قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والثلاثون

بعد عشر سنوات، وهو يجلس في مقعده بغرفة المشفى، محدقا في الأرض بعينين زاد عمرهما عشر سنوات كاملة عن تلك العينين اللتين عاشتا الذكرى التي رآها للتو...
عشر سنوات مضت، و لن ينسى أبدا ذلك الشعور الذي اكتنفه حين اكتشف اختفائها...
و الأسوأ، حين علم أنها قد اختطفت الى البلد التي لا تتعامل سوى بالدم، دون حتى اعطاء فرصة للدفاع...
تغضنت زوايا عينيه بفعل السنوات، و ازداد قناع وجهه سخرية و تحجرا...

بينما تظل تيماء هي نقطة الضعف الوحيدة في رحلته التي كتبها على نفسه، دون قلب، دون رغبة فعلية في الحياة...
سمع صوتها و هي تتألم و تئن متوجعة، بسبب تقلبها...
إنها المرة الثالثة التي تعاني فيها كابوسا، و تهتف به دون أن تدرك وجوده الى جوارها...
أخذت تتلوى بقوى وتئن من الألم دون أن تستيقظ...
فخشي قاصي على جرحها المقطب حديثا، لذا نهض من مكانه و أمسك بكتفيها وهو يقول بخفوت جاف.

(توقفي عن الحركة، تيماء، لا تتحركي، )
لكنها كانت مستغرقة في سابع درجة من درجات السبات العميق، و كانت تعيش الكابوس بكل تفاصيله حتى بدأت تهتف برعب
(لا، لا، لاااااا)
ضاقت عينا قاصي و اظلمتا، فشدد من قبضتيه على كتفيها و ناداها بسطوة آمرة...
يخرجها بسلطانه من كابوسها غصبا عنها
(تيماء، استيقظي)
لم تسمعه و لم تستيقظ، فترك احدى كتفيها ليضربها فجأة ضربة خفيفة على وجنتها...

شهقت تيماء و هي تفتح عينيها، ثم شهقت مرة أخرى شهقة أكبر و هي تراه منحنيا اليها، ووجهه قريبا من وجهها...
فهتفت بخوف
(أين أنا؟)
زفر قاصي بقوة وهو يهز رأسه نفيا، ثم قال بنفاذ صبر
(إنها ثالث مرة تستيقظين و تسألين نفس السؤال، حتى أنك في المرة السابقة سألت بأي عام نحن!)
عقدت حاجبيها و هي تنظر اليه، و كأنها تتأكد بالفعل من العام، فقدت تداخلت عندها الذكريات بالكوابيس و غطت على الواقع...

تركها قاصي و استقام وهو يقول بضيق
(ما باله هذا المخدر؟، إنه فاسد على الأرجح، أنت في ضياع تام)
رفعت تيماء يدها الى جبهتها و هي ترجع رأسها للخلف، ناظرة الى السقف، محاولة أن تستيقظ تماما...
نعم لقد نامت عدة مرات...
من الألم، و من الخوف...
لقد أصابها الرعب منذ أن سمعت عبارة قاصي الاخيرة...

سيأتي بنفسه، و كم أتوق الى مقابلته يا تيماء، منذ أن سمعت منه هذا الوعد الشيطاني حتى هبط قلبها بين قدميها، فهي تعلم جيدا كيف يمكن لقاصي أن يكون همجيا حين يتعلق الأمر بممتلكاته...
وهو يعتبرها ملكية خاصة كما يبدو...
ماذا سيفعل حين يأتي أيمن؟، و كيف سيفضحها أمامه؟
إنه أستاذها، و سيكون زوجها...
عند هذه النقطة شعرت تيماء بالقنوط فجأة، و كأنه دلوا من الماء البارد قد سقط فوق رأسها...
تخيل الزواج من أيمن...

بعد اليومين اللذي عاشت بهما ذكريات الماضي مع قاصي...
بعد انتفاضة قلبها برؤيته مجددا، نفس التاثير و نفس المشاعر...
لم يغيرها الزمن مطلقا...
التفتت اليه، فصدمتها عيناه اللاهبتين...
حينها قالت بغضب و عصبية
(ماذا تفعل هنا مجددا يا قاصي؟، أخرج من الغرفة، وجودك هنا لا يصح، بالله عليك كلما استيقظت أجدك فوق رأسي، الا تعرف معنى الخصوصية؟)
نظر اليها نظرة بازدراء ألجمت المتبقي من كلامها الحاد، ثم قال بصوت ساخر.

(والله و جاء اليوم الذي تتبجحين فيه بحاجتك للخصوصية، أذكر قديما أن الخصوصية كانت كلمة منعدمة بيننا)
انتفض كيانها، و تزلزل قلبها محتضرا متصدعا...
الا أنها هتفت بحدة كي تخبيء مشاعرها عنه
(كان هذا من الماضي، و كان خطأ، كنت مراهقة و أخطأت، و الآن أريد أن أتوب و أكون انسانة محترمة)
اظلمت عينا قاصي فجأة، و تجمدت ملامحه...
ثم قال بصوت غامض
(تتوبين؟، هل كنت معي، انسانة غير محترمة؟).

ابتلعت ريقها و هي ترى وجهه و ملامحه، لقد أوجعته بحق...
كان عليها قول شيء مختلف، انتقاء كلمات أخرى...
لكنها أبعدت وجهها عنه و أصرت على ايلامه، لربما نجحت في ابعاده، فقالت بفتور و هي تتجنب النظر الى عينيه
(نعم كنت فتاة غير محترمة، هل تنكر ذلك؟، لا أريد الإختلاء بك في أي مكان مجددا، اريد بدء حياتي الجديدة بشكل نظيف)
ساد صمت قصير، قبل ان تصدر عن قاصي ضحكة ساخرة، خافتة و قاسية...
ثم قال هازئا.

(شكل نظيف!، يالك من منافقة)
التفتت اليه مندفعة و هتفت بقوة و غضب
(قاصي أنا لا أسمح لك)
الا أنها صدمت حين هتف بها بغضب فجأة
(تبا لك و لسماحك، من طلب منك الإذن اصلا، لقد تحولت الى شخصية منافقة قميئة)
اتسعت عيناها بذهول و هتفت
(منافقة قميئة؟، لأنني أريد تصحيح ما عشته معك سابقا!)
اقترب منها خطوة مندفعا وهو يهدر بقوة بينما عيناه تشتعلان
(التصحيح الوحيد بزواجك مني، لا زواجك من رجل آخر).

بهتت ملامحها حتى بدت كالأموات و هي ترى السلسال الذي كانت تضعه حول عنقها كل هذه السنوات...
عاد الى عنقه!
لاحظ قاصي نظرتها، فأخفض عينيه الى السلسال ثم رفعهما اليها و قال ساخرا
(هل تريدين استعادته؟)
بان الألم في عينيها بوضوح...
نعم تريد استعادته، إنه ملكها هي
بعد كل تلك السنوات تشعر بنفسها عارية الروح بدونه...
الا أنها قالت بفتور كاذبة
(لا، لا أريده)
ارتفع حاجبي قاصي و قال دون رحمة.

(لكنك كنت تضعينه كل تلك السنوات، أخبريني يا تيماء، هل كنت تنوين الزواج و أنت تضعينه أيضا، هل كان سيزين سلسالي صدرك و رجل آخر يضمك بين ذراعيه؟، و لا تقبلين بنعتك بالمنافقة!، بالله عليك، على الأقل كوني صادقة مع نفسك قبل ان تقرري التوبة، مني)
ارتجفت شفتي تيماء بقوة، و نظرت اليه بعينين متسعتين، متألمتين...
الا أنه كان يبدالها النظر بعينين قاسيتين لا تعرفان الرحمة...
فتح باب الغرفة فجأة...

و سمعت تيماء صوت جدها بعد لحظات يقول بنبرته المهيبة الصارمة...
(ماذا تفعل هنا يا قاصي؟)
اندفع وجه تيماء تنظر الى جدها الذي دخل بهيمنته و كأنه يملك المكان، ترافقه سوار...
احمر وجه تيماء بشدة، و شعرت بالذعر من تواجد قاصي هنا في غرفتها...
و دخول جدها عليهما ليراهما بهذا الشكل المريب، مجددا...
لم تكن تريد المشاكل، كانت تريد الهرب سريعا...
الا ان قاصي بدا هادئا، صلبا كالجبل، وهو يقول بثقة.

(أنا هنا مع تيماء يا حاج سليمان، لم أكن لأتركها وحيدة بعد أن أجرت الجراحة بعيدة عن بلدتها و أمها)
قال سليمان الرافعي بنفس النبرة المهيمنة
(ألم يكن ممكنا أن ترافقها و أنت خارج الغرفة؟، لا داخلها، وحدكما بهذا الشكل المسيء لها)
ارتبكت تيماء و نقلت عينيها بينهما بقلق قاتل بينما رفع قاصي وجهه و قال بصلابة
(لا، لم يمكن هذا)
رفعت تيماء يدها الباردة الى وجهها المشتعل و أغمضت عينيها و هي تهمس بيأس.

ياللهي، ياللكارثة، أما سليمان فقد تحولت ملامح وجهه الى تلك الملامح القاسية التي تظهر ببأس في المواقف التي تحتاج الى سطوته...
لكنه ضيق عينيه و لم يفقد أعصابه، بل قال آمرا بقوة
(أخرج من هنا يا قاصي، لم تعد لك أي صلة بتيماء منذ اليوم)
ساد صمت و سوار تنظر الى جدها تعض على شفتها بقلق، اما تيماء فقد اغمضت عينيها هربا من تلك المواجهة البائسة...
الا ان قاصي تكلم بصوت قاتم، بل شديد القتامة.

(منذ سنوات طويلة، منحني والدها تكليف رعايتها و تحقيق طلباتها، و الآن و بعد أن انتفت الحاجة لي تطلب مني الخروج هكذا ببساطة!، لم تكن بضاعة، كانت انسانة من لحم و دم رعيتها طويلا. )
ضاقت عينا سليمان أكثر، و حربا شعواء تدور بين عينيه و عينا قاصي المشتعلتين...
الى أن قال سليمان وهو يشدد على كل حرف
(تلك المشاعر لا مكان لها مع الأصول يا قاصي، وجودك هنا غير مرحبا به، اخرج و لا تعد).

تأوهت تيماء بصوت مكسور خافت...
بداخلها وحش صغير ينشب مخالبه في صدرها، يأمرها أن تهب من رقادها و تدافع عن قاصي بشراسة...
و تأمر الجميع الا يهينه أحد في وجودها...
لكنها كانت جبانة...
تحولت الى جبانة على مر السنين...
أجبن من أن تدافع عنه مجددا، لقد نالها الكثير من الأذى سابقا، و لا تريد المزيد، له و لها...
شعرت أن الغرفة تحترق ببطىء بسبب المواجهة بين هذين الجبلين العاليين...

حينها تدخلت سوار و هي تقول مرتبكة
(كيف حالك يا قاصي)
كان السؤال شديد الغباء، لكنها استخدمت مكانتها في العائلة لتطلق سؤالها بصوتها الجميل بينهما كي تنهي تلك الحرب الصامتة، أكثر من حرب الكلمات المتقاذفة...
رفع قاصي عينيه الى وجهها، ثم قال مرتبكا قليلا
(بخير يا سيدة سوار، شكرا لك)
ارتفع حاجبي سوار بتعاطف...
دائما كان قاصي يناديها بلفظ سيدة سوار
لكنه حين خرج منه الآن، بدا محرجا، مؤلما...
فقالت برقة ناعمة.

(لا ألقاب بيننا يا قاصي بعد اليوم، لفظ سيدة هذا شديد التكلف)
رفع قاصي عينيه الى عيني جده، يراقب تعبيره...
الا ان سليمان اخفض وجهه يداري عنه علامات تفكيره وهو يربت على الأرض بعصاه في شرود...
لذا سارعت سوار بالقول مبتسمة باتزان
(سليم في الخارج، هلا خرجت اليه من فضلك يا قاصي، إنه لا يريد الدخول الا بعد أن نأذن له و تكون تيماء مستعدة)
نظرت تيماء الى قاصي بطرف عينيها...

كفاه ينقبضان جانبيه بتوتر، يريد المقاومة و البقاء...
الا انه على ما يبدو أنه يقدر مكانة سوار، و يمنحها احتراما مرتبكا...
التقت أعينهما فجأة، فرمشت تيماء بعينيها و هربت من عينيه الصريحتين القويتين...
الى ان سمعته يقول بخفوت مختصر
(حسنا)
خرج قاصي أمام عيني سليمان الغامضتين، ثم أغلق الباب خلفه...
حينها التفت سليمان الى تيماء ينظر اليها بدقة و كأنه يحاول قراءة أفكارها...

أما سوار فتحركت و جلست على حافة السرير بجوار تيماء و ربتت على كفها قائلة بهدوء و قلق
(كيف حالك الآن حبيبتي؟، لقد انتابنا الخوف عليك ما أن عرفنا بالخبر)
كانت تيماء لا تزال تنظر الى عيني جدها الغامضتين...
ثم نظرت الى سوار و همست بخفوت
(كيف عرفتم؟)
قالت سوار و هي تنظر الى جدها
(اتصل قاصي منذ قليل و أخبرنا بالأمر، فجئنا من فورنا)
عند هذه النقطة قال سليمان الرافعي بصوته المهيب.

(ماذا كنت تفعلين في محطة القطار منذ الصباح الباكر يا تيماء دون أن تخبري أحدا؟)
ساد صمت مربك على ثلاثتهم، لكن تيماء أخذت نفسا عميقا ثم قالت بخفوت مسبلة جفنيها
(كنت أنوى السفر يا جدي)
عاد الصمت مجددا و تجنبت تيماء النظر اليه، بينما هو يراقبها بدقة، ثم قال أخيرا
(هكذا دون أخذ الإذن من كبير العائلة، من جدك!).

عضت تيماء على شفتيها و هي لا تزال مسبلة بعينيها ثم قالت بهدوء خافت و أصابعها تتلاعب بحافة الغطاء الذي يحيط بها
(اعذرني يا جدي إن لم أكن على دراية بكل العادات هنا، لقد اعتدت السفر دون أخذ الإذن، و بات من الصعب على التعود على ذلك الآن)
أطرق سليمان برأسه وهو يتنهد تنهيدة غاضبة، مفكرا كعادته كي لا يزيد من الكلام...
لذا قالت سوار بهدوء.

(سيزورك أبناء أعمامك جميعهم ما أن تتمكني من استعادة قوتك، متلهفين لرؤيتك)
أغمضت تيماء عينيها و هي تتأوه يأسا، بينما قال سليمان بقوة
(و خلال مكوثك معنا اسبوع ستكونين قادرة على اتخاذ قرارك و اختيار احدهم)
فتحت تيماء عينيها، وقد شعرت بالغضب يملأها فجأة، بعد كل ما مرت به و جدها لا يفكر سوى بشيء واحد، تزويجها الى احد ابناء عمها قبل ان تهرب الى رجل غريب!

ما السر في هذا القانون الغريب، و الذي يجعلهم متشددي الصرامة في تنفيذه؟
للحظات عادت بها الذاكرة الى الللقاء القديم مع والدها حين أتاها بكل صلف و أخبرها متباهيا أنه ينوي تزويجها...
برقت عينا تيماء كقطة نافرة، ثم انتابتها الشجاعة المفاجئة و قالت بقوة
(جدي أنت لم تسمعني منذ أن خطت قدمي الى هذه البلد، لقد أتيت الى هنا لأن أستاذي يريد التقدم الى عائلتي لطلب يدي).

عضت سوار على شفتها و هي تطرق برأسها، أما ملامح جدها فقد كانت غير مقروءة بعد ان ألقت تيماء بقنبلتها الموقوتة...
و ساد صمت مشحون قبل ان يقول سليمان بصوت اكثر صلابة
(هذا الأمر مرفوضا رفضا باتا، و قد ظننت أنك التقطت الإشارة في وقت مبكر عن هذا)
هتفت تيماء بقوة مماثلة رغم ألمها
(أنا لا أخضع لقوانين عائلتكم يا جدي، متى كانت عائلتي لأخضع لقوانينها؟)
ضرب سليمان الرافعي الأرض بعصاه وهو يهدر قائلا بصوت مزلزلا.

(أخفضي صوتك يا فتاة و تعلمي الأدب).

كان قاصي واقفا أمام باب غرفتها، فسمع هتاف سليمان الصارم...
حينها لم يتمالك نفسه و حاول الإندفاع ليفتح الباب و ينقذها من بطش جدها...
الا أن سليم كان أسرع منه وهو يمسك بذراعه هامسا بقوة
(تعال هنا يا مجنون، الى أين تظن نفسك ذاهبا، هل هي وكالة بلا بواب؟، الا يكفي صدمتي برؤيتك خارجا من غرفتها!، احمد الله أن جدك سمح لك بالخروج على قدميك)
هتف قاصي بعنف وهو ينظر الى سليم.

(يجب أن أدخل اليها، قد يضربها أو يهبط بعصاه على رأسها فتتخلف أكثر من تخلفها الأصلي)
قال سليم بقوة
(أنت تعلم أن هذا ليس اسلوب جدك، فهو لم يضرب أي فتاة من بنات الرافعية مطلقا، بل على العكس، يدللهن الى درجة الفساد، فقط اتركهما معا ليتواصلا)
نظر قاصي الى سليم بعينين قاتمتين ثم أبعد وجهه وهو يزفر بقوة...
راقبه سليم مبتسما، ثم قال أخيرا برقة
(ألهذه الدرجة تحبها؟).

نظر قاصي اليه بصمت، مقطب الجبين، قاسي الملامح، ثم قال أخيرا بصوت أجش
(لم أنطق بلفظ الحب مطلقا أمامك أو أمام أي أحد)
ابتسم سليم أكثر، ثم قال بخفوت.

(لكنك كنت تكلمني دائما عنها، أرهقت أذني بها، بينما تجنبت ذكرها تماما لليث، هكذا كنت دائما، حين تريد الإنتقام و استمداد القوة تلجأ الى ليث، و حين تريد الحب، تكلمني أنا عنها، مشكلتك يا قاصي انك تقع تحت ضغط هدفين متناقضين منذ سنوات، و لا تعلم لمن الأولوية فيهما، الثأر، أم الحب)
تصلبت ملامح قاصي أكثر، و تحولت عيناه الى شعلتين مخيفتين وهو يقول بخفوت غامض
(ليس ثأرا يا سليم، بل اسمه قصاص).

خرج سليمان فجأة من غرفة تيماء و قد بدا الغضب عليه، أكثر من المعتاد، تلحقه سوار مرتبكة و قلقة و هي تنظر الى سليم بنظرات ذات مغزى...
الى أن قال سليمان بلهجة آمرة
(الحق بي على الفور يا سليم)
ثم اشار الى قاصي بعصاه و قال غاضبا
(و أنت، إياك أن تدخل الى غرفة الفتاة مجددا، و لا تستفز غضبي أكثر)
قال قاصي بعنف
(هل أتركها حبيسة أربع جدران و قد رفض والدها حتى القدوم للإطمئنان عليها!)
سارعت سوار لتقول بلطف.

(أنا سأبقى معها بالداخل يا قاصي، ابقى انت هنا أمام الغرفة في حال إن احتجنا لشيء)
بدا قاصي رافضا تلك الحواجز التي يفرضونها عليه، حولها...
من هم ليمنعوه عن تيماء؟، أين كانوا من قبل؟
الا أن نظرة محذرة من سليم جعلته يمتنع عن الرد الغاضب الذي كان ينوي رمي جده به...
ابتعد سليمان بكل سطوته دون انتظار الرد، بينما استدار قاصي زافرا بعنف...
أما سليم فقد اقترب من سوار هامسا برقة.

(الأجواء شديدة التكهرب، لا أعلم كيف سأتركك هنا و اسافر)
ابتسمت سوار له ابتسامة بهية جميلة، و همست
(يكفي أنك ستسافر لتحضر الى استقرارنا بعيدا عن كل هذا قريبا، على هذا الأمل سأتحمل، كم أتوق الى رؤية البيت الجديد)
اتسعت ابتسامة سليم أكثر و أمسك بكفيها ليقول بخفوت
(أتمنى تحقيق كل ما يسعدك يا سوار، اتمنى من الله أن يمنحني العمر كي أسعدك و أحقق القليل مما تستحقيه)
برقت عينا سوار بمودة، و همست.

(لقد فعلت و أكثر يا سليم، أطال الله عمرك و حفظك لي)
رفع يده و ربت على وجنتها برفق، فقالت سوار بضيق
(أنا لن أذهب وحدي الى عرس ابنة خالي يا سليم، سأعتذر لهم)
انعقد حاجبي سليم و قال بجدية
(لا يصح يا سوار، انت بالفعل أصبحت نادرة الزيارة لعائلة أمك رحمها الله، لذا سيكون معيبا جدا الا تحضري الأعراس كذلك، اذهبي و اسعدي بعائلتك الثانية حبيبتي)
تنهدت سوار و همست بضيق
(لكن، بت أشعر بنفسي غريبة بين عائلة الهلالي).

قال سليم وهو يربت على وجنتها مجددا
(لهذا عليك الذهاب، لا تنسي أننا سنستقر بعيدا لفترة طويلة)
أومأت سوار برأسها على مضض...
لكن فجأة انطلقت صرخة سليمان الرافعي من بعيد هادرا بقسوة
(سليييييييم، قلت لك أن تلحق بي، اترك زوجتك المصون الآن، هذا ليس وقت تنهدات)
هز سليم رأسه وهو يقول محركا حبات سبحته
(لا حول ولا قوة الا بالله، سأذهب الآن حبيبتي)
ابتسمت سوار بتعاطف و همست
(لا تتأخر الليلة)
هدر سليمان مجددا بقوة.

(سليييييييييييم)
تنهد سليم و ارسل الى سوار قبلة في الهواء قبل أن يغادر مسرعا...
بينما كان قاصي لا يزال مكانه ناظرا الى اختفاء جده، هادم اللذات و مفرق الجماعات بنظرات قاتمة سوداء...
مرت به سوار تنوي الدخول الى تيماء، فقال قاصي بسرعة
(سيدة سوار)
نظرت سوار اليه و قالت برقة
(سوار يا قاصي، سوار يا ابن عمي)
ظهر الم مفاجىء في عيني قاصي، الم مقترنا بغضب سحيق، لا يختفي ابدا، بل تتراكم عليه الأيام ليس الا...

فتح قاصي شفتيه و همس بخفوت
(هل رفض عمك سالم الحضور؟)
ارتبكت سوار و أبعدت عينيها عنه، فعلم الجواب، حينها قال من بين أسنانه
(هذا أفضل له)
رفعت سوار وجهها و قالت بخفوت
(عادة تأثير سليم يكون كبيرا على كل من يجالسه، لكن من الواضح أنه يحتاج الى جهد أكبر معك)
نظر اليها قاصي عاقدا حاجبيه، فابتسمت له، ثم دخلت الى الغرفة...
جلس قاصي على المقعد المجاور لباب غرفة تيماء، مستندا بمرفقيه الى ركبتيه...

يحدق الى الأرض بشرود...
و مر الوقت طويلا، ربما ساعة أو ساعتين، أو أكثر...
كل ما يعرفه هو أنه سمع وقع أقدام تقترب منه، و صوت رجولي يقول بتهذيب
(هل هذه غرفة تيماء الرافعي من فضلك؟)
رفع قاصي وجهه ببطىء، لينظر الى شاب من عمره تقريبا، شديد التنمق...
مصفف الشعر يحمل علبة مغلفة جميلة و باقة ورد ضخمة...
و معه امرأة متوسطة العمر، انيقة و يبدو عليها علامات الصلف و هي تنظر حولها بتعال...

أخذ قاصي وقته قبل أن يقول بخفوت خطير
(من أنت؟)
عقد الشاب حاجبيه من فظاظة قاصي الأقرب الى الوقاحة، لكنه قال بترفع شبيه بترفع أمه
(أنا الدكتور أيمن، استاذها الجامعي و هذه والدتي، السيدة راقية، أنت ابن عمها الذي أجابني في الهاتف على ما أظن. )
ساد صمت قاتل، و قاصي ينظر اليه بتعابير غريبة، أخذت تتوهج و تتوهج، و تشتعل...
و قد استقرت عيناه على باقة الورد!، قبل أن ينهض ببطىء شديد!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة