قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الحياة للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

رواية شهد الحياة للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

رواية شهد الحياة للكاتبة زينب محمد الفصل الثالث

في الصباح الباكر.
وقفت ليلى خارج سور المشفى، تأملت المشفى قليلا من الخارج، ثم اخرجت هاتفها الجوال وارسلت رساله نصية
( لو حضرتك فاضي، انا مستنية في الكافيه اللي جنب المستشفى )، ثم وضعته مرة اخرى في حقيبتها وتنهدت ذهبت في طريقها للمقهى، وعازمة في قرارة نفسها على تنفيذ ما تريده.

حزمت حقيبة ملابسها، واحكمت حجابها ومنعت نفسها من البكاء، فلا احد يساوي دمعة واحدة من دموعها، امها تركتها من اجل زوجها وابنتها، تركتها تمشي وحيدة، لا مأوى لها، ماذا ان رفضت خالتها استقبالها، حتى الامل الوحيد التي قضت الليل كله عليه تبخر بعلمها ترك ليلى للشقة وذهابها الى مكان لا يعلمه احد، اذن خالتها صفاء هي الحل، حتى تؤمن لنفسها مكان للمبيت وعملا تنفق منه على حاجتها، فتحت باب غرفتها، نظرت باعينها الواسعة وجدت امها جالسة منكبة على نفسها وتبكي، واختها تنظر لها بحزن شديد، اما ( سبع البورمبة ) حسني ينظر لها بتشفي وابتسامات ساخرة، تجاهلت نظراته وتجاهلت بكاء امها وحزن اختها وذهبت مباشرة في اتجاه باب الشقة، وقفت عندما سمعت امها تردف ببكاء : يا شهد ابوس ايدك سامحيني.

استدرات ونظرت لها بقوة: اللي بيسامح ربنا، ابقي اطلبي منه السماح علي موافقتك طردك لبنتك ورميها في الشارع عن اذنك.
خرجت من الشقة قبل سماع رد امها خرحت من البنايه متجاهله نظرات الناس لها واتجهت نحو الشارع الرئيسي، حتى تستقل سيارة الاجرة لتقلها لبيت خالتها، ودعت ربها في سرها كي يصلح لها حالها.

في الكافيه.

كانت ليلى جالسة بتوتر شديد وامامها كريم الذي كان بدوره يبتسم لها بحب، اخذت ليلى نفس طويل ثم اخرجته ببطء، وهتفت بتوتر: حضرتك ياريت تسمعني للاخر، انا جيت وطلبت مساعدة منك لانك حد محترم ووقفت جنبي كتير، انا خلاص مبقاش ليا مكان، ومستحيل ارجع المستشفى، مش هاستحمل اشوف نظرات زمايلى ليا، فا انا يعني، احم، انا كنت سمعت من زمايلي ان والدك مريض واحم متقاعد، انا ممكن اجاي اساعده وابات معاه واعطيله دوا بانتظام، وكدا.

هتف كريم بصوت حنون للغاية: ليلى انا طلبت اتجوزك علشان اعيشك ملكة لانك تستاهلي تعيشي كدا، مش عاوزك ممرضة لوالدي، والدي عنده اتنين مش واحدة، بس انا يا ليلى عاوزك مراتي، نفسي تحسي بيا.

رفعت ليلى عينيها الممتلئين بالدموع: دكتور كريم، انت ليه مش مدرك اني مش هاقدر مش علشان زكريا، لأ، علشان اللي مريت بيه مش سهل، اللي مريت بيه حاجة صعبة اوي فوق ما حد يتخيله، انا اتخاد مني اعز ما املك، انا اتبصلي من المجتمع كأني متهمة مش المجني عليها، انا ابويا مات وهو فاكرني مش كويسة، ابويا مات بسببي، ازاي ممكن تتخيل اني هاقدر اعيش واكمل حياتي واتجوز واحب عادي وبسهولة، انا ادمرت حرفيا من جوا، انا كل حاجة اتكسرت فيا، مبقاش ينفع حاجة فيا تعيش وتفرح ولا قلب ولا روح، انا بقيت جسم ماشي بيتحرك بس من غير روح.

تاهت الكلمات من كريم، ثم نظر لها بحزن: ليلى انا حاسس بيكي، بس انا موافق انك تكوني ممرضة لوالدي وتباتي معاه بس تكوني علي ذمتي، ليلى هاتقعدي ازاي في البيت براحتك مثلا، يبقى نتجوز وتقعدي براحتك وناخد هدنة نتعامل فيها كااننا اخوات، وانا اوعدك مش هاضغط عليكي وهاسيبك تقرري في الاخر انتي عاوزاة ايه.

فاجئته ليلى بسؤالها: هو انت بتحبني على ايه؟ يعني انا ليلى حتة ممرضة لا راحت ولا جت، شكلي عادي، مش غنية، انت ما شاء الله عليك عكسي في كل حاجة دكتور وشكلك يعني احم جذاب، و غني اي بنت تتمناك.

ابتسم كريم واردف بحب: انا بحب ليلى الطيبة، ليلى الحنونة، ليلى الجميلة بروحها قبل شكلها، ليلى اللي صوت ضحكاتها جذبني اول مرا جيت المسشفى، بحب ليلى الجميلة ام عيون عسلية ووشها ابيض كانه بدر منور، عشقت خصلات شعرك اللي بتتمرد من طرحتك، ليلى انا بحبك اوي، ومش مكسوف وانا بقولها، ارجوكي وافقي بجوازنا انا عمري ما اذيكي، ولا عمري افكر اهينك، بس كل اللي نفسي فيه ان لما ادخل البيت ابقى مرتاح انك موجودة فيه وعلى ذمتي.

نظرت ليلى له بقوة لعلها تستشف من حديثه عن كذب، ولكن كالعادة استطاع بهدوءه ورزانته ان يضغط عليها ويغير قرارها وتوافق على عرض الزواج حتى وان كان مؤقت او مع ايقاف التنفيذ.

في منزل رامي.
كان رامي يدور في الغرفة بغضب شديد حتى سمع صوت هاتفهه، التقطه بسرعة، وضغط على زر الاجابة، اتاهه صوت يتحدث برسمية: استاذ رامي، انا رأفت اللي مسؤل عن مشرو...
قاطعه رامي بسرعة: اه، اه، استاذ رأفت، انا اتصلت على خدمة العملا استفهم ليه حضرتك الشيك مش اتصرف لغاية دلوقتي، المكان جاهز والمعدات جاهزة واتركبت، ليه الشيك التاني اتأخر كدا.

هتف رأفت بجدية: حضرتك في مصر يا استاذ رامي، اكيد في تأخير في صرف الشيك التاني، الصبر بس بكرة بالكتير اوي هايتصرف.

تعجب رامي من رده: حضرتك، انا اتأخرت في افتتاح المشروع هألحق الموسم ازاي، طيب هألحق اجيب الخامات كل تأخير ميبقاش في صالحي، حضرتك انا حاجز ناس علشان شغل ومقعدهم في بيوتهم وعمال اقولهم خلاص هانبتدي، الناس دي بدور على اكل عيشها ولو لاقوني اتأخرت يالا السلامة، وشوف بقى لغاية ما الاقي ناس زيهم.

هتف رأفت ببرود: بالراحة يا استاذ رامي، العجلة من الشيطان، كل حاجة في وقتها، المهم علشان عندي شغل، بكرا هاصرف الشيك، سلام.
اغلق رامي المكالمة والقى الهاتف بعصبية وهتف بصوت عالي: اقوله عطلة وزفت مصالح بتتأخر يقولي انت عايش في مصر عادي، منا عارف اني عايش في مصر.

هتفت شهد بصدمة: يعني ايه الاسانسير بايظ، يعني انا المفروض هاطلع ٨ ادوار، يالهوي.
قال بواب البرج بضيق: اعملك ايه، اطلعي دا حتى طلوع السلالم رياضة.
رفعت احد حاجبيها باعتراض: رياضة!، قول قطع نفس، دول ٨ ادوار ياعم الحج، لا وكمان ايه بالشنطة، وسعلي كدا من طريقي، ما ابدا رحلة الصعود.

وقفت شهد في منتصف الادوار وحاولت تنظيم انفاسها العالية والهائجة وهتفت لنفسها: اجمدي كدا يا شوشو، اجمدي وفكري في اي حاجة اهو تنسي تعب السلم.
وصلت اخيرا وبعد معاناة لباب شقة خالتها وقفت وهندمت ثيابها وحجابها وطرقت الباب عدة طرقات، حتى فتح الباب، وظهر رامي بجسده الطويل، وملامحه الغضبة، حمحمت شهد واردفت بابتسامة عريضة: انا شهد، بنت اخت خالتو صفاء.

نظر لها رامي نظرة سريعة ثم اغلق الباب في وجهها بقوة، عقدت شهد حاجبيها واردفت: هو قفل الباب في وشي ولا انا بيتهايلي.

في بيت حسني.
كانت سميحة تقوم بغسل الاطباق ودموعها تتساقط حزنا على ابنتها، ثم شعرت بيد لطيفة تتحرك بلطف علي كتفيها وصوت حاني يهتف: انا عارفة انك كان نفسك تسيبني يا ماما وتروحي معاها بس اللي منعك مرضي.
استدارت سميحة لابنتها واندفعت نحو احضانها وبكت بصوت عالي: انا مقسومة يابنتي، بنتي ارتمت في الشارع والله اعلم صفاء هاتستقبلها ولا لأ، انا في نظرها ام قاسية وجاحدة، بس اعمل ايه ما باليد حيلة.

بكت سلمى هي الاخرى: انا كمان مقدرتش ادافع عن اختي قدام ظلم بابا، انا كمان في نظرها وحشة.
ابتعدت سميحة عنها: لا متقوليش كدا، دا هي اصلا رضيت تمشي من غير مشاكل علشان انتي متتعبيش، هي بتعمل دا كله علشان خاطرك.
دلف حسني الى المطبخ واردف بصوت غليظ: مش هنأكل احنا في سنتنا دي، العياط دا مش هايخلص.

استدرات سميحة بسرعة واوهمته انها تقوم بالطبخ وهتفت بصوت حاولت ان يكون طبيعي: اهو بعمله، اول ما اخلصه هنادي عليك.
هتف حسني بضيق: طب اخلصي ياختي، نسوان تجيب الهم والقرف.

كانت ليلى جالسة في سيارة كريم وتنظر للمارة في الطريق وشردت فيما يخبئه لها المستقبل، هل فعلا كريم يحبها، هل هو شخص طيب القلب كما يظهر لها، هي لم تعرف عنه سوا الدكتور كريم الخلوق المحترم، وبعض من الكلام المسرب عن حياته من الممرضات الاخريات، تسرب شعور الخوف والقلق الى نفسها، حتي انتبهت على صوت كريم مناديا اليها نظرت له وهتفت بوجه خالي من التعابير: خير يا دكتور.

ابتسم كريم وهتف: ايه بقولك احنا وقفنا، ووصلنا قدام المأذون، وبعدين ايه دكتور دي، اسمي كريم وبس.
هزت ليلى رأسها بنفي واردفت: لأ حضرتك بالنسبالي دكتور كريم وبس، معلش لازم يكون في تحفظ في العلاقة.
رمقها بضيق قائلا: طيب يالا، علشان ندخل للمأذون.

اه وانتي جاية ليه بقى ان شاء الله.
كان ذلك صوت رامي الغليظ، نظرت له والدته معاتبة، ثم انتقلت ببصرها لشهد وابتسمت قائلة: نورتيني يا شهد والله كان نفسي اشوفك من زمان.
ردت شهد لها الابتسامة ولكنها ابتسامة مجاملة: الله يخليكي ياخالتي، وانا كمان نفسي اشوفك.
نهض رامي واردف بغضب: انتي يا بتاعة ردي عليا، انتي جاية ليه؟

انتفضت شهد من جلستها واقتربت منه واشارت له بيديها: بص بقولك ايه اهدى على نفسك كدا، انت بتكلمني كدا ليه، هو انا بشتغل عندك ولا ايه.
ذهل رامي من جرائتها في الرد عليه: ايه قلة الادب دي، انتي ازاي تردي عليا كدا.
رفعت شهد حاجبيها باعتراض: مش انت اللي لسى مكلمني بقلة ادب، طبيعي هارد عليك بقلة ادب.

جذبها رامي بغضب من مرفقها: انا قليل الادب، طب واقسم بالله لولا اني عامل احترام لامي كان زمانك دلوقتي مع الاموات.
وقفت صفاء معاتبة كلا منهما: كدا، دي عمايل ناس كبيرة، عيب والله.
ترك رامي مرفقها وجلس مكانه: استغفر الله العظيم.
همست شهد لنفسها: مؤمن اوي يا خويا.
رفع عينيه الخضراء نحوها: اهو بصي يا امي بتبرطم وبتقول حاجة عليا.
هتفت صفاء في هدوء: اهدى يا بني، قوليلي يا شهد، سميحة مجتش معاكي ليه؟

بلعت شهد ريقها بتوتر واردفت: احم، علشان جوزها طردني من البيت.
عقدت صفاء حاجبيها: ازاي يعني طردك دا بيت ابوكي، انا فاكرة كويس والدك الله يرحمه لما اشتراه كتبه باسم سميحة علشان تفرح، بس قالها ان دي شقتك لما تكبري.
هتفت شهد في ضيق: لا ماهو حسني الله يجحمه، ضحك عليها وخلاها تبيعه له، وكرشني برا البيت.
ضيقت صفاء عينيها بتركيز: طيب معلش يابنتي، طردك ليه، هو لو عاوز كان طردك من زمان، اشمعنى دلوقتي.

شعرت شهد بالانكسار تمالكت نفسها واردفت: هو اصلا كان بيتلككلي كل يوم والتاني اهانة وضرب وفضايح، واي عريس بيجلي بيطرده من برا من غير ما اعرف، بس المرادي بقى جتله على الطبطاب.
هتف رامي بحدة: ليه ايه اللي حصل.

تقلصت ملامح شهد بغضب: علشان صاحبتي، يعتبر اعز اصحابي، ابوها اتصل عليها في نص الليل وكان قلقان عليها اكمنها يعني بتشتغل ممرضة في مستشفى، انا اتصلت عليها واحد زميلها رد وقالي انها تعبانة في المستشفى ولازم اجاي ويستحسن مبلغش والدها، وليلى دي صاحبة عمري، نزلت من غير ما حد يحس وروحت وهناك عرفت انها يعني، احم اتعرضت للاغتصاب وكدا، فضلت معاها لغاية ما خرجت، وروحنا البيت، وحلفتني ما اقول لحد، روحت نمت صحيت على جوز امي بيضربني ويزعقلي والحارة كلها عارفة الحكاية بس حد محرف فيها وقالو علينا اننا ماشين مشي بطال، بعدها روحت لليلى استفهم منها مين قال، طردتني برا البيت فاكراني السبب واني نطقت بكلمة، مع اني والله لو على رقبتي ما كنت انطق بحرف.

هتف رامي بتهكم: طب مانتي فضحتيها اهو ونطقتي بكل حاجة.
تجمعت الدموع في عينيها: انا مكنتش هانطق لولا ان طردت من بيتي وبقيت في الشارع ملياش مكان، ولما جيت هنا احتمي فيكو علشان انتو من دمي، وواجب عليا احكي الحقيقة، علشان في الاخر ميبقاش اسمي كذابة، وانتو متعرفوش ليلى، يبقى مفضحتهاش معاكو، انا بحكي السبب اللي خلى جوز امي يطردني من البيت، على العموم عن اذنكو.

هتف رامي سريعا: انتي رايحة فين، اقعدي هنا، انتي مش لسى قايلة انك من دمنا يبقى اقعدي هنا معانا، ليكي مكان تروحيه؟
هتف شهد بكبرياء: لا ماليش بس ارض الله واسعة.
نهضت صفاء من جلستها: اقعدي يا حبيبتي دا بيتك قبل ما يكون بيتنا، وبعدين معلش اتعودي علي رامي كدا هو بيغضب بسرعة وبيزعق على طول.
هتف رامي بحدة: هو انا كدا زعقت يعني.
ابتسمت شهد سريعا واردفت: خلاص انا مش زعلانة منك انت في مقام اخويا الكبير بردو.

نهض رامي سريعا والتقط هاتفهه ومفاتيحه واردف: انا ماشي يا امي، اتاخرت على الشغل، صحي حمزة وفطريه وخليه يذاكر شوية، ميقعدش على التلفزيون الا لما يذاكر الاول يا ماما.
هتفت صفاء: حاضر يابني.
خرج رامي وانتظرت شهد سماع صوت اغلاق الباب، ثم نظرت لصفاء: هو كدا وافق اقعد معاكو.
ابتسمت لها صفاء: اه طبعا وافق، رامي ابني جدع وطيب.

ردت لها شهد الابتسامة: ربنا يخلهولك، متقلقيش يا خالتي، انا بس هنام هنا ومتحسوش بيا، ومن بكرة هانزل ادور على شغل، مش هاكلفكو حاجة.
هتفت صفاء بعتاب: كدا بردو يا شهد احنا اتكلمنا في كدا، انتي قولتي بلسانك رامي زي اخوكي الكبير وكمان تشتغلي ايه، انتي تقعدي هنا تساعديني على حمل البيت.
حمحمت شهد ثم اردفت بفضول: معلش يعني هو رامي ابنك مخلف.

هتفت صفاء بحزن: اه مخلف حمزة عنده ٧سنين، بس مراته ميتة، بعد ولادة حمزة بيومين جالها نزيف بعد الولادة خطأ دكتور الله يسامحه بقى.
تمتمت شهد بصوت منخفض للغاية: علشان كدا عصبي، لازم اعذره بردو.
ثم تابعت حديثها بصوت عالي: ربنا يرحمها يا خالتي والله زعلتيني، المهم انا كنت عاوزة يعني اقولك علي حاجة.
انتبهت لها صفاء قائلة: حاجة ايه يا حبيبتي.

تحدثت شهد باحراج: انا عارفة يعني يا خالتي ان امي استلفت منك ١٠٠٠٠ جنيه ودا مبلغ كبير، واتهربت من سداده بس يمين الله ما كنت اعرف الا امبارح، بس انا اوعدك هادور علي شغل وهاسددهم ليكي على طول.

هتفت صفاء بعتاب: اخص عليكي هو انا كنت جبت سيرة فلوس يا شهد وبعدين الفلوس دي دول ورثي من المرحوم جوزي ومكنتش هاعوزهم في حاجة، انتي شايفا رامي اهو راجل قد الدنيا بيشتغل محاسب في شركة، وكمان بيفتح مشروع جديد وميمي بنتي مسافرة السعودية مع جوزها ومش محتاجة، انا لو كنت عاوزاهم كنت طلبتهم، وبعدين اختي وفي ضيقة عادي، والله انا نسيتهم.

هتفت شهد بحزن: انتي طيبة اوي يا خالتي، الا قوليلي انتي لو مكان امي هاتسيبي بنتك ترتمي في الشارع.
صمتت صفاء عقب جملة شهد، فهى في نفسها عتبت على اختها وضعفها من ناحية حسني، صمتت لان اجابتها سوف تزيد البعد بين شهد وسميحة.

عند زكريا.
اندفع زكريا الى غرفة والدته بغضب واردف: انتي يا ما طردتي ليلى من شقتها صحيح؟
لوت مديحة شفتيها بتهكم : اه ياخويا طردتها، علشان يا حنين مترجعش في كلامك وتقولي اتجوزها واستر عليها.
صاح زكريا بصوت جهوري: بس انا لسه منتقمتش منها، لسى مش شفيت غليلي منها، بنت ال مشيت قبل ما اذلها تاني وتالت ورابع، مشيت قبل ما اتجوز قصاد عينيها.

ابتسمت مديحة في خبث: ولا يهمك يا حبيبي، دا انا هاجوزك ست ستها، وهاجبلك اللي احلى منها وتنسيك ليلى وابو ليلى.
نظر لها زكريا واردف بغل: بنت ال كانت مقضياها ياما، وانا تتمنع عليا، وتقولي متمسكش ايدي الا بعد كتب الكتاب، وانا طول الوقت كنت بتقرطس.

رفعت مديحة حاجبيها باعتراض: ولا عاش ولا كان اللي يقرطسك يا حبيبي، دا انت زكريا باشا موظف في الصحة قد الدنيا، هي كانت تطولك، وبعدين هي مكنتش على ذمتك يا زكريا، دي كانت لسى في بيت ابوها، كانت بتقرطس ابوها هي، واهو ربنا عطالها ما في نيتها وابوها مات وانا طردتها شر طردة، متزعلش يا حبيب امك.

هدأ زكريا نوعا ما، ف كلام والدته له كان عبارة عن مخدر: بصي ياما، انتي من بكرة تدوريلي على عروسا وتجوزهالي فاهمة ولا لأ وعاوزها احلى من ليلى مية مرة.
قهقهت مديحة بشر: وحياتك عندي لاخلي الحارة كلها تتكلم عن جمال عروستك وادبها واخلاقها.

( بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير ).

رفعت ليلى ابصارها نحو كريم وجدته ينظر لها بسعادة وتتسع ابتسامته، حاولت جاهدة اخراج ابتسامتها ولكنها فشلت وهبطت مكانها الدموع، خرجت سريعا من مكتب المأذون وتوجهت نحو السيارة، حزن كريم كثيرا وانهى اجراءات المأذون، ثم خرج واستقل سيارته و ادارها دون كلام، كانت طول الطريق ليلى تبكي بصوت، وكريم يضغط بيده على محرك السيارة بعصبية ويحاول التحكم في اعصابه، حتى وصل عند منزله، اوقف السيارة على جنب الطريق وفتح درج السيارة وجذب منديلا واعطاها اياه في صمت، اخذته ليلى وازالت دموعها، ثم تنهدت بصوت عالي، استدار ناحيتها كريم واردف:.

ليلى، والدي كان عارف اني بحبك، انا طبعا اتصلت بيه وفهمته ان والدك مات وخطيبك سابك ومبقتيش قادرة تدفعي ايجار شقتك وانا عرضت عليك الزواج وانتي وافقتي، ياريت متجبيش سيرة ال...
قاطعته ليلى بعصبية: خلاص يا دكتور، متشكرة وفهمت الحكاية.
نظر لها كريم مستغربا: ليلي على فكرة انا مقولتش لوالدي الحكاية دي علشان متحسيش بشفقة من حد، ولا تحسي انك قليلة ولا تبقي حساسة، الموضوع دا سر بيني وبينك.

هدأت ليلى قليلا فهي قد توقعت انه يخفي امر اغتصابها خوفا من مواجهة والدة: طيب يا دكتور، يالا بينا.
هتف كريم بضيق: ليلى ماهو مش معقول قدام والدي تقوليلي دكتور، علي فكرة احنا هانعيش قدامه زي اي زوجين عاديين، والدي تعبان ومش عاوز احسسه بحاجة.
توسعت اعين ليلى وهتفت بتلعثم: يعني ايه يا دكتور نعيش زي اي زوجين عادين لا احنا كل واحد فينا ينام في اوضة.

ولاول مرا يغضب كريم على ليلى: انتي بتفكري ازاي يا ليلى، انا عمال اقولك تعبان ومش عاوز احسسه بحاجة، وبعدين متخافيش اوي كدا مش هنام جنبك، هنام على الارض، في اي زفت، بس والدي ميحسش بحاجة، والدي محتاج الهدوء والراحة.
صعدت الدماء لوجه ليلى وهتفت باحراج: احم، اسفة يا دكتور.
نظر لها كريم بتعجب: تاني!، دكتور، ياليلى بقولك قوليلي كريم، بصي ما بينا قولي دكتور وقدام بابا قولي كريم، اوك.

هتفت بنبرة مهزوزة للغاية، خائفة مما تقدم عليه: طيب.

عاد رامي من عمله مرهق، اخرج مفاتيح البيت وبعدها رجع في قراره تذكر وجود شهد بالداخل ابتسم ابتسامة لطيفة وهادئة ولكنها سرعان ما اختفت عندما تذكر امر ما، قام بالضغط على جرس الشقة، وما هي الا ثواني معدودة حتى فتحت له والدته.
رامي، انت اللي بترن، مفتحتش ليه؟
هتف رامي بتعب: علشان اللي اسمها ايه دي لتكون قالعة الطرحة.
اسمي شهد يا عم رامي.
كان ذلك صوتها المفاجئ من خلف والدته.
نظر لها باندهاش: عم رامي!

استدارت بخفة قائلة: اه فكك كدا مالك متنشن ليه؟
اختفت من تحت بصره، امال على والدته وهمس: هي مالها يا امي واخدة البيت لحسابها، انا شايف ما شاء الله رايحة جاية والدنيا حلوة.
ضحكت صفاء وهمست: اسكت دي عسل، انا شوفتها الصبح وقولت نكدية، لقيتها فرفوشة وبتحب الضحك، دي طابخة بايديها النهاردة، وحمزة كمان اتعلق بيها بسرعة.
هتف رامي بضيق: طابخة، يا امي قولتلك مبحبش آكل من ايد حد غيرك، بقرف.

نظرت له صفاء واردفت بعتاب: عيب يا ابني، دي مهما كان بنت خالتك.
رفع رامي حاجبيه ببرود: هو انا شتمت فيها، انا بقولك بقرف يعني دا طبع فيا.
متخافش بغسل ايدي كويس، واكلي نضيف، بكرة تتحايل عليا اعملك اكل كل شوية.
قالت كلامها وذهبت مرة ثانية الى المطبخ، بينما ابتسمت صفاء، نظر لها رامي بحدة: ماهو مش اسلوب دا يا امي، اقول كلمتين الاقيها نطالي وبترد.

تجاهلت صفاء كلامه واردفت: بقولك ايه روح يالا خد الشاور بتاعك و يالا علشان نتغدى.

وقفت في تلك الغرفة الواسعة، التي تقريبا حجم منزلها مرتين، مصممة بشكل عصري، كل شئ مهندم وفي مكانه، وهذه اول عادة عرفتها عن كريم، او الدكتور كريم وهي النظام، وضعت حقيبتها على جنب وجلست علي الاريكة بجانب النافذة، حتى دلف كريم، ونظر لها مستفهما: انتي قاعدة ليه كدا؟
نهضت مرة اخرى وهتفت بتوتر: يعني، مش عارفة اعمل ايه؟

ابتسم لها كريم واردف بلطف: تعملي ايه في ايه، خدي يالا شاور، وغيري هدومك، ولما تخلصي نروح لبابا في اوضته تتعرفي عليه وتقعدي معاه.
تلعثمت في كلامها: اه، ماشي، حاضر.
ذهبت بخطوات متعثرة نحو الحقيبة وجدته سابقها ورفعها علي السرير وقام بفتحها، ثم اردف: انا هادخل اغير في الاوضة دي، وبليل ابقي رصي هدومك فيها.
ضيقت عينيها بتركيز: ارص هدومي فيها ازاي مش فاهمة.

هتف كريم بجدية: بصي ياستي بقت موضة اليومين دول بدل الدولاب يعملو غرفة متقسمة كدا وفيها مرايات وتبقى اوضة اللبس.
لوت شفتيها بسخرية: ليه يعني وماله الدولاب اشتكى.
ضحك كريم بخفة: والله ما عارف موضة بقى.

تحركت نحو حقيبتها، واخرجت ملابسها البسيطة على استيحاء، ثم دلفت الى المرحاض، مغلقه على نفسها جيدا، لا تعرف لماذا تفعل هكذا، ولكنها شعرت في يوم وليلة بعدم الامان، افتقدت احساسه بوفاة والدها، مهما كان لطف كريم معها، يجب عليها الحذر، خلعت ملابسها بتوتر، وفتحت المياه الدافئة، واخذت حمامها، ثم لبست هدومها والتي كانت عبارة عن جيب سوداء اللون وبلوزة سوداء، قامت باحكام حجابها جيدا، ثم خرجت من المرحاض بإحراج وجدت كريم يجلس على الاريكة، يلعب في هاتفهه، رفع بصره نحوها وابتسم، حتى تلاشت ابتسامته وحل محلها العبوس: انتي ليه لابسة الطرحة يا ليلى.

وضعت ليلى يديها تلقائيا على حجابها: امال؟ملبسهاش ليه؟
وقف كريم واتجه نحوها: وتلبسيها ليه اصلا، انتي في بيتي ومفيش راجل غريب.
ردت ليلى سريعا: انت غريب.
رمقها كريم باندهاش عقب جملتها : انا غريب، انا جوزك يا ليلى.
نظرت له ليلى بتحدي: على الورق.

نظر لها كريم بغضب: مفيش حاجة اسمها علي الورق، دا كله كلام فارغ، انتي قدام ربنا مراتي شرعا وقانونا، اما بقى حكاية حقوقي الزوجية انا راجل يا ليلى عمري ما اخدها منك غصب عنك، او مش برضاكي، علشان احنا مش حيوانات، ياريت كلامك دا ميتكررش تاني، انا حافظ حدودي كويس ومش هاتعدها، بس ياريت انتي كمان تحافظي علي منظري قدام نفسي وقدام والدي، انا مش كل شوية هاطلب منك تتصرفي ازاي، انتي كبيرة وفاهمة، عن اذنك، اوضة بابا اخر الطرقة يمين.

تحركت ليلى نحو المرآة، ثم نظرت لنفسها، ترقرقت الدموع في عينيها: هو ليه مفيش حد فاهمني، محدش حاسس بيا، محدش حاسس باللي مريته، محدش حاسس انا عيشت ايه مع الحيوان دا، انا كنت بتمنى الموت في اللحظة دي بس مموتش، انا فقدت اعز حاجة البنت بتملكها، يارب، انت وحدك حاسس بيا، انا مش عارفة اتكلم، ولا اطلع اللي جوايا، يارب انا مش قد صدمة تانية في كريم، كفاية عليا صدمة موت ابويا، وصدمة زكريا، و، وشهد، شهد اللي خانتني وفضحتني، انا مش مسامحها، مش مسامحها ابدا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة