قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية صراع السلطة والكبرياء (الدهاشنة 2) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع عشر

رواية صراع السلطة والكبرياء (الدهاشنة 2) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع عشر

رواية صراع السلطة والكبرياء (الدهاشنة 2) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع عشر

كسفينةٍ صغيرة خاب شراعها القوي بين أمواج البحر العتية، فباتت تائهة بين زورقة المياه المتشابهة، وبعد عناء منها أخيراً وجدت شراعها وبوصلة توجه سفينتها الضائعة، فإطمئن قلبها أماناً لما سيعاونها على النجاة، ذاك الشعور نفسه سيطر على تسنيم حينما التقت حدقتيها بعينيه المحببة لقلبها وعاطفتها، فشعرت وكأن من حولها مجرد غبار يتلاشى من حولها، لتبقى روحها منفردة بلقاءٍ جمعها بنفسه وروحه وعقله، ذاك الآسر سيقودها للجنون حتماً، فبات عقلها متحير لما يغلفها من أماناً بوجوده هو، لا تعلم ما الذي تريده بالتحديدٍ، ولكنها ترغب بوجوده لوجوارها بأي طريقة يختارها هو، واختار هو الأفضل لها، اختارها زوجة له، حبيبة، سُكنة لقلبه وشريكة لروحه التي ستجمعه بها، لم يقاوم آسر سحر تلك البسمة المرسومة على شفتيها، حتى نظاراتها أهلكته، فود لو اقترب منها ليستطيع تأملها بدقةٍ وربما يسترق السمع لما تهمس بها شفتيها، تعلقت عينيه بها لثوانٍ استطاع أن يفهم ما تلفظ به شفتيها، نعم تنطق بألف والسين والراء تلحق بهما، مهلاً مهلاً تنطق بأسمه هو:.

آسر...
تمنى لو رفعت صوتها الهامس عله يؤكد ظنونه بما تلفظه، عادت تسنيم لواقعها حينما أشار لها فهد قائلاً:
اقعدي يا بنتي، واقفة ليه؟

صوته الخشن أعادها لواقعها الذي يبدأ من تلك الغرفة وأمام تلك الطاولة، تحركت تسنيم بجسدها للخلف حتى استقر جلوسها على المقعد القريب منه، فبذلت ما بوسعها الا تتطلع تجاه، ولكن خانتها عينيها وكأنها لا تنتمي اليها، كالمسافرة التي حنت للقاء من هاجرته، حتى آذنيها كانت منعازلة عن الجميع، تسمع همس أصوات متمتمة ولكنها لا تفهه ما يقولون، الا حينما وقف الجميع ليتركوهما بالغرفة بمفردهما، أفشت شفتيه عن ابتسامة هادئة اتباعها قوله:.

قوليلي أيه اللي حور مقالتهوش ليكي عني!
ارتبكت قليلاً مما قال، فأدعت انشغالها بضبط حجابها، ثم قالت بتوترٍ:
حور مكنتش بتتكلم عنك كتير..
ثم رفعت عينيها تجاهه لتسترسل بصوتٍ رقيق:
بس الفترة اللي اشتغلتها مع حضرتك تكفي اني اعرفك وأعرف اخلاقك..
ازدادت ابتسامة آسر فنهض عن مقعده ثم أختار المقعد المقابل لها مع حفظ مسافة آمنة لا تعرضه للحرج من أهل المنزل:
سهلتي عليا مهمتي، وأعتقد كده مفيش وجه اختلاف بينا..

رفعت حاجبها بدهشةٍ:
مش فاهمه!
قرص ارنفة انفه بخفةٍ وهو يخبرها بوضوحٍ:
يعني أنتي تعرفي عني كل خير، وأنا اللي اختارتك وده لانك بالنسبالي البنت المناسبة ليا، فكده مفيش داعي ناخد وقت نفكر في بعض، الفاصل هي فترة الخطوبة عشان تقدري تعاشريني وتعرفي العيوب اللي مقدرتيش تشوفيها كسكرتيرة ولا أيه يا ريس؟
ضحكت رغماً عنها حينما تعمد ان يذكرها بكنايتها الغامضة، فقالت بصعوبةٍ بالحديث:
كلامك مظبوط يا بشمهندس آسر..

مازجها قائلاً:
هو إحنا في مقابلة شغل يا تسنيم، شوية وهلاقيكي داخلة عليا بفنجان قهوة محوج!.
كتمت ضحكاتها بيدها وكأنها حرمته رؤية جمال وجهها حينما تبتسم، فاعتدل بجلسته ثم تنحنح بجديةٍ مصطنعة:
ها تحبي تعرفي أيه عني، دي فرصتك عشان بعد كده مش هجاوبك على أي حاجة هسيبك تكتشفيني بنفسك..

خفق قلبها سريعاً حينما أضافها لمجلد حياته الاساسي، تلميحاته بأنه سيكون هناك علاقة تجمعهما أربكها، فركت اصابعها بابتسامةٍ صغيرة وعينيه لا تفارق الارض حينما وجدته يتأملها بنظراتٍ تخللت بداخلها، طرقات باب الغرفة، جعلتهما يستدورا سوياً، فما كانت سوى والدتها توزع نظراتها بينهما بسعادة لذاك الرضا والتقبل النابع على وجه ابنتها، فماذا تريد أكثر من ذلك؟، ابنتها ستصبح فرداً هام من عائلة الدهاشنة المعروفة، وضعت الصينية عن يدها ثم خرجت على الفور، فانتقلت نظراتهم تجاه الصينية، ثم تعالت ضحكاتهما معاً، فقرب آسر كوب القهوة منه وهو يشير لها بمرحٍ:.

مش قولتلك!
احمر وجهها من فرط ضحكاتها، فتاه آسر بها حتى تناسى تماما ما يحمله بيديه، فأنسكب بعضا من القهوة على قميصه، نهضت تسنيم لتجذب المناديل الورقية المصفوفة على حافة الطاولة، ثم سحبت منها منديل لتقدمه له قائلة:
اتفضل..

أنفض بيديه العالق بقميصه، ثم رفع يديه ليتناوله منها وعينيه منشغلة بقميصه المتسخ، فقبض بيديه على كفة يدها الصغيرة رغماً عنه، ارتجفت اصابعها بين يديه فشعر وكأنه يحمل قالب من الجيلي المتحرك، فرفع عينيه تلقائياً تجاهها ليجدها تتأمله بنظراتٍ مرتعشة، ومن ثم سحبت يدها من يديه بعنفٍ مبالغ به، تعجب آسر مما حدث اليها حينما تلامست يديهما معاً بدون قصداً منه، ولكنه لم يعلق فمن الطبيعي لفتاة لا تجمعها علاقة رسمية بشاب ان تختبر مثل ذاك التوتر والارتباك، عادت تسنيم لمقعدها وهي تجاهد بالسيطرة على جسدها المرتعش برسم ابتسامة كاذبة على شفتيها، بينما الهى آسر ذاته عمداً بتنظيف قميصه حتى يتركها تجلس باريحيةٍ، وما أن انتهى حتى وضع المناديل بالسلة القريبة منه وهو يشير لها:.

نضف؟
أشارت له بابتسامة هادئة، فجلس باستقامة وهو يتابع:
الحوادث دي معتادة بالنسبالي بس اللي مش معتاد في وقت مهم زي ده، تفتكري الحاجة هتخليني اغسل القميص الابيض ولا هتسامحني بإعتبار اني بعيش حدث هام!

زارتها البسمة مجدداً لتنسيها ما اختبرته من شعورٍ قاتل، فودت لو ظل يتحدث وهي تستمع اليه لأخر عمرها، انتهى ذلك اللقاء القصير حينما ولج أفراد العائلة للداخل، ليهيمون بالحديث عن الحقول ومن ثم اختتم الحديث حينما قال فهد:
أنت طول عمرك وأنت قريب مني يا فضل ومشفناش منك العيبة، أول ما ولدي قالي على بتك قولتله يزين ما اختارت لأني خابر كيف تربيتك...
ثم استطرد بعد لحظة من الصمت:.

خد وقتك وشوف رد بتك، واحنا في الحالتين أهل..
انتقلت نظرات العم فضل لابنته وكأنه يستكشف ما بها، فوجدها تهز رأسها برفقٍ بالموافقة، رغم اندهاشه بقبولها السريع به الا انه التمس لها عذراً مجاورة فرداً من الدهاشنة بأخلاقهم السامية، سحب نظراته ليتطلع لفهد ثم قال بابتسامةٍ واسعة:
مين العاقل اللي يأخد وقت يفكر بابن الكبير، أني اللي مربيه وعارفه زين، وإن كان على بتي فردها باين من وشها..

تطلع فهد اليها فوجدها تبتسم، فقال عمر:
يبقى خير البر عاجله، نقرا الفاتحة...
تدخل جاسم بالحديث حينما قال:
وجبل ما نقرا لازمن تعرف عادات بيتنا يا عم فضل، أنت خابر اننا مبنحبش الخطوبة تطول وكل شيء جاهز يبقى مفيش داعي اننا نطول، يحيى ولدي اتجوز في فترة قصيرة...
أكد فهد على ما قال، حينما تابع بقوله:.

احنا نقروا الفاتحة وكتب الكتاب والدخلة يبقوا بعد شهر من دلوقت على الاقل تكونوا جهزتوا ولا أنت عندك قول تاني يا فضل!
تدخل عباس بالحديث والضيق يلحق نبرة صوته المختنق:
ولزمتها أيه السرعة دي القيامة هتقوم، ما يتخطبوا سنة ولا تنين يعرفوا بعض زين وبعد اكده نبقوا نعمل الفرح..
بدى بغيضٍ للجميع حتى آسر لم يشعر بالارتياح تجاهه، بينما تجاهله الكبير عمداً واستدار برأسه تجاه فضل، ليتساءل بثباتٍ:
رأيك ايه يا فضل؟

أجابه بابتسامة هادئة:
هو في رأي بعد كلامك يا كبير، على خيرة الله..
انطلقت الزغاريد ترفرف بارجاء المنزل ليزف خبر خطبة ابنه العم فضل من ابن كبير الدهاشنة بالصعيد بأكمله، وعلى رأسهم ثرايا المغازية التي اشتعلت بنيران الحقد لزيارة السعادة منزلهما بدل من التعاسة ولكن بقى وعد أيان برشام محفز من الصبر لشرور النابتة بداخلهما، فباتوا على يقين بأن سرعان ما ستتحول السعادة لتعاسةٍ مؤجلة!

يتباهى أمامها بصفائه الدافئ، فتخللت الدموع حدقتيها وهي تتأمل ذاك القمر الذي كانت تتصف به يوماً ما، فباتت بعيدة عنه كل البعد، فرأته بتلك اللحظة بصورةٍ باهتة، ربما يحمل بقعة سوداء تعيق بياضه الناصع، كبتت رؤى شهقات آلامها التي تلطمها بقوةٍ، فبات الصمت هو أملها الوحيد، تمسكت يدها بحافة السور وكأنها تتشبث به ومن ثم التقطت نفساً عميق أراح وجع صدرها، لفح وجهها نسمة هواء باردة، فبعثرت خصلات شعرها بعشوائية، فتمنى من يراقبها خلسة لو مرر يديه على شعرها الناعم برفقٍ، وربما ان سنحت له الفرصة سيحتضنها خلسة، شعرت رؤى بأنها ليست بمفردها بالشرفةٍ، فاستدارت لتجده يقف أمامها، يتأملها بتلك النظرة الساكنة، بللت شفتيها بتوترٍ ومن ثم أعادت تمشيط شعرها بيدها، وكأنه تحاول أن ترتب شكلها قليلاً، ثم استكملت طريقها للخروج من شرفة المنزل حتى تتجه لغرفتها، اعترض بدر طريقها، فتساءلت عينيها عما يفعله، فتحرر لسانه ناطقاً:.

كفايا هروب من الواقع يا رؤى، لازم تتقبلي اللي حصل عشان تقدري تكملي حياتك..
انهمرت دمعة على خدها لتستكين لحظة قبل أن تجيبه:
أنهي واقع فيهم، إني خسرتك؟ ولا خسرت نفسي!
وكأنها لامست ما يقتل تفكيره، فاقترب بخطاه منها حتى بات قريباً، ومن ثم لحقه صوته الهامس:
خسارتي فارقة بالنسبالك يا رؤى؟
بللت شفتيها الجافة وهي تجيبه بارتباكٍ:
أنت الوحيد اللي فارقالي يا بدر..
ثم استطردت كلماتها بدموعٍ:.

أنا عارفة إني غلطت لما شوفت نفسي واحدة منهم، بس في الحقيقة انا مش زيهم ولا شبههم يا بدر..
وازاحت دموعها وهي تحاول ان تستجمع شتاتها:
أكتر حاجة وجعاني إني فوقت بس بعد ما خسرتك وخسرت كل حاجة، وأهمهم نفسي!
أمسك يدها بين يديه، وعينيه تحاوطها بين جفنيه، فرفعت عينيها تتطلع له بدهشةٍ وخاصة حينما قال:
معتقدش انك خسرتيني من البداية عشان تخسريني الوقتي يا رؤى..

انقطعت الكلمات عن مرساها، فاستكمل بحزنٍ نبع من داخله:
يمكن أكون نسيتك في وقت من الاوقات، بس اللي مستغربه لحد دلوقتي اني مش قادر اشوفك حزينة او مكسورة بالشكل ده، ويمكن ده اللي اكدلي انك لسه عايشة جوايا..
انفرجت شفتيها وهي تتابعه بصدمةٍ، فاردف بابتسامةٍ ساحرة:
تتجوزيني يا رؤى؟
فور نطقه لتلك الجملة، سحبت يدها من بين يديه ثم هزت رأسها بجنونٍ:
لا مستحيل ده يحصل..
ضيق عينيه بذهولٍ:
لا انتي مش بتحبيني؟

قالت ببكاءٍ يحطم القلوب:
أنت تستاهل واحدة غيري يا بدر...
وبلسانٍ ثقيل أوضحت:
واحدة نقية من جوا وبره..
وتركته وهرعت باكية لغرفتها، وبقى هو يترقب ابتعادها عنه بذهولٍ..

ما أن رحل الجميع حتى بدأ بمحاضراته اللازعة المعتادة، فقال بكرهٍ تخبئ خلف صوته الهادئ:
كنها ما صدقت يتقدملها، بينها اكده تعرفه قبل سابق يا فضل..
علمت تسنيم ان تلك محاولة جديدة من محاولاته الدانيئة لايقاظ غضب ابيها تجاهها، ولكن قبل أن تجيبه اجابه والدها بدلاً عنها:
وحتى لو تعرفه أيه يضايقك في كده يا عباس؟
ارتبك للهجته الصارمة التي اختارها كبداية لرده الجاف، فقال الاخير بخبثٍ:.

انا بقول يعني كنا نتأخر شوية في الرد، ما أنت شوفت بعنيك لما بتك دخلت وجفت اتسمرت قدامه وكأنها ما صدقت يتقدملها، وطول مهي قاعدة منزلتش عينها من عليه، بنات جليلة الحيا..
صعقت تسنيم مما استمعت اليه، وبكت صمتاً وقهراً لسماع تهمته الباطلة، أما فضل فصاح به بانفعالٍ:.

اخرس قطع لسانك، أنا بتي متربية أحسن ربايا، ولو مكنتش اكده مكنش الكبير جيه اهنه بنفسه عشان يطلبها لولده، مش هتيجي انت على أخر الزمن وهتعرفني تربيتي!.
ثم استدار لزوجته، ليتابع بحدةٍ:
لمي أخوكي يا عواطف أني عامل حساب انه في بيتي الا وكنت طردته بوز الاخس ده..
وجذب يد ابنته وهو يشير لها بتتبعه:
تعالي يا حبيبة جلب ابوكي..
ثم صعد بها تاركاً الاخير يستشيط غضباً بالاسفل..
.

اليوم مُنح سعادة لا مثيل لها، فشعر بأنه بحاجة لأن يكون بمفرده، لذا استأذن من الجميع ثم ذهب للاسطبل ليجلس جوار فرسه الصغير، فما تحمله بقلبها من غلاوة تجاهه تجعله قريباً للغاية من قلب الآسر، اعاد ظهره للخلف ثم هامت عينيه بتأمل السماء وكأنه يحاول أن يجد صورتها، فربما إن استجمع تركيزه سيتمكن من رسمها كقمر تلك السماء الصافية، عاد ما حدث يتردد من أمامه، مقابلته لها، نظراتها اليه، حوارهما الشيق، ابتسامتها التي اذهبت عقله، فابتسم تلقائياً وهو بتساءل بذهولٍ للحالة التي وصل اليها:.

عملتي فيا أيه يا تسنيم؟

بمنزل كبير الدهاشنة..
اجتمعت العائلة بالطابق السفلي من المنزل، لتناول أكواب الشاي الساخنة، فشاركتهم نساء المنزل بتلك الجلسة الآسرية، جذب حديث عبد الرحمن و فهد انتباه الجميع، فانصتوا جميعاً اليهما، وخاصة حينما سأله فهد باهتمامٍ:
مفيش بت من بنات مصر زغللت عنيك اكده..
وضع كوب الشاي عن يديه، ثم اجابه متلهفاً، وكأنه ينتظر سماع سؤال عمه الدائم له:
بصراحة في يا عمي، بس مش من بنات مصر..

رفع حاجبيه متعجباً:
من اهنه؟
هز رأسه نافياً ثم قال:
أبعد شوية، أمريكا..
قالت نواره باستغرابٍ:
أيه وداك بعيد اكده يا ولدي..
اجابها بابتسامةٍ واسعة:
مش بعيد ولا حاجه يا عمتي، مهي من محيط العيلة برضوه..
فهمت رواية مغزى حديثه، فابتسمت قائلة:
يا ترى بقا مين فيهم؟
نهض عبد الرحمن عن محله، ثم أسرع ليجلس على مقربةٍ منها وهو يجيبها:
تالين..
تعالت الضحكات بين الجميع على تلهفه الواضحة، فقال يحيى بمزحٍ:.

شكل كده آسر بعملته هيجرأ ناس كتير أوي، والجواز هيدخل في العيلة زي الفيرس مش كده ولا أيه يابوي..
ضحك جاسم ثم قال:
وماله يا ولدي مدام بالحلال فين الغلط!
قالت هنية بحماسٍ:
خلي الفرح يعشش في الدار اللي سكنها الحزن لسنين..
لمس فهد مقصدها بغيمة الحزن التي استحوذت على عائلته منذ اللحظة التي باتت على عداوة مع المغازية، فطوفها بذراعيه ثم همس لها:
الجاي مش هيبقى غير فرح ياما..

ملست بيدها على عبائته وهي تردد بتمني:
يارب يا ولدي...

انغمس يحيى بالحديث المشاكس مع عبد الرحمن، الى ان استماع صوت ريم المستغيث به، فصعد للأعلى ليجدها تجلس باكية جوار ابنتها، وتحاول أن تطعمها او حتى تتحدث اليها، فما أن رأته ماسة حتى هرعت اليه، لتردد بدموعٍ طفولية:
يحيى كنت فين وسبتني هنا لوحدي، أنا خايفة وعايزة اروح...
احتضنها يحيى برفقٍ، ثم قال:
انتي هنا في بيتك يا ماسة ومع مامتك..
وأشار بيديه تجاه ريم، فهزت رأسها بتعصبٍ شديد:.

انا عايزة ارجع بيتنا لحور وروجينا، مش عايزة اقعد هنا..
تعامل معها بحذرٍ شديد، فمرر يديه على خصلات شعرها بهدوءٍ:
أنا معاكي ومش هسيبك، هنا المكان جميل أوي يا قلبي، في حدايق وشجر كتير زي ما انتي بتحبي، وكمان في اسطبل خيول مش انتي بتحبي الخيل؟
أومأت برأسها عدة هزات، فأزاح دمعاتها وهو يستطرد:
خلاص بكره الصبح هوريكي كل ده، اتفقنا..

هزت رأسها بايماءة خفيفة، فلاحظ يحيى اشارة عمر له بالخروج، بعدما جذب ريم للخارج، فرفع الغطاء عن الفراش ليشير لها قائلاً:
الوقت اتاخر ولازم تنامي وانا شوية وهيجيلك..
اندثت أسفل الفراش وهي تهمس له بخوفٍ:
وعد؟
ابتسم وهو يقبل جبينها:
وعد يا روح قلبي..
وخرج خلفهما على الفور، ليغلق باب الغرفة، ومن ثم وقف في مواجهتهما، فسألته ريم بقلقٍ:
ليه المرادي ماسة مش متقبلة وجودنا جنبها يا يحيى؟
خمن قائلاً:.

يمكن عشان بقالنا فترة طويلة مسافرناش الصعيد، وحضرتك عارفة اننا كان لازم نتابع علاجها مع دكتورها هناك..
قتل عمر الشك بداخله حينما قال:
واشمعنا رجعتم دلوقتي!
بارتباكٍ شديد قال:
لأنها في الوقت ده محتاجة لرعاية خاصة، لأنها، آآآ، آآآ، حامل..
رددت ريم بصدمةٍ:
حامل!
بينما انقلبت نظرات عمر لضيقٍ شديد ومع ذلك أمسك زمام أموره ليشير لريم بصرامةٍ:
روحي اوضتك..

لم تجادله بما قال وتوجهت لغرفتها على الفور بينما سأله بثباتٍ:
ازاي ده حصل؟
تهرب من التطلع لعينيه وهو يجيبه باحراجٍ شديد:
غصب عني يا عمي، أنا عارف اني وعدتك اني هحميها حتى من نفسي بس صدقني مآآ..
انقطعت كلماته حينما اشار له بالصمت ليسبقه بالحديث:
متشرحش اللي حصل يا ابني، أنا عارف انه اكيد غصب عنك وبالنهاية دي مراتك مغلطتش مع حد غريب...
ثم ربت على كتفيه قائلاً:
ادخل نام انت راجع من السفر تعبان...

وتركه واتجه لغرفته، فظل محله قليلاً ثم ولج لغرفته هو الاخر..

قضت ليلها تحدثه على الهاتف، لم تمل من تلك المكالمة التي ظلت لأكثر من خمس ساعات متواصلة، حتى لم تعلم بمحاولات أحمد المتكررة بطلب رقمها عله بقربه منها يسد احساسه بمنحها فرصة، غفلت روجينا على الهاتف حتى صباح اليوم التالي الذي استعدت به للقاء أيان بلهفة، وكعادتها ركضت صباحاً لرؤيته، ولكنها تفاجآت بأحمد يجلس على طاولة الطعام جوار بدر، ونادين تضع الطعام أمامهما وهي تخبرهما:.

طول ما انا هنا محدش هينزل الشغل من غير فطار تاني..
واشارت لتالين قائلة:
روجينا جيت أهي، نادي لرؤى وحور يلا..
أومأت برأسها بإيماءة خفيفة ثم ولجت للداخل لتويقظ كلاً منهن.
أشارت نادين لروجينا قائلة:
واقفة ليه يا بنتي ما تقعدي يالا الاكل هيبرد..
قالت بربكة بادية على معالمها:
مش جعانه يا طنط ولازم أنزل عشان البنات مستنيني..

نهض احمد عن الطاولة ثم لحق بها للخارج، فتأمل الطريق من حوله حتى يضمن خصوصياتهما، ليسألها بحدةٍ:
طول الليل بحاول اكلمك وموبيلك مشغول، كنتي بتكلمي مين كل ده؟
أتت لها على طبق من ذهبٍ، لتتحجج بصوتها المرتفع، المتعصب:
هكون بكلم مين يعني، أنت قصدك أيه يا أحمد؟
غامت حدقتيه غضباً، فجز على أسنانه:.

لما تكلميني صوتك ميعلاش عليا، تصرفاتك كلها مبقتش عجباني، ومش عارف أخرة اللي انتي فيه ده ايه، بس صدقيني انا مش هقدر اصبر على وضعك ده كتير يا بنت عمي..

ثم تركها وولج للداخل مرة أخرى، فجلس على مقعده من جديدٍ، خرجت حور تستند على يد رؤى لتتجه معها لأقرب مقعد، لا يعلم ما الذي اصابه بتلك اللحظة بالتحديد، خفق قلبه وكأن هناك صاعق كهرباء ضربه بمقتلٍ، ذاك الشعور الغريب يجتاحه حينما تكون هي قريبة منه، رفع رأسه ليتأكد من ظنون حدسه فتعجب حينما وجدها تقترب منه، صفن بها قليلاً فالتقطت عينيها تقلص وجهها المتألم جراء خطاها الذي يؤلمها، غصة أذابت سعادة قلبه فود لو نهض ليحملها لمقعدها، أما بدر فحرص على خطف نظرات سريعة لمن تتهرب لقاء عينيه، جلست حور مقابله فسألها باهتمامٍ:.

عاملة ايه دلوقتي؟
ابتسمت وهي تجيبه:
الحمد لله يا أحمد بقيت احسن كتير على المرهم اللي أنت جبته، شكراً لاهتمامك..
ابتسامتها تلك انعشت قلبه المتألم، فمنحها ابتسامة صغيرة، واستكمل طعامه، أما بدر فخاصرها بعينيه كلما هربت من لقاء عينيه، فقال بصوتٍ رخيم:
مقولتليش رأيك يعني يا أحمد في العروسة اللي قولتلك عليها..

انكمشت معالمه بعدم فهم، ولكن نظرات ابن عمه اعلمته مخططه الجنوني، فكبت ابتسامته وهو يجيبه بنبرة اخشونت قليلاً:
لا بجد ذوقك مية مية يا بدر، واهلها هيرحبوا بيك اوي..

رفعت رؤى عينيها تجاههما بصدمةٍ ملحوظة للجميع وبالأخص نادين التي تابعت حديثهما الماكر من خلق الستار، وجدها تحتبس دمعاتها داخل عينيها، وكأنها أعز ما تملك بتلك اللحظة ومن ثم لم تحتمل سؤال حور المهتم لمعرفة تلك العروس المحظوظ، فتركت طاولة الطعام ثم هربت لغرفتها باكية، لتجد شقيقتها تفتح باب الشقة الطارق لتجد أمامها اخر من توقعت رؤياه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة