قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية صراع السلطة والكبرياء (الدهاشنة 2) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي والعشرون

رواية صراع السلطة والكبرياء (الدهاشنة 2) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي والعشرون

رواية صراع السلطة والكبرياء (الدهاشنة 2) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي والعشرون

انقضى ليل تسنيم دون رغبة منها بالنوم، فكيف ستحظى به وآسرها يشغل تفكيرها الهائم، مازالت لم تستوعب بأنه تقدم لخطبتها، حديثه المرح مازال يلاحقها، فكلما يأتي على بالها تبتسم دون توقف، فحبست ذاتها بغرفتها حتى لا يراها أحد بتلك الحالة الجنونية، ساعات مطولة قضتها على الفراش تتقلب من جانبٍ للأخر، فانتبهت لرنين هاتفها جذبت تسنيم الهاتف ثم رفعته لآذنيها فاستمعت لصوت حور حزين:.

أنا اسفة اني مردتش على مكالمتك امبارح، والله انشغلت مع رؤى طول الليل...
أجابتها باهتمامٍ:
سيبك، المهم طمنيني في أيه، صوتك غريب
=أبداً، رؤى تعبت امبارح شوية، فكنت جنبها أنا وتالين طول الليل
طب هي دلوقتي أحسن؟
=ايوه، المهم قوليلي عملتي ايه في العريس المنيل ده..
اسكتي مش هتصدقي اللي حصل، عارفة العريس ده طلع مين؟
=مين؟
بشمهندس آسر...

وبفرحةٍ كبيرة قصت تسنيم لرفيقتها ما حدث بالأمس، سعادتها برؤياه، حديثهما المتبادل فيما بينهما وأخر ما شغل ذهنها أن خالها الملعون يسترق السمع اليها، فزادت ابتسامته اللعينة حينما علم بمعرفتها السابقة به...

ساعة كاملة مرت منذ فقدانها للوعي، ومازال يجلس لجوارها معارضاً لنظرات أبيه الحادة التي تأمره بالعودة لشقة الشباب، فيكفي جلوسه هو وأبيها لجوارها، تفهم خالد سبب انزعاج سليم من وجود بدر، فهو الادرى بطباعه الشرقية جيداً، ولكنه لا ينكر فرحته برؤية حب ابنته يكسو قلب رجلاً مثله، ليته كان اختيارها منذ البداية، لما وصلت لتلك المرحلة القاسية، نهض خالد عن مقعده ثم أشار لسليم قائلاً:
تعالى يا سليم عايزك..

أومأ له برأسه، فاتبعه للشرفة الخارجية، ليمنح خالد بدر نظرة فهم مغزاها وخاصة بإبعاد ابيه عنه، فما أن تأكد بابتعادهما حتى أسرع ليجلس على المقعد القريب منها، فمسك يدها وهو يهمس لها بصوتٍ منخفض:
رؤى...
فور سماعها لصوته انهمرت الدمعات من حدقتيها، لتغرق وجهها الشاحب، فقرب أطراف اصابعه منها ليزيحها عنها، ثم قال بحزنٍ:.

لو فكرتي في الانتحار تاني هعاقبك وعقوبتي المرادي مش هتبقي تجاهلك لا هتبقى اصعب من الاول...
فتحت عينيها على مهلٍ، لتتطلع له بانكسارٍ، وبصوتٍ شحبت احباله، قالت:
أنا عايزاك تجبلي حقي يا بدر ، عايزة انتقم منه وأقتله بأيدي...
مرر يديه على خصلات شعرها برفقٍ:
هيحصل، ومش بعيد يا رؤى، اطمني يا حبيبتي أنا جانبك ومش هسيبك، بس عايزك لحد ما ده يحصل تكوني قوية ومفيش حاجه تهزك..

أغلقت عينيها بقهرٍ، وتعابيرها تقص ما تجهل التعبير به:
مش قادرة ارفع عيني في عين بابا ولا حد منكم، انا اتفضحت يا بدر!
التاع قلبه ألماً ومع ذلك سيطر على انفعالاته بحرافيةٍ:
لو حقك مرجعش أبقى مستاهلكيش يا رؤى..
قاطعت تالين جلستهما، حينما دنت منها لتتساءل بفرحةٍ:
رؤى فاقت؟
اتسعت ابتسامتها حينما وجدتها استردت وعيها، فجلست جوارها من الناحية الأخرى، لتعاتبها ببكاءٍ:
كده تخضيني عليكي!.

استندت بجذعيها لتستقيم في جلستها، لتندس بأحضان شقيقتها بانهيارٍ، وجدت من يطيب جرحها بحنانٍ، فمد حبيبها يديه لها واحتضنتها شقيقتها، فما الذي ستحتاج اليه بعد الآن، العون أحياناً من الأقرباء يدفعك للمضي قدماً دون الحاجة لسماع أقوال زائفة من أناسٍ لا يعرفون الكثير عنك، فسرعان ما سينقلبون ضدك، ربما من كلمةٍ نقلت اليهم، وربما من صورة أو مقطع فيديو كهذا، ولكن بالنهايةٍ سيظل القريب هو من يعرفك أكثر منهما، فبالتأكيدٍ لن تغره مثل تلك الشائعات القاتلة!

حينما يبتعد الطفل عن أمه لوقتٍ طويل يشعر بالاضطراب حينما يراها مجدداً، فيخلق بداخله الف سؤال لا اجابة له، لماذا تركتني وابتعدت عني؟ ألم تعد تحبني مثل سابق عهدها لذا ابتعدت عني؟ هل ارتكبت خطأ لذا تخلت عني؟، الف هاجس يهاجمه فيصبح أسير للفكرة التي ستنتصر بداخله بالاخير، هكذا كان حال ماسة التي تشعر بالاستياءٍ لابتعاد ريم عنها لما يقرب العام والنصف، تركتها لتتابع مع طبيبها الخاص وودت لو تمكنت من السفر اليها ولكن هناك مسؤوليات منعتها كما منعت رواية من قبل، فاستكفت كلا منهما بمتابعه الاتصالات الهاتفية بهن للاطمئنان عليهم، ولكن قليل من الحنان والحب كفيل باستعادة ذكرياتها اللطيفة معها، لذا كان من السهل على ماسة تقبلها، فتناولت الطعام الذي قدمته لها ريم بهدوءٍ، وما ان انتهت منه حتى مسحت لها فمها بأصابعها وهي تردد بابتسامةٍ:.

الف هنا يا روح قلبي..
ابتسمت لها ماسة هي الاخرى، ثم قالت بطفوليةٍ:
هتأكلي منه حور؟
ضحكت على صفاء قلبها الذي مازالت تتصف به، فحتى بعد تدهور حالها الا انها مازالت تكن معزة خاصة لصديقتها القديمة، فاحتضنتها وهي تجيبها:
أول ما تاچي وأني هعملها الحلو كله..
اتسعت ابتسامتها، ثم قالت:
ماشي، أنا هطلع ليحيى بقا..
أشارت لها بحنانٍ:
اطلعي يا نور عيني، بس خلي بالك من السلم..
ضيقت عينيها بعدم فهم:
ليه؟

ارتبكت من اجابتها، ولكن سرعان ما قالت بابتسامةٍ هادئة:
عشان ما توقعيش وتتعوري، السلم اهنه واعر أوي.
هزت رأسها، ومن ثم صعدت للطابق الأول باحثة عنه في الغرفة التي قضوا ليلهم بها، ولكنها لم تجده فخرجت للبحث عنه بالخارج، سكنت عينيها الحائرة حينما لمحته يدنو من الدرج الجانبي، فأسرعت خلفه، لتتبعه للأعلى دون أن يشعر بها...

وصل يحيى للطابق الثاني من الثرايا، الذي أعده فهد للشباب بعد زواجهم، فغرفة كل شاب منهما تقبع بالطابق السفلي كغرفة آسر وغرفة يحيى التي قضى ليله بها أمس، أما الطابق العلوي فيحوي جناح خاص لكل شاب منهما بعد الزواج، ضرب قلبه عاصفة غزت قلبه فألمته حينما وقف أمام باب جناحه الخاص، وضع يديه على مقبض الباب وبداخله تردد كبير بفتحه، يتذكر أجمل أيام قضاها بصحبتها بذاك الجناح الذي شهد على عشقهما العتيق، تثاقلت انفاسه رويداً رويداً، وكأنه غير مستعد لمواجهةٍ قد تحطمه في وقتٍ تحتاج اليه معشوقته به، لذا أبعد يديه عن الجناح واستدار للعودة سريعاً، فتفاجئ بها تقف من خلفه، انفرجت شفتيه بصدمةٍ حينما رأها تقترب منه لتتساءل باستغرابٍ:.

يحيى بتعمل أيه هنا؟
أجابها على الفور وهو يجذبها بعيداً عن الأبواب المرصدة حتى بات بالقرب من الجناح الخاص بأحمد:
مفيش يا حبيبتي، يلا ننزل..
اتبعته حتى كادوا بالاقتراب من الدرج ومن ثم تركت يديه وبداخلها احساس قوي بأنها صعدت هنا من قبلٍ، فأسرع تجاهها وهو يسألها بقلقٍ:
مالك يا ماسة، في حاجة واجعاكي؟

لم تجيبه واستدارت للخلف حتى سُلطت نظراتها على ذاك الباب الذي جذبها بالتطلع اليه، وبالرغم من كثرة الابواب من حولها الا أن قدميها ساقتها نحوه، لتحرر بابه بيديها ومن ثم ولجت للداخل ويحيى يتابع ما يحدث بدهشةٍ، فأسرع من خلفها، ليجدها تقف أمام الحائط الذي يحمل صورتها بالفستان الأبيض جواره، انعرج حاجبيها بدهشةٍ، فرددت بتوترٍ:
ماسة عندها فستان ابيض!

وقف لجوارها بخوفٍ وهو يسترجع ارشادات الطبيب المعالج له، ومن أهمها الا تعرج لذكريات قد توقعها بمنطقة محظورة من عدم تذكرها، فقبض على معصمها وهو يخبرها بخوفٍ:
يالا ننزل يا ماسة..

وسحبها خلفه، فتركت يديه ثم ولجت لغرفة نومهما المجاورة لليفنج، فلم ترى عينيها سوى ذاك السرير الصغير المجاور للفراش، فاتجهت نحوه كالمغيبة، ففور ان لمسته يدها حتى رأت أمامها مرآة معاكسة لصورتها وهي ترتدي قميص قصيراً ابيض اللون وتمسد على بطنها المنتفخة وهي تردد بفرحةٍ:
قريب هتشرف الدنيا يا تيم، وهتشوف بابا يحيى بيحبك اد ايه؟
رفعت يدها عن السرير ثم تراجعت للخلف بذعرٍ، فأمسك بها يحيى وهو يسألها برعبٍ:.

مالك؟
وزعت نظراتها بينه وبين من رأتها فوجدتها اختفت تماماً، لعقت شفتيها بارتباكٍ فانحنت بجسدها تجاهه وهي تردد بصوتٍ مرتعش:
خرجني من هنا، أنا خايفة...
فور سماعه ما قالت، انحنى ليحملها بين ذراعيه ثم هبط بها لغرفته، فوضعها على الفراش ثم جذب كوب المياه ليسقيها، فما ان ارتشفته حتى احتضنته وهي تبكي بخوفٍ، فقال بلهفةٍ:
فيكي ايه يا حبيبتي، أتصل بالدكتور..

هزت رأسها بالنفي، فضمها لصدره لدقائق استكانت بها، فعاد ليسألها بمهارةٍ اكتسبها بالتعامل معها:
ماسة، ايه رأيك ننزل نشوف الحصان الابيض اللي كان عجبك..
ابتعدت عنه وهي تشير له برأسها بحماسٍ:
يلا..
دنا منها للغاية وهو يسألها بمكرٍ:
هننزل بس بشرط..
قوست شفتيها وهي تردف بضيقٍ:
ايه هو!
قال بلهفةٍ فشل بالسيطرة عليها:
تقوليلي ايه اللي شوفتيه فوق وخلاكي خايفة كده..
اطبقت بشفتيها بخوفٍ وهي تجيبه:.

شوفت ماسة واقفة فوق وبتقولي ان تيم هيجي...

عدم ترتيبها بقول ما تذكرته لم يعنيه، ولكن تردد اسم ابنه الراحل جعل الحزن يبتلعه فبات كالآسير الذي لا يعي بمن حوله، نعم اتفقوا سوياً بأن يمنحوه اسم تيم، فكم كان يحترق شوقاً للحظة وصوله، فتبدد ذاك الألم فور حادثها الذي دمرهما سوياً وثالثهما طفله الذي ولد ميتاً، وبعدها خسرها هي الأخرى، خذلت دمعته عينيه، فانهمرت لتصبح ملموسة على وجهه، ليفق بعد غفلته القصيرة على رجفة يدها الناعمة المتعلقة به، ليجدها تناديه ببكاءٍ:.

يحيى!
أزاح دمعته سريعاً وهو يجيبها بابتسامة جاهد لرسمها:
ايوه حبيبتي...
سألته بتأثرٍ:
انت بتعيط ليه ماسة قالت حاجة زعلتلك..
ابتسم وهو يضمها لصدره:
أبداً، أنا بس عيني بتوجعني..
ثم نهض عن الفراش ليشير لها:
يلا ننزل..
نهضت هي الاخرى ثم مسكت يديه لتلحق به للخارج، فتوقف يحيى حينما اوشك على هبوط الدرج ليسأل من يقترب منه بمرحٍ:
على فين يا عريس؟
ضحك آسر ساخراً:.

اوام كده خلتوني عريس، يا عم اهدى عليا انت والغجر التانين انا لسه على باب الله..
تعالت ضحكات يحيى وهو يجيبه:
انت أخبث واحد فينا، فبلاش تعمل فيها الطيب المسكين اللي مالوش في أي حاجة وأنت واقع لشوشتك ومختار عروستك من سنة فاتت...
راق له مدحه المستهزأ به، فغمز له بمكرٍ:
منك بنتعلم...
رد مستنكراً:
لا متلزقهاش فيا انت متعلم من الكبير من قبل ما تشرف الدنيا..
وماله الكبير يا ابن جاسم!

ارتعب كلاً منهما حينما استمعوا صوت فهد القريب منهما، فأشار له آسر على عنقه التي ستصبح ضحية لسانه المتطرف، استدار يحيى للخلف ثم قال بابتسامة هادئة:
كبيرنا وكبير الدهاشنة كلها، ده أنا بقوله يتعلم من حضرتك، وياخدك مثل أعلى...
ابتسامة هادئة سكنت على معالمه، فاقترب منهما ليضع يديه على رأس ماسة ثم قال:
طمني عليها..
كسى وجهه معالم الحزن المخبأة خلف ابتسامته:.

بخير الحمد لله، ماشين على العلاج اللي الدكتور كتبه لينا..
التفت ناحيته ثم قال بحنانٍ:
متيأسش يا ولدي، أنت طول عمرك صبور وبتتحمل..
رد عليه بعزيمةٍ:
لو هفضل العمر كده مش هيأس بس تبقى كويسة..

تطلع له آسر بحزنٍ، فكم أشفق على حاله كثيراً، نعم كان الامر بالبداية صعب للغاية، حينما رفضته ماسة واختارت يحيى بدالاً عنه ولكنه حينما هدأ اعجب بشجاعتها التي انهت تلك القصة قبل أن تبدأ، فماذا كان سيحدث له حينما ترفضه زوجته لاجل رجلاً أخر؟

ربما كانت ستصبح الامور أكثر صعوبة، ولكنها ان كانت صعبة بذاك الوقت فهي أفضل الف مرة مما سيحدث بعد ذلك، وها قد عوضه الله بمن دقت اجراس قلبه الاربعة لتمتلكه قلباً وقالباً...
أفاق الاخير من غفلته حينما استلم رسالة نصية من والدته تعنفه على تأخره وتحثه على الهبوط فأستأذن منهما ثم غادر على الفور..

العالم منفصل من حوله، ليس به سواه وسوى جرح يديه المصاب الذي يتأمل تلك الضمادة التي تركتها تذكاراً له، كره أحمد ذاته ألف مرة، وهو يراها حائرة في اختيار وجهتها، ما يشعر به تجاهها هو بالنهايةٍ ذنباً فاضح لا يقوي على تحمله، يخشى أن يعيد خطأ شقيقته، فحينها ستنتزع تلك العائلة نهائياً، وخاصة بأن شقيقته فعلتها مع إسر من قبل، فكيف سيعيد تلك الخطيئة مع روجينا مجدداً، فسيقال ابناء عمر لم يستطيع تربيتهم بالطريقة الصحيحة، فالفتاة كسرت قلب ابن عمها والفتى كسر قلب شقيقته، لا لن يسمح بذلك أبداً الا يكفي عمه فهد ما تعرض له ابنه، هل سيجعله يختبر ذاك الألم بابنته الوحيدة، لن تسمح له رجولته بذاك، بل عليه تقبل روجينا باخطائها مهما كلف الأمر، فبالنهاية هي صديقته المقربة، ولكن حتى تلك لم تعد كذلك، لم يعد يشعر بأنها تعتبره حتى صديقها، قطعت كل الروابط التي تجمعهما لتجعله حزيناً لا يقدر على اتخاذ القرار الصائب، انتبه أحمد على صوت باب الشقة، فخرج من غرفته ليجد بدر من أمامه، فأسرع إليه ليسأله بهدوءٍ:.

وصلتوا لحل؟
ارتمى بجسده الثقيل على الأريكة، ثم قال:
مفيش حل هيداوي اللي اتعرضت له رؤى يا احمد، يمكن لما أقتل الكلب ده بأيدي ارتاح..
جلس جواره ثم ربت بيديه على فخذيه:
هيحصل، الكبير مش هيسكت عن اللي حصل وهيرجعلها حقها، انا سمعت ابوك من شوية بيكلمه وقاله انه هيجي بكره هو وآسر عشان يشوفوا هيعملوا ايه..
تمرد غضباً:
محدش هيقتله غيري...
اومأ برأسه بتفهمٍ لحالته:
اهدى بس واللي انت عايزه هنعملوهولك..

هز رأسه بيأسٍ، فتعالت طرقات باب الشقة بقوةٍ أعلنت عن عصبية من بالخارج، فأشار له باستغرابٍ:
شوف مين اللي بيخبط كده!
نهض أحمد ليفتح الباب، فاندفعت نادين للداخل، لتقف مقابل ابنها وهي تردد بعصبيةٍ بالغة:
أنت ازاي تاخد القرار ده من غير ما تفكر فيه وتعرف رأينا انا وابوك ولا خلاص بقيت راجل وبتأخد قراراتك من دماغك..
نهض بدر ليقف مقابلها، ثم قال بهدوء تمنى التشبث به لاطول وقت ممكن:.

لان دي حياتي وتخصني لوحدي، أنا بحب رؤى ومستحيل هتخلى عنها أبداً..
اجابته باستهزاءٍ:
وكان فين الحب ده من سنين، انت بتضحك على روحك ولا عليا يا بدر؟
جز على أسنانه وهو يجيبها:
في حاجات بنكتمها جوانا ومش بالضرورة حد يكون عارفها.
رددت في صدمةٍ:
أنا حد يا بدر، انا أمك مفيش حد هيحبك ولا هيخاف عليك ادي...
ثم استكملت بغضبٍ:.

واللي حصل ده هتصلحه حالا، هتدخل وتتأسف لخالك وتقوله يدور على اللي عمل في بنته كده ويتجوزها..
صاح بعصبيةٍ:
قولتلك ده قراراي انا ومحدش هيتدخل فيه!
خرج سليم من غرفة آسر التي اختارها للاسترخاء بها قليلاً، ليتفاجئ بما يحدث بين ابنه وزوجته، فصاح بصوتٍ كالرعد:
الشنب اللي خط على وشك نساك كيف تحترم امك!
التقطت نظراته ابيه الذي يقف من خلفها، فوضع عينيه ارضاً وهو يردد بندمٍ:.

أسف يا بابا بس اللي هي بتقوله مستحيل هعمله انا مش عيل عشان اتراجع في قرار اخدته..
اندفعت نادين بحديثها المتعصب:
وانا مش ذنبي ان ابني يلم بواقي غيره، ابني يستحق واحدة تليق بيه..
صاح سليم بغضبٍ قاتل:
نادين، اقفلي خشمك والا وربي الكعبة ما هتلومي غير نفسك..
ثم أشار لاحمد بحزمٍ:
خد واد عمك وانزلوا اتمشوا تحت يا احمد..
هز رأسه باحترامٍ له:
زي ما تحب يا عمي..

وجذب بدر برفقٍ، فاتبعه للاسفل ومن ثم شيعها بنظرةٍ اخيرة قبل أن يغلق الباب ويلحق بأحمد، بينما اقترب سليم منها ليجذبها لتقابله بشراسةٍ:
أنتي جرى لمخك ايه، اتخبلتي اياك!
انهمرت دموعها وهي تجيبه ببكاءٍ:
انا عايزة افرح بعيالي يا سليم، أنا مش عايزاه يتجوز بالطريقة دي ده ابني الوحيد ومن حقي افرح بيه وباللي اختارها!
ارتخى غضبه فور رؤية دموعها، وسماع ما قالت، فضمها لصدره وهو يهدأها ومن ثم قال بسكينةٍ:.

اللي بتعمليه ده مش صح، هيخليكي تخسريه لم يحس انك بتعارضيه وبتعارضي حبه يا نادين.
ابتعدت عنه لتخبره بعندٍ:
مبيحبهاش هي صعبت عليه وعايز يستر عليها..
أشار لها بالنفي ثم قال:
ياريت كانت دي الحقيقة مكنتش هسكت، بس اني شوفت بعنيه اد ايه بيحبها، حتى البت تمسكها بيه بينلي انهم بيحبوا بعض صوح..
عادت لتبكي على صدره من جديدٍ، فمسد على ظهرها بحنانٍ وهو يستطرد:.

اني ما توقعتش انك تعملي كده يا نادين، خالد مهما كان اخوكي قبل ما يكون واد عمك، يعني بنته كيف روجينا و حور ترضي ليها الفضيحة؟
هزت رأسها بالنفي ومازال بكائها يهز جسدها عنفاً، فاردف بحنان:
جايز ده الخير لولدك وليها، بلاش انتي كمان تيجي عليها، انتي طول عمرك طيبة وقلبك ابيض ايه اللي حصلك بس..
ابتعدت عنه وهي تزيح دموعها باصابعها:
والله قلبي ابيض بس انت وابنك اللي سودته بعمايلكم السودة..

ضحك حتى برزت اسنانه، ليقربها اليه تلك المرة وهي يردد بعشقٍ:
مهما عملتي لسانك زي مهو كيف المبرد..
تعالت ضحكاتها التي نجح في ابدال حزنها لابتسامة رسمت على وجهها المجعد قليلاً، ليجعلها من معارضة لهذا الزواج لمأيدة وبشدةٍ، فتركته واتجهت لغرفة رؤى حتى تكون جوارها في تلك المحنة...

جلس بدر جوار أحمد على النيل المقابل للعمارة الخاصة بهما، فاحترم أحمد رغبة ابن عمه بعدم الحديث بذاك الوقت، فاكتفى بالجلوس لجواره وعدم تركه بمفرده، انكمشت تعابير أحمد الهادئة حينما رأى روجينا تهبط من احد السيارات، فردد بصوتٍ سمعه بدر:
روجينا!

التفت بدر تجاه ما يتأمل اليه أحمد، فالتهبت عينيه هو الاخر حينما رأها تهبط من سيارة شاب لم تكن ملامحه بارزة لبعده عنهما، فما أن غادرت السيارة حتى ولجت للعمارة فلحق بها أحمد راكضاً، ليوقفها قبل ان تدلف للمصعد، حينما ناداها بغضبٍ:
روجينا..
استدارت خلفها برهبةٍ، وجسدها يرتجف خوفاً من أن يكون رأها، وخاصة حينما واجهت عينيه الغاضبة، اقترب أحمد منها ثم غرز يديه بمعصمها ليسألها بعصبيةٍ شديدة:.

مين اللي كنتي راكبة معاه ده؟
هربت الكلمات عن شفتيها وخاصة حينما رأت بدر يلحق به هو الأخر، ليصيح بها هو الاخير:
ما تنطقي بدل ما وقسما بالله ارن لعمي يجي يشوف مين اللي انتي كنتي معاه ده!
فور ذكر بدر لابيها، اهتز جسدها رعباً، فقالت ببكاءٍ وهي تتطلع لاحمد الذي تستميله عاطفياً لرقة قلبه:.

والله دي اول مرة أعملها، ده زميلي في الجامعة لاقاني واقفة وانا وصاحبتي ومش لاقيين مواصلات فعرض علينا انه يوصلنا وهي نزلت قبلي بشوية، والله يا أحمد انسان محترم وفي حاله..
احتدت نبرة بدر باندفاعٍ:
ما اتصلتيش بأحمد ولا بيا ليه!، مفيش حد يتجرأ يعمل الحركة دي من البنات غيرك انا مش عارف انتي جنسك أيه، شكلك من عيشتك هنا نسيتي عاداتنا وتقاليدنا، عمي أو آسر يعرفهولك بقا..

وأخرج هاتفه حتى يتحدث مع أحداً منهما، فبكت وهي تتوسل لأحمد:
والله ما هعمل كده تاني، لو ملقتش موصلات هتصل بحد فيكم...
استثارت عاطفته، فجذب الهاتف من يد ابن عمه ثم قال بحدةٍ:
خلاص يا بدر، موقف وعدى ومش هتكرره..
منحه بدر نظرة قاتلة، قبل ان يتمتم بضيقٍ وهو يصعد للأعلى:
طول ما انت طيب معاها كده هتركبك وبكره تندم..
وتركه وصعد للاعلى بغضبٍ، فاشعلت كلماته غضبه، ليتطلع تجاهها ثم صاح:.

تصرفاتك دي بتقلل مني قبل ما بتقلل منك، مش عارف انا هستحمل اللي بتعمليه ده لحد امته، بس لو فقدت الصبر اللي عندي متتوقعيش مني غير الاصعب من آسر يا روجينا..
وتركها وصعد هو الأخر فالتقطت انفاسها بصعوبةٍ، وعدم تصديق بأن ما حدث قد مر أخيراً لا تعلم بأن الاصعب على الابواب وقادم ليدمرها!

أخرج هاتفه بمللٍ من ساعاتٍ التسوق الطويلة بصحبة والدته وجدته و نواره، فجلس بسيارته يعبث بهاتفه، فأخرج رقمها المدون بلائحة أسماء موظفيه بإرتباكٍ، فعلى الرغم من احتفاظه برقمها منذ اليوم الاول الذي بدأت العمل به الا انه لم يعتاد حديث النساء بالهاتف حتى وإن كان لأمراً خاص بالعمل، ولكنها الآن بمثابةٍ خطيبته، ومن الواجب المتبع ان يستأذنهما بشأن زيارة عائلته لهم، لذا حرر زر الإتصال وانتظر حتى استمع لصوتها:.

الو!
أغلق عينيه بابتسامةٍ مهلكة، يعلم بأنها لا تعلم بأنه المتصل، كونها لا تحمل رقمه، ولكن بتلك اللحظة شعرت به!، لا تعلم كيف ولكن نطق لسانها بدلاً عنها:
آسر!
فتح عينيه بدهشةٍ، فقد ضرب جسده أحاسيس مختلفة حينما تفوهت هي باسمه لثاني مرة ولكن تلك المرة بصوتٍ مسموع، تحرر صوته الرخيم من مرقده:
أيوه أنا يا تسنيم..
واستطرد بارتباكٍ:
كنت حابب أعرفك ان والدتي ومرتات عمي هيجولك النهاردة بليل إن شاء الله..

أجابته بتوترٍ ملموس:
طبعاً يشرفونا..
ثم قالت بترددٍ:
طب وأنت؟
ابتسم وهو يستشعر بارتباكها بتلك اللحظة، ليجيبها بعد فترة من الصمت الخبيث:
لو عايزاني أجي، هتلقيني عندك قبلهم..
أحمر وجهها خجلاً وانقطع صوتها عن رده، فضحك وهو يخبرها بمكرٍ:
هعتبر السكوت علامة الرضا وهجي، بس عشان خاطري بلاش قهوة تاني لحسن جو المكتب ده مش نافع معايا خالص المفروض اننا خطيب وخطيبته وجو الرومانسيات وكده، فهماني؟

ضحكت بصوتٍ طرب قلبه الولهان، فاتبعها قولها المؤكد:
حاضر...
ثم تابعت بحرجٍ لمتابعة الحديث معه:
لازم اقفل، سلام..
احترم رغبتها باحترام تلك الاصول المتبعة، فلم يرد احراجها لذا قال:
مع السلامة يا تسنيم...
وأغلق الهاتف على الفور والابتسامة مازالت مرسومة على وجهه..

بحث عنه حتى وجده يجلس بغرفته، فجلس لجواره وهو يحك رقبته بترددٍ بالحديث، فكسره أخيراً حينما قال:
أنا آسف يا أحمد، قولتلك كلام مينفعش اقوله.
أشار له أحمد بالجلوس، فجلس مقابله ليبدأ أحمد بالحديث:
مزعلتش منك يا بدر، بس أنت المفروض عارف بنات عيلتنا على ايه؟
رد عليه بثباتٍ:
مفيش الكلام ده يا أحمد أي بنت لو لقت الدنيا سايبة قدامها هتقع في الغلط حتى لو كانت بنت امام جامع..
استدار بجسده تجاهه، ثم قال:.

قصدك أيه؟
أجابه بهدوءٍ:
أقصد ان مفيش شد على روجينا وده مش كويس لا ليها ولا ليك فيما بعد، انا خايف تقع في غلط اكبر من انه يتغفر بسبب تساهلكم ده..
ابتسم ساخراً:
وتفتكر رؤى موقعتش في الغلط اللي ميتغفرش ده..
تحكم بأعصابه جيداً قبل أن يجيبه بهدوء مخادع:.

أنا مش بدافع عن اللي هي عملته ولا بقول انها صح ١٠٠في المية ولكن اللي حصلها ده يمكن نتيجة التساهل ودلع الاب اللي خلاها تفتكر نفسها انها من أمريكا، وسهل تبقى واحدة منهم وللاسف انا معنديش لسه السلطة اللي تخليني اعرفها الصح من الغلط، يمكن أملك الحق ده لما تبقى في بيتي، لكن روجينا يا احمد احنا اهلها واحنا المفروض اللي نعلمها الصح من الغلط لانها من صلبنا وفي وشنا احنا..

استطاع بمقارنته البسيطة ان يضعه في الصورة، فقال بتقبلٍ:
عندك حق، أنا مش عارف أيه اللي غيرها بالشكل ده، وكل ما بحاول اقرب منها بتبعد، بس هحاول مرة تانية..
ربت بيديه على قدميه بابتسامة هادئة، ثم قال:
طب يلا عشان نلحق العصر جماعة..
نهض أحمد ليشير اليه بعدما تطلع لساعته:
يلا..

تعالت صيحاتها المرحة حينما صعدت خلفه على ظهر الفرس، فتشبثت به ماسة وهي تردد بفرحةٍ:
خليه يجري يا يحيى زي حصان طارق..
تعالت ضحكات طارق المتعجرفة:
أبيه يحيى مببعرفش يركب خيل زيي..
منحه يحيى نظرة محذرة، فكبت ضحكاته بخوفٍ، بينما ذمت ماسة شفتيها وهي تشير له بضيقٍ:
هسيبك وأنزل اركب لوحدي لو مكسبتش طارق الوحش ده يا يحيى..
ابتسم وهو يهمس لها بصوته الحنون:.

عشان اكسبه لازم ماسة تنزل، لاني خايف تقع من على الخيل وتنجرح..
استطاع بلباقته أن يقنعها فأشارت له بان ينزلها قائلة:
هنزل واكسبه..
وبالفعل هبطت ماسة فازدادت سرعة يحيى، ليتغلب سريعاً على طارق الذي امتعنت معالمه حينما رأى اخيه يكسبه للمرة التي فشل بعدها، وما زاده غيظاً، لسان ماسة باشارة مرحة له بانه الخاسر..

عاد آسر للثرايا اخيراً بعد ان انتهى من رحلة التسوق النسائية الشاقة، فتمدد على الاريكةٍ ثم وضع رأسه على قدم جدته ليشير لها بابتسامته الجذابة:
تدليك لفروة الراس بعد المشوار الطحن ده يا هدهد، لحسن مرات ابنك طلعت عنيا النهاردة..
لكزته برفقٍ:
على قلبك زي العسل يا بكاش، مدام الحاجة تخص الحبايب...
دنا منها بمكرٍ:
مهو ده اللي سكتني عليهم، بالك انتي لو حاجة تانية كنت خلعت..

تعالت ضحكاتها على حفيدها الماكر، فمسدت بيدها على خصلات شعره بزيت الزيتون، ليغلق عينيه باسترخاء، انقطع حينما استمع لصوت رسائل هاتفه، فنهض عن مجلسه ثم جذبه عن الطاولة، ليفتح محتوى الرسائل المرسلة، قرأ تلك الرسالة المطولة، لتنقلب معالم سعادته لدهشةٍ عظيمة مما قرأه، فانقبض قلب هنية وهي ترى ملامحه الغاضبة التي تعد غير مبشرة بالمرة، خاصة غضب آسر المهلك، فتساءلت بخوف:
في أيه يا ولدي؟

ابعد عنه الهاتف وهو يهم بالخروج:
مفيش يا ستي دي مشكلة بسيطة في الشغل..
وما ان خرج حتى اعاد طلب الرقم عدة مرات بغضبٍ جامح، فما ان وجده مغلقاً حتى ردد بصوتٍ كالجحيم:
وقسماً بالله لاوريك يا ابن ال...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة