قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صغيرتي للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني ( اعتذار خاص )

رواية صغيرتي نوفيلا للكاتبة فاطمة حمدي كاملة

رواية صغيرتي نوفيلا للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني

( اعتذار خاص )

احتدت ملامح وجهه عُقب سماعه لصوتها الذي يبغضه بشدة، كما احتدت نبرة صوته وهو يرد عليها في جدية تامة:
- نعم؟ يعني إيه وحشتك؟!
أجابت نِهال بميوعة:
- عادي وحشتني.. سوري لو أزعجتك..

زفر أنفاسه بقوة بينما يردف بثبات:
- خير يا نهال عاوزة حاجة؟
تكلمت مرة أخرى بدلال:
- اتصلت أسلم عليك يا جو لأنك وحشتني كتير.. أسفة مش قصدي، قصدي إني بسلم عليك..
رد برسمية:
- شكرا على سؤالك يا نهال، أنتِ اخبارك ايه؟ كويسة وبخير الحمدلله؟
ابتسمت بهدوء مجيبة عليه:
- بخير، طالما سمعت صوتك..
جز على أسنانه بضيق بينما يقول بضجر:
- ماشي...

لاحظت نبرته المستاءة فأنجزت في حديثها معه، ثم أنهتهُ وأغلقت الخط وهي تزفر غاضبة من إسلوبه الغليظ معها، راحت تقضم أظافرها بغيظ بينما تهمهم بغضب ناري، ثم أجرت اتصالا عبر هاتفها وهي تهز ساقيها بغير رضى، ما إن آتاها صوت -خالتها- تهاني حتى أردفت بضيق:
- إزيك يا خالتو..
- الحمدلله يا حبيبتي، مالك في إيه؟
أعطتها تقريرًا بما يفعله إبنها معها، إسلوبه الحاد وكلامه المحدود معها، واختتمت جملتها وهي تقول:
- نفسي أعرف بيعاملني كدا ليه، ومريم فيها إيه زيادة عني!

لوت الأخيرة فمها بتهكمٍ وقالت:
- عملي علمك يا نهال، حتة بت مفعوصة لا راحت ولا جات مشقلبة كيانه، ربنا ياخدها عشان أرتاح منها..
وأمنت نهال على دُعائها حيث قالت:
- يارب يا خالتو يارب، خالتو ينفع أجي أبات عندكم كام يوم، أنا إستأذنت من ماما ووافقت..
تهاني وقد رحبت بها بشدة:
- طبعا يا حياتي تنوري وتشرفي يا قلبي وأهو بالمرة تقربي من يوسف كدا ويمكن تلفتي نظره شوية..
افتر ثغرها بابتسامة متحمسة وهي تخبرها:
- هجهز نفسي حالا.. ثانكس خالتو..

ترجل - يوسف- من سيارته أمام مقر شركة والده -همام- ليعبر الطريق بخطواتٍ متزنة ويصل إلى الداخل ثم إلى المصعد وإلى مكتب والده، ولج بهدوء وألقى عليه سلاما خاصا بمزاحه المعتاد معه؛
- صباح القشطة يا حاج همام...
كبح همام غيظه منه وهو يرد عليه بعصبية:
- كام مرة أقولك بلاش شغل التكاتك دا يا يوسف بيه، في بيه محترم زيك كدا يقول لأبوه يا حاج همام وكمان في مقر عمله؟!

قهقه يوسف قائلًا بلا مبالاة من بين ضحكاته:
- وإيه المشكلة ياعم، خليك رويح مش كدا..!
عض شفته السفلى بينما يتمتم بغضب مصطنع:
- عم؟.. رويح؟ .. عليه العوض فيك يا إبني!
يوسف في مرح؛
- ما هو أنا مبحبش شغل ولاد الزوات دا، اللي هو ميرسي وهالوه وبليز والجو دا بيخنقني، خليك إبن بلد وفريش، كفاية الحاجة عليا مش هتبقى أنت وهي!

ضحك همام بخفوت وراح يضرب كفا بكف قائلًا:
- إبن بلد حضرتك يعني..
يوسف مؤكدًا:
- بالظبط..
تنهد همام قائلًا بحزم:
- طيب، قولي بقى يا سيدي وصلت مريم على طول ولا إتلكعت؟!
- فوريرة..

قال كلمته بسرعة وهو ينظر إلى بعض الملفات أمامه فوق سطح المكتب، بينما استطرد همام بنبرة ذات معنى:
- مريم دي بنت الغالي، أنا عارف إنك بتحبها وعشان كدا مش قلقان طول ما هي تحت عنيك، وعارف طبعا إنك محافظ عليها وحاططها جوا عنيك مش كدا ولا إيييه؟
يوسف وقد تحدث بعتاب:
- شامم ريحة تلميحات مش اللي هي، عاوزك تطمن على الأخر وتشد حيلك كدا مع الحاجة أم يوسف وتحاول تقنعها توافق، مع إن أنا ممكن أكتب عليها وأحطها قدام الأمر الواقع أصلا..

رفض همام بقوله:
- يعني تكتب من هنا وهي تمشي من هنا والبيت يخرب؟ ما هي كل شوية تهددنا بإنها هتمشي وأنا مش هقدر أستغنى عنها بصراحة برضوه يعني..
غمز يوسف له وقد ضحك مقهقها:
- قشطة.. الله يسهلووو، خليني أنا متعذب كدا عشانك أنت والحُب..
ليقول همام بضحكة خفيفة:
- إتأدب يا ولد وقوم شوف شغلك كفاية كدا هتضيع لي نفوخي يا إن تهاني...

يوسف غامزًا:
- قصدك إبن الحُب...
- مامااااا وحشتيني أووي..
أردفت " يُسر" بتلك الكلمات وهي تقبل وجنة والدتها بنعومة ورقة، بينما قالت تهاني بحزم هادئ:
- وأنتِ كمان يا يُسر، يلا حبيبتي إطلعي غيري هدومك وإجهزي عشان الغدا وكمان نهال جاية تتغدى معانا وهتقعد معانا كام يوم..

اِفتر ثغرها عن ابتسامة هادئة وهي تقول مُرحبة بذلك:
- ياه طب كويس دي وحشاني أوي، هو يوسف لسه مجاش من الشغل ولا مريم من الجامعة؟!
امتعض وجه تهاني ما إن سمعت إسمها الذي تبغضه لترد عليها متهكمة في قولها:
- لا لسه، يلا من فضلك إطلعي أوضتك بقى..

استدارت يُسر ذاهبة إلى الدرج وصعدت بهدوء حزين لمعاملة والدتها الحادة أحيانا معها، وصلت إلى غرفتها ودخلت ثم ألقت حقيبتها على فراشها الصغير، ثم راحت تقف أمام المرآة تخلع عنها حجابها الذي تُحبه بشدة والذي ارتدتهُ بعد محاولات عديدة مع والدتها فهي ترى أنها بذاك تخفي جمالها وتنكمش أيضًا على ذاتها..
لكن يُسر وجدت فيه راحتها النفسية وأصرت على ارتدائه خاصة بتشجيع شقيقها -يوسف- الدائم لها..

ما إن خلعت عن رأسها الحجاب راحت تُمشط شعرها الحريري لينجرف بنعومة فوق ظهرها، فتبتسم برضى وهي تتأمل ملامحها الهادئة المُريحة... ثم تهمس لنفسها:
- الخطوة الجاية هتبقى الخِمار، بس يارب ماما مش تقتلني!

 

مر نصف اليوم...

وقفت فاتحة ذراعيها والابتسامة تغزو شفتيها الورديتين بسعادة عارمة تحت حبات المطر التي راحت تساقطت لتوها من السحاب بغزارة، جو رائع تُحبذه هي، رائحة الشتاء تخترق أنفها وهي عاشقةً لها بشدة، قفزت وضحكاتها تعلو بصحبة صديقاتها الجُدد اللاتي تعرفت عليهن اليوم فقط، وشاركوها لحظاتها المجنونة وقد غفلن عن هذا التجمع من الشباب الذين يحدقون فيهن باستمتاعٍ ونظراتهم تتجول بحُرية عليهن..

صوت فرملة السيارة أوقفتها ويبدو أنها أخافتها ويبدو أيضًا أنها نسّت مجيء يوسف إليها وأنها تنتظره!
ترجل يوسف من سيارته وقد وهجت عيناه بحدة عارمة وهو يرى ملابسها المبللة التي أظهرت مفاتنها إثر التصاقها بجسدها، بينما صر على أسنانه حين شاهد منظر الشباب المتجمع أمامهن، غير أنه كان يستمع إلى ضحكاتها العالية، عَلمت أنه وصل إلى قمة غضبه من أفعالها الطائشة، بادرت هي وركضت نحوه بعد أن ودعت صديقاتها سريعًا، وصلت إليه وهي ترتجف لا تعلم من شدة البرد أم خوفها منه!

وبدون أن ينطق استقل السيارة فدخلت خلفه وجلست ثم راحت تنظر إليه بصمت، قاد سيارته وهو يغلق عيناه محاولًا ضبط أعصابه الهائجة جراء ما شاهدهُ منذ قليل، عضت مريم على شفتها وبالكاد خرج صوتها مرتجفًا:
- يوسف..
كان حاد للغاية في رده حين أشار لها بكفه قائلًا:
- ولا كلمة ومتنطقيش إسمي خالص..
شعرت بحجم خطئها وهو قد حذرها من قبل وألقى عليها التعليمات فهو يعلم جيدًا أنها طائشة وعفوية تفعل ما يخطر ببالها دون اهتمام بمن حولها، لابد من عقاب حتى لا تفعل مرة أخرى!

وضعت يدها على ساقه وهي تقول باستعطاف:
- يوسف بليز متزعلش مني، أرجوك يا يوسف أنا آسفة، والله ما كنت أعرف إن فيه شباب بتتفرج علينا أنت عارف إني بحب المطر...
قاطعها بعصبية مفرطة:
- شيلي إيدك من عليا..
رفعت يدها على الفور وقد انتفضت من صوته في مكانها وأصدرت شهقة خافتة، فأكمل يوسف وهو يتابع الطريق بتجهم؛
- واقفة والناس بتاكلك أكل بعنيها وبتتأسفي؟ هو فيه حد يعمل كدا إلا إذا كان مش متربي؟! بتحبي المطر تقومي تعملي كدا؟ وضحكتك العالية دي برضوه عشان بتحبي المطر ولا قلة أدب؟ اللي حصل دا مش هيعدي بالساهل يا مريم، أنتِ غلطتي واتحملي نتيجة غلطك..!

انفجرت في بكاءً ناعمًا مائلا للدلالِ، بينما تقول بصوت متحشرج:
- طيب أنا غلطت وآسفة.. آسفة.. آسفة مش هعمل كدا تاني أوعدك يا يوسف أوعدك يا حبيبي..
للحظة كاد يضحك بشدة على إسلوبها الذي يروق له ويهون عليه أعظم مشاكله، لكنه لم يفعل وبقيّ متجهما الملامح في حين قال بغضب:
- أسفك مش مقبول.. مش مقبول أبدًا، مالكيش كلام معايا من اللحظة دي، لمدة شهر على الأقل..
اتسعت عيناها بصدمة، يُخاصمها شهر! هل جن هذا؟!

شهرًا كاملًا أيها القاسِ!
حركت رأسها بعنف رافضة بشدة لما يقول، ثم أردفت بصياح ؛
- لا مش هتخاصمني يا يوسف أنت فاهم، قلت لك أنا أسفة، أنت إيه يا أخي معندكش رحمة!
للمرة الثانية كاد يضحك رغما عنه، لكنه حافظ على جموده القاسِ ليقول بصرامة:
- وطي صوتك دا واحترمي نفسك يا مريم، خلاص أنا قلت شهر عشان تحرمي تعملي كدا تاني..

انسابت عبراتها وقد هتفت:
- حرمت والله حرمت..
حرك رأسه مصرًا على عقابه:
- شهر يعني شهر!
صمتت لعدة ثوانِ وكأنها تفكر في شيء ما، وبالفعل هتفت بجنون كعادتها:
- هموت نفسي، والله هموت نفسي..
وهو تخيل أنه تهديد ساذج منها فلم يعقب وابتسم متهكما، ليتفاجئ بها تفتح باب السيارة عازمة على القفز منها!

فصرخ بها وهو يضغط بقدمه على الفرامل ماسكا بها من ذارعها لينقذها على آخر لحظة...
تلك المجنونة كانت ستفقد حياتها بالفعل، بينما أخذ يوسف يلتقط أنفاسه بصعوبة وهو يضغط على ذراعها بقوة ألمتها، فما كان منها إلا أن ألقت نفسها داخل أحضانه هامسة بصوت متقطع اثر بكاؤها:
- أنا أسفة أسفة عشان خاطري أسفة...
ضمها بنفاد صبر إليه وهو يصر على أسنانه غيظا منها، ماذا يفعل وهو يعشقها أيضًا حد الجنون؟
سيسامحها مؤكدًا...

ويُقبل جبينها هكذا... ويمسح على شعرها هكذا !
لكن لا مانع بأن يُعنفها بقسوة هكذا أيضًا:
- في حد يعمل كدا؟ إيه شغل الجنان دا؟!
نظرت إلى عينيه اللتين تأسراناها وهي تهمس بصوت مبحوح:
- أسفة...
تلك المرة ضحك ولم يعد قادرًا على كبح الضحكة أكثر من ذلك، ليقول وهو يقرص وجنتها بغيظ:
- تصدقي كرهتيني في الآسف واللي بيتأسفوا، لو قلتِ الكلمة دي تاني! ... مش عارف أعمل فيكِ إيه! يا آخرة صبري...
تنفست بارتياح.. فها قد نالت رضاه ويبدو أنه عفى عنها، أخيرًا ضحك حبيبها ونظر إلى عينيها وما أجملها ضحكة ونظرة!

- مريم بجد لو شفت المنظر اللي شفته النهاردة دا تاني والله والله ساعتها مش هكلمك تاني ومش هيبقى شهر بس دا هيبقى العمر كله!
أخبرها بجدية شديدة، فاعتدلت وهي توعده بصدق وابتسامة كبيرة رُسمت على ثغرها:
- والله ما هعمل كدا تاني أبدا، سامحتني بقى؟
أومأ برأسه إيجابا وهو يقول متنهدًا:
- مسامحك يا تاعبة قلبي ومدوباني فيكِ، ثم مازحها بقوله:
- ومبللاني بهدومك! يا مجنونة غرقتيني..

ضحكت برقة وهي تمسك يده وتحتضنها وتهمس:
- ما تيجي ننزل نجري تحت المطر..
نظر لها بتحذير:
- تاني! جري تاني
قالت بخوف؛
- لا ما أنت معايا يعني، خلاص خلاص أسفة
- مش قلت لك متقوليش أسفة تاني!؟
- معلش..
- ولا معلش!
- حقك عليا..
- بحبك...
فاجئها بكلمته الأخيرة فتوردت خجلًا وهي تبتسم بصفاء قائلة بارتباك:
- أنا جعانة..
ذُهلت ملامحه وظل محدقا بها قبل أن يهتف ضاحكا وهو يقود سيارته مرة أخرى:
- الله على رومانسيتك يا روما.. بقولك إيه محرومة من الأكل لمدة شهر!

بعد مرور الوقت..

قد وصلا معا إلى الفيلا، ما إن رأتهما يُسر حتى ركضت باشتياق إليهما فهي تعشق شقيقها بشدة كما تعشق مريم أيضًا وتعتبرة أختا لها..
فتح يوسف ذراعاه لها بابتسامة حانية فعانقها بمحبة أخوية بينما تعلقت بعنفه وهي تقول:
- وحشتني يا جو
ابتعدت عنه قليلًا فقال ؛
- وانتِ كمان يا حبيبتي، أخبار الثانوية العامة إيه يا جميل؟
أجابته سريعا؛
- كله تمام، ماتقلقش، ثم التفتت إلى مريم وصافحتها ثم قبلتها بحنانها المعهود قائلة:
- إيه دا أنتوا مشيتوا تحت المطر ولا إيه..

أومأت مريم برأسها وهي تنظر إلى يوسف بحذر مع قولها:
- لا دي حكاية طويلة عريضة هبقى أحكيلك عليها بعد ما أكُل لحسن جعانة مووووت..
ضحكت يُسر وهي تقول بهمس حذر:
- النهاردة فيه أحلى غدا، أصل نهال هنااا وماما عاملة وليمة..
انكمشت ملامح مريم فورًا وهي تقول بغيرة قاتلة:
- أنا بكره البت دي أووووي..
وما إن أنهت جملتها حتى آتاها صوت الأخيرة وهي تهتف بحدة شرسة:
- وأنا كمان بكرهكككك أووووي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة