قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ظلمها عشقا للكاتبة إيمي نور الفصل السادس والعشرون

رواية ظلمها عشقا للكاتبة إيمي نور الفصل السادس والعشرون

رواية ظلمها عشقا للكاتبة إيمي نور الفصل السادس والعشرون

اقتربت كريمة من سماح ببطء ووقفت بجوارها تتململ فى وقفتها لاتدرى كيف تبدء الحديث وهى على وشك المغادرة هى واطفالها الى قرية والديها للبدء فى حياة جديدة لكنها لاتستطيع الخروج هكذا دون ان تحاول اصلاح ولو جزء مما اقترفته فى حقهم وظلت طوال الليل تعد ما ستقوله وترتب له جيدا ولكن حين حانت اللحظة هرب كل شيئ من عقلها تقف امامها تستجمع شجاعتها عدة لحظات تجاهلتها فيهم سماح تماما حتى استطاعت القول اخيرا بصوت خافت متردد.

: سماح انا مش عاوزة قبل ما امشى تكونوا زعلانين منى..

ظلت سماح جالسة كما هى تتطلع امامها بجمود ولا يظهر على ملامحها اى استجابة لتكمل كريمة برجاء وعتب
: طيب ردى عليا وكلمينى، متبقيش زى اختك فرح.

ابتسمت سماح ساخرة بمرارة قائلة
: انتى كمان زعلانة انها مش عاوزة تكلمك بعد ما جوزها كان هيروح فى داهية وانتى كنت عارفة وسكتى.

سحبت كريمة احد المقاعد تجلس عليه فى مقابلها وهى تقول برجاء
: طب اسمعينى بس، انا والله ما كنت ناوية اعمل اللى ظاظا طلبه منى، انا كنت هاخد القرشين واخد عيالى واشوف مصلحتى بعيد عن هنا...

قاطعتها سماح ولاول مرة ترى كريمة هذا الوجه منها وهى تلتفت لها صارخة بكل الغضب ومرارة الخذلان والتى تشعر بهم فى هذه اللحظة
: مصلحتك على حساب اختى وبيتها؟!، مجاش فى بالك وانتى بتفكرى فى نفسك تفكرى فيها وفى اللى هيحصل لها لو ظاظا قدر ينفذ اللى عاوزه بحد تانى غيرك، ده حتى مش بعيد يبقى جوزك، وزى ماعملها مرة يعملها تانى وتالت.

شحب وجه كريمة تحاول الحديث والبحث عن كلمات تدافع بها عن تفكيرها الانانى لكنها لم تجد فتطبق فمها وتحنى رأسها من خزى فعلتها لتبسم سماح قائلة بسخرية
: اخدتى بالك دلوقت صح، فكرتى فيها وفى اللى كان هيحصل...

تغيرت نبرتها تختنق بغصة البكاء قائلة لها بخيبة امل
: طب كنتى على الاقل تعالى ونبهينى للى بيحصل ولا عرفى فرح وبلاش تقولى لصالح لو كنت خايفة منه، بس لا انتى اتسعرتى اول ما شوفتى الفلوس ونسيتى كل حاجة الا نفسك وبس.

رفعت كريمة وجهها وعينيها مغرووقة بالدموع قائلة بندم وبصوت متحشرج
: كان نفسى ابعد عن هنا، كان نفسى ولادى مايشفوش اللى انت وفرح شوفتوه بالعيشة هنا.

نهضت سماح واقفة ببطء قائلة وهى تتطلع نحوها بحسرة والم
: وهو حصل ياكريمة وربنا يهنيكى فى حياتك، بس عاوزة اقولك ان برغم كل اللى شوفته انا وفرح فى عشتنا مع جوزك عمرنا ما فكرنا نسيب هنا ونبعد
عارفة ليه؟! علشانك ياكريمة، علشان منسبش اخت تانية لينا، اخت باعتنا فى اقرب فرصة من غير تفكر ثانية واحدة غير فى نفسها.

رفعت كفيها بتحذير لها حين نهضت كريمة من مقعدها تحاول التقدم منها قائلة برجاء وصوت مرتعش
: انسى ياكريمة وعيشى حياتك زى مانتى كنت عاوزة وانسينى وانسى فرح احنا خلاص مبقاش لينا حد.

سارت بأتجاه غرفتها عدة خطوات لكنها توقفت تلتفت نحوها مرة اخرى تبتسم بضعف ومرارة قائلة
: اه عوزة اقولك اللى شوفته انا وفرح وخلاكى عاوزة تهربى منه لسه بنشوفه وبنعانى منه لحد النهاردة.

دخلت غرفتها تغلق بابها خلفها وتضعه حاجز بينها وبين انسانة كانت من اعز الناس اليها لتنهار كريمة فى البكاء يصل صوتها الى سماح والتى وقفت خلف الباب تستمع اليها لكنها لم تجد فى نفسها القدرة على الغفران او المسامحة ربما فيما بعد قد تستطيع الايام رأب هذا الصدع بينهم وتعود النفوس الى ماكانت عليه يوما ما.

يومين وهو ينتظر فى محله يتأكله القلق والرعب حاول فيهم الوصول الى ذلك الاحمق وزوجته ولكن تقطعت به كل السبل للوصول اليهم فقد اختفى مليجى فى اليوم الثانى من تهديده له ووزوجته هى الاخرى قد اغلقت هاتفها ولا يستطيع الوصول اليها من خلاله.

فكر ان يبعث اليها باحد الاشخاص ليسأل عنها فى منزلها لكنه يخاف ان ينكشف امره ويدرك احد صلته بها لذا فضل فتح محله كما يفعل كل يوم والتصرف بطبيعية حتى تتضح لها الامور وعلى ضوئها يستطيع التصرف.

مرت ساعة اخرى عليه قضاها فى قلقه وافكاره حتى قرر النهوض والذهاب للجلوس على المقهى المجاور لمحل صالح لعله يلمح او يستمع لشيئ مما يدور وبالفعل تقدم بخطوات حتى الباب الخارجى يلقى للعامل لديه بعدة اوامر وهو فى طريقه للخروج لكنه صدم بجسد بأخر شخص تمنى لقائه فى هذا اللحظة وهو صالح والذى ابتسم بسخرية ونظرات عينيه ثابتة لكنها ايضا خبيثة غامضة وهو يتحدث اليه قائلة بنبرة عادية مرحة.

: على فين كده يا معلم، دانا كنت عاوز فى كلمتين.

صدم انور لاا بل صعق حرفيا وقد ارتعبت ملامحه تفر الدماء من جسده وعينيه تتطلع نحو صالح المبتسم بهدوء واستمتاع كأنه قط وقد اوقع فأر فى احدى الاركان حتى يستمتع باللعب معه قبل الانقضاض عليه وهو يتحدث قائلا ببطء وعينيه تطلق بتحذير له وهو يمد يده نحو ياقة قميص انور يعبث بها
: بس لو مشغول ولا وراك مشوار مهم انا ممكن اجيلك وقت تانى.

وجد انور نفسه يهز رأسه بالرفض دون شعور برغم مطالبة عقله له بالفرار والتحجج بأنه لديه بالفعل عمل ما يستدعى رحيله لتتسع ابتسامة صالح وتصبح ابتسامة ذئبية قائلا
: حلو اووى، يبقى اتفضل يا معلم انور واقعد على مكتبك خلينا نقول الكلمتين.

اومأ انور له رأسه كالمغيب يتراجع بظهره للخلف مع تقدم صالح بخطواته للداخل حتى وصل اخيرا لمكتبه يلتف حوله جالسا على المقعد خلفه بعنف بعد ان اصبحت قدميه كالهلام لا تقوى على حمله يتابع جلوس صالح المسترخى فوق المقعد المقابل له ويقوم بأشعال لفافة تبغ بهدوء وتركيز شديد قبل ان يتحدث اخيرا بنبرة عادية
: قولى يا انور، زعلت على فلوسك اللى راحت منك والقلم بتاع الست كريمة ولا لا.

اهتز جسده بعنف كمن ضربته صاعقة من مباغتة صالح له فقد ظن انه سيراوغ فى البداية ويعطى له الفرصة للتغطية على فعلته والبحث عن مخرج لكنه لم يمهل الوقت بل سدد له الضربة فى مقتل وجعله لا يستطع حتى ان ينبث بلفظ واحد وهو يستمر فى هجومه دون رحمة يكمل قائلا دون ان ينتظر ردا على سؤاله
: اكيد طبعا زعلت ده مبلغ برضه مش قليل، انا لو مكانك كنت هزعل اكيد.

ازدرد انور لعابه بصعوبة يتصبب جبينه بالعرق حتى سال على وجهه يحاول التحدث فخرج صوته مرتعش خافت
: انا، مش عارف انت بتتكلم عن ايه، ياصالح بالظبط.

تراجع صالح براحة للخلف فى مقعده قائلا بصوت غير مبالى وهو ينظر لطرف سيجارته
: بس انا عارف يا انور، وجاى النهاردة علشان نخلص كل حاجة بينا ونقفل عليه الموضوع ده خالص.

هم انور بالانكار مرة اخرى بعدم معرفته عن اى شيئ يتحدث لكن لم يمهله صالح الفرصة ينقض عليه يجذب فوق المكتب من قميصه نحوه حتى تقابلت الاوجه وتتصادم الاعين واحدة بنظرات مرتعبة واخرى شرسة قاسية يفح صاحبها من بين انفاسه
: ماقلت لك انا جاى احل واخلص، يبقى تجيلى دوغرى كده وبلاش شغل اللوع بتاعك ده معايا، ها قلت ايه.

اومأ له انور له بالموافقة بسرعة وخوف جعل ابتسامة صالح ترتسم فوق شفتيه يرفع كفه يربت فوق وجنة انور بقوة قائلا
: جدع يا انور، كده نبقى حبايب.

تركه وعاود الجلوس فى مقعده قائلا
: هااا تحب تبتدى منين بقى، انا بقول من الاول من يوم ما طلبت ايد فرح وهى رفضتك.

هز انور رأسه بالموافقة يزدرد لعابه مرة اخرى وهو يحاول استجماع شجاعته ثم يشرع فى اخباره بكل مافعله من يومها وحتى وقتهم هذا بينما جلس صالح بهدوء و اتزان بعكس ما يثور بداخله فى تلك اللحظة حتى انتهى انور اخيرا من قص كل ماحدث يتنفس بسرعة وخوف فى انتظار رد فعل صالح ولكن صالح سأله سؤال واحد فقط كان هو الوحيد الذى يحتاج الى اجابته فقد كان على علم بكل ما سبق الا هذا.

: مليجى عرف منين انى مبخلفش، ومتقولش من بنات اخته علشان انا عارف ان ده محصلش.

ازداد وجه انور شحوبا من لهجة صالح التحذيرية قائلا وهو يرتجف وبصوت مختنق
: مليجى مكنش يعرف، انا، اللى قلت كده، علشان، علشان...

نهض صالح من مقعده ببطء يكمل بدلا عنه بخشونة وقسوة
: علشان افتكر ان فرح او سماح هما اللى عرفوا خالهم مش كده يا انور.

ارتعش جسده وينتفض فوق مقعده وهو ينظر الى صالح بتضرع ورجاء يهتف
: الشيطان والله اللى لعب بيا، انا مش عارف انا عملت كل ده ازى، الشيطان صورلى ان، ان فرح لو سابتك ممكن تحبنى زى مانا كمان بحب...

فح صالح من بين انفاسه يوقفه وقد احتقن وجهه بشدة وعينيه تزداد شراستها
: اخرس، متكملش، الا لو عاوز لسانك ده يتقطع ويترمى تحت رجليك ويتقطع معاه حاجة تانية.

ضم انور قدميه بحماية يرتجف من كلمات صالح وهو يعلم بأنها ليست بتهديد فارغ يصرخ بأرتعاب
: هسكت خالص والله مش هتسمع ليا صوت تانى، اقولك انا هسيب المحل والحارة كلها وننسى كل اللى حصل وهو الحمد لله عدت على خير، وانت كويس والدنيا معاك تمام، قلت ايه ياصالح.

لم يجيبه صالح بل نهض على قدميه يخرج هاتفه من جيبه بعد ان وصلته رسالة تطلع اليها ثم وضعه فى جيبه مرة اخرى يتجه بعدها نحو الباب قائلا
: مستعجلش على ردى يا انور، هيوصلك هيوصلك.

سار حتى الباب الخارجى تحت نظرات انور الزائغة المرتعبة وقبل بلوغه بخطوة التفت اليه فجأة يخرج من الجيب الخاص بسترته لفافة القاها نحوه فورا قائلا
: انور الامانة دى تخصك، اظن انت عارف هى فيها ايه.

لقفها انور بين يديه ينظر اليها كأنها قنبلة موقوتة برغم علمه على ما تحتويه ثم يضعها امامه شاردا عن خروج صالح من المحل تماما ووقوفه خارجه بعدة خطوات كأنه فى انتظار حدوث شيئ ما حتى تعالت صوت سرينة سيارة الشرطة ارتفعت معها ابتسامته الواثقة وهو يقف يتابع مع عدد من اهالى الحارة خروج رجال الشرطة منها ثم يسرعوا للدخول الى محل انور ما هى سوى لحظات حتى خرجوا بعدها ومعهم انور مسحوب من ياقة قميصه وهو يصرخ بهسترية يستطعفهم ويترجاهم ان يتركوه حتى وقعت عينيه على صالح يرى فى عينيه وعلى وجهه القاسى رده على سؤاله له منذ قليل يدرك بأنه اذاقه من نفس الكأس الذى حاول ان يذيقه منه منذ ايام وفشل.

بعدها جلس صالح ومعه عادل والذى اخذ يتحدث فى هاتفه عدة لحظات قبل ان ينهى المكالمة يلتفت الى صالح قائلا
: كده انور راح فى ستين داهية اقل ما فيها 15سنة سجن اشغال بعد البلاوى اللى لقوها فى الشقة اياها.

سأله صالح بأهتمام
: طب مليجى كان موجود ساعتها.

هز عادل رأسه بالنفى ليتنهد صالح براحة ليكمل عادل قائلا
: بس طبعا لسه قضية البلاغ الكاذب، دى فيها حبس وغرامة.

هز صالح رأسه بعدم اكتراث قائلا
: مش مشكلة وهو يتربى يمكن يمشى عدل بعدها...

تصاعد صوت هاتفه مقاطعا حديثه ليخرج من جيبه يفتح الاتصال ويجيب بهدوء قائلا
: ايوه ياحسن، تحت هكون فين يعنى، طب حاضر طالع، خلاص ياحسن قلت طالع.

انهى الاتصال يلقى بالهاتف فوق المكتب عاقدا حاحبيه بتفكير ليسأله عادل بقلق
: حصل حاجة ياصالح ولا ايه.

هز صالح رأسه بالنفى قائلا
: لاا ده الحاج عاوزنى اطلع علشان مستنيتى...

نهض عادل من مقعده وهو يتحدث قائلا بهدوء
: طب قوم اطلع، ونبقى نتقابل بليل.

هز له صالح رأسه بعقل شارد ولم يلاحظ تردد عادل وتوتره فى وقفته قبل ان يكمل قائلا بأضطراب
: كنت عاوز اكلمك فى موضوعى انا و...

ازاد اضطرابه وارتباكه يشعر صالح بالشفقة عليه وهو ينهض عن مقعده ويقترب منه مربتا فوق كتفه قائلا بلين
: عارف ياعادل انت عاوز تتكلم عن مين، بس زى ما قلتلك الموضوع مش سهل خصوصا بعد اللى حصل بينك وبين ياسمين وهى عارفة ده وعاملة حسابه...

اومأ عادل له قائلا بصوت حزين
: وانا كمان عارف، انا اصلا مش مصدق نفسى ان بطلب منك انت تساعدنى، بس اعمل ايه مفيش حد تانى ادامى.

زفر صالح بقوة يربت فوق كتف صديقه لا يعلم كيف له ان يهون عليه فقد كان هو الاخر فى موقف لا يحسد عليه قائلا برفق
: هتتحل يا عادل، كل حاجة وليها وقت وبعد كده بتتنسى والدنيا بتمشى، بس الصبر.

لم يجد عادل ما بجيب به يعلم صدق حديثه فليس امامه سوى التمهل والصبر ولعل بعدها يأتى الفرج القريب ويكافئ بمراده وقتها.

جلست امامهم تشعر كانها فى محاكمة نصبت لها وكل الاعين من حولها تنظر اليها بنظرات متهمة تحاول التماسك حتى لا تنهار فى البكاء تدعو فى داخلها ان يأتى سريعا ويجيب هو على كل هذه الاسئلة الموجة اليها ولا تدرى كيف تجيب عليها خشية ان تزيد من اتساع دائرة اتهاماتها هى وعائلتها امامهم.

حتى هتف بها الحاج منصور بحنق وغضب
: يعنى ده جزاء صالح وجزائنا عند خالك ومراته بعد وقفنا جنبكم كل السنين دى، عاوزين يودوا ابنى فى داهية، عاوزين يسجنوه، وعلشان ايه علشان انور ظاظا، طب كانوا بيوافقوا على الجوازة من الاول ليه لما صالح مش عجبهم، كان بلاها دى جوازة انا مش مستغتى عن ابنى...

لم تحتمل فرح كل هذا الهجوم ينعقد لسانها من حيائها فى الدافع عن نفسها والصراخ بهم جميعا بأن ليس لها ذنب فيما حدث بأنها ضحية هى الاخرى لاطماع خالها وزوجته تسمع الحاج منصور يكمل ويزيد من وضع المزيد من الملح فوق جرحها وهو يسب ويلعن فى خالها ومعه زوجته لتحنى رأسها بخزى شاهقة بالبكاء بطريقة جعلت انصاف تهب من مكانها تجلس بجوارها وتحتضنها بين ذراعيها قائلة بحزم وصوت مشفق.

: خلاص يا حاج، اللى حصل حصل وفرح ملهاش ذنب فى كل ده، ما احنا طول عمرنا عارفين عمايل مليجى ومصايبه هو يعنى جديد علينا.

زفر منصور بحنق يعلم بصدق حديث زوجته ولكن كان فى حاجة لتنفيس عن غضبه يهم بالرد عليها.

ولكن فى تلك اللحظة كان صالح قد دخل للمكان تتسمر قدميه حين وصل اليه صوت شهقات بكائها ومحاولات والدته تهدئتها وعينيه تدور فى المكان
من حوله يلاحظ التوتر المشحون به يسأل بقلق وقدمه تقوده نحوها
: فى ايه حصل، فرح بتعيط ليه؟

ابتسمت انصاف ابتسامة ضعيفة متوترة قائلة بمرح مصطنع
: مفيش، ولا بتعيط ولا حاجة، مش كده يابت يافرح.

سأل صالح مرة اخرى ولكنه هذه المرة بحدة وحزم غير مبالى بأجابة والدته ليهب والده يجيبه هو الاخر بحدة
: كنت بشوف رأيها فى عمايل اهلها السودا...

عقد صالح حاجبيه بشدة وضيق ليكمل والده قائلا
: ايه كنت فاكر انى مش هعرف، بلى حصل من خالها ومراته.

التفت صالح بحدة نحو الى اخيه يتطلع اليه ليحنى حسن رأسه على الفور هاربا من نظراته يتوتر فى جلسته ليظل صالح ينظر اليه قائلا بأسف واحتقار
: كان لازم اعرف انك عيل وعمرك ما هتتغير ابداً.

صرخ به منصور بغضب عنيف قائلا
: ملكش دعوة باخوك وخليك معايا هنا، معرفتنيش ليه بلى حصل، هاا فضلت ساكت ومخبى عليا ليه، ايه خلاص قلت ان ابوك عجز و كبرت عليه.

زفر صالح بقوة قائلا بنفاذ صبر
: بقولك ايه ياحاج، ده حاجة متستهلش وعرفت انهيها يبقى لازمتها ايه الشوشرة وكتر الكلام.

سأله منصور بأستهجان يحاول السيطرة على غضبه
: يعنى انت مش شايف انك غلطان، انك تخبى عننا حاجة زى دى.

هز صالح رأسه بالايجاب قائلا بحزم
: لا مش غلطان انا مش عيل صغير كل ما يحصل معاه حاجة هيجرى على ابوه اعيط له واقوله الحقنى.

التفت صالح نحو حسن يلوى شفتيه باستهزاء قائلا بكلمات ذات مغزى
: كفاية واحد، مش هنخيب احنا الاتنين.

رفع حسن رأسه هاتفا باعتراض
: انا قلت لابوك علشان كنت...

قاطعه صالح قائلا بسخرية
: لاا عارف قلت ليه وعلشان ايه مش محتاجة شرح المسألة، بس الظاهر كده ان مفيش حد بيتغير بسهولة واللى فيه طبع بيعيش ويموت بيه.

تقدم نحو فرح يجذبها من يدها نحوه وهو يوجه حديثه لوالده هذه المرة
: فرح مالهاش دخل ولا ليها دعوة بالموضوع ده، واى كلام بعد كده بخصوصه تحب تتكلم فيه ياحاج يبقى معايا انا.

انهى حديثه يجذبها معه ويغادر المكان على الفور لتهتف انصاف بعد انصرافهم بحدة
: قلتلك ياحاج البت ملهاش ذنب وغلبانة، ومكنش ليه لازمة اللى عملته ده.

جلس منصور زافر بحنق وغضب
: يعنى كنت عوزانى اعمل ايه يا انصاف لما اسمع كل البلاوى دى.

نظرت انصاف نحو حسن قائلة بلوم
: عندك حق يا خويا، انت معزور برضه.

رفع حسن حاجبه يسألها بعينيه عن ذنبه حتى تقوم بلومه هى الاخرى فتلوى شفتيها تهز رأسها بخيبة امل ثم تشيح بنظراتها بعيدا عنه ليغمغم حسن بينه وبين نفسه يلعن لسانه وحكم العادة والذى جعله يهرع لزوجته حين احتاج ان يفضفض الى احد يخبرها بما حدث بعد علمه بفعلت صالح مع انور لتشير عليه بتلك النصيحة بأن يقوم بأخباره والده بكل شيئ الان وهى تثير قلقه بانه ان علم من احد اخر بما يدور سيلقى باللوم عليه اول شخص لعدم اخباره وفيسقط بغباء مرة اخرى فى فخها يتوعدها بالعقاب فور ان تقع يده عليها يتمنى ان يستطيع ان يعيد ثقة أخيه به مرة اخرى رغم علمه بصعوبة ذلك.

فور دخولهم الشقة تحركت بسرعة نحو الداخل هربا حتى لا تنفجر فى البكاء امامه وتزيد الامور توترا ولكنه لم يمهلها الفرصة بل جذبها من ذراعها له يلصقها به يسألها بحنان
: بتجرى كده ورايحة على فين وسيبانى.

اخذت تحاول التحدث وهى تشير باصابعها نحوه الداخل لكنها شفتيها وغصة البكاء لم تمهلها الفرصة وهى تحاول تمالك نفسها ليضمها اليه بحنان فتسرع بدفن وجهها فى عنقه تتعلق به كانه الخلاص لها فاخذ يربت فوق شعرها بنعومة ورقة قائلا
: فكرينى كده هو انا قلت لك بحبك النهاردة ولا لا.

شهقت اكثر باكية ليسألها بمرح يمازحها
: يابت ردى عليا الاول وبعدين عيطى، انا مبحبش يبقى عليا حاجة لحد.

انفرجت اساريره حين شعر بضحكتها الخافتة تهز رأسها له بالنفى وهى مازالت تخفى وجهها عنه يعلم نجاحه الى حد ما فيما يريد يكمل سريعا يتسأل بمرح قائلا
: وانا طول اليوم اسال نفسى ناسى ايه يا واد يا صالح، ناسى ايه، اتارى كنت ناسى اهم حاجة، لااا انا كده لازم اصلح غلطى وبسرعة.

شهقت بصدمة حين رفعها فوق كتفه يتدلى رأسها خلفه تسأله بصوت مذهول رغم البكاء به
: بتعمل ايه ياصالح، انا مسامحة خلاص.

اجابها وهو يستمر فى تحركه نحو غرفة نومهم قائلا بحزم وشدة مصطنعين
: لااا ياستى، مينفعش حقك ولا زم تاخديه تالت ومتلت كمان، ايه هناكل حقوق الناس على اخر الزمن ولا ايه.

دخل بها الى الغرفة وفور ان انزلها عن كتفه الصقها به هامسا بعد ان دفن وجهه فى منحنى عنقها
: مش قلتلك قبل كده مفيش حاجة فى الدنيا دى تستاهل دموع عيونك الحلوة دى...

اخذ يقبل بشرة عنقها بحنان هامسا
: اه هى بتبقى هتجننى وبيخطفوا قلبى من حلاوتهم بعد كل وصلة عياط بس معلش كفاية عليها لحد كده، علشان ورانا دين وحساب كبير لازم اوفى بيه دلوقت.

وثبت ضربات قلبه من السعادة والفرحة حين سمع صوت ضحكتها كالانغام بالنسبة له يرفع وجهه نحوها سريعا يرى ابتسامتها تشرق على وجهها تنيريه وتبدد اى غيوم للحزن عليه وهو ينطق بعشقه تهمس له بخفوت
: انا اللى عندى ليك دين ولازم اوفيه الاول...

اقتربت منه تطبع قبله على وجنته هامسة
: ربنا يخليك ليا، وتفضل طول عمرك ضهرى وسندى والايد اللى تطبطب عليا وتطيب وجعى.

اشتعلت عينيه بالعشق تأثرا بها ترتسم ابتسامة فرحة على شفتيه هامسا لها بصوت مرتجف اجش
: ويخليكى ليا طول العمر وتفضلى تخطفى منى قلبى وعيونى، واعيش عمرى كله...

انحنى عليها يقبلها برقة يهمس
: بحبك، وبعشقك، وبدوب من شوقى ولهفتى ليكى، يا كل حياتى وفرحتها.

اشتعلت قبلاته مع اخر كلمة همس بها يبثها من خلالهم بدلا عن حروف الكلمات كل ما عجز لسانه عن البوح به وقد تضخم قلبه من شدة عشقه ولهفته لها مكتفى بها وبعشقها بالعالم كله مستعد للتضحية بروحه لو كان المقابل سعادتها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة