قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية صقر الصعيد الجزء الأول للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الثامن عشر

رواية صقر الصعيد الجزء الأول للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الثامن عشر

رواية صقر الصعيد الجزء الأول للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الثامن عشر

وضع يده اليمني بجوار عنقها بدفء فنظرت لعينيه مباشرة تفحصتهم وهم يحملون بداخلهم جبل من الهموم كبير وهو مازال صامداً، رفعت يدها ببطئ شديد ووضعتها على وجنته اليسري بحنان ثم قالت بنبرة دافئة ناعمة: -
- أنا بحبك ياصقر أوووي و مش قادرة أشوفك كدة، قولي أعمل أيه عشان أساعدك وخفف عنك شوية
وضع يديه على يدها بحنان ثم أردف بعذوبة قائلاً: -
- عاوزة تساعديني بجد؟
أشارت إليه بنعم فأجابها بحنان قائلاً: -.

- خليكي جواري على طول، حبني، خديني في حضنك، نامي في حضني وأسمع دجات جلبك وأنفاسك، أضحكي لما تشوفني خليني أشوف ضحكتك على طول، دى الحاجة الوحيدة اللي عاوزك تساعديني بيها.

أبتسمت له ثم جذبته لها تعانقه بدفء عناق مليئة بمشاعرها المقدسة النابعة من قلبها العاشق فطوقها هو الأخر بكلتا يديه لكن لم تدوم لحظتهم كثير حيث قطعهم دخول حسام لغرفتهما من الشرفة، أبتعد عنها بعد أن فزعت من الخوف تشبث بيدها وهو ينظر له بغضب شديد وكيف جاءته الجرأة بأقتحام غرفته هكذا ثم وقف وهي تمسك بيه بخوف...
- المرة دي محدش هيوحشك عني، لا رجالتك اللي بتتحامي فيهم ولا حتى البوليس.

قالها حسام وهو يمد يده نحوهم بالسكين، فهتفت جالان بخوف وهي تمسك ذراعيه وتقف خلفه: -
- أنت أتجننت ياحسام، هتقتل ابن عمك
ضحك ساخراً من حديثها ثم قال بتهكم وهو ينظر لها: -
- ابن عمي، تصدقي ضحكتني، ابن عمي اللي سرق مراتي وقطع ايدي ودمر حياتي
أجابه صقر بجدية وهو يضع يديه في جيب بنطلونه بثقة: -
- أنا مسرجتش مرتك، أنت اللي جبتها لحد عندي وجولتلي أتجوزها وهي معوزكش ودلوج دي مرتي واللي عنديك اعمله.

أشتاط غضب منه فمسك السكين بغضب وقوة وأقترب منه بسرعة ينقض عليه فدفعها صقر بعيداً عنه حتى لا تتأذى ومسك يده ثم لكمه على وجهه فركله حسام بقدمه في بطنه، وضعت يدها على فمها بخوف حين ركله، أعتدل صقر في وقفته ثم أقترب منه وثني ذراعه بقوة حتى سقط السكين منه أرضاً ولكمه بقوة مرة تلو الأخري حتى سقط أرضاً ثم جلس فوقه يلكمه بغضب، حاول حسام التخلص من قبضته لكن لم يستطع، نظر بجواره ورأي السكين فمد يده بقوة يحاول الوصول له وأذا به يلتقطها بعد معاناة، جرح ذراعه الايسر بها فإذا بها تصرخ...

أبتسم صقر له بسخرية وهو يكبت ألمه بداخله ولكمه بدون توقف في وجهه حتى تعب من اللكمة وفقد وعيه، ركضت نحوه بخوف شديد تتفحص وهي تردف بخوف: -
- انت كويس؟
- اه أجعدي على السرير
قالها وهو يبتعد عن حسام ثم أتصل بالشرطة وقيد يديه و سحبه خارج غرفتها وأنتظر وصول الشرطة حتى جاءت له وأخذته بتهمة جديدة أضافت الى ملفه...

دخل لغرفتها بعد رحيل الشرطة وجدتها تجلس على الكرسي تنتظره وبمجرد دخوله وقفت بهلع تركض نحوه بهلع ثم مسكت ذراعه المجروح وقالت: -
- يلا نروح المستشفي
- ممستاهلش ياجلبي دا خدش أصغير
قالها وهو يمسح على رأسها بحنان، رفعت كم قميصه بقلق فشهقت بقوة حين رأت جرحه وقالت بألم كأنها هي المُصابة: -
- كل ده مش مستاهل
حدق بها بجدية ثم قال: -
- خلاص يا جالان وبعدين.

أخذته من يده بأغتياظ وجعلته يجلس على الأريكة وأحضرت صندوق الأسعاف الأولية ثم جلست بجواره ونزعت له قميصه تطهر له جرحه وباتت دموعها تنهمر من عيناها، كان يتأملها بصمت شديد وهو ناظراً لملامحها بهيام، رفعت نظرها له على سهو ووجدته شارداً بها وبعيناها فتوقفت يدها عن الحركة وما تفعله، أحتضنت عيناها عيناه بحب ممزوج بألم لجرحه وخوف لم يتلاشي من داخلها من ما حدث فكانت عيناه تنقل لها رسالة عاذبة تنبع من قلبه وتتحدث عيناه بها من خلال نظراته، رسالة واحدة فقط تكفيها عن العالم بأكمله [ بالنسبة لي الوطن ما بينتهي عند بقعة جغرافية على الخريطة، فوطني داخل عيناكِ وإينما تكونيً معشوقتي، أي وطني هو أنتِ وفي بعدك آنا غريب، عابر، لاجئ لا وطن له ] شعرت بأنفاسه تداعب عيناها مع أنفها بسبب قربه الهادئ نحوها، يقترب بخفوت شديد وبدأت يده تتحرك تتشبث بذراعيها أما عن عيناه كانت غارقة في بحور عيناها فشعرت بقبلة عاذبة تقبل عيناها الباكية من خوفها عليه تساعدها في هدوء روعتها لكي يتلاشى خوفها المُستحوذ عليها فأبقت ساكنة بين ذراعيه مُستسلمة لحنانه الناعم، أخفت جسدها بين ذراعيه مصاحباً بسقوط دموعها اللؤلؤية، يعلم بأنها بتلك اللحظة لم تكن بحاجة سوي لهذا العناق الصغير الدفء يحتويها بلحظة خوفها...

في اليوم التالي بمنتصف يومها الروتين والعمل، ولجت لغرفة مكتبه بعد أن أستأذنت بالدخول وقالت بعفوية: -
- أستاذ أيمن كنت عاوزة أستأذن ساعة ممكن
رفع رأسه لها بعد أن سمع صوتها وعلم بوجودها فوجد وجهها عابث رغم عفويتها فوقف من مكانه وألتف حول مكتبه متجه نحوها لكي يعلم سبب عبث حبيبته الواضح بملامحها...
سألها بهدوء مع أقترابه نحوها بخفوت وقلق بسيط: -
- مالك؟، حصل حاجة؟، حد زعلك؟

- لا، بس مديري في القسم مش راضي يديني ساعة أذن لازم أروح أجيب يوسف من المدرسة وهو متعصب ومش طايقلي كلمة
قالتها بعبوثية شديد من غضبها بسبب طريق حديث مديرها، مسك يدها اليمني بين كفيه يربت عليهم بحنان ثم قال مُردفاً: -
- طب متزعليش، أنا هكلمه دلوقت أقوله بس متكشريش كدة، في قمر يكشر برضو
أشاحت نظرها عنه بدلال ثم جذبت يدها منه ثم قالت بجدية مصطنعة: -.

- أوعي كدة أحنا قولنا لما نتجوز أمسك براحتك، هي وكالة من غير بواب
رفع حجابيه لها بذهول مُبتسماً على تذمرها ثم أقترب خطوة أخرى نحوها حتى أصبح لا يفصل بينهم شئ سوى سنتيمترات قليلة وقال بنبرة دافئة ولهجة عاشق وصل لأقصى درجة من العشق وعذوبته: -
- قريب ياقمرى تبقي بتاعي لوحدي ومالكش بواب غيري
ومن ثم غمز لعيناها بغزل فضحكت رغماً عنها ضحكة أنارت حياته ويومه فقال لها بهيام هامساً بأذنيها: -.

- طب أجري من قدامي بقي، عشان لو فضلتي قدامي دقيقة كمان مش هستني بعد الجواز، عشان القمر بيحلو.

قهقهت ضاحكة عليه ثم فرت هاربة من أمامه حين خطي خطوته الأخيرة الفاصلة بينهم خوفاً من جملته وأن يفعل شئ بها قبل زواجهما، تبسم عليها رغم بلوغها سن الرشد ورغم كونها أم لطفلتان ألا أنها مازالت بحيويتها وحياءها، تخجل وتبتسم، تدلل وتهرب كطفلة عاشقة وكأنه عشقها الأول ولم تعشق من قبل ولم تتزوج، عاد لمكتبه مجدداً يكمل عمله...

نزلت فريدة من العمارة تحضر لهم بعض الأغراض من السوبر ماركت فأتصلت جالان على هاتفها فقالت: -
- فريدة هاتي معاكي فاكهة وبيبسي عشان صقر جايب معاه ضيوف بليل
توقف عن المشي وسألتها بحماس وأشتياق لهذا الرجل الرجولي وهي تتذكر كيف كان يضرب ويعارك الرجال من أجلها وحين عانقت ودفء حضنه: -
- ضيوف مين
- نبيل وأيمن وقمر جاية في الطريق بالأطفال، اه صح بالمرة هاتي حاجات حلوة للولاد عشان يتسلوا على ما نطبخ.

قالتها بلا مبالاة وهي تعد لها مشروب ساخن، فتبسمت فريدة فور ذكر أسمه وقالت بسعادة قصوي: -
- حاضر وعاوزة حاجة تاني فكري اي حاجة
أتسعت عين جالان على مصراعيها بذهول ثم قالت بتساؤل: -
- ايه الحماس ده كله يابت اشحال أنا منزلكي بعد خناق كان ناقص الجيران تحوش بينا
نظرت أرضاً بخجل ثم أكملت مشيها وقالت: -
- خلاص بجي جلبك أبيض يا جميل
- ماشي، متتأخريش بقي عشان مقلقش عليكي وعشان أطبخ قبل ما العيال يجوا جعانين.

قالتها تنهي حديثها معاها بتحذير ثم أغلقت الخط وعادت لما تفعل، تبسمت فريدة بسعادة عامرة مصاحبة بتنهيدة بأرتياح من قلبها فهي ستراه اليوم وستكفي عيناه برؤيته وتخمد نار شوقها المُشتعلة بداخل قلبها...

- أحنا كدة خلصنا والمناقصة بقيت بتاعتنا رغم الخسارة بس أن شاء الله تتعوض في غيرها
قالها أيمن وهو يجلس معه على طاولة الأجتماعات بعد أن قدم له ملف بالميزانية والخسائر التي وقعت عليهم ولكنه نجح في تجاوزها بأقل قدر ممكن من الخسائر، دلف نبيل عليهم وهو يقول: -
- مش هنمشي ولا ايه أنا جوعت، مش كفاية أسبوع كامل مفيش راحة
وقف صقر من كرسيه وهو يتجه نحو مكتبه يلتقط جاكيته من فوق كرسيه مُردفاً بهدوء: -.

- هنمشي أهو
أرتدي جاكيته ثم ألتقط هاتفه ومفاتيحه وخرج معاهم...

في شقته، كان الأطفال يركضون هنا وهناك خلف بعضهم وثلاثتهم يشاهدون مسلسل أمام التلفاز ويأكلون الفاكهة أما فريدة كانت تأكل الفشار وتضحك بقوة مثلهم...

فتح باب الشقة بالمفتاح ودلف وهو معاهم فتوقفوا مكانهم وهم يشاهدونهم يتأملوا ضحكهم على المسلسل، تنحنح صقر بحدة فوقفت من مكانها وتبسمت له ثم أقتربت نحوه ترحب بزوجها فأعتذر منهم ليغير ملابسه فدلفت خلفهم، ركضوا الأطفال نحو أيمن ويضحكون له، وقف نبيل يتأملها وهي تضحك وتأكل منتبه لها وهي تختلس النظر له بطرف عيناها تخشي النظر نحوه مباشرة فوضع يده في جيبه بدلال مُبتسماً لها فخجلت منه ولم تستطع فعل شئ سوى الهروب من نظراته المثبتة عليها فوقفت من مكانها ثم وضعت بولة الفشار على الطاولة وذهبت هاربة منه ناظرة أرضاً فأعترض طريقها حينما وقف أمامها حاولت العبور منه لكنه منعها مراراً وتكراراً...

تذمرت عليه بضيق رافعة نظرها للأعلي بداخل عيناه فتبسم لها صرخت به بأغتياظ تخفي به خجلها منه قائلة: -
- عديني بجي
- مليش مزاج واحشتني وعاوز أشوفك وأشبع منك
قالها بغزل وهو يغمز لها بعيناه فنكزته في ذراعه بخجل بعد أن توردت وجنتيها وزاد من حمرتها، تردف قائلة: -
- أستحي ياأستاذي، وأتحشم في حديدك المساخ ده
- دا حديد زي السكر، دا مساخ دا.

قالها بغزل أكبر فدفعته بعيداً عنها بأغتياظ منه وهو يزيد من خجلها فضحك عليها وقال مُحدثاً نفسه: -
- هتجوزك تطلعي تنزلي هتجوزي برضو...
خرج صقر لهم وهي خلفه وجهزت العشاء مع النساء وجلسوا معاً وهي تهرب من نظراته بلعبها من الأطفال...

أستيقظ شاكر صباحاً على صوت هاتفه بأسم ضياء فأجابه: -
- خير يا ضياء على الصبح
- صقر بينتقم يافندم...

كان الحريق بكل مكان والنيران تأكل كل ما يقابل مُشتعلة بداخل المكان دون توقف في تزايد مستمر وصرخاتها بكل مكان والنار تحيطها من جميع الأتجاهات فلم يكن بوسعها شئ سوي السقوط أرضاً تصرخ بأقوي ما لديها تطلب النجدة وأن يساعدها أحد وينجدها من هذا الحريق، بدأ الدخان يقبض على صدرها فتنقطع أنفاسها ببطي مصاحبة بدوران شديد أصاب رأسها ورؤية مشوشة تعتم عيناها فنادته بعجز مُستنجدة به بضعف: -
- ص ق ر...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة