفتاة المدللة التي تظن نفسها ملكة الكون وهي مجرد حشرة لا قيمة لها، ولكن علياء اتت وجعلت حياتها جحيم، جعلتها تعرف ان لا قيمة لها، وان ما تنال الآن هو بقايا طعام، هذا ما تستحقه، الغبية. دمرت زواجها وركضت خلف ادم ولكن ادم أيضا تخلي عنها وهي الآن من تعاني، علياء لا تتواني لحظة عن تسميم عقل عثمان، ولن ترتاح حتى يطرد عثمان ابنته او يزوجها لرجل مسن بالإجبار لكي تتخلص منها وتري أيضا ميار تمو ت كل يوم...

اقتربت علياء من ميار وامسكت شعرها القصير وقالت؛
- تؤ تؤ. شكلك من غير شعر وحش اووي، عارفة بطريقة اكلك دي بتفكرني بالمشردين...
انسابت دموع ميار وهي تأكل الطعام ولم ترد عليها، تركتها تتحدث كما أريد، هي لا تريد أن تجادلها فيعاقبها والدها مجددا...
ضمت علياء فمها وهي مغتاظة للغاية، سحبت منها طبق الطعام وصرخت: - انت متستحقيش الأكل اللي بكرمي بديهولك...

ثم حاولت الخروج لتمسك ميار ذراعها وهي تبكي وتقول: - ابوس ايديكي أنا هموت من الجوع، اديني اكل، ابوس ايديكي...
رفعت علياء كفها وقالت: - يالا بوسي...

تراجعت ميار للاسفل ودموعها تنسكب على وجهها اكثر، كانت لا تصدق انها تتعرض لهذا الاذلال، لا تصدق ان الحال وصل بها لتلك الدرجة انها تتوسل زوجة والدها الشريرة من أجل الطعام، كادت ميار ان ترفض ولكن معدتها قرصتها، انها تموت من الجوع، جائعة بشكل كبير، وعليها الاختيار، اما كرامتها وتموت من الجوع واما تاكل وتتخلي عن كرامتها، تنهدت وهي تمسح دموعها ونظرت إلى الطعام ومعدتها تأن، كان قلبها يبكي بعنف، لم تتخيل ابدا ان تتلقي تلك المعاملة المهينة، وعرفت الان أنها تكبرت على حياتها مع علي، على الذي فعل المستحيل من أجلها، كاد أن يحضر العالم كله تحت قدميها، ويبدو أن هذا هو عقابها لأنها حطمت قلبه، وكم هي نادمة على هذا، فلو عاد بها الزمن سوف تقبل به كزوج وتعيش معه وهي شاكرة وراضية أيضا، فالحياة في منزل والدها أصبحت كالجحيم بسبب تلك المرأة التي تكرهها، تري ماذا تفعل الان، إلى متي سوف تتحمل تلك المعاملة السيئة، هل تستسلم لمصيرها أم تحاول الهروب لكي تعود لعلي، مئات الأفكار كانت تعج برأسها، ولكن توصلت إلى أنها لا يمكنها ابدا ان تتحمل تلك المعاملة فهي يجب أن تهرب، مهما كلفها الأمر ستهرب، لكن الان هي جائعة للغاية، يجب أن تتنازل قليلا كي تسمح لها تلك الشريرة بأن تأكل، ابتلعت ميار ريقها ثم اقتربت من علياء، ابتسمت بسعادة وانتصار وهي تراها تخضع لها، كان هذا المشهد أحد أحلامها، لطالما كرهت تلك الفتاة وستظل تكرهها حتى الموت.

أمسكت ميار كفها ثم قبلته. ونكست رأسها ودموعها تنساب من عينيها...
- يالا دور رجلي يا حلوة...
اتسعت عيني ميار بصدمة. لتزيح علياء عباءتها قليلا وتقول: - يالا يا بت متنحيش...
- حرام عليكي يا مرات ابويا حرام...
- خلاص يا حبيبتي هاخد الاكل معايا...
- خلاص خلاص...
صرخت ميار بقهر ثم انحنت أكثر وهي تبكي بعنف وقبلت قدمها...
اعطتها علياء طبق الطعام وقالت: - شطورة يا حبيبتي، كده تعجبيني!

في الورشة الخاصة به...
كان يعمل وهو يغني مع ام كلثوم...
كنت بشتاق لك وأنا وإنت هنا
بيني وبينك خطوتين، خطوتين، خطوتين
شوف بقينا ازاي أنا فين
يا حبيبي وانت فين، إنت فين، إنت فين
والعمل إيه العمل ما تقول لي أعمل إيه
والأمل إنت الأمل تحرمني منك ليه
والعمل إيه العمل ما تقول لي أعمل إيه، إيه
والأمل إنت الأمل تحرمني منك ليه
عيون كانت بتحسدني على حبي
ودلوقتي بتبكي علي من غلبي.

وفين إنت يا نور عيني يا روح قلبي فين
وفين إنت يا نور عيني يا روح قلبي فين
فين أشكي لك فين.

توقف فجأة والاغنية تستمر، تنهد وهو يتذكر مهرا، مهرا التي تتمسك بكفه بكل قوة وهو مصر على أبعادها عنه، مصر لإعادتها لحياتها، على الرغم أنه يعرف أن هذا سوف يحطمه ولكن سيفعل هذا، هو لن يتمسك بما ليس له، مهرا ليست له، يحب أن يفهم هذا جيدا، هي لديها حياة مختلفة عنه، هي كالأميرة المدللة كل طلباتها مجابة وهو لن يستطيع أن يسعدها، يعلم جيدا أنه يظلم نفسه وهو لا يريد أن يظلمها معه، من حقها أن تكون سعيدة، لن يعيد خطأ ميار. لن يلزم مهرا بأي شئ، على الرغم من المشاعر التي بدأت تتكون من داخله نحوها إلا أنه لن يتمسك بها سيحررها وهو متأكد انها سوف تشكره لاحقا!..

عاد ادم إلى عمله وهو يكتم حسرته في قلبه...
- ممكن ادخل؟!
أتاه صوتها الموسيقي الرائع، شعر ادم أن قلبه يخفق بقوة وهو يسمعها، لقد اتت إلى هنا، إلى هنا، رفع ادم عينيه لتشتعل زرقاوتيه بشغف وهو يراها جميلة كم لم تكن يوما، ترتدي فستان بنفسجي طويل بأكمام طويلة يليق بها كثيرا، بينما شعرها الرائع تلفه في ذيل حصان، وعلى وجهها ابتسامة رائعة مثلها بينما تمسك طبقا ما.

أعطاها ابتسامة مترددة بينما ما زال قلبه ينبض بقوة، متي أصبح قلبه ينبض لها بكل هذا العنف هو حقا لا يدري، فكر بيأس
- اتفضلي يا مهرا...
ولجت مهرا إلى الورشة وهي تقترب منه وتقول بحماس: - عملتلك كشري وقولت اجيبه وادوقهولك، بصراحة مقدرتش استني لما انت تيجي...
ضحك وقال: - يااه اخيرا نطقتي اسمه صح، كفارة يا شيخة...
- ما تأكل بقا وتبطل برود...
قالتها مهرا وهي تضربه على كتفه بغضب...

ابتسم وقال: - حاضر يا ستي هاكل...
اخذ الطبق منها ونزع الغطاء ليشحب وجهه ويقول: - ايه ده يا مهرا...
- ده كشري...
أجابت ببساطة، نظر ادم إلى الكشري الذي صنعته وقال: - هو ليه الرز محروق؟!
- لا لا، هو متحرقش مني هو اخد نار بس زيادة...
- فعلا...

قالها ادم بشك ولكنه لم يرد أن يغضبها ويجرحها خاصة أنها تفعل هذا من أجله، امسك هو المعلقة وبدأ ياكل بها، تغير وجهه فجاة عندما تذوق مدي. سوء الطعام، ولكن لم يرغب أن يحرجها بل اكمل تناول طعامه بهدوء، : - علي فكرة أنا اهو بتعود على حياتك بسرعة يا آدم.

بتعود عليها لاني عايزاها تكون حياتي عشان ابقي معاك، بس انت مش مقدر ده، انت عايز تبعدني عنك وخلاص كأني مرض...
هز رأسه وقال: - والله العظيم ابدا يا مهرا، عمرك ما اعتبرتك كده...
- اومال ليه عايز ترجعني لجدي يا آدم، ليه؟!
- عشان الاتفاق كده يا مهرا، اتفاقي مع جدك كان كده...
- الاتفاق اتفسخ لما حبينا بعض يا آدم...
ابتلع ريقه وقال: - ب بطلي تقولي الكلام ده انا محب...

قاطعته وهي تقترب منه وتقول: - بص في عينيا وقول انك محبتنيش، قولها عشان امشي، بس. بص في عيني يا آدم...
ابتلع ريقه وهو ينظر إليها، كان عاجز كليا عن الكلام وهي تنظر إليه بتلك الطريقة وكأنها حاصرته، شعر أنه مسحور بها، اقترب هو بشفتيه من شفتيه بقصد. تقبيلها وقد أغلق عينيه الا ان فجأة بكاء ليلي جذبه...
ابتعد ادم عن مهرا وهو ينظر إلى ليلي التي اندفعت إلى أحضانه...
- ليلي. ليلي فيه ايه؟!

قالها ادم. برعب، ابتعدت ونظرت إليه وعينيها حمراء من الدموع: - اللي اسمه مروان خطفني ووداني. بيته، ولولا أني صحيت وصرخت كان ممكن يدمر حياتي...
اشتعلت عيني ادم بالدموع ولم يرد بل دفع ليلي وهو يخرج برا الورشة!

ضمت مهرا ليلي المنهارة إليها وقلبها يخفق بعنف بسبب الخوف، كانت الأفكار السيئة تدور في عقلها، لقد ذهب ادم إلى مروان ولا يوجد شك أنه سوف يقتله، مروان تجاوز حدوده كثيرا ولكن هذا ليس معناه أن يتورط ادم، فشخص كمروان لا يستحق أن يدخل ادم السجن بسببه، لا، لن تترك ادم يتهور، ستوصل ليلي إلى المنزل وتذهب خلف ادم، لا يمكنها أن تخسره بتلك الطريقة، وفكرت ودموعها تنساب على وجهها...
- ليلي، ليلي فوقي...

قالتها مهرا لليلي التي ترتعش بين ذراعيها، ما زال الخوف مسيطر عليها، لا تصدق انها واجهت هذا الأمر، لقد كادت أن تتدمر حياتها بالفعل على يد ذلك الحقير، انسابت دموعها وهي تشهق بخوف، ضمتها مهرا أكثر وهي تقول: - اهدي. اهدي يا ليلي بس انا لازم اروح الحق ادم، لازم...

لم تستوعب ليلي ما تقوله، كانت في عالم اخر، ما زالت تحت تأثير الصدمة عندما رأته قريبا لهذا الحد ارتعبت كثيرا وانهارت وهي تصرخ به، لقد كادت أن تقتل نفسها، فهي مستعدة أن تقتل نفسها على أن يلمسها هذا الحقير!
أبعدت مهرا ليلي عنها وهي تقول: - ليلي ليلي بصيلي وفوقي...

ولكن ليلي ما زالت تبكي، كانت في حالة إنهيار غريبة، كانت مهرا تتفهم الأمر، فهي قد عانت بسبب حقارة مروان، لقد دمر حياتها دون أن يشعر بالذنب، والان يريد أن يدمر حياة ليلي. ولكن ليلي قالت إنه لم يلمسها، قبضة باردة حطت على قلب مهرا، هل معقول أن ليلي أخفت الحقيقة لأنها خائفة، هل لمسها ذلك الحقير، هل دمر حياتها معقول؟! التفكير في هذا فقط جعلها تشعر بالمرض والرعب، لا لا. لا تتمني أن تعيش ليلي ما عاشته مهرا، هذا قاسي جدا على هذه الفتاة...

حاوطت مهرا وجه ليلي لتجبرها على أن تنظر بعينيها العسليتين ثم قالت: - ليلي خليكي صريحة معايا. ممكن. قوليلي الحيوان ده لمس شعرة منك، قدر يأذيكي قولي ومتخافيش لأن ساعتها احنا هنوديه في ستين داهية، أنت مش عليكي لوم لازم تعرفي كده. أنت الضحية...

لمعت عيني مهرا بالدموع وهي تتذكر شعورها وقتها، صحيح أجبرت نفسها على تجاوز الوضع بسرعة جدا، ولكن لو لم تفعل هذا كانت لتقتل نفسها بكل تأكيد. لقد فكرت كثيرا أن تموت اشمئزت من نفسها، كانت تشعر أنها خاطئة رغم أنها الضحية، وجدها للاسف اول واحد اشعرها بهذا، وضع اللوم عليها دون أن يضع في اي اعتبار أنها تعرضت للخداع، ولكن اخيرا توصلت أنها ضحية، ضحية خدعة حقيرة من مروان ومن اعتبرتها صديقتها، هي تشعر بشعور ليلي، هي الوحيدة التي تعرف ماذا يدور بعقلها، هزت ليلي رأسها بالنفي وهي تقول: - لا هو ملمسنيش، مقدرش حتى انا صحيت في الوقت المناسب ووقتها قدرت اقاومه. وهو كان ضعيف بشكل غريب، كان بيبكي...

تنهدت مهرا براحة رغم الغصة التي بقلبها لقد تمنت أن يحالفها الحظ كما حالف ليلي، تمنت لو كانت استيقظت في هذا اليوم واستطاعت مقاومته والهروب...
مسحت دموعها وقالت: - الحمدلله، الحمدلله...
تنهدت مهرا واكملت: - يالا اوديكي البيت، لازم الحق ادم، ادم ممكن يتهور ويعمل فيه أي حاجة...
- سيبيه يا مهرا، الحيوان ده يستاهل الموت...

هزت مهرا رأسها وقالت: - مروان السويسي ابن واحد من أكبر رجال الأعمال في مصر يا ليلي لو ادم عمله حاجة ممكن ادم اللي يتأذي، لازم الحقه...
- يا خبر. صحيح أنا ازاي بفكر، ادم عصبي وممكن يقتله في أيده، انا هروح لوحدي وأنت الحقيه يالا!

نظرت إلى نتيجة اختبار الحمل وعلى وجهها ابتسامة رائعة، هي حامل، كادت ان تقفز من السعادة، هي تحمل طفل منه، طفل من سامر، وضعت كفها على بطنها وعينيها لمعت بدموع التأثر، كانت لا تصدق السعادة التي تطغي عليها، لا تصدق ان يحدث معها هذا، هذا الطفل سوف يربط بينها وبين سامر، هذا الطفل سيصلح كل الأخطاء في حياتهما. عضت على شفتيها بحماس وهي تفكر كيف تخبر سامر بهذا الخبر السعيد، هذا الطفل سيجعل سامر يقترب اكثر منها ويحبها...

امسكت الاختبار وهي تبتسم وخرجت من الحمام، نظرت إلى سامر ووجدته جالس شارد يشاهد التلفاز، تنهدت بآسي، لابد انه يفكر بها الآن، رغم كل شىء، هي لم تستطع طرد مرام من قلبه، احيانا تفكر أن مرام ستظل موجودة في حياتهما للابد، لن تستطيع التخلص من طيفها في حياتهما، هل يا تري قد تحدث معجزة ما ويحبها كما يحب مرام، ام انها تطلب المستحيل، المشكلة أنها تقول انها ستكتفي بما يقدمه لها ولكن هي تطمع في عشقه، تريد قلبه، تريد أن تكون هي مالكة قلبه للأبد، تريد أن تنعم معه بحياة سعيدة ولكن ربما هذا الطفل الذي في بطنها سوف يكون اول رابط حقيقي يربط بينهما، ربما يحبها عندما تلد ابنه، هذا الرابط بينهما عندما تنجب طفله سوف يصبح اكبر، هي تحمست أكثر، بجانب أنها سوف تعيش امومتها وستنجب طفل من دمها تهتم به وتقدم له ما لم تقدمه لها والدتها أيضا هذا الطفل سوف يقرب سامر منها، ابتسمت كارما وهي تتخيل حياتهم معا، بالطبع سوف يكونوا اسعد عائلة في العالم...

اقتربت هي من سامر وجلست بجواره ثم قربت منه وهي تقبله على وجنته وهي تقول: - جاهز تسمع خبر حلو...
- ممكن بعد الفيلم.
قالها وهو يشاكسها، ضربته على كتفه وقالت: - انت ليه بارد كده؟! ده خبر مهم جدا...
نظر إليها وقال: - هتفرحيني وتسيبي الشغل...
اكثر ما سيسعد سامر أن تترك العمل، فهو لا يريدها أن تعمل، داخله غيرة غريبة عليها لا يريد أن يجعلها تحتك بأحد...
ابتسمت وقالت: - حاجة زي كده، قوم معايا عشان اقولك...

جذبته لتجعله ينهض، فقال: - ها يا ستي ايه الخبر السعيد ده
اشرق وجهها بالسعادة وهي تضع كفه على بطنها
- انا حامل يا سامر...
قالتها كارما وعلى شفتيها ابتسامة واسعة، كانت سعيدة جدا كما لم تكن من قبل!
بهت سامر وسحب كفه وهو ينظر إليها، كان جد مصدوم، لاحظت كارما رد فعله وقالت: - مالك يا سامر انت مش مبسوط؟!
- انت حامل ازاي؟! انطقي!

صرخ في كلمته الأخيرة لترتعش بقوة بينما تتصاعد الدموع في عينيها وتقول: - هكون حامل ازاي يا سامر، حامل، زي أي واحدة متجوزة وحامل.
احمر وجهه من الغضب وجذبها بعنف نحوه وقال: - ومين اللي قال اني عايز عيال منك!
ابتلعت ريقها وسالت دموعها ثم قالت وصوتها مختنق بفعل البكاء: - ازاي يعني مش عايز مني، اومال اتجوزتني ليه وقربت مني ليه؟!

دفعها بعنف وصرخ: - طبعا يا هانم دي خطتك صح، تفضلي تتدحلبي لحد ما تربطيني بعيل صح، هي دي خطتك الحقيرة وانا زي الحمار صدقتك، يا سلام خطة ذكية بصحيح...
هزت رأسها بصدمة وهي تقول: - انت بتقول ايه؟! أنا مراتك. مراتك! سامع بتقول ايه، أنا مش عشيقتك عشان تقولي كده، يعني ايه اربطك بيا، احنا متجوزين يا سامر...
نظر إليها وقال بنبرة باردة: - من الاخر لو عايزة تكملي معايا تنزلي الولد ده!

كانت لا تصدق ما يقوله ولكن ردها كان سريعا، حازما، كانت قد اكتفت منه، وضعت كفها على بطنها وقالت: - اسفة يا سامر هختار ابني، أنا مش عايزة اكمل معاك...

دموعه كانت تنساب على وجنتيه، لقد فشل في أن يكسر اي احد سوي نفسه، هو يري نفسه حقير الان، لقد تخيل والدته مجددا، تخيلها وهي توبخه، تنظر إليه بصدمه كأنه قد خذلها، وبالفعل هو خذلها، هو لا يريد هذا، لا يريد أن يصبح شخصا حقيرا ولكنه غاضب من العالم، يريد أن يدمر اي احد أمامه لانه لا يشعر بالحب، يريد قتل اي بذرة خير داخل قلبه، لا يريد أن يكون طيب القلب وساذج، لا يريد الحب فهو توسله من والده مرارا وتكرارا ولكن لم يحصل عليه، هو يريد الكره. يريد أن يتشبه قلبه بالحقد والكره، يريد الانتقام من ادم، ادم الذي جعله أضحوكة أمام نفسه الانتقام من ليلي، ليلي التي رفضته عدة مرات وحتى من مهرا التي كانت تهيم به والان لا تطيقه ؛! لقد تخلي عنه الجميع، هو وحيد الان، وحيد للغاية، دموعه انسابت أكثر. هو يشهق، كم هو ضعيف، ضعيف وهش، لا يتحمل أي شىء...

جرس الباب أخرجه من شروده، مسح دموعه بسرعة ونهض بتكاسل ليفتح الباب، فجأة شحب. هو يري ادم أمامه، عينيها الزرقاء تشتعل بها النيران وكأنه على وشك إحراق العالم كله، للصدق. مروان ارتعب منه وخاصة من عينيه التي تشتعلان بالنيران...
- ليه، اه...

كاد مروان أن يتكلم إلا أن ادم لكمه بعنف، ثم ادخله المنزل وهو يغلق الباب، اقترب منه ثم امسكه من رقبته وهو يضغط عليها حتى كاد أن يقتله وقال: - انا مش قولت اللي يخصني متلمسهوش!، ازاي تتجرأ وتخطف اختي، انطق! ازاي جاتلك الجراءة تعمل كده!
احمر وجه مروان وشعر أن الأكسجين ينتهي من رئتيه، فجأة دفعه ادم حتى وقع على الأرض وقال وهو يخلع حزامه: - انا هوريك ازاي تقرب على حد يخصني ازاي، أنا هوريك يا مروان...

نظر إليه مروان برعب، كان جسده يرتعش بقوة، عيني ادم تخبرانه أنه سوف يتهور كثيرا، عينيه تخبره أن ادم الان لا يهتم بشئ، لقد اتي لمنزله كي يضربه، هذا شجاعة تحسب له. وهو ليكون صريحا، خائف منه جدا الان، رفع ادم الحزام ثم حط به على جسد مروان ليصرخ مروان بألم وهو يشعر أن جسده يؤلمه بقوة، ظل ادم يرفع الحزام ثم يضربه بعنف، كان يضربه كالمجنون، كان فاقد اعصابه جدا...
- كفاية كفاية...

قالها مروان بصوت ضعيف ولكن ادم كان مستمر في ضربه، عندنا رأي ادم حالة ليلي أصابه الجنون، شعر ببراكين العالم تنفجر داخله فلم يشعر بنفسه الا وهو يأتي هنا لكي يلقن مروان درس حياته ولن يذهب من هنا حتى يقتله ويرتاح منه ومن شره. هذا الرجل لعنة عليه بالاول زوجته مهرا والأخيرة هي ليلي؟! لا هو لن يسامحه على هذا.

كان آدم مستمر بالضرب ومروان مستمر في الصراخ، ابقي فجأة ادم الحزام وهو يلهث بقوة، كان العرق يغطي وجهه، جذب ادم مروان وقال وهو يلهث: - اسمعني بقا يا حيلتها وحط ده حلقة جوه ودنك
. دي شدة ودن بسيطة ولكن اقسم بالله لو قربت من ليلي أو مراتي تاني وديني هقتلك انت فاهم! فاهم ولا لا...

علي الرغم التعب الذي يسيطر على وجهه نظر مروان إلى ادم وقال: - انا مش هستسلم، هفضل اضايقك دايما واضايق اختك، يمكن يعني عايز اجربها زي ما جربت مراتك!
اتسعت عيني ادم بغضب وقال: - اه يا حقير...
صرخ بها بقوة ثم أمسك ذراع مروان وهو يقول: - انا هقتلك النهاردة...
ثم بعنف ثني يديه حتى كسر ذراعه!

بعد قليل...
شهقت مهرا وهي تنظر إلى ادم. الذي مكبل بالاصفاد، لقد. اتت بعد فوات الاوان!

في شركة أنس...

كان انس جالس في مكتبه، قلبه يخفق بعنف، لقد طلب رؤيتها، قرر ان يتكلم معها اليوم، صحيح لم يري الأمر صائبا وخاصة انه تكلم مع اخاها ولكنه كان يريد أن يعرف ما هو رأيها، يريد أن يعرف بماذا تفكر الآن، هل تراه شخص جيد ام احمق، كان يريد أن يعرف رأيها به، هذا التفكير يؤرقه، ابتسم أنس وهو يتذكر مقابلته مع آدم، لقد تفهمه ادم كما أنه تواصل معه هاتفيا وهو يعرض عليه حلول. اخبره ان يحاول لينال سعادته، لقد احب هذا الشاب فعلا، يبدو رجلا بحق. وهو واثق ان ادم أيضا احبه ويتمناه زوج لشقيقته، من نظراته عرف هذا...

اقتربت مرام من مكتب انس وقلبها يخفق بجنون، ما تلك المشاعر التي تسيطر عليها كلما كانت قريبة منه، كيف القرب منه فقط يجعل قلبها يخفق بتلك القوة المجنونة، وكأنه يتحكم بدقات قلبها! رغم السعادة التي تملأ قلبها الا انها كانت تشعر بخوف، تلك المشاعر قد تؤذيها، هي تخاف الحب، تخاف ان تظهره فتتحطم، مصائب الحياة علمتها الا تثق بأحد الا عائلتها وهي لم تعطي ثقتها الكاملة لأحد ولا تريد أن تعطي قلبها بالكامل لأحد لا تريد أن تحب بكل مشاعرها لانها هي من سوف تتأذي، كانت نظرة مرام للحب سلبية للغاية، فالحب يجعلك ضعيفا، يترك مشاعرك تسيطر عليك، وهي لا تريد أن تكون ضعيفة، لقد رأت كيف ادم تحطم عندما تركته ميار وهي لا تريد أن تكون محطمة بهذا الشكل...

تنهدت وهي تطرق الباب بينما ترتدي قناعها الجليدي. ارتعش قلب أنس داخل صدره وقال بصوت مخنوق بفعل المشاعر التي سيطرت عليه: - اتفضل.
ولجت مرام إلى المكتب وهي تحافظ على وجهها ثابت، لا يوجد أي انفعال عليه، خفق قلب أنس اكثر وهو يمنحها ابتسامة رائعة لم تردها هي وقال: - ازيك يا انسة مرام.
- كويسة يا فندم، حضرتك طلبتني خير...

ابتلع ريقه بتوتر وهو يتساءل كيف يمكنها ان تجعله يتوتر بكلمة، نظرة، ولكن كل ما في مرام يجعله
ما يشعر له نحو مرام كان نادر، نادر للغاية...
ابتسم وقال: - اخوكي قالك على ظروفي اللي كانت مانعاني اتقدملك؟!
هزت رأسها دون أي كلام، كانت تخاف أن تتكلم فيظهر ارتعاش كلماتها وتفضح مشاعرها، بالعكس هي تحكمت في نفسها تماما حتى لا يحمر وجهها أمامه...
ابتسم انس بتوتر وقال: - طيب وايه رايك؟!

نظرت إليه وهي ترد: - رايي في ايه؟!
شرح بتوتر: - يعني رأيك في العرض بتاعي، ناوية توافقي ولا ايه؟! تقدري تستني لما اخلص مشاكلي مع حالة بنتي، أنت ايه رايك...
قالت بهدوء: - انا بفكر حاليا والرد ادم هيبلغك بيه، اظن هو قال لحضرتك كده...
ضحك متوترا وقال: - طبعا هو قالي كده بوضوح يا آنسة مرام، بس انا عايز اعرف رأيك المبدئي، معندكيش مشكلة انك تستني صح، مستعدة تستحمليني شوية...

ربعت ذراعيها وقالت: - استاذ انس مفيش حاجة اسمها رأي مبدئي أنا بفكر وهقول رايي النهائي لادم، ده جواز يعني حياة كاملة هقضيها مع حضرتك لو ربنا أراد يعني وحصل نصيب.
- يارب يحصل نصيب.
رد مقاطعا كلماتها لتكمل هي: - عشان كده مضطرة افكر كويس يا استاذ أنس واخد وقتي كمان. لازم اشوف نفسي واقيمها أن كنت هتحمل واستني ولا لا، ده جواز مش لعبة...
- يعني مفيش اي مشاعر من ناحيتك ليا؟!

سألها فجأة. عرف أن سؤاله خطأ تماما خاصة بعد أن تكلم مع شقيقها، حاربت مرام الاحمرار الذي بدأ يزحف إلى وجهها وكادت أن ترد بالنفي إلا أن رنين الهاتف أوقفها، أمسكت هاتفها وقالت: - عن اذن حضرتك هرد.
هز رأسه فردت هي ليشحب وجهها بقوة وهي تقول: - ايه! ادم يا مصيبتي!

كانت تدندن وهي تسقي الورود التي بحديقة الفيلا، تشعر بسعادة غريبة عندما بدأت تقترب من حسناء وأسرتها، شعرت أن هذا الشئ الذي كان يجثم على قلبها انزاح، وكأنها تحررت من ذنب كبير، تشعر أنها خفيفة، خفيفة للغاية...

انتهت من ري الزرع ثم بدأت بلمس الورود وهي تتنهد بسعادة وتتذكر زوجها كريم، هو من علمها كيف تزرع الورود، صحيح جمعتهم الصدفة لا الحب، فكريم هو من تزوجها بعد أن رفض علي، صحيح وقتها شعرت بالإهانة وأنها تحطمت كثيرا لأنها كانت حقا تحب علي، أما كريم كان دوما بالنسبة لها شخص بارد متباعد لم تحبه ابدا، عندما تزوجته بدلا من شقيقه ظنت ان حياتها انتهت تماما ولكنها كانت مخطئة تماما، فحياتها بدأت مع كريم، لقد رأت وجه جديد منه، ليس كريم البارد بل كريم العاشق، الذي ذوبها بحبه، احبها كما لم يحب أحد من قبل، دللها وعاملها كالأميرة حتى محا على تماما من قلبها، لقد أحبته مروة، أحبته كما لم تحب أحدا من قبل، كان كريم الرجل المثالي لها، لم تصدق ان ربنا قد عوضها به، ولكن السعادة لم تدم، كريم غادر الحياة مبكرا، تركها هي وطفلتها، لقد انكسرت بعد موته وظنت أن حياتها انتهت تماما. كانت وحيدة بعد أن مات والديها أيضا، لم تعرف أين تذهب، وكيف ستعيش بمفردها، كل تلك الأسئلة كانت تدور بعقلها، ولكن جابر هو من مد يده لها، هو من ساعدها لكي تتجاوز تلك المحنة بسهولة، جابر وعد كريم قبل موته أنه سوف يهتم بمهرا، لن يشعرها ياليتم ابدا، لن يتخلي عنها أو يتركها تحتاج اي شئ، بل عاهد نفسه أن يحقق كل أحلامها، هو من امسك بيد مروة وابنتها وجعلهما يعيشان في بيته واهتم هو بمهرا، هو من علمها ورباها حتى كبرت، حقق جميع أحلامها، لم يضربها يوما أو يقسو عليها، بل كانت مهرا هي روحه وكأنها حفيدته الوحيدة، دللها بشكل مبالغ فيه، حتى عندما رفضت أن تعمل بعد تخرجها لم يعترض بل تركها على راحتها، كان دوما ينصحها بلطف لم يفكر يوما في ايذاءها، حتى هي، جابر عامل مروة بشكل جيد للغاية، أعطاها حنان الاب، كان يدعمها دوما...

تنهد مروة وهي تفكر أن في الوقت الذي كانت تنعم هي به بدعم جابر عزام، كانت حسناء وأطفالها يعانون من الفقر والحاجة، على الرغم من أن جابر عزام لديه الكثير من الصفات الحميدة إلا أنه ظالم، لقد ظلم حسناء وأطفالها بسبب نظرته الطبقية للآخرين، صحيح عندما توفي على انهار كثيرا وبكي حتى اشفقت عليه، ولكن لم يفكر بمساعدة أحفاده ولا أن يهتم بهم، تلك الفكرة جعلتها تتضايق منه ولكنها اختارت الا تتدخل، كانت تخاف أن يتخلي عن حفيدته مهرا، فصمتت وهي تفكر يوميا في حال حسناء والاولاد، حتى نستهم في خضم صراعات الحياة التي لا تنتهي...

انتبهت فجأة عندما رن هاتفها، أمسكت الهاتف لتجدها مهرا تتصل بها، ابتسمت مروة ووجهها الجميل يشرق وهي ترد عليها وهي تقول: - عمرك اطول من عمري يا ميمي كان في بالي اكلمك...
ولكن صوت مهرا المخنوق بالدموع جعلها تبهت بينما أصبح قلبها يدق بعنف وقالت بخوف: - فيه ايه يا مهرا مال صوتك...
بهت وجهها أكثر وهي تصرخ وتقول: - ادم. يالهووي، طيب وهما اخدوه القسم، خلاص متقلقيش يا حبيبتي، هكلم جدك ويجيب محامي...

ثم ركضت مروة إلى غرفة جابر وقلبها يرتج بعنف، فتحت الباب بسرعة وشحبت كالاموات وهي تري جابر واقع على الأرض ولا يبدو أنه يتنفس!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة