قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل التاسع

رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي كاملة

رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل التاسع

في منزل حميد زهران...
كان الجميع يجلس على مائدة الطعام يتناولون عشائهم حينما رن جرس باب المنزل...
نهض الاب من مكانه ليفتح الباب بعدما قال لهم: ابقوا انتوا في أماكنكم، سأرى أنا من أتى إلينا الان...
واتجه نحو الباب وفتحه ليجد ليلى أمامه بملامح يكسوها الالم و عينين مليئتين بالدموع...
ليلى، ماذا حدث يا ابنتي؟!

وما ان تقدم نحوها ليحتضنها حتى اغمي عليها بين يديه، حملها الاب بلهفة شديدة واتجه بها نحو صالة الجلوس قبل ان تأتي زوجته وراءه لتشهق بقوة ما ان رأت إبنتها ممددة على الكنبة فاقدة الوعي...
اقتربت منها بسرعة وطبطبت على وجهها وهي تهتف بزوجها: ماذا حدث يا حميد؟! لما هي فاقدة للوعي..؟!
اجابها حميد وهو يتمعن النظر في وجه ابنته الاحمر من شدة البكاء: لا اعلم يا نجلاء، لقد وجدتها منهارة امام الباب وقبل ان أسألها حتى ما حدث كانت هي قد فقدت وعيها امامي..

جاء كلا من مازن وملك ومريم اللذين انصدموا بشدة مما يرونه قبل ان تصيح بهم الام: ماء، هاتوا ماء...
ركض مازن بسرعة نحو المطبخ وجلب كوب من الماء الى والدته، اخذته الام منه وبدأت ترش القليل منهه على وجهها فبدأت ليلى تستفيق تدريجيا من إغمائها...

ما ان فتحت ليلى عينيها ورأت الجميع أمامها جتى انهارت بالبكاء من جديد...
حاولت والدتها تهدئتها والفهم منها لكنها لم تستطع هذا وسط شهقاتها وبكاءها الشديد...
احتضنتها الام وبدأت تهدأ بها وسط نوبة بكائها بينما هتف مازن بغضب: ليتصل احد بجابر ويفهم منه ما حدث...
وبالفعل خرج الاب من صالة الجلوس يتبعه مازن واخذ هاتفه واتصل بجابر لكن الاخير لم يرد...

اغلق الاب هاتفه وهو يشعر بضيق شديد فجابر يتجاهله تماما ليقول بعدها بعصبية بالغة: بالتأكيد هو وراء هذا، لذلك لا يرد على اتصالاتي، ذلك الحقير...
قاطعه مازن بحدة بالغة وهو لا ينوي الخير ابدا: نعم هو وراء ما يحدث، اقسم بالله بأنني لن أرحمه...
وقبل ان يتحدث الاب كان صوت صراخ الام يملأ ارجاء المنزل، اتجه مازن والاب بسرعة نحو صالة الجلوس ليجدا نجلاء تقترب منهما وهي تقول ببكاء بالغ: لقد ضربها ذلك الحقير، ضربها يا حميد بقسوة...

اتجه حميد مصعوقا نحو ابنته واحتضنها بقوة قبل ان يهتف بها بعد لحظات: اخبريني ماذا حدث؟! اخبريني بسرعة...
اجابته ليلى من بين شهقاتها بنبرة متقطعة باكية: لقد ضربني يا ابي، ضربني...
لماذا ضربك.؟! اخبريني...
اجابته من بين دموعها الحارقة: لأنني لم اتناول العشاء مع والديه، لقد كنت متعبة للغاية وأردت النوم قليلا...
عاد الاب وسألها: هذا فقط، ألم نفعلِ شيئا أخر؟!

هزت ليلى رأسها نفيا وقالت بنبرة صادقة: اقسم لك يا ابي انني لم أفعل شيئا اخر بالرغم من كل ما كان يفعلونه معي...
هنا تدخلت الام بالحديث فقالت متسائلة: ماذا حدث ايضا.؟! ماذا فعل بك اولئك الاوغاد.؟!
كفكفت ليلى دموعها بأطراف أناملها وأكملت موضحة لهم كل ما حدث معها في الايام السابقة بالتفصيل...
ذهل الجميع مما يستمعونه من معاملة والدة جابر السيئة لابنتهم وسلبية جابر معها...

بالكاد استطاع الاب أن يكتم غضبه أمام ابنته وقال لها بنبرة هادئة محاولا تهدئتها من بكائها المستمر: كفي عن البكاء، انهض مع والدتك واتجهي نحو غرفتك، وأنا سأتصرف معه غدا صباحا...
بالكاد استطاعت ليلى ان تنهض مع والدتها وهي تشعر بألم شديد يغزو كل قطعة من جسدها لتتجه معها بخطوات ضعيفة واهنة نحو غرفتها تاركة الاب يفكر بعمق بما حدث...

جلست ليلى على سريرها بوهن...
كانت منكسة الرأس وملامحها توحي بالقهر والخجل بأن واحد...
تأملتها والدتها بملامح مشفقة قبل ان تأمر اختيها: اذهبا الى غرفتكما...
خرجتا ملك ومريم مسرعتان من الغرفة بينما بقيت نجلاء مع ابنتها التي عادت تبكي لكن بصمت...

احتضنتها نجلاء بقوة وأخذت تربت على ظهرها بينما تقول بألم واضح: ابكي يا ابنتي، وابكي حتى تنتهي اوجاعك...
ثم اردفت وهي ترفع بصرها نحو الاعلى: حسبي الله ونعم الوكيل عليك يا جابر، حسبي الله عليكِ يا منيرة انت وزوجك وابنك...
استمرت ليلى في بكائها بل زادت شهقاتها أكثر حينما سمعت دعاء والدتها...
توقفت ليلى أخيرا عن البكاء لتهتف بصوت مبحوح: اريد النوم...

اذعنت الام لطلبها ومددتها على السرير ثم غطتها باللحاف جيدا بإحكام، قبلت جبينها بحنو ثم خرجت من غرفتها واتجهت الى صالة الجلوس حيث يوجد زوجها وابنائها...
ماذا سنفعل الان.؟!
قالتها بسرعة ما ان دلفت الى صالة الجلوس ليرد الاب عليها: اجلسي اولا...

الا انها رفضت بعصبية: انا لن اجلس حتى أفهم ما وضع ابنتي بعد الان، هل سنصمت على ما حدث.؟! هل سنترك ذلك الحقير هكذا دون عقاب.؟! اخبروني حالا ماذا ستفعلون؟!
اهدئي يا نجلاء، الامور لا تؤخذ بهذا الشكل...
قالها الاب بغضب واضح لترد هي بغضب اكبر: كيف تؤخذ اذا؟! لقد ضربها ضربا مبرحا، ماذا سننتظر بعد؟!
امي اهدئي قليلا...

قالها مازن محاولا تهدئة والدته لكنها أكملت بإنفعال: يجب أن تأخذوا حق ابنتي من ذلك الحقير، يجب ان تفعلوا شيئا...
ما ان اكملت كلامها حتى شعرت بدوار يسيطر عليها فوضعت يدها على جبينها وتأوهت بألم لتقفز ملك نحوها وتسندها بينما تقول مريم بقلق: ماما هل انت بخير.؟!

أجلستها ملك على الكنبة لتومأ الام برأسها وتقول: بخير، انا بخير ولكن اختك ليست بخير ابدا...
شعر الاب بالاختناق فخرج من المكان بأكمله يتبعه مازن...
وقف مازن بجانبه في حديقة المنزل وقال بعصبية كئيبة: لا اعرف لماذل تمنعني من الذهاب اليه ومحاسبته على فعلته؟!
اجابه الاب بنبرة متعقلة: لاننا يجب ان نفكر جيدا قبل أي ردة فعل نقوم بها...

لقد ضربها يا ابي، ماذا سننتظر اكثر، الامر واضح لا يحتاج لتفكير، اتركني عليه، وانا سأربيه من اول وجديد...
هنا فقد الاب اعصابه ولم يتحمل اكثر: ماذا جرى لكم؟! جميعكم تتحدثون بهذه الطريقة، كأنكم نسيتم أنني رب هذه الاسرة وأنا الوحيد من يحق له أن يقرر القادم...

هذا لأننا لم نرَ منك اي ردة فعل واضحة على ما حدث...
وهل تظن بأن صمتي هذا يعني انني غير مهتم لما حدث؟!
قالها الاب مذهولا ليقول مازن بسرعة: الامر ليس هكذا ابدا، لكنك تتصرف ببرود، الامر الذي يجعلنا نشتعل من الغضب اكثر واكثر...
لأنني لا اريد أن أقوم بأي تصرف متهور أندم عليه فيما بعد.، اريد ان أتصرف بالشكل الصحيح...
تنهد مازن بقلة حيلة وقال: وماذا ستفعل الان.؟!

اجابه الاب بحيرة: لا أعلم، ان الامر صعب للغاية، اصعب مما تتخيل...
تطلع مازن اليه بصمت بينما تنهد الاب بصزت مسموع وقال اخيرا: انت اذهب الى الداخل وحاول ان تهدئ والدتك قليلا، اخبرها بأنني سأحل جميع الامور وسأجلب حق ابنتي بالتاكيد...
ولماذا لا تخبرها انت؟!

اجابه وهو يتأمل السماء بعينيه: لا رغبة لدي بالحديث مع احد، اريد ان ابقى لوحدي قليلا...
اومأ مازن برأسه متفهما ثم دلف الى الداخل تاركا والده لوحده...

كان جابر يسير في غرفته ذهابا وإيابا وهو يفكر فيما فعله ويتذكر كيف خرجت ليلى من المنزل وهي في أوج غضبها وألمها...
لا يعرف كيف فعل هذا بها ولكن حديث والدته أغضبه منها وبشدة وجعله يتصرف بطريقة غبية للغاية...
نعم يعترف لقد اخطا بما فعله والله وحده يعلم ما تبعات هذا الخطأ...
فعائلة زهران لن يسكتوا على ما حدث ولن يمرروه مرور الكرام...
سوف يغضبوا عليه وربما سيفوق غضبهم جميع تصوراته...
شعر بالقلق يسيطر عليه من ردة فعلهم المنتظرة...
الله وحده يعلم ما سيحدث في صباح الغد معه منهم..

جلس على سريره وهو يفكر بليلى و موقفها منه بعدما فعله معها، هل ستسامحه اذا اعتذر منها وطيب خاطرها، أم ستصر على زعلها...
في هذه الاثناء دلفت والدته الى غرفته واقتربت منه قائلة: جابر، ماذا تفعل هنا لوحدك؟!
اجابها بضيق واضح: ماذا سأفعل يا امي، أفكر فيما حدث وموقف اهل ليلى مني بعدما ضربت ابنتهم بهذا الشكل...
هل انت قلق من ردة فعلهم.؟!

سألته بجدية ليجيبها بسخرية: وهل يفترض بي ألا أقلق؟!
الا انها كانت مصرة على موقفها وصحته: لا تقلق يا بني، هم لن يستطيعوا ان يفعلوا شيئا، زوج و يربي زوجته، لا يحق لهم أن يتدخلوا بينكم اطلاقا...
تحامل جابر على نفسه لكي لا ينفجر في وجه والدته فهي في النهاية السبب بما حصل...
تحدث بنبرة جاهد لتخرج منه طبيعية غير متحاملة: وهل سيقتنع عائلة زهران بهذا الكلام؟! هل سيرضوا بما حصل لابنتهم فقط بحجة أنني أربيها؟!
وهل لديهم حل اخر؟!
وماذا لو طلبوا مني أن أطلقها مثلا.؟!
ردت الام بسرعة: مستحيل، مستحيل ان يطلبوا منك شيئا كهذا...
من أين جلبتِ كل هذه الثقة؟!

أجابته وهي تجلس بجانبه على السرير: هم لن يخربوا منزل ابنتهم بأيديهم وإن أردات هي هذا...
صمت جابر ولم يتحدث لتكمل الام بجدية: ثق بي يا بني، هم سيتحدثوا معك بحجة انهم يحاسبونك على ما فعلته، لكن لن يستطيعوا ان يفعلوا اي شيء سوى الحديث...

تطلع جابر اليها بنظرات غير مقتنعة لتربت والدته على كتفه وتقول بلا مبالاة: هيا انهي وتناول طعام عشائك، فأنت لم تتناول شيئا بسبب ما حدث...
لا شهية لدي، سأحاول ان أنام...
حسنا نم قليلا اذا...
قالتها وهي تنهض من مكانها وتتجه خارج المكان تاركة اياه يتابعها بنظراته حتى خرجت من غرفته...

في صباح اليوم التالي...
استيقظت الاء من نومها على صوت طرقات قوية على باب غرفتها...
زفرت بضيق وهي ترى كاظم يستيقظ هو الاخر من نومه والذي قفز من فراشه فورا واتجه نحو الباب وفتحها لتطل منه اخته سلسبيل وتقول بسرعة وتعجل: لقد جاء عمي حميد يريد رؤيتك...
سأتي حالا...

قالها كاظم وهو يغلق الباب في وجهها ليستدير نحو الاء فيجدها جالسة على سريرها تطالعه بنظرات مستغربة قبل ان تهتف بنبرة ممتعضة: هل يوجد أحد طبيعي يأتي منذ السابعة صباحا الى هنا؟!
عقد كاظم ذراعيه امام صدره وقال بنبرة جادة: هل لديكِ مانع؟!
كلا...
قالتها وهي تعاود النوم ليقترب كاظم منها ويقول: انهضي حالا لتساعدي والدتي وسلسبيل في اعداد الفطور...
الان...
قالتها مصدومة من هذا الوقت المبكر ليرد مؤكدا ما قاله: الان يا الاء...
ثم تركها واتجه نحو الحمام ليغسل وجهه ويغير ملابسه تاركا اياها تشتعل من شدة الغيظ...

خرج كاظم من الغرفة واتجه مسرعا نحو صالة الجلوس ليجد عمه في انتظاره...
اقترب منه مسرعا وتسائل بقلق: خير يا عمي، ماذا حدث؟!
اجلس يا كاظم لنتحدث...
تطلع كاظم بحيرة اليه قبل ان يذعن لما قاله ويجلس على الكرسي المقابل له ويقول بسرعة وترقب: تحدث يا عمي، انا اسمعك...
تنهد العم بتعب واضح قبل ان يقول بصوت كساه الجدية: لقد جاءت ليلى البارحة مساءا عندنا...
هز كاظم رأسه طالبا منه ان يكمل ما بدأه: جابر ضربها ضربا مبرحا...

اشتعلت عينا كاظم غضبا لما سمعه، غضب بالكاد استطاع ان يكظمه وهو يسأله ببرود مخيف: وماذا حدث بعدها؟!
سرد العم له ما اخبرته به ليلى من معاملة جابر وامه السيئة لها، وكيف أنها تحملت الكثير منهم...
كان كاظم يزداد غضبا اكثر واكثر ما ان يسمع ما يقوله عمه...

ما ان انتهى العم من حديثه حتى نهض كاظم من مكانه وقال وهو يعتصر قبضة يده: ذلك الحقير، سأربيه بيدي هاتين، كيف يجرؤ على فعل شيء كهذا؟!
اهدأ يا كاظم، الامور لا تحل بهذا الشكل...
كيف ستحل يا عمي؟! ذلك الحقير ضربها وأهانها هو ووالدته...
قالها كاظم بغضب ساحق ليرد عمه بجدية: انا اعرف كيف أجلب حق ابنتي يا كاظم، لا تقلق انا لن اترك مع حدث يمر هكذا، لكن ليس قبل أن أفعل ما هو أهم الان...
ماذا تقصد؟!
سأله كاظم بعدم فهم ليرد العم بتنهيدة: سأخبرك بكل شيء...

دلفت الاء الى المطبخ لتجد سلسبيل تعد طعام الافطار وحدها...
تنحنت الاء مصدرة صوتا يدل على وجودها لتلتفت سلسبيل نحوها وتقول: تفضلي...
فركت الاء يديها الاثنتين وقالت: لقد طلب مني كاظم ان اساعدك بإعداد طعام الافطار...
ابتسمت سلسبيل في داخلها على اخيها الذي يحرص على جعل زوجته تشاركها في اعمال المنزل...

اقلي البيض...
نعم..
ألن تسمعي ما قلته؟! اقلي البيض...
ضغطت الاء على شفتيها بقوة وغضب من تلك الصغيرة التي تتأمر عليها...
ارادت أن تصرخ بها وتخبرها بأنها ليست بخادمة حتى تتأمر عليها بهذا الشكل لكنها تذكرت حديث كاظم فأبت أن تثير المشاكل...
كم بيضة؟!

سألتها الاء وهي تتجه نحو الثلاجة لتفتحها لترد سلسبيل عليها: خمسة...
اخرجت الاء خمس بيضات واتجهت نحو الطباخ، ملأت المقلاة بالزيت واشعلت النار تحتها...
ثم وضعت البيضات بالمقلاة، وقفت تتابع البيضات للحظات حينما سمعت صوت صراخ عالي يأتي من الخارج، ركضت سلسبيل نحو الخارج وتبعتها هي بفضول غريب عليها، وجدت كامل ابن عم كاظم يتحدث بصوت عالي ويقول: ذلك الحقير سأقتله بين يدي، سأسحقه...
وقفت سلسبيل تتلصص عليهم ووقفت هي ورائها...

تراجعت سلسبيل الى الخلف حينما وجدت الثلاث رجال نهضوا من اماكنهم واتجهوا خارج الغرفة بعدما انتهوا من حديثهم الذي لم تفهم منه شيئا...
تحركت الاء نحو المطبخ تتبع سلسبيل التي ما ان وصلت الى هناك حتى شهقت بقوة وهي ترى الدخان الاسود يملأ المكان...
حريق...

قالتها الاء برعب قبل ان تجد سلسبيل تتجه نحو الداخل لتحل المشكلة...
وقفت هي خارج المطبخ تتابع ما تفعله الاخيرة...
خمدت النيران اخيرا وبدأ الدخان يتخافت تدريجيا لتدلف الاء الى الداخل وتسألها بوجوم: هل انت بخير؟!
التفتت سلسبيل نحوها وقالت بعينين غاضبتين: كيف سأكون بخير طالما انتِ هنا؟!
ماذا فعلت أنا لتحدثيني هكذا.؟!

قالتها الاء ببساطة لترد سلسبيل عليها بتهكم: لم تفعلِ شيئا سوى أنك حرقت البيض وكدت أن تحرقي المطبخ...
تطلعت الاء الى اثر البيض المحروق بضيق واضح قبل ان تقول: لم انتبه له...
طبعا لان العروس المسكينة لا تعرف قلي البيض...
هل تمزحين معي؟! بالطبع انا اعرف قلي البيض..
واضح واضح...
قالتها سلسبيل بسخرية وهي تتطلع الى البيض المحروق لتشمخ الاء رأسها عاليا بكبرياء قبل ان تخرج من المطبخ...

وقف كلا من كاظم وكامل وحميد زهران امام جابر الذي خرج لإستقبالهم عند باب منزله...

كانت عيونهم تنطق بما يضمرونه له من حقد وكره بشكل افزعه للغاية وزاد من قلقه وتوتره...
تفضل يا عمي، تفضلوا لما انتم واقفين هنا.؟!
الا ان حميد رد بصوت قوي غليظ: نحن لم نأتِ هنا لندخل، بل جئنا لنأخذك وتأتي معنا...
ابتلع جابر ريقه وسألهم بنبرة متوترة: الى اين؟!
اجابه حميد بجدية: الى المحكمة...

نقل جابر بصره بين كاظم وكامل اللذان يرمقانه بنظرات نارية مهددة ثم عاد ببصره نحو حميد الثابت الانظار ليسأله بإضطراب: لماذا؟!
لتطلق ليلى...
اتسعت عينا جابر لا اراديا وهو يفكر بأن ما يطلبونه منه مستحيل ليقول وهو يهز رأسه نفيا: مستحيل، انا لن اطلق زوجتي، مهما حدث...
تدخل كامل في الحديث قائلا بصوته العالي: بل ستطلقها، اجبارا عنك...

اشار كاظم له ان يتوقف ولا يتدخل اكثر بينما أكمل حميد بنبرته القوية الثابتة: ستطلقها يا جابر، سواء رضيت او لا...
ومن سيجبرني على هذا.؟!
سأله جابر بنبرة مستهينة ليرد حميد ببرود يحسد عليه: انا، انا من سيجبرك على هذا، فأنا لن أسمح لإبنتي أن تبقى على ذمة رجل مثلك...
انتبه الى حديثك معي يا سيد حميد...

قالها جابر بعصبية لا ارادية ليتدخل كاظم في الحديث قائلا بنبرة محذرة: انت من يجب ان ينتبه الى حديثه يا جابر، انتبه ولا تتجاوز حدودك...
طلقها يا جابر، طلقها قبل ان أتصرف معك بطريقة لا تعجبني...
قالها حميد مهددا اياه ليرد جابر بلا مبالاة وهو يعقد ذراعيه امام صدره: ماذا ستفعل مثلا؟! كيف ستجبرني على تطليقها؟!

هنا خرجت والدة جابر وقالت بنبرة عالية بعدما كاتت تتنصت وسمعت ما حدث: ماذا تريدون من ابني؟! اتركوه وشأنه، هذا بدلا من أن تشكروه لأنه كان يربي ابنتكم...
تدخل كامل مرة قائلا بغضب وهو يكور قبضته: ماذا تقولين انت؟! بل ابنك هو من بحاجة الى تربية...
اوقفه حميد بإشارة من يده ثم وجه حديثه لها قائلا: الزمي حدودك يا إمرأة، انا لا أتحدث معك، بل اتحدث مع ابنك...

انت لا تتحدث معه، انت تهدده...
دع امك تدلف الى الداخل يا جابر...
قالها حميد بصوت قوي ليشير جابر الى والدته قائلا: ادخلي انتي يا امي...
كلا لن ادخل...

قالتها الام بعناد بينما تحدث حميد قائلا وهو يجاهد للسيطرة على اعصابه: اسمعني يا جابر، انت مجبر على ان تطلقها، والا فأنني سأرفع قضية ضدك واعتداءك عليها بهذه الطريقة المشينة سوف يجعل القاضي يجبرك على تطليقها...
تطلع جابر الى امه بحيرة وقلق لتقول الام بضيق: تريد ان تفضح ابنتك في المحاكم..
صدقوني انا لا اهدد فقط، انا انفذ ايضا، لا تجبروني على اطالة الموضوع وتكبيره، لننفصل بالحسنى كما دخلنا بالحسنى...

ولكن يا عمي انا لا اريد تطليق زوجتي...
وهي لا تريدك، وانت اكثر من يعلم كذلك ماذا بمقدورنا ان نفعل بك
ابتلع جابر ريقه وهو يتطلع الى والدته التي التزمت الصمت فجأة ليقول جابر اخيرا: ليلى طالق يا عمي...
بالثلاثة...

تطلع جابر اليه بنظرات متوسلة ليجد الاصرار واضحا على تقاسيم وجهه: ليلى طالق بالثلاثة...
تنهد حميد براحة فأخيرا حرر ابنته من هذا الوغد، منحه ابتسامة متهكمة قبل ان يقول: لا وفقك الله يا جابر من أي إمرأة بعد ابنتي...
ثم تحرك مع كاظم وكامل قبل ان يهمس لهما في طريقه نحو سيارته: تصرفا معه كما أخبرتكما لكن ليس اليوم، انتظرا قليلا...

في منزل حميد زهران...
استيقظت ليلى من نومها اخيرا بعد ليلة طويلة قضتها تحلم بكوابيس مرعبة تأثرا بما حدث معها...
كان جسدها يؤلمها بشدة بسبب الضرب المبرح الذي تعرضت له...
اعتدلت في جلستها وهي تشعر بألم قوي يغزو جسدها المجروح...
ادمعت عيناها بقوة وهي تفكر وتتذكر ما تعرضت له، لقد تعرضت لأبشع انواع التعذيب الجسدي...

اخذت تبكي بصمت وهي تعتصر قبضتي يديها بقوة من شدة الالم...
لم تعرف اذا ما كانت تبكي بسبب ما حدث معها او بسبب الالم نفسه...
ظلت على هذا الحال تبكي وبدات شهقاتها تعلة اكثرر...
في هذه الاثناء دلفت والدتها مسرعة نحوها بعدما جذبتها شهقاتها، احتضنتها بقوة وأخذت تحاول تهدئتها لكن ليلى ازدادت بكائا...
بعد فترة قصيرة توقفت ليلى عن البكاء، لتمسد والدتها على ظهرها وهي تقرأ ايات من القرأة الكريم عليها...

هل أصبحت أفضل حبيبتي.؟!
تحررت ليلى من بين احضانها وأخذت تمسح وجهها بكفي يديها...
اسمعني حبيبتي، انا اعرف ان ما حدث لم يكن هينا ابدا، ولكن عليك ان تعلمي بأن والدك سيجلب لك حقك كاملا...
قاطعتها ليلى بسرعة: انا لا اريد سوى شيء واحد فقط...
ماذا تريدين.؟!

سألتها والدتها بتردد لتجيب ليلى بكره تملك منها: أريده أن يتعذب كما عذبني هو ووالدته، اريد ان أراه يتألم مثلما اتألم انا، وكرامته تهان مثلما اهان كرامتي، أريده ان يذوق ما ذقته منه واكثر...
قالت جملتها الاخيرة بإنهيار لتسقط الدموع من عيني والدتها التي رفعت يدها الى السماء عاليا وقالت بقلب ام ملكوم على ابنتها: حسبنا الله ونعم الوكيل عليك يا جابر، حسبنا الله ونعم الوكيل عليك انت ووالدتك، لياخذ الله حق ابنتي منك عاجلا ليس أجلا...

كانت ليلى تستمع الى حديث والدتها وبكائها يزداد اكثر...
دلف والدها الى الغرفة بعدما طرق الباب ليجد ليلى تحتضن والدتها والدموع تهطل من عينيها...
اعتدلت الام في جلستها وكذلك ليلى التي اخذت تنقل نظراتها المشوشة بين والدتها و والدها...
ماذا حدث؟!
سألته والدتها بسرعة
ليتطلع الاب الى ابنته بملامح منهكة ثم اقترب منها وانحنى نحوها مقبلا رأسها ببطء...
بابا...

هتفت بها ليلى بضعف ليرد الاب بعينين حمراوتين: سامحيني يا ابنتي، سامحيني لأنني اعطيتك لرجل مثله...
هزت ليلى رأسها نفيا بإعتراض وقالت بسرعة: لا تعتذر يا ابي، جميعنا كنا مخدوعين فيه...
ألن تخبرني اين ذهبت وما حدث.؟!
قالتها الام بضيق واضح ليرد الاب: ذهبت الى ذلك الحقير...

انتفض قلب ليلى رعبا ما ان سمعت ما قاله والدها، شعرت بعدم رغبتها في سماع اسمه او اي شيء يخصه، هي لا تريد ان ان يذكر احد سيرته امامها، تريد ان تنساه والى الابد...
ماذا قال لك؟!
تطلع الاب الى ابنته وشعر بنظراتها المذعورة لينقبض قلبه داخل اضلعه الما ووجعا على ابنته وما وصلت اليه...
طلقها...

اتسعت عينا ليلى لا اراديا قبل ان تبتسم بتهكم مرير فجابر لم يتمسك بها حتى بل طلقها بكل سهولة...
اما الاب فأكمل: بالثلاثة...
أخفضت الام بصرها وجعا على ابنتها التي تطلقت بعد زواجها بأسابيع قليلة بينما تطلعت ليلى الى والديها المتألمين بوضوح وقالت فجأة: ماذا بكم.؟! لماذا انتم حزينون هكذا؟! لقد تخلصت من ذلك المجرم، عليكم ان تسعدوا بهذا...

ثم اشارت لأمها المندهشة قائلة: افرحي يا امي، لقد تخلصت منه اخيرا، هيا اطلقي الزغاريد احتفالا بهذا النبأ العظيم...
تطلعت امها اليها بعدم تصديق بينما أخذت ليلى تزقرط عاليا والدموع تهطل من عينيها قبل ان تسقط ارضا فاقدة للوعي...

وقفت فرح امام خزانة ملابسها المفتوحة تتأمل ما في داخلها بحيرة شديدة...
اليوم ستخرج لأول مرة مع أدهم فهي مدعوة معه على العشاء في منزل صديق لديه...
عليها أن تجهز نفسها حيث سيأتي أدهم بعد أقل من ساعتين ويأخذها الى هناك...
وهي لم تختر بعد ما سترتديه...
كانت تريد ارتداء شيء انيق ومحتشم في نفس الوقت...

وبعد تفكير طويل وحيرة اطول وقع اختيارها على فستان احمر طويل يصل اسفل ركبتها ذو اكمام حمراء طويلة...
وضعت القليل من المكياج الهادئ على وجهها مع احمر شفاه ذو لون احمر قاني، رفعت شعريها عاليا بتسريحة انيقة بسيطة، ثم ارتدت حذاء اسود ذو كعب عالي ابرز طولها الفارع، ولم تنس ان تضع عطر هادئ الرائحة...
تأملت فرح مظهرها في المرأة برضا قبل ان تتنهد بارتياح...

لقد بذلت مجهودا خرافيا لتظهر بهذه الصورة الرائعة، في الحقيقة هي لم تكن يوما من المهتمين في المظاهر ولكن هناك شيء في داخلها أخبرها أن تهتم بنفسها ومظهرها جيدا لأجل الليلة...
هل لكونها تريد ان تظهر في صورة تليق بها كزوجة لأدهم الهاشمي؟!
ولما لا؟!

هي بالفعل يجب ان تظهر كزوجة تليق به وبمكانته، وعليه هو أن يفهم انها لائقة بالفعل...
سمعت صوت الباب يفتح فحبسا انفاسها وهي تشعر بأدهم يخطو اولى خطواته داخل الغرفة...
تصنم أدهم في مكانها وهو يراها ترتدي هذا الثوب الاحمر المثير بجسدها الذي يشبه المانيكان...

اخذ نفسا عميقا وزفره ببطء قبل ان يهمس بخفوت وعيناه تلمعان بقوة تتأملان عنقها الطويل الذي ابرزه شعرها المرفوع عاليا: فرح...
التفتت فرح نحوه اخيرا لتنحبس أنفاسه داخل صدره وتتسع عيناه بعدم تصديق من جمالها الواضح امامه...
زفر انفاسه بقوة بعدما استوعب اخيرا ما يراه...

فالتي رأها الان كانت زوجته ملكه، لعن نفسه لانه حرم شخصه من كل هذا الجمال الرقيق الناعم...
تعجب من افكاره وما وصلت اليه، هل بات الان يتحسر عليها؟! هل سيلعن نفسه لأجلها؟!
منذ متى وهو يفكر بهذه الطريق ويفقد سيطرته على افكاره؟!
هو لم يكن من النوع الذي يتأثر بالجمال بسهولة، فهو لا تعجبه اي إمرأة ولا تروقه اي واحدة بسهولة مهما كانت جميلة، لكن هذه الفتاة تثير بداخله مشاعر غريبة منذ أن رأها لأول مرة...

تنهد للحظات بصمت قبل ان يسألها وهو يحاول الخروج من فورة افكارها: هل انت جاهزة لنذهب.؟!
اومأت برأسها دون ان ترد ليقول: هيا بنا اذا...
تحركت فرح خلفه بينما سبقها هو في حركته...
فتح ادهم الباب وخرج تتبعه فرح واللذان ما ان هبطا الى الطابق السفلي حتى وجدا اسما في وجهيهما...
الى اين؟!

تطلع ادهم وفرح إلى بعضيهما قبل ان يجيب ادهم بجدية: نحن مدعوون على العشاء لدى صديق لدي...
تأملت أسما فرح بملامح غامضة قبل ان تهتف ببرود: ولماذا ستأخذها معك.؟!
كادت فرح أن تجيب عليها بأنها زوجته ومن الطبيعي ان تكون معه لكن رد أدهم بدلا منها فاجئها بشدة: هي زوجتي ومن الطبيعي ان تكون معي...
اقتربت اسما منه وهمست بصوت خافت: كان عليك أن تفكر كثيرا قبل أن تأخذها معك، اخاف ان تفضحك امام أصدقائك...
تطلع إليها ادهم بنظرات لائمة مما قالته قبل أن يقبض على يد فرح ويسحبها خلفه دون ان يجيب على والدته..

دلفت الاء الى غرفة نومها لتجد كاظم جالسا على الكنبة الموضوعة في الغرفة صامتا ويبدو عليه الضيق الشديد...
جلست على سريرها تتأمله بصمت غريب قبل ان تسأله: هل انت متضايق لما حدث مع ابنة عمك؟!
تعجب كاظم من سؤالها لكنه أجابها: ما رأيك انت؟! ألا يجب أن أتضايق؟!
اردفت بحيرة: انا اساسا لا افهم لما الجميع يتصرف وكأن هناك مصيبة حلت عليكم، والدتك تبكي وتندب حظ الفتاة، وكذلك سلسبيل، لقد اقاموا مجلس عزاء واخذوا يتقبلون تعازي المتصلين ومواساتهم...

ابنتهم تطلقت بعد اسابيع قليلة من زواجها، ماذا يجب ان يفعلوا.؟!
ردت ببساطة اغاضته: لا يفعلوا شيئا، الامر لا يستحق كل هذا، انه طلاق وليس وفاة...
الاء، لا ينقصني الان سماع أفكارك الغريبة...
لكنها كانت مصرة على التعبير عن وجهة نظرها: ليست غريبة، بل افكاركم هي الغريبة، رجل كهذا يجب ان تقيموا الافراح كونها تخلصت منه...
نهض كاظم من مكانه وقال بملل: انظري الي، انا لست بفاض لك، لدي اشياء مهمه يجب أن أقوم بها...

وبالفعل بدأ يقوم بهذه الأشياء واحد تلو الاخر...
تأملته وهو يسير داخل الغرفة ذهابا وإيابا يبدو كمن يحمل الدنيا كلها فوق رأسه...
اخذ يجري اتصالات مع العديد من الاشخاص...
يأمرهم ببعض الامور التي تخص اسرته تارة وامور اخرى تخص عمله...
كاظم...
استدار نحوها اخيرا يتأملها بهدوء قبل ان يقول: نعم...

سألته بجدية غير ابهة بوضعهم وما يمرون به: ما رأيك ان تأخذني وتريني مقر شركتك؟!
تجمد في مكانه للحظات يحاول استيعاب ما تقوله قبل ان يهتف بعدم تصديق: هل برأيك بأن هذا الوقت مناسب لتقولي شيئا كهذا...
حاولت ان تتحدث لكنه زمجر بها قائلا: كم انت شخص بارد خالي الشعور.؟!
قالت بضجر: ماذا فعلت الان.؟!

تنهد بصمت قبل ان يقول بصبر: مشكلتك يا الاء انك لا تفعلي شيئا، لا تفعلي اي شيء سوى قول بعض الكلمات التي تغيظني منك...
زمت شفتيها وقالت: ها قد خرست...
ثم حملت بيجامتها واتجهت نحو الحمام...
اما كاظم فأخذ يتطلع الى أثرها بسخرية قبل أن يقول بينه وبين نفسه: لم يكن ينقصني سواك يا ابنة الهاشمي...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة