قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الخامس

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الخامس

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الخامس

تحركت سيرين بهياج محاولة ابعاد يدي نادر عنها وهي تضرب ظهره بكل قوة محاولة ايذائه. لكن قوتها الواهية انهارت سريعا أمام اصراره الكبير في فرض سيطرته عليها مجددا.

أخيرا وتحت وطأة المجهود الهائل والشحنات العاطفية التي تعرضت لها لساعات طويلة. خارت قواها وانهارت دموعها غزيرة وهي تشهق بحرقة وبكلمات متوسلة ناشدته بالابتعاد والاكتفاء بما أخذه للتو، مسحت عيناه وجهها المتألم بنظرات مشبعة بالاحتقار، شعور من عدم الرضى غزا جسده فجأة وجعله يتوقف غير قادر على افتعال المزيد من الألم.

تحرك ببطء وهو يحملها ليضعها على حافة المغطس الأسود بلون مشاعره المظلمة المشبعة بالكره ويفتح المياه الدافئة لتتدفق غزيرة أمام عينيها اللتان توسعتا على آخرهما بدهشة. ظلت تنظر إلى حركات يده وقد توقف عقلها عن التحليل. ما الذي كان ينويه هذه المرة؟ أي عقاب سيحل بها بعد قليل؟ انتظرت وانتظرت والمياه الفوارة تتدفق أمام عينيها الغائمتين من الدموع خائفة أنها سترى المصير الذي سيلحقها بعد ثوان. أخيرا حين توقفت عن التفكير منتظرة وعيده الصامت شعرت بيديه على جسدها مرة أخرى وارتعشت بقوة وهو يحملها. وضعها داخل المياه الفوارة للحوض الكبير ليقول بنبرة غامضة جعلتها عاجزة عن النطق.

- استرخي سيرين هذا الحمام سيفيدك.
انكمشت حول نفسها، جسدها يرتعش رغما عنها وهي تنتظر اللحظة التي سيقرر فيها الانقضاض عليها وأخذها عنوة، لدهشتها الشديدة ابتعد ساحبا منشفة من على الرف لفها حول خصره وبرشاقة مناقضة لضخامة جسده انسحب من الحمام ليقفل بابه أمام وجها الذاهل...
في منزل معاذ،.

ظل معاذ يتلوى في سريره بحركات عنيفة وقد باغتته الكوابيس مرة أخرى. أخيرا أصبح تنفسه مضطربا وصدره يعلو وينخفض بهياج وكأنه في خضم صراع ضار تحركت يده إلى رقبته محاولا ازاحة الأيادي الغير مرئية والتي لم تكف عن تعذيبه لساعات. أخيرا توقف الكابوس المؤذي وانتفض بقوة شديدة جعلته يقع من على السرير. ظل يحدق في الفراغ ببصر زائغ. محاولا التقاط أنفاسه الهاربة. يعصر صدغيه عله يتذكر تفاصيل الكابوس الجديد بينما شفتاه تتعوذان بالله من الشيطان الرجيم من هول مشاعره.

نظر إلى ساعة يده الملقاة باهمال على الطاولة بجانب السرير العريض لغرفة نومه. كانت تشير إلى الثالثة صباحا. نهض أخيرا يسحب جسده المنهك من على الأرض وهو يشعر بأن قواه خارت فعليا وكأنه كان في خضم معركة ما. معركة غريبة لم يعد يذكر منها شيئا ما أن فتح عينه. عصر رأسه للمرة الثانية منذ أن استيقظ محاولا تذكر تفاصيل الكابوس الجديد دون جدوى.

فجأة سرت القشعريرة بكامل جسده، شعور بخيالات تزحف إلى داخل غرفته. ثم بكائن ملموس يشاركه الوحدة التي اختارها طواعية. جعله يلتفث بقوة متحديا خوفه ليتسمر في مكانه من الصدمة غير قادر على الحراك وهو ينظر شاخص البصر إلى الخيال الأسود الذي احتل حيزا كبيرا في الزاوية. للحظات كان غير قادر على التحرك من مكانه وقد شله الخوف فتح عينيه وأغلقهما محاولا تشتيت عقله عن الكوابيس التي عادت لتصبح واقعية أمامه، أم أنه لم يستيقظ بعد من الكابوس وأن الكائن الواقف في الزاوية متوشحا بالسواد ليس سوى من نسج خياله. أخيرا تمكن من تحريك يده المتصلبة ليفتح قفل النور ويختفي الظل الأسود وكأن لم يكن له وجود. لم يكن حلما في النهاية!

لم يعد يستطيع البقاء وتلك الخيالات تلف عقله وأفكار عن حبيبة الأمس تعذبه دون رحمة. هل كان ليتخيل حتى في أسوء كوابيسه أن منار تلك الحالمة الصغيرة المفعمة بالفرح قد تصبح يوما سجينة الجنون...
عصر على أصابعه بقسوة محاولا عدم الخوض في كره عقيم لشخص قد رحل عن الحياة بالفعل.
اللعنة عليك عادل!

شتم معاذ بحرقة غذاها الحقد الذي حمله لهذا الرجل لسنوات قبل أن ينهض من مكانه متجها نحو حمام غرفته. إنها الثالثة صباحا لكنه لم يعد قادرا على النوم أو البقاء حبيس الجدران التي تطبق على رئتيه وتجعله تنفسه صعبا. سيأخد حماما سريعا ويخرج من هنا. فبرودة أزقة الدار البيضاء في هذه الساعة المتأخرة كانت أرحم بكثير من جحيم كوابيسه المظلمة...
في المقهى المقابل للمستشفى الساعة 8 صباحا،
- يا إلهي سأفقد عقلي!

صرخ معاذ وهو يضغط على صدغه بقوة محاولا التخفيف من الألم الذي عصف بكل اتزانه بعد ليلة من السهاد قضاها يتجول في سيارته دون هدف.
بينما جلس أمين يتجرع قهوته السوداء بهدوء مريب.
- هل الخيالات هذه تتكرر منذ مدة؟

سأل مستمرا في التحديق في صديقه الذي كان يحرك يده باضطراب جعل رماد السيجارة يتناثر بعيدا عن المنفضة الكبيرة، أعدم السيجارة أمامه بقسوة عنيفة وكأنه يبثها الألم الذي كاد يحرق قلبه ليحوله الى رماد، أخيرا رفع معاذ رأسه لينظر إلى أمين مركزا نظراته على عينيه بحيرة:
- هل تظن أنني سأصاب بالجنون؟
في فيلا نادر،.

توقفت عينا الحاجة صفية على ابنها والذي كان شاردا يتلاعب بفنجان قهوته والذي اختفت أبخرته الساخنة منذ مدة. لابد أنه كان بعيدا بأفكاره لدرجة أنه لم ينتبه حتى للهاتف الذي ظل يومض مرات عديدة. تنهدت بقوة وهي تمسح يده الكبيرة السمراء بأصابعها لينتفض وكأن تيارا كهربائيا سرى بكامل جسده. انتبه من شروده ليرسم الابتسامة الدبلوماسية والتي استخدمها كقناع عازل لسنوات لينظر إلى والدته بعينين اختفت منهما كل المشاعر التي يغلي بها صدره...

ظلت عينا الحاجة صفية ترمقانه بتفحص محاولة الغوص بداخله دون جدوى أخيرا أطلقت تنهيدة احباط وقد يأست من معرفة ما يخفيه:
- هل أنت بخير نادر؟ سألت وهي تتأمل ملامحه التي كساه الجمود
- أنا بخير أمي. لا تقلقي. رد قبل أن يضيف مضفيا طابعا من الجدية على نبرته هنالك أشياء قد جدت في العمل وعليَّ السفر لحلها.
رفعت الحاجة صفية رأسها بصدمة لتقول بصوت خرج مرتعشا وواهنا: - لكنك لم تسافر إلى الخارج منذ زمن!

نهض نادر محاولاً تفادي عيني والدته المشككتين: - هنالك طارئ قد جد أمي، وعلي أن أشرف على هذه الصفقة بنفسي. أي خطأ مهما كان بسيطا قد يكلفني الكثير...
تنهدت بضيق قبل أن تنهض. لتنظر إلى حقيبته الجلدية قرب الباب وتزداد عيناها اتساعا. لتسأل بحيرة:
- لكن أنت لم تخبرني أمس. متى جدت هذه الصفقة؟ ومتى كنت تنوى اخباري عن سفرك؟

زفر نادر محاولا التخفيف من الضيق الذي يعتمل صدره. ليرد بصوت حاول بكل قواه أن يخرج طبيعيا:
- آسف أمي لقد نسيت، كانت هنالك أشياء كثيرة تشغلني في هذه الفترة...
- أوه لا نادر! صرخت الحاجة صفية بوعيد أنت تهرب مرة أخرى! وأنا لن أسمح لك بتركي! يكفي ما شعرت به حين قررت الرحيل...

- لا أمي لست راحلا. طمأنها بصوت واثق وهو يحيطها بذراعيه بحنان لن أهرب مطلقا هذه المرة! أكمل باصرار غريب أنا فقط علي السفر لأسباب تهم العمل وسأعود حالما أنتهي منها...
تلألأت عينا الحاجة صفية بالدموع وهي تنظر إلى ابنها الوحيد برجاء: - فليرحم الله والدك وليغفر له خطأه الكبير. لو استمع إليك فقط، لو أنه استمع إلى تحذيرك بدل نفيك بعيدا عنا ما كانت منار لتلاقي مصيرها المظلم.

وانهمرت الدموع غزيرة من عينيها، وضع نادر رأسها على صدره ومسد على ظهرها بحنان بينما خرج تنفسه قويا. محملا بكل الألم الذي اعتمل صدره ليقول بصوت أجش:
- لا تبكي أمي. لا أرغب بالرحيل وأنت حزينة هكذا.

رفعت الحاجة صفية رأسها لتتأمل عينيه الداكنتين، لطالما كان نادر فخرا لها، نسخة عن والده في قوته وعنفوانه. تشعر بالألم لكونه تورط بسببهم في هذه المهزلة ليطاله هو الآخر سحر تلك العائلة الملعونة. نفضت عنها الحزن متحاملة على نفسها لتمسح دموعها بباطن كفها. وتقبل وجنته قائلة:
- لا داعي للقلق عزيزي. أنا بخير.

حرك نادر ذراعه ليتأمل وجهها الجميل والذي كان نسخة ناضجة لملامح شقيقته الصغيرة، قبل أن يبتسم لها برقة منافية لصلابته:
- لا تنسي أن تدعي لي في صلاتك...
- كل يوم الى أن تعود إلى.

وعدت الحاجة صفية وهي تمسح وجهه بيديها. فجأة صفعتها حقيقة وجود سيرين تحت سقف منزلها وسرت بجسدها قشعريرة جعلتها ترتجف، تأمل نادر والدته والتي تحولت ملامحها إلى البرود. ليمر بريق غامض في عينيه وهو يستشف سريعا سبب ارتجافها وتصلبها الغريب!
- لا داعي للقلق، هي لن تبارح غرفتي أبدا!

تنفست الحاجة صفية بعمق وهي تتأمل ملامح وجهه الجامدة، ينظر إلى ساعته باستمرار، لابد أن موعد سفره قد اقترب، ابتعدت عنه لتدفعه برقة نحو الباب الكبير قائلة:
- لا داعي للقلق. يمكنك السفر بعقل خال وأنا سأهتم بها إلى حين عودتك!
بهذه الكلمات القليلة والتي لم تحمل بين ثناياها أي راحة لقلبه. شيعت الحاجة صفية ابنها الوحيد والذي اتجه صوبا نحو سيارته حيث سائقه في انتظاره ليقله إلى المطار...

في المقهى القريب من المستشفى،
ظل معاذ ينظر إلى أمين الذي توقف عن شرب قهوته الباردة ليضعها جانبا ويشعل سيجارة أخرى وينفثها مكونا سحابة داكنة أخفت نظراته المشككة أمام عيني معاذ الشاخصتين:
- معاذ هذا الوضع مربك للغاية! قال وهو يستعيد جلسته مركزا يده على حافة المقعد افترض أنني لا يجب علي حتى أن أحاول علاجك.
-علاجي؟ تسائل معاذ باندهاش ممزوج بصدمة وهو يحرك رأسه غير مصدق هل فعلا تظنني أفقد صوابي أمين؟!

أكمل أمين محاول تفادي عيني معاذ اللتان كانتا تطالبان بشرح فوري: - اسمعني معاذ طمأنه أمين بحزم أنا صديقك لسنوات هذا يعني أن أي شيء سنناقشه هنا سيبقى سرا بين زوايا هذا المكان. صمت قليلا محاولا رؤية تأثير كلماته على معاذ هذا الأخير ظلت ملامحه غامضة لا تظهر شيئا من الحرب الطاحنة بداخله، هل كان أمين فعلا يشخصه أمام نظره وسمعه على أنه مريض نفسي؟!

توقف أمين للحظات. أخيرا أكمل بنفس النبرة المهدئة: - أتعلم معاذ أنت أكثر شخص منطقي عرفته في حياتي. كل حياتك تمحورت حول المنطق، كنت عقلانيا بشكل مقيت، حتى منذ سنواتنا الأولى بالجامعة أضاف بشبه ابتسامة اعتدت دائما على الوقائع ولا شيء اخر، يا إلهي لماذا أخبرك بكل هذا الهراء؟! زفر بقوة وهو ينفث دخان سيجارته بعصبية بالغة.

- لأنك تريد تقييم شخصيتي! رد معاذ بهدوء غريب تحاول معرفة أي نوع من الشخصيات أنا. وفي الغالب أنت تعلم جيدا أنني لست شخصية عاطفية أنا منطقي أكمل بنفس الهدوء
- وبمتابعة هذا النسق من التحليل، أكمل أمين نحن على وشك مناقشة الحادث العرضي الذي جعل الجانب النفسي من شخصيتك يتصرف كما فعل هذه الليلة...
- تظن أنني مصاب باضطراب ذهني. أهذا هو تشخيصك لما أخبرتك به؟

- لا تحاول تحليل نفسك! طلب أمين بهدوء فقط حاول التركيز على مشاعرك فهذا أفضل...
نهض معاذ غير قادر على تحمل المزيد وقد طغت عليه العصبية الشديدة من موقف أعز أصدقائه عصر على قبتضه بعنف قبل أن يفتح حافظة نقوده ويرمي بالأوراق النقدية على الطاولة ويصوب نظراته الساخطة نحو أمين الذي ظل واجما ينظر إلى ملامح صديقه المتصلبة بتمعن.
- لست مجنونا أمين! منار تعاني من خطب ما!

- بالطبع هي تعاني من خطب صرخ أمين وقد فقد السيطرة على البرود الذي لف به نفسه أتريد الحقيقة معاذ؟! رغم أني أظنك غير قادر على تحملها، منار حبيبتك الرقيقة. حبك العذري من سنوات الجامعة لست سوى امرأة مجنونة مزقت زوجها إربا!
انقض معاذ على أمين ليحمله من تلابيب قميصه وهو يهدده بكلمات قوية: - أمنعك أن تتكلم عن منار بهذه الطريقة! أتسمعني أمين؟! أمنعك!

اثار شجارها فضول الكثيرين من رواد المقهى. أخيرا حول معاذ نظره للواقفين بتحلق حولهما مستغربا، فالعديد منهم كانوا يعرفون أمين ومعاذ شخصيا فأغلبهم من الموظفين في المستشفى فهذا كان المقهى الأقرب إلى عملهم.
كز معاذ على أسنانه بغيض قبل أن يطلق صراح ياقته من بين أصابعه المتصلبة ويحمل حقيبته الجلدية ويتحرك خارج المقهى تاركا أمين الذي عاد إلى الجلوس بغضب قبل أن يصرخ في المتطفلين بفظاظة:.

- لقد انتهت فقرة السيرك! يمكنكم الرحيل الآن!
في فيلا نادر،
فتحت سيرين عينيها تشعر بالألم يتخلل جسدها الرقيق وبأشواك دقيقة غير مرئية تخزها وكأن السرير المشبع برائحة جلده الممزوجة بعطره كان وفيا لصاحبه متحاملا عليها ليعذبها بدوره. تململت بانزعاج محاولة التأقلم مع تلك المشاعر الحسية التي عاودتها بقسوة لتعيد مشاهد الليلة المحمومة وكأنها شريط طويل.

لقد عادت إلى الغرفة بعد ساعات من الجلوس في المغطس الذي تحولت مياهه باردة ليلفحها صقيعها البارد لتنتفض من البرد وبرد مشاعره رغم عنفها وحرارتها تدفعها للبكاء. انتظرت وجوده رغبة منها في الوصول الى الحقيقة لمعرفة سبب هذا الكره الشديد لها ولعائلتها. لقد أخذ ثأره كيفما كان سببه. لقد منحته ما أراده في النهاية، هل كان هذا كافيا؟ هل سيتركها ترحل الآن محملة رغم أنفها بجزء من روحه التي وصمتها الى الأبد؟ لا فقط رحل دون كلمة ليجعل عذابها يستمر ساعات أخرى منتظرة عودته ليحررها من سجن غرفته التي تضج قتامة وسوادا...

لدهشتها الشديدة حين اعتلت هذه المرة سريره العريض. جاء النوم سريعا ليأخدها في رحلة دون أحلام...
أعادت رأسها إلى الوسائد واستلقت تنظر إلى السقف بتأمل. لقد مرت سنوات منذ أن رحلت عن هذا السجن غير آسفة. لم يكلف نفسه عناء البحث عنها طوال أربع سنوات. تركها حتى أتت راكعة تستجدي مساعدته. هي من سمحت للفخ الذي نسجه بصبر أن يلفها بخيوطه المحكمة. تهورها في الماضي وراء انتقام من سراب هو ما تدفع ثمنه اليوم...

تنفست بقوة محاولة اجلاء المرارة التي أحرقت حلقها ومسحت الدموع التي حاولت التسلل من جفنيها بعناد، هي لن تبكي الآن فما فائدة البكاء بعد الذي حدث، لقد فقدت جزءا من روحها ولا حتى بحار من الدموع قد تعيد ما فقدته...
كانت غارقة في التفكير بدرجة بالغة حتى أنها لم تشعر بالباب الذي فتح دون استئذان لتطل الحاجة صفية بكبريائها ونظرتها المتعالية لتحدجها بعينين ملأتهما الكراهية...

للحظة توقفت الحاجة صفية تنظر إلى زوجة ابنها والتي لابد وأنها كانت بعيدة غارقة في أحلام اليقظة. تأملت جسدها العاري بحقد قبل أن توجه لها كلمات قوية سمرت سيرين الذاهلة:
- ستظلين نائمة إلى متى أيتها الكونتيسة سيرين؟ لسنا هنا في خدمة جنابك! صرخت فيها بصوت قاس أجفلها.

شخصت عينا سيرين من الفزع وهي تنظر إلى المرأة الحاقدة التي انتزعتها من أفكارها بخوف. قبل أن ترفع الغطاء محاولة اخفاء جسدها العاري عن عيني حماتها المسلطتين.
اقتربت الحاجة صفية منها غير سامحة لها بالرد قبل أن ترمي بكومة من الملابس على وجه السرين التي تحولت إلى تمثال جامد. شحوبها البالغ لم يثن الحاجة صفية عن نفث سمومها وهي تقول بنبرة آمرة:
- انهضي لديك الكثير من الأعمال الغير منجزة والتي تتنظر تشريفك!

لوهلة لم تستوعب سيرين ما الذي نطقته حماتها بتلك النبرة الآمرة المتسلطة. وهي تحرك رأسها بذهول بينها وبين زي الخادمات الوردي والذي قذفتها به. أهذا هو انتقامه؟ مستحيل! يا إلهي! لابد وأنها تحلم!
أجلت سيرين حلقها أخيرا لتقول بصوت متحشرج: - هل تعنين أنه يريدني خادمة هنا؟!
ضحكت الحاجة صفية باستحقار، الكلمات التي نطقت بها بعدها جمدت سيرين وجعلتها تشعر بالضياع:
- لقد سافر نادر منذ ساعات!

هل تركها بعد كل ما جمعهما أمس. كانت تظن لوهلة أن براءتها قد تعني له شيئا. أنه قد يشعر بالقليل من الندم على انتهاك جسدها بكل تلك القسوة والعنف. على الأقل يتركها تعود إلى حياتها تعويضا على كل الأذى الذي سببه. لكنه كان يثبت في كل مناسبة أنه ليس سوى حقير آخر لا يختلف ذرة عن عادل الذي يكرهه بكل قواه. والآن. يريدها خادمة في منزلها الخاص في منزل كانت أميرته منذ سنوات قليلة ماضية. ستكون ملعونة إذا سمحت لهم بتحقير تلك الذكريات الثمينة بجعلها خادمة في منزلها! أخيرا انتزعها من التفكير حذاء الحاجة الصفية والذي كان يطرق الأرض برتابة مزعجة...

رفعت رأسها مصممة على عدم الانهيار أمامها لتقول بصوت حاولت باستماتة أن يخرج طبيعيا وهي تنظر إلى والدة نادر بكبرياء:
- أنا لست خادمة ولن أكون يوما! هلا تفضلتي باحضار ملابسي لأرحل من هنا!

اقتربت الحاجة صفية منها سريعا لتمسك بذراع سيرين وتهزها بعنف أجفلها: - أنت فعلا ساقطة وقحة! أتظنين أنك تستطيعين الخروج من هنا بهذه بساطة؟! تكونين واهمة إذا تخيلت للحظة أنني سأسمح لك بالرحيل يا ابنة بنجلون! والآن انهضي وارتدي ملابسك قبل أن أفقد صبري وأجرك عارية إلى الرواق!

ابتلعت سيرين ريقها بهلع وهي تنظر إلى عيني حماتها الباردتين. يا إلهي لقد تجرأت على امساكها بتلك الطريقة المهينة! لابد أنها تحلم.
أخيرا نفضت الحاجة صفية يدها وهي تخرج متوعدة بكلمات قوية أثارت الرعب في قلب سيرين. هل كان نادر بهذه الحقارة منذ البداية؟ كيف كانت غافلة عن الوجه الحقيقي لهذه العائلة من قبل؟

تلك الأفكار جعلت قلبها يقصف بقوة لتنهار على السرير مجددا تبكي حظها العاثر والذي أوقعها في طريق نادر...
في المستشفى،
فتحت منار عينيها أخيرا وحاولت التحرك دون جدوى هنالك ما يعيقها. حاولت أن ترفع يدها وهي تتأمل الغرفة بنظرات زائغة متسائلة عن مايحدث لها بالضبط هل هي أحد ألاعيب عادل الجديدة!

شعرت بالأربطة الجلدية تضيق كلما حاولت التحرك. رعشت قوية عبرت جسدها كتيار كهربائي وهي تتخيل الأسوء. هل هي احدى تلك الطقوس الوثينة المريضة. يا إلهي اجعل الأمر مجرد كابوس لقد تعبت!
حاولت أن تصرخ بكل قوتها. وهي تطلبه بصوت متوسل: - عادل. اين انت؟ افتح الباب أرجوك!

لكن لم تحصل سوى على صدى صوتها كاجابة تلوت بكل قوة محاولة تحرير نفسها من تلك الأربطة دون جدوى، أخيرا وبعد أن أنهكها الصراع قررت أن تتوقف لتنظر عودته فهو في الغالب لا يتأخر عن أي جلسة.

مرت ساعة قبل أن يفتح أحد الممرضين الباب لينظر إليها بحذر. تصرفاتها المخيفة والغريبة والتي طالما أرعبت كل ممرضي الجناح وخصوصا ليلا حين تبدأ الأصوات والهمهمات المخيفة تصدح من غرفتها. كان العديد منهم يحاول أن يتشبث بمعرفته بأنها مريضة فصام ليس إلا. آخرون كانوا يحاولون التغاضي عن الأصوات بصوت موسيقى عال. لكن لا أحد ينفي أنهم جميعا كانوا يرفضون بشدة الاقتراب من غرفتها لأي سبب ليلا.

نظرت إليه منار وعيناها مليئتان بالتسائل وهي تطلب مساعدته على حل وثاقها لكنه حرك رأسه بنفي قاطع قبل أن يقول بصوت خفيض:
- لا عليك سيدة منار. الطبيب سيكون هنا بعد لحظات!
توسعت عينا منار من المعرفة الجديدة...
- الطبيب؟ لكن أين أنا بحق الله؟ أخبرني!

سألت محاولة أن لا تفزع الشخص الواقف أمامها ولغرابة الموقف كانت هي من تحاول عدم اخافته. لم تعلم سبب هذا الجزع الغير مفسر في ملامحه على العكس كانت هي من تحتاج الى من يخفف من هلعها، تنفس الممرض بقوة شاخص البصر غير مصدق. أي دور تتقمصه الآن؟ من يدري؟ حاول أن يكون عمليا وهو يعيد كلماته برتابة:
- الطبيب سيأتي لرؤيتك بعد لحظات!

وضعت منار رأسها على الوسادة بيأس لابد أن يكون هذا كابوسا مستحيل أن يكون حقيقة فكرت وهي تعود ليشخص بصرها في الحائط هذه المرة تنتظر الطبيب الذي أخبرها عنه عله يبدد الشكوك التي بدأت تزحف إلى عقلها متخيلة الأسوء. هل هذه لعبته الجديدة؟ مستحيل عادل! مستحيل!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة