قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والثلاثون

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والثلاثون

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والثلاثون

احتضن مراد والده بحب قائلا:
-حمد الله على السلامة يابابا.
ضمه حسام قائلا من وسط دموعه:
-الله يسلمك ياحبيبى.
ثم خرج من حضنه يكفكف دموعه وهو يتلقى التهانى من الجميع، يسلم على رائف ببعض التحفظ فقد علم دوره في إنقاذه ومساعدته إياه ولكنه يظل غريما له رغم كل شيي، قال حسام بامتنان:.

-أنا مش عارف أشكركم إزاي، لولاكم ولولا وقفتكم جنبى، أنا كنت هقضى طول عمرى في السجن أو مش بعيد كان حبل المشنقة لف حوالين رقابتى.
قالت سماح بهدوء:
-متفكرش كتير في اللى فات، ده ابتلاء وربنا نجاك منه فياريت تاخد بالك من خطواتك بعد كدة عشان خاطر مراد على الأقل.

نظر إليها يدرك أنها تقصد حياته الخاصة وسلوكه الذي كاد أن يودى بحياته ويضر بسمعة طفله إلى الأبد، ليومئ برأسه في هدوء، تردد للحظة ثم إقترب منها يمسك يديها وسط دهشتها، كاد رائف أن يتقدم منه بحنق وينزع يديها من يديه ولكن يد حسن منعته فنظر إليه ليجده يهز رأسه نفيا يمنعه من التدخل، ليعقد حاجبيه بقوة وهو يعود ليطالعهما بقلب اشتعلت فيه نيران الغيرة، تود لو خرجت وفتكت بهذا الذي سولت له نفسه بجرحها قديما ثم طلب العفو منها الآن كما يبدو،.

قال حسام بحنان امتزج بالندم:
-أنا عارف إنى غلط في حقك، غلط كبير بس أنا بتمنى من قلبى أدام الكل انك تقدرى بقلبك الكبير تسامحينى ونرجع لبعض كعيلة سعيدة مرة تانية، ونربى ابننا وسطنا زي زمان.
طالعته سماح للحظات قبل أن تنزع يدها من يده ترمقه بعيون خلت من المشاعر فأدرك القادم بألم وهي تقول:.

-احنا عمرنا ما كنا أسرة سعيدة، كان اللى يشوفنا من برة يقول كدة، بس الحقيقة أنا وانت وابنك عارفينها كويس، حياتنا كانت بتدور حواليك انت وبس، راحتك انت وبس، سعادتك انت وبس، أنا اتحملت اهمالك وتجاهلك وانشغالك عننا، اتحملت حتى اهانتك وعصبيتك ومد ايدك، كنت بستحمل كل ده باسم الحب اللى راح أصلا مع كل ده، بس مكنتش حاسة ومكنتش عارفة كمان ان كل حاجة من دول كانت بتعمل شرخ جوايا، شرخ بيكبر كل يوم، أما خيانتك فكانت مجرد حاجة، حاجة كملت على الشرخ و كسرتنى من جوة، للأسف ياحسام أنا واثقة دلوقتى إن جبر كسرى مش عندك لان مراية الحب هي كمان انكسرت وظهرت أدامى على حقيقتك، مرة سألت حد عن الحب فقالى انه عطاء مش أنانية، حرية مش عبودية، مش استغلال أد ماهو تضحية،.

نظرت إلى رائف الذي يطالعها بحنان مستطردة:
-مرة سألت حد عن الحب قال الحب هو انك تشوف نفسك في عيون حبيبك.
لتنظر إلى حسام مجددا قائلة:
-وأنا عمرى ماشفت نفسى في عيونك ياحسام، آسفة، مش هقدر أرجعلك، أنا خلاص عشت حياتى من غيرك وبدأت أنجح فيها، انت كمان عيش حياتك من غيرى، بس المرة دى عيشها صح، دور على واحدة تحبها بجد بكل مافيها، مش واحدة تحولها عشان تكون شبهك، أقولك اختارها شبهك وريح نفسك، وأكيد هتلاقى.

أطرق حسام برأسه في حزن بينما قالت سماح مستطردة:
-دلوقتى أنا مضطرة أمشى.
رفع رأسه بسرعة يطالعها قائلا:
-علطول كدة؟
قال رائف من بين أسنانه بغيظ هامس:
-اللهم طولك ياروح.
كتم حسن ضحكته بينما وكزه رائف بخفة، في حين قالت سماح:
-مضطرة أسافر عشان أطمن على زوزا، احنا اتطمنا عليك خلاص.
أومأ برأسه متفهما فاستطردت:
-هاخد مراد عشان تقدر تكون لوحدك وتشوف اللى وراك، ولما تخلص وتستقر من تانى، ابقى كلم مجد وأنا أبعتهولك.

أدرك أنها تقطع عليه كل السبل للوصول اليها حتى تلك المكالمة التليفونية، لتبتعد مع الجميع مغادرين، تطلع في إثرهم بحزن قبل أن يجلس على الأريكة متهالكا وقد أنهكته كلماتها ونخرت عظامه أكثر من أيام السجن التي قضاها وسط المجرمون.
كانوا يجلسون أمام التلفاز يشاهدون برنامجهم المفضل من سيربح المليون، حين رن هاتفه برقم والدته لتنظر ماجى الى ملامحه التي ظهر عليها الضيق، كاد أن يتجاهل إتصالها لتقول له ماجى:.

-رد عليها يايوسف.
نظر إليها للحظة بتردد، قبل أن يزفر و يجيب قائلا:
-أيوة ياماما.
انتفض واقفا لتقف ماجى بدورها بقلق، تراه وهو يقول:
-طيب، أنا جاي حالا.
أغلق هاتفه لتسأله ماجى على الفور قائلة:
-خير يايوسف؟
قال بجزع هامسا:
-ماما جتلها أزمة قلبية ونقلوها على المستشفى، انا لازم أروحلها حالا.

رغم عدم اقتناعها، الا ان ملامح يوسف وقلقه أجبراها على ان تذهب معه ربما لتواجه حماتها للمرة الاولى والاخيرة وتدلى لها بتلك الكلمات التي تعبر عن مشاعر تعتمل في صدرها لتقول بسرعة:
-أنا جاية معاك.
تطلع إليها بتردد، فقالت بحزم:
-أنا جاية معاااك.
أومأ برأسه متجها إلى سيارته قائلا:
-هشغل العربية.
اتجهت ماجى الى جيسى وبيرى قائلة:.

-حبايبى انا ويوسف هنروح مشوار مهم وهنسيبكم مع دادة فريال، لو سمحتم نقعد عاقلين ومنعملش شقاوة، مفهوم؟
أومآ موافقتان فربتت على رأسيهما بحنان ثم أسرعت هي خلف زوجها، ترغب فقط في رأب الصدع بينها وبين حماتها، لعلها تستطيع وترحم زوجها من شعور التمزق الذي يعتريه بين محاولاته العديدة للتوفيق بينهما، يرغب في الحصول على رضا والدته، و رضا زوجته أيضا.

كانوا في طريقهم للاسكندرية، رائف يقود سيارته، و تركب الى جواره سماح وطفلها مراد بالخلف بينما يتبعهما حسن بسيارته والى جواره اخته سمر، كانت سماح صامتة تنظر إلى الزجاج بشرود حزين، أقلق رائف الذي كان يطمأن عليها بنظراته كل دقيقتان على مايبدو، يتساءل عن سبب شرودها الحزين، هل هي نادمة على رفضها لعرض حسام بالرجوع إليه؟أم ترى هناك سببا آخر لا يدركه؟تبا كم يؤلمه قلبه وهو يظن انها مازالت تحمل لطليقها في قلبها حبا، رغم نكرانها الدائم لذلك، ركز في الطريق أمامه، وهو يقرر في تصميم مصارحتها بمشاعره فور وصولهم الاسكندرية أو ربما يتركها يومان لتستعيد نفسها، وتستقر مشاعرها قبل ان يصارحها ويرى إن كانت تحمل له قدرا ولو بسيطا من المشاعر التي يراها احيانا في نظراتها، وقتها لن يتردد وسيتزوجها على الفور.

انتفض حين ظهرت أمامه فجأة سيارة من العدم، جاءت من هذا الطريق المخالف، حاول أن يتفاداها بكل ما أوتي من قوة فدارت سيارته دورتان قبل أن تصطدم بشجرة، ويسمع هو صرخة سماح، فقد كان الجانب المصطدم بالشجرة، جانبها هي.

تقدم يوسف بعيون دامعة من سرير والدته يلاحظ ملامحها الشاحبة، ووجهها المنهك كما تلاحظه ماجى تماما، لتتأكد من ان حماتها تلك المرة مريضة بالفعل ولا تَدَّعِى المرض، جلس يوسف على هذا الكرسي بجوارها يمسك يدها ويقبلها بحنان بينما وضعت ماجى يدها على كتفه تؤازره، فتحت والدته عيناها لتطالعه قائلة بضعف:
-يوسف!
قال يوسف بلهفة:
-أنا هنا ياماما.
ابتسمت بوهن قائلة:
-الحمد لله، انى شفتك قبل ماأموت.
قالت ماجى بسرعة:.

-بعيد الشر عنك.
نظرت إليها سمية قبل أن تهز رأسها ببطئ، فقال يوسف:
-انتى كويسة ياماما، بتدلعى علية حبة بس، مش كدة؟
ابتسمت دون أن تنطق ثم قالت:
-فين ياسمين؟كان نفسى أشوفها هي كمان وأطلب منها تسامحنى قبل ما...
نهض يوسف يقاطعها قائلا:
-قلتلك انتى كويسة ياماما، حرام عليكى متوجعيش قلبى بالكلام ده، دكتور مصطفى طمنى، وانا هجيبهولك عشان يقولك الكلام ده بنفسه.

ثم تركها مغادرا الحجرة فجلست ماجى بجوارها، تقول بهدوء:
-انتى فعلا كويسة ياطنط وهتبقى زي الفل، بس تاخدى بالك من نفسك ومتحرقيش دمك ولا تزعلى نفسك، وباذن الله متتعرضيش لأزمة قلبية تانى.
قالت سمية بحزن:
-وايه في الدنيا دى ميحرقش الدم؟
قالت ماجى بعيون دامعة:
-أنا اوعدك مفيش حاجة تحرق دمك من تانى،
لتشعر بغصة قاتلة وهي تستطرد قائلة:
-ولو جواز يوسف من علا هيريحك فأنا موافقة.

نظرت إليها سمية بدهشة فأومأت برأسها قائلة:.

-أيوة موافقة، متستغربيش، ومتفكريش انى بعمل كدة عشانك لأ، أنا موافقة عشان خاطر يوسف، تعبت أشوفه وهو في الحالة دى، متقطع ما بينا، لا عارف يرضيكى ولا عارف يرضينى، تعبت أشوفه مش قادر يعيش وهو بيحبنا احنا الاتنين ومش قادر يوفق ما بينا، تعبت أشوفه وهو بيدارى حزنه ورا ابتسامته، أنا مش عايزة أشوفه غير سعيد وبس، ولو سعادته هتتحقق على حساب سعادتى فأنا موافقة، موافقة يتجوز علية.

كاد يوسف الواقف بالخارج مع الطبيب مصطفى وقد استمع إلى حديثها، أن يدلف الآن ويخبرها أن سعادته فيها هي، في تلك المرأة العظيمة التي تزوجها، تلك المستعدة للتضحية بسعادتها فقط كي تراه هو سعيد، يخبر والدته أنه لن يتزوج غيرها أبدا، ولكن الطبيب مصطفى أمسك بيده يمنعه وهو يرى كل تلك الكلمات بداخل عيونه التي فضحت مشاعره يحذره بعينيه أن لا يتهور فحالة والدته حرجة ولن تحتمل أي إنفعال.

لتتسع عيناهما سويا وهما يستمعان إلى سمية وهي تقول:
-أنا إزاي كنت عامية ومشفتش حبك ليه قبل كدة؟
طالعتها ماجى بدهشة بينما استطردت سمية وهي تربت على يدها بحنان قائلة:
-متستغربيش، أنا كمان فتحت عيونى وشفت اللى مكنتش شايفاه، أنا قسيت عليكى كتير، وجيت عليكى أكتر، كنت فاكرة...
وصمتت للحظة قبل أن تستطرد قائلة بصوت شابه المرارة:.

-كنت فاكرة انى بدور على سعادة ابنى بإنى أجوزه بنت خالته اللى بتحبه، كنت فاكرة ان الأصل بالمال، وطلعت غلطانة، الأصل في ناس زيك ياماجى، بيضحوا بسعادتهم عشان الناس اللى بيحبوهم، أنا عارفة أد إيه كان صعب عليكى ترضى بإن يكون لك شريكة في جوزك اللى بتحبيه، بس انتى مفكرتيش غير في يوسف وسعادته وبس ونسيتى ألمك، ودى حاجة مكنتش أتخيل إنك ممكن تعمليها، النهاردة فكرت زيك، وقررت مضغطش على يوسف وأسيبه يعيش حياته زي ما إختارها فأراد ربنا يورينى إنى صح، أراد يوضحلى الفرق بينك وبين بنت أختى اللى من لحمى ودمى، أنا كنت غلطانة بس ربنا أراد انى أفوق قبل فوات الأوان، ويمكن جازانى بمرض إدعيته كعقاب لية، فسامحينى يابنتى، سامحينى واسمحيلى أكون جزء من حياتكم في الأيام القليلة اللى فاضلينلى...

قاطعتها ماجى قائلة من وسط دموعها التي تساقطت بغزارة على وجهها:
-أرجوكى متقوليش الكلام ده، باذن الله هتعيشى وهتبقى كويسة، انتى أصلا جزء أساسى من حياتنا، ربنا العالم انى عمرى ما كرهتك، يمكن زعلت منك بس دايما كنت بنسى زعلى منك عشان خاطر يوسف، من النهاردة خلاص راح الزعل ومش باقى غير الحب، من النهاردة لو تسمحيلى أعتبرك زي أمى الله يرحمها وأناديلك بماما لإنى دلوقتى شايفاها فيكى بجد.

أومأت سمية من وسط دموعها بدورها لتحتضنها ماجى على الفور بينما قال مصطفى بالخارج هامسا:
-معتقدش مامتك محتاجانى، هي لقت علاجها خلاص، فيكم يايوسف.
أومأ يوسف برأسه بدوره بإبتسامة تخللتها دموعه بدوره.
حل رائف حزام الأمان بسرعة وهو يلتفت إلى سماح قائلا بجزع:
-سماح جرالك حاجة؟

لم تجيبه وهي تشعر بالوهن بينما مراد ينادى عليها بخوف، تتسع عينا رائف وهو يرى جانبها الأيمن يتلون باللون الأحمر وقطعة من الزجاج تخترق كتفها، في نفس اللحظة فتح حسن الباب قائلا:
-انتوا كويسين، سواق سكران ولبس في عمود النور اللى...
قطع كلماته بجزع وعيونه تتعلق بأخته ليقول رائف بصوت حازم شابه الجزع:
-خليك هنا ياحسن، متسيبش السواق ده يهرب، بلغ البوليس واستناه وأنا هطلع على أقرب مستشفى بسماح.

كان حسن يتطلع إلى أخته بعيون زائغة، ليقول رائف بصرامة:
-اتحرك ياحسن وابعد عن العربية خلينى أمشى وخلى مراد معاك...
قاطعه مراد قائلا من وسط دموعه:
-أنا جاي معاكوا، مش هسيب ماما.
ليقول رائف بسرعة:
-طيب يا مراد، اتحرك ياحسن.
أفاق حسن من صدمته وهو يبتعد بسرعة ليغلق رائف الباب ويستدير بسيارته منطلقا بأقصى سرعة إلى أقرب مشفى، يمسك بيدها اليسرى قائلا بتوسل:
-خليكى معايا ياسماح، متناميش، أبوس ايدك متناميش.

لتفتح سماح عيونها بصعوبة، تقاوم ذلك السواد الذي يسحبها لأعماقه، تحاول التماسك فقط من أجل طفلها، ومن أجله.
ربتت زوزا على كتفه بيدها الحرة وهي تناديه قائلة:
-مجد، يامجد؟
خرج مجد من شروده لينظر إلى يد زوجته الممدودة له بكوب الشاي بينما ملامحها القلقة توحى بأن ندائها بإسمه قد تكرر كثيرا، ليأخذ منها كوب الشاي بسرعة، فجلست إلى جواره مستطردة بقلق:
-مالك ياحبيبى، سرحان في إيه؟

قال مجد وهو يمسك يدها بيده الحرة:
-مش عارف يازوزا قلبى مقبوض وكأن فيه حاجة هتحصل، مش عارف، ومش مرتاح.
قالت زوزا بحنان:
-متقلقش ياحبييى، انا بقيت كويسة خلاص، متخليش اللى حصل زمان يخوفك علية.
أومأ برأسه قائلا:
-معاكى حق، يمكن خوفى من اللى حصل زمان هو اللى مأثر علية ومخوفنى أو...
لتتسع عيونه بخوف فقالت زوزا متوجسة:
-مالك يامجد؟طمنى.

ليترك يدها وهو يضع الشاي على الطاولة أمامه، يمسك هاتفه بسرعة يطلب رقما وهو يقول:
-اخواتى يازوزا، اخواتى، ألطف ياااارب.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة