قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي عشر

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي عشر

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي عشر

لا يعرف لماذا لم يستطع أن يظل مع أصدقائه ويقضى وقته برفقتهم كما إعتاد دائما، ربما لأنهم ظلوا يتسائلون عن تلك الفتاة التي أخذته منهم لبعض الوقت، ينتابهم الفضول عنها، تذكرنها الفتيات بحقد بينما يصف الفتيان جمالها ورقتها، شعرها البني المسترسل وعيونها العسلية، أما غمازتيها فحدث ولا حرج...

غمازتيها هل لديها غمازات؟ كيف لم يلاحظ ذلك ولاحظه هذا التعس صلاح؟ ليتذكر أنه قال أنها زميلة أخته صافيناز وأنه يراها كلما ذهب ليصطحب أخته كي يعودا سويا إلى المنزل، اغتاظ لإنه عرف ذلك عنها من صديقه؟بينما هي خطيبته لا يعرف عنها أبسط الأشياء، ربما لإنها لا تبتسم أبدا في وجهه...

توقف عن التفكير بصدمة، هل يعدها الآن خطيبته، هل جن؟تراجع في مقعد سيارته يستند برأسه إليه مغمضا عيناه بإرهاق، يعترف بأن تلك الفتاة توتره، وتثير بداخله مشاعر يأبى أن يخضع لها، فلقد إحترق سابقا بنيران العشق ولن يسمح لنفسه أن ينساق مجددا وراء مشاعره، فجنس حواء يتشابه في شئ واحد، عدم الوفاء، فلا عهد لهن ولا أمان، لذا فقد آمن بشئ واحد منذ أن ذاق مرارة الغدر، لا ثقة في أحد، ولا أمان لمخلوق، ولا وجود للنساء في حياته.

لذا عليه أن يذكر نفسه بجرح الغدر القديم، كلما شعر بنفسه ينساق تجاه مشاعره لإمرأة...

فتح عيونه يرتسم فيهما التصميم، كاد أن يقود السيارة عائدا للمنزل وتاركا إياها تعود وحدها ولن يبالى، لولا أن وقعت عيناه على هذا الدفتر الموضوع على تابلوه سيارته، مد يده إليه، يمسكه ويتأمل غلافه الرقيق لثوان، تردد قبل أن يحسم رأيه ويفتحه ليجد إسمها بداخله بخط منمق رقيق، هاجر عبد الفتاح، وبنهاية إسمها قلب صغير بسلسلة يتدلى منها مفتاح صغير.

قلب الصفحات ليرى بعض المحاضرات التي دونتها، يلاحظ تكرار هذا القلب المسلسل بمفتاح في نهاية كل فقرة، كعلامة خاصة بها.

قرأ بعض الجمل التي دونتها في أعلى بعض الصفحات، بعضها يدل على مللها من المحاضر بتعبيرات ساخرة راقت له مثل(فاكر نفسك دمك خفيف، على فكرة يلطش)(خلص المحاضرة بقى قبل ما أشوفك حالة قلب مستعصية وأقوم أعملك عملية قلب مفتوح وأشيل القلب خاالص، خلينا نرتاح)(٣ دقايق كمان وهيطلبولك انت الإسعاف)، (انا مش عارفنى، أنا تهت منى يادكترة) رغما عنه لانت ملامحه بإبتسامة فمن الواضح أنها لاتطيق هذا المحاضر الذي يعرفه جيدا، ويتفق معها كلية في أن محاضراته مملة ولا تفيدهم بشئ البتة...

إتسعت إبتسامته حين قلب الصفحة ووجد عبارة بخط عريض(متنسيش تجيبى الكابتشينو ياجوجو وإنتى مروحة، ياإما هتتسوحى ومش هتعرفى تركزى وهتسقطى في الكويز ياحاجة)، كاد أن يضحك ولكنه فجأة عقد حاجبيه قائلا:
-عشان كدة جت ورايا النهاردة، اكيد كانت عايزة كشكول محاضرتها، مش ماشية وراك زي ما كنت فاكر.

نظر في ساعته ليدرك أنها على وشك المغادرة لينظر بإتجاه بوابة الجامعة، وجد بعض المغادرين، هبط من السيارة ووقف بجوارها لتتضح له زاوية أوضح للرؤية، رآها تخرج من البوابة مع صديقتها التي يعرفها جيدا، صافيناز أخت صديقه صلاح، تجمدت عيونه على إبتسامتها التي زادتها إشراقة وجمالا وهي تتحدث إلى صديقتها ليرى تلك الغمازات التي أخبره عنها صديقه، هز رأسه ينفض ذلك السحر الذي ألقته عليه بإبتسامتها، لتتجمد تلك الإبتسامة ثم تختفى نهائيا مع تلاقى عيناها بعينيه، إقتربت منه ثم تجاهلته وهي تتجه مع صديقتها بإتجاه الشارع، أصابه الحنق لتجاهلها إياه ولكنه أسرع خلفها يقول بهدوء:.

-هاجر.
توقفت وإلتفتت إليه مع صديقتها التي أومأت له برأسها محيية إياه فبادلها إيماءتها، ثم قال مستطردا:
-يلا بينا ياهاجر عشان نروح.
قالت صافيناز:
-ماشى ياهاجر، أنا كمان هروح لصلاح، أكيد مستنينى، أشوفك بكرة الصبح.

كادت هاجر أن تستوقفها، تخشى أن تتركها وحيدة مع هذا الرجل الذي يربكها ولكنها لم تستطع، فقد ذهبت صافيناز سريعا دون ان تترك لها أي فرصة لمعارضتها، نظرت إليه دون كلمة، تطالعه بجمود، إقترب منها حتى توقف أمامها تماما، يقول بهدوء:
-هنفضل واقفين كتير، بيتهيألى لازم نروح.
رمقته ببرود قائلة:
-روح لوحدك، أنا مش هروح معاك.
نظر إليها قائلا بغيظ:
-هاجر مش وقت لعب عيال على فكرة، يلا بينا.

ضربت قدمها بالأرض قائلة بحنق:
-أنا مش طفلة، وبطل تقول علية كدة.
نظر إليها بسخرية لتطالعه بغضب، تدرك أنها تتصرف حقا بطفولية، لتلتفت مغادرة، أسرع يمسك بذراعها مستوقفا إياها، قائلا:
-إستنى بس.
إلتفتت تنظر إليه ثم تنظر إلى يده الممسكة بذراعها، ليتركها على الفور وهو يرفع يديه قائلا:
-بلاش عناد، إحنا الاتنين رايحين على البيت ومش حلوة بجد الناس تشوفنا مروحين كل واحد لوحده، سيبى خلافاتنا على جنب، ويلا بينا.

نظرت إليه بحنق، تفكر لثوان، تدرك أن معه حق ورغم حنقها منه إلا أنها نظرت إليه بتحدى قبل أن تتركه وتغير إتجاهها بإتجاه سيارته تتجاوزه ببرود، لينظر في إثرها وعلى شفتيه إرتسمت إبتسامة إعجاب، رغما عنه.

قال مراد بحزن:
-بقالها يومين ياخالى على حالها ده، لا بتاكل ولا بتشرب، قافلة عليها أوضتها وبتعيط، خالتى سمر تعبت معاها كلام ومفيش فايدة.
عقد مجد حاجبيه قائلا:
-وده من إيه يامراد، حد زعلها؟حسام فين؟
قال مؤاد بإرتباك:
-بابا، مش عارف، قصدى، سافر.
أدرك مجد أن ما وضع أخته بتلك الحالة هو زوجها حسام، ليقول بهدوء:
-طيب إديها التليفون يامراد، خلينى أكلمها.

أومأ مراد برأسه متجها إلى غرفة والدته طارقا الباب قبل أن يدخل إلى الحجرة، ليراها جالسة على السرير تضم ركبتاها إلى صدرها تستند بذقنها عليهما تنظر للفراغ بعيون شاردة، إقترب منها قائلا:
-ماما، خالى مجد على التليفون وعايزك.

أفاقت من شرودها على ذكر إسم أخاها الحبيب، سندها في هذه الدنيا التي تشعر فيها بأنها دمية لا حول لها ولا قوة، يتلاعب بها صاحبها بين يديه وهي خاضعة مستسلمة بلا إرادة، ترغب بإنتفاضة ولكنها تدرك أنها أضعف من أن تفعلها.
أخذت الهاتف من يد مراد ووضعته على أذنها، تجلى صوتها الذي تحشرج بداخلها يأبى الخروج وهي تقول:
-ألوو.
قال مجد على الفور:
-مالك ياسماح، فيكى إيه؟طمنينى عليكى.
قالت بإضطراب:.

-أنا، كويسة، مفيش فية حاجة يامجد، شوية برد بس، هاخد العلاج وشوية لمون وهبقى زي الفل.
قال مجد:
-الكلام ده تقوليه لحد تانى، أنا أخوكى، أخوكى اللى حافظك وعارفك وأقدر أسمع مرارة صوتك وأعرف إن الموضوع أكبر من شوية برد ياسماح، متخبيش علية وقوليلى مالك ياإما هتلاقينى عندك وهعرف بطريقتى.
قالت بسرعة:
-لأ متجيش.
عقد مجد حاجبيه لتغمض عينيها وهي تحاول ان تجد ثباتها لتقنعه بكلماتها وهي تفتح عينيها قائلة:.

-قصدى يعنى مينفعش تيجى، وانت عارف ليه؟
ليقول مجد:
-هتصرف، ملكيش دعوة.
قالت سماح:
-خلاص خلاص هقولك، إتخانقت ياسيدى مع حسام، كان واعدنى بإنه يتفرغ لينا شوية ويخرجنا، وانت عارف شغله بقى واخد كل وقته وللأسف موفاش بوعده،
قال مجد دون إقتناع:
-عايزة تفهمينى إنك قافلة على نفسك الباب يومين لا أكل ولا شرب، بسبب خناقة مع حسام، ما ياما إتخانقتوا وعلى حاجات أصغر من كدة كمان، إيه الجديد؟

قالت سماح وهي تشرد في ما حدث من حسام تلك المرة الأخيرة، رافعة يدها تتحسس وجنتها التي ماعادت تؤلمها جسديا ولكن ألمها النفسى مازال حيا:
-عندك حق، مفيش جديد، بس يمكن مليت شوية.
قال مجد:
-وذنب مراد إيه يا سماح؟الولد متأثر عشانك جدا،
نظرت سماح إلى مراد الواقف على مقربة منها يطرق رأسه بحزن، لتسمع مجد مستطردا:
-وبعدين حسام مسافر فين؟
قالت سماح بدهشة:
-مسافر؟!

رفع مراد عيونه إليها يومئ برأسه بقوة، لتدرك أنه أخبر خاله بتلك الكذبة ليبرر غياب حسام، ليقول مجد:
-هو مش مسافر ولا إيه؟
قالت بسرعة:
-لأ، مسافر طبعا المنصورة في شغل، بس إستغربت إنت عرفت منين.
قال مجد:.

-من مراد، الولد ده حساس أوى، وانتى بعيدة عنه وغرقانة في حزنك، وهو تعبان علشانك، متخليش غلطاتنا تأثر على أكتر ناس بنحبهم، متعمليش زيي ياسماح، فياتخرجى من اللى انتى فيه وتاخدى بالك من إبنك، ياهجيلك من إسكندرية وأخدك معايا، وأجبرك إذا لزم الأمر.
إبتسمت قائلة:
-مجنون وتعملها.
قال مجد:
-انا عشانك مستعد أعمل أي حاجة ياسماح.
غشيت عيونها الدموع وهي تقول بحنان:
-ربنا يخليك لية يامجد، وما يحرمنيش منك.

قال مجد بإبتسامة:
-ويخليكى لية يارب، يلا هسيبك دلوقتى تقومى تشوفى اللى وراكى وهكلمك بكرة أطمن عليكى، لا إله إلا الله.
قالت:
-محمد رسول الله.
ثم أغلقت الهاتف ووضعته جانبا تنظر إلى مراد وهي تبتسم بحنان، تفتح ذراعيها على مصراعيهما، ليسرع مراد إليها، يلقى بنفسه بين أحضانها، لتربت على ظهره بحنان، تدرك بكل قوة وجوده كنعمة في حياتها، تماما كأخواتها.

كانت سمر تجلس بجوار هاجر، التي تنظر إلى شاشة هاتفها بتركيز، لتقول سمر بملل:
-إيه رأيك ياجوجو نقوم نخرج شوية، نروح مثلا كارفور اللى بسمع عنه ده ومشفتوش من يوم ما جيت إسكندرية، أو أقولك ماتيجى نتمشى شوية على البحر.
قالت هاجر دون أن تحيد بناظريها عن شاشة الهاتف:.

-ما بلاش النهاردة ياسمسمة، رجلى واجعانى من الوقفة النهاردة في سيكشن دكتور عماد، خمس ساعات مقعدناش لحظة واحدة، ولولا حسن وصلنى أنا كنت قعدت على الرصيف لغاية ما يجيلى التاكسى لحد عندى.
قالت سمر بخبث:
-حسن، قلتيلى، أخبارك إيه معاه؟
نظرت إليها هاجر على الفور قائلة بإرتباك:
-عادى يعنى، هو في حاله وأنا في حالى، بيوصلنى الصبح ويجيبنى بعد المحاضرات،
تفحصت سمر ملامحها المضطربة قائلة:.

-يعنى مبتتكلموش في أي حاجة وانتوا في الطريق؟
شردت هاجر تتذكر صمته القاتل طوال الطريق في الذهاب والإياب، ماعدا في بعض الأحيان حين تسأله هي عن شئ فيرد عليها بإقتضاب، يثير حنقها بالتأكيد ولكنه رغما عنها يثير بداخلها شئ ما، ربما هو الفضول على مايبدو، أفاقت من شرودها على صوت سمر تناديها قائلة:
-ياهاجر، انتى يابنتى، روحتى فين؟
قالت هاجر بإضطراب:
-معاكى ياسمر أهو.
قالت سمر:.

-معايا، طيب، مقلتليش مبتتكلموش مع بعض؟
قالت هاجر بحنق:
-لأ، أصلا مبيدنيش فرصة حتى أتنفس، محسسنى إنى حمل فوق راسه، والله لولا خوفى من مرتضى ومضايقته لية أنا كنت رفضت إنه يوصلنى.
قالت سمر:
-طيب اهدى وقوليلى عملتى ايه مع دكتور فتحى، قبل البحث بتاعك؟
أومأت هاجر برأسها قائلة:
-أيوة، بس طبعا ده بحث مبدأى وعشان يوافق عليه بشكل نهائي لازم أكتبه بالكامل.
عقدت سمر حاجبيها قائلة:
-وإيه المشكلة؟
قالت هاجر بحنق:.

-المشكلة ياستى إنى هحتاج أروح مكتبة إسكندرية لإن الكتب اللى محتاجاها مش موجودة في مكتبة الجامعة، وبكدة طبعا هضطر أقول لحسن يوصلنى.
قالت سمر:
-طب ماتاخدى تاكسى.
قالت هاجر:
-بصراحة خايفة، الأستاذ اللى إسمه مرتضى بصلى إمبارح بصة خفت منها.
قالت سمر بخبث:
-وحسن بقى الشخص الوحيد اللى بتحسى معاه بالأمان، مش كدة؟
نظرت إليها هاجر قائلة بإرتباك:.

-أيوة، لأ، قصدى مش الوحيد يعنى، فيه مجد، بس مجد طول النهار في الشغل ومش معقول هقلقه بالليل معايا كمان.
دق قلبها مجددا مع ذكر إسمه، لتحاول أن تغير مجرى الحديث وهي ترفع هاتفها قائلة:
-طيب قوليلى لو عايزة أعمل أكونت في تطبيق الواتباد عشان أبقى أقرا روايات براحتى وانتى برة، أعمل إيه؟
إستطاعت بالفعل أن تشغل عقل هاجر عن ذكر اسم هذا الذي يثير الإضطراب في روحها، وهي تتناول منها الهاتف قائلة:.

-بسيطة، هعملهولك.
لتفتح الهاتف ثم تفتح لها تطبيق الواتباد بسهولة قبل أن تناولها إياه قائلة:
-وآدى ياستى الأكونت بتاعك على التطبيق، إقرى روايات براحتك بقى، وسيبينى أخلص السيرش ده،.

إبتسمت سمر وهي تفتح الهاتف كي ترى التطبيق، لتلاحظ وجود بعض الرسائل على تطبيق الماسينجر، فتحتهم بهدوء وقرأتهم واحدة تلو الأخرى تجيب عليهم بحب، فأغلب الرسائل من زميلاتها بالمستشفى حيث كانت تتعالج من آثار الحادثة، فتحت الرسائل التي لايكون أصحابها أصدقاء لديها على الفيس بوك، لتلاحظ أنها بعض الرسائل التافهة من أناس فارغى الرءوس والذين لديهم فقط وقت يضيعونه على ترهات، كادت أن تمسحها جميعها لولا أن لفت إنتباهها رسالة من شخص يضع إسم سمر توأم الروح على صورته الشخصية والخاصة بصفحته، فتحت الرسالة لتقرأها ومع حروفها إتسعت عيونها بصدمة.

توقفت سمر لدى سماعها لتلك الممرضة تهانى تقول بسخرية لصديقتها:
-بقى الدكتور هادى بيحب واحدة زي سمر دى، مستحيل، ده أنا أقص شعرى من جدوره لو الكلام ده حقيقى.
إقتربت سمر من تهانى، الموالية لها ظهرها فإتسعت عينا سوسن، تلك الممرضة الأخرى بينما تستطرد تهانى قائلة:
-آه، متستغربيش كدة، تلاقيه زهق منها، ومن بوزها الشبرين دول، وعشان كدة مبقاش ييجى ولا يروح معاها، ولا حتى بيروحلها المكتب زي الأول...

قالت سمر مقاطعة إياها في برود:
-شايفة إنك مركزة أوى معانا يا تهانى.
إلتفتت إليها تهانى تنظر إليها في جزع لتستطرد سمر قائلة بسخرية:.

-عموما، اللى مش عاجباكى دى تبقى الدكتورة سمر، سمر الصعيدى، اللى إختارها الدكتور هادى من بين كل البنات اللى حواليه، ومش معنى إن إحنا مش حابين نظهر مشاعرنا أدام الكل لإننا ناس محترمة ومتربيين يبقى كدة مبنحبش بعض، على فكرة ياحلوة، إنتى فاهمة الحب غلط، وقريب أوى هتقصى شعرك زي ما قلتى بالظبط.

ثم إستدارت مغادرة تتبعها عيون تهانى في حقد، لتلتفت عندما سمعت صوت مكتوم خلفها، فإذا بها سوسن تكتم ضحكاتها بيدها، لتوكزها تهانى قائلة بحنق:
-هي ناقصاكى إنتى كمان.
قالت سوسن:
-وأنا مالى يااختى، هي هتغيظك انتى تقومى تطلعيه فية، أنا ماشية وسايبهالك مخضرة.
وتركتها بدورها مغادرة، لتنظر تهانى في إثرها بحنق ثم تفكر في تلك التي أهانتها وإبتعدت ببرود لتقول بغل:
-ماشى يادكتورة سمر،
لتمسك بطرف شعرها مستطردة:.

-وحياة مقصوصى الطاهر ده لهخليكى تندمى على الكلام اللى انتى قلتيه ده ياسمر.
ثم إرتسمت في عينيها نظرة شيطانية، قاتلة.

كانت تقرأها للمرة الثانية بعد أن هدأت قليلا، رسالة هذا المجهول إليها والتي بعثت في نفسها اليوم شعور غريب طغى على رعبها الفطري من هذا الذي يعرف تفاصيلها كما يعرف تفاصيل كف يده، ففى داخل الرسالة قبع إعتذار وكأنه يدرك حالتها بعد قراءة تلك الرسائل، جرت عيونها على حروفها مجددا.
حبيبتى سمر...

إشتقت إليك كإشتياق الروح لراحة أبدية، فأنا المسافر في صحراء البعد أبغى شربة ماء من بين يديك تعيد إلي الحياة، الكون ما هو إلا فراغ مقيت دون إبتسامتك التي تنير صباحي بشمس لا تغيب، كم هي شاقة تلك الليالى التي أستيقظ فيها فلا أجد رأسك على صدرى، وكم هو مؤلم حين يستبد بى الحنين إليك فلا أستطيع أن أدفن رأسى في تجويف عنقك، أشم رائحة الياسمين، تغمرنى ثناياكى، أمازلتى تحبين الياسمين؟أم غاب عنك هذا العشق الأبدي كما غاب طيفى عن قلبك؟أي جنون هذا الذي أحياه وأنا أقرب إليك من نفسك ولا أستطيع أن أضمك إلى صدرى، يجرى دمى وعشقى في شرايينك ولا أستطيع أن أمزج أنفاسى بأنفاسك؟أي جنون هذا الذي يجعلنى أبعث إليك بكلماتى عوضا عن مزج كيانى العاشق بكيانك الساحر؟إنه جنون العشق، فأنا عاشق حتى الثمالة، أصبحت مجنونك فإرحمى ضعفى ولا تخشينى، فأنا لا شئ سوى قلب يعشق، ما أبقانى بعيدا عنك سوى أننى مجبر على البعد لأجلك وما قربنى منك سوى أننى مجبر على القرب لأجلى، ربما يوما ما أخبرك بأسبابى، فقط إن سمحتي لي، ولكنى سأظل قريب منك حتى تفعلين، سأظل قريبا منك لسلامة عقلى وقلبى، قلبى الذي يذوب عشقا، قلبى الذي يردد حروف إسمك كترنيمته، قلبى الذي تملكينه وحدك، سيدتى ومليكتى...

ز ا م
شردت مجددا في تلك المشاعر التي كان لها صدى في قلبها، تشعر بحنينه إليها يقطر من كل حرف، يهتز كيانها لأول مرة مع حروفه، لتدرك أنها حتما تعرفه، هو لابد وأن يكون زوجها، هذا الذي إستيقظت ترتدى محبسه ولكنها لا تحمل له أي ذكرى في رأسها عنه، فقط طيف يأتى ويذهب دون صوت واضح، ودون ملامح...
أفاقت من أفكارها على صوت هاجر تقول في قلق:
-ساكتة ليه ياسمر؟
نظرت إليها سمر بهدوء قائلة:
-وهقول إيه يعنى ياهاجر؟

قالت هاجر بقلق:
-تزعقى زي كل مرة، تقوليلى يلا نرجع القاهرة.
أصدرت سمر صوتا في حلقها يعبر عن الرفض قائلة:
-وهيفيد بإيه الزعيق، أو إنى أرجع القاهرة، كدة كدة هييجى ورانا ومش هيسيبنى.
قاطعها صوت طرقات على الباب، لتنظر هاجر إلى سمر التي أسرعت بإرتداء حجابها بتوتر، تدرك من القادم من طرقاته التي باتت تعرفها، لتنهض هاجر تفتح الباب، فوجدت مجد أمامها يقف مطأطأ الرأس قائلا:
-مساء الخير.
إبتسمت هاجر قائلة:.

-مساء النور، إتفضل ياأستاذ مجد.
دلف مجد إلى المنزل، يبحث عنها بعينيه حتى إستقرتا عليها، يتأمل ملامحها بلهفة ظهرت عليه، إنتابها التوتر من نظراته ولكنها لم تستطع قطع تواصل بصريهما حتى قطعه هو حين إلتفت إلى هاجر التي قالت:
-إنت إبن حلال على فكرة، كنت لسة هكلمك.
إبتسم قائلا:
-خير ياآنسة هاجر؟
قالت هاجر دون أن تلاحظ سمر التي رمقتها بتحذير، بينما لاحظ نظراتها مجد فلم يعلق:.

-رسالة تانية جت لسمر من المعجب المجهول.
عقد مجد حاجبيه قائلا:
-هفرغ الشرايط وهنعرفه حالا.
هزت هاجر رأسها قائلة:
-مش هتلاقى حاجة، الرسالة جت على تليفونها.
نظر مجد إلى سمر التي إحمر وجهها خجلا، كاد أن يبتسم لرقتها وجمالها اللذان شعا بوجهها حين أصابها الخجل ولكنه تمالك نفسه وهو يقول:
-ممكن أشوف الرسالة دى يا مدام سمر.
قالت سمر كاذبة:
-الحقيقة مش ممكن لإنى مسحتها.

أدرك كل من مجد وهاجر أنها تكذب من ملامحها الشفافة، فأدرك مجد أنها لا تبغى أن تريه فحواها بينما تعجبت هاجر من كذبة سمر التي لا ترى لها أي مبرر على الإطلاق، ليقول مجد بهدوء:
-ممكن أعرف ليه مسحتيها؟
قالت سمر وقد بلغ بها الخجل الحد الأقصى:
-فيها تفاصيل محبش حد يقراها غيرى.
أومأ برأسه متفهما بينما شعرت هاجر بالتوتر لتقول بإضطراب:
-عن إذنكم، هعملكم اتنين كابتشينو.

ثم غادرت مسرعة دون أن تأبه لنظرات سمر المستنجدة بها، ليسألها مجد بعد مغادرة هاجر قائلا:
-طيب الرسالة دى فيها حاجة ضايقتك؟
هزت رأسها نفيا بصمت، ليقترب مجد منها وهي تتابعه بعينيها بتوتر، تحبس أنفاسها مع إقترابه منها، حتى توقف أمامها تماما يقول بعيون متفحصة لسكناتها:
-وصاحب الرسالة، متضايقة منه؟
نظرت إلى عيونه تشعر أن بهما سحرا يجبرها على الإعتراف بمكنون قلبها، دون مواربة ودون كذب، لتقول كالمسحورة:.

-لأ، بالعكس، لأول مرة أحس إنه حد كان فعلا قريب منى، على الأغلب يبقى جوزى، بس اللى مش قادرة أفهمه أو أستوعبه هو بعده عني طول الفترة اللى فاتت دى رغم مشاعره الواضحة في رسالته.
أولاها ظهره يخفى إنفعالاته عنها، يغمض عينيه بقوة ويضم قبضته، ليستمع إلى صوتها الرقيق، ينادى قائلا:
-أستاذ مجد،
فتح عيونه ومد يده يمسح تلك الدموع التي إستقرت بهم، ليلتفت إليها قائلا بملامح لا تعكس مدى تأثره:.

-الحقيقة أنا كنت بفكر، إيه اللى يمنعه عن التعبير عن مشاعره أدامك؟وليه بيعبر عنها من بعيد لبعيد، الحقيقة مش لاقى سبب واضح.
تنهدت سمر قائلة:
-ولا أنا، الظاهر إننا هنفضل مش عارفين، لغاية ما يظهر أو يتكلم بصراحة.
أومأ مجد برأسه قائلا:
-الظاهر كدة،
ليرمقها بتردد دام للحظات قبل أن يقول:
-وإنتى، إيه مشاعرك دلوقتى؟ أقصد يعنى من ناحيته.
زفرت قائلة:.

-مش عارفة، بعد ما كنت خايفة منه، شايفة إنى زي ما بتعذب من ماضى مجهول بالنسبة لى وعقل عبارة عن صفحة بيضا، هو كمان بيتعذب من بُعْد غصب عنه ومش بإرادته، والحقيقة حاليا بدأت أشفق عليه.
لا تدرى لم شعرت بداخل عيون مجد بأمل ينطفئ مع كلماتها، إنتابتها الحيرة ولكنها إستطردت قائلة بتوتر:
-عموما، الظاهر إنه هو مش ناوى يبعد وأكيد مع الأيام الألغاز هتتحل ورموزها هتتفك.
أومأ برأسه قائلا بجمود:.

-فعلا مع الأيام كل حاجة هتبان.
دلفت هاجر في تلك اللحظة تحمل صينية عليها هذا المشروب الساخن الذي أعدته، لترمق هذان الإثنان بحيرة فبينما إعتلى الجمود ملامح مجد، كانت سمر متوترة إلى الحد الأقصى، يعتريهما حالة من الصمت، القاتل.

كان حسام يتجه إلى الخارج حين إستوقفه صوتها وهي تقول في حدة:
-رايح فين ياحسام في وقت متأخر زي ده؟
إلتفت إليها حسام قائلا:
-راجع لبيتى ومراتى يانور.
قالت نور بغضب:
-وأنا إيه، مش مراتك برده؟وبعدين خلاص مش قادر على بعد الهانم، راجعلها جري.
إقترب منها حسام يمسك ذراعها بقوة قائلا:
-وطى صوتك وإنتى بتكلمينى وخدى بالك من طريقتك في الكلام عنها، سماح دى مراتى، أم إبنى ولما تتكلمى عنها تتكلمى بإحترام، مفهوم؟

لم تنطق وإنما رمقته بغضب ليشدد من قبضته على ذراعها قائلا:
-مفهوم يانور؟
تأوهت في ألم قائلة بحنق:
-مفهوم ياحسام، مفهوم.
ترك ذراعها لتدلكه على الفور بألم وقد ظهرت علامات أصابعه على ذراعيها، رمقها ببرود قبل أن يبتعد بإتجاه الباب، ليتوقف مواليا إياها ظهره قائلا بصرامة:
-أنا مش جاي الشغل بكرة، أجلى كل مواعيدى.
ثم فتح الباب وخرج مغلقا إياه خلفه، لتقول نور بغل:.

-لسة بتحبها يا حسام ومتقدرش تستغنى عنها، بس مبقاش نور الجمال، إن ما خليتك تبعد عنها غصب عنك، مبقاش نور إن ما خليت الهانم بتاعتك تخرجك برة حياتها للأبد.
لتهدر قائلة بحقد:
-للأبد ياحسام.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة