قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عذابي الصامت للكاتبة سارة ح ش الفصل الرابع عشر

رواية عذابي الصامت للكاتبة سارة ح ش الفصل الرابع عشر

رواية عذابي الصامت للكاتبة سارة ح ش الفصل الرابع عشر

انبعاث
- لمحة من الماضي -
(علياء).

جلست ارتعش بين يدا امي اخفي وجهي داخل صدرها لعلي ابتعد عن هذا المكان المظلم، لعل اصوات الصراخ التي تنساب لنا من الباب الحديدي الصدأ تختفي، روحي تتعذب، جسدي يؤلمني، رائحة الدماء التي تغطي جسد امي تملأ تجويفي الانفي، جفت دموعي داخل عيناي، تعب صوتي من الصراخ. فاستسلمت من دون مقاومة. شعرت بلمسات امي فوق شعري تملسه بهدوء وتدندن لي اغنية لعلي اهدأ قليلًا وتنساب بعض الطمأنينة لقلبي المليء بالرعب.

سمعت رجلًا ما يصرخ خارج باب زنزانتنا وصوت جسده الرافض للحراك يتم سحبه في الممر، ابتعد الصوت فجأة، لكني لازلت اسمعه، ممزوج مع صوت الكلاب المسعورة التي تنهش من لحمه، اذا فًقد ادخلوه للغرفة رقم 230، انها اسوأ غرفة للتعذيب هنا. حيث يجوعون الكلاب الشرسة لمدة يومان ثم يرمون لهم احد السجناء لتبدأ بخدش لحمه وتشويه جسده ولكنهم لا يسمحون لها بأكله ولكن فقط بتعذيبه. فالموت هو الحرية بالنسبة لنا والتي لن يمنحوها لنا بسهولة ابداً!

صرخت بقوة وتمسكت اكثر بجسد امي المرتعش مثلي. ضمتني اليها بقوة اكبر وكأنها تلتاذ بي ايضاً من الخوف. او كأنها تخاف ان يكون دوري انا التالي من بعد ذلك الرجل، او ربما ذلك الرجل هو ابي الذي اخذوه قبل ساعة ولا نعلم الى اين!

يضعونا ثلاثتنا في غرفة واحدة وبين فترة واخرى يأخذون احدنا ويبقى بعيداً عنا لأيام ليجعلونا نعيش العذاب النفسي والقلق وهم يعذبوه بغرفة اخرى، أتظنون لأني في الخامسة من عمري فلن يعذبوني؟ لا يوجد شيء من هذا القبيل هنا، بل ان الاطفال هم الشيء الاساسي في التعذيب كي يؤذون الاباء اكثر ويجعلونهم يعترفون، تختلف اساليب تعذيبنا بين مرة واخرى. احياناً يضعون قطع من الحديد الساخنة فوق ظهورنا ولا ينزعوها ألا بعد ان تنزع معها بعض اللحم من اجسادنا، بعضنا يموت، واخرون يفقدون الوعي، ولكن هذا ليس النهاية، لا يكتفون بالحرق فقط، احياناً الضرب، واحياناً اغراق رأسنا داخل دلو من الماء ويخرجوه لنتنفس لثواني ويعيدون ادخاله...

دخلنا الى هنا قرابة السبعون طفل ولم يتبقى منا سوى تسعة! انا اراهم بين فترة واخرى في غرفة يجمعونا فيها نحن الاطفال كلنا بعيداً عن اهالينا. ولكن غير مسموح لنا ان نعرف اسماء بعضنا فكل طفل لديه رقم يلصقوه له فوق قميصه وعلينا ان نخاطب كل واحد برقمه!

فجأة فُتح باب زنزانتنا، رفعت ابصاري برعب ولكن امي اعادتني نحو صدرها لتضمني بقوة اكبر وانفاسها ترتفع وتنخفض بجنون وزفيرها يخرج مع ارتجاف وكلما اقتربت الاقدام منا كلما ارتفع صوت بكائها وارتجف جسدها، سيأخذون احدانا!.

تمسكت بها اكثر وصرخت وانا اشعر بأيديهم القاسية تقبض على يدي وتسحبني بعيداً عن امي وكلانا ترفض ذلك وتصرخ بتألم. فجسد كلينا قد تعب من التعذيب ولن يتحمل ضربة اخرى، استطاعوا سحبي فتمسكت بقوة بأطراف ثوبها وانا اصرخ من بين دموعي:
- امي ارجوكِ لا تدعيهم يأخذوني!

تمسكت بيداي بقوة ولكنها لم تستطع ان تنهض بسبب تلك الايادي التي طرحتها ارضاً تمنعها من التمسك بي. سحبوني جبراً عنها واخرجوني وصراخها باسمي يتبعني، لم تحملني قدماي بشكل جيد فكنت اسير خطوة واقع اخرى ليجروني خلفهم وتتخدش ركبتاي من ذلك الاسمنت الخشن، اشعر بروحي تخرج ببطء من جسدي النحيل من شدة خوفي، هم يأخذوني الى المجهول، اما للجلد. او للحرق. او للتخويف، ولكن ظنوني خابت، ولا واحدة من هذه قد حصلت، ادخلوني نحو غرفة خالية لا تحوي سوى سرير ابيض مغطى بالدماء ممددة فوقه طفلة بعمري يخترق يدها انبوب يوصل لها المحلول قاموا بنزعه فور دخولي وحملوا الطفلة بعيداً وهي فاقدة لوعيها وانا اراقبها برعب لا اعلم ما الذي فعلوه لها؟ وهل هي ميتة ام حية؟ التفتت نحوي تلك المرأة ضخمة الجثة ذات النظرات الثاقبة والرداء الطبي الابيض الذي زينته بعض قطرات الدماء واشارت للجندي الذي يمسك يدي بقسوة وقالت بصوتها الخشن:.

- احضرها!

عندها شعرت ان قدماي تصبح هلامية وفمي يجف وشفتاي ترتجف، هل سيقتلونني ام ماذا؟ سحبني الجندي وقدماي ترفضان التحرك فسحبني بقوة اكبر جعل كل جسدي يندفع معه، اوصلني لها فرفعت كرتا عيني الباكية نحو المنضدة الحديدية التي بجوارها وشاهدت الادوات الحادة والحقن المرمية هناك وجميعها بالطبع ملوثة بالدم وقربهم اناء حديدي بداخله كتلة ما لم اعرف ماهي ولكن هي سبب كل هذه الدماء على ما يبدو، لست خبيرة جدا بًهذه الامور ولكن يمكنني معرفة ان هذه الكتلة هي جزء من الجسد البشري. ليس جزءاً ظًاهر بالتأكيد كاليدين والقدمين فكنت سأعرفهم فوراً. ولكنة جزء داخلي لم اعرف ما هو!

صرخت فوراً برعب عندما رفعني الجندي ووضعني على السرير. ورغم انه هو من يؤذيني ولكني ومن دون وعي تمسكت بيافطة ردائه العسكري وهتفت به بصراخ: - ار. ارجوك انا خائفة، ارجوك اخرجني من هنا. ارجوك اعدني نحو امي!
ضرب يداي بعنف وابعدني عنه وخرج من الغرفة تاركاً اياي وحدي مع تلك المرعبة، اخرجت حقنة كبيرة وهي تقول بينما تضرب انبوب الحقنة عدة ضربات بأصبعها كي تخرج منه الهواء: - اهدأي، لن تشعري بشيء.

وادخلت الحقنة داخل يدي ثم وضعت لي جهاز الاوكسجين فوق وجهي وبث لي شيئاً ما مع الهواء جعل رأسي يتثاقل وعيناي تنسدلان من دون ارادة مني، ثم لا شيء. دخلت نحو عالم مظلم، وهادئ! هدوء لم احظى به منذ شهرين. منذ تلك الليلة المرعبة التي اقتحموا فيها نوافذ منزلنا واخذونا انا وابي وامي!.
لا اعلم كم مر من الوقت على ولكني استيقظت على ضربات خفيفة فوق خدي جعلت جسدي يتخلص من بعض خدره...

فتحت عيناي بصعوبة دون ان يمكنني الرؤيا بوضوح، كل ما رأيته هو شكل تلك الطبيبة بطريقة مشوشة وصوتها الذي كان يبدو وكأنه كالصدى قادم من اعماق بعيدة:
- خذها الان.

ثم حملتني يدان واخرجتني من هذه الغرفة ذات الرائحة المقرفة المليئة بالدماء، في الحقيقة رائحة الدماء هي الرائحة المميزة والوحيدة التي تستنشقها انوفنا في هذا المكان القذر. وضعني داخل غرفة اخرى استطعت رؤيا سقفها قبل ان افقد وعي مرة اخرى فأدركت انها ليست الغرفة ذاتها التي يحتجزون
امي بها!

مرت على ساعات اخرى وانا اغط بنوم عميق واخيراً ايقظني ألم بطني الذي لم اعد احتمله. شعرت وكأنهم وضعوا لي فيها كتلة من النار، هناك الم فظيع لم اشعر به سابقاً. فتحت عيناي بتأوه فشعرت بلمسة لطيفة فوق شعري. ارجعت رأسي للخلف فرأيت شكلًا مميز اعرفه لصبي اعتدت على رؤيته كلما احتجزونا نحن الاطفال معاً. تبسم اول ما التقت ابصارنا وقال لي بهمس وكأنه يخاف ان يسمعونا:
- أأنتِ بخير يا صغيرة؟.

اومأت برأسي ب لا وتقوست شفتاي للأسفل وشرعت ببكاء طفولي، فكل ما املكه الان من الاطفال هو بكائهم وكل شيء اخر قد سلبوه مني! ضحكتي. لعبي. براءتي. حياتي. لم يكن للون الزهري وجود في حياتي القصيرة التي عشتها وكل ما اعرفه هو اللون الاسود الذي يغطي جدران سجونهم والاحمر الذي يغطي اجساد سجنائهم!.

اغمضت عيناي بقوة والمي يزداد وذلك الصبي مستمر بالمسح على رأسي برفق. فنحن في السجن كعائلة واحدة احدنا يعتني بالأخر. فليس لدينا من يعتني بنا!
قال لي وهو يرفع رأسي ويضعه في حجره:
- قولي لي. ما الذي يؤلمك يا صغيرة؟
اشرت نحو بطني دون ان املك القدرة على الحديث من الالم فتنهد بحسرة واشار نحو احدى الزوايا وهو يقول:
- هي ايضاً كانت تبكي من بطنها، ولكنها فجأة نامت قبل قليل!

التفت حيث اشار وتوسعت عيناي بتفاجئ. شاهدت ذلك الجسد الضئيل الذي شاهدته ممداً قبلي على السرير هناك، انا لم ارى وجهها ولكني رأيت شعرها وملابسها لذلك عرفتها فوراً، كانت تصغرنا تقريباً بعام واحد او اقل. اه يا اللهي، اظن ان منظرها سينسيني المي وابدأ بالبكاء عليها، كانت تتكوم في احدى الزوايا جفت الدموع فوق خدها المليء بالخدوش وتضم ركبتيها الى صدرها وشفتاها لا تزالان مقوستان للأسفل رغم نومها، او هذا ما ظنناه! فكلانا كنا مجرد اطفال. ولا نعرف الفرق بين النائم، والميت!

اجلسني ذلك الصبي بصعوبة وجعلني اتكأ على الجدار واحضر بعض الماء من اجلي ورواني اياه ليخف ظمأي ثم اخرج من جيبه قطعة حلوى وهو يمدها باتجاهي ويقول هامساً:
- قد لا تسكن الحلوى آلامك ولكنها ستنشط روحكِ بالتأكيد!
نظرت له بدهشة غير مصدقة ما اراه بين يديه، حلوى؟ في هذا المكان؟ بالنسبة لنا انها كإيجاد الماء وسط الصحراء القاحلة، قلت له بعدم تصديق: - من اين عساك تحصل على الحلوى هنا؟

- بالطبع ليس من هنا، كنت قد اشتريتها قبل احضاري ونسيتها في جيبي والأمس بالصدفة قد وجدتها.
- لو كنت مكانك لأكلتها فور ايجادي لها خشية ان يسلبوها مني!
- نعم. ولكن لا اعلم لماذا لم افعل. ربما القدر ارادها لكِ. لذلك كليها هيا.

نسيت ألم بطني فوراً وسحبت الحلوى من بين يديه وانا اشعر بفرحة عارمة لم اشعر بمثلها مسبقاً. قمت بقسمها الى نصفين كي نتشاركها. نأكلها ونتخيل انفسنا جالسين وسط حديقة تحوطنا ضحكات الاطفال. نتخيل ان نعش كما يعش من هم في عمرنا في العالم الخارجي اصحاب الدم النقي، نحاول ان نتجاهل تلك الجدران المتسخة التي تحيطنا والارضية العفنة المليئة بالحشرات، ان نتناسى ولو للحظات تلك الحياة الملوثة مثل دمائنا، نظرت لذلك الصبي بامتنان وانا اشعر ببعض الطمأنينة بجانبه كتلك التي اشعر بها بجوار امي رغم معرفتي انهم ان ارادوا اخذي للتعذيب فلن يستطيع احداً منعهم، وبالطبع هذا الصبي لم يكن سوى الرقم 607، فؤاد!.

- الحاضر-.

وقفت عند النهر احدق في انعكاس الشمس ولمعانها الساحر، صدري يحتاج لبعض السحر من الطبيعة كي تهدأ براكينه المتفجرة! يوم بعد يوم يمضي علي، دقيقة بعد دقيقة تقربني من مصيري الاسود، ما خططناه لسنين سيتم تنفيذه بعد وقت قصير فحسب، سأبتعد، سأرحل. تاركة خلفي دموع تذرف لفراقي. أهات تلومني عند قبري، ولكني على الاقل لن اترك طفلة من بعدي، صغيرة ستعاني من الصدمة، يلقبها الناس بصاحبة الدم الملوث، وافراد اسرتها يضربوها وينعتوها.

بالخرساء او غريبة الاطوار، لم يسألها احد ما الذي فعلوه لكِ؟ . كيف أذوكِ؟ . لا بأس. كل شيء سيكون على ما يرام! ...

جعلوني اعيش في سجن ثاني. ولكنه نظيف ومرتب. استيقظ على رفسات اقدامهم فوق باب غرفتي بدل ان استيقظ عليها فوق جسدي! انام على وسادة من الريش بدل ان اضع يدي فوق الاسمنت البارد لتحمي وجهي من خشونته! يضربوني. ولكني لا اشعر بضربهم. فكيف سأقارن صفعة خد خفيفة مع حديدة حارة؟ لذلك لم ابالي كثيراً بضرباتهم، عدا ذاك الحرف الذي نقشوه فوق يدي، لم اغضب منهم. ولكنهم جعلوني اتذكر مالم انساه يوماً. اشعر بما احسست به بطفولتي، فتحو ابواب الماضي على مصراعيه في عقلي، عذبو روحي اكثر مما عذبو جسدي! نعم سامحتهم. ولكني لم انسى، ولا اريد ان انسى، فكلما وضعت رأسي فوق وسادتي ألوم نفسي لأني تورطت بكل هذا وانضمامي لعادل، ولكني ارفع يدي فوراً واشاهد ذلك الحرف المنقوش لأتذكر لما فعلت انا كل ذلك، فحتى اسرتي تراني صاحبة دم ملوث مثلما يراني مجتمعي، سأبقى طوال حياتي غريبة عنهم وعن دمهم النقي، لذلك لا مكان لي بينهم. لا في اسرتي ولا في مجتمعي، انا صاحبة دم ملوث لذلك سأتصرف على هذا الاساس. هم عاقبوني على ذنب ارتكبه غيري، وانا سأعاقبهم عما فعلوه بي وبغيري! لذلك. ومن ذلك اليوم، انا قررت الانضمام لعادل!

ولكن قلبي يؤلمني الان. وعاد الخوف والتردد يدب في اوصالي، عمتي سمية. عمي كمال. جدي، ويوسف!

هل سأتمكن من مفارقتهم والابتعاد عنهم؟، فأنا سعيدة الان. نعم ذكرياتي تؤلمني ولا اتمكن من نسيانها. نعم لا ازال ارتعب كلما شاهدت نافذة مفتوحة ليلًا، ونعم لاتزال اثار التعذيب تملأ جسدي. ولكن لابأس، سأتجاهل كل هذا بجانب يوسف. ألم افعل ذلك في الماضي عندما كان يعيش معي وبقربي؟ لما على ان اجعلهم يشعرون بما شعرت به انا؟، وذلك السجن، انا لا يمكنني، انا خائفة من العودة اليه!

لاتزال صرخات السجناء تدوي في عقلي. لايزال نباح الكلاب يسبب لي الكوابيس، لايزال منظر ابي وامي معلقين في حبال المقصلة يرفسان بأقدامهم ويلفظان انفاسهم الاخيرة مرسوم في عقلي. اخشى ان تكون النهاية مثل هذه. فماذا لو لم يحصل كما خططنا؟.
- في اي مكان شارد ذهن انستي؟
التفتت فورا نًحو صوت فؤاد من خلفي فمسح على شعري برفق وهو يقول:
- ما بالها عيونكِ ذابلة؟
فأشرت له:
- (انا افكر. )
- بماذا؟

حدقت داخل عيناه مترددة في جملتي التالية فحثني على المواصلة مع ابتسامة دافئة تعلو ثغره. فأشرت له ببطء:
- (بالتراجع، )
بدأت الابتسامة تختفي تدريجياً عن ثغره وكلما اختفت كلما ازداد وجهه انقباضاً واتحد حاجبيه، ركز داخل عيناي باستياء وقال بنبرة جافة:
- هل انت جادة فيما تقوليه؟
سقطت بعض الدموع من بين جفوني وانا اشير بانفعال في محاولة فاشلة مني لأقناعه. فأنا ذاتاً لًم اقتنع تماماً:.

- (دعنا نترك كل شيء خلفنا يا فؤاد. دعنا ننسى ونعش كما يعش بقية الناس)
فجأة انتفض وامسكني من كتفاي بقوة وهزني بعنف وكأنه يحاول ارجاعي لوعي بينما يقول بغضب:
- لا يمكننا ذلك. أتعلمين لماذا؟ لأن لا احد سيسمح لنا بالنسيان يا علياء. لا احد!
ثم امسك بكف يدي المحروق ورفعه امام
وجهي واكمل صياحه:
- وهذا اقوى دليل عما اقوله!.
احاط وجهي الباكي بين يديه وقال لي بنبرة عطوفة بعض الشيء وهو يشاركني بكائي:.

- ولا حتى نحن سنسمح لأنفسنا ان ننسى يا علياء، ما عشناه داخل ذلك السجن ليس شيئاً باستطاعة سعادة او حياة جديدة ان تنسينا اياه، ابي. امي. اخوتي. ووالديكِ. تلك الايام لن تتركنا وشأننا. صراخهم لن يخرج من رؤوسنا، عذابهم لن يبتعد عن اجسادنا، واينما ذهبنا فسنبقى اصحاب الدم الملوث صغيرتي، أهذه هي الحياة التي تريديها؟ أهذه هي الحياة التي طلب منكِ ابيكِ ان تعيشيها؟، هل ستتركين ما حصل لهما وما حصل لكِ جانباً وتمضين بحياتكِ؟

لم اعلق بشيء واكتفيت ببكاء مرير ونظرات مرعوبة وكأنه اعادني جسداً وعقلاً نحو ذلك السجن وليس تخيلًا فحسب من ذكريات غابرة! ابعد يديه عن وجهي وعاد خطوة للوراء وحدق بنظرة باردة في بطني ثم اعاد ابصاره نحو عيناي وقال لي بهدوء وبنبرة ذات معنى:
- هل يعلم؟
رفعت رأسي اليه دفعة واحدة فأكمل بنفس البرود:
- وان عرف. هل سيتقبل الامر ببساطة من دون اي اعتراض او ندم؟

أحطت بطني فوراً بيداي وتقوست شفتاي ببؤس للأسفل وانا اشيح بأنظاري عنه اتجاه النهر واجهش ببكاء اقوى. فأكمل فؤاد بنبرة ساخرة:
- بل. وهل يعلم اي احد من اسرتك بهذا الامر؟
وعندما لم يحظى بإجابة مني تقدم تلك الخطوة التي ابتعدها ووضع اصبعه فوق ذقني وادار وجهي نحوه لتلتقي عيوننا الباكية مجدداً وهو يقول لي بهمس:.

- لا، يمكنني ان اجزم انكِ لم تخبري اي احد ولا حتى السيدة سمية، فانت لم تبوحي بأي شيء حصل في السجن لأي احد، انت كتمته في صدركِ، فلن يشفي غليلك الكلام، وقررت ان تخمدي براكينك بهذه الطريقة، كلانا يعلم يا علياء انه لا توجد طريقة اخرى لنرتاح بها، لذلك، فات الاوان على التراجع الان...
عند هذه النقطة اشرت له بضعف:
- (ولكني خائفة من العودة الى هناك يا فؤاد، خائفة جداً. ).

اشفق على حالي وبكائي فسحبني نحوه ليضمني بين ذراعيه بقوة وهو يمسح على شعري برفق ويقول:
- اعلم انكِ كذلك صغيرتي. فأنا ذاتاً مرعوب من العودة الى هناك، ولكن ان كنا حذرين فلن يحصل شيء. لذلك لا تقلقي يا صغيرة. كل شيء سيكون على ما يرام!

اغمضت عيناي وانا ادفن وجهي اكثر داخل صدره اريد ان اشعر ببعض الامان، ولكن كلانا يعلم ان هذا لن يحصل، وكلانا يعلم ان كل شيء لن يكون على ما يرام، ولكننا نحتاج حقن المهدئات هذه لنستمر بالتنفس. ليوم اضافي فقط!

عدت نحو المنزل بعد ان هدأت قليلًا وانا اشعر بالضياع بالفعل. احس ان كل شيء بدء يسُلب مني ببطء. وكأن القدر يرفض ان ابتسم. يرفض ان انسى، كل شيء يهبني اياه فأنه يهبه باللون الاسود، كلما شعرت ان قدماي وطأت حدود السعادة كلما هبت عاصفة من المجهول ابعدتني كل البعد عن الراحة!.

دخلت الى المنزل ورأيت العمة سمية تجلس في الصالة وبجانبها كمال يقومان بالتحدث حول شيء ما، يا اللهي! رؤيتهما بحد ذاتها تجعلني اشعر بالدفء والاطمئنان. اتنمى من الرب ان يهبهما السعادة والراحة ذاتها التي منحوها لي!

اقتربت من الاريكة التي يجلسان عليها وحشرت نفسي وسطهما وانا اضع رأسي فوق صدر عمتي واحيط خصرها بيداي ليغزوني ذلك الشعور المميز وانا استمع لدقات قلبها وانفاسها المنتظمة وكأن هناك عالم ثاني داخل صدرها، عالم يأخذني لدنيا العجائب! احاطت جسدي بدورها بيديها وانا اشعر بلمسات عمي كمال اللطيفة فوق شعري، انا الان بالفعل بين والداي!
- هل تهيأت من اجل حفلة الغد صغيرتي؟

فتحت عيناي ببطء وانا احدق بنقطة وهمية امامي ثم اومأت برأسي بهدوء وانا اتخيل وانتظر الغد بفارغ الصبر، فحفلة الغد.

ستقام في المنزل الذي في المدينة، المنزل حيث يسكن يوسف، هذا جيد، ستكون لي فرصة كي اراه، ربما ستكون المرة الاخيرة. وربما سيرأف القدر بحالي ولا يجعله لقائنا الاخير، ولكن ما اعرفه ان حفلة الغد ستكون مميزة. مميزة جدا! وقد اصررت على جدي بشدة ان احضرها. انهم يقيموها بمناسبة صفقة ضخمة عقدوها مع شركة اخرى وهم يحتفلون مع اعضاء.

الشركة الاخرى وبعض المدعوين المميزين بهذه المناسبة. رفض جدي بادئ الامر فكرة ذهابي بشدة ولقائي بباقي افراد العائلة والتي لانعرف كيف ستكون ردة فعلهم عند رؤيتي وكيف سيكون لقائهم. ولكني بالطبع توسلت بعمتي وعمي كمال من اجل اقناعه ورغم انهما لم يقتنعا بفكرة ذهابي اساساً ولكنهما رأفا بحالي وبحال توسلاتي ورغبتي الشديدة في الذهاب لذلك قاما بأقناعه ورأوا انه لا ضرر ان التقي بالأخرين لساعات قليلة، ولأصدقكم القول لست مهتمة كثيراً بالأخرين، فليذهبوا للجحيم هم وافكارهم وتقاليدهم السخيفة!

مر على اليوم ببطء شديد متلهفة لليوم التالي ولكن بنفس الوقت متوترة ومرتبكة. لم استطع ان انام ليلتي تلك واصابني الارق. تجولت بالغرفة ذهاباً واياباً احاول ان انظم انفاسي واهدأ من قلقي.
لا تخيبي ظني بكِ.

صدح صوت ابي في رأسي من ذكرى غابرة من ماضينا الاليم في داخل تلك السجون الوحشية، اغمضت عيناي بقوة وحوطت رأسي بيداي وكأني امنع بقية الذكريات من ان تطفو للسطح، سقطت دموعي من دون ارادة مني واسقطتني معها فوق الارض لأكمل بكائي هناك كطفلة في الخامسة، فبداخلي لاتزال هناك تلك الطفلة المرعوبة التي تتخفى في الزوايا وتبكي سراً. تبكي دون ان يسمعها احد. دون ان يرو دموعها. دون ان تلفحهم النيران التي تحرق روحها!.

حل مساء اليوم التالي واخيراً، وقفت امام مرآة غرفتي بعد ان ارتديت الفستان الذي سأذهب فيه للحفلة، وبالطبع لم اختر فستان من دون اكمام او يكشف عن ظهري. فلا اريد من احد ان يرى تلك الندوب المرعبة التي تملأ جسدي!.

هذه الحفلة مختلفة، لذلك سأبدو مختلفة ايضاً. الجميع يقول اني اشبه والدتي كثيراً. امتلك عيناها. استدارة وجهها. بياض بشرتها، استقامة انفها. ولكننا نختلف في طول شعرنا فأمي كانت تفضله قصير دائماً وانا افضله طويل، ولكني اخبرتكم، هذه الحفلة ستكون مختلفة!.

وضعت صورة لأمي امامي كي اتقن ما افعله، سحبت المقص من الدرج وركزت في طول شعرها داخل الصورة ثم رفعت بصري نحو انعكاس صورتي في المرآة، اخذت نفساً عميقاً وانا احدق بشعري بعمق، انا لا اريد فعل ذلك، ولكن ليس كل شيء لا اريد فعله مسموح لي بعدم فعله، فهناك اشياء انا مضطرة. بل يجب. ان افعلها. حتى وان كنت كارهة للأمر!

رفعت المقص نحو شعري وامسكته من جانب كتفاي تماماً وبدأت بقصه، طوال حياتي لم اضع المقص على شعري فأن اعشق الشعر الطويل. اعشقه بجنون، لأن يوسف كان يحب شعري الطويل ولطالما كان يبدي اعجابه بطوله ولونه الذي كسواد الليل!
واليوم اشاهد خصلات شعري العزيزة تتساقط من حولي وانا انظر ببرود اليها، وعدم مبالاة! خمس دقائق او اقل حتى اصبح طول شعري مثل طول شعر والدتي بالضبط. بالكاد يلامس كتفاي!.

عدت لأحدق بصورة امي، كانت تفضل الكحل الكثيف واحمر شفاه وردي. وهذا ما وضعته على وجهي الان، تترك شعرها مفتوح دائماً مع سحب خصلتين من الجوانب لتربطهما معاً خلف رأسها مع مشبك فضي، تماماً كالذي اربط به تلك الخصلتين انا الان، اليوم انا بالفعل اشبه سلوى، بل اصبحت نسخة مطابقة تماماً منها مع اختلاف بسيط!.

لم اغير لون شعري لأجعله يشبه لون شعرها. فلون شعري هو الشيء الوحيد الذي ورثته من ابي، ولن اغير اي شيء ورثته من ابي، فأنا افتخر كوني ابنته ولا يهمني تلك السخافات التي يقولونها عنه!
سمعت صوت عمتي يناديني من الاسفل تحثني على الاستعجال فجميعهم ينتظروني. وضعت اللمسات الاخيرة على مظهري وسحبت حقيبتي الفضية وخرجت مسرعة...

كانا ثلاثتهم، جدي وعمتي وعمي كمال، يقفون عند بداية السلم يخوضون حديث ما ولكنهم انتبهوا لنزولي من صوت كعب حذائي الذي يضرب المرمر من تحته. التفتوا إلى التفاتة عابرة بادئ الامر ولكنهم سرعان ما قطعوا حديثهم وفتحوا عيونهم بصدمة وهم يحدقون بي، بل يحدقون بسلوى قد انبعثت من الماضي، كنت اشبهها تماماً!

كتمت عمتي شهقة خرجت لا ارادياً من فمها بكف يدها وتساقطت دمعتين ضعيفتين متهيأة دائماً عند ابواب جفنيها تذرفهما لأبسط المواقف وأسواها، قلبت بصري فيما بينهم وانا اقف اعلى السلم انزل منه بخطوات ثابتة. وواثقة! فاليوم علياء جديدة قد ولدت للحياة!
احسست بيدا جدي ترتجف فوق عكازه وفكه السفلي يرتجف سيشرع ببكاء مشابه لعمتي وهو يرى صورة ابنته المقتولة تعود للحياة. وصلت اليهم وتبسمت بهدوء وانا اشير:
- (أنذهب؟! ).

بادلتني عمتي ابتسامتي بواحدة مرتجفة وتقدمت نحوي خطوة ورفعت يدها لتضعها على خدي برفق وهي تجيبني بلطف ونبرة تحمل خلفها غصة:
- اجل صغيرتي، لنذهب.
ثم لم تتحمل اكثر فسحبتني اليها وضمتني اليها بقوة لتهمس لي قائلة:
- يا اللهي! انت تشبهينها تماماً يا حبيبتي الصغيرة...

رفعت يدي لأضعها فوق ظهرها وابادلها عانقها، سامحيني يا عمتي، اعلم كم تتأذين الان، واعلم كم قتلكِ فراق امي، ولكنك ستعانين من فراق جديد قريباً. فراق لن تلتئم جروحكِ منه بسهولة، فأنا لن اترك لكِ طفلة لتذكركِ بي وتواسي الآمكِ! انا سأتركك وحيدة، اتمنى ان تغفري لي. اتمنى ان تنسي. اتمنى تتحملي، واتمنى لو كان بيدي شيء اخر لأفعله غير التمني!

قاد عمي كمال السيارة باتجاه طريق المدينة، طريق اسير فيه للمرة الثانية في حياتي، اول مرة كانت قبل 17 عاماً عندما احضرني جدي من مركز الرعاية لمنزل المزرعة!.

حدقت من النافذة بتلك النجوم اللامعة في السماء. في ذلك القمر الذي يبادلني تحديقي، بتلك السماء التي تحوي على عرش ربي الذي اتوسله ان يمدني ببعض القوة والشجاعة، ان يوقف جسدي عن هذا الارتجاف، ان يرحم روحي ان اخذها لجواره يوماً! اشياء كثيرة اريدها، تاريخ طويل ارغب بمحيه، مستقبل مرعب ارغب بإيقافه، ولكن تمني المستحيل هو من صفات الانسان المعتادة! فالقدر لن يغير مجراه ألا بمعجزة، ونحن في زمن قد بدأ يخلو من المعجزات! لن ينفلق البحر من اجلي كي ينقذني من الموت الذي يتبعني، ولن ينزل قربان من السماء كي تسيل دمائه بدل دمائي. لست نقية كي يحصل هذا معي، فأنا صاحبة الدماء الملوثة...

ساعة او اقل من ذلك حتى وصلنا قصر المدينة، كان غاية في الروعة، ولكن يبقى قصر المزرعة اجمل بالنسبة لي. لا احب المدينة وضوضائها، دخلت السيارة في الممر الحجري الطويل ووقفت امام باب المنزل الداخلي والذي كان مفتوح من اجل استقبال الضيوف، نزلت من السيارة وانا اتجول بنظري في الارجاء، بدأت اتخيل يوسف في كل ركن من اركانه، هنا يجلس. هنا يسير، هنا يقف. لمسة جدي الخفيفة فوق يدي جعلتني انتبه من شرودي لألتفت اليه فتبسم لي وهو يثني يده ويقول:.

- أندخل؟

تبسمت وانا اتأبط ذراعه ونصعد المدرجات العريضة التي يقبع الباب في نهايتها ليقودنا الى داخل القصر، مع كل خطوة اخطوها. ومع كل سلمة اصعدها اشعر بأنفاسي تضيق اكثر ومعدتي تتقلص بشدة ولكني حاولت بشدة ان ادعي التماسك والثبات امامهم، دخلت من نور الخارج الخافت لنور الداخل المشع، رأيت فساتين بألوان كثيرة ورجال بألوان موحدة، تسارعت انفاسي وانا احرك عيناي بثبات على كل واحد فيهم، بعضهم عرفتهم واغلبهم لم اميزهم جيداً. وواحداً اريد رؤيته!

(سامي)
كنت اقف مع يوسف نتبادل اطراف الحديث ولاحظته شديد التعلق بساعته هذا اليوم. بين لحظة واخرى يرمق الوقت بقلق ثم يدير بصره نحو باب الدخول وبعض التوتر بادي عليه. واخيراً ضقت ذرعاً فقلت له بملل:
- يوسف لقد اقلقتني معك يا رجل، هلا وقفت بثبات لمدة خمس دقائق متواصلة من دون ان تنظر نحو الباب والساعة؟ لقد قال جدي انهم سيحضرون في الثامنة. ولم تصبح الثامنة بعد. فتوقف عن هذا التوتر فقد وترتني معك.

في الحقيقة انا من الاساس متوتر بسبب تلك المعتوهة ديما وفستانها الغبي مثلها! حذرتها مئة مرة ان لا ترتدي اي شيء يعلو عن ركبتيها ولكن ومنذ شجارنا الاخير وهي تصر على معاندة كل اوامري كي تجبرني بهذه الطريقة ان اتحدث اليها. فأنا منذ عشرة ايام لم اتبادل معها كلمة واحدة واتعمد تجاهلها ولا انظر اليها ألا خلسة. لذلك بدأت تتبع معي هذه الاساليب السخيفة، وصدقوني هي بدأت تنجح في جعلي افقد اعصابي وربما سأصاب بالجنون في يوم ما وانفجر بوجهها لأتشاجر معها فوراً، فمنذ ان بدأت بتجاهلها بدأت هي باستفزازي، مثل ان تطيل مزاحها مع حمزة امامي. ورغم اني احترق من الداخل ألا اني كنت ادعي البرود وعدم المبالاة من الخارج، لذلك اتجهت للخطوة الثانية، الملابس! أتعلمون ما اول شيء ارتدته؟ ذلك الفستان الزهري الذي اخذته جبراً منها، لا اعرف كيف وجدت واحد اخر مشابه له تماماً! وانا الان احاول قدر المستطاع تجاهلها ولكني حقاً بدأت افقد اعصابي، فهي في هذه اللحظة تلبس القصير وتمزح مع حمزة، اكثر شيئين مستفزين تفعلهما الان معاً! والان اخيها المستفز الاخر يوترني فوق توتري، ربما سأقتلهما معا لًأرتاح، اسرة مستفزة بالفعل!

- انها الثامنة وخمس دقائق، لقد تأخروا!
زفرت بضيق وانا استمع لكلام يوسف ونظرت له بحدة فقال فوراً:
- حسناً حسناً، سأصمت!
وصمت بالفعل، وتاه، وذهب لعوالم اخرى اعرفها جيداً. عوالم كنت ادخلها وانا احدق بديما. نظرت حيث ينظر فرأيت جدي وبصحبته، عمتي سلوى؟

يا اللهي. لولا شعرها الاسود لأقسمت انها العمة سلوى، علياء تشبهها بالفعل، بل وحتى تسريحة الشعر ذاتها. والعيون ذاتها. وبنية الجسد ذاتها. واستدارة الوجه ذاتها، انها بالفعل نسخة مطابقة منها لاسيما مع هيئتها هذه!

انفرجت ملامح يوسف فجأة وتوجه من فوره حيث يقفان وتبعته انا، ولأول مرة اتردد وارتبك بهذا الشكل، اخر مرة رأيت فيها علياء كانت لاتزال تعاني من ذلك الحرق الذي في يدها، ذلك الحرق الذي تسبب في فراقها عن يوسف. أتراها سامحتني كما فعل يوسف؟ ام ستنظر إلى بنظرات الغضب واللوم. وخيبة الامل؟

سار يوسف بلهفة اتجاهها وهي تنظر اليه بذات اللهفة والابتسامة وابصارهما متعانقة ترفضان ان تزاح عن بعضهما الاخر، كم هو رائع حبهما! لم يعترف احدهما للأخر بمشاعره ولكن كل واحد فيهما يعرف ان الاخر يحبه ومن الاستحالة ان يكون لغيره، ولا يعش بقلق مثلي. فأن ضحكت ديما مع احدهم ابقى اتقلب طوال الليل في فراشي اعاني من الارق ومئات التخمينات تغزو عقلي، هل تحبه؟ معجبة به؟ هل تراه لطيف؟ هل سيجذبها بحديثه؟ وهل وجدته شاب مثالي؟ اكاد انفجر من غيرتي الحارقة واود لو اقوم من فوري اليها لأعترف لها بحبي وامنعها من الحديث مع غيري. ولكني لا اجرؤ. ليتني مثل يوسف لا اتردد في ان ابين لها انها سيدة عالمي الوحيدة، وليتها مثل علياء تفهم ذلك من دون ان اقوله!.

وصلنا نحوهم وبالكاد استطاع يوسف انتزاع عينيه من عينيها وحولهما باتجاه جدي ليصافحه ويرحب به ثم عاد بأبصاره اليها وهو يمد يده اليها ويقول بدفء:
- مرحباً بكِ هنا، سعيد حقاً انكِ اتيتِ!

تبسمت بخجل وهي تصافحه ولم يبدو انها انتبهت على وجودي من الاساس بوجود يوسف الذي لم تبعد بصرها عنه للحظة، ما ان اكملت مصافحة جدي حتى امسكني يوسف من يدي وسحبني باتجاهه اكثر ليقربني من علياء فأنا قد اخبرته مسبقاً اني قلق بشأن لقائي بها ورغم انه اخبرني انها طيبة القلب جداً ومن المستحيل انها لاتزال غاضبة بسبب ما حصل ألا اني بقيت قلقاً. قال لها يوسف وهو يضع يده فوق كتفي:.

- هذا سامي المزعج. بالتأكيد تذكرينه.
اختفى جزء من ابتسامتها وهي تنقل بصرها نحوي ولكنها سرعان ما عادت لترسمها مجددا فًوق وجهها وهي تمد يدها بلطف إلى وتومئ برأسها مرحبة فتبسمت بارتياح وانا اصافحها واقول:
- مرحباً بكِ علياء...

وانزلت ابصاري بشكل لا ارادي نحو يدها التي حرقتها ورأيت ذلك الحرف المشؤوم لايزال يستكين داخل راحة يدها، يا اللهي! انها ترفض الى الان اجراء عملية تجميل له. وكأنها تريد تذكير نفسها وتذكرينا بما حصل دائما دًون ان ننسى! ثلاث ثواني لا اكثر حتى شعرت بقرصة يوسف فوق كتفي وهذا انذار بترك يدها، بل من الجيد انه سمح لي من الاساس بمصافحتها!

في اسرة ياسين ان احب احداهم احداً ما فأنهم يعشقوه بجنون ولا يوجد اي مجال للعقل فيه، واظن اني ويوسف والعمة سلوى ابسط الامثلة في العشق داخل اسرة ياسين! وفجأة سمعنا اعذب صوت على اذناي، ديما!
- يا إلهي! علياء؟

وما ان التفتت علياء نحو مصدر الصوت مثلي حتى ارتمت عليها ديما لتعانقها بقوة، كم انت محظوظة يا علياء! بادلتها علياء عناق اقوى فهي كانت صديقتها الوحيدة في الماضي من بين باقي الفتيات. استمر عناقهن لبعض ثواني قبل ان يسحبها حمزة من بين ذراعي علياء ليقول:
- اتركِ الدور لغيركِ يا مزعجة.

ثم فتح يديه ممازحا لًيغيظ يوسف وتقدم من علياء يدعي انه سيعانقها. فالجميع هنا يعرفون ان يوسف يحب علياء، ما ان تقدم خطوة حتى سحبه يوسف من سترته من الخلف وارجعه بجانبنا وهو يقول:
- الى اين يا ظريف؟
فنظر نحوه حمزة مدعياً البراءة وهو يقول:
- ماذا؟ انا اريد ان القي التحية على علياء!
- القيها بفمك وليس بيديك.
فأدعى الفهم وهو يقول:
- اهااا نسيت.
ثم نظر نحو علياء وقال بابتسامة عريضة:.

- تعالي لأقبل جبينك يا صغيرتي!
فانفجرتا هي وديما بالضحك بينما حصل حمزة على ضربة فوق رأسه من يوسف وهو يدفعه بعيداً عنها، يستحق هذا! واخيراً وجدت من ينتقم لي من حمزة! ثواني من الضحك اللطيف حتى اخترقنا صوت العمة سمية العطوف وهي تقول:
- انظروا الى كل هؤلاء الوسيمين!

وبالطبع ديما اول من ارتمت عليها لتعانقها ايضاً. ربما على ان اسافر لمدة سنة كي احصل على مثل هذا العناق! قالت العمة سمية بينما تقرص ديما بلطف من خدها:
- يا اللهي! ما كل هذا الجمال يا فتاة؟ لابد ان شباب الجامعة سيجن جنونهم بكِ!.
ماذا؟ عمتي انت، حسناً. عليك شكر الرب انك عمتي. لن اعلق بشيء اخر!
التفت عمتي نحوي وهي تقول بابتسامة:.

- سامي! يا اللهي، انظر كم انت طويل وجميل، ربما عليكم ان تصبحوا عارضي ازياء افضل لكم.
تبسمت وانا اضمها الي، فالعمة سمية هي المفضلة بالنسبة لنا جميعاً من دون عماتي البقية، ثواني من المعانقة حتى اخترقنا صوت حمزة المزعج مجدداً!
- لماذا انا احصل على العناق النهائي دائماً؟
تركتني مبتسمة وهي تلفت اليه وتقول بينما تعانقه:
- اه حمزة! لازلت طفلًا كما انت.

حسنا. هذا يكفي، دعونا من هذه اللحظات العاطفية المليئة بالتحيات والاشواق، جدي. ثم علياء. وبعدها عمتي سمية. واخيراً العم كمال، دعونا نترك العالم الوردي الذي يحوطنا الان لننتقل للعالم الجاد الذي اكتنفنا ما ان حضر العم حسام وزوجته ندى والعمة سوسن من اجل القاء التحية...

بالطبع جفل الثلاثة بادئ الامر وهم يحدقون بعلياء التي كانت تبدو كسلوى تماماً. عم الصمت على المكان لثواني لم ينطق احدهم فيها بكلمة. علياء تلقائياً كانت خرساء. ولكن على ما يبدو ان الاخرين قد اصيبوا بالخرس الان ايضاً! نظرت نحو علياء فلم اجدها تنظر الى العم حسام وزوجته كما كانت تنظر الينا او حتى كما كانت تنظر الي، فعلمت في تلك اللحظة انها قد سامحتني بالفعل. فهي لم تنظر إلى كنظرتها اليهم الان. تنظر اليهم ببرود، بخيبة امل. بحزن يخفي خلفه غضب، العم حسام كان اول من تلقت منه الصفعة بادئ دخولها للمنزل. والخالة ندى كانت تتقمص فرص بقاء علياء بمفردها لتضربها او تشتمها، والعمة سوسن رغم انها لم تؤذيها ولكنها تجاهلتها ولم تتصرف معها كما لو كانت ابنة اختها المتوفاة، ولكن اليوم تغيرت العمة سوسن، في الماضي كانت تنظر اليها على انها ابنة مازن فقط. ولكن اليوم ادركت ان علياء ابنة سلوى بالفعل، ابنتهم المدللة التي اغتالها الموت قبل اوانها! ومن دون ان يتوقع الجميع وجدنا العمة سوسن ذات الشخصية القوية والصلبة تنهار ببكاء صامت وهي تكتم شهيقها بيدها، تجاهلت الكل واتجهت نحو علياء قبل حتى ان تلقي التحية على جدي او على العم سمية وضمت علياء اليها بقوة وتمتمت من دون وعي:.

- سلوى!
وهنا كان دور العمة سمية لتنضم اليها ببكاء كان على ما يبدو انها تكتمه، وفجأة صدح ذلك الصوت المزعج يرد على تعليق العمة سوسن:
- بل مازن!
الجميع نظر باحتقار نحو ما نطقه العم حسام وزوجته التي تنظر ببغض نحو علياء وقبل ان يعلق جدي على كلامه الذي اثار غضبه انضم الينا صوت اخر:
- بل مازن وسلوى، فكلاهما انجبا هذا المخلوق الرائع.

التفتنا جميعنا بدهشة نحو عمي خالد(والد يوسف) الذي تقدم نحونا برفقة زوجته العمة منى. تقدم العم خالد بابتسامة لطيفة ليقف وسطنا ويرمق العم حسام بنظرة حادة رغم الابتسامة التي تزين ثغره:
- دعونا ننسى الماضي لو سمحتم، يكفي ما حصل!

بدأ باقي افراد العائلة يتقدمون احدهم تلو الاخر ليلقوا التحية ويرحبون بعلياء بيننا وبدأت شيئاً فشيئاً تنقشع هالة الغضب التي سببها العم حسام لعلياء والذي انسحب هو وزوجته بعد فترة قصيرة...

مرت دقائق اخرى علينا نتبادل الحديث والضحكات مع بعضنا وفجأة رفعت بصري بشكل لا ارادي نحو ديما فوجدتها تنظر الي. نظرة ابعدتها فور ما عانقتها انظاري، ولكن لم ابعد نظري، انا مشتاق لرؤيتها. مشتاق بشدة للحديث معها، وتلك النظرة الحزينة التي تكسو عينيها تقتلني، عادت لتنظر إلى مجدداً واعتلى وجهها بعض الاندهاش عندما شاهدتني انظر اليها بذلك الدفء! انا متأكد ان ضربات قلبها اصبحت مجنونة كضربات قلبي الان فوجهها قد اصبح عبارة عن كتلة حمراء وهي تحدق بي!.

اوشكت ان اتبسم. اوشكت ان اطلب يدها للرقص وابوح لها بكل شيء، ولكني تراجعت فوراً. وبدل ان امنحها ابتسامة فقد تجهم وجهي فوراً وازداد انقباضه وانا اشاهد حمزة ينحني على إذاً ها ليهمس لها شيء ما، بادئ الامر استمعت لهمسه من دون ان تبعد عيناها عني ولكن شيئاً فشيئاً التفت اليه تستمع لباقي حديثه، عادت لتنظر إلى فمنحتها نظرة احتقار وازدراء واشحت وجهي جانباً. وحصل الاسوأ، خرجت برفقة حمزة نحو الحديقة! لا اعلم ما حصل لي بالضبط في لحظتها، هل تفجر بركان بداخلي ام انهار جبل كنت احتمي خلفه ادعي ثباتي؟ لما امثل قوة لست املكها؟ لما اكتم حروف بحاجة لأن انطقها؟

دقائق اخرى واخذ يوسف جدي نحو رئيس الشركة الاخرى التي عقدنا الصفقة معها ورافقهم عمي خالد والعم كمال وذهبت العمة سمية وسوسن ومنى في اتجاه اخر ولم يتبقى سواي وسوى علياء، وهنا استغللت الفرصة لأبوح بتلك النيران التي كانت تحرق روحي طوال سبع سنوات، قلت بنبرة مترددة وبالكاد مسموعة:
- علياء؟

نظرت إلى ببراءة مما زاد من انقباض قلبي اكثر، كيف لشخص بهذه البراءة والنقاء ان نؤذيه بذلك الشكل في الماضي؟ كم كنا اصحاب قلوب قاسية بالفعل، لم نملك اي سبب منطقي لما فعلناه ولم تؤذينا هي في يوم لنؤذيها! تدافعت الحروف بتلكأ من داخل فمي تحمل كل نبرات الندم:
- علياء انا، انا اردت ان اقول، اني اسف.
مع كلمتي الاخيرة هذه ارتفع حاجبيها بدهشة قليلًا فأكملت انا:.

- انه اعتذار كان يجب ان امنحه لكِ قبل سبع سنوات، ولكني لم اجرؤ...
علياء كانت تعلم اني لا افهم لغة اشارتها لذلك تبسمت بلطف ومدت يدها لتمسك بيدي وهي تومئ برأسها بالرضا لتوصل لي اجابتها بطريقة اخرى. منحتها ابتسامة خفيفة وانا اقول:
- أتعنين انكِ سامحتني؟.

وفي هذه اللحظة سمعنا تنحنح قوي بجانبنا فألتفت كلينا نحو يوسف الذي كان ينظر بحدة نحو علياء واول ما نظرت اليه انزل بصره نحو يدها فسحبتها من يدي فوراً وابتسامتها ازدادت خجلًا وهي تحدق بيوسف وغيرته ثم اشارت له بشيء لم افهمه ولكني سمعت اجابة يوسف وهو يقول لها:
- حسنا. اقول له ماذا؟
فأشارت له بشيء اخر جعله يتبسم بحنان وهو ينظر اليها ثم نظر إلى وهو يقول:.

- علياء تقول لك انها لم تغضب منك في الماضي كي تطلب مسامحتها الان، هي سامحتك منذ ذاك اليوم قرب المسبح عندما شاهدت الندم في عينيك.
نظرت لها بسعادة وانا اقول:
- شكراً لكِ، ولكن رغم ذلك كان يجب ان اعتذر.

فمنحتني ابتسامة لطيفة قبل ان يأخذها يوسف ويبتعدا، ابتعدا وعيناي تتبعهما بابتسامة. تتبعهما، تتبعهما، تتبعهما، الى ان وقعتا على كتلة النار تلك التي تقف عند باب الدخول تكاد نظراتها تصهرني في مكاني من شدة غضبها وهي تحدق بي، ديما!

في وقت اخر كنت سأطيل النظر اليها أو احاول ان افهم سبب غضبها، ولكني اليوم سأتجاهلها، لأني غاضب منها من الاساس لاسيما بسبب خروجها قبل قليل مع حمزة. لذلك وببساطة لم ابالي بها وتركتها وخرجت نحو الشرفة لأستنشق بعض الهواء واحظى بالهدوء بعيداً عن جميع هؤلاء الحضور...
ثواني لا اكثر حتى شعرت بباب الشرفة يفتح ويغلق مجدداً وصوت كعب حذاء يقترب مني، لم استدر فأنا قد خمنت من تكون. فقلبي لا يخطئها ابداً!

وقفت ديما بجانبي فلم ابالي بالنظر اليها وبقيت ارتكز بيداي فوق سور الشرفة بكل هدوء اتطلع بظلمة السماء وبتلك الألئ التي تزينها.
- مجرد ضحكة بسيطة مع حمزة تراني عديمة الاخلاق، ولكن عندما تمسك بيدها وتضحك معها فلابأس بذلك؟

يا اللهي! واخيراً بعد عشرة ايام جمعنا حديث ببعضنا. من الجيد انها تنازلت اولًا وتحدثت بدل ان اضعف انا! نظرت لها ببرود ولاتزال نيران غضبي موقدة ولكني استطعت ان ادعي الهدوء وعدم الاهتمام وانا اقول:
- عمن تتحدثين؟
فأجابتني بنبرة لم تحاول اخفاء كم تحمل من غضب:
- عن علياء!
- وما بها علياء؟
- ان كان يحق لك امساك يدها والضحك معها فلما لا يجوز لي ذلك مع حمزة؟

- هل تناقضين نفسكِ ام ماذا؟، ألم تكوني قبل ثواني في الحديقة برفقة حمزة؟ ألم تكوني طوال الحفلة برفقة حمزة تضحكان؟، لا اظن اني قد منعتك من هذا.
جفل وجهها فجأة وهي تقول:
- ماذا تعني؟، أ. ألم تعد تبالي ان ضحكت معه او لا؟
لا ابالي؟ انا اكاد اقتلك واقتله ايتها الغبية وتقولين لا ابالي؟ ولكني مللت من كوني دائماً من يبالي وهي من تعاند. على وضع حد لهذه المسألة. عليها ان تدرك خطأها قبل ان تحاسبني على اخطائي...

- اخبرتك مسبقاً. لن اتدخل بكِ مجدداً وافعلي ما يحلو لكِ.
نظرت إلى بادئ الامر بصدمة ثم اقتربت خطوة مني وقالت بثقة:
- أأنت واثق من هذا سامي؟
- واثق جداً!
ثم عدت لأشيح وجهي عنها باتجاه السماء حتى اخترق سؤالها مسامعي مرة اخرى:
-أأنت معجب بها؟
التفت اليها بدهشة وشاهدت الترقب والحزن يملأن تلك الحقول الخضراء التي تحدق من خلالها بي. قطبت حاجباي باستغراب وانا اقول:
- معجب بمن؟
- بعلياء!

- هل فقدت عقلكِ؟، ما الذي دفعكِ لتقولي شيئاً كهذا؟
- لقد كنت تبتسم معها وتمسك بيدها وجميعنا نعلم انك كنت تكرهها.
- اجل. كنت! اما الان فلست ارى سبباً منطقياً لًكرهي، انها لا تستحق ذلك.
- هذا يعني انك تحبها!
فقلت بنفاذ صبر:
- لست اكرهها ولكن لا يعني اني احبها كما يحبها يوسف، انها بالنسبة لي كسالي ونورا والاخريات.
وبالطبع تعمدت ان لا اذكر اسم ديما، فهي ليست كالأخريات ابداً. ولكن الحمقاء لم تنتبه!

- ولكن لم اراك في يوم تضحك او تمسك بيد احداهن.
نظرت اليها بدهشة، ديما اما تغار؛ او تحاول ان تجد مبرر لعلاقتها بحمزة! هل يعقل انها تغار؟ أتمنى ذلك! ولكي اختم هذا النقاش واوصل لها الفكرة من غير ان تعاند نظرت لها فجأة بابتسامة وامسكتها من يدها، يدها الرقيقة الناعمة! تمنيت لو ابقى متمسكاً بها لفترة اطول. ولكن ليس الان. وليس اليوم...
تركت يدها بعد ثواني ومحوت الابتسامة من وجهي وقلت:.

- انظري، امسكت يدك وتبسمت لكِ ولكن هذا لا يعني اني معجب بكِ او ان هناك فرصة كي اعجب بكِ في يوم.
نظرت إلى بخيبة ومن دون ان اتوقع وجدت دمعة تسقط من عينيها وهي تبتسم بمرارة وتقول:
- شكراً على ايضاح مشاعرك.

وقبل ان تجعلني انطق بأي شيء لأفسر لها تصرفي الغبي والاحمق وجدتها تتركني وتدخل، انا بالفعل احمق وغبي وساذج! ألم توجد طريقة اخرى كي افهمها الامر وابرر لها تصرفي؟ ألا توجد غير طريقة ان اضرب لها مثلًا بمشاعري لها؟ مشاعر الازدراء المزيفة التي تحمل كل العشق خلفها؟ غبي!

(يوسف)
لا داعي ان اخبركم اني الان بأعلى مراتب السعادة وانا برفقة عليائي. منذ ان اعلمني جدي بحضورها والى الان فأن قلبي لم يتوقف للحظة عن هذه الضربات المجنونة وثغري لم يخفي ابتسامته ابداً.
- اعجبتني هيئتك الجديدة، ولكن شعركِ.
توقفت في منتصف الجملة وانا انظر لشعرها بلوم وهي تنظر إلى بترقب حتى اكملت:
- انت تعرفين اني احب شعركِ الطويل اكثر!
تبسمت بخجل وهي تشير:.

-(اعلم. وانا احب ذلك ايضاً. ولكن رغبت في تقصيره فحسب. )
تبسمت بدوري وانا اجيبها:
- انت جميلة بكل هيئة!
وعادت وجنتاها لتتورد بخجل اكبر مجدداً!
- يوسف، جدي يريدك.

التفتنا نحو نورا ليتجهم وجه علياء فوراً. لا اعلم ما خطب هاتين الفتاتين ولكنهما تتبادلان نظرات لا اعرفها بالفعل! ولكني بالطبع لن اكون حيادياً وسأكون بجانب علياء تماماً ولا يهمني ان غضبت نورا مني او خاب املها، فأنا اريدها ان تعرف ان اعشق علياء ولاتوجد لغيرها فرصة في حياتي! لذلك قمت بإمساك علياء من يدها وقبضت على كفها برقة لتقبض هي عليه
بقوة اكبر وقلت:
- حسناً. سنذهب اليه.
ولكن نورا قالت فوراً:.

- انه برفقة مجموعة كبيرة من رجال الاعمال ولااظنك تود اخذ علياء الى ثرثرتهم المزعجة. اتركها برفقتي بينما تنهي حديثك مع جدي.
نظرت نحو علياء بتردد فمنحتني ابتسامة وكأنها تقول لابأس. فشعرت ببعض الارتياح وقلت لها:
- لن اتأخر عليائي...
ورغم صعوبة الامر ولكني سحبت يدي من يدها ورحلت تاركاً اياها مع نورا، نعم نورا فتاة لطيفة ولكن لايمكنك ان تخمن ما بأستطاعة النساء فعله عند الغيرة!

حاولت ان اختصر الحديث قدر المستطاع مع جدي وباقي الرجال وعقلي ليس معهم على الاطلاق. بين ثانية واخرى كنت التفت باتجاه نورا وعليائي فأجد نورا تتحدث بابتسامة غريبة وعلياء تنظر اليها بتجهم دون ان تبدي اي ردة فعل، ما الذي تقوله لها بحق السماء؟ اختصرت حديثي معهم واستإذاً ت منهم وعدت نحو عليائي بسرعة. ما ان لاحظت نورا قدومي حتى قالت بسرعة:
- حسناً. بما ان يوسف اتى انا سأذهب الان...

ثم نظرت نحو علياء بنظرة لم افهم معناها وبعدها رحلت وحبيبتي لاتزال متسمرة في مكانها تنظر الى اللاشيء. فجأة وجدت ذلك البريق يختفي من عينيها لتحتل نظرة البرود مكانها، ولكنه اليوم برود ممزوج ببعض القسوة، تلمست اطراف اصابعها بأطراف اصابعي وانا اقول:
- عليائي؟
فجفلت فوراً وكأنها كانت بعالم اخر سحبتها منه جبراً. نظرت نحوي بجمود فسارعت كي اقول:
- أأنتِ بخير؟

اومأت بنعم وعادت لتشيح وجهها عني. امسكت بذقنها وادرت وجهها مرة اخرى إلى وانا اقول:
- هل قالت لكِ نورا اي شيء يزعجك؟
منحتني ابتسامة اعرف جيداً انها صارعت من اجل رسمها فوق ثغرها واشارت:
- (لا. نورا لم تقل شيئاً خاطئاً. )
- ما الذي قالته بالضبط؟
-(انس الامر ارجوك. )
لم اشأ ان اضغط عليها اكثر فأمسكت كف يدها الرقيق بين اصابعي وانا اقول:.

- حسناً. لا يهمني أياً من الترهات التي قالتها لكِ نورا. ولكن اريدكِ ان تعلمي انه لا يوجد اي شخص اهم منك انتِ، ولن يكون هناك ابداً.
شعرت بارتجاف اناملها بين يدي وهي تتبسم بخجل دون ان تقول شيء اخر ولا انا فعلت، يكفي اني قد اعدت الابتسامة لوجهها...

عدنا لنتحدث معاً نحن. ونحن فقط، لم يهمنا احد اخر في الحفلة لنخوض حديث معه كل ما كان يهمنا هو بعضنا الاخر فحسب، ولكن تم قطع حديثنا مرة اخرى من شخص اخر. وهذه المرة كان صوت رجولي خشن:
- اهلاً يا يوسف، لم اراك اليوم برفقة جدك.
التفت كلينا نحو مصدر الصوت لنجده السيد هارون ذو 67 عاماً. تبسمت ومددت يدي للمصافحة وانا اقول:
- اهلًا سيد هارون، سعيد بلقائك.

صافحني بثبات بادئ الامر ولكن سرعان ما ارتجفت يده وهو يدير بصره باتجاه علياء التي تقف خلفي، ارتجاف وردة فعل غريبة لم افهم سببها، سحب يده من يدي وعاد بذهول بضعة خطوات نحو الخلف وهو يجحظ بعينيه بصدمة اتجاه علياء التي كانت تنظر اليه بجمود وابتسامة باردة تحتل شفتاها لاتتناسب ابداً مع الرعب الذي يكتنف السيد هارون، حدقت فيهما باستغراب وهما يحدقان ببعضهما دون ان افهم شيئاً. كانت علياء تبدو طبيعية وهي تنظر له. ولكنه كان غريب. وكأنه شاهد شبحاً! سمعته تمتمته المنخفضة من بين شفاهه المرعوبة: - 877!

فقلت له باستغراب:
- عفواً؟
- انتِ، انتِ، من المفترض، انكِ، ميتة!
عند هذه اللحظة هتفت به بفزع:
- ماذا؟ عن ماذا تتحدث انت؟
والتفت باتجاه علياء التي كانت هادئة ولم يبدو ان كلامه اثار دهشتها مثلي. فنظرت نحوي واشارت كي تفهمني ما لا استوعبه:
- (انه يظنني امي! ).

عند هذه اللحظة ادركت مقصده. فأفراد العائلة ذاتاً مدهوشين من هذا التشابه، فكيف إذاً به؟ التفت اليه بابتسامة وانا اقول بأعتباره صديقاً للعائلة منذ زمن طويل وبالتأكيد يعرف عمتي سلوى:
- انها ليست عمتي سلوى. انها ابنتها علياء.
من المفترض ان يزول هذا الاندهاش عن وجهه. من المفترض ان ترتخي ملامحه. ولكنها ازدادت انقباضاً اكثر واكثر وهو يقول بتمتمة من جديد:
- انت تلك الطفلة!

لم اعد افهم اي شيء مما يدور، بل ولم افهم شيئاً منذ البداية، وذلك الرقم(877) لما اطلقه على العمة سلوى مما جعل علياء تفهم انه يقصد امها؟ هناك شيء ما يحصل لا افهمه. ولا يبدو ان علياء فهمته ايضاً فردة فعلها كانت اعتيادية، ام انها ليست كذلك؟ انا لااعرف!
توتر هارون اكثر وارتبك وعاد بضع خطوات نحو الوراء ثم انصرف مسرعاً عنا. التفت إلى علياء احاول فهم الامر منها فوجدتها تشير لي فوراً:.

- (يوسف. انا لم اشرب اي شيء منذ قدومي واشعر بالظمأ الشديد. )
بادلتها ابتسامتها وقد اختفى موضوع هارون تماماً عن عقلي. فتلبية حاجات اميرتي اهم. فقلت لها:
- أأحضر لكِ بعض العصير؟
-(لا. اريد ماء. )
- حسنا عزيزتي. انتظريني هنا.

ثم تركتها وذهبت كي احضر لها بعض الماء. ولكن فجأة حصل مالم يكن في الحسبان. ما ان ابتعدت بضع خطوات عن عليائي حتى انقطعت الكهرباء في جميع ارجاء القصر وهذه هي المرة الاولى التي يحصل فيها شيئاً كهذا.

اعتلت الهمهمة بين الحضور مستغربين ما يحصل وانا بقيت واقفاً في مكاني كالبقية نخشى ان نتحرك فيرتطم احدنا بالأخر، وفجأة اخترق هدوئنا صوت امرأة رقيق لم يبدو مألوفا لًنا، فلم يعرفها احد. كانت تدندن اغنية اجنبية وصوتها يتحرك من مكان لأخر. هذا يعني انها تسير.

كان صوتها جميلًا ولكنه امراً غريباً ان ينطلق وسط هذه العتمة. بل مرعباً في الحقيقة وهي تدندن الاغنية بذلك الهدوء وصوت كعبها يتحرك فيما بيننا وكأننا في فيلم مرعب، استمعت لكلماتها بتركيز كما فعل البقية...
People are dying. I close my blinds.
All that I know is I m
breathing now.
All I can do is keep breathing.
All we can do is keep breathing.

كان صوتاً هادئاً جداً وملائكي ولكن لا اعرف لما بث ذلك الرعب في نفوسنا، وفجأة انطلقت صرخة هارون المرعوبة بين الحضور ما ان سمع كلمات الاغنية وبدأ يهتف بهيسترية:
- لااا، لااا. انها قادمة من اجلي، اشعلوا الاضواااء! اشعلوا الاضواء اللعينة!

اضطرب الحضور وتخلخل الفزع بينهم وهم يستمعون لصرخات هارون هذه ولم نعد نعرف ماذا نفعل سوى اننا اخرجنا هواتفنا لنضيء شاشتها عل بعض النور يتسلل بيننا. ولكن دون فائدة. فلا نحن نعرف اين يقف هارون بالضبط ولانعرف اين تلك التي كانت تغني فهي قد توقفت عن ذلك، صرخ جدي بالخدم يطلب منهم اعادة تشغيل الكهرباء بسرعة وركضنا انا وسامي نحو القبو لنرى المشكلة. وصلنا مع الخدم هناك لنجد ان لامشكلة في اسلاك الكهرباء. ولكن القابس كان مطفئ. اي ان هناك من فعل ذلك!

اعدنا تشغيل الكهرباء وحدقنا انا وسامي ببعضنا بتوجس. فلما عسى احدهم ان ينزل قابس الكهرباء ان لم يكن يخطط شيء؟ وقبل ام نجد اجاباتنا وصلتنا صرخة بعض النساء من الطابق العلوي مما جعلنا نعود راكضين مرة اخرى حيث كنا، ادرنا ابصارنا بين وجوه الحضور نريد ان نفهم ما يجري الى ان رأينا مجموعة من الضيوف يحوطون احدهم.

اسرعنا اليهم لنجد هارون مرمي على الارض قد كسى وجهه اللون الازرق وعجز عن التنفس وهو يمسك قلبه، يااللهي! انه يعاني ازمة قلبية، صرخ بنا جدي وهو يرى الجميع يلتف حوله دون ان يفعل شيء:
- اتصلوا بالإسعاف فوراً!

فأخد سامي مهمة الاتصال بالإسعاف واخذت انا مهمة اجراء الاسعافات الاولية لهارون، ولكنها خمس دقائق لا اكثر حتى توقف هارون عن الحراك. وتوقف صدره عن الارتفاع والانخفاض. فتحت عيناي بصدمة وانا احدق بعينيه الجاحظة نحو الاعلى من دون ان يطرف بهما، يااللهي، ل، لقد مات؟
احسست بالدماء تجف داخل عروقي فجأة فهي المرة الاولى التي ارى فيها موت احدهم!

قمت من جانبه فوراً وانا ابتعد خطوة عنه وانظر بصدمة نحو جدي الذي فتح عينيه بذهول وهم يشاهدون ردة فعلي، وما ان ادركوا الامر حتى هز الاضطراب ثباتهم مرة اخرى وشرعن بعض الفتيات ببعض البكاء الخائف. ولكني لم ابالي بهم واسرعت فوراً حيث تقف صغيرتي، وصلت اليها ووجدتها بحالة يرثى لها وهي تحدق بجثة هارون وتكتم صرخاتها بيدها فضممتها إلى فوراً لًأخفي وجهها داخل صدري كي لاترى مايجري. تشبثت بقميصي بقوة وانا اشعر بارتجاف جسدها بين يداي كحمامة صغيرة وسط شتاء بارد! كدت ان اصاب بالجنون وانا اشاهد هذا الخوف فيها فضممتها إلى اكثر وانا اهمس لها:.

- اهدأي صغيرتي، كل شيء سيكون بخير، استمعي لصوتي فقط حبيبتي، تجاهلي ما حولكِ.
فشعرت بيد احدهم فوق كتفي فألتفت لأجده سامي الذي قال لي فوراً بحزم:
- من الافضل ان تخرجها من هنا يوسف!

اومأت له موافقاً وسحبت علياء من يدها فوراً لًأخرجها من القصر، اخذتها نحو سيارتي لنركبها ولكن ما ان وصلنا اليها حتى سحبت يدها من يدي وركضت مسرعة لمسافة عني وبدأت بالتقيؤ، اسرعت اليها وانا اغسل وجهها بقنينة ماء كنت احتفظ بها في السيارة لتهدأ قليلًا، توقف تقيؤها ولكنها استمرت ببكاء هيستيري يكاد يصيبني بالجنون وانا اراها بهذه الحالة، لا اعلم ما يحصل لها ولكن بكائها غريب جداً. انها مرعوبة بشكل اعجز عن وصفه، ربما ذكرها موت هارون بشيء من ماضيها، أو. انها قد رأت شيئاً سبب لها كل هذا الرعب!

ركبنا السيارة وانطلقت بها للمجهول.
لا املك مكاناً محدداً في رأسي ولكني اردت ابعادها قدر المستطاع عن هذا المكان عل خوفها ينقشع او بكائها يتوقف قليلًا ولكنها تصبح بحالة اسوأ مع كل ثانية تمر عليها، كانت تسند رأسها الى النافذة وتعض على قبضتها بقوة وكأنها تحاول قدر المستطاع كتم صرختها، مسحت على شعرها بلطف وانا اقول بقلق وتوتر:.

- حبيبتي! اتوسل اليكِ اهدأي قليلًا، لا تجعليني اصاب بالجنون ارجوكِ، ارجوكِ لااتحمل منظرك بهذا الشكل.
ولكن لم يبدو ان علياء كانت معي في عالمي من الاساس، انها بالفعل ستجعلني افقد عقلي، اه يااللهي، ليس حبيبتي، يارب ارجوك، هناك شيء مايحصل لها، بكائها ليس اعتيادياً على الاطلاق!

وفجأة اعترضت طريقنا سيارة سوداء وهي تقف بشكل افقي وسط الشارع مما اجبرني ان اضغط على الفرامل بكل قوة كي لا ارتطم بها. ما ان توقفنا حتى نظرت علياء بترقب نحو السيارة وبعدها فتحت الباب بسرعة ونزلت فنزلت خلفها فزع ولكن خطواتي توقفت تدريجياً وانا اشاهد فؤاد ينزل من السيارة ويتجه نحو علياء التي اسرعت اليه، ماالذي يحصل بحق السماء؟ وما الذي يفعله هذا هنا؟ وكيف عرف مكاننا؟ فتحت عيناي بصدمة اكبر وانا اشاهد علياء ترتمي بين يديه وتعانقه بقوة اكبر ليرتفع صوت بكائها اعلى واعلى وتنهار اكثر، ضمها فؤاد برفق اليه ومسح فوق شعرها وهو يقول:.

- اششش، اهدأي يا صغيرة، انا هنا معك الان.
فابتعدت عنه قليلًا وهي تشير من وسط دموعها:
- (خذني من هنا فؤاد، ارجوك ابعدني. )
عليائي! تريدين الابتعاد عني؟ تلتاذين بغيري ليحميكِ؟، ألاتشعرين بالحماية معي؟، لما تستمرين بطعني بهذا الشكل؟ لما تصرين على ان اموت داخل جسد يتنفس؟

تقدمت خطوة لأسحبها من بين يديه رغماً عنها وعنه ولكن نظرة فؤاد اوقفتني، تلك النظرة المترجية المليئة بالدموع، كانت صدمة بالفعل وانا اشاهده يشارك علياء بكائها، توسل إلى بنظراته ان ادعها معه، وقبل ان استوعب الامر وجدته يحوط كتفيها ويأخذها باتجاه السيارة ليجلسها في المقعد الامامي ويعود الي، اقف في وسط الشارع افتح عيناي بذهول مما يحصل، ماالذي يربط هذين الاثنين ببعضهما بهذا الشكل؟ اعرف اني وعلياء يجمعنا الحب. وان ما يجمعها بفؤاد ليس كالحب الذي يجمعنا ابدا. ولكني لازلت لا اعرف هذه العلاقة الغريبة التي تربطهما، وقف فؤاد امامي مباشرة وقال لي بتوسل:.

- اعلم انك غاضب مني الان يا يوسف. واعلم ما تعنيه علياء لك وما تعنيه انت لها، وصدقني وجودي في حياتها لا يؤثر على حبكما لبعض ابداً. ولكن علياء تحتاجني الان اكثر مما تحتاجك. ان كنت تريدها بالفعل ان تصبح افضل فأتركها معي اليوم.
فقلت له باقتضاب:
- ولما انت واثق هكذا انها ستصبح بخير معك؟
- لأني اعرف ماالذي يجعلها هكذا. واعرف كيف اجعلها تهدأ، اعرف عنها اشياء لاتعرف انت عنها يا يوسف.

- ماذا تعني؟ وما الذي قد تعرفه انت ولا اعرفه انا؟
- صدقني ستعرف كل شيء قريبا، ولكن ليس الان.
ثم وضع يده فوق كتفي وهو يقول: - عن إذنك الان.
وما ان تحرك خطوة حتى امسكته من مرفقه بقوة واول ما التفت إلى قلت له بحدة وتهديد:
- ان اصابها اي مكروه. فسأقتلك فوراً يا فؤاد.
تبسم وهو يقول بثقة:
- لا تقلق، ستكون بخير.

فأتجه للسيارة واتجهت انا معه وفتحت باب علياء وجلست على ركبتاي كي اصل لمستوها وقلت بعطف بينما احوط وجهها الباكي بين يداي:
- سأدعك تذهبين الان مع فؤاد عزيزتي ان كان هذا سيجعلك افضل، لذلك ارجوك كفي عن هذا البكاء الان.

قوست شفتاها ببؤس وهي تضع يدها فوق يدي التي ترتكز فوق خدها واومأت لي موافقة من وسط دموعها فتبسمت ووقفت مجدداً لًأغلق بابها لينطلقا بالسيارة بعيداً عني. لأترك حبيبتي بين يدا رجل اخر لا اعرفه، ولكن علياء تثق به. وهذا سبب كافي ليجعلني اثق به!

رحلت عني وكلما ابتعدت السيارة كلما اتقبض قلبي اكثر، شعور غريب بداخلي يخبرني ان اركض خلف السيارة الان لأوقفها. لأسحب حبيبتي منها واخفيها بين طيات قلبي لأبعدها عن العالم كله، اردت بشدة ان اكون بقربها في هذه اللحظة، ولكن احياناً. عليكم ان تقتلوا امنياتكم ومشاعركم كي تحافظوا على من تحبون!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة