قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الخامس والعشرون

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الخامس والعشرون

رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الخامس والعشرون

مرّ يومين بسعادة تحتل قلوب الجميع من خبر حمل زينة عدا تلك الحرباء عزة ذات الألف لون، و رحلت نيرة بصحبة زوجها و عمته أخيراً بعد وداع قاسي على قلوب الجميع، و عادت الحياة الي مجراها العادي مع بعض المشاكل الطفيفة من عزة و التي لم تكن بالقوية كفاية للوقوف في وجه عشق معتصم و زينة..

توالت الأيام ليأتي صباح جديد أستيقظت زينة على رائحة شهية تتسرب الي أنفها الصغير، فتحت عيناها بصعوبة و هي تحاول الإعتياد على الضوء، ثم نظرت الي معتصم الذي يضع أمامها الفطور في هيئة رائعة، فأبتسمت زينة و أعتدلت على أتم الأستعداد لإلتهام وجبتها الشهية و ألتهام معتصم معها أيضاً، و قد فعلت، شرعت في تناول الطعام بشراسة دون أن تنطق بحرف واحد بينما ينظر لها معتصم بإستنكار حتى قال أخيراً بصوت مملوء بالسخرية:.

-ألف هنا على قلبك يا حبيبتي، هو ده مفهوم الفطار الخاص بتاع السرير بالنسبالك؟ أنك تلهفي الأكل كله كده من غير حتى كلمة واحدة
-جعانة يا معتصم أيه هتحرمني من الأكل؟

ضغط على شفتيه بغيظ ثم تركها لتأكل كما تشاء و خرج من الغرفة، و استمرت هي في تناول الطعام بجوع شديد حتى توقفت فجأة و تذكرت أن عزة في الخارج، و الآن معتصم معها! انتفضت بسرعة و أرتدت حذائها المنزلي راكضة للصالون فوجدت معتصم يجلس امام التلفاز بملل شديد و هو يمسك بجهاز التحكم، كادت أن تقترب منه و لكنها وجدت عزة تقترب و في يدها طبقان لتجلس بجواره و تعطيه طبق قائله بإبتسامة:.

-لقيتك عامل فطار لزينة و رجعت قعدت هنا و مكلتش معاها فحطيت ليك فطار معايا
ألتقطه معتصم منها بإبتسامة مجاملة ليضعه أمامه على الطاولة مردفاً:
-شكراً يا عزة تعبتي نفسك بس انا مش جعان
أقتربت منه عزة أكثر فأبتعد معتصم و كاد أن يقف و لكنها أمسكت بذراعه بقوة فبقي على حاله بينما أقتربت هي لتقول بلهجة لطيفة:
-معتصم علفكرة انا اتغيرت، مبقاش فيه داعي تحط ما بينا حدود و تعمل كل اللي بتعمله ده.

أبعد معتصم كفها عن ذراعه بهدوء لينظر لها مردفاً:
-الحدود هي أصح حاجة تتحط في أي علاقة ما بين راجل و ست
-بس انا مش أي ست، أنا في مقام مامتك دلوقتي
-متجيبيش سيرة أمي يا عزة، و أه أنتي المفروض في نفس المقام بس أنتي محترمتيش ده زمان ولا نسيتي؟ فاكرة أنا حصلي أيه زمان بسببك؟
أقتربت زينة لتنهي هذا الحوار سريعاً مردفة بإبتسامة:
-طنط عزة صباح الخير.

نظرت لها عزة بضيق لقد بدأت تكره زينة أكثر الآن بعد نطقتها لهذه الكلمة مرة أخري، فلم تجيبها و لم تنتظر زينة جوابها فأقتربت لتجلس بيهما و تلقي برأسها على صدر معتصم براحة، بينما أبتسم معتصم بصمت و هو يحيطها بذراعه و يداعب خصلاتها بأنامله، و مرت ثواني في صمت شديد حتى أنتصبت زينة فجأة في جلستها، لينتفض معتصم بقلق و يسألها:
-زينة حبيبتي مالك؟

لم يكد ينهي جملته حتى وضعت زينة يدها على معدتها بتعب و نظرت نحو عزة و أبتسامة ماكرة ظهرت على شفتيها بالرغم من تعبها الشديد، و سرعان ما تقيئت ما أكلته على عزة التي صرخت و أنتفضت بتقزز من نفسها، بينما تصنم معتصم في جلسته يتابع ما يحدث بذهول، و ما ان انتهت زينة حتى حملها بين يديه متجهان نحو المرحاض الملحق بغرفتهما، أوقفها معتصم أمام صنبور الماء و غسل لها وجهها، ثم أردف بقلق:
-أنتي كويسة يا زينة؟

هزت زينة رأسها بالإيجاب و أستندت برأسها على صدره و قد تملك منها التعب، فعاد معتصم يحملها و أتجه نحو الفراش و يضعها عليه برقة فأسرعت زينة تقول:
-معتصم ابعد الاكل ده ريحته بشعة أبعد
نظر لها معتصم ببلاهة، أليس هذا نفس الطعام الذي كانت تلتهمه منذ دقائق؟ ماذا حدث! و لكنه نفذ رغبتها و ألتقط الطعام ليضعه في المطبخ ثم عاد لها سريعاً و ساعدها في تبديل ثيابها ثم جلس بجوارها و سألها بتردد:.

-أنا عارف أنه سؤال غريب، بس ليه مكنتيش تعبانة خالص قبل كده؟
-كنت ماشية على أدوية تثبيت الحمل و غيره كتير فكانت مساعداني جداً، و بعد ما وقفتها و الحمل بقا طبيعي الدكتورة قالتلي هيحصل كده كتير و هبدأ أتعب، هروح ليها بكره تيجي معايا؟
أقترب ليلثم جبينها بحنان قائلا:
-أكيد هاجي معاكي، كان المفروض أكون معاكي من أول مرة أصلاً.

أبتسمت زينة لتخرجه من دوامة الحزن التي باتت تلازمه كلما تذكر أنها لم تخبره بحملها في وقت أبكر، و هتفت بمرح:
-بس الحرباية اللي بره دي كانت بتعمل أيه معاك يا حبيبي؟
أبتسم بسخرية عندما تذكر ما فعلته زينة بعزة منذ قليل ليجيبها:.

-الحرباية كانت جيبالي فطار بعد ما حبيبة قلبي بدأت تاكل و معبرتنيش بكلمة حلوه ولا صباح الخير حتي، أنتي كنتي مركزة في أيه ولا أيه و أنتي تعبانة كده؟ عجبك اللي عملتيه فيها بره ده؟
تعالت ضحكات زينة بشر و هتفت بخبث:
-عجبني جداً، أنتظر ما زال الوقت باكراً القادم أحلي يا عزيزي
ربت معتصم على كتفها بتشجيع ليقول:
-ربنا معاك يا وحش، بس بالراحة عليها عايزينها تخرج من هنا عايشة
.

دخلت الي مرحاض غرفتها و بدلت ثيابها بعد أن حصلت على حمام دافئ، وقفت أمام و وضعت مساحيق التجميل على وجهها و هي تتوعد لزينة بأشد عقاب على ما فعلته بها أمام معتصم، جلست على الفراش تحاول الوصول لحل لإكتساب ثقة معتصم و الإقتراب منه و لكنها فشلت تماماً، فلقد مرت أيام عدة و عندما تقترب من معتصم كانت زينة تأتي فوراً او تكون بجانبه من البداية.
يجب أن يبتعد معتصم عن زينة و لكن كيف؟!
.

دق باب مكتبه بخفوت ثم دخلت مساعده الشخصي في خطوات هادئة قبل أن يردف برسمية:
-أستاذ جاسر بره مستر غريب
وقف غريب في سرعة و هو يغلق زر جاكيت بدلته و قال بنبرة هادئة:
-دخله بسرعة
خرج المساعد الشخصي ثم دخل جاسر بإبتسامة بسيطة تحتل معالمه بينما يغطي اللون الأسود على ملابسه، مد يده ليصافح غريب ثم جلس امامه، ليبدأ غريب حديثه محاولاً جذب أنتباه جاسر:.

-طبعاً مش محتاج أقول قد أيه فيلمك الاول كان ناجح يا جاسر، و ده حالياً أترتب عليه حاجات تانية محتاجك تكون مركز و واعي في أتخاذ قرارتك الجاية و تفكر فعلاً أيه الصح و أيه الغلط و نشيل المشاعر على جنب شوية
حرك جاسر رأسه بملل من حديث غريب الطويل بدون فائدة فأردف:
-مستر غريب يا ريت تكون دايركت و تدخل في الموضوع علطول
حمحم غريب ببعض الإرتباك حاول إخفائه خلف جملته:
-تشرب أيه الأول؟

زفر جاسر بنفاذ صبر ثم رسم إبتسامة خفيفة على شفتيه قبل أن يقول:
-متشكر مش عايز أشرب حاجة، أنا حالياً لو عايز حاجة فهو أني أعرف سبب أستدعائك ليا في مكتبك النهاردة
تنهد غريب بيأس من محاولات تهربه من حقيقة الأمر، فشبّك أصابعه سوياً و ظهره ليتصق بالمقعد ليقول أخيراً:.

-الفيلم مرشح لجايزة أفضل فيلم السنادي في مهرجان الجونة السينمائي، و الحفلة هتكون بعد شهر، و لازم أنت و أستاذ عبدالله زوج مدام ريهام الله يرحمها موجودين في الحفلة دي
صمت جاسر لثواني و هو يتنقل بنظراته الي أرتباك غريب فعاد يسأله بشك:
-تمام عرفت ان فيه حفلة، في حاجة تانية حضرتك مخبيها؟
هز غريب رأسه و أستند بذراعيه على المكتب مردفاً:.

-أيوه، فيه فيلم جديد قصة و سيناريو و حوار لأستاذة عايدة الدمنهوري، و إخراج عماد سليمان، و تم ترشيحك تكون بطل الفيلم ده
أنخفض غريب قليلاً ففتح أحد أدراج مكتبه و سحب ملف كبير و وضعه أمام جاسر ليقول:.

-و ده السيناريو، جاسر أنا عارف انك ممكن ترفض تروح الحفلة بسبب إن ريهام مش موجودة، و كمان هترفض الفيلم ده، بس لو سمحت خد فرصة و فكر، القرار مش لازم يتاخد بالعواطف أبداً، ده مستقبلك بلاش تضحي بيه، أنت موهوب في التمثيل، خد فرصتك و فكر علشان الحفلة، و أقرأ السيناريو و بعدين قول رأيك بردوا، أستاذ عماد مخرج الفيلم كان مصّر يقعد هو معاك بس انا رفضت علشان ميسببش ليك أي إحراج لو رفضت، و قولتله أني هتعامل معاك، خد وقتك و لو وافقت تروح الحفلة يبقي في اليوم ده هعرف رأيك في الفيلم الجديد.

نظر جاسر الي الملف أمامه و قد أحتله هو الإرتباك هذه المرة، فعاد بنظره نحو غريب و قال بثبات:
-فيه حاجة تانية؟
هز غريب رأسه بالنفي، فسحب جاسر السيناريو و وقف مردفاً:
-تمام، هبلغ حضرتك بقراري بعد أسبوعين، بعد أذنك.
عاد غريب يقف ليصافحه من جديد ثم تحرك جاسر مغادراً المكتب في سرعة بينما جلس غريب على كرسيه و هو يدعوا الله أن يلهم جاسر الصواب..
.

جاءت شمس صباح يوم جديد، أستيقظ معتصم على حركة زينة بجواره و هي تدفن رأسها في صدره بقوة و خصلاتها البرتقالية تنتشر على صدره العاري، أبتسم بحب لها و أنخفض يضع قبلة صغيرة على وجنتها، ثم أبتعد عنها بهدوء حتى لا تستيقظ و أتجه نحو المرحاض، و خرج بعد دقائق ليشرع في إرتداء ملابسه المكونة من بنطال أسود و قميص أخضر، و مشط خصلاته بسرعة و نثر القليل من العطر على قميصه، و أقترب من زينة يلتقط هاتفها و يقوم بضبط منبه يوقظها بعد ساعة، و تحرك نحو الخارج ليذهب الي عمله..

فتح باب الغرفة و و تحرك خطوتان ليصدم بعزة التي تنام على الأريكة أمام التلفاز في قميص قصير للغاية و يظهر كل مفاتنها، غض بصره بسرعة و غضب و أستغفر و عاد متجهاً إلي غرفته ليقترب من زينة مردفاً بهدوء:
-زينة، حبيبتي قومي
فتحت زينة عينيها بتعب لتقول:
-فيه أيه يا معتصم على الصبح كده؟
أتضحت الرؤية أمامها لتنتفض بسرعة و هي تنظر له بتعجب و تقول:
-أنت لابس ورايح على فين من غير ما تصحيني؟

أمسك معتصم الغطاء يضعه على جسدها العاري إلا من قميص قصير شفاف و أبتسم قائلا:
-أول حاجة أنتي لسه ساعة على معاد صحيانك أنا رايح الشغل بدري، تاني حاجة مكنتش ناوي أصحيكي بس دلوقتي مضطر
تمسكت في الغطاء بخجل حاولت إخفائه و هي تنظر بعيداً عن معتصم و تسأله:
-مضطر أيه؟ عايز تفطر؟
هز رأسه بالنفي و تنهد قبل أن يقول بضيق:
-عزة نايمة بره على الكنبة و مش عارف أعدي، أخرجي دخليها أوضتها.

أنتفضت زينة و قد أحتل أوصالها الغضب و أصبحت شياطين الجحيم تتراقص أمام عينيها و إزداد غليان دمها و هي تزيح الغطاء عن جسدها و تنهض من على الفراش متجهة للخارج بعصبية، و لكن أمسكها معتصم من كفها ليقول بحب:
-أهدي يا برتقالتي متتجننيش عليها خليكي عاقلة، بهدوء روحي صحيها و خليها تدخل أوضتها، يلا يا حبيبتي ربنا يهديكي.

هدأت زينة قليلاً و ألتقطت أنفاسها و هي تتذكر أن كل ما تفعله عزة فقط لإثارة غضبها، رسمت إبتسامة صفراء على وجهها قبل أن تتوجه الي الخارج لتصعق عندما تجدها بهذه الملابس و وضعية نومها، عاد الغضب يسيطر عليها و هي تقترب منها و تسحبها من ذراعها بقوة فوقعت عزة عن الأريكة و صرخت ثم نظرت الي زينة بغيظ و سحبت ذراعها من كفها بقوة لتصرخ:
-أتجننتي يا زينة ولا أيه؟ في حد بيصحي حد كده؟

ردت زينة عليها هي الآخري بصوت مرتفع و هي تشد على قبضتها بقوة حتى لا تضربها:
-و فيه واحدة محترمة تلبس قميص نوم بالمنظر ده و تقعد بيه في الصالة و فيه راجل في البيت ولا يكونش مرضك هو اللي خلاكي تعملي كده
صمتت عزة لبرهة و إبتسامة داخلية نمت، فزينة إذاً تعلم بأمر مرضها، حاولت تغليف وجهها بالغضب فهتفت:.

-أنا محترمة غضب عنك فاهمه، و كل الموضوع إني مجاليش نوم إمبارح و خرجت أقعد قدام التليفزيون و نمت محستش بنفسي، و الراجل اللي في البيت ده في مقام إبني حتى لو من نفس سني أنا أرملة أبوه، فهو لو بيبص ليّا بطريقة تانية و شايف أني ممكن أغريه فدي مشكلته هو أو أنتي مش مالية عينه كويس
صمتت زينة و هي تراقب أنفعال عزة، فرسمت إبتسامة على وجهها و هي تقول:.

-أنا جوزي راجل و محترم و ميبصش لأرملة أبوه لإنه حرام أصلا يبصلك، و أنا مالية عينه كويس أوي أما أنتي فأنتي أقل من أنك تغريه أو تحركي فيه شعره، هو بس قرف من منظرك و قالي روحي دخليها أوضتها متعودش يشوف ناس رخيصة كده قدامه بالمنظر ده، و الكلمتين الحلوين اللي قولتيهم دول محتاجين أني أعرفك مين هي زينة السيوفي مرات معتصم باشا السيوفي.

سحبت زينة خصلات شعر عزة في كفها لتصرخ عزة و تسقط على الأرض بينما تجلس زينة فوقها و تنهال عليها بالصفعات و لم يسلم جسد عزة من أسنان زينة التي تركت أثراً واضحاً على جسدها حتى أنهارت عزة و فقدت وعيها، فأبتعد زينة عنها و بصقت فوقها قبل أن تجذب غطاء طاولة الطعام لتضعه على جسدها، ثم دخلت الي معتصم لتقول بنبرة باردة:
-أتفضل أخرج.

كان يجلس على الفراش و الغضب يحتل كيانه، فلقد أخبرها أن لا تتهور و تستخدم عقلها و لكنها لم تستمع له بل ضربت عزة لمدة طويلة قبل أن تتركها ثم تعود له بكل برود، وقف و لم يعيرها أي أنتباه و خرج من المنزل بأكمله دون أن يلتفت الي الوراء، زفرت زينة بضيق و هي تنظر الي تلك التي ترقد على الأرض لا حول لها ولا قوة بأي شئ حولها، نظرت الي الساعة أمامها ثم دخلت الي المرحاض و قد قررت الخروج من المنزل و الذهاب لوالدتها..

.

و في منتصف النهار كانت تخرج من الجريدة و تستقل سيارتها متجهة نحو عنوان محدد أمامها، و ما أن وصلت حتى ترجلت من السيارة و أخذ منها أحد الحراس المفاتيح ليضع السيارة في موقف السيارات بينما دخلت هي الي المبني الضخم أمامها و تطالعها كل العيون من حولها في إعجاب من هيئتها التي و على الرغم من شبابية ملابسها إلا ان هذا لم يكن عائقاً أمام جمالها، وصلت اخيراً الي مكتب مدير الشركة لتنظر الي المساعدة التي أبتسمت في وجهها و أردفت:.

-حضرتك مدام زينة السعيد؟
هزت زينة رأسها بإرهاق لتقول المساعدة من جديد:
-مستر سيف في إنتظارك أتفضلي
أبتسمت و شكرتها ثم توجهت نحو المكتب و دقت ثلاثة، ثم دلفت لينظر لها الشاب الذي يجلس خلف المكتب بإبتسامة ثم وقف هاتفاً:
-مدام زينة مظبوط؟
هزت رأسها و مدت يدها فصافحها بترحاب ثم اشار لها بالجلوس، فجلست و أخرجت دفترها و قلم بالإضافة الي جهاز تسجيل، ثم أردفت برسمية شديدة:
-حضرتك جاهز؟

-مش تشربي حاجة الأول؟
هزت رأسها بالنفي و شكرته ببرود قبل أن تعود لتقول:
-أعتقد نبدأ بقا
أومأ برأسه موافقاً فبدأت زينة بطرح الأسئلة عليه و هو يجيب عليها بإبتسامة جميلة تزين شفتيه، بينما حاولت هي أن تنهي لقائها معه سريعاً بعد أن لاحظت نظراته القذرة نحوها، و زفرت براحة ما أن أنتهي و وقفت مردفة بإبتسامة صفراء:
-ميرسي جدا يا مستر سيف، كنت مبسوطة جدا بالمقابلة دي، و دلوقتي عن أذنك.

توجهت الي الخارج دون أن تنتظر رد منه، و لكن شعرت بكفه يمسك بذراعها العاري بقوة، دارت لتواجهه و الغضب يحتل كل أنش من روحها و بدون مقدمات رفعت كفها الآخر لتسدد له لكمة قوية تراجع على أثرها عدة خطوات بألم و هو يضع يده على عينه اليمني لتردف زينة بنبرة مهددة:.

-في الأول لاحظت نظراتك القذرة و صرفت نظر عنها، و لاحظت إجاباتك المنحرفة في بعض الأسئلة و بردوا صرفت نظر، إنما تمسك إيدي تاني هقطعهالك فاهم، أنسي المقابلة دي، و أستني مقال محترم عن سيادتك في الجريدة بكره في الصفحة الأولي و بالبنط العريض، انا هوريك مين هي زينة السعيد
ثم غادرت المكان و صفعت الباب خلفها بقوة بينما بقي سيف ينظر نحو الباب ليقول بنبرة باردة:.

-بتمدي إيدك عليّا! كنتي الأولي و هتكوني الأخيرة يا زينة، و اللي حصل ده هيترد ليكي الضعف

أرتفع رنين هاتفه للمرة التي لا يعلم عددها و لكنه يعلم المتصل بالتأكيد، رفع الهاتف بتردد فربما أصابها مكروه! فأجاب على إتصالها بسرعة ليأتي له صوت صراخها و هي تقول:.

-أنت عارف انا كلمتك كام مرة؟ مخوفتش اكون في مصيبة و محتاجاك؟ مخوفتش يكون جرالي حاجة أنا أو أبنك؟ كل ده علشان ست عزة بتاعتك! روحلها أهيه عندك أهيه بس أنا مش راجعة البيت النهاردة يا معتصم، و متحاولش تدور علشان مش هتلاقيني، سلام.

أغلقت المكالمة قد أن ينطق بحرف واحد، فأبعد الهاتف عن أذنه و ضيق عينيه شاعراً بخنقة شديدة في روحه، نقر عدة مرات على الهاتف و عاد يضعه على أذنه ليجيب الطرف الآخر بعد ثواني، و التي لم تكن سوي جنات و بعد بعض التحية أردف معتصم بتعب:
-ماما معلش بس يا ريت لما زينة تيجي عندك بلغيني علشان شدينا شوية سوا الصبح و قالت مش هترجع البيت النهاردة.

-جاتلي الصبح يا معتصم و أتكلمت معايا يا حبيبي و قالت أنها هتعتذر ليك بعد ما عرفت غلطها بس كمان لازم أعرفك حاجة مهمة أوي يا حبيبي زي ما عرفتها
أعتدل معتصم و ترك القلم بيده ليقول بإهتمام:
-حاجة أيه يا ست الكل؟

-الست يا حبيبي في فترة الحمل بتكون هرموناتها بايظة شوية، يعني الغيرة هتكون الضعف الحب هيكون الضعف الزعل و الخنقة و العياط حتى فرحتها هتكون الضعف، علشان كده حاول تستحملها شوية، ده لسه أول بيبي و هي اكيد متوترة و خايفة شوية من التجربة دي حتى لو كانت طايرة من الفرحة، ساعدها حبيبي تعدي الفترة دي و أنت جنبها و متسبهاش زعلانة أبداً، و حاجة أهم بقاا أتعلموا مشاكل بيتكم متخرجش بره البيت.

تنهد معتصم و هو يعلم أنها محقة، زينة ليست على طبيعتها و يجب أن يتحملها فهي في تجربة جديدة و صعبة بالنسبة إليها، بالإضافة الي أنه اهمل أتصالاتها و لقد كانت تهاتفه حتى تعتذر و أثار هو غضبها أكثر..
سمع صوت جنات تنادي بأسمه، فقال:
-معاكي يا ماما، حاضر، هعمل كل اللي قولتي عليه، و ربنا يقدرني على بنتك و جنانها
-زينة فعلاً مجنونة بس بتحبك يا معتصم
أجابها معتصم بحب و تنهيدة حارة خرجت من بين شفتيه:.

-و أنا بعشقها يا ست الكل، أول ما تجيلك كلميني، و انا هخلص شغلي و أجيلها
-حاضر، روح أنت بقا خلص شغلك علشان تيجي بدري
أغلق معتصم الهاتف معها، ثم نظر أمامه بإبتسامة بعد أن جاءت صورة زينة أمام عينيه، و سرعان ما تحولت الإبتسامة لغضب شديد و هو يتذكر عزة و أخذ يلعنها و يسبها حتى دق الباب ثم دخل العسكري ليقول:
-أستاذ منير فتحي من جريدة منارة الحقيقة بره يا فندم.

نظر معتصم الي العسكري بتعجب و لكن أذن له بدخول منير، الذي دخل و إبتسامة جميلة ترتفع على شفتيه و صافح معتصم ثم جلس، ليقول منير:
-طبعا مستغرب أنا جاي هنا ليه؟
-بصراحة أه، أنت منور طبعاً بس حاسس بحاجة مش مظبوطة، جاي ليه؟
عقد منير ذراعيه على صدره ليقول برسمية:.

-زينة طلبت أنها تاخد هدنة شوية من القضايا الخطر و تنتقل صفحة الفن أو أي حاجة تانية، و فعلاً مستر عادل أستجاب لطلبها لأنها حامل و نقلها في صفحة البيزنس، و علشان كده أنا جاي بديل ليها
-بديل ليها في أيه؟ فيه قضية جديدة يعني؟
دق الباب و دخل العسكري الذي أعلن عن وجود عبدالله في الخارج، فأذن له معتصم بالدخول و دخل يصافح الجميع و جلس مقابل منير و وضع ملف على مكتب معتصم مردفاً:.

-سيادتك المقدم باعتلك الملف ده يا معتصم و بيقول أن القضية اللي كنت بتشتغل عليها هتكون معايا أنا
سحب معتصم الملف ليقول بتعجب:
-ده مش بيحصل غير لما يكون فيه قضية قديمة ليّا أتفتحت تاني أو فيه حاجة مهمة
رفع عبدالله كتفيه بجهل بينما قال منير:
-مستر عادل قال أن دي قضية قديمة كانت زينة مسكاها معاك، و فهمني كل حاجة عن اللي حصل في واشنطن.

أنهي جملته و حمحم و هو ينظر نحو عبدالله، ففهم معتصم مغذي نظراته بينما أردف عبدالله بإستغراب:
-واشنطن أيه؟
هز معتصم رأسه بالنفي مردفاً:
-متشغلش بالك أنت، روح و هجهز الملف و أبعتهولك
اومأ عبدالله ثم ذهب بسرعة، فنظر منير الي معتصم ليقول بإهتمام:.

-مستر عادل بيقول أن فيه معلومات بتقول أن سائح هندي جه مصر بغرض السياحة، و بعد التدقيق في معلوماته الشخصية عرفنا أنه أخ عالم هندي من العلماء اللي أتمسكوا في واشنطن
أغلق معتصم عينيه بتعب ليقول:
-لأ أنا مش قادر تاني القضية دي، يا رب ميكونش جاي يخلص علينا ولا جاي يكمل خطة أخوه و باقي المجانين دول
صمت منير للحظات قبل ان يكمل بتردد:
-مش هتصدق بيشتغل أيه؟

ردد معتصم بسخرية شديدة و هو ينظر الي صورة الشاب الهندي:
-خير يا تري؟ كاهن في معبد؟!
-لا بيشتغل في السحر الأسود و العياذ بالله، و عنده عفاريت و جن في كل حتة، اللهم أحفظنا
نظر معتصم الي منير بسخرية و ضحك بخفة ليقول:
-أنت بتصدق في الخرافات دي؟
-شوف كام واحد قال نفس الجملة دي قبلك و عرف أنها مش خرافات و عاشها كمان، و بعدين السحر مذكور في القرآن، و الهند معروفة أنها بلد السحر الأسود.

تجاهل معتصم توتر منير بل و حديثه بأكمله فسأله بحدة:
-تمام، أيه بقا دورنا احنا دلوقتي هنعمل أيه؟
-دورك أنت مراقبته و دوري انا تجميع معلومات عنه علشان نعرف هو هنا في مصر في الوقت ده بالذات بيعمل أيه؟
-و لو أن الموضوع سهل بس طالما أتربط بقضية واشنطن يبقي فيه خطر، هظبط ملف قضية عبدالله و أديهوله و هننزل سوا تمام
.

دلفت الي حجرته فكان يجلس كحاله في كل يوم، شاحب الوجه كالموتي و شفتيه بنية و الهالات السوداء تحيط بعينيه، و شارد الذهن، أقتربت لتلتقط كرسي و تضعه أمامه ثم جلست أمامه بإبتسامة مردفة:
-عارفة أني أتأخرت عليك بقالي كتير بس كان غصب عني، الشغل كتير و معتصم هيموتني معاه
صمتت لحظات قبل أن تبتسم لتقول و هي تحيط بطنها بكفيها:.

-كريم، عندي ليك خبر حلو أوي، أنا حامل في الشهر التالت، هكون ماما قريب و معتصم هيكون بابا، مسئولية جديدة هتتضاف لحياتنا، على قد ما فرحانة أن حتة منى بتكبر جوايا على قد ما خايفة من التجربة دي، و خايفة انا أو البيبي يجرالنا حاجة، بس ان شاء الله مش هيحصل حاجة وحشة
عقدت ذراعيها أمام صدرها بغضب و أردفت:.

-أتخانقت مع معتصم، تخيل زعلان منى علشان الحرباية مرات أبوه اللي حاطة عينيها عليه، واحدة حيوانة و سافلة ومتفهمش حاجة لا في الأدب ولا في الدين، فضربتها، أنا مغلطتش هي كانت تستاهل و لو كان ينفع كنت قتلتها، هو بقا يتخانق معايا ليه أنا مستاهلش كده، أتصلت بيه كتير أوي و مردش، و لما رد زعقتله و قولتله أني مش هاجي البيت النهاردة و هبات بره
ثم أبتسمت بخفة لتقول:.

-أسمحلي بقا أكون ضيفة تقيلة على قلبك النهاردة هنقعد سوا طول اليوم هعوضك علشان مجتش الأسبوع اللي فات، و الأسبوع الجاي هجيلك مع معتصم ماشي
صمتت و هبطت بنظراتها الي الأرض بحزن و كادت أن تبكي و لكن حاولت أن تتماسك فأردفت:.

-هتفوق أمتي يا كريم و تخرج من هنا؟ هتخرج من هنا فعلاً ولا هتخرج من هنا على السجن؟ أنت ليه عملت كده ضيعت نفسك ليه؟ كنت عايزاك معايا، كنت معتبراك أخويا يا كريم و صاحبي، كنت فاكرة لما اتخانق مع معتصم هاجي أشتكيلك و أنت هتروح تتخانق معاه علشان زعلني، أنت ليه حرمتني من كل ده بسبب غبائك، ليه كده يا كريم؟ مبسوط أنت كده دلوقتي و مرتاح و انت متغيب عن الواقع كله كده، أتكلم يا كريم، قول أي حاجة أرجوك.

وجه كريم نظراته الواهنة نحوها، ليقول بصوت متلعثم و كأنه مفقود في صحراء شاسعة منذ سنوات:
-متتأخريش تاني عليّا
أبتسمت زينة و أنتفضت عن الكرسي غير مصدقة ما قد سمعته للتو، هل تحدث؟ هل قال انه لا يريدها أن تتأخر في زياراتها المتكررة في كل أسبوع؟ هل قال هذا بحق! أمسكت وجهه بين يديها و هبطت دموعها بسعادة و هتفت:
-كريم أنت أتكلمت بجد، كريم رد عليّا؟

عاد كريم الي صمته و لم يجيبها، حاولت كثيراً معه ليتحدث و لكن باتت كل محاولاتها فاشلة، فعادت تجلس على مقعدها بفقدان للأمل، و بدأت في سرد الكثير و الكثير، ولم تكن تعلم أن الشخص الذي امامها يسمعها بكل جوارحه و الأهم من كل هذا، بـقلبه!
.

مرت الكثير من الساعات و لم تذهب زينة الي منزل أهلها في المقطم و لم تعد الي منزلها في المعادي، و كان القلق يسيطر على كل انش في جسده و هو يفكر في مئات الأحتمالات السيئة لمَ قد حدث معها، أنتفض اخيراً و قد تذكر سلسالها الذي لا تخلعه أبداً و معه أرقام جهاز تحديد المواقع الذي بداخله، فخرج من منزل أهلها بسرعة و فتح هاتفه ليري أين هي الآن و صعق عندما وجدها تستقر في مستشفي الامراض العقلية، و التي يقطن بها كريم!

صعد الي سيارته ثم أنطلق بها بجنون نحو المستشفي، وصل بعد دقائق ليترجل بسرعة و يدخل نحو غرفة كريم مباشرةً و التي يعلم مكانها عن ظهر قلب، فوجدها تنام على المقعد أمام الفراش بينما كريم ينظر لها في صمت تام، فتح معتصم باب الحجرة بغضب و أقترب من كريم و سدد له لكمة قوية و صرخ به:
-أبعد عينك عن مراتي.

أستيقظت زينة بفزع فألتفت لها معتصم و حملها بين ذراعيه بدون أن يوجه لها كلمة واحدة، و لكنها صرخت عندما وجدت كريم يرقد على الفراش و أنفه تنزف:
-معتصم أنت أتجننت؟ ضربته ليه حرام عليك، نزلني، بقولك أبعد عني نزلني.

أستجمعت كل قوتها في محاولة لدفعه حتى ينزلها و لكن كانت المحاولة فاشلة، فصمتت في إنتظار زوجها لينفجر مثل القنبلة في وجهها، فتح باب سيارته و أنزلها عليه بقسوة و شد حزام الأمان ثم صعد هو الآخر خلف عجلة القيادة و أنطلق بالسيارة بسرعة وسط صمت تام من الطرفين، قطعه صوت زينة المرتجف لتسأله:
-ضربت كريم ليه يا معتصم؟
-مسمعش صوتك لحد ما نوصل
ضربته بقوة على كتفه بقبضتها و صرخت بغضب:.

-هو أيه اللي متسمعش صوتي حد كان قالك أن أنا الجارية اللي أشتريتها
أبعد كفها عن كتفه و جذبها بقوة من خصلاته و عيناه يفيضان بالغضب، و لقد شعرت بهذا فعلاً عندما أسودت عيناه بسرعة و من نبرته العميقة عندما قال:
-بالظبط كده، و لآخر مرة بقولك مسمعش صوتك لحد ما نوصل.

ثم تركها بقسوة كما أمسكها تماماً، فنظرت امامها و صمتت متذكرة آخر مرة كانت عيناه غاضبة بهذا الشكل عندما صفعها في المستشفي بعد أن ذهبت لثرية بدون علمه و تسببت في موت سبعة بنات أمامه و هو يجلس مكتوف اليدين من اجلها..

دقائق آخري و كانت سيارتهم تقف امام العمارة التي يقطنون بها، فهبط معتصم و توجه الي بابها ليفتحه و ينتزعها من كرسيها بين ذراعيه من جديد و توجه بها نحو المصعد و ضغط على الطابق الذي يقطنون به و ساد الصمت حتى وصلا فدق الباب بقوة و ثواني و فتحت عزة الباب متفاجأة بالمنظر أمامها، و إبتسامة داخلية نمت على شفتيها فهي تعلم معتصم جيداً عندما يغضب، و لا بد أن زينة أساءت كثيراً إليه..

تجاهلها و دخل غرفتهما فتعلقت زينة بعنقه بقوة و أغمضت عيناها بخوف لتردف:
-مترمنيش جامد على السرير أنا حامل.

توقف فجأة أمام الفراش و كأنه قد تذكر للتو فقط أنها حامل و أنه عاملها بقسوة، تمالك أعصابه و عواطفه ليضعها برفق على الفراش ثم تركها و توجه نحو المرحاض ليغلق الباب عليه بقوة بينما كانت هي تنظر إلي الباب و ذهنها منشغل بالتفكير، ماذا حدث من أجل كل هذا؟ هل لأنها تركت المنزل و لم تذهب لعائلتها؟ أم بسبب غيرته المرضية من كريم الذي لا يعي الحياة حوله؟

لم تستمر حيرتها طويلاً فلقد خرج من المرحاض و يلف خصره بمنشفة سوداء، ثم توجه نحو خزانة الملابس متجاهلاً إياها تماماً حتى لا يفقد أعصابه، فأقتربت هي منه ببعض التردد لتضع يدها على ظهره و لكنه أنتفض بسرعة و أبتعد عنها و نظر لها بجمود مردفاً:
-إيدك متتحطش عليّا مفهوم
عادت تقترب بهدوء لتحاول فهم ما يحدث فأردفت برقة:
-حبيبي بس فهمني حصل أيه مالك؟ دي مش أول مرة نزعل سوا و انا أسيب البيت!

أقترب معتصم من وجهها جداً ليردف و أنفاسه الساخنة تلفح وجهها:
-علشان مفيش واحدة محترمة بتسيب بيت جوزها و تبات بره من غير ما تعرفه هي فين يا محترمة
ثم نظر الي مقلتيها ليكمل:
-أبعدي
تسرب الخوف و الذعر الي جسدها من نبرته القاتلة، فأرتجف جسدها و هي تعود للخلف عدة خطوات لتبتعد عنه كما قال، و لكنها سألته من جديد بنبرة واهنة:
-أنا زعلت منك علشان أتصلت بيك كتير و مردتش عليّا علشان كده.

-مش عايز أتكلم يا زينة، علشان لو أتكلمت هقول كلام مش هيعجبك
ذهب تجاه المرحاض من جديد لكنها توقفت أمامه بشجاعة لتقول:
-عايزة أسمع هتقول أيه؟ مينفعش نعمل خناقة كبيرة كده من غير ما أعرف سببها
ألقي معتصم بالملابس من يده لتسقط على الأرض أسفل قدميه بينما تقدم ليمسك ذراعها بقوة صارخاً بنفاذ صبر:.

-سببها أن لو كل واحدة جوزها مردش عليها سابتله البيت كان زمان نص الستات ميتة أو مطلقات، سببها أني أقولك متعمليش كذا تقومي عملاه من غير تفكير، قولتلك متمديش إيدك على عزة و عملتي، مردتش عليكي و لما رديت سيادتك عليتي صوتك و قال أيه هتسيبي البيت و قفلتي المكالمة قبل ما أرد، سببها أني أكلم ماما أقولها لما تجيلك قوليلي علشان أجي أصالحها و بعد كام ساعة ألاقيها بتقولي زينة مجتش، سببها لما أعرف انتي فين تكوني عند كريم اللي انتي عارفة أني مستحمله بس علشانك، سببها أن أجي ألاقيه بيبص عليكي و أنتي نايمة قدامه، سببها انك علشان زعلتي منى روحتي لراجل غيري يا زينة و كنتي هتباتي معاه، علشان أنتي غبية و متهورة و مش بتفكري في الحاجة قبل ما تعمليها، قلبتي الدنيا علشان عزة قالتلك كلمتين و أنا عيني وقعت عليها غصب عني، أنما شايفة طبيعي تروحي لكريم و تنامي هناك و قافلة تليفونك كمان، لولا أبني اللي في بطنك ده كان زماني طلقتك دلوقتي.

شد على ذراعها أكثر ليقول بنبرة قاتلة و هو ينظر الي مقلتيها اللاتي أمتلأن بالعبرات:
-متخلنيش أوصل لمرحلة أكره حبي ليكي يا زينة لأني علشان بحبك بفوتلك غلطات كتير جدا، و أوعي ييجي في بالك أني هسمح لحبي ليكي يضعفني تاني، و متخلنيش أستعمل معاكي أسلوب أنا نفسي كارهه، تنسي كريم ده لا هتروحي زيارات كل أسبوع ولا تجيبي سيرته أصلا مفهوم
هزت رأسها بالنفي لتقول من بين دموعها التي شقت طريقها الي وجنتيها:.

-كريم تعبان و هو مظلوم في كل اللي حصله في حياته
-قدامك فرصة أختاري يا أنا يا كريم، و لأخر مرة أنا مش هسمح ليكي تقللي من كرامتي أكتر من كده
-معتصم أنا معملتش حاجة
تركها ليدور حول نفسه و يصرخ:
-ما دي المصيبة، أنك شايفة أن اللي بتعمليه ده طبيعي، أنتي مش شايفة نفسك غلطانة.

أنتفضت في مكانها و تحول بكاءها الصامت الي شهقات مرتفعة كادت أن تذهب بعقل معتصم الذي تركها ملتقطاً ملابسه ليرتديها في المرحاض ثم غادر المنزل بأكمله، فبقت هي في مكانها تكمل بكائها، ثم بدلت ملابسها بسرعة و أمسكت بحاسوبها المتنقل لتجلس داخل أرجوحتها في الشرفة، و بدأت الكتابة على حسابها المزيف:.

كتبت كثيراً عن الحب، و كانت دائماً حالتي المزاجية المتقلبة هي سبب في تعدد أرآئي، أخبرتكم مرة أن الحب هو الدواء و السقم، و مرة آخري انه افضل شعور على الإطلاق، و تارة ثالثة أنه لا وجود لهذا الحب سوي في القصص الخيالية التي نقرأها لنخرج بها من واقعنا، و ها انا هنا مع نظرية جديدة بتجربة جديدة و لكن هذه المرة سيكون الحديث عن، الإحتيـاج.

الإحتياج المادي يمكن مداواته بالمال حتى و إن كان المال صعب المنال، و لكن الإحتياج المعنوي لا يمكن مداواته بكل كنوز الأرض، ولن يتمكن أعظم السحرة من مداواة هذا الأحتياج، و لا لأكبر حب أن يفعل، جملة بسيطة أصبح يرددها شباب مواقع التواصل الإجتماعي الأهتمام مبيتطلبش ، و كانت تتناقل على ألسنتهم كمزحة و لكن إن تأمل كل منهم حقيقتها سيجد أنها أكثر جملة واعية و مؤلمة في الحياة.

فأنت لن تذهب و تخبر أحدهم أن يهتم بك، أو أن يحبك، أو انك حزين و تحتاج الي عناق حار، لن تطلب من أحد أن يشعر بقلبك المفتت بسببه، ولا أن يعيد روحك التي سلبها، لن تخبر أحدهم أنك تتمني منه أن يفعل الكثير من أجلك، أن تكون أنت كل حروبه، لن تخبره أنك تتألم في غيابه، أو أنك تتمني منه أن يعطيك فرصة ثانية لأنه يحبك، لن تطلب أن يفهمك أو يشعر بما تشعر به، أن يشاركك أحزانك كما يفعل في سعادتك، لن تخبره لأنه و ببساطة الأهتمام مَطلب لا يُطلب!

و أعتقد أن هذا هو قمة الأحتياج المعنوي، بل قمة المعاناة، لن يتمكن أحد من مداواة جروحك إلا شخص واحد حتى و لو حاول معك الآلاف، إحتياج لشخص واحد لا يعوضه الآخرين، إحتياج لن ينتهي إلا بإنتهاء حياتك أو بإهتمام الطرف الآخر فيلبي أحتياجك، و إن كانت لكل المشاكل حلول، فلا أعتقد أن للأحتياج حل آخر سوي الأهتمام.
متمردة .

ضغط على كلمة النشر ثم صمتت لثواني و هي تجفف دموعها من جديد، ثم فتحت ملف روايتها لتكملها فلقد شارفت على الإنتهاء..

جلس بجوار عبدالله بتعب و هو يفرك رأسه في صمت بينما يتأمله الآخر بملل، فرفع معتصم نظره ليقول بسخرية:
-ما تاخدلك صورة
عاد عبدالله بظهره ليلتصق بالمقعد و يعقد ساعديه أمام صدره قائلا بتعجب:
-و الله يا معتصم مبقتش عارف أنت ذكي ولا غبي
-قصدك أيه؟

-قصدي أنك سايب مراتك زعلانة في البيت و جاي قاعد معايا، سايب حبيبتك حتى لو هي سبب الخناق، كنت بتزعقلها علشان سابت البيت و معرفتش هي فين، و أديك بتعمل نفس اللي هي عملته، سبتلها البيت و جاي عندي
أنتفض معتصم واقفاً بذعر ليقول:
-أنا سبت البيت بسبب تصرفاتها اللي مبقتش فاهمها، و سبته وجاي عند صاحبي مروحتش عند واحدة البيت.

-مبقتش فاهم أيه؟ أنت متخيل أن زينة مش بتحبك؟ دي بتعشقك و بتموت فيك و أنا و أنت عارفين كده كويس، و هي أه فعلا غلطت بمرواحها عند كريم، بس هي زينة تعرف مين تروحله؟ منير و كريم و أهلها بس، هتروح لأهلها كل يوم تشتكي ليهم ويقعدوا يأنبوها! ولا هتروح لمنير البيت أو تقعد معاه في كافيه! هي عملت اللي شايفة أنه أصح حاجة، راحت لواحد كانت بترتاح معاه في الكلام، و هو مش عايش معانا أصلا ده عايش في عالم خاص بيه، راحت تفضفض مع جثة، أه غلطت بس دي طريقتها و ده تفكيرها و كلنا عارفين زينة أتربت إزاي و أنها كانت متدلعة بسبب اللي حصل ليها من تحت راس خالد الكلب، أنت بقا مع كل غلطة هتزعق و تسيب البيت ولا تقعد معاها و تفهمها بتحب أيه و مش بتحب أيه؟ تكلمها بهدوء و تفهمها غلطها كأنها بنتك ولا تقل بأدبك عليها و تضربها بالقلم زي ما ضربتها في المستشفي قبل كده؟ هتعلمها ولا هتعاقبها من غير ما تتعلم يا معتصم، أنت بتحبها يا معتصم؟

نظر له معتصم بسخرية و لم يجيب، فعاد عبدالله يسأله من جديد، فنظر له معتصم بإستنكار مردفاً:.

-أنت أهبل ولا أيه؟ أكيد بحبها متخيلتش السؤال ده يطلع منك! أنا بصرف نظر عن غلطات كتير ليها، و مكمل معاها لأني بحبها و بعد 9 شهور جواز جاي تسألني بحبها ولا لأ! و عايزني أقولها أنا بحب أيه و مش بحب أيه؟ و أيه اللي أنا متقبلة و أيه اللي عايزها تغيره لأنها مش حاجة حلوه؟ عايزني أرجع أعرفها على نفسي تاني بعد كل ده!

-9 شهور أيه يا معتصم! اه ممكن تكون فعلاً أتجوزتوا من 9 شهور، بس لو ناسي فيه 5 شهور منهم قضيتوهم هربانين من القتل تحت إيدين مجانين، يعني لو هنحسب فترة جوازكم الطبيعية هيكون 4 شهور و قبلها 4 شهور تعارف و خطوبة، تفتكر 8 شهور بس كفيلة أن كل واحد فيكم يعرف أيه اللي التاني بيحبه و يحاول يأقلم نفسه عليه! طيب هسألك سؤال أيه أكتر حاجة مش عاجبة زينة فيك؟
عقد معتصم حاجبيه بتعجب و لوي ثغره، فأكمل عبدالله:.

-مش عارف صح! لأنك محاولتش تسألها؟ لأن محصلش موقف يتطلب انها تقولك أنها محبتش ده وقتها! او يمكن هي معندهاش الجرأة تقولك هي مش عاجبها أيه؟ طب يا تري عارف زينة بتعمل أيه دلوقتي أو نفسها في أيه؟
-بعد كل خناقة بتحبس نفسها في الحمام و تعيط و بعدين بتروح تكتب في البلكونة
-طيب هي بتكون مبسوطة بعدم وجودك جنبها و هي بتعيط أو بعد العياط؟
صمت معتصم من جديد و لم يجيب فأردف عبدالله بسخرية:.

-يعني أهوه بتعمل زيها، عارف انها بتكون عاوزاك جنبها بعد الخناق و مع ذلك أنت سايبها و جيت عندي، هي سابت البيت و انت سبت البيت، بأي حق عايزها تفهم و أنت أصلا مش عارف هي مش بتحب فيك أيه يا معتصم؟ ولا مقدر أنها محتاجاك دلوقتي، تعرف أن هييجي وقت تندم فيه على كل لحظة كان قدامك فيها فرصة معاها و في حضنها و انت ضيعتها بغباءك، أنا دلوقتي بتمني أن ريهام ترجعلي دقيقة واحدة بس، و الله عايزها دقيقة واحدة بس أقولها قد أيه كنت بحبها و كنت هفضل معاها علطول و مستحيل أسمح لحد يفرق ما بينا مهما حصل، بس انت دلوقتي اللي بتبعد عنها بمزاجك.

-عبدالله، أنا مش جايلك علشان تأنبني؟
صرخ عبدالله في وجهه مردفاً بدموع تهدد بالنزول:.

-أمال جاي ليه؟ فاكرني هقولك أنت صح و هي وحشة؟ لا يا معتصم لو حد وحش فهو أنت، أنت لأنك سايبها لوحدها و قاعد معايا هنا، مش مهم مين السبب في الخناق، مش مهم مين اللي المفروض يعتذر لأن أي خناقة الطرفين بيكونوا غلطانين فيها، أول ما أنت هتعتذر هي هتعتذرلك و هتعيطلك و تقولك أنها هبلة علشان سابتك زعلان، و هي لو أعتذرت انت كمان هتعتذر و تقولها أنك أسف علشان سبتها و مشيت و توعدها ان ده مش هيتكرر تاني، كل واحد فيكم عارف أنه غلطان بس بيكابر علشان ميعتذرش الأول، خليك انت الشجاع و روح قولها أسف و عاتبها و صالحها و نام في حضنها، بدل ما هي هناك بتعيط و أنت هنا بتاكل في نفسك، فوق بقا يا معتصم قبل ما تضيع من أيدك.

تركه عبدالله ليدخل الي غرفته و يصفع الباب خلفه بقوة، و سمع معتصم صوت بكائها و أنهياره، و أقترب يدق على الباب بتردد فأردف عبدالله بتعب:
-سيبني دلوقتي يا معتصم، انا محتاج أكون لوحدي شوية، لو هتبات هنا روح نام في الأوضة التانية، بس نصيحة منى أرجع لمراتك، تصبح على خير.

زفر معتصم بضيق و حزن على حال صديقه الذي لم يتخطي ما حدث مع معشوقته بعد، فتركه ليسقط بجسده على الأريكة في صمت شديد، إبتسامة صغيرة نمت داخله وهو يمسك بهاتفه و يفتح حسابها المزيف و قد صدق إحساسه، نشرت مقال جديد منذ ساعتين، بدأ قرآته و هو يفتح عينيه من الدهشة و الذهول، هل هذا هو ما تشعر به حقاً! هل عدم وجوده الي جوارها مؤلم الي هذا الحد الذي شعر به من وصفها! سحب مفاتيح سيارته و هو يلعن نفسه بداخله، ثم أنطلق بها نحو المنزل بسرعة، وصل بعد دقائق و دخل بسرعة فوجد عزة تجلس أمام التلفاز، تجاهلها ليدخل غرفته و لكنها نادت بإسمه، فزفر بضيق و ألتفت ليجدها تقف أمامه بإحراج شديد مردفة:.

-معتصم هو حصل أيه؟ أنا صحيت لقيت نفسي عاملة كده؟!
أشارت الي وجهها و ذراعاها الممتلآن بعلامات زينة الدموية، أبتسم إبتسامة صفراء في وجهها ليقول:
-الشغل ده مش عليّا يا عزة، أنا فاهمك و أنتي عارفة كده كويس
أقتربت منه أكثر لتسحبه من ياقة قميصه بهدوء و تقترب من وجهه قائله بنبرة رقيقة:
-بس زينة متعرفش، هي عارفة اني تعبانة، قولها أني مكنتش في وعيي
نظر معتصم حوله بهدوء ثم عاد ينظر في وجهها ليقول ببرود:.

-البيت فيه في كل ركن كاميرا مراقبة، أي حركة غلط منك زي اللي انتي عملتيها الصبح أو قربك منى بالشكل ده دلوقتي هاخدهم لعمك، و دلوقتي ابعدي زي الشاطرة.

أنتفضت بسرعة مبتعدة عنه بفزع من فكرة أن يعيدها عمها إليه بالقوة، سيقتلها حتماً من أجل أفعالها المخجلة، أو ربما يزوجها الي عجوز آخر، ابتسم معتصم بسخرية على رد فعلها ثم تركها ليتجه نحو غرفته، فتح الباب و أغلقه خلفه، و جال بنظراته في الغرفة ليجدها تجلس داخل أرجوحتها في الشرفة، أبتسم و خلع ملابسه ليرتدي بنطال مريح و بقي عاري الصدر، ثم أقترب ليفتح الشرفة و يقف أمام تلك التي تركز تماماً في حاسوبها و لم تعيره أي أنتباه، نطق أسمها بهمس و شعر بتصلب عضلات وجهها و توقفت عن النقر على لوحة المفاتيح، بل و يشعر بدقات قلبها التي تعالت بسرعة شديدة، أقترب أكثر ليدخل الي الأرجوحة بجوارها، و جلس خلفها محيطاً خصرها بقدميه، و طوق بطنها بذراعيه واضعاً ذقنه على كتفها في هدوء يستنشق عبير عنقها..

أبتلعت لعابها بتوتر و حاولت تجاهله و هي تعود لتكمل ما كانت تفعله و لكنه بدأ في الكلام لتتوقف عن الكتابة و هي تشعر بقلبها كاد يخترق صدرها للخروج بسبب سرعة نبضاته و هو يقول:.

-أنا أسف لو قولتلك كلام غبي و زعلك مني، و أسف علشان خليتك تكتبي الكلام الغبي ده أو تحسي بالإحساس ده، و أسف علشان مراعتش أن حملك مخليكي بتتأثري بسرعة و علشان كده مستحملتيش كلام عزة و ضربتيها، بس مش أسف على ضربي لكريم ولا على زعلي منك لأنك روحتيله تشتكيله مني، لو زعلتك تعاليلي انا و قوليلي انت زعلتني، و أنا و الله هعاقب نفسي علشانك و هعملك كل اللي نفسك فيه لو معاكي حق، بس متسبنيش يا زينة و لا تسيبي بيتنا، متبعديش و تروحي لأي حد تاني لأن الموضوع ده بيجنني بجد، انا عايز مراتي ليا لوحدي، تزعل معايا و تضحك معايا و تشتغل معايا و تعيط معايا و تموت معايا، عايز كل ده لأني بحبك بجنون يا زينة، و غيرتي عليكي مش بإيدي، تعالي نفتح صفحة جديدة، صفحة كل واحد يعرف فيها التاني بيحب أيه و بيتضايق من أيه و نحاول نتخطي أي حاجة تزعلنا أو تخلينا نتخانق، تعالي نفهم بعض أكتر و نحب بعض أكتر، قولتي أيه؟ هتبدأيها معايا ولا هتفضلي زعلانة منى و مخصماني و واجعة قلبي عليكي علشان زعلانة بسببي.

صمتت، و لكن ضربات قلبها لم تهدأ، و عقلها لم يهدأ عن التفكير في كل كلمة قالها و هي تحاول حفظها في ذاكرتها جيداً، سمع صوت أناملها التي تنقر فوق الأزرار أمامها، فنظر الي الشاشة ليجدها تخط نهاية روايتها الأولي بجملة واحدة:.

سنظل معاً و إلي الأبد، حتى و إن أجتمع العالم كله لتفرقة أتحادنا و التحام أرواحنا لن يتمكن، لأنني لن أسمع بأن يعيق أي شخص الطريق الذي أتخذه قلبي لعشقك بعد أن تعلم بين يديك معني هذا الشعور، أحبك و ليحترق العالم في الجحيم .

ثم كتبت كلمة النهاية في منتصف نهاية الصفحة، وقامت بحفظ الملف و أغلقت الحاسوب لتلقيه بعيداً ثم ألتفتت لتطوق خصر الذي يجلس مقابلها و تعانقه بقوة مطوقة عنقه بذراعها و دفنت رأسها بداخله و بدأت في البكاء بخفوت، بينما الآخر يضمها بقوة و هو يهمس بكلمات الإعتذار و العشق في أذنها و يضع قبلاته الهادئة على عنقها حتى أنتهي بكائها تماماً فحملها متوجهاً الي الداخل فنظرت الي وجهه و ضمته بكفيها مردفة بترجي:.

-متسبنيش تاني زعلانة و تمشي، متسبش البيت يا معتصم
-حاضر يا حبيبة قلب معتصم، أوعدك مش هعمل كده تاني بس كفاية زعل
هزت رأسها بالإيجاب و عادت تضمه من جديد بحب و أناملها تمررها بخفة على مؤخرة عنقه مردفة:
-مش ناوي تحلق دقنك دي، أنا بكرهها طويلة
وضعها على الفراش برقة مبتسماً و أردف:
-عارف أنك بتحبيها خفيفة، بس أنتي اللي تستاهلي علشان بعد كده تعملي مقالب تشككيني في ذاكرتي تاني.

وضعت يدها على وجنته و عضت شفتها السفلي في إستمتاع:
-بحب أغيظك، يا سلام دي أحلي حاجة في الكون شكلك و انت متغاظ كده
رفع حاجبه الأيمن بإستنكار مردفاً:
-طب علفكرة أنتي كلامك ده بيغيظني
-عارفة و قاصدة
-مفيش كريم تاني يا زينة
هزت رأسها بالإيجاب مردفة:
-حاضر مفيش كريم تاني، بس هيكون فيه بالنسبالك، هتروح أنت كل أسبوع زي ما أنت تطمن عليه وعلي حالته و كده هكون أنا بره الصورة خالص، ممكن ولا ده طلب كبير؟

زفر بضيق حاول إخفاؤه و أردف:
-أنتي مهتمة جامد ليه يا زينة؟

-مش مهتمة على قد ما هو صعبان عليّا يا معتصم، أتصدم في مامته و عمه اللي طلع أبوه، كان دكتور شاطر و ناجح و أنت عارف كده كويس، كان ممكن يبقي كويس و عايش طبيعي لو حد قاله الحقيقة، و عذراه يا معتصم، أنا لو بابا و ماما جرالهم حاجة و عرفت مين اللي أذاهم ده أنا أكله بسناني، هو بس ملقاش اللي يقوله غلط، لأنه عاش في عالم كله غلط، علشان كده لو سمحت خد بالك أنت منه و أهتم بيه، أعتبره أخوك الصغير.

-زينة كريم أكبر مني
ردد جملته و هو يقلب عيناه بسخرية، فضحكت بخفة و هتفت:
-بس انت عقلك أكبر منه، هاه قولت أيه؟ موافق على طلبي؟
تنهد بقلة حيلة و أومأ برأسه، فأبتسمت زينة و صفقت بيدها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة