قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع والخمسون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع والخمسون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع والخمسون

تنهد عرابي بيأس وهو لا يزال مستلقيا في فراشه بالمشفى، ينظر الى سقف الغرفة شارد الذهن، مثقل الروح، مما جعل والدته تقترب منه و تربت على كتفه قائلة بحسرة
(يا ولدي لا تحرق قلبي عليك، الا يكفيني رؤيتك أمامي مستلقيا بهذا الشكل مجبرا و غير قادر على الحركة لاسابيع طويلة! أنا بالكاد أستطيع التماسك لكن رؤيتك مهموما تجعل قدرتي على التماسك تنهار شيئا فشيئا).

التفت عرابي الى أمه، ثم رفع كفه يربت على كفها قائلا بهدوء
(لما تقولين هذا يا أمي، أنا بخير تماما)
الا أن أمه قالت بصوت مشتد
(لن تستطيع خداع أمك يا ولدي، أنت منذ رأيت تلك الفتاة ابنة الهلالية و أنت في حال غير الحال، يا ولدي من خلقها خلق غيرها و أجمل منها، لماذا تصر عليها هي تحديدا من بين بنات البلد و اللاتي يتمنين اشارة منك).

كتم عرابي كلامه كي لا يغضب أمه أكثر، الا أنه لم يستطع الصمت أكثر من بضعة لحظات ثم انفجر بعدها قائلا من بين أسنانه
(لست أنا من اصريت عليها، كان هذا تنفيذا لأمر كبار العائلتين و قد امتثلت له، لذا ليس من حقكم الآن بعد عام كامل أن تقنعوني بتركها)
قالت والدته بحسرة
(يا ولدي أنت لم ترها من هذا العام سوى ثلاث مرات فقط)
رد عليها عرابي بنفاذ صبر.

(حتى و إن كانت مرة واحدة فقط، المهم انها كانت خطيبتي لعام، أنا لست لعبة بين أيديكم كي تزوجوني من تريدون ثم يتم تغيير كل شيء فجأة)
ضربت أمه كفا على كف و هي تقول بغضب على ولدها الوحيد
(ماذا نفعل إن كانت تلك البغيضة ترفض اكمال الخطبة، و كأن على رأسها ريشة، حسبي الله و نعم الوكيل)
ثم رفعت كفيها قائلة من قلبها
(عسى الا تتزوج أبدا و تتزوج أنت و تنجب عشرة أولاد لنكيد بهم عائلة الهلالي بأكملها).

نضر عرابي الى والدته قائلا بصدمة
(لا يا أمي، ليس الى هذه الدرجة، لا تدعي عليها، هي لا ذنب لها)
نظرت اليه أمه بذهول، قبل أن تمص شفتيها بإمتعاض قائلة بصوت خفيض تحدث نفسها بقلق
هل سحرت للولد أم ماذا؟، هذا هو التفسير الوحيد لما يمر به، أرجع عرابي رأسه للخلف قائلا بصوت أجوف
(هلا تركتني قليلا يا أمي؟، أريد أن أرتاح، أنا أرى أن تسافري مع عمي، لا يمكنك البقاء هنا أكثر من هذا)
ضربت أمه صدرها و هي تقول بهلع.

(أسافر و أترك ولدي الوحيد هنا بمفرده بمثل هذه الحالة! هل جننت يا ابني؟، كسر الله ساقي قبل أن أتحرك خطوة للسفر و أنت راقد في فراشك هذا)
قال عرابي بيأس
(يا أمي ماذا أفعل بك كي تكفي عن الدعاء على نفسك و على غيرك؟)
سمعا فجأة طرقة هادئة على الباب قاطعت كلامهما، فقالت زهيرة و هي تتجه الى الباب
(مؤكد هذا واحد من أعمامك، أو ربما سوار و فأل التعاسة زوجها).

الا أنها ما كادت تفتح الباب حتى تجهمت ملامحها على الفور و هي ترى جويرية أمامها مجددا، فقالت بإندفاع لم تستطع كتمه
(أنت يا فتاة، إن لم تتوقفي عن المجيء الى هنا بعد رفضك الزواج من ابني فسوف أتصل بوالدك بنفسي ليوقفك، لن أسكت عن حرقك لدمه كل مرة ثم انصرافك و كأنك لم تفعلي شيء).

فتحت جويرية فمها لترد و هي تحاول جاهدة التمسك بالمتبقي من تربيتها و أخلاقها، الا أن والدها سبقها و قال بلطف و طول بال من خلفها وهو يقف بعيدا عن الباب
(و ماذا لو كان والدها معها و يريد زيارة عرابي بنفسه، هل تسمحين له يا حاجة؟).

ارتبكت زهيرة على الفور و هي تعيد من ضبط وشاحها و عبائتها و قد أخذتها المفاجأة، فتراجعت متلجمة لا تعرف ماذا تقول و هي تسمع الصوت المحترم من خلف جويرية، و بدت عاجزة عن الرد، فقالت جويرية بإختصار و دون مودة
(والدي رأى أنه ليس من الأصول الا يزور عرابي بعد اصابته، و طلب مني أن آتي معه، بعد اذنك)
زمت زهيرة شفتيها و هي تفرك أصابعها بتوتر، الا أن عند الضيافة لم تستطع الرفض، فقالت على مضض
(بالطبع، تفضل).

دخلت جويرية أولا، و ألقت نظرة جانبية الى عرابي الذي حاول عبثا الحركة متأوها الا أنه همس مبتسما
(جويرية!)
لكنها سارعت تقول بتحذير خوفا من أن يتهور و يتغابى في الكلام، مكررة بتشديد
(أبي معي)
دخل والد جويرية حاملا معه هدية كبيرة ملتفة بورق أنيق و بها حلوى و زهور، قائلا بهدوء
(السلام عليكم يا عرابي، اعذرنا إن كنا قد أتينا دون موعد، أو دعوة)
تكلم عرابي متلعثما وهو يحاول ابعاد عينيه عن جويرية قائلا بسرعة.

(لا تقل هذا، الدار لكم، أقصد المشفى من عندكم، أعني زيارة مقبولة ان شاء الله، أقصد)
قاطعه والد جويرية قائلا ضاحكا بلطف دون أن يشعره بالحرج
(أكثر الله من كرمك يا عرابي، هذا هو العشم يا بني)
استدار والد جويرية يضع الهدية من يده على طاولة قريبة، فتجرأت جويرية على اختلاس النظر الى عرابي و كما توقعت، كاد أن يلتهمها بنظراته المتلهفة...
مطت جويرية شفتيها و قالت ببرود
(لم أجد موز).

رفع عرابي حاجبه وهو ينظر اليها مهددا ثم قال بصوت عادي بدى طبيعيا...
(الغرفة مليئة بالبراغيث)
التفت اليه والد جويرية وهو يقول بدهشة
(براغيث؟، انها من أفضل المستشفيات هنا، كيف هذا؟)
كتفت جويرية ذراعيها و هي تنظر الى عرابي بنظرة قاتلة، الا أنه أجاب ببراءة
(إنه موسم البراغيث، لا حل معها، لا ابادة تفلح و لا اصطياد ينجح، لذا لا حل للرجل سوى التأقلم معها الى أن تهدأ).

رفع والد جويرية حاجبيه وهو يعاود التفكير في مدى رجاحة عقل عرابي الرافعي، فالولد يبدو و كأنه متعاطيا نوعا من المكيفات، فهو يتحدث عن البراغيث متجاهلا تلك الاصابة الجادة التي تمنعه عن الحركة تماما...
أما جويرية فقد بدأ وجهها يحمر أكثر و أكثر و أكثر من شدة الغضب، و عروق عنقها تنتفخ حتى بدأ عرابي يخشى على تلك العروق من أن تنفجر...
تكلمت زهيرة قائلة بنفاذ صبر مكتوم
(تفضل، استرح يا حاج، شرفتنا بالزيارة).

جلس والد جويرية مبتسما ووقفت جويرية بجواره تنظر الى عرابي بغضب يتضاعف، فقال والدها
(الشرف لنا يا ابنة الأصول)
ثم مد كفه يربت على كتف عرابي قائلا بتعاطف
(كيف حالك الآن يا بطل؟)
تنهد عرابي قائلا بإستسلام
(كما أنا يا حاج، على وضع يدك لم أتغير و لم أتزحزح)
ثم نظر بطرف عينيه الى جويرية و قال ببطىء
(منه لله من كان السبب).

فكت جويرية ذراعية و ضمت قبضتيها و شفتيها و هي تبدو على وشك ضربه بالفعل مهما كانت حالته الصحية، الا أن عرابي نظر الى والدها قائلا ببراءة و مسكنة
(سائق السيارة، حسبي الله)
مطت جويرية شفتيها قائلة بنبرة مستفزة
(حسنا، ربما كان السائق مخطئا، لكنها المرة الأولى التي أرى فيها شابا بكامل صحته يصاب بكسر في الحوض من مجرد ارتطام سيارة واقفة في اشارة مرور! اهتم بالحليب مستقبلا، )
قاطعها والدها بصرامة.

(جويرية، احترمي نفسك)
صمتت جويرية مجبرة، بينما هتف عرابي قائلا بإنفعال
(الإرتطام كان قويا، لقد انطلق بسيارته فتلقيت قوة السيارة باكملها)
ربت والد جويرية على ذراعه قائلا يهدئه
(بالطبع يا ولدي، إنها تستفزك فقط لا غير، هذا هو طبعها، مستفزة و قليلة الذوق)
هتفت جويرية بغضب
(أبي!)
ابتسم عرابي بخبث زاد من اتقاد الغضب على ملامحها، الا أن والدها قال بصرامة وهو يخاطبهما معا.

(الآن اسمعا كليكما، أتيت هنا أولا لغرض الإطمئنان على ولدنا عرابي و أداء الواجب، و لغرض ثاني لا يقل أهمية، لكن إن كنتما ستظلان تستفزان بعضيكما على هذا النحو فأرى أن وجودنا لا داعي له و لننصرف على الفور)
بدأت مشاعر عرابي تتحفز وهو يلتقط بعض الإشارات في كلام والد جويرية، فنظر اليها متسائلا، الا أنها ظلت تنظر اليه بغضب لا تتجاوب مع السؤال في عينيه، كارهة رافضة ممتعضة و كأنها تعصر على نفسها ليمونة...

أما زهيرة فكانت هي من دفعها قلقها و توجسها للسؤال قبل ابنها بتوتر
(أي غرض يا حاج؟، اللهم اجعله خير)
رد والد جويرية بهدوء متنازلا مبتسما
(خير باذن الله يا حاجة، لقد استخرنا الله و وافقنا على اتمام زيجة جويرية و عرابي)
فغرت زهيرة فمها بذهول، بينما هتف عرابي بذهول أكبر وهو يحاول القفز من مكانه
(ماذا؟، من الذي سيتزوج؟، من هي العروس؟، هل تتكلم عن ابنة عمكم الثانية تلك التي نسيت اسمها، أم أنك قلت جويرية؟).

ضحك والد جويرية بينما تنهدت هي تهز رأسها بيأس، أما والدها فقال ضاحكا حين تأوه عرابي بصوت عال من محاولة الحركة الفاشلة
(اهدأ يا ولدي، لا تتحرك، نعم قلت جويرية)
نظر عرابي بذهول الى جويرية التي لا تزال تنظر اليه و كأنها تريد قتله، فأعاد عينيه الى والدها يسأله مجددا بشك
(هل لديكم فتاة أخرى بنفس الإسم في العائلة؟)
رفعت جويرية عينيها لأعلى و هي تهمس بيأس
(ياللهي! لا يمكن، لا أستطيع، لن أستطيع).

الا أن صوتها الهامس ضاع في ضحكة والدها العالية، ثم قال بصعوبة من بين ضحكاته
(لا جويرية غير تلك المجنونة، الازلت تريدها أم آخذها و أنسحب؟)
هتف عرابي بجدية و هلع
(أريدها؟، أريدها، أقسم بالله لو تحركتما خطوة للخروج من هنا، فسوف)
قاطعته جويرية قائلة بصرامة
(احترم نفسك، أنت تخاطب أحد كبار عائلة الهلالي)
افتر ثغر عرابي عن ابتسامة صغيرة غير مصدقة وهو يقول ببطىء وكأنه يحاول استيعاب المعلومة جاهدا.

(حاليا لا أراه سوى عمي والد زوجتي، زوجتي! حقا!)
مطت جويرية شفتيها و هي تنظر الى والدها قائلة بإمتعاض
(لقد تزوجني و نحن جالسين هنا يا أبي! إنه غير مصدق نفسه! ماذا سيفعل حين يغلق علينا باب واحد!)
عقد والدها حاجبيه و تنحنح قائلا بصرامة ينبهها الى وقاحة مزاحها
(جويرية!)
أما عرابي فقال وهو يضيق عينيه متنهدا بإبتسامة خبيثة
(حينها سوف)
انتفض والد جويرية مزمجرا بغضب وهو يلتفت الى عرابي.

(ولد! ماذا بكما؟، احترما نفسيكما)
تدارك عرابي قائلا ببراءة
(أنا قصدت لحظة عقد القران يا عمي، لماذا تسيء الظن؟)
نظر اليه والد جويرية بعدم ارتياح، بينما رددت جويرية لنفسها متهكمة بغضب
(عمي! أداء زائف للغاية بصراحة)
في تلك الأثناء كانت زهيرة تنظر الى ثلاثتهم بذهول و قد انعقد لسانها منذ فترة، الى أن تمكنت من الهتاف فجأة بصدمة غاضبة.

(لحظة لحظة لحظة، ما الذي يحدث هنا؟، ألم تكن تلك الخطبة قد تم انهائها؟، كيف يحدث هذا الآن اذن دون موافقة الكبار؟، أهو سلق بيض؟)
استدار اليها والد جويرية بإبتسامة بسيطة دون أن يغضب و سألها قائلا.

(جويرية ابنتي كانت ترفض كأي فتاة في مثل وضعها لم تقابل من ستتزوج ولو لمرة، و هذا الرفض وضعنا في موقف حرج أمام عائلة الرافعي، و نخشى أن يحدث الصدام من جديد، لكن وافقت الفتاة و أرى أن المشاكل قد شارفت على الإنتهاء أخيرا، فهل لديك مانع يا حاجة؟، أنت الخير و البركة و لن نقدم على شيء ضد رغبتك بالطبع، فأنت ستكونين بمقام والدة جويرية و يجب أن تكوني راضية عن تلك الزيجة تمام الرضا).

فتحت زهيرة فمها تنوي الرفض و بقوة، الا أنها صمتت في اللحظة الأخيرة و هي تنظر اليهم، مفكرة في مدى خطورة رفضها لكلام الرجال الكبار من العائلتين...
بالطبع لو فشلت الزيجة بسببها فلن يرحموها من ألسنتهم، فهي لا تملك قوة مواجهة قرارات الرجال...
لذا قالت على مضض و بعد صمت طويل
(الرأي الأول و الأخير لكبار عائلة الرافعي، فليفكروا في الأمر مجددا بعد رجوع المحروسة عن رفضها)
هنا تدخل عرابي هاتفا وهو يقول بحنق.

(فيما يفكرون يا أمي، لقد انتهى الأمر بأكمل وجه و الحمد لله، لما التفكير من جديد؟، كفى مماطلة في الأمور)
قالت جويرية بنبرة عصبية حادة
(انتظر هنا، ماذا تقصد بسؤالك عن الغرض من التفكير؟، ليكن بمعلومك، خطبتنا ستستمر على أن نزيد من تعارفنا جديا، و لن يتم عقد قراننا الا بعد أن نتأكد ألف في المئة بأن اختيارنا صائب، لا تعتبر الأمر منهيا).

برقت عينا عرابي بنفاذ صبر بعد الحماس الذي اجتاحه منذ لحظات، بينما ضربت أمه كف على كف و هي تقول بغضب
(تفضل يا خائب، تبلغك الموافقة في لحظة ثم تعود و تماطلك في الأخرى و لم نجد الوقت حتى كي نطلق الزغرودة المنحوسة التي لا تجد لها طريقا حتى الآن)
نظر عرابي الى والد جويرية و سأله بصوت غاضب حاول جديا أن يسيطر عليه.

(ما الأمر يا حاج؟، هل سنحتاج الى عام آخر كي يتم الزواج أم ماذا؟، التبني أسهل و أسرع من محاولة انجاب طفل بالأصول معكم والله يا حاج)
هتفت أمه بصرامة تولول
(والله لن يحدث، عهد على الا يمضي هذا العام الذي تتحدث عنه الا و أنا أحمل طفلك بين ذراعي)
أشارت جويرية اليهما و قالت بذعر
(هل سمعت يا أبي؟، إنهما يتحدثان عن طفل؟، أترك أنا دراستي و اختبارتي و أتفرغ اليوم بعد الظهيرة لانجاب الطفل الذي يريدون).

علي الرغم من غضبه الا أن ما تفوهت به جويرية جعله يبتسم على الرغم منه و تعاود النظرة العابثة الى عينيه كلحن بمزامير يقاطع حوار جاد كل فترة، فقال بصوت خبيث
(يا ليت)
قال والد جويرية بصرامة
(تلك التلميحات لا ترضيني، احترم وجودي يا ولد)
الا أن جويرية قالت بحنق
(أي كلام سأنطق به سيحرفه عقله الى طريق يسار تلقائليا يا أبي، انظر الى عينيه).

غمز لها عرابي مصفرا في الهواء دون صوت، ففغرت فمها بذهول و كأنها تتعامل مع كائن غريب لا يصدق، بينما قال لها والدها بعدم ارتياح متململا
(اذن لا تتكلمي الآن و اتركي لي ادارة الحوار، يجب أن نعذره، فالولد ظروفه صعبة)
كان عرابي لا يزال ينظر الى جويرية مبتسما الا أن الجملة الأخيرة التي قالها والدها جعلته يعقد حاجبيه و يلتفت اليه سائلا بخشونة.

(كلامك يجعلني كمن يريد التزوج على نفسه لا اراديا يا حاج، ماذا تقصد بالضبط؟)
قال والد جويرية مبررا.

(العفو يا ابني، أنا أقصد انتظارك عاما كاملا و ظروف الحادث و خلافه، المهم دعنا نتحدث بروية و لتسمع ما لدينا، أنا أعترف أننا ظلمناك معنا في اطالة فترة الخطبة، و سيكون لك كل الحق إن أردت العدول عن تلك الزيجة و البحث عن نصيبك في عائلة أخرى، لكنك منتهى الإحترام لقرار العائلتين و للمصلحة العامة أصريت على اكمال الطريق، و هذا زادني احتراما لك، لكن في نفس الوقت جويرية هي ابنتي الوحيدة و هي تعيش في المدينة منذ طفولتها، لا أستطيع تزويجها لشاب لا تعرفه حق المعرفة، لذا أرى أن الخطبة ستكون وسيلة جيدة لتزيدا من تعارفكما في وجودنا، يجب أن تكون متفهما لمخاوفها، هذا أولا، ثانيا فنحن لدينا شرط لا رجوع فيه، لا زواج قبل أن تتم جويرية دراستها).

فتحت زهيرة فمها لتهتف غاضبة الا أن عرابي سبقها قبل أن تتهور و قال بسرعة و ثقة
(يا عمي أنا موافق أن تتم دراستها بعد الزواج)
مطت جويرية فمها و قالت بسخرية
(بك الخير والله، شاكرين لهذا التنازل العظيم من جنابك)
هتف عرابي فيها بحنق
(ماذا تريدين أنت، أنا لا أفهمك؟، هل تريدين الشجار و السلام؟، أقول أنني موافق، هذا شيء ايجابي، هل أنت مستوعبة هذا أم لديك خلل في خلايك مخك!)
هتفت جويرية محتدة.

(أنت تتباجح من أولها، أنا أرى أن نفض الأمر و نحن لا زلنا على البر)
قال عرابي بسخرية غاضبة
(لا ينقص الا أن تهتفي، طلقني، فتاة نكدة فعلا!)
اتسعت عينا جويرية و هي تنظر الى والدها هاتفة
(أبي!)
حينها قال والدها بصرامة و الذي كان يهز رأسه يأسا، خالعا نظارته وهو يحك عينيه بنفاذ صبر
(أنتما تتشاجران قبل حتى أن تضعا الخاتمين، بدأت أشعر أننا قد تسرعنا بالفعل)
نظر عرابي اليه و هتف بذهول
(تسرعتما!).

و حين عجز عن ايجاد الكلمات المناسبة نظر الى أمه و قال بحدة
(أمي، أترك لك تلك الجولة، تفضلي يا حاجة)
تدخلت زهيرة نافخة صدرها و حاجبيها و هي تهتف بحدة مماثلة.

(من هم الذين تسرعوا يا حاج؟، الولد ذابت نعاله وهو يقطع الطريق على دياركم و خلف المحروسة و لم تمنحوه حقا و لا باطل حتى الآن، يقول أنه موافق على أن تتم دراسته، علما بأن هذا بالفعل تنازلا ضخما من قبله، فلماذا تعترض المحروسة ابنتك؟، ها، اخبرني، ها، تكلم، تكلم).

كان والد جويرية يشير الى زهيرة ضاما أصابعه كي تهدأ و تتريث الا أنها كانت مندفعة كالقطار الذي لا يمكن ايقافه، لذا ما أن توقفت كي تلتقط أنفاسها حتى قال بهدوء.

(يا حاجة، صبرك بالله، اسمعيني للحظة و أعطيني الفرصة للكلام، لكل انسان طاقة، عرابي ابننا تنازل و تفضل ووافق أن تتم جويرية دراستها بعد الزواج و هي طاقة كبيرة من الزوج يشكر عليها، الا أن طاقة جويرية ليست بنفس القدر، فهي بكل صراحة لن تتحمل مسؤولية زوج و أطفال مع دراستها الصعبة، ستضطر للتقصير مع أحد الجانبين و هذا ما لا يرضينا جميعا، ثم أن الولدين لا يزالان صغيرين و لا ارى وجه استعجال).

رفع عرابي يديه ليضعهما فوق رأسه وهو يغمض عينيه غير قادرا على التحمل أكثر، لكن و قبل أن ترد والدته، سمعا تنحنحا من خارج باب الغرفة قبل أن يدخل ليث وهو يقول مبتسما
(السلام عليكم، كيف حال البطل اليوم؟).

لكن بنظرة واحدة، رأى والد جويرية يجلس على أحد الكراسي ضاغطا أعلى أنفيه بين عينيه بإصبعيه، و جويرية تقف بجواره مكتفة ذراعيه، تهز ساقها بعصبية و عيناها تبثان شررا غاضبا، و زهيرة في الجانب الآخر من الغرفة تضرب ساقيها متحسرة بكلمات مهمهة غير مفهومة، بينما عرابي ينظر الى أعلى مغمضا عينيه واضعا كفيه فوق رأسه و كأنه ينعي حاله...
رفع ليث حاجبيه وهو يقول ببطىء.

(هل جئت في وقت غير مناسب؟، اثنين من أعمامك يصفون سياراتهم و آتين خلفي لزيارتك يا عرابي، فهل أصرفهم؟)
هتفت زهيرة بإنتصار
(لا لا، بل أتوا في وقتهم تماما، ليضعون حلا لما نمر به)
حك ليث شعره، ثم قال مبتسما بحرج
(حسنا، في الواقع قمت بالإتصال بهما لانهما المتواجدين في المدينة حاليا)
ثم اتجه الى والد جويرية ليصافحه، فهتفت زهيرة بذهول غاضب
(آآآآآه طبعا، فأنت هلالي، لقد طبختماها سويا).

رفع ليث أحد حاجبيه، بينما نهض والد جويرية من مكانه ليمسك بذراعه قائلا بإجهاد
(أخرجني قليلا يا ليث، أشعر بهبوط، الموضوع مرهق أكثر من اللازم).

خرج ليث معه فلحقت بهما زهيرة دون هوادة كي لا يتفقا على شيء من وراء ظهرها، بينما بقت جويرية واقفة مكانها تنظر الى الباب بتوتر، ثم انتابها الفضول كي تختلس نظرة الى عرابي و ما كادت أن تفعل حتى تجمدت مكانها و هي تراه ينظر اليها مبتسما ابتسامة مختلفة عن ابتساماته الساخرة، كانت أكثر عمقا و دفئا فارتبكت قليلا الا أنها تمسكت بوقفتها الصلبة فسألها عرابي بهدوء خافت.

(لماذا لم تخرجي خلفهما؟، فمن الواضح أن تواجدك هنا يضايقك)
أجابته جويرية بفظاظة
(كدت أن أفعل، لولا أن سبقتني أمك)
ظل عرابي صامتا للحظات ثم سألها بخبث
(هل تعنين أنك تفضلين صحبتي على صحبة أمي!)
التوت شفتيها بسخرية و هي تقول متعجبة
(هل يفترض أن يكون هذا اطراء لك؟)
لم يجبها عرابي، بل ظل ينظر اليها بتلك الطريقة التي تغضبها بشدة، الا أنه قال أخيرا بصوت لطيف خافت.

(لما لا تجلسين قليلا، سنتكلم للحظات قبل أن يقاطعونا من جديد)
أوشكت على الرفض بحدة، الا أنها عادت و رأت أنه لا مانع من الكلام كي تملي شروطها دون تراجع، فجلست على الكرسي الذي كان يحتله والدها، ثم قالت بقتامة عابسة
(ماذا تريد؟، لكن لتعلم أولا أنني لن أتنازل عن شرطي أبدا حتى ولو)
قاطعها عرابي قائلا بخفوت
(هششششش، كفى يا جويرية بالله عليك فأنت شديدة الإزعاج فعلا و أنا كما ترين مصاب و أحتاج للراحة).

قفزت جويرية واقفة بغضب الا أنه تابع قائلا بترجي
(اجلسي رجاءا، الا ترين أنك ترهقين مسكينا مثلي دون داع!)
ظلت جويرية تنظر اليه بصراع داخلي غاضب، الا أنها جلست أخيرا متجنبة النظر اليه فعليا، فمنحه هذا الفرصة كي يتأملها مليا دون حرج...
كل ما فيها يجذبه بطريقة لم يعهدها في نفسه من قبل، و كأنه شيء قدري لا يمكن لعقل بشري أن يستوعبه، مجرد احساس غريب أن هذا هو النصيب، هذه هي من ستكون زوجته...

ثم لم يلبث أن قال بصوت خفيض وهو يرمش بعينيه كي يفكهما من تحديقتهما المتسمرة
(اذن، لقد واقفت بالفعل! بصراحة انتابني الشك للحظة)
نظرت اليه جويرية دون رد و دون ابتسام، الا أنه تابع مصححا
(ليس الشك في زواجنا، فهذا امر مفروغ منه، لكن الشك في أن توافقي بملء ارادتك)
ضاقت عينا جويرية و هي تنظر اليه بجمود ثم سألته أخيرا بفتور
(هل يفترض بك أن تكون ظريفا الآن!)
أجابها عرابي قائلا بدهشة.

(بل يفترض أن أتيتما أنت ووالدك دون دعوة و بكامل ارادتكما كي تبلغاني موافقتكما و على الرغم من ذلك تبدين و كأنك تمضغين ثمرة بطاطا عطنة!)
فتحت جويرية فمها لتقول أنه احسن التشبيه، الا أنه أمسك كوب ماء موجود بجواره ليكون في متناول يده و قال مشددا على كل حرف
(أقسم بالله، أنك لو قلت أن التشبيه صائب فسوف أقذفك بكوب الماء في وجهك و لن أهتم بوجودي والدك و أمي و أعمامي، لقد أقسمت).

لم تخشى أن ينفذ تهديده، لكن الغريب أنها خشت أمرا واحدا، أنه لو فعل فستكون مضطرة لرفض الزيجة على الفور و أمام الجميع حفاظا على ماء وجهها...
صدمها هذا الإدراك الغير متوقع صدمة جعلتها تترنح قليلا بداخلها، الا أنها نجحت في اخفاء ارتباكها و نظرت اليه ممتعضة لتقول بتمويه
(كف عن تصرفاتك الطفولية تلك)
ابتسم عرابي ببطىء ثم قال بصوت ثقيل وهو يضع الكوب جانبا
(أحسنت).

اجتاحها الغضب العارم من هذا الإنتصار الضئيل، في الحقيقة لم يكن هو الطفولي، بل هي التي تتصرف معه بطفولية لم تعهدها في نفسها أبدا، عادة عقلها يحركها، لا انفعالات متهورة...
تكلمت أخيرا و قالت ببرود
(لعلمك، أنا غيرت رأيي ووافقت للمصلحة العامة ليس أكثر)
ارتفع حاجبي عرابي وهو يسألها ببرود مماثل
(المصلحة العامة! هذا كرم منك والله)
أجابته جويرية بحدة.

(كرم زائد عن الحد، يرقى الى مرتبة العته، لكن ما باليد حيلة، لكن شرطي لا رجوع فيه، لا زواج قبل انهاء دراستي)
رد عليها عرابي قائلا بخشونة
(المصلحة العامة تتقدم على المصلحة الشخصية، و أنت هنا غير متعاونة)
سألته جويرية متشددة
(أنت تعني أن أضحي أنا بالزواج خلال الدراسة، و قد يعرقلها، من أجل المصلحة العامة، هل تخبرني ما الذي ستقدمه أنت للمصلحة العامة اذن؟)
أجابها عرابي ببساطة
(سأتزوجك).

فغرت جويرية فمها و هي تنظر اليه غير قادرة على الكلام للحظات، ثم سألته ببطىء
(أهذه هي أكبر تضحية تستطيع تقديمها؟)
رد عليها عرابي قاطعا
(صدقيني لو خرجت خارج بوتقة نفسك للحظات و تعاملت معها كانسان حيادي، ستدعين لمن سيضحي تلك التضحية، أنت علة)
ارتفع حاجباها و اتسعت عيناها أكثر و هي تردد بنبرة شريرة
(أنا علة! هل أنت واع لما تقول!)
صمت لبضعة لحظات وهو ينظر اليها بجدية، ثم قال أخيرا بهدوء.

(أنا لست واعيا حاليا الا لشيء واحد فقط، أنك تبدين حلوة للغاية)
أسبلت جويرية جفنيها و فركت أصابعها بتوتر، و هي تشعر بنبضات قلبها تتسارع في ردة فعل مضطربة، بينما تابع عرابي قائلا
(حلوة جدا، بل شديدة الحلاوة)
سألته جويرية بصوت خشن بعد لحظات
(ستكون ساذجا لو توقعت مني تصديق أنك لم تقل هذا الكلام لفتاة قبلي)
أجابها عرابي قائلا ببساطة
(بالطبع قلت)
نظرت اليه جويرية مشدوهة، فتابع قائلا.

(أنت لست الحلوة الوحيدة في هذه الحياة، لست حمقاء كي تتخيلي هذا، و أنا شاب و من الطبيعي أن أكون قد أخبرت بعضهن بمدى حلاوتهن)
ظلت جويرية فاغرة فمها لا تجد ما تنطق به، لقد استنفذ كل رصيده لديها من الردود المفحمة...
فقال بهدوء
(ظننتك تريدين الحقيقة)
لعقت جويرية شفتيها و هي ترمش بعينيها للحظات، ثم لم تلبث أن تنحنحت و هي تحاول التماسك كي لا تضربه بحذائها و قالت بهدوء مكتفة ذراعيها
(تفضل، أبهرني).

ابتسم عرابي ابتسامة لذيذة، جعلته يبدو كمراهق شقي، ثم قال بخفوت
(قلت لبضعة فتيات أنهن حلوات، و رأيت أكثر دون أن أخبرهن، كل واحدة بينهن كانت أحلى من الأخرى، مثلك، أنت ايضا حلوة بطريقة خاصة، لكن ما أحسست به حين أبلغني والدك بموافقتك، كان شيء لم أشعره من قبل، سعادة و كأنني ربحت الجائزة الكبرى في احدى المسابقات)
أطرقت جويرية برأسها تنظر الى أصابعها و هي تشعر بنفسها يتسارع، فقال عرابي يسألها بقلق.

(كلام غريب، اليس كذلك؟، تظنينه مبالغ فيه قليلا، صحيح؟)
ظلت جويرية صامتة، مخفضة وجهها، ثم أبعدت شعرها خلف أذنها و هي تقول بفتور دون أن تنظر اليه
(سأكون غبية لو صدقت)
أجابها عرابي بحرارة
(و ما المشكلة؟، لما لا تكونين غبية و تصدقين كما كنت أنا غبيا و شعرت بهذا الشعور)
رفعت جويرية عينيها الى عينيه و سألته بإستنكار
(هل تريد أن تخبرني أنك وقعت في حبي من النظرة الأولى و تريد مني تصديق هذا!).

أجابها عرابي قائلا برضا
(ليس حبا من النظرة الأولى، بل نصيب، قدر، نصيب شعرت بأنني محظوظ لأنه نصيبي، و كأنني كنت في انتظار تنسيق الثانوية العامة و جائتني الكلية التي تمنيتها)
عقدت جويرية حاجبيها و هي تنظر اليه بتوجس، ثم مطت شفتيها قائلة
(حتى الآن لا أعرف إن كنت تجيد كلام الغزل، أم أنك فاشل فيه، بصراحة مستواك مجهول و غير متواجد على المنحنى أساسا)
ابتسم عرابي أكثر وهو يقول
(ليس مهما، المهم أن تصدقيه).

أطرقت بوجهها و هي تقول بخفوت متوترة
(لا أعرف، لا استطيع تحديد هذا حاليا)
أجابها عرابي ببطىء
(حتى لو أخبرتك أنني موافق على شرطك كي أثبت لك تمسكي بك!)
رفعت جويرية وجهها تنظر اليه بدهشة، فأومأ برأسه قائلا
(نعم، موافق و دون جدال، على الرغم من أنني في غاية الضيق، لكن مضطر للموافقة)
ابتلعت جويرية ريقها و بدت أكثر ارتباكا و، سعادة...

ظلا صامتين لفترة، هي مطرقة بوجهها وهو يتأملها مبتسما، الى أن سمعا جلبة في الخارج، وصوت زهيرة هو الأكثر وضوحا، فنظر كلا منهما الى الآخر، حتى قال عرابي مبتسما
(بدأت المفاوضات)
ابتسمت جويرية و هي تطرق برأسها مجددا، و عاد هو لتأملها...

دخلت ياسمين الى البيت تجر قدميها جرا، عيناها متورمتان من شدة البكاء...
لكن دموعها نفذت بعد طريق طويل قضته بأكمله تبكي سعادة ضاعت من بين يديها قبل أن تدركها...
كانت أمها تجلس مع أختها التي ترضع طفلتها، و معهما عادل، يشاهدون التلفاز و يضحكون...
فوقفت ياسمين تنظر اليهم بصمت، للحظات الى أن أدارت أمها وجهها اليها، ثم عقدت حاجبيها و هي تقول بقلق
(ماذا بك يا ياسمين؟، هل كنت تبكين؟).

لم تجبها ياسمين على الفور، بل نظرت الى عيني عادل الذي كان يدقق النظر فيها بترقب، و نظرة إنتصار تظهر في عينيه بملاحظته لحالتها المثيرة للشفقة...
تكلمت أمها مجددا و قد تحول القلق الى خوف
(يا ابنتي تكلمي، ماذا حدث؟، هل تشاجرت مع خطيبك؟)
نظرت ياسمين الى أمها طويلا، ثم قالت أخيرا بصوت ميت
(لم يعد هناك اي خطيب، لقد فسخت الخطبة).

ضربت أمها على ركبتيها و هي تشهق مصعوقة، و عجزت عن الكلام و بدت على وشك الإصابة بنوبة قلبية...
أما ياسمين فقد نظرت الى عادل ثم قالت بنبرة بطيئة غريبة ميتة المشاعر
(أنا أعرف أنك السبب، أنت السبب فيما حدث كي تفشل زيجتي)
ضرب عادل كفا بكف وهو يهتف بصوت عالي مدعيا الظلم.

(لا حول و لا قوة الا بالله، أكلما فشلت في شيء، وضعت الذنب فوق عاتقي! ما دخلي أنا إن كان خطيبك قد هرب منك مثلما فعل طليقك! أعتقد أن فشلين في حياتك لهو أكبر دليل أن العيب بك أنت)
كانت ياسمين تستمع اليه بصمت، وجهها خالي اللون و الإحساس...
لم تتمرد و لم تصرخ، و لم تجد القدرة على ايجاد أي لفظ يناسبه، فالتفتت تنظر الى أمها التي كانت لاتزال تضرب على ركبتيها هامسة بأسى.

(لماذا لماذا يا ياسمين؟، لماذا تريدين قتلي قبل موعدي، لماذا تفعلين بي ما تفعلين؟، ألم تستطيعي كبح شخصيتك قليلا كي تكتمل الزيجة على خير! أين ستجدين زوجا مثله يقبل بك، أين ستجدين زوجا من الأساس؟، لماذا؟)
لم تتغير ملامحها الميتة و هي تقول بجمود
(بما أنك قد دخلت في مزاج الصدمات، تلقي الصدمة الثانية في نفس الوقت، سأقدم استقالتي من العمل).

نظرت أمها اليها و هي تضع يدها على وجنتها شاهقة دون صوت بينما فقد وجهها كل لون فيه...
أما عادل فقد تلونت ملامحه و تحولت الى صدمة أكبر، ثم تفكير سوداوي حاقد وهو يتخيل البيت يزيد فردا دون دخل، و الذي كان يتحمل الكثير من النفقات...
عض على أسنانه وهو ينظر الى الأرض مفكرا بحدة فيما حدث، بينما رمقتهم ياسمين بنظرة أخيرة صامتة، ثم دخلت الى غرفتها دون المزيد من الكلمات...
نظرت أختها الى أمها و سألتها بخوف.

(تستقيل يا أمي؟، و كيف لنا أن نتحمل عبء مصاريفها؟، الحال ضيق و هي تعمل، ما بالك لو خسرت راتبها، ادخلي اليها و انصحيها يا أمي أرجوك لتتراجع عن هذا القرار الأهوج، ياسمين راتبها أصبح معقولا و ليس بالهين أبدا كي نخسره)
زم زوجها شفتيه و هو يكاد يحرق نفسه من شدة الغضب، بينما أخذت أمها تبكي و هي تقول
(لن أدخل اليها، لن أكلم أحدا، أتركوني بحالي).

أما ياسمين فقد دخلت غرفتها لترتمي على سريرها تنظر الى السقف و هي تتنفس بصعوبة، حتى ارتجفت شفتيها ببطىء، ثم بسرعة أخذت تتزايد الى ان انقلبت على نفسها لتدفن وجهها في الوسادة و تصرخ باكية بكل قوتها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة