قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

كانت تلمع الأثاث، تحاول أن تشغل عقلها عن التفكير، ليتعالى رنين هاتف هاجر، إبتسمت قائلة:
-نسيتى تليفونك ياهاجر اللى مبتقدريش تستغنى عنه أبدا، كل ده عشان خارجة مع أبو على،
اقتربت من الهاتف تنظر إلى شاشته التي تألقت بإسمه.
تسارعت خفقاتها...
هو من يتصل...
ذلك الذي افتقدته دهرا،
نعم تشعر بأنه قد مر دهر منذ ان رأته لآخر مرة،.

مدت يد مرتعشة وتناولت بها الهاتف، ترددت في الإجابة ولكن هذا الشوق لسماع صوته جعلها تحسم أمرها وتجيبه على الفور قائلة بهمس:
-السلام عليكم.
هل هذا صوتها؟بالطبع نعم، وهل يتوه عن نبراته؟
آه كم إشتاق لسماع هذا الصوت الذي يطرب قلبه وتعزف على أوتاره نغماته،
إستمع إلى صوتها مجددا وهي تقول:
-السلام عليكم.
تنحنح قائلا:
-احمم، وعليكم السلام، ازيك يامدام سمر.

لقد تعرف على صوتها، نعم، لقد فعل، هل يرقص قلبها الآن فرحا؟ابتلعت ريقها قائلة:
-بخير ياأستاذ مجد.
قال مجد بإرتباك:
-أنا كنت يعنى، حابب أطمن عليكم، أصل حسن مبيردش علية من امبارح، فابتديت أقلق واضطريت يعنى انى أتصل بالآنسة هاجر.

شعرت بالإحباط، أيتصل فقط من أجل الاطمئنان عليهم، ألم يشتاق إليها، تبا كم إشتاقت هي إليه؟أو ربما إشتاق بالفعل، ولكن اشتياقه كان لهاجر لذلك تحدث معها هاتفيا، أصابتها تلك الفكرة بطعنة نجلاء في قلبها الذي تعلق بهذا الرجل دون وجه حق، ودون أن تسأل عن مشاعره هو، فربما تعلقت مشاعره بهاجر أو سماح، سماح، تلك التي سافر من أجلها، اعتصرت قلبها برودة قاسية، لتظهر تلك البرودة في صوتها وهي تقول:.

-احنا كويسين وللأسف هاجر خرجت ونست التليفون، لو حابب تكلمها يبقى هتستناها لما ترجع...
قاطعها قائلا:
-بس انا عايز أكلمك انتى.
إزدادت خفقات قلبها، واضطربت بشدة من لهجته الحانية لتجلى صوتها الذي اختفى بداخلها قائلة باضطراب:
-احمم، عايزنى أنا؟
قال مجد بهدوء:
-سمر، قصدى مدام سمر، أنا كنت حابب بس أطمن على حالتك النفسية، يعنى حد ضايقك تانى برسايله أو يعنى...

صمت لا يدرى كيف يكمل جملته، يشعر بنار تحرق كيانه، ليستمع إلى صوتها وهي تقول:
-الحقيقة أنا كويسة ومبقتش فيه رسايل بتيجى خلاص، الوضع تقريبا عادى، مفيش جديد.

هل يستشعر حنينا في صوتها، هل تفتقد تلك الرسائل، أم ربما تفتقد صاحبها؟سيجن قريبا من تساؤلاته المضنية، لاشك في ذلك، طال صمته ليشعر بتوترها الذي يصله عبر أنفاسها، تمنى لو ضم تلك الأنفاس بين ثنايا ثغره يحتويها بداخله، فروحه قد أرهقها الحنين، أفاق على صوتها وهي تقول:
-أستاذ مجد.
قال مجد في نفسه، (روحه)...
ولكنه أجابها قائلا:
-أيوة يامدام سمر، أنا معاكى.
قالت في ارتباك:
-فيه حاجة تانية عايز تسأل عنها؟

هي تريد أن تنهى المكالمة اذا، ليقول بهدوء حزين:
-فاضل حاجة واحدة بس، تخلى بالك من نفسك، لا إله إلا الله.
أجابته كالمغيبة:
-محمد رسول الله.
ثم كادت أن تغلق الهاتف، ولكن قبل أن تضغط بإصبعها على زر الإنهاء، وجدت نفسها تتوقف ثم تعيد السماعة إلى أذنها، لتسمع لهفته بداخل نبرات صوته وهو يقول:
-سمر، مقفلتيش ليه؟
وجدت نفسها تردد بلا وعي:
-مش هقفل قبل ما تقوللى.
شعرت بنبراته تتهدج وهو يقول:
-أقولك إيه؟

مازالت تردد دون وعي:
-بحبك ياقلبى، بحبك ياعمرى، بحبك يادنيتى كلها.
أفاقت من تلك الذكرى التي تملكتها لتتسع عيونها بصدمة وهي تقول:
-أنا إيه اللى قلته ده، أستاذ مجد أنا آسفة، الظاهر انى كنت بعيش ذكرى حية من الماضى بتاعى.
وجد صوته أخيرا ليقول:
-ولا يهمك يامدام سمر، حصل خير.
سمع نبراتها تتهدج بالبكاء وهي تقول:
-لأ محصلش خير، أنا آسفة، آسفة بجد، سامحنى.

ثم أغلقت الهاتف بسرعة لينظر مجد إلى هاتفه يعتصره بين يديه، يشعر بقلبه يتمزق ألما، وبأنفاسه تخرج بصعوبة، ليأخذ نفسا عميقا قبل أن يطلق سراحه ويطلق السراح أيضا لدموعه تلك التي تقبع حبيسة مقلتيه، تإن للخروج.

كان يطالع ضحكتها الرنانة بنظرات هائمة، نعم، لقد عادت إليها ضحكاتها، وظهرت غمازتيها من جديد، هنا في أرض الملاهى وهي تلهو كالأطفال، وجد نفسه يبتسم رغما عنه، يشعر بقلبه يطير فرحا، لقد استطاع أن ينسيها ماحدث، إستطاع ان يمحو ذلك الألم من ملامحها وتلك العبرات من عيونها التي في لون العسل النقي، لم يعد يخشى الوقوع في الحب فهي تختلف، تستحق ذلك القلب الذي أحاطه بالأسوار ليحميه، يثق بأنها ليست كهؤلاء الفتيات المدعيات للفضيلة ثم يكتشف في نهاية الأمر أنهن حيات مخادعات، ما إن تأمن لهم حتى يلدغن في مقتل...

وجدها تسرع إلى هذا السور الحديدى تستند عليه بكلتا يديها، ترفع رأسها للوراء وتأخذ نفسا عميقا، تقول بسعادة:
-يااه، مبسوطة أوى، ملعبتش بالشكل ده من سنين.
اقترب منها يقف بجوارها لتلتفت إليه بوجهها قائلة:
-تقريبا من تانية إعدادى، بعدها ركزت في دراستى عشان أجيب مجموع عالى يدخلنى ثانوية عامة وبعدين ركزت أكتر عشان أجيب مجموع كلية الطب، وهكذا،
إبتسم قائلا:
-أنا كمان.
إبتسمت وهي تميل بوجهها قائلة:.

-إيه، ملعبتش برده من زمان؟
هز رأسه نفيا وهو يقول:
-لأ، لعبت، بس أول مرة احس إنى مبسوط بالشكل ده.
نظرت إلى عينيه، تغرق في سحرهما، ويغرق بدوره في سحر مقلتيها، كان هو أول من أشاح بوجهه ناظرا إلى محيطه بإرتباك، قائلا:
-الحياة حلوة للى يفهمها.
قالت بإبتسامة مازحة:
-يعنى بتحب فريد الأطرش ويوسف السباعى؟، كدة كتير على قلبى، إرحمنى ياحسن.
مزاحها يغمر قلبه بسعادة لا توصف، ليقول بإبتسامة واسعة وهو ينظر إلى الأمام:.

-ولو وعدتينى الضحكة متفارقش شفايفك ممكن أفكر وأسلفك (أرض النفاق).

إحتبست أنفاسها وتسارعت دقات قلبها مع إرتفاع حرارة جسدها بالكامل، وهو يستند بدوره بيديه على السور فوضع يده اليمنى على يدها اليسرى دون قصد، ليسرى تيارا كهربيا في جسده بالكامل، إلتفت ناظرا إليها، لتنظر إليها بدوره ويتوقف الزمن، في تلك اللحظة، ليظلا هكذا، كل منها يغوص في مشاعر الآخر، يتعمق بها، ففى عيونهم ربضت مشاعرهم وظهرت واضحة، أفاق حسن من مشاعره، يدرك بكل كيانه أنه إن لم يبتعد عنها الآن فسيميل ويقبل شفتيها دون تردد، فمشاعره تقوده الآن إليها وبكل قوة، أبعد يده عنها وهو ينظر إلى ساعته قائلا:.

-إحمم، مش هنروح بقى.
أخفت إرتباكها وخجلها وهي تقول:
-لسة فاضل حاجة.
عقد حاجبيه قائلا:
-فاضل إيه بس؟
إبتسمت وهي تسرع صائحة:
-لعبة الديسكفرى.
إبتسم رغما عنه فمحبوبته طفلة تهوى المخاطر، حسنا، هو لا يخشى المخاطر، بل يعشقها.

نشتاق لأحبتنا، لمن أبعدهم القدر عنا، نشتاق لضحكاتهم، لأنفاسهم، لتلك الأوقات التي كنا فيها سعداء فقط بوجودهم إلى جوارنا،
حين يختفى طيفهم رويدا رويدا من حياتنا، نصاب بغصة في حلوقنا، وتجثم المرارة على صدورنا، وتفرغ قلوبنا، لنشعر فقط بالألم والخواء
حين نشتاق لأحبتنا، نحن إلى الماضى، يمزقنا الفراق ونسقط صرعى الأمنيات المستحيلة.

فقط نتمنى لو يعود الزمن فيعودون لأحضاننا، نتمنى لو نغير الماضى ونرسم حاضر جديد ومستقبل هم كيانه
نتمنى المستحيل، ونعلم بإستحالته ولكن ما باليد حيلة، فقلوبنا تشتاق رغما عنا.

تردد للحظة وهو يمسك مفتاح شقته، يخشى الدلوف إليها، فمنذ هذا اليوم الحزين وهو لم يطأها بقدمه، أغمض عينيه وأخذ نفسا عميقا ثم فتح الباب، والجا إليها بخطوات بطيئة، أنارها يتأمل جنباتها ببطئ، إنها كما يتذكرها تماما، منظمة، رقيقة كصاحبتها، مغبرة قليلا ولكنها تبدو كما لو لم يتركها أبدا، كم كانت حبيبته ربة منزل من الطراز الأول وكم إشتاق لرائحة طعامها الشهي، والتي كان المنزل يعبق بها عند عودته من العمل، كم كان غافلا عن أبسط الأمور التي تفعلها فلم يشعر بها، فقط حين رحلت، إفتقدها وإفتقد كل تلك النعم التي أسبغها عليه وجودها في حياته،.

إتجه إلى حجرتهما معا، دلف إليها، تراءت له صورتها وهي متمددة على السرير، ترتدى نظارتها وتستند إلى وسادتها تطالع كتابها المفضل في إنتظاره كعادتها، وما إن رأته حتى إبتسمت لتخلع عنها نظارتها وتترك كتابها من يدها هارعة إليه تحتضنه، فتح ذراعيه يتلقفها بينهما، فاحتضن الفراغ وضاعت الذكرى، غشيت عيونه الدموع، حقا كم هو صعب أن تشتاق إلى ماض لن يعود، مجبرون على النسيان ولكن شوقنا يمنعنا بكل ما أوتي من قوة.

إقترب من خزانة الملابس، يفتحها، يتنقل بين فساتينها، أمسك فستانها الأحمر، يضمه إلى صدره، يستنشق عطرها الذي مازال رابضا به، هذا الفستان الذي إرتدته له في آخر عيد زواج لهما وظلت تنتظره كثيرا فتأخر كعادته، وعندما عاد، وجد آثار الإحتفال في طاولة رومانسية، وشموع أطفأها الإهمال، وإمرأة تنام وحدها في سريرها، بفستانها ومظهرها الرائع، تنام وهي تحضن صورته، يفسد هذا المشهد الخلاب آثار دموعها الباقية على وجنتيها وبين أهدابها، يفسد مظهرها إهمال زوج نسي عيد زواجهما كما نسي عيد ميلادها بالسابق ونسي أيضا في خضم إنشغاله كيف يسعد إمرأة وعدها بأن لا تنام عيونها دامعة أبد الدهر، فنامت ليال كثر بدموع تنهمر كالمطر...

إتجه إلى السرير ينام عليه في وضع الجنين، ويضم الفستان إلى صدره، يتمنى لو كانت هي من يضم، ولكن هيهات، فأمانيه مستحيلة ورغباته إلى زوال.
لتنزل دموعه قائلا بندم:
-سامحينى ياحبيبتى، سامحينى على كل لحظة مكنتش معاكى فيها، على كل لحظة مقدرتش نعمة ربنا علية لما هدانى بيكى، سامحينى لإنى قصرت كتير في حقك، بس وعد منى،.

وعد منى مكررش غلطتى دى تانى، وعد منى أحط حبيبتى في عينى وأعمل بوصية رسولى لما قال رفقا بالقوارير.
ليغمض عينيه ويستسلم لسبات عميق، ربما جاءته حبيبته في أحلامه تماما كما كانت، عاشقة محبة ورائعة التفاصيل، إنها زوجته التي ستظل في قلبه إلى الأبد، حبيبته زوزا.

كانت تجلس في سريرها، تتفحص الانترنت بملل،
لقد عادت هاجر منذ قليل، وكأنها فتاة أخرى، مليئة بالحيوية والسعادة، ظلت تدور بها بمرح، حتى أصابهما الإنهاك سويا، لتحكى لها عن لحظات رائعة قضتها بصحبة حسن بالملاهى، ثم إنسحبت لغرفتها بهدوء، بعد أن إنتابها النعاس، بينما سمر مازالت متيقظة...

لم تدرى ماذا تفعل لتدلف إلى حجرتها، تتصفح الإنترنت تأمل في أن تنام بدورها وتتوقف عن التفكير، فإكتشافها اليوم كان معقدا للغاية ومؤلما في الوقت ذاته، فكلماتها التي وجهتها لمجد دون وعي منها أثبتت لها أنها كانت تعشق زوجها بجنون، فهل مازالت تعشقه، هل هذا القلب بداخلها مازالت تخصه به؟

ربما مشاعرها تجاه ذلك الغريب الذي يبعث لها الرسائل باتت مفهومة لديها فهي موقنة من أنه زوجها الذي تكن له المشاعر ويكن لها بدوره مشاعره، رغم أنها تتساءل بحيرة عن سبب بعده عنها، وعدم اقترابه منها، يكتفى فقط برسائل يبعثها يبثها فيها حبه، لماذا يخشى الإقتراب منها إلى هذه الدرجة، ماذا فعل بها؟

وفي نفس الوقت، بماذا تفسر هذا الشعور بداخلها تجاه مجد؟والذي ينمو كل يوم؟بم تفسر توقها إليه رغم أنها بالكاد تعرف عنه شيئا، بعض سماته لا غير،
انتفضت على صوت رسالة وصلت إليها، أسرعت بفتحها، لتجدها بالفعل منه، جرت عيناها على سطورها، تبعث فيها كلماتها شعور غريب بالإشتياق، الإشتياق لطيف، لشبح، لا تعرف ملامحه ولكنها فقط تدرك كلماته التي يصلها فيها عشقه الكامن بين الأحرف، كان في رسالته يقول،.

وتيني، نبضي الساكن فيه، دمائي التي تسرى في شراييني،
ربما تدركين الآن أننى لست بغريب عنك مطلقا، بل أنا أقرب الناس إليك، لطالما امتزجت أرواحنا وأنفاسنا سويا،
ربما تدركين أننى زوجك العاشق لك حتى الموت، ربما تدركين الآن أنك من تحتلين وجدانى،
وربما تتساءلين أيضا...
إن كنت عاشقا فما يبعد العاشق عن معشوقته؟
إن كنتى روحى فلماذا فارقت الروح الجسد؟
ان كنتى نبضى فكيف فقدت الحياة طواعية؟
إجابتى لكل أسئلتك واحدة...

من أجلك أنت...
من أجلك فارقتك ومن أجلى عدت،
ربما لم أشعر أنى قربك كما أشعر الآن وربما لم تشعرين أنى حدك كما تشعرين الآن
دعينى أذكرك بما كان بيننا...
لم أكن بجوارك قط، سامحيني، جسدا ربما لكن غاب تكويني، لم أسمعك وكم ظللتى تحاكيني،
تطلبين اهتمامي، تبغيني، شغلتنى امور الحياة عنك ولم تشتكيني، لم اظن يوما انك قد تتركيني،
اتخذتك امرا مسلما به، وها انا ذا أعض الأنامل ندما، أتمنى لو عاد بي الزمن...

فأصلح أخطائي معك ولكن الزمن لايعود وماحدث لاينسى ولكن من فضل الله نسيتيه ولكن ياللأسف نسيتينى،
ما حدث بيننا كان ذنبى، وحقا الذنب يضنينى،
ربما منحنى الله فرصة أخرى لأكفر عن ذنبى،
ولكن حتى تصفحين عني، حتى تمنحينى الإذن بالدخول إلى حياتك مجددا، سأظل القريب البعيد،
سأظل أنا ها هنا يامولاتى، في إنتظار عفوك المطلق عن عاشق متعبد في محرابك، لن ييأس او يمل حتى يحصل على الغفران...

فقط عندما تجدينه في قلبك، ابعثى لى برسالة وستجديننى أمامك على الفور، ليضمنا واقع خلاب بعد أن ظللتى حلم يراودنى طويلا، طويلا جدا.
فيا سيِّدتي لا تَضطربي مثلَ الطّائرِ في زَمَن الأعياد لَن يتغيّرَ شيءٌ منّي لن يتوقّفَ نهرُ الحبِّ عن الجريان
لن يتوقّف نَبضُ القلبِ عن الخفقان
لن يتوقّف خجَلُ الشعرِ عن الطيرانْ
حين يكون الحبُ كبيراً و المحبوبة قمراً لن يتحوّل هذا الحُبُّ لحزمَة قَشٍّ تأكلها النيران
ز ا م.

تنهدت، هو زوجها نعم، تفوح رسالته بالعشق، تحمل في نهايتها اقتباسا من شاعرها المفضل نزار قبانى، نعم هو، من يعرف ادق تفاصيلها ويدرك أعمق اسرارها، تدرك أن ابتعاده لسبب جلل، ولكنها ستسامحه، ربما يجب ان تسامحه، ربما اخطأ بحقها في الماضى ولكن من منا لا يخطئ، ربما يجب أن تترك الماضى وشأنه، فيبدو أنه قد أدرك أخطاءه وقرر إصلاحها، ربما وجب أن تمنحه تلك الفرصة وتترك كل الآلام منسية، ولكن ماذا عن مجد؟

يجب أن تنساه وكأنه طيف جميل مر بحياتها وآن له أن يختفى، للأبد،
ورغم الغصة في حلقها والألم الناتج عن تلك الفكرة إلا أنها توقن في اعماقها أنه القرار الصحيح، تماما.

كان يوسف يدلف إلى المنزل حين إستمع إلى صوت زوجته ماجى وهي تقول بحدة:
-انا لما أقول لأ ياياسمين، يبقى لأ،
إتجه إلى حجرة المكتب بسرعة وهو يسمع صوت ابنته التي قالت بحدة بدورها:
-لأ ليه يامامى، ادينى سبب واحد لرفضك.
تدخل يوسف قائلا:
-جيسى، اعتذرى من مامى حالا على صوتك العالى ده أدامها.
نظرت إليه ياسمين بغضب لثانية قبل أن تلين ملامحها قائلة بندم:
-آسفة يامامى،.

رمقتها ماجى بحنق دون ان تتحدث، ليقف يوسف بالنصف قائلا:
-ممكن افهم فيه إيه بالظبط وإيه الحاجة اللى رافضاها ياماجى ومعصباكى بالشكل ده؟
قالت ماجى بعصبية:
-الهانم عايزة تروح مع بيرى الكامب بتاع المدرسة، وانا رفضت.
قالت ياسمين:
-طب اشمعنى عمى رائف وافق على ان بيرى تروح؟
قالت ماجى بحدة:
-أنا مليش دعوة بحد، مفهوم.
قال يوسف بهدوء:.

-خلاص ياجيسى، سيبى الموضوع ده نتناقش فيه أنا ومامى وأوعدك بإن قرارنا يكون في مصلحتك بإذن الله.
ظهرت الفرحة على ملامح ياسمين، لترسل له قبلة هوائية قبل ان تقول:
-ميرسيه يابابى، هروح اكلم بيرى واقولها انى هروح معاها.
ثم أسرعت مغادرة لتقول ماجى بحدة:
-شايف بنتك؟
اقترب يوسف منها يتطلع إلى عينيها قائلا:
-ممكن تهدى شوية عشان نتفاهم.
رمقته بحنق دون ان تنطق بكلمة، ليستطرد قائلا:.

-ايه اللى معصبك بالشكل ده؟مش معقول موضوع الكامب هو اللى معصبك كدة، دى مش أول مرة بنتنا تروح الكامب، ولا هتكون آخر مرة.
تنهدت ماجى وهي تواليه ظهرها قائلة:
-معاك حق.
إقترب منها يوسف يضمها إليه، يضم خصرها بذراعيه، ويستند على كتفها بذقنه قائلا:
-طب ليه حاسس إن ورا عصبيتك دى سماح صاحبتك والأزمة اللى بتمر بيها.
أغمضت عيونها قائلة:.

-لإن دى الحقيقة يايوسف، سماح في أزمة وأنا مش قادرة أكون جنبها بسبب شغلك، وانك مش قادر تسيبه وتسافر معايا ولا راضى كمان أسافر لوحدى.
قبل جيدها بنعومة قائلا:
-لإنى بخاف عليكى من الهوا الطاير مش هقدر أسيبك تسافرى لوحدك، هكون قلقان عليكى ياماجى،
إلتفتت تواجهه قائلة:
-بس انا مش طفلة يايوسف، بطل تعاملنى على انى طفلة.
نظر إلى عمق عينيها قائلا:
-بس انتى طفلة ياماجى، طفلتى أنا، اللى بخاف عليها حتى من نفسى.

ليمد يده يمرر يده في خصلات شعرها القصيرة الناعمة مرورا بوجنتها قائلا بعشق:
-بحبك وبخاف عليكى، وخوفى عليكى زي غيرتى، مرضي، ذنبي اللى معترف بيه وعارف انى مش ممكن هتوب عنه.
رمقته بدورها بحب هامسة:
- أنا كمان بحبك يايوسف ومقدرة، بس انا قلقانة على سماح ومحتاجة أطمن عليها عشان أرتاح.
أمسك يديها قائلا:
-انت مش قلتى انها جاية بعد يومين بالكتير، وعد منى ياستى لما تيجى تروحيلها وتباتى معاها كمان.

تركت يده وتعلقت برقبته قائلة:
-بجد يايوسف؟
إبتسم يوسف مقبلا اياها قبلة خفيفة على فمها قائلا:
-بجد ياقلب يوسف.
ظهر الخجل على وجهها وهي تضغط على شفتها السفلى، لتبتعد عنه قائلة:
-أنا، هروح بقى عشان أصالح جيسى.
أمسك ذراعها يعيدها إلى مكانها بين محيط ذراعيه قائلا:
-مش وقت جيسى خالص على فكرة، الوقت ده وقتى أنا، وقت يوسف حبيبك وبس.
ليميل مقبلا شفتيها بنعومة لتستسلم لمشاعرها التي تتوق إليه، بقوة.

وقفت سماح تطالع تلك البناية التي شهدت على ربيع عمرها، ريعان شبابها،
تلك البناية التي بدأت فيها قصة حب وبها انتهت إلى الأبد،
وقفت سماح تطالع كل ما ترمز إليه تلك البناية بعيون تغشاها الدموع،
تطالع ضعفها، قلة حيلتها، امتهانها، وهدر كرامتها،
تطالع آمالا قضي عليها، وأحلاما أضحت كابوسا، وقلب انفطر بقوة
تطالع ماضيها لآخر مرة، وتنظر إلى حاضرها بتمهل...

تدرك أنها منذ تلك اللحظة لن تفكر بالماضى بل ستتمسك بالحاضر وتسعى للمستقبل بكل قوة، لن تضعف مجددا، لن تستسلم للحزن، ستصنع من ضعفها قوة ومن آلامها إيمانا، نعم إنها تؤمن، تؤمن بأن القادم أفضل وأن الآتى في صالحها، فما خلقها الله إلا لتكرم وماكتب عليها الجرح، بل انه من صنع البشر، والبشر زائلون،
وكما تشعر بإنكسارها الآن، يجعلها إيمانها تدرك أنها بعون الله وعطفه عليها، سَتُجْبَر.

وضعت يدها على قلبها المكسور تغمض عيناها مبتهلة بهمس:
-أجبر قلبى يارب.
ثم فتحت عيونها، لتضع نظارتها الشمسية وتدلف إلى السيارة بثقة، ليقود مجد سيارته بإتجاه الإسكندرية، بإتجاه فرصتهم الأخرى بالحياة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة