رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الثاني والأربعون
تيا:.
جينيفر هذه قد قلّبت الاجواء تماماً، منذ أن أتت وهي لا تكف عن تفريغ طاقتها وحيويتها بشأن الجميع، كما لاحظت بعض النظرات التي أصدرت شرارة عداوة بينها وبين أوليفيا ولا أظنني الوحيدة التي لاحظت ذلك فشارلوت تبدو ملامحها مرتاحة أكثر وربما تشعر بالأمان لوجودها، أراهن على ذلك فهي لا تكف عن التبسم مسترقة النظرات إلى جينيفر وأوليفيا التي انزعجت للتو ودخلت إلى كوخ عائلتها بالرغم من تجاهل جينيفر لها وعدم تبادل أي كلمة بينهما!
أخبرتني كلوديا للتو أن علاقة والدا جينيفر قديمة جداً بالعائلة، وإن صح التعبير فهناك رابط صداقة قوي كان بين السيد الراحل إفليك وجَد جينيفر الذي توفي قبل وفاة إفليك ببضع سنوات.
هذا يفسر الثقة التامة بوالدا شارلي بشأن مجيئه دائما لمنزل السيد ماكس، بالرغم من ان كريس كان يمانع ذهاب جيمي إلى منزلهم مبالغة وخشيةَ عليه، إنه عاجز عن الموازنة في تربيته بل وعن التصرف بحكمة عندما يتعلق الأمر بابنه. وبالتفكير به الآن أتساءل متى سيبادر ويحاول توطيد علاقته به!
أفقت من شرودي عندما أجابت جينيفر سؤال شارلوت بشأن وظيفتها ليتضح أنها تعمل في إحدى مؤسسات الإعلام تحديدا في مجال الصحافة وقد حصلت على ترقية مؤخراً لتكون رئيسة تحرير مجلة معروفة وتطمح لتكون المديرة التنفيذية لأعمالها الخاصة التي تخطط لأجلها مستقبلاً.
انتشلت نفسي من حوارهما محاولة التركيز بمذاق الشاي الساخن وأنا أرشفه ببطء، لقد وضعت آنا عليه بعض الأزهار العشبية التي زادت من لذة الشاي، أرحت ظهري أسنده على الكرسي جيداً قبل ان تقع عيناي على السيد ماكس الذي خرج من كوخ عائلته واضعا يديه في جيب معطفه ويبدو أنه يشعر بالبرد الشديد ومع ذلك رسم ابتسامة هادئة يحدق إلى الجميع بتمعن.
حتى شعرت بعينيه قد استقرت على شخص ما، لم يكن سوى كريس الذي يبدو منزعجاً وضجراً من استناد جينيفر على كتفه وحديثها بفخر بشأن عملها.
عاودت أنظر إلى السيد ماكس وقد ظل واقفاً بشرود وكأنه عاجز عن ابعاد عينيه عنه!
أراهن على أنه يتساءل في نفسه متى سيتصرفان كأي أب وابنه.
هذا يحزنني كثيراً ولكن ليس بيدي حيلة، تحدثت مع كريس بشأن والده أكثر من عدد المرات التي ناديت فيها بإسمه ولكن لا حياة لمن تنادي. لا أدري متى سيبادر من تلقاء نفسه! هذا الأحمق. مقصر كثيراً في حق ابنه ووالده!
لا يمكنه أن يفهم ما أشعر به. أن يخسر المرء أحد والديه أمر صعب جداً، سيشعر بأنه فقد أحد أهم الأعمدة التي يستند عليها في حياته، قد لا تعني وفاة باتريشيا بالشيء المحزن لكريس بقدر ما كان الأمر فاجعة. ربما تخلص من عذابها ولكنه شهد انتحارها وهذا ما يجعل الأمر أصعب. ولكنني خسرت أبي الذي كنت متعلقة به كثيراً، عنى لي كل شيء في هذه الحياة ولو لا السيد ماكس وكريس لكنت غارقة منذ الزمن في الكآبة ولا أستبعد ان أستسلم وألحق بأبي.
تحرك ماكس أخيراً وجلس على أحد الكراسي بجانب ستيفاني التي تبدو منهمكة في حديثها مع كلوديا وجوش، أما زوجها مارك فهو يقف مع إيثان بعيداً قليلاً ومعهما جوزيف الذي تغيرت ملامحه قليلاً بسبب توتر الأوضاع التي نتجت عن تصرف أوليفيا عندما غادرت للداخل للتو.
هذا الرجل طيبته تستفزني قليلاً، لو كنت مكانه لما ترددت في صفعها بأقوى ما لدي، فالجميع يعلم أنها تحاول التدخل في علاقة كريس وشارلوت بشتى الطرق.
تنهدت بعمق ووضعت ساقا على الأخرى، حينها لفت إنتباهي خروج السيدة أولين من الكوخ الأخير ممسكة بين يديها كوب أسود يخرج منه البخار الكثيف وتلف حولها وشاح سميك تنظر حيث الجميع قبل ان تستند على أحد الأعمدة التي تثبت الشرفة العلوية. لاحظت هذا. أولين تبدو مختلفة بطريقة ما ولكنني لا أعلم كيف.
هي جادة دائماً ولا شيء جديد ولكن. ربما هي هادئة أكثر! أتُراها منزعجة من موضوع معين؟
رأيتها تمرر عينيها على الجميع ببطء وتأمل قبل ان تتبادل النظرات مع ماكس الذي كانت عينيه الداكنتين هادئتان كثيراً.
حينها أخفضت هي وجهها ثم ارتسم تعبير غير محدد على ملامحها وما أدهشني أكثر هو النظرة المستاءة التي تابعها ماكس بها!
ما خطبهما تحديداً!
بل وأنها عادت لتدخل مرة أخرى!
عقدت حاجباي باستغراب في حين انخرط ماكس في حديثه مع ستيفاني ومارك!
أجفلت لقهقهة جينيفر الساخرة وهي تبتعد عن كريس وتستند على سام لتقول بنبرة واثقة: على أي حال أنا فخورة بإنجازاتي.
رمقها سام بنصف عين: ألا وهي؟
هل أنت جاد بسؤالك. حسناً دعني أسألك وانصتوا جميعكم أيضاً، المطرب الشهير راف ستيفانو ألم يُفضح شأنه بخصوص مواعدته لعشيقته سراً وخيانته لزوجته التي كانت تحاول منذ البداية أخذ نصيبها من ثروته أصلاً؟
أومأ جميعهم مدركين لهذا الأمر الذي تحدثت عنه المجلات ووسائل الإعلام الحديثة والزوبعة التي خلفها ذلك الخبر!
تنهد إيثان الذي يجلس بجانب شارلوت وحرك رأسه ممرراً يده على عنقه وبدى انه يريد أن يرخي جسده قليلاً، وجهت إهتمامي مجدداً لجينيفر التي أكملت: الطاهية مادلين التي فازت بجوائز عديدة وتم كشف حيلها للغش في مسابقات عالمية.
أومأوا مدركين لهذه الفضيحة أيضاً! كانت خيبة أمل للكثيرين بالفعل وقد خسرت الأضواء اللامعة وانحدرت كثيراً! سمعت عنها صدفة عندما كنت أتابع أحد برامج التلفاز.
ابتسمتْ مردفة: الإعلامي اندرو الذي استلم رشوة لتلفيق بعض الأخبار الكاذبة. جميع هؤلاء والكثيرون، كنتُ من كشفت خفاياهم.
علق ستيف بإشمئزاز وذعر: سحقا ما الذي تفخرين بشأنه تحديداً. هل كل ما تفعلينه هو استهداف المشاهير؟
اقتضب سام وهو يدفعها عنه بإنزعاج: هل تقتصر وظيفتك على التشهير واستغلال الفضائح، لا ينبغي أن أثق بكِ أبداً. من يعلم قد أرى يوماً ما إسمي على أحد العناوين!
ابتسم كريس بإستخفاف: ياللإنجازات المذهلة.
كتمت ضحكة قد انتابتني بصعوبة شديدة وقد وقف إيثان ينظر إليهم مبتسماً ثم جلس على الكرسي المجاور لي وقال بصوت خافت: تيا. هذه المرأة مرعبة بحق!
أيدته: كثيراً.
ضحكت شارلوت نافية: من الصعب الثناء عليكِ في أمر كهذا، لديكِ الكثير من الكارهين والأعداء حتماً.
تكتفت جينيفر وقالت بلا مبالاة: هذا ما يعنيه ان يكون المرء ناجحاً.
حينها فكر ستيف قبل ان يعقد ساعديه على صدره: لا يبدو هذا سيئاً، لدي لكِ فضيحة حصرية. بعنوان.
ثم نظر إلى جوش بحذر وعندما اطمئن انه منهمك في الضحك مع ستيفاني والأخرين على مسافة كافية أضاف بصوت خافت: رجل الأعمال جوش وزوجته كلوديا إفليك يتنمران على ابنهما منذ عشرون عاماً. ألا يبدو هذا إنسانياً بحق؟
تدخل سام: يوجد خزي آخر. بعنوان المصور الموهوب سام وقصته مع المعاناة العائلية وكيفية التعايش معها! هذا إنساني ومُلهم أكثر. اليس مثيراً للجدل؟
ضحكت جينيفر ثم تلاشت ضحكتها لتثول ببرود: من مهتم بكما أصلاً؟، ماذا عن هذا. زواج كريس لا يبدو أمراً علنياً حتى الآن لذا أظنني سألتقط صورة حميمية لهما وأنشرها وأحصل على الثناء فوراً!
لمحت شارلوت التي نظرت إلى كريس تبتسم نافية برأسها بلا حيلة فبادلها الإبتسامة بهدوء.
وأخيرا هما قادران على الأقل على تبادل النظرات والتبسم هنا وهناك فتلك الشقراء قد دخلت وعمَ السلام المكان، حسناً هذا مزعج ولكن شارلوت بالرغم من محاولتها لإستخدام كامل شراستها إلا أنها في النهاية سهلة النيل ومن اليسير التأثير عليها، لا أستبعد أن تغضب على أوليفيا ثم تشفق عليها في أقل من ثانية! لهذا أدرك أيضاً الجانب الذي يغضب كريس بشأن تصرفات شارلوت أحياناً. ربما على أن أختصر الأمر وأقول أنها طيبة وساذجة إلى حد قد يكون مستفز قليلاً.
وقفت شارلوت وقالت مستأذنة: أرجو المعذرة جميعاً. لن أتأخر.
قالتها مبتعدة وهي توحوح بيدها وتفركهما، وما هي إلا لحظات لتدخل إلى كوخ عائلتها حتى وقف كريس بهدوء ولم يقل شيئاً وإنما تحرك كذلك وراءها، فتبادل الجميع النظرات الصامتة.
ابتسمتُ بخبث داخلي لم أستطع كبته، فانا أكثر من تدرك رغبته في الحصول على بعض الخصوصية منذ ان أفسدنا عليهما الأجواء في منزله في الأمس. ولكن عندما أصرت شارلوت على بقائنا شعرت بأنه من الضرورة قهر كريس قليلاً فإصرار شارلوت لم يبدو لي طبيعياً حينها.
مرت فترة كنت أستمتع فيها بثرثرة جينيفر وانسجامها مع سام وستيف. أو لأقل. عكس ذلك! فالإثنان بالكاد يتمالكان أعصابهما. إنها تجيد إغضابها بالفعل وتبدو مسرورة بذلك كثيراً.
شعرت بالدفء عندما أحاط إيثان كتفي بذراعه وتساءل: هل نتمشى قليلاً؟
أومأت له فوراً دون إعتراض وعندما وقفت لفت انتباهي صراخ بريتني وشارلي وجيمي بسعادة، ومع ذلك.
كان جوزيف يشارك بريتني اللعب ليسعدها وتمضي وقتاً لطيفاً، وهذا جعلني أدرك سبب نظرات جيمي المتقطعة في كل حين من حوله.
عيناه تبحثان عن كريس.
بلا شك.
قد يدرك أنه من الصعب ان ينسجم مع والده ولكنه يرغب بذلك حقاً!
شارلوت:
كنت أرتدي القفازات أرسم ابتسامة هادئة مفكرة بشأن تغير الأجواء للأفضل بوجود جينيفر.
يكفي أنني أستشعر كونها حليفة لي في معركتي هذه، فالنظرة التي القتها على أوليفيا لم تفتني وحتى لو لم أكن منتبهة لهما.
فيوجد شرارة غريبة قد نتجت عن تبادل النظرات بينهما بتلك الطريقة العدائية.
عندما ذكرت بصوت خافت اسم باتريشيا أيقنت أنها ملمة بنوايا أوليفيا الخبيثة وهذا ما جعلني أستمد منها القوة!
علي أي حال على أن أعود لأقضي وقتي مع جيمي فهو هنا للإستمتاع لا لمحاولة البحث عن طريقة المرح والسعادة وحده.
التفتُ للوراء لأخرج من غرفتي وأغلقت الباب وعندما فعلت ذلك لاحظت كريس الذي كان قد دخل مسبقاً إلى الكوخ ويقف في المنتصف بين الأرائك، عندما انتبه لي أسرعت أبادر متسائلة باستغراب: ماذا تفعل هنا!
قلتها وانا أعدل القفازات فعقد حاجبيه و أشار إلى يدي متسائلاً: هل أتيت لارتداء القفازات فقط؟
أومأت بحيرة فابتسم بسخرية: بربك! لماذا إذاً بادلتني تلك النظرة ووقفت بعدها فوراً متجهة إلى هنا!
عقدت حاجباي بعدم فهم وبلاهة مرددة: تلك النظرة. عندما كنت أبتسم! ما المميز أو المثير للإنتباه بشأنها؟
ظهر بريق الإنزعاج والإحباط في عينيه وقد زفر بغضب مما أوقعني في حيرة من أمري! استدار مبتعداً ولكنه سرعان ما وقف وقال: أنا أعتذر رسمياً لنفسي التي حلقت بأفكارها بعيداً، لا تبتسمي مجدداً كالبلهاء دون هدف محدد.
اتسعت عيناي وقد بدأ الغيض يتمكن مني: عفواً؟! أتراك تبعتني لتتشاجر معي؟
نفي برأسه بملل ووقف في مكانه مفكراً فتحركت القي عليه نظرة ممتعضة، وعندما مررت بجانبه أمسك بيدي يستوقفني فرمقته بطرف عيني بترقب: ماذا تريد؟
هي ليست بالجوار.
أوليفيا؟
نعم.
إذاً!
ما الذي تقصدينه بإذاً! تباً لا تجعلي الأمر وكأنني مراهق هرب من منزله للقاء صديقته سراً! لنمضي وقتنا معاً اليس من الواضح ما أحاول قوله! لنبتعد من هنا على الأقل أو لنختلي معاً!
عقدت حاجباي مفكرة بكلماته متسائلة في نفسي عن كيفية الوقت الذي سنمضيه معاً!
ظل يحدق إلى بتأمل قبل أن يمسك بيدي الأخرى يشبك أنامله بين أناملي، نظرت إلى عينيه العسليتان بصمت وقد دنى نحوي ببطء، وعندما كدت أشعر بشفتيه على شفتاي أشحت بوجهي أتظاهر بالبلادة: ستفي القفازات بالغرض لأستطيع اللعب بالثلج مع جيمي.
شعرت به يطرف بعينه ببطء ولا يزال يحدق إلى ثغري هامساً: ما الذي تحاولين فعله.؟
منعك عن تقبيلي كما أخبرتك بالأمس. دعني أذكرك أنني لن أسمح لك بالتمادي طالما ترفض التنازل والإعتراف.
ألا زلتِ مصرة على هذا السُخف!
تساءل بعدم تصديق فأجبت بهدوء: عندما تتخطى تسمية الإعتراف بالمشاعر سُخفاً سيكون لنا حواراً آخر بهذا الشأن يا كريس. والآن دعني أخرج ولا تستوقفني مجدداً.
أنا لستُ أفهم!
قالها بشيء من نفاذ الصبر والإستنكار ليردف عاقداً حاجبيه بإنزعاج: لماذا تصرين على سماع اعترافات سخيفة إن كنتِ تشعرين بأنني.
ضاقت عيناي راغبة في استراق الكلمة الأخيرة قبل ان يبترها! بدأت أرى بصيص أمل في سماعها ولكنه أحبطني عندما أكمل مشيحاً بوجهه: بأنني صادق معك.
أخذت شهيقاً عميقاً مهدئة نفسي.
لست حمقاء من الواضح أنه قطع كلماته الأخيرة بسرعة وتدارك الأمر! إن كان مصراً على أن الأمر مجرد سخف وإهانة في حق كبريائه فهو لا يعلم إلى أي مدى سأكون صامدة وعنيدة.
أخذت شهيقا عميقاً وقلت متجهة للباب: صدقك شيء، ووضوحك معي شيء آخر ومهم بالنسبة لي كما أنا واضحة معك.
لم أسمع منه تعليقا ولم أنتظر ذلك لأنني خرجت وتركت الباب مفتوحاً، حينها تهاوى على مسامعي صوت رين المنزعج من الجهة اليسرى وقد كان لا يزال يجلس على الصخرة وتذمر بغضب ولم يكن لتذمره سبباً سوى جينيفر التي تحتضن ذراعه بقوة وتبتسم: أخبرني لماذا لم تسأل عني طوال الفترة التي غبت فيها لماذا لم تشتاق إلي! هذا يفطر قلبي فعلياً!
حاول ابعادها بملامح منزعجة فابتسمتُ وأسرعت نحو جيمي الذي يجلس القرفصاء ويمرر يده على الثلج وقد لفت انتباهي الملامح المستاءة على وجهه.
تضايقت لذلك التعبير كثيراً، ولكن لم يكن بيدي حيلة فجلست بجانبه، انتبه لي فأدار وجهه نحوي ثم ابتسم بلطف ويده لا تزال تلعب بالثلج، بادلته الإبتسامة وربت على رأسه قبل أن أسأله: ما الذي علينا صنعه بالثلج؟ رجل الثلج فكرة قديمة جداً اليس كذلك؟
يبدو أن العرض المغري بشأن مشاركته اللهو قد أثار فرحته، ذلك أن عينيه العسليتان الواسعتان قد لمعتا بعدم تصديق قبل ان يبتسم بفرح يجوبه تردد: صحيح! إنها فكرة قديمة.
جلست القرفصاء بجانبه مفكرة: ما الذي علينا صنعه إذاً؟
قلعة؟
الن يكون هذا صعباً؟
ماذا عن صنع سيارة ثلجية؟
هذا أصعب يا جيمي!
قلتها بإحباط ففكر بجدية ثم نظر إلى المكان من حوله فكتمت ضحكة انتابتني لجديته المبالغ بها واستغراقه في التفكير حتى شهق وقال مقترحاً: نفق! لماذا لا نصنع نفقاً يمكننا المرور من خلاله؟!
ابتسمت معجبة باقتراحه: لن يحتاج إلى دقة أو تشكيلاً لذا يبدو سهلاً. هل تريده هنا؟
أومأ بحماس وبدأنا نصنع نفقاً يمكن لجسده الصغير المرور من خلاله.
ومع ذلك كنت أخفي إنزعاجي قليلا من الألم الذي كان يعتريني جراء ثني ساقي المتضررة. وهذا ما جعلني أجلس لأفردها: دعني أريح ساقي لثلاثة دقائق وبعدها أساعدك، هيا سأشرف على ما تقوم به.
نظر إلى ثم إلى ساقي باستغراب: هل تؤلمك؟
لا تقلق بشأني يا عزيزي، هيا قم بوضع المزيد من الثلج هناك.
ستيف:
يا الهي سأصاب بالصداع.
سأصاب؟
فات الأوان لقد أصبتُ به مسبقاً بسبب ثرثرة هذه العازبة المتعجرفة، لم أعتقد يوماً أنه يوجد من يفوق كريس عجرفة وغطرسة أضعافاً!
كل ما تتحدث عنه هو عملها، إنجازاتها، جمالها و رحلاتها والكثير مما يمكن اختصاره بكلمة واحدة هراء !
ولكن جيد. إنها الآن تزعج رين ويمكنني الإسترخاء قليلاً!
ابتعدت عن الموقع الذي كنا نجلس فيه للتو واتجهت إلى الكوخ لأخذ منه مفتاح سيارة أبي وقد تذكرت أنني نسيت فيها جهاز شحن هاتفي.
أخذته وأغلقت باب الكوخ خلفي ورفعت كلتا يداي أمددهما بكسل حتى رأيت كريس يجلس واضعا ساقا على الأخرى بجانب أبي والآخرون.
وحينها تذكرت أمر شارلوت ونظرت حيث تلعب مع جيمي الذي يبدو مستمتعاً. ابتسمتُ دون شعور ولكنني سرعان ما أجفلت لنبرة جافة على يميني: لنتحدث.
انتفضت في مكاني وأسرعت أنظر نحو مصدر الصوت، التقت عيناي بعينيها الزرقاء الباردة لثانوي فقط قبل ان تبعد عينيها وتنظر إلى كريس الذي انهمك في الحديث.
تحركتْ مستديرة لتبتعد وتنعطف خلف الكوخ فزفرت هامساً بإنزعاج: هذا ما ينقصني. حديث معها من بين الجميع!
ما الذي تريده مني الآن! هي لا تتحدث سوى بالهراء وبالصيغة المختلة فكيف عساي أتعامل معها إن كنت شخص غير صبور أصلاً؟!
بل وتبدو واثقة بأنني سأتبعها، هذا يزعجني حقاً.
القيت نظرة أخيرة على الجميع ثم تنهدت وتحركت واضعا مفتاح السيارة في جيبي، وجدتها تقف مستندة على خشب حائط الكوخ متكتفة ووجها لا يعبر سوى عن البرود.
تظهر كالشبح وتطرح أسئلتها كما تشاء ثم تختفي وتعود كالطيف الذي يتربص للشخص كاللعنة.
وقفت أمامها بجفاء: ماذا لديك؟
القت بسؤالها دون أن تنظر إلي: هل تظنني حمقاء؟
ابتسمت بسخرية: هل يفاجئك هذا؟
أنا لا أمازحك. هل تعتقد أنني أجهل حقيقة مشاعرك نحو تلك الحشرة؟
وتجرأ على نعت شارلوت بكلمة كهذه! ليتها كانت رجلاً لأخوض معها عراكاً بالأيدي.
لحظة. هل قالت. مشاعري نحو شارلوت؟!
سُحقاً ماذا تكون هذه الفتاة تحديداً؟! كيف علمت بذلك؟ أم تُراها تحاول استدارجي بالحديث بطريقة ملتوية؟
فضلت الخيار الأخير وهذا ما جعلني ارسم ابتسامة واثقة مزيفة قبل ان اتنهد بملل: أنتِ تعشقين خلق المشاكل هنا وهناك اليس كذلك؟ من الجيد أنني لم أكن مخدوعاً بك منذ البداية كما انخدعت شارلوت.
أردفت بتبرم شديد: مع أنني كنت أجهل معاداة أمي لكِ في البداية بالرغم من كون رين من يستحق تلك المعاملة. ولكن يظهر أنكِ من تسحقينها أكثر من شقيقك! هل تحاولين الآن التصرف كالمحققة؟
رفعت عينيها الباردتين نحوي، هي لم تغضب أو تنزعج.
ملامحها لا تزال هادئة وكأنها غير مكترثة لأي شيء.
وكيف ستكترث والجميع يعلم بحقيقتها الآن! لا يوجد ما تخسره حتى.
ولكن. لا أنكر أنني توترت قليلاً لنظرتها هذه، وهذا ما دفعني لأشيح بوجهي بإنزعاج.
اسمع. سألتك إن كنت تكن نحوها أي مشاعر ولكنك تجيبني بإجابات مماطلة وحسب.
ما الذي تريدينه بسؤالك هذا!
أجبني.
أعقبت وقد بدأ الإنزعاج يتضح في نبرتها: إن كنت تحبها لماذا لست منزعجاً من زواجهما؟ لماذا لا تحاول أن تحظى بها لنفسك إذاً؟ الست تحبها حقاً؟ كيف تكون ضعيفاً هكذاً؟! ألا بأس لديك برؤية ما تتمناه يُسلب منك؟
اتسعت عيناي مندهشا من كلماتها هذه!
لا يدهشني كونها واثقة ولكن.
هل تحاول تحريضي بحق خالق السماء! ماذا تظنني هذه الفتاة؟ مختل مثلها وسأقول لها سمعاً وطاعة؟
اللعنة.
شعرت بالإشمئزاز الشديد وأدخلت يداي في جيب معطفي: أشعر بالقرف. هل هذا ما تحاولين فعله الآن؟ فشلتِ في لفت أنظار كريس وإفساد علاقته بزوجته فلجأتِ إلى أنا لمعاونتك؟ أين ذهب عقلكِ يا فتاة! إن كنتِ لا تضعين إعتباراً لزواجه فعلى الأقل تذكري أنه أحد أفراد عائلتك! تذكري أنه فرد من العائلة ويحق له أن يفرح كما تتمنين! هل حقا لا تشعرين بتأنيب الضمير؟
أبعدت ظهرها عن الحائط وقد علت نبرتها قليلاً بغيض: لا تجبني بسؤال آخر! هل حقاً لا تشعر بقليل من الغيرة عليها؟ ألا تريد أن تتوطد علاقتها معك؟ فكر بالأمر ملياً! كريس ليس ذلك الشخص الذي سيكون خائباً إلى درجة الحزن الشديد لمجرد فراقهما! لن يقتله إنفصالهما!
أضافت وقد احتدت عينيها وانخفضت نبرتها بجدية: أنت تعلم. وأنا أعلم والجميع يعلم كيف هي شخصيته المتملكة! ألا تظنه يعتبرها إحدى ممتلكاته فقط؟ هل تظن كريس سيقع في حبها حقاً؟ بل سيقع في حب امرأة أخرى أصلاً؟
ما الذي تهذين ب.
تلك الفتاة تعيش قصة حب مراهقة فقط! هي تظنه سيبادلها حبها السخيف ذلك! الا تريد مساعدتها؟ الا تريد انتزاعها من تلك الأوهام؟! الا تعني لك الكثير؟ لماذا لا تثبت ذلك لنفسك إذاً؟ إن كان كريس سيبقيها إلى جانبه ليرضي نفسه فقط ثم يلقي بها بعيداً فلماذا لا تتلاحق الموضوع؟ كيف تقف مكتوف الأيدي وتراها تقع في حبه أكثر ثم يُلقى بها بعيداً؟
ارتجفت شفتاي دون شعور وقد انتابتني الريبة لما تقوله ولا أدري لماذا!
اقتربت مني وقد ارتخت ملامحها بلطف، كنت أنظر إلى الأرض بصمت عندما وقفت أمامي مباشرة رفعت يدها تمررها على وجنتي ببطء.
قرّبت وجهها هامسة في أذني: ستيف. الست تتمنى سماع صوتها تنادي بإسمك بنبرة محبة؟ ألا ترغب في معانقتها مفرغاً مشاعرك؟! هل حقاً لا تتمنى أن تبادلك النظرات المُحبة؟ هل من العدل أن تحبها في حين تحب هي كريس. وهل من الجيد ان تحب كريس الذي لن يقدر حبها هذا!
شعرت بجفاف شديد في حلقي ومع ذلك ازدردت ريقي بصعوبة.
ما هذا الهراء.
ما هذا!
صحيح بأنني أحب شارلوت ولكن.
ولكنني لست غبياً لأجهل مشاعرهما المتبادلة! لست أحمقاً حتى لا أدرك أن كريس واقعاً في حبها.
ثم.
ثم كريس هو أخي الوحيد!
نعم أحب شارلوت ولكن هذا ليس ما أريده! أحبها ولا أريد أن أحطمها أو أبعدها عن الشخص الذي تحبه، ولا أن أكون نذلاً لئيماً لأفسد زواجهما كما ترغب هذه المشعوذة!
ما الذي تعتقده بشأني لتحاول بث سمومها بجسدي؟
ابتعدت عني ببطء تحدق إلى بترقب.
أظنني. سأكون من يقتلها! لأنني بالفعل لم أعد احتمل وجودها، صوتها وحتى وجهها!
أشعر بالإشمئزاز. مجرد إهدار وقتي معها كان فكرة سيئة!
همست ببرود: أنتِ بحاجة إلى علاج فوري. أو صفعة تفيقي بها.
احتدت عينيها وقد تصلب فكها بغضب، استدرت مبتعداً ولكنها استوقفتني بحزم: انتظر.
زفرت بضجر ووقفت في مكاني دون أن أستدير متأهباً لأي جنون قد تقوله، لم أسمع منها شيئاً فالتفتُ نصف التفاتة بإنزعاج.
وحينها عقدت حاجباي باستنكار وأخرجت يدي من جيبي ببطء.
استدرت نحوها وتقدمت بخطى متثاقلة أحدق إلى هاتفها الذي رفعته أمامي.
تسمرت في مكاني أنظر بعدم استيعاب إلى الصورة الموجودة على هاتفها.
متى حدث هذا؟!
هل سبق وعانقت شارلوت؟
لم تسمح لي بالإستغراق في أفكاري إذ ابتسمت وقالت بهدوء: هل ترى التعبير الذي ارتسم على ملامحك بينما تعانقها؟ ألم تكن لحظة تتمنى أن تدوم قبل أن أفسدها بدخولي إلى الغرفة تلك الليلة؟
صحيح! عانقتها عندما كانت تبكي ذلك اليوم. أتذكر أنها كانت متضايقة جداً من كريس وفقدت أعصابها لتنفجر باكية فلم أتمالك نفسي حينها! هذه الماكرة. دخولها إلى الغرفة لم يكن عبثاً أو خطأً.
شعرت بالغضب الشديد ولكن جزءاً كبيراً من هذا الغضب كان موجها على نفسي.
كنت منزعجاً من نفسي بالفعل فلا يمكنني تصديق هذا التعبير على وجهي. وكأنني مجرد أبله يعانق فتاته بكل حب!
اللعنة علي. ما كان ينبغي لي أن.
ولكن.
كنت أخفف عنها فقط! لم أقصد شيئاً حينها ومع ذلك. هذا ما ارتسم على وجهي!
أبعدت عيناي عن شاشة هاتفها بصعوبة بالغة مندهشاً من نفسي.
لم تترك لي مجال الهرب من خيبتي هذه إذ ابتسمت بإستخفاف: ألا يعتريك الفضول لترى ردة فعل كريس عندما ينظر إلى هذه الصورة اللطيفة؟
فغرت فاهي بعدم تصديق لتكمل بدورها بملل: هل سيشعر بالخيانة يا تُرى؟
ضاقت عيناي بإزدراء: كما فعلتِ أنتِ بتقبيلك له وقد ضربت أمر زواجه بعرض الحائط؟ اسمعي. لقد اكتفيت من هرائك حقاً افعلي ما شئت هذا لن يغير شيئاً أو يخدم مصالحك كما تعتقدين.
ماذا؟
همست بها بحزم ثم مررت يدها في شعرها القصير وقالت بنفاذ صبر: ألست خائفاً مما قد يحدث؟
ابتسمت بسخرية: إن علم كريس بشأن مشاعري تجاه شارلوت؟ لا تقلقي هو على علم مسبق بذلك.
اخذ التعجب والدهشة مجراهما على وجهها وهي تعقد حاجبيها بعدم فهم: يعلم. هل تقصد بأنه اكتشف الأمر؟
رفعت كتفاي باستفزاز و بلا اكتراث: هل خيب هذا أملك؟ يمكنكِ إخباره بنفسك للتأكد من ذلك. هذا إن أمهلك فرصة للحديث معه فمن الواضح أنه يحاول جاهدا تخليص نفسه منكِ وتجاهلك. لا يمكنني لومك على خططك المجنونة فيبدو أن اليأس قد نال منكِ. هذا مؤسف اليس كذلك؟ كما لن يكون هناك فرص أخرى لسرقة القبلات الخبيثة هنا وهناك أو لارتداء قناعك اللطيف المزيف مجدداً. لقد فات الأون. كريس واقع في حب شارلوت وهذا أمر لا مهرب منه لذا توقفي عن الكذب على نفسك. هو لن يبقيها إلى جانبه إلا في حالة واحدة. هي تعني له الكثير، ومحال أن تصلي يوماً إلى مكانتها هذه. أنتِ ملوثة من الداخل كثيراً يا أوليفيا.
شعرت بلسعة على وجنتي جراء الصفعة التي وجهتها فجأة فالتف وجهي ولم يكن من المفاجئ حدوث أمر مماثل منها.
تمالكت نفسي بصعوبة أمنع قبضة يدي من التهور ورمقتها بهدوء قبل أن أتمتم: أرجو أن حديثنا قد انتهى.
بدت تتنفس بسرعة تنم عن غضبها وقد زمجرت بكره: لا فائدة ترجى منك. أهدرت وقتي في مخاطبة أحمق ساذج لن يفهم شيئاً يظن بأن التضحية ستأتي بثمارها. اللعنة عليك. ستندم لاحقاً على تفريطك بهذه الفرصة! ثم ليس وكأنني بحاجة إليك فإياك والتحليق بأفكارك بعيداً.
حسنا هذا ما يقوله الخاسر دائما عندما يفقد الأمل.
أظن بأن هذا كثير جداً.
قيلت بصوت هادئ جداً خلفي فنظر كلانا نحو مصدر الصوت.
اتسعت عيناي هامساً بتوتر عجزت عن إخفاؤه: سيدة أولين.!
كانت تقف بثبات تحدق إلينا بجدية قبل أن تتقدم بخطى ثابتة، يا الهي. يا للمصيبة، هل سمعت ما كنا نتحدث بشأنه؟
هل علمت. بشأن مشاعري نحو شارلوت!
أرجو أنها وصلت الآن فقط.
علي المحافظة على رباطة جأشي. ينبغي أن أكون قادراً على التظاهر وكأن شيئاً لم يكن! فأنا لا فكرة لدي عما قد تكون عليه ردة فعلها. ليس وكأنها ستوشي بي أبداً ولكن. هذا مخجل ومخزي كثيراً وقد تستاء مني.
أسرعت ابتسم بحيرة: ما الأمر؟
ولكنها تجاوزتني ووقفت خلفي أمام أوليفيا وقالت بهدوء: أوليفيا. الجميع قد اكتفى. من فضلك دعيهم يقضون وقتاً ممتعاَ ويصنعون ذكريات سعيدة. هل هذا صعب عليكِ؟ ألا يمكننا مساعدتك في ذلك؟
هل سؤالها يعني أنها لم تسمع شيئاً؟ أتراها رأت أوليفيا تحاول مضايقتي فتدخلت؟
حسناً. بدأت أشعر بالراحة قليلاً!
تكتفتْ بوقاحة ونظرت إلى أولين متمتمة: عُذراً ولكن. من الأفضل ألا تتدخلي في مواضيع الآخرين سيدة أولين.
انزعجت منها كثيراً واقتربت بغيض شديد، كل شيء عدى ان تتم إهانتها أمامي!
لا أعلم ما الذي كنت سأقدم على فعله ولكن أولين استوقفتني ممسكة بيدي بقوة وقد القت على نظرة جادة فامتعضت هامساً: لم أعد أحتملها!
ولكنها تجاوزت ما قلته ونظرت إلى أوليفيا لتتنهد بعمق: أرجوكِ. أنا أرجوكِ لتتصرفي بتعقل ولو مؤقتاً!
عقدت حاجباي باستغراب شديد في حين أكملت بنبرة راجية لطيفة: هل أطلب الكثير؟ هل يمكننا الجلوس معاً وقضاء وقت ممتع؟ ألا يمكننا نسيان أي شيء سلبي هذه الأيام فقط؟ أوليفيا. هل ما أرغب به صعب؟
انزعجت وانا أتدخل وقد غرقت في الحيرة: ما خطبك سيدة أولين! لماذا ترجينها؟! هل نسيتِ ما تحاول فعله؟ هل تأملين منها أن.
ولكن بتر كلماتي النظرة في عينيها.
نظرة. مليئة بالعمق! يغلفها الغموض.
أوجست في نفسي خيفة بلا سبب محدد! التزمت الصمت وارتخت ملامحي كثيراً بل وتسمرت عيناي عليها.
شعرت حينها بالتشتت.
بشيء من الضياع!
عادت توجه إهتمامها لأوليفيا وابتسمت: هل يمكنكِ تجاهل وجود كريس حتى؟ ألست قادرة على محاولة إسعاد نفسك؟
زفرت مقلّبه عينيها الزرقاء وتحركت بجفاء: عليكِ أن تدركي أنني مؤمنة كثيراً بأنني لن أحصل على الشيء إلا إن كنت أستحقه. لن نحصل على شيء ونحن نشعر أننا لا نستحقه. هل تفهمين هذا؟ كريس وعدني بالزواج وعليه أن يفي بوعده. أهدرت سنوات طويلة في انتظاره وكل ما أجنيه هو الخداع والغدر ولن أرضى بهذا! أحببته منذ طفولتي ومن الظلم أن أُترك في الهامش بسبب تلك الماكرة التي لا أدري كيف أغوته واستولت عليه!
جادلتها أولين ستوقفها: أوليفيا. كريس يحب شارلوت!
أضافت تزدرد ريقها وتعقد حاجبيها بأسى: انا أكثر من تعرف ذلك! إنه. يحبها أكثر مما تحبه هي! ألا تريدين له أن يختار سعادته بنفسه؟
يحبها. أكثر مما تحبه هي؟! كيف هذا؟
لويت شفتي مفكراً باستغراب لأسمع أولين تكمل بصوت أجش: لم ينعم بطفولة يمكن لأي طفل خوضها! ومع ذلك لا زلتِ تدافعين عن باتريشيا بكل ما أوتيتِ! الا يستحق ان يختار ما يريده وهو راشد على الأقل؟ ألا يكفي أنه ارتكب بنفسه جرما بحق رين وخسره كأخ وصديق؟ ألا يمكنك أن تريي كيف أثرت نشأته على شخصيته؟ مهما بذل جهده هو بعيد عن ابنه! هل حقا تعتقدين أن هذا لا يؤثر عليه؟ لماذا لا تلقين إهتماماً لكل هذا؟ هل تسمينه حباً حتى؟
نظرت بعينيها الزرقاء إلى الأرض ببرود ولم تعلق، ومع ذلك نظرت نحونا ثم أطلقت زفرة ساخرة وقد طرفت بعينها ببطء.
تحركت خطوتين قبل ان تقول دون أن تستدير: نعم أسميه حباً. ضريبته انتظار وعد كاذب وضعت فيه كل آمالي.
اكتفت بذلك وابتعدت فرصيت على أسناني ولم أستطع أن أكبح رغبتي فقلت بصوت عالي بغيض: لا تظني أننا سنقف مكتوفي الأيدي! يوجد من يوقفك عن حدك انا واثق من هذا. هل سمعتِ؟
ولكنها تجاهلتني ولم تلتفت مما أزعجني كثيراً، لم أكد أعبر عن غضبي حتى شعرت بألم شديد في أذني بسبب قرصة قوية فتأوهت راجياً: ما الذي تفعلينه سيدة أولين! هذا مؤلم اتركيني!
ولكنها لوت أذني ولا تزال تقرصها فشعرت بتورد وجهي من شدة الألم: ما الخطأ الذي ارتكبته الآن؟!
أجابتني بحزم: كيف تقع في حب زوجة أخاك!
من فضلك اتركيني أولاً!
أجبني!
أجبتها بسرعة: لا أدري أقسم لكِ، حدث هذا فجأة دون قصد مني أرجوكِ اتركيني ستقتلعين أذني.
ابعدت يدها فأسرعت اتحسس المكان وقد انتابتني رغبة في الصراخ مفرغاً هذا الألم، نظرت إليها بإنزعاج يجوبه إرتباك قبل أن أتمتم على مضض: كريس حقاً على علم مسبق بالأمر. سمع حديثي مع شارلوت صدفة و. كان متفاهما!
رفعت حاجبها الأيسر: وليكن؟
هاه؟
لا شأن لي بردة فعله! انا اتحدث عنك الآن. ما الذي تنوي فعله؟
لويت شفتي منشغلاً بأذني وقد أخذت بعض الثلج من أسفل قدمي ووضعته على المكان هامساً: لا أعلم. ولكنني أريد التوقف عن حبها، أدرك أنه لا حق لي في ذلك. كما أفهم الخطأ الذي ارتكبه. أنا بحاجة إلى المساعدة حقاً ولكن كريس لم يفتح الموضوع إطلاقاً ولا أدري لماذا!
نظرت إلى بنصف عين: هل أنت أحمق؟ هل تسأل لماذا!
أومأت بحيرة فأعقبت موضحة: هل يحتاج الأمر إلى تفكير أصلاً؟ انت بمثابة الشقيق الأصغر يا ستيف لذا كف عن تعقيد الفكرة فهي أبسط مما تظن. لا أظن كريس سيغضب منك أنتَ شخصياً بل ربما سيتجاوزه لكن مع عدم الشعور بالراحة.
أردفت نافية بلا حيلة: ثم ألا تدري كم هو واثق؟ هل تعتقد بأنه سيشك في مشاعر شارلوت نحوه؟
ماذا؟ هل هذا سبب حتى!
صدق أو لا تصدق يا ستيف، يمكنني فهم ما يجول في خاطره دون حاجة إلى النظر إليه مباشرة. الوقت الذي قضيته معه يجعلني أفهمه أكثر من نفسي.
ثم ربتت على كتفي بجدية: أنصت يا بني، الأمر ليس بيدك. لا ذنب لك فالقلب يختار دون استئذان ولكنني أعلم جيداً أنك قادر على تغيير المسار وانتشال نفسك مما قد يؤذيك لاحقاً.
ثم لمع بريق غريب في عينيها وهي تقول بهدوء تحدق إلى الفراغ: لا يجب أن تدخل بنفسك إلى الأبواب التي تخفي خلفها مصيراً يقف ضد سعادتك، الكثير من الأبواب الأخرى مفتوحة وترحب بك. لازلت صغيراً يا بني. وقد تحب مرتين أو اكثر حتى تجد الحب الحقيقي.
القول دائما أسهل من الفعل.
كلامها منطقي وصحيح.
ولكن عندما يحين وقت التطبيق يصبح كل شيء مظلماً فجأة!
من قال بأنني لم أبذل جهدي منذ أن اكتشفت الأمر بنفسي؟ من قال أنني لم احاول!
أخفضت رأسي ولم أشعر بالحزن التي تربع على عرشه مهميناً على وجهي.
كنت أخشى اخبار السيدة أولين وخائف من ردة فعلها.
حدة طباعها كانت عذرا لي ولكن الآن. هي متفهمة لوضعي كثيراً، قدمت نصيحتها على طبق من ذهب ولكنني أخشى أنني لن أستطيع فعل هذا وحدي!
شعرت باقترابها ولكنني لم أكن قادراً على ابعاد عيناي عن الفراغ الذي ضعت فيه فجأة، عانقتني بدفء وبأمومة حانية فتشبثت فيها كالطفل الأحمق الذي كان تائها ووجد ذويه!
ومع ذلك.
إحساس غريب جداً انتابني.
من الصعب وصفه ولكن. من السهل قول أن عناق كهذا، لم أكن بحاجته أكثر منها!
أكدت يديها ذلك فلقد كانت تشد على معطفي بقوة وتسند رأسها على كتفي دون أن تتحرك.
لحظات صمت قطعتها هامسة بصوت فيه من الشرود والعمق: ستيف. لنتعاون على صنع الذكريات السعيدة، لنحاول إبهاج الجميع بكل ما أوتينا. دعنا نبذل جهداً في تقريب كريس وشارلوت إلى بعضهما أكثر، دعنا نصحح علاقته مع ابنه ووالده، لنوقف أوليفيا عند حدها. لنفعل أمور كثيرة!
نظرت إلى المكان الذي اكتسى بالثلوج من حولنا وإلى الأغصان التي فقدت رونقها الأخضر بعامل الشتاء مفكراً بتشتت وعدم فهم عن سر هذه النبرة.
إن كنت لا أبالغ. فيوجد أمر يزعجها ولكنها لن تبوح به، هل كل شيء على ما يرام أم تُراها تكبت في نفسها شيء وتحصنه عن الجميع؟!
شارلوت:
مرت بضعة ساعات قررنا فيها بإقتراح من السيد جوش وماكس التوجه إلى أحد ساحات التزلج بالقرب من هنا.
الجميع قد وزعوا أنفسهم في السيارات ولن أنكر حجم سعادتي الهائلة! فأوليفيا قد بقيت في كوخ عائلتها ورفضت مشاركتنا وكم أفرحني هذا، ولكن المحزن أن السيد جوزيف مضطر للبقاء معها، أما رين. فلقد تم اختطافه فعلياً! جينيفر لم تتركه بل وابتكرت عشرات الحيّل لتدخله إلى سيارتها!
أكاد أحلق. الجلوس بجانب كريس والشعور بالحرية أخيراً.
افتقدت هذا الشعور.
نظرت من خلال النافذة عاجزة عن إخفاء ابتسامتي متجاهلة الإزعاج الذي تسبب به الثلاثة الصغار في الخلف، وقع القرار على أن يذهبوا برفقتنا نحن، ذلك ان إيثان وتيا مختفيان منذ بضعة ساعات وذهبا للتمشية وحدهما.
كنت مبتسمة وقد ابعدت عيناي عن النافذة ثم ارتد رأسي للأمام فجأة عندما دفعني شارلي دون قصد وأسرع يبتعد ليجلس بتوتر ويلوم جيمي وبريتني على دفعه، نظرت إليه بطرف عيني: هل تظنني لن أغضب؟
أومأ بإرتباك وتردد: أنتِ طيبة آنسة شارلوت ولن تغضبي.
تنهدت بلا حيلة ولم أعلق بينما قال كريس محذراً: للمرة المئة. لا أريد أن يقف أحدكم! ليربط كل منكم حزام الأمان ويلتزم بالجلوس على مقعده وإلا ستتم معاقبتكم أنا جاد فيما أقوله.!
ربط شارلي الحزام بسرعة وسمعتهم يتهامسون قبل أن يتناسوا الأمر ويعودوا للتحدث بصوت عالي جداً ويخوضون في موضوع التزلج بحماس.
نفيت برأسي بلا حيلة ثم نظرت إلى كريس قبل أن تنخفض عيناي إلى يده التي يسندها على مرفقه ويقود باليسرى.
قمت بمد يدي بشيء من التردد قبل أن أضع يدي على يده بخفة.
انتبه لي فابتسمتُ وأمسكت بها أخفي إحراجي من حركتي هذه. يا الهي يبدو أن ردة الفعل هذه نتيجة لفائض السعادة!
نظر إلى يدي ثم نحوي مستغرباً قليلاً ما فعلته ثم سرعان ما عكس الحال ليضع يدي أسفل يده ويمسكها بقوة.
رسم ابتسامة هادئة ولكنها سرعان ما مُحيت وبدى وكأنه تدارك أمراً وترك يدي فارتفع حاجباي بحيرة! وسألته دون شعور: ما هذا فجأة!
رفع حاجبه الأيسر: وهل تظنينني نسيت كيف قمِتِ بصدي قبل بضعة ساعات؟ أين ذهبت تلك الحدود التي وضعتها بنفسك؟
لويت شفتي بغيض: ذكرني بأن أقطع يدي هذه من فضلك.
كدت أبعد يدي بإنزعاج وإحباط ولكنني تفاجأت به يمسكها ويبقيها أسفل يده متمتماً: فليكن. سأتجاوز الأمر.
يمكنك التخلص من كل شيء وإراحة عقلك تماماً بخطوة واحدة فقط! اعترف وحسب.
رمقني بطرف عينه لثواني ثم نظر للأمام يركز على القيادة هامساً: سنرى إلى أي مدى أنتِ جادة.
اللعنة على ثقتك. تذكر إذاً أنني لن أسمح لك بتجاوز حدودك معي! يتوقف الأمر عند تشابك الأيدي وحسب هل تفهم هذا؟
ماذا عن العناق؟ تعلمين أني جسدي يشعر بالبرودة أضعاف ما تشعرون به. الست بحاجة إلى التدفئة؟
يمكنني توفير المزيد من المعاطف لك.
ابتسم بسخرية والقى على نظرة ماكرة: تذكري كلماتك جيداً إذاً.
هذا ما أقوله لك.
تجاهلت الأمر وعادت الإبتسامة تشق مجراها على ثغري، ولكنني ضُربت للمرة الثانية بعلبة القتها بريتني دون قصد على رأسي ولم تكن سوى علبة كرتونية لوجبة خفيفة كانت قد اشترتها من محطة الوقود مسبقا.
زفرت بإستسلام بينما التفت كريس نحوهم التفاتة سريعة حازمة فأسرعت تنكمش في مقعدها بخوف لتقول فوراً: أنا حقاً آسفة لم أقصد! لم أتحرك كما حذرتمونا ولكنني أردت فقط إبعاد العلبة عن شارلي. لن تتم معاقبتي صحيح!
أجبتها نيابة عن كريس: يبدو أن جيمي لم يأخذ حقه في ضربي حتى الآن. سأكون في انتظار الثالثة.
عندما وصلنا إلى وجهتنا التي لا تبعد عن الأكواخ سوى ربعة ساعة نزل الجميع من السيارات، وكذلك فعلت وساعدت الثلاثة على النزول وعندما وجدت جيمي قد نزع قفازاته مجدداً أسرعت البسه إياها.
نظرت إلى المكان من حولي بحماس لأرى مساحة شاسعة للتزلج، يوجد من يرتدون أحذية الزلاجات ويوجد من بدأ للتو في تعلم ذلك ويرتطم في الأرض وينهض بمساعدة الآخرين.
سألت كريس بفضول وتلهف: هل تجيد التزلج؟
أجابني نافيا بيده بلا اكتراث: لا أحب الأنشطة الشتائية.
فغرت فاهي ببلاهة: ذكرني لما أنت هنا!
رفع كتفيه ثم تحرك متجها للجميع فتبعته بإنزعاج، لا يحب الأنشطة الشتائية. بكلمات اخرى إنه لا يجيد التزلج أصلاً.
حسنا فليكن، أريد الإستمتاع والتزلج كما أريد حتى استهلك كل طاقتي.
عندما وصلنا إليهم رأيت رين يقول بحزم موجها حديثه إلى جينيفر: أعطني مفتاح السيارة بسرعة!
ولكنها نفيت مبتسمة: وإن قلتُ لا؟
زم شفتيه بقوة ثم زفر بغضب: ما هذه التصرفات الصبيانية السخيفة! من قال بأنني أريد المجيء إلى هنا معكم؟ أعطني المفتاح.
ولكنها تجاهلت غضبه وتأبطت ذراعه بقوة تجبره على التحرك معها فاقترب سام مني متسائلاً بحذر: كيف كانت قادرة على اختطافه هكذا! هو حتى لم يكن تحت تهديد السلاح.
تدخل ستيف الذي لا أدري من أين ظهر فجأة: دعكما من هذا. ألا تعتقدان أنه وبطريقة ما يتقبل إزعاجها في حين لا يقبل من أحدنا أي كلمة!
أومأت باستغراب: صحيح!
أجفلت لكلوديا التي أجابت من خلفي تنظر نحوهما وهما يبتعدان قليلاً: كان رين لا يزال صغيراً جداً عن كان معجباً بجينيفر ولا يتوقف عن الذهاب إلى منزلها.
ارتفع حاجباي مفكرة: يبدو أنها شخص مميز بالنسبة له.
نفيت برأسها: ليس تماما، هو فقط كان متعلقاً بها، جينيفر كانت ولا زالت تجيد العناية بمظهرها جيداً، لقد كان المعجبون بها في المراحل الدراسة يتهافتون على منزلها من مسافات بعيدة. إنها تجذب الأنظار بالفعل ويمكننا القول انه كان معجب بمظهرها الملفت، لا يمكننا القول أنه حب مراهقة حتى فلقد كان صغيراً جدا، لم يكن يتجاوز التاسعة بعد.
تمتم سام: هذا يعني أنها كانت في السادسة عشر تقريباً، يا له من فرق!
أومأت مؤيدة مدركة لهذا النوع من الحب. بعض الأطفال يقعون في حب من يفوقونهم سناً وكأنهم بالنسبة لهم أشخاص مميزون جداً لسبب أو دون سبب. يوجد من كانت صغيرة في السن ومعجبة بأحد الرجال البالغين العاملين في متجر الحي، ويوجد من كانت صغيرة وكانت معجبة برجل توصيل طلبات الطعام بل ومخلصة للمطعم ولا تكف عن التواصل معهم لتطلب الوجبة بهدف رؤية الرجل ثم تشعر بالخيبة إن كان رجلاً غيره. حسنا يمكنني تفهم هذا فأتذكر جيداً أنني كنت معجبة برجل في الخمسين من عمره عندما كنت لا أزال في الخامسة عشر تقريباً. أظنه كان يعمل مهندساً زراعياً ولم يكف سكان الحي عن الإتصال به للعناية بحدائقهم الصغيرة.
انتفضت لجدال جينيفر ورين وقد قالت تتظاهر بالحزن: ألا تبالي بما تفعله بقلبي بقسوتك هذه؟
ثم أضافت بنبرة واثقة: على أي حال والدك ليس هنا وأنت مطالب برعاية شقيقتك الصغيرة اللطيفة هناك. الستُ محقة؟
بدى وكأن رين استوعب ذلك للتو فقط وهو يلقي نظرة على بريتني التي تقفز بحماس وهي تنظر إلى شارلي الذي يرتدي أحذية التزلج بمساعدة أمي وأبي الذي نظر إلى واقترب فوراً مبتسماً: شارلوت ماذا تنتظرين؟
أجبته مقتربة منه بحماس: أنتظر دعوتك الخالصة. ماذا عن تحدي أمنحك فيه فرصة للفوز علي؟
احتدت عيناه: لم تكن المرة الماضية خسارة. هذا لا يحتسب أصلاً فلقد كنت متعباً قليلاً حينها.
قلبت عيناي بملل: والمرة التي تسبقها كان الحذاء ضيقاً، والتي قبلها كان الجليد قد بدأ بالذوبان. لنرى ما عذرك اليوم!
في النهاية بدأنا نمضي وقتنا في التزلج واللهو بالثلج، ولكن. عندما أقول جميعنا فهذا استثناء من البعض، فكريس يجلس كرجل حضر إجتماع في إحدى قاعات الشركة وينتظر وصول باقي المعنيين بالأمر! إنه يضع ساقا على الأخرى ويتكتف ينظر إلينا وإلى الناس بصمت.
بجانب ماكس الذي يوحوح في يده ويشعر بالبرودة الشديدة ويسترق نظرات مستمتعة إلى جيمي والباقين.
وبجانبه رين!
لا أدري كيف أصف الوضع.
هو يجلس بوضعية عكسية أصلاً ويدير ظهره نحونا، إنه ينظر إلى الجهة الأخرى ويعبث بهاتفه.
أما التحدي الذي كان بيني وبين أبي فبطريقة ما انقلب الحال وأصبح بينه وبين جينيفر التي دفعت بعض الأشخاص الذين لا نعرفهم لتوقعهم دون قصد بالرغم من تمكنها.
كنت أتزلج مع سام وستيف بسرعة متوسطة، بينما أمي وجوش وكلوديا يتزلجون ببطء ويتحدثون في آن واحد ويبدون مستمتعين.
يبدو أن أمي قد نست وجود أبنائها تماماً منذ ان كونت صداقة مع كلوديا التي تجيد استغلال نقاط الضعف المتعلقة بأدوات التجميل والأزياء والموضة.
لا عجب. فأمي أكثر من قامت بتجريب أقنعة الجمال الطبيعية في المنزل، بل أنها تخترع الكثير من الخلطات الغريبة التي تضعها على وجهها!
بتر أفكاري وقوعي فجأة بسبب تعثر سام الذي أمسكني ليتوازن ولكن بدلا من ذلك سقط كلانا.
شعرت بألم طفيف في ساقي المصابة ولكنني تجاهلت الأمر واعترضت بغيض: أنا لست غصن شجرة لأقيك من السقوط!
ابتسم ستيف بسخرية واقفاً أمامنا وقد مد يده ليوقفني فاستعنت به بإنزعاج، رفع سام يده لستيف متأوهاً ولكن الأخير تجاهله بخبث.
أيدت فعلته متنهدة: أحسنت. يستحق هذا!
أكملنا التزلج متجاهلين تذمر سام الذي أسرع يقف بنفسه ويتبعنا، عندما اقتربنا حيث الأطفال رأيت جينيفر التي وقفت مع أبي عندهم.
بريتني وشارلي متحمسان كثيراً.
جيمي يبدو وكأنه يبتسم ابتسامة صفراء رغماً عنه وادرك السبب تماماً.
تنهدت بإستياء أنظر إلى كريس البعيد قليلاً. متى سيبادر!
هذا ما كنت أفكر فيه قبل أن يمضي الوقت وقد بدأ جيمي بدوره ينخرط مع الإثنان بسرور بكل نشاطه وحيويته.
كنتُ بعيدة قليلا عندما ابتعد جيمي عنهم وهو يتزلج بعيداً ولمحته يسقط على وجهه وظل منبطحاً على بطنه، لم ينتبه له أحد نظرا للمسافة فأسرعت نحوه بقلق ولكن لفت انتباهي تحرك كريس بإتجاهه فأبطأت من سرعتي حتى توقفت.
وقفت في مكاني بترقب، انحنى ليرفعه ممسكاً بيده ليوقفه ثم رأيته يقول له شيئاً وخمنت أنه ربما سأله فقط إن كان قد أصيب مثلاً أو كان على ما يرام.
عندما أومأ جيمي برأسه وهو ينفض الثلج عن وجهه تحرك كريس مستديراً ليبتعد ولكنني رأيت جيمي يسرع خلفه ممسكاً بيده. اقتربت لأسمعهما وقد وقع على مسامعي صوت جيمي الذي تساءل بتردد: أبي لماذا لا نتزلج معاً!
اقتربت أكثر بحذر لأرى كريس ينظر إليه ثم إلى يده لثواني قبل أن يجيبه بهدوء: الست تتزلج مع شارلي وبريتني؟!
أمال جيمي برأسه: ولكن. لماذا لا نتزلج أنا وأنت؟
أضاف بعدم فهم: الست تجيد التزلج يا أبي؟
رأيت كريس يجثي على ركبته محاولا ان يصبح بمستواه مجيباً: هل تريد الصراحة؟
نعم!
لا أظنني أجيدها.
هذا المحتال! قال بأنه لا يحب الأنشطة الشتائية! لماذا كذب علي.؟
لويت شفتي ومع ذلك انهمكت في التحديق إليهما مبتسمة لأسمعه يقترح عليه بهدوء: ألا يوجد أمر آخر يمكننا فعله؟
بدى جيمي غير مصدق لذلك السؤال تماما مثلي! ولكنني سعيدة جداً لمبادرته هذه.
طرف بعينيه الواسعتان قبل ان ينظر من حوله بتردد ثم قال ببطء: حقاً؟
هل تشك بهذا!
أقصد. أبي نحن لا نمضي وقتنا معاً، الست تتضايق من الجلوس معي!
رأيت التعبير الهادئ الذي ارتسم على ملامح كريس، وبالرغم من هذا الهدوء كان يحدق إلى جيمي بعين تلمع ببريق أشبه ب.
لا أدري حقاً!
هل يمكنني استخدام كلمة الندم؟
تأثرت بذلك كثيراً وزميت شفتي بترقب حتى قال أخيراً: من قال هذا؟
أنزل جيمي رأسه وهو يحرك يديه بتوتر يبعد بعض مما تبقى من الثلج عن معطفه وكأنه يهرب من عينا كريس، حتى أجاب دون أن ينظر إليه: لم يقل أحداً هذا ولكننا لم نمضي وقتنا معاً مسبقاً، أنا أعلم أنك مشغول بالعمل دائما وتسهر لوقت متأخر ولكن. حتى أثناء وجبة الفطور لا نتحدث وبعدها لا نخرج معاً. لذا أنا أفهم أنك لا تحب ان تمضي وقتك معي. فأنت تخرج مع أمي أحياناً وتستمتعان.
طرف كريس بعينه بشيء من عدم التصديق حتى أخفض عينيه هو الآخر وتمتم: لا تفكر هكذا مجدداً.
أردف ينظر إليه متنهداً: هل تعتقد أنني أب فاشل وسيء جداً؟
لوى جيمي شفتيه وقد تورد وجهه إثر شعوره بالضغط أو التوتر وقال على مضض: أبي أنا حقاً أحبك واريد أن نخرج معاً دائماً.
اجابته الملتوية هذه كانت رسالة واضحة.
جعلتني أطرق برأسي بأسى في حين ظل كريس يحدق إليه بصمت، أكمل جيمي وقد تفاجأت بالدموع في مقلتيه: لا أحد من زملائي يكف عن نعتي بالثري المدلل! أخبرتهم أنني لا أمضي وقتي معك ولكن لا أحد يصدقني، وعندما أحاول التحدث إليك تتلقى الكثير من المكالمات والإتصالات وتخرج فوراً، وعندما تعود تدخل إلى المكتب لتعمل، وأثناء وجبة العشاء تبدو متعباً وأحيانا أنام دون أن أراك تعود إلى المنزل. وكلما اشتريت لي الألعاب تضعها في الغرفة دون ان تفتحها معي أو تشاركني بها. كما أنك تغضب أحيانا بسرعة فأخشى التحدث معك! وأحيانا.
ولكنه توقف عن الحديث عندما ذرف الدموع التي انسابت على وجنته فنظر لكريس بعينيه المتوردة بترقب وإضطراب.
شعرت بعيناي تدمعان كذلك فأسرعت أغمضهما بقوة، كريس نزع القفاز عن يده اليمنى ومسح دموع جيمي الذي قال بإستياء: عندما تمنعني من الذهاب إلى منزل شارلي تخبرني السيدة أولين أنك تفعل هذا لأنك قلق بشأني، وعندما منعتني ذات مرة من الرحلة مع زملائي أخبرتني أن الموقع بعيد ولا تريد مني الإبتعاد لوقت طويل. أبي أنا أعلم أنك تشعر أحيانا بالإنزعاج من وجودي وتخشى عن أتعرض لشيء حتى لا تنشغل بأمري. اليس كذلك!
ظل واضعا يده على وجنته يمرر أنامله وقد شردت عيناه وبدأ التضايق يأخذ مجراه على ملامحه، يا الهي يا جيمي. انفجر فجأة وتحدث معه بكل وضوح وصراحة دون سابق إنذار. وهذا دليل على انه كان في انتظار الفرصة بفارغ الصبر!
أعقب وقد تقوست شفتيه للأسفل: عندما كنت محموماً وجلس الجميع معك في الغرفة أخبرتني ان أجلس إلى جانبك وأعطيتني هاتفك لألعب به ولكنك لم تتحدث معي في أي شيء. أبي ألا يمكننا أن نكون مثل زملائي وآبائهم؟
رطب كريس شفتيه بلسانه ثم ابتسم ابتسامة مضمرة وانزل يده، أشعر فجأة برغبة في معانقة جيمي بقوة ولكن لا يجب أن افسد هذا الحوار بينهما.
أظنني لأول مرة أرى كريس كأب. حتى وإن كان النصيب الأكبر من الكلام لجيمي ولكن. يمكنني أن أستشعر شيئا من الندم وارتباكاً في تصرفاته.
وكأنه لا يعلم ما عليه فعله وبحاجة إلى بعض الإرشاد! إنها تلك اللحظات. التي يعاتب الأبناء آبائهم على التقصير رغما عنهم! اللحظة التي ينفجرون فيها مستائين ويعلمون أن كلماتهم ستكون قاسية ولكنهم بحاجة لقولها!
هذا ما كنت أفكر به عندما قال أخيراً: هذا يعني أنني أب سيء جداً اليس كذلك؟
نفي جيمي بسرعة فأكمل: هل تعلم. عندما كنتَ رضيعا.
توقف قليلا وقد التمست في نبرته التردد حتى أعقب: لقد كنت أقضي وقتا طويلاً في تأملك فقط. لدقائق. لساعة بل وأكثر.
لم يعلق جيمي بل ظل ينظر إليه ليكمل: لقد كنت مزعجاً كثيراً ببكائك وتعريض نفسك للخطر، هل تعلم أنني تعرضت لحرق مؤلم في يدي عندما كدتَ تؤذي نفسك بكوب قهوة ساخن؟ كما أنني جرحت ساقي بالخطأ عندما كدت تنزلق من فوق إحدى الألعاب التي كنت صغيرا جداً بالنسبة لها آنذاك، اسمع هذا أيضاً. في إحدى المرات كنتَ على وشك أن تقع من فوق درج المنزل بعد ان خرجت من غرفتك في غفلة من الخدم. لقد التوى اصبعي بقوة حتى كاد ينكسر بسبب مسند الدرج. ما أحاول قوله هو. أنا حقاً أخاف من أن تتعرض لأي خطر أو إصابة، كما أنني كنت أزعج السيدة أولين بالإتصال عليها لأطمئن بشأنك بينما لا تزال رضيعاً و كل ما يشغل همك هو الحصول على الحليب والغذاء. كلانا يا جيمي يعلم أنك كنت تفتقر إلى وجود أم في حياتك وأردت أن أحقق لك هذا بشتى الطرق!
ارتفع حاجباي فرسم ابتسامة هادئة وقد رفع يديه ليمسك بذراعيه الصغيران مضيفاً: الآن أنظر إلينا. كلانا متعلق بوالدتك اليس كذلك؟
أومأ جيمي في حين تدفقت الدماء إلى وجهي بشدة وقلبت عيناي بتوتر وإحراج، حينها قال يحدق إلى وجهه مباشرة: ولكنني بطيء جداً يا جيمي. لا اعلم ما هي الطريقة الصحيحة التي ينبغي لي فيها معاملتك! قد يكون من المخزي قول هذا ولكن. والدك في الحقيقة كان في انتظار بعض الإرشادات من الآخرين ليكون جاهزاً لك. اليس هذا محرجاً؟ والدك يتلقى النصائح ولكنه يفسد الأمر بطرفة عين فقط! وبالنسبة لموضوع الإنشغال في العمل. سأبسط الأمر لك.
ترقب جيمي فأبعد كريس يديه عنه و قال: لم أكن مشغولاً كثيراً في البداية ولكنني الآن أعمل مكان جدك! أنا أجلس على كرسيه هل تعلم ما يعنيه هذا؟
نفي برأسه وهو يمسح أثر البكاء من عينيه وأنفه: ما الذي يعنيه؟
أنني أدير شركة العائلة وأتحمل مسؤولية كبيرة، جدي إفليك قد بذل مجهوداً كبيرا وحقق إنجازات ك. أقصد بكلمات أخرى، أنا أجلس على كرسي جدك ماكس وهذا الكرسي من الصعب التحكم به. لهذا أمضي وقتا طويلا في العمل لأحافظ على كل هذا! كما أنك عندما تكبر وتنضج لن تكون مضطراً للجلوس على هذا الكرسي! سوف تكون لك فرصة الذهاب خلف طموحك وما تتمنى فعله حقاً! ستستخدم موهبتك وتفعل ما تريد. الرسم أو التمثيل. أعلم أنك تجيدهما جيداً! بعد سنوات قليلة سأجهز لك غرفة في المنزل مليئة بكل ما تحتاجه من عدة للرسم والتلوين واللوحات التي ستكون يوماً فخوراً بها.
بدى شيء من التلهف على وجه جيمي يأخذ مجراه وقد أعجبته الكلمات الأخيرة، أما أنا فابتسمت بدفء شديد أستنكر قليلاً كلمات كريس العميقة هذه.
صحيح أنه فاشل قليلاً في النزول إلى مستوى فهم جيمي ولكن. إنه يبذل جهده وهذا هو المهم!
اتسعت ابتسامتي عندما بعثر شعر ابنه وقال: دع حقيقة كوني أب سيئ جانباً، لنستغل التخييم ونمضي وقتنا معاً. ما رأيك؟
فغر فاهه بعدم تصديق وبدى متشكك كثيراً بشأن ما سمعه ليسأل: حقاً؟
أومأ واقفاً: فقط احفظ أمر فشلي في التزلج بعيداً عن الآخرين ولنحاول فعل أي شيء آخر. ماذا عن ركوب التلفريك!
بدى وكأنه لم يستوعب الأمر بعد والدليل على ذلك أنه لا زال يترقب ما سيقوله له حتى أدرك أنه سأله بشأن التلفريك وقال بدهشة: أنا وأنت!
أضاف بحماس: أبي هل سنذهب معاً حقاً؟
تظاهر كريس أنه يفكر بهدوء: يبدو أنك تشك في كل ما أقوله.
لا! لست كذلك. حسنا لنذهب بسرعة. ولكن.
نظر من حوله باستغراب ولهفة وعندما وقعت عيناه على أجفلت متظاهرة أنني انظر للمكان خلفي فأعطيته ظهري بسرعة حتى نادى: أمي!
تظاهرت بأنني التفت نحوه بحيرة وكذلك نظرت لكريس بنظرة مماثلة، ركض جيمي بحماس حتى وصل إلى وتساءل ممسكا بيدي: أمي هل يمكنك الذهاب معنا؟
رفعت حاجباي: إلى أين!
واجهت نظرة من كريس كان مفادها ألا أكذب عليه بطريقة او بأخرى، حسنا من الصعب التظاهر أمامه ولكنني على الأقل أجيده أمام هذا البريء.
أجابني مشيراً إلى الاعلى: مقاعد التلفريك هناك!
أشعر كمن لو كنت فتاة ملكت العالم، فابتسامة جيمي البريئة المليئة بالشغف والتطلع لا تبث بي سوى الراحة والطمأنينة.
لقد أحسن كريس صنعاً. ربما لأنه استغل فرصة وقوفهما معاً على مسافة بعيدة عن الجميع، وربما لأنه يعلم أنه قد آن الأون اخيراً ووُفق في اختيار هذا الوقت.
ومع أن القرار كان يتضمن ذهابنا نحن الثلاثة إلا أن هذا ما انتهى به الحال.
فأنا وكريس يجلس بيننا جيمي على مقعد التلفريك الطويل وقد وضعنا الأحزمة في حين المقعد المقابل لنا مباشرة على بعد أمتار قليلة يجلس عليه سام وستيف وبينهما شارلي. وخلفنا أمي وأبي معهما بريتني والسيد ماكس خلفهم ثم جوش وكلوديا بينهما جينيفر التي اختارت الموقع الخاطئ تماما. فكرت في هذا وقد انتابتني ضحكة.
ثم كيف حدث هذا؟
حسناً سام وستيف سمعا جيمي يتحدث بسعادة مفرطة وأعلموا الجميع بالأمر فوراً وهكذا ذهبنا جميعنا معاً ولكن لا بأس طالما أنه يمكن لجيمي أن يحظى بهذه اللحظات مع والده.
السيدة أولين ورين يجلسان في المكان ذاته حيث كنا وقد رفضا الصعود هنا، إيثان وتيا لم يعودا بعد ويبدو انهما لا يفكران بالعودة أصلاً.
حسنا ليس إلى هذه الدرجة ولكنهما اختفيا تماماً وكأنهما يقضيان شهر العسل.
إنهما بعيدان تماماً عن الساحة!
كان جيمي ينظر للمكان أسفلنا متعجبا من الإرتفاع ويشير إلى كل شيء بإنفعال، حتى قال فاغراً فاهه: المكان عالِ جداً!
أومأت ضاحكة على حماسه بل وقلت بحماس أقوى منه: أنظر هناك. إنه المكان الذي كنا نتزلج فيه للتو.
صحيح!
نظر كريس إلى جيمي ثم إلى حتى عاود يبعد ناظريه للأمام وقال: أشعر أنني عُينت ولياً عليكما في رحلة مدرسية.
رفعت كتفاي: شهرين فقط وسينتهي فصل الشتاء لذا حاول ان تستمتع بكل لحظة.
من قال بأنني أحب هذا الفصل أصلاً!
أردف باستغراب: أنظري هناك.
رأيت حيث يقصد، لم يكن ينظر سوى إلى سام وستيف وشارلي أمامنا فضيقت عيناي قليلا بحيرة محاولة التركيز: ما خطبهم؟
رمقني بنظرة سريعة مستنكراً: شقيقك لا يبدو على ما يرام.
سام!
ارتفع حاجباي باستغراب ودققت النظر أكثر لأرى سام وكأنه يحني جسده قليلاً للأمام بصعوبة بالرغم من الحزام الذي يضعه، ثم رفع يده يمررها على رأسه. هل هو بخير؟!
بعد مرور ربع ساعة من التجول على المقاعد الهوائية وعندما وصلنا أخيراً إلى نقطة البدء. نزل الجميع وكان سام يستند على أحد الاعمدة الحديدية ووجهه شاحب، اقتربت أمي لتسأل ستيف بقلق: ما خطبه؟
كاد يجيبها لولا ان تدخل شارلي بملل: ظل يقول بأن رأسه يؤلمه ويريد النزول بسرعة. لم أحصل على فرصة لأتأمل فيها المكان بسبب إلحاحه طوال الوقت.
أيده ستيف باستغراب: صحيح. سيدة ستيفاني أظنه يعاني من الدوار!
اقتربت بدوري نحوهم ومررت يدي على ظهر سام الذي ظل مغمضاً عينيه ويحني جسده فاقترحت مفكرة: ربما عليك ان تشرب شيئاً يخفف من هذا الدوار. هل تشعر بالغثيان؟
أومأ دون أن يعلق وظل على حاله فنظرت لأمي متنهدة: أظن بأنه من الأفضل أن يشرب شيئاً يخفف عليه، عصير برتقال مثلاً أو ليمون.
وقف كريس خلفي وسأله بهدوء: هل أنت قادر على التحرك؟
لم يجب سام بل اكتفي بالنفي حتى همس أخيراً: اتركوني قليلاً.
عقدت أمي حاجبيها فوضع أبي يده على كتفها: حدث هذا مسبقاً. ربما سام من الصعب أن يحتمل الأماكن العالية لوقت طويل.
زفر ستيف بسخرية: سيد مارك الا فكرة لديك كم كان ينزل رأسه طوال الوقت؟ من الطبيعي ان يشعر بذلك! أخبرته ان يرفع رأسه ولكنه ظل يعاندني. هذا جزاؤه.
حينها أتى صوت مرح ساخر: من كان يقول قبل الصعود أنه سيستغل الوقت ليلهم نفسه بالتقاط الصور لاحقاً؟
لم تكن سوى جينيفر التي التفت نحوها سام بصعوبة وقال بغيض: أنتِ آخر من أريد سماع صوته! رأسي لن يحتمل ثرثرتك!
ولكنها ظلت تزعجه وتستفزه حتى تدخلت كلوديا مشيرة: لما لا نعد إذاً ونطمئن عليه؟ إنها الخامسة على أي حال والغروب ليس ببعيد وسيحين وقت العشاء قريباً.
أيدتها أولين التي أرغمت سام على التحرك برفق: صحيح. لنعد جميعنا.
لمحتُ رين الذي بدى ضجراً وهو يقترب بهدوء ولم تنتبه جينيفر له، أدخل يده في جيب معطفها واخذ مفتاح السيارة فانتبهت له وشهقت: أيها اللص كيف تجرؤ!
حاولت أخذه ولكنه رفعه بعيداً وتحرك فتبعته متوعدة.
تبعهم الباقين كذلك وبدأنا نتحرك متجهين إلى السيارات، كانت أولين غير قادرة تماما على إسناد سام فتطوع ستيف بوجه متبرم ليسند ذراعه على كتفه.
حسنا قد يكون الوقت غير ملائم ولكن سام يبدو كجثة خرجت من قبرها للتو! هذا الأحمق.
شارلوت.
همس كريس بإسمي بينما نمشي فنظرت إليه بترقب ليقول مشيرا بإبهامه نحو سام: أراهن على أنه سوف يتقيأ!
ارتفع حاجباي باستغراب وأسرعت أحدق إلى سام لأجده يحاول زم شفتيه بقوة وهو يعقد حاجبيه.
بل وأنه قال بنبرة مرهقة: ستيف. أنجو بحياتك.
لم يفهم ستيف ما يعنيه وهو يرمقه بعدم فهم حتى تعالت صراخته التي هزت المكان بأكمله! شعرت للحظة أن انهيار ثلجي سيحدث لولا أن القدر قد أسعفنا.
ظل يصرخ مشمئزاً بل ودفع سام بعيداً عنه وكذلك أشحت بوجهي بإحراج شديد متحاشية نظرات الناس من حولنا!
تنهد كريس: الم أخبركِ!
بعد نصف ساعة.
جميعنا مجتمعون في الكوخ الأخير حيث طاولة الطعام حتى أوليفيا كانت تجلس بجانب والدها وتحدق إلى طبقها وتأكل بصمت مطبق، أما المتضرر سام فهو يجلس على الأريكة يلف حوله الغطاء وبالكاد يفتح عينيه وهو يشرب من الليمون الذي أحضرته أولين لأجله.
كنا نتناول الطعام عندما تساءل ماكس باستغراب: لقد تأخر ستيف كثيراً! جينيفر أيضاً ذهبت لتفقده ولكنها لم تعد بعد.
أردف باستيعاب: تيا وإيثان كذلك تأخرا أكثر من اللازم!
علقت كلوديا تكتم ضحكتها: حسنا من الواضح أن ستيف يستحم للمرة المئة. أنا واثقة ان جينيفر هناك لتشمت به وتزعجه فقط.
ضحكتٌ بخفوت: بلا شك. وبالنسبة لإيثان وتيا. أمي أبي عليكما استجوابهما عندما يعودان.
أومأت أمي بحزم: هذا ما سيحصل طبعاً.
علق كريس بملل: يمكنني سماع صراخه من هنا.
ركزنا قليلاً حتى سمعنا صوت تذمر ستيف العالي بالفعل من الكوخ المجاور وما هي إلا لحظات حتى دخلت جينيفر تضحك بخفوت. رؤيتها تضحك غير قادرة على التوقف قد سببت لي العدوى أيضا لأضحك دون سبب.
تقدمت منا وقبل ان تجلس على مقعدها المجاور لماكس نظرت إلى سام وابتسمت باستخفاف: لو كنت مكانك لحفرت حفرة عميقة تصل إلى لب الأرض ودفنت نفسي فيها. هل تعلم أنه لا يريد الخروج من الحمام وقد يستهلك كل المياه الساخنة؟!
امتعض سام بشدة وابعد كأس العصير عن ثغره منزعجاً: كنت أعلم أن صوتك كان السبب في تقيؤي. ثم توقفي عن الضغط على يكفي ما أمر به الآن!
مررت يدها في شعرها الأسود بثقة: سمعت هذا من أخي، لقد تصرفت كشخص يخرج للعالم لأول مرة في حياته وفارغاً لفاهه بدهشة يحدق من حوله و. عذرا بل ينظر إلى الأسفل طيلة الوقت.
تدخل جوش بيأس: جينيفر. دعيه وشأنه أنظري كيف يبدو وجهه شاحباً!
ابتسمتْ بدورها ونظرت إلى ثم إلى مقعدها وقالت بتذمر: أريد الجلوس إلى جانب شارلوت. كريس تحرك!
ولكنها سرعان ما بدت وكأنها استوعبت أمراً وهي تلقي نظرة على أوليفيا وقالت مبتسمة بهدوء: أوه أقصد. على الأزواج ان يجلسوا إلى جانب بعضهم ويتناولون الطعام معاً اليس كذلك؟
استمرت الأخرى في تناول الطعام ولم تبعد عينيها عن طبقها ومع ذلك علقت ببرود: هل هذا ما تقوله امرأة عزباء؟ يدهشني هذا قليلاً.
تكتفت جينيفر: بل ما ينبغي للأطراف الدخيلة أن تفهمه. هل وصلت رسالتي؟
نظر الجميع إلى بعضهم خلسة وبتوتر وكذلك جوش الذي تدارك الأمر مشيراً إلى الكرسي المجاور: هيا يا جينيفر سيبرد الطعام.
ولكن أوليفيا تدخلت وهي تحرك ملعقتها في منتصف الطعام: أطراف دخيلة. هل تقصدين نفسك؟
جلست جينيفر ولم تغادر الإبتسامة ثغرها وهي تقول بحيرة: أنا؟ هل حقاً حاولتُ التدخل بين أي شخصين في العالم؟ هل حدث هذا؟
ثم عقدت حاجبيها مفكرة: لا اذكر أنني أحاول لفت انظار شخص ما أو سرقة موقع امرأة أخرى.
ما مدى ما تعرفه جينيفر تحديداً! كيف تعلم بكل هذا؟ بل أنها واثقة تماماً وتتحدث وكأنها على دراية بكل التفاصيل!
هل حقا مجيئها إلى هنا كان لأجل الإستمتاع بوقتها؟!
عقدت حاجباي بإستغراب وقد شردت بذهني للحظات قبل أن أسمع ضحكة خافتة أصدرتها جينيفر وقالت فوراً من بين ضحكاتها: يمكنني أن أرى الآن لماذا أتيتِ برفقة الجميع إلى هنا. يوجد الكثير من الاهداف النبيلة التي ترغبين في تحقيقها!
ماذا عن وجودك هنا؟ هل مللتِ حياة العزوبية وتُراك تعتقدين أنك ستجدين هنا شريك المستقبل؟
لما لا! لقد أعطيت نفسي إجازة من العمل وأردت أن أقابل بنفسي كريس و زوجته عندما علمت بالأمر. أنا حقاً سعيدة لهما، ألا يليقان ببعضهما كثيراً؟
أردفت تنظر إلى بمرح: نحن لم نتعرف على بعضنا جيداً يا شارلوت. علينا استغلال كل لحظة!
أومأت بتوتر شديد في حين استرقت أوليفيا نظرة كره نحو جينيفر التي فرقعت بإصبعها مقترحة: ربما على أن أشتري لكما كعكة رائعة وكبيرة عليها صورة لطيفة لكما. أو حتى منحكما هدية بسيطة. كتذكرة للسياحة مثلاً او حجز في أفضل الفنادق.
تفاجأت بكريس يومئ برأسه بل ويجاريها: فكر مسبقاً بشيء مماثل. عندما تنتهي شارلوت من إختبارات الجامعة النهائية ربما سأخذها وجيمي للسفر إلى إحدى المدن السياحية.
ظل الإثنان يتناقشان في الأمر وكم استشعرت رغبتهما في اللعب بأعصاب أوليفيا!
مع أنني. لن أسامحها ولكن. هل ما يفعلانه صحيح؟
هي لم تعلق أو تقاطعهما بل ظلت تأكل بصمت تام، نظرت إلى رين الذي يأكل دون أي اكتراث وإلى ماكس الذي تلمع عينيه الداكنتين بشيء من الإستياء والقلق. وهذا ما بث بي شعور مزعج قليلاً وابعد عني الراحة والطمأنينة.
لماذا هذه النظرة الآن.
عندما انهى الإثنان حديثهما بدأت كلوديا تشاركهما في أمور مختلفة وكذلك الجميع.
فُتح الباب فجأة ولم يكن سوى ستيف الذي يمسك بالمنديل على أنفه وعطس ثم أسرع يغلق الباب.
صفقت جينيفر: ها أنت ذا. هنيئاً لك التخلص من قيء سام.
اشمئز وجهي: نحن نتناول الطعام يا جينيفر الرحمة أرجوكِ!
أومأت بلطف: أمركِ.
ثم سرعان ما نظرت لسام بخبث والذي بدوره تنهد بعمق: اتركيني وحدي.
علق ستيف وهو يقترب مرتجفاً من شدة البرد وهمس بعد ان جلس بجانب جوش: أشعر بأنني على وشك التجمد. لقد تجعد كامل جسدي بسبب التعرض للماء. مرّ دهر وأنا أحاول التخلص من جريمة ذلك الوغد!
أضاف بإزدراء شديد ولوم: اللعنة على عندما قررت مساعدتك والتطوع لأسندك.
لف سام الغطاء على جسده بقوة وقال بغضب طفيف: أظنك تبالغ كثيراً! هذا يكفي. لم أطلب مساعدتك على أي حال.
أيدته جينيفر: صحيح لم يطلب مساعدتك أنت من تغلبت طيبة قلبه على الموقف.
اعترض ستيف: ولكن كان بإمكانه إعلامي على الأقل بسرعة لأبتعد فوراً.
أبدته كذلك: محق. كان عليه أن يخبرك رغبته في التقيؤ فور شعوره بذلك.
علقت كلوديا بنصف عين: ما الذي تحاولين فعله؟ رؤيتهما يتشاجران؟
ابتسمت بدورها: كلوديا يوجد مستحضر تجميل أحضرته معي في حقيبتي وجميع مكوناته طبيعية وعشبية. عليكِ تجربته!
تحمست أمي متدخلة فوراً: هل يمكنني رؤيته!
أومأت جينيفر بسعادة: بكل تأكيد.
ابتسمتُ بلا حيلة هامسة لكريس: إنها تجيد التشعب في المواضيع والهرب جيداً.
لسانها لا يتعب أو يهلك.
كريس. هل كنت تحاول استفزاز أوليفيا قبل قليل؟
رفع كتفيه بلا مبالاة ولم يجب فزميت شفتي مفكرة بالأمر وحدي.
لفت انتباهنا صوت جوزيف: تناولي طعامك ببطء!
كان يقصد أوليفيا التي ارتسم على ملامحها الغيض وهي تأكل الطعام بسرعة دون توقف، ظلت على حالها فتدخل رين بحزم: ما الذي تفعلينه؟
ولكنها لم تلقي بالاً لهما بل وقفت قليلاً لتغرف لها المزيد من الطعام وتأكله بعين قد احتدتا بغضب وقهر.!
شعرت بالإرتياب لذلك وقلت بتردد: هذا سيء. الأكل بهذه السرعة. قد تختنقين!
القت على نظرة كره وتجاهلتني لتكمل طعامها.
إنها تأكل بشراهة وشراسة غريبة كمن لو كانت منعت من الأكل منذ أيام!
ما الذي. تفعله! تفريغ طاقتها في الطعام؟ ولكن.
ظلت على حالها ولم تلقي بالا لتحذيرات رين أو لمحاولات جوزيف اليائسة.
بل وانهت الطبق ووقفت لتغرف الطعام للمرة الثالثة وعندما أنهت نصفه زمجر رين بحدة: هذا يكفي!
ظل الجميع يحدقون إليها بريبة وتعجب، تبادل أبي النظرات مع أمي وماكس الذي قال راجياً: أوليفيا. لقد أكثرتِ من الطعام كثيراً. هذا أكثر من المعقول!
ولكنها لم تجب، كل ما نسمعه صوت احتكاك ملعقتها بالطبق وقد بدأ الأطفال الثلاثة يشعرون بالخوف مما دفعني لأشير إليهم بتوتر قاصدة لفت إنتباه السيد ماكس.
وقفت جينيفر فجأة وأحضرت من أسفل نافذة الكوخ سلة مهملات متوسطة الحجم معدنية وقالت بجفاء: جوزيف ما الذي تنتظره تحديداً، ستتقيأ حالاً كل ما أكلته.
عقد جوزيف حاجبيه بتشتت ووقف محاولا إبعاد الطبق عنها ولكنني شهقت رغماً عني عندما دفعت يده بعيداً عنها ولعقت ما تبقى من الطعام، أمسكت بيد كريس دون شعور أرغب في التخفيف من روعي فقال بدوره بغضب: ساعد والدك كيف تقف مكتوف الأيدي هكذا.
قصد رين الذي قال بغضب مماثل: لا تتدخل، أعلم ما على فعله إبقى بعيداً.
ساعد جوزيف بالفعل وأبعدها عن الطبق فلم تقاوم بل زمت شفتيها بقوة دلالة على محاولة كبح رغبتها في التقيؤ إثر امتلاء معدتها أكثر من اللازم. ثم وضعت يدها على بطنها بألم وإشمئزاز قبل ان تقترب جينيفر وتضع السلة أمامها فتقيأت مباشرةَ.
أشعر. بالريبة الشديدة والخوف الذي تجمدت أطرافي بسببه.
ابعدت يدي عن كريس فنظر إلى لثواني، لماذا يحدث كل هذا.
كيف تتصرف بهذه الطريقة لمجرد فشلها في الحصول على ما تريده.
اليس هذا كثير جداً؟ هل يوجد المزيد!
سمعت ستيف يعلق بدهشة: بحق الإله لا يمكن أنها لا تزال تحتفظ بعقلها.
وقف السيد ماكس مقترباً منها، كان جوزيف قلقاً جداً وهو يمرر يده على ظهرها، أما جينيفر فابتعدت وعادت لتجلس وهي تحدق إليها بهدوء.
رمق رين كريس بنظرات حاقدة ثم عاود يوجه إهتمامه إليها، من الصعب الصبر على ما تفعله أوليفيا.
مجرد حديث مستفز من جينيفر أوصلها إلى تلك المرحلة. ما سر هذه العداوة بينهما أساساً!
لا يبدو الأمر وكأن جينيفر حليفة لي فقط بل. وكأنها تكرهها وحليفة لنفسها أولاً!
إنها لطيفة مع الجميع عدى أوليفيا.
هل ما نفعله جميعنا صحيح؟
أقصد.
كلوديا أيضا لا تطيقها، جينيفر وستيف. الجميع ضدها بطريقة مباشرة وصريحة!
هل أنا. أبالغ في التفكير ووصلت إلى حد السذاجة!