قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع

رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع

رواية صفقة حب للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع

هرولت خارج الغرفة، تصرخ على نبيلة، لتأتى الاخيرة، على عجل..
مندفعة، لتصل للغرفة فى ثوان، لتنحنى كل منهما، على جسده المسجى، تحاول إفاقته، دون جدوى..
فتتذكر منير، فتهرع لهاتفها، تتصل به، : -
-سيد منير، الحمد لله انك هنا، قالتها وهى فى قمة توترها، عندما رد على اتصالها...
-ماذا هناك..!؟، سأل مذعورا..

-انه محسن، لقد سقط فاقد الوعى، ولا اعرف كيفية التصرف، ولا علم لى بطبيبه المعالج، قالتها وانخرطت فى بكاء مرير..
-حسنا أهدأى، قالها وهو يشتعل توترا هو الاخر، لكنه لا يحاول إظهار ذلك، أنا فى طريقى إليك بالطبيب...
-شكرًا لك، انا فى الانتظار، بسرعة أرجوك..
أندفعت من جديد، تساعدها نبيلة على سحب جسده..
بالكاد، حتى وصلوا به للفراش، بدأت فى خلع تلك الملابس المتسخة عنه، وهى تنظر لوجه الشاحب..

وملامحه الساكنة، ودموعها تسيل انهارنا، شعورها
بالذنب يقتلها، هى السبب فيما وصل اليه..
لقد كان يستجدى ان تفتح الباب، لكن هى ظنته يخدعها
لم تكن تدرى انه يعانى، حد الالم الذى يجعله، يفقد وعيه، يا آلهى، هتفت وسط دموعها، أحضرت منشفة مبللة بالماء الدافئ، وبدأت تمسح على جبينه، وذراعاه، وتخلع عنه حذاءه الموحل..

وللمرة الاولى، تسأل، كيف أتى فى مثل ذلك الوقت!، انه منتصف النهار تقريبا، هل كان من المفترض ان يعود فى مثل ذلك الوقت، لينخرط فى عبثها الطفولى، ويرهق نفسه، وتزيدها هى، لذلك المزاح الثقيل، واخيرا، تتركه وحيدا خلف الباب..
يستجدى وجودها جواره، وهو يفقد اتصاله بما حوله
ليسقط، فى تلك الحالة التى هو عليها الان...

تركته، لترتدى ما ستستقبل به الطبيب، ومنير، ليصلا اخيرا، فى الثانية التى انتهت فيها من وضع حجابها، وقد سمعت صوت نبيلة وهى تصعد الدرج
تدلهم على غرفتهما، فأسرعت باستقبالهما على الباب
ودموعها لم تجف..

ألقى منير والطبيب المعالج التحية فى عجلة، واندفعوا لفحص محسن، بينما هى ظلت ترقب الوضع من احد جوانب الغرفة وجسدها ينتفض انفعالا ورهبة، لا تستطيع إيقاف شلال دمعها المنهمر، وإحساسها بالذنب يتضاعف كل لحظة..
أنهى الطبيب فحصه فى هدوء، وأخذ يدون بعض الملاحظات، وسأل دون ان يرفع رأسه، منهمكا فى
كتابة، ملاحظات فحصه: - هل الصداع، اشتد عليه فى الآونة الاخيرة..!؟.

اندفعت مودة لتجيب، : - نعم، لقد اصبح يشكو منه..
بشكل كبير، حتى انه اصبح عائق ليقود العربة أحيانا
كما، وان ذلك المسكن، الذى يتناوله، اصبح ضعيف المفعول، حتى انه اضطر مؤخرا، لمضاعفة الجرعة..
-هل لى بمعرفة مدى قرابتك من المريض..!؟، سأل الطبيب، وهو يرفع رأسه أخيرا، ليواجه مودة..
لكن منير أجاب فى سرعة عوضا عنها، وهو يرى الاضطراب يتأكلها، : - انها زوجته..
-زوجته!، وكيف لم تقنعيه للأن بضرورة الإسراع.

فى تلك الجراحة، ان كان ينوى..
فقاطعه منير فى تلك اللحظة، متسائلا، و الاضطراب جليا على ملامحه، لاحظت مودة ذلك بوضوح، وأى جراحة تلك التى يتحدث عنها الطبيب، وماذا كان ينوى ان يقول، ولم يمهله منير الفرصة ليكمل حديثه
-على أية حال يا دكتور، هل سيكون بخير..!؟.

-نعم، حتى إشعار أخر، وصفت له مسكّن مفعوله أقوى، لأن الورم للاسف، يكبر، وذلك بدأ يؤثر على بعض الوظائف الحيوية، على ايه حال، سيستفيق الان، فى أية لحظة..
تسلم منير، مدونة العلاج، من الطبيب، ثم شكره
وهو يؤكد عليهم، براحته..
ويتبعه للخارج..
سارت فى بطء، حتى وصلت لجسده المسجى على الفراش بلا حراك، وعقلها يشتعل بالف سؤال وسؤال، جذبت عليه الغطاء..
واندفعت فى عزم، . تلحق بمنير الذى كان فى طريقه.

لوداع الطبيب، فطلبت منه البقاء، لأمر هام..
سبقته لغرفة المكتب، التى تزين جدرانها رفوف ورفوف من الكتب، وتحمل طابعا كلاسيكيا..
حيث الاثاث العتيق، وتوزيع الاضواء داخل الغرفة
يوحى بمزيد من الفخامة، والراحة فى ذات الوقت
-تفضل سيد منير، فهذا بيتك، قالتها فى صدق نظرا لعلمها بمدى الصِّلة القوية التى تربطه بزوجها
جلس هو، وملامح وجهه تحمل مزيد من الاضطراب.

والتوتر، منذ ألقى الطبيب جملته، بخصوص الجراحة المزعومة...
-خير..!؟، سأل، وهو يتصنع الهدوء..
-أنا أعلم أنك الاقرب لقلب محسن، فأنت صديقه منذ زمن بعيد، وكل اسرار حياته فى جعبتك..
-هذا صحيح، أجاب وهو يومئ برأسه تأكيدا..
-فبالطبع، وصمتت لثوان، كل ما يخص مرضه، تعلم به، بل أكاد أجزم، انك الوحيد الذى تعلم..
كل ما يخص مرض محسن..

لم يجب منير، بل اكتفى بإيماءة إيجاب، وهو يعلم إلى أين ستنتهى تلك المقدمة، من محادثة، لم يتوقع حدوثها، لكنه كان يتمناها..
-إذا، فهل بإمكانك اخبارى، بالضبط، عن اى جراحة، كان الطبيب يتحدث..!؟.
أزدرت منير ريقه فى صعوبة، وصمت للحظات..
واخيرا قرر التحدث: - لطالما نازعتنى الرغبة فى اخبارك سرا، ربما يكون لكِ ذاك التأثير، الذى لم أملكه، لجعل محسن يغير رأيه..
-يغير رأيه بشأن ماذا..!؟، سألت فى لهفة..

-حسنا، سأخبرك بكل شئ، لكن عدينى ان تخبرنى محسن بان الطبيب هو من أخطأ وأبلغك..
-حسنا، سيد منير، لك وعد منى بذلك..
-الحقيقة، كما تعلمين، ان محسن مصاب بورم فى المخ، هو ما يسبب له كل التداعيات التى نحن بصددها
الان، والتى كنّا نعلم، بقرب حدوثها فى أية لحظة..
لان الطبيب أنبأ محسن بها، اذا لم يسارع فى غضون أشهر، بإجراء جراحة حرجة، لاستئصال ذلك الورم
وطبعا تلك الجراحة، تنطوى على خطورة كبيرة..

ونسبة نجاحها منخفضة للاسف، فرفض محسن إجراءها طبعا، مؤكدا انه فى كلتا الحالتين، هو ميت
فلما يقضى على الأشهر المتبقاة له، بدل من أن يغتنمها، ليعيش ويتمتع بحياة قصيرة، حاولنا، أنا والطبيب إقناعه بشتى الطرق، بضرورة المجازفة بإجراء الجراحة، لكنه، لم يستمع لكلينا للاسف، وها هو يعانى، ونحن ما بيدنا حيلة لمساعدته..
كان يحكى، وملامح الصدمة ترتسم على ملامحها..
وتلك الدموع التى جفت عاودت جريانها من جديد..

فهى تشعر الان بخليط من مشاعر متناقضة، لم تشعر بها فى حياتها..
انه السبب الاول دوما، فى كل ما تخبره من أحاسيس
اى كان نوعها، فهو له الفضل، والسبق فى احداثها
بداخلها..
انها لا تعرف، هل تبكى فرحا، ام تصرخ حزنا..
تبكى فرحا، ان هناك أمل، حتى ولو ضعيف، فى علاجه، الذى اعتقدته مستحيلا، وانه يمكن ان يشفى
ويعاود حياته من جديد...

ام تصرخ حزنا وقهرا، انه اخفى عنها ذلك، وتركها بلوعتها وحزنها على فراقه الوشيك، انه لم يثق بها كفاية، ليخبرها بسره كاملا، أليس من حقها، ان تعرف، كل ما يخفى، فى هذا الشأن..
أخرجها منير من شردوها، وصراع أفكارها، وهو يكمل فى ثقة: - الان، هو دورك، لتحاولى، إقناعه
بضرورة اجراء تلك الجراحة، وكلما كان ذلك أسرع
كلما كان افضل بالطبع..
مسحت دموعها فى عزم، وهى تبتسم فى اصرار، : - هذا ما يجب ان يحدث...

ابتسم منير للمرة الاولى منذ وصوله، وهو يطالع تلك النظرة التى يغلفها العزم، والاصرار..
واستأذن للرحيل، وهو يشعر، ان تلك النظرات يمكن ان تصنع الكثير، فهل كان على حق!؟..

خرجت من غرفة المكتب، بعد لقاءها مع منير، وتلك الحقائق الغائبة عنها، التى غيرت كل ما كان..
كانت شاردة الذهن، لدرجة انها لم تنتبه لأخيها يوسف.

الا بعدما صعدت عدة درجات فى طريقها لمحسن للأطمئنان عليه، فعادت ادراجها، وقد انقبض صدوها لمرأه فى هذه الحالة من الخزن، كانت عيناه دامعتان، ووجهه ينطق بالأسى، تقدمت اليه، حتى انحنت مستندة على ذراعىّ كرسيه المدولب، الذى ما عادت تسمع صرير عجلاته، فهو كرسى حديث النوع ابتاعه محسن لاجله ويتحكم يوسف فى توجيهه عن طريق يد موجودة فى احد الذراعين..

-ماذا هناك، يا حبيب مودة..!؟، لما هذا الحزن المرسوم على وجهك، هل يضايقك شئ ما..!؟.
انفجر يوسف باكيا، لدرجة افذعتها، لتنتفض واقفة
وتأخذ برأسه بين ذراعيها، ملتاعة لما يحدث..
-ماذا هناك يا يوسف، أقلقتني..!؟.
-لا أريده أن يموت، أفعلى اى شئ، لكن لا تدعيه يموت، لا اريد لأبى ان يموت مرة أخرى..

شهقت عندما وصل بكلماته المتقطعة، والمصاحبة لبكاءه المتشنج، ماذا يقصد..!؟، يبدو ان أمر مرض محسن قد وصله، لهذه الدرجة يحبه..
طفقت الدموع من عينيها، وهى تتشبث بأخيها..
الذى كان جسده كله يرتج انفعالا، ألهذه الدرجة يحبه، حتى انه شبهه بأبينا، رحمه الله..
أه يا محسن، انك لا تتعذب وحدك، بل تعذب من حولك الكثيرين وانت لا تدرى، همست بذلك، وهى تربت على كتف اخيها، وترفع رأسه، لتقول فى ثقة.

لا تعلم من أين استمدتها: - لن يموت، باْذن الله، سيكون بخير، لا تقلق، انتبه انت لنفسك وصحتك..
اتفقنا..!؟.
هز رأسه موافقا، فقبلت جبينه، وتركته لتصعد الدرج للاطمئنان على محسن..
دخلت الحجرة فى هدوء، تتطلع للجسد الراقد بين الأغطية، وقد زال شحوب وجهه قليلا، خلعت حجابها، واقتربت منه، تتطلع لقسمات وجهه، لتنحنى وتطبع قبلة على ذاك الجبين العريض..

لتنتفض عندما سمعته يهمس: - يا له من علاج، لقد سكن بالفعل آلام رأسى...
ابتسمت لعينيه، عندما فتح جفونه ببطء، ليطالع محياها الذى افتقده، مد يده ليلتقط كفها، التى مدتها
بدورها اليه، وهى لازالت سارحة فى خريطة وجهه
التى تتوه فى تضاريسها، اما عينيه، فكانت قصة أخرى، جلست بجواره، وهى تقرأ تلك الرسائل التى تبعثها، وتفك شفرتها، وتبتسم فى حبور..

-ما الذى حدث..!؟، سأل وهو يحاول الاتكاء قليلا للخلف برفع جزعه لاعلى، ورأسه مسندة على احدى الوسائد خلف ظهره، عدلت وضعها مودة بعناية..
-لقد فقدت وعيك، وجاء منير بالطبيب، وكتب لك مسكّن أقوى، لم تتفوه بكلمة أكثر، فليس ذلك وقت
الخوض فى مسألة حساسة، كجراحته..
-حسنا فعل، فأنا احتاجه، بشدة، ولكن أين منير..!؟
-رحل، عائدا للشركة، فهناك الكثير من العمل، هكذا قال، عندما عرضت عليه البقاء للعشاء..

غيرت الموضوع، لابد انك جائع، هل احضر لك ما تأكله..
هز رأسه موافقا، فأبتسمت، وخرجت من الغرفة..
دخلت المطبخ، لتفاجأ بنبيلة تبكى فى حرقة..
لأبد وانه يوم البكاء العالمي، اولا اخوها، والآن نبيلة، لم تتفوه بكلمة، فقد عرفت انها تبكى لأجل محسن، فكل من بالبيت علم بأمر مرضه..
-هل هو بخير الان..!؟، سألت نبيلة فى لوعة..
-نعم، وطلب الطعام ايضا، ردت مودة فى هدوء..

-اللهم لا اعتراض، همست نبيلة وهى تجهش ثانية فى البكاء، فتقدمت اليها مودة، وأخذت تربت على كتفها، الكل وجد من يواسيه، فى حزنه وتعاسته..
الا انت يا مودة، قدرك هو مواساة الجميع، ولا مواساة من احد، رغم جرحك الغائر، وألمك القديم..
ونزف روحك الذى لم يتوقف، للحظة..
-انه ابنى الذى لم انجبه، ربيته على يدىّ هاتين، بعد وفاة أمه، التى لم يهنأ بحنانها، وابوه الذى انغمس فى.

حزنه عليها، ثم فى عمله، حتى بنى تلك الامبراطورية التى أورثها لمحسن، وها هو الان، سيرحل، فى ريعان شبابه، وهو..
قاطعتها مودة، فى اصرار: - لن يحدث باْذن الله..
صمتت نبيلة فى حيرة، متعجبة من ردة فعل مودة، اعتقدت ان ذلك من اثر حزنها على محسن..
-هناك أمل، فى ان يحيا بعد عملية جراحية دقيقة، لو اقنعناه بإجراءها..
-حقا!، هتفت نبيلة فى فرحة، واستطردت، ليس هناك من انسان قادر على إقناعه، مثلك انتِ...

فأنا لم أراه سعيدا، منذ وفاة والده، مثلما رأيته، منذ ان دخلتى حياته..
-حقا..!، كان دورها، لتسأل فى دهشة..
- نعم، وللحق منذ أخبرنى عن زواجه بكِ قبل ان ألتقيكِ، قلقت كثيرا، لكن منذ ان رأيتكِ، وقد دخلتى قلبى، وتمنيت ان تكونى بالفعل زوجته، ابتسمت مودة للسيدة الطيبة فى امتنان، هو بالفعل يحبكِ..
انتفضت مودة عند سماعها ذاك التصريح، يحبها..!

لقد شطحت نبيلة الطيبة كثيرا، معذورة بالطبع، فهى لا تعلم عن صفقتهما شيئا، وتوقعت بطيبتها، انه حب من النظرة الاولى، جعلهم يقدمون على الزواج بتلك السرعة، حب، كادت ان تنفجر ضاحكة، انه حب أعرج، من طرف واحد، طرفها هى، لكن هو، لا
فرجل الاعمال الذى يمثله، يحسب له دوما مقدار المكسب والخسارة، حتى فى علاقاته الانسانية..
وعلاقته بها، لا تزيد عن كونها صفقة ناجحة من وجهة نظره طبعا، وإلا ما كان اقدم عليها..

هى فقط المغفلة الوحيدة، فى تلك المساومة، لتدفع مشاعرها واحاسيسها، بل قلبها وروحها، ثمنا، مقابل حفنة من الجنيهات، التى تحتاجها لعلاج اخيها، ما كان يجب ان تفعل، لكن الامر كان خارج سيطرتها تماما، كانت تبحر كسفينة لا تعلم وجهتها
فى وسط اعاصير هادرة من مشاعر قدمها لها، اختبارها للمرة الاولى، فهل كان باستطاعتها النجاة..!

تناولت الصينية، وعليها بعض أطباق الطعام، وخرجت متوجهة اليه، شاردة، تتأكلها الافكار..
لكن فكرة واحدة فقط، هى التى استحوذت على مجامع تفكيرها، كيف يمكنها إقناعه، بإجراء الجراحة..
كيف يمكنها، ان تدفعه ليجازف، ويغامر، فى سبيل امل، فى الحياة، نعم الحياة للجميع..

ظلت لعدة أيام حبيسة فكرة واحدة، لا تغادر مخيلتها
كيف يمكنها ان تقنعه، بإجراء الجراحة، فى أسرع وقت ممكن، لقد خاصمها النوم لايام، مسهدة..
تفكر فى اى طريق، او وسيلة تبلغه بها، انها على علم بأمر الجراحة، وتحاول الضغط عليه، ليقبل بإجراءها، لكن كيف..!؟، ذاك السؤال الذى يحتاج بحق لإجابة عاجلة...

كالعادة تسللت من الفراش، فى هدوء حذّر، حتى لا توقظه، لتنزل للطابق السفلى، تعرج على غرفة اخيها، لتطمئن على احواله، لتجده يغط فى نوم عميق، فنستودعه الله، وتخرج للمطبخ، تحضر لها كوب من الشاى الساخن، وتتجه لغرفة المكتب..
حيث المكتبة التى تحتل الجزء الأكبر من مساحة تلك الغرفة، لعلها تجد كتاب او رواية، تدفن فيها افكارها.

وهواجسها، وتعيش ولو قليلا بعيد عن واقعها الذى يؤثر على أعصابها، وينهكها بمعنى الكلمة..
او ربما تجد بين طيات احد تلك الكتب، حل لتلك المعضلة التى تعيشها، وتنتشلها من حيرتها..
وتقدم لها الحل الذى تبحث عنه، وكان سببا فى أرقها
وسهادها..
بحثت بين أرفف الكتب، لتجدها مقسمة على أساس
نوعيتها، والعجيب ان تجد الجزء الأكبر، يتضمن
دواوين شعر..

وهل يقرأ، محسن ضرغام، الشعر ويتذوقه، انها حتى لا تتخيل ذلك، ربما كانت لأبيه، او ربما هى
موجودة، كنوع من ادعاء الثقافة، ورغبة فى ان تكون المكتبة شاملة لكل أفرع العلم والأدب، حتى ولم يُقرأ منهم ولا كتاب واحد..
وأخيرا وقعت يدها على رواية، فجذبتها لتبدأ فى مطالعتها، وهى ترتشف فنجان شايها الذى بدأ يبرد
قليلا..

اندمجت بسرعة فى الأحداث، حتى انها لم تنتبه لذاك الخيال البشرى الذى يقترب منها، الا عندما اصبح فوق رأسها، تقريبا..
-هل تركتينى وحيدا، لتطالعى الروايات..!؟، قالها هامسا بجوار أذنيها، فجعلها تجفل مذعورة، قاذفة الرواية وهى تصرخ..
فانفجر ضاحكا كالعادة، فهو يعرف انها تخاف، بل ترتعب بشدة، لكنه اندفع ليأخذها بين احضانه مهدئا إياها...
-لا ترتعبى انه انا، يا مودتى..

استكانت بين ذراعيه، وهى تلتقط انفاسها، من فرط رعبها..
-يوم ما، ستقتلنى ذعرا، قالتها، وهى ترفع رأسها لتطالع عينيه التى يغشاها النعاس..
-لا تقلقى، سأكون رحلت قبلها، قالها فى تسليم عجيب، وبنبرة لا تحمل أدنى إشارة لحزن، او رثاء للذات، ألهذه الدرجة، متصالح تماما مع فكرة الموت، وانه لابد راحل قريبا، وأصبح ذلك، حقيقة لا تقبل الشك، او حتى الجدل حولها..
جوابه ذلك، اشعرها بمدى صعوبة إقناعه..

وأكد لها ان المهمة، بالفعل، ستتطلب منها الكثير..
-أرجوك، لا أحب ان تأتى على ذكر ذاك الموضوع..
-أى موضوع، تقصدين رحيلى..!؟.
امتعضت لتكراره الكلمة، بمعنى أخر، ورفع هو حاجبيه تعجبا، لطلبها الغير مبرر..
فغيرت هى الموضوع، وهى تتسلل من بيد ذراعيه..
لتتجه لتلك الأرفف التى تعلوها، دواوين الشعر، لتسأل فى فضول: - لمن كل تلك الدواوين الشعرية..!؟

-انها لى، اجاب بثقة وهو يتقدم ليمرر كفه على تلك الكتيبات الصغيرة المتراصة، فى محبة، كانما يحيي صديق قديم، لم يزوره منذ أمد بعيد، فلقد استكانت
ملامحه، و طفقت على قسمات وجهه، تعبيرات..
كانت من الروعة، لتجعلها تقف مشدوهة أمامها..
ولا تتفوه بكلمة..
كان هو من قطع تلك اللحظات النادرة وهو يستطرد فى
نبرات دافئة: - انها رغبة سيطرت علىّ منذ أمد بعيد..

لكن لا أظن، –وصمت قليلا ربما لينتقى مفرداته هذه المرة –اعتقد ان لا وقت لتتحقق، وتصبح واقع..
-أى رغبة..!؟، سألت بفضول من جديد..
-أحب الشعر كثيرا، واحفظ قصائده عن ظهر قلب، وكنت أظن أننى، يوما ما سألقى قصيدة لأجل عينى المرأة التى ستخطف قلبى، وتكون جديرة به، وأنا أطلب يدها للزواج، لكن، كل هذا لم يتحقق، ولا اعتقد انه سيحدث..

سامحه الله، هكذا همست فى نفسها، وهى تتلقى طعنته بألم، حاولت مداراته قدر استطاعتها..
وحمدت الله، انه استدار ليجلس على احد المقاعد
مبتعدا عنها..
لكنها تمالكت نفسها، ووأدت حزنها، فى اعماق روحها، لتهتف فى عجلة، خوفا من التردد، وقد واتتها الفرصة أخيرا: - لكن، يمكنك تحقيق حلمك..
فدوما هناك فرصة ثانية، يمكنك أجراء الجراحة التى ترفضها، و..
لم يمهلها لتكمل حديثها، بل انتفض فى غضب..

تشعر بتشنج عضلات جسده من مكانها..
كانت تتوقع، ثورة، ورعد وبرق، يقصف هنا وهناك، لكن على العكس تماما، خالف توقعاتها..
وتقدم اليها حتى اصبح فى مواجهتها تماما، وهى قد تصلبت فى مكانها، لا تقوى حتى على التقهقر للخلف، بل كأن اقدامها ملتصقة للأرض، بنوع من الغراء الشديد الالتصاق، ليمسك ذراعيها، ويهزها فى قوة
متسائلا: - من أخبرك، بشأن الجراحة..!؟.

كادت تخطئ من فرط رهبتها، ورؤيتها له، يتحول من تلك الحالة الحالمة التى كان عليها، للحالة المرعبة التى تراه عليها الان، كادت بحق، يُزل لسانها، لتخبره بشأن منير، لكنها تذكرت وعدها له، فهتفت بسرعة بنبرة مرتجفة: - انه الطبيب، عندما كان يعاينك، منذ عدة أيام، أتى على ذكر تلك الجراحة..
-حسنا، دفعها بعيدا، وراح يجلس حيث كان، قابعا منذ دقائق، وكأن شئ لم يكن..

استجمعت شجاعتها، لتقترب منه، وتجلس عند قدميه فى ود، وهى تراه يضع رأسه مطأطأ بين كفيه، فتضع هى كفها على ركبته، تربت عليها فى حنو، وهى تهمس: - لما لست متحمس لتلك الجراحة..!؟
ليرفع رأسه متطلعا اليها، بنظرات نارية، قادرة على تحويلها، لهيكل متفحم فى ثوان..
لكنها سارت فى الطريق، ولا عودة الان، فإما الوصول لنهاية الدرب، او التيه..
روحها المقاتلة، تأبى الهزيمة امام نظراته المتوهجة..

فإما النصر، او الشهادة، فى سبيل هدفها، الحياة..
-أعتقد ان لا شأن لك بذلك الامر..!، نبرته الاستنكارية كانت كفيلة بجعلها تتراجع، لكنها تقدمت فى لامبالاة: - أنت مازلت شابا، لما تحكم على نفسك بالموت سلفا، قبل ان تفكر فى اجراء تلك الجراحة، انك لم تأخذ بالاسباب..
-لقد وطدت نفسى على قبول أمر الله، وانا راضٍ بقضاءه، ومتقبل له..

أخيرا بدأ فى الاسترسال فى الحديث ولو قليلا، هكذا فكرت وهى تستطرد: - لكنك لم تتوكل، انت لم تتقبل قضاء الله، بل استسلمت..

-بل رضيت، هتف فى حنق، وهو يقفزمبتعدا، ويستطرد فى غضب هادر، ولا طاقة لى، لأتشبث بأمل كاذب، ولا رغبة لى ايضا، فى مناقشة الموضوع معكِ، أو مع غيرك، ومعك انتِ بالخصوص، فمن أنتِ، لتأتى وتقولى، أفعل، ولا تفعل، انتِ هنا بصفة مؤقتة، أنت هنا، لا لتحاكمينى، وتعدلى من أفكارى، انت هنا فقط لاسعادى، وأرضاء رغباتى، ليس أكثر، ورجاءا، عليكُ الالتزام ببنود صفقتنا، والتى لم يكن من ضمن شروطها، ان تملى علىّ، كيفية التصرف، فى شأن من شؤونى الخاصة...

لم يكن هناك من الكلمات ما هو كاف، لوصف حالة مودة فى تلك اللحظات، انها الان مطعونة فى كرامتها، وكبرياءها يعانى حد الموت..
انها رخيصة لهذه الدرجة، هى مجرد امرأة متعة فى صورة زوجة..
انها بالنسبة له، ليست الا جسد لارضاء رغباته، فى إطار شرعى، وطرح جانبا، روحها وقلبها وعقلها..
ان روحها تأن الان، تحت وطأة ألم يسبق لها ان عايشته، تبكى كرامتها المهدرة، وكبرياءها الذليل..
وروحها التى تنزف، حد الاحتضار..

لم تقوى على النهوض، حيث كانت تجلس منذ لحظات تحت أقدامه فى ود، الان عرفت ان هذا هو مكانها الطبيعى، ان تظل دوما تحت أقدامه، ليس من العقل ان تتطلع، لتصبح يوما، كتفها بكتف بجواره..
ربما كان يقصد تلك الفاتنة التى كانت تحاول تقبيله فى حفل زفافهما، تلك التى كان يحلم، ان يعرض عليها الزواج، بقصيدة شعر، حفظها من اجل عينيها..
اما هى، فهى، مجرد دمية، لارضاء الرغبات..

اجهشت فى بكاء مرير، تفرغ به، كل تلك الحمم، التى اختزنتها بداخلها، تبكى، وتبكى، وكأن ليس للألم حد، وليس للدموع ان تجف، على ما ألت اليه حالها..
كان فى حجرته بالأعلى، يزرعها جيئة وذهابا، وهو
يزفر فى غضب هادر، يكاد ان يحطم، ما تطوله يديه، لكنه، لم يستطع التحكم فى نفسه اكثر، لينفجر
ضاربا الحائط فى ثورة، بقبضة يده التى كادت ان تتهشم من شدة الضربة، التى أوكلها كل حنقه، وضيفه، والاهم، ندمه..

ماذا فعلت أيها الاحمق..!؟، هكذا هتف موبخا نفسه
لقد قتلتها، دبحتها، والآن هى تنتحت بالأسفل..
على كلماتك التى كان، القتل بالنسبة لها اهون ألما منها، أحمق، كيف طاوعك لسانك، كيف هانت عليك، لتجرح روحها، وتذل كبرياءها بهذا الشكل
يا آلهى، ما من سبيل لاسترداد الكلمات بعد التفوه بها..!؟، لماذا لا نكبح جماح ألسنتنا، عندما تهم بجرح من يهمنا أمرهم، من يرغبون فى محبتنا بصدق..

ومن نحبهم، نحن بصدق، نعم نحبهم، بل نعشقهم
حد الالم، نعشقهم للحد الذى، يمكننا ان نجرحهم..
حتى لا يتعلقوا بِنَا، حتى نرحل، ونحن فى حل من ذنب أحزانهم، فى حل من ذنب قلوبهم، فى حل من ذنب أرواحهم التى سيقهرها الالم لفراقنا...

هى لا تدرى، باننى أتورط فيها، نعم أتورط فى عشق روحها، وأدمان وجودها، والتطلع لكل صباح جديد يحمل عبقها لانفاسى، فتوقظ فى مشاعر ظننت انها ماتت منذ أمد بعيد، لقد اكتشفتنى، كقارة عشق مفقودة، منذ آلاف العصور، فحطت على أرضى، ورفعت رايات عشقها لتحتلنى، حد الجنون..

انى لحق أتورط فيها، للحد الذى يوقظ الامل فى قلبى بأن أغامر، من أجل حياة، لا تعاش فى البعد عن ذراعيها، حياة، تمنيتها، لتأتى هى فتوقظ الرغبة فيها، فى الوقت الضائع..
لما انت ِ، ولما الان...!؟، أخذ يتسائل بعذاب.

أكاد أجن، وانا اعرف انها تبكى الان، ما جنته يداىّ، وهى بعيدة عن مواساتى، فأنا ما ان شعرت بعدم وجودها جوارى، جين تلمست موضعها من الفراش، الا وانتفضت بحثا عنها، لأعود بها، مرة أخرى، إلى احضانى، لتهدأ تلك النفس العليلة، ويشملها الرضا، وتكسوها السكينة من جديد، لكن بدل من ذلك...

قذفت بها إلى ابعد ما يكون، حيث لا يمكن استعادتها من جديد، حيث جرح الروح الذى لا يُشفى، ولا يمكن رتقه، وحيث مرارة الكبرياء الذليل، لا تذول، ونزيف الكرامة، الذى لا يطيب...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة