قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الرابع عشر

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الرابع عشر

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الرابع عشر

طلب الطبيب من الوصيفة داليدا أن تستخدم المياه الباردة لخفض حرارة جسد آنيا، وجهز لها وصفة عشبية لتتناولها لتساعدها على تجاوز تلك الأزمة.

وأشفقت هي على حال تلك البائسة التي تزداد وهنا مع الوقت.
إنتابت الأميرة آنيا كوابيسا مزعجة خلال رقدتها الجبرية في فراشها، فزادت من حالتها سوءا.

كانت تصارع في أحلامها من أجل إنقاذ أبيها الذي تعشقه. ولكنها كانت عاجزة، متيبسة في مكانها. أقدامها متصلبة، لم تستطع الحركة أو حتى تحذير والدها من تلك الأفعى السامة التي تقترب منه وهو موليها ظهره.

حاولت الصراخ، لكن صوتها كان مكتوما.
لوحت بيديها بصورة هيسترية لتلفت إنتباهه، لكنه لم يرها.
هناك ثقل كبير يجثو على صدرها، ووخزات حادة تقتلع فؤادها من ضلوعها.
تسارعت أنفاسها، وتسابقت نبضات قلبها.
بكت بحرقة وبلا توقف.
شعرت بلمسة حانية عليها، بصوت رقيق يتخلل وسط آلامها ليسكنهم.
فتحت عينيها بصعوبة، فلمحت طيف الوصيفة داليدا وهي جالسة إلى جوارها، وتحدثها هامسة بنبرة مطمئنة:
-لا تجذعي بنيتي، أنا إلى جوارك.

شعرت آنيا بعاطفتها الصادقة نحوها وهي تمسد على رأسها برفق، واستشعرت قدرا من الطمأنينة وهي تمسح برقة حبات العرق الممزوجة بعبراتها من وجهها.

رمشت هي بعينيها قليلا قبل أن تستسلم مجددا لأحلامها المزعجة. فحاولت الوصيفة داليدا إفاقتها لعلها تبعدها عن تلك الهواجس المخيفة خاصة وأنه بات مزعجا عليها رؤيتها تعاني دون أن تفعل شيئا من أجلها...

تصلب الأمير عقاب بصدره العاري في جناحه الملكي أمام مساعديه الذي سارعوا في إلباسه درعه الحربي ليترك القلعة فورا بعد قرار والده السلطان.

كان واجما، شاردا، نظراته خاوية من الحياة.
لم يعرف ما الذي أصابه، ولكن حالة من الحزن الكئيب سيطرت عليه.
ورغم عدم معارضته لأي من قرارات أبيه، إلا أنه اليوم كان يشعر بأن روحه تسحب منه. هو يفقد شيئا غاليا إعتاد عليه دون أن يكون له حق الإعتراض.

تخللته مشاعر مضطربة لم يجد لها أي تفسير. ولكنها كانت تشعره بالرفض التام لما يحدث.

تشكلت أمام عينيه الحادتين صورة طيفية لأسيرته الشقراء.
ببشرتها البيضاء. وعينيها الخضراوتين. وشعرها الآسر. وشفتيها الساحرتين.

ابتسم تلقائيا وهو يتذكر لمحات من عبوس وجهها. نظراتها القوية المتحدية. قوتها الزائفة، صلابتها رغم الوهن الواضح عليها.

كم آلمه أن يرحل في هذا التوقيت تحديدا وقد ألف وجودها إلى جواره. كانت كإكسير الحياة، شيئا مميزا أعطى معنى ليومه المقيت.

لكن لا مفر من تلبية أوامر سلطانه العظيم. عليه أن يتخلى عنها ليكمل ما تربى عليه.

لا مكان للحب في حياته. فقط الكره، والعنف، والقتل، والسلطة المطلقة.
-مولاي، لقد انتهينا
قالها أحد الرجال بصوت خشن وهو يتراجع للخلف
لم يلتفت إليه عقاب، بل أشار له بإصبعيه لينصرف.
وبالفعل امتثل لأمره الغير منطوق، وأشار لبقية المتواجدين بإتباعه...
ظل بمفرده يحاول لملمة شتات أفكاره المتخطبة. وتردد في أذنيه صدى كلمات والده بأنه عاشق لتلك الشقراء. متيم بها.

فنبذ عن عقله فورا تلك الفكرة، وحاول رفضها. وجاهد لإقناع نفسه أن ما يفعله هو الصواب بعينه.

تكورت قبضتي يده عفويا، وجز على أسنانه قائلا بشراسة وهو يهز رأسه مستنكرا:
-لا أحبها، لا أحبها، ما أنا فيه هو شيء أخر!
زفر بصوت مسموع. وتحرك نحو النافذة ليستنشق بعض الهواء لعله يزيح ذلك الشعور الغامض الذي يجتاحه...

تمكن القائد جاد نيجرفان من الولوج داخل أروقة القلعة، وتسلل بحذر حتى بلغ وجهته المنشودة.

لمح عددا من الحراس يقتربون منه، فشد من كتفيه، وتجهمت ملامح وجهه، ورفع نبرة صوته قائلا بصرامة وهو يتجه صوبهم:
-أمنوا المكان جيدا، لا يريد السلطان أي تقصير!
لم يرتاب فيه الحرس، وأجابه أحدهم بنبرته الجادة: -كما تريد سيدي!
التوى ثغره بإبتسامة ماكرة وهو يرى بنفسه تمكنه من خداع أولئك الحرس دون مجهود يذكر.

لم يحتاج منه الأمر إلى مهارات خاصة لإيهامهم أنه واحد منهم، فقد صرامة وحزم ممزوجة بقوة وهيبة ليبدو مثلهم وأكثر قوة. وهي مهارات إكتسبها بالفطرة.

وقف هو عند مدخل القاعة الخاصة بالإجتماعات، وتلفت حوله بحيطة ليتأكد من عدم مراقبة أحد له، وبحذر شديد دفع الباب المعدني الكبير للأمام، وأطل برأسه ليتفقده بنظرات سريعة قبل أن يلج للداخل ويغلقه خلفه.

بحث عن بقعة مناسبة ليتوارى فيها عن الأنظار حتى تحين اللحظة المناسبة للإنقضاض على عدوه اللدود.

في نفس التوقيت، كان السلطان أسيد على رأس كبار مستقبلي الملك شيروان.
لم يتوقع الأخير أن يقابل بتلك الحفاوة - حتى وإن كانت زائفة – من أشد خصومه شراسة.

تقوس فم أسيد بإبتسامة خبيثة وهو يفتح ذراعيه قائلا بجمود: -أهلا بك في مملكتي المتواضعة
رد عليه الملك شيروان بتهكم صريح وهو يجوب ببصره المكان: -إن كانت تلك مملكتك المتواضعة، فما وصفك لمملكتي؟!
برزت أسنان الشرسة السلطان أسيد من خلف إبتسامته الوضيعة، ورد عليه بنبرة شبه مستفزة:
-إنها لا تضاهي مملكتي، ولكني سأكون سعيدا للغاية لضمها إلى سلطاني!

ابتلع الملك شيروان غصة مريرة في حلقه. وجاهد للحفاظ على بروده أمام خصمه الشرس رغم النيران المستعرة بداخله.

فكل شيء يهون في مقابل حياة ابنته.
تنفس بهدوء وهو يرد عليه قائلا: -لم أت للحديث عن مملكتي
ثم زادت لهجته حدة وهو يتابع: -أريد ابنتي، أين هي؟
رد عليه السلطان أسيد بجمود وهو يحدجه بنظراته الشيطانية: -لن تراها قبل أن نتفق!
ضاقت نظرات الملك شيروان، وهتفت محتدا: -لقد عرضت شروطك، وأنا وافقت عليها دون جدال، فأرني ابنتي!

أومأ الأخير برأسه بإيماءة خفيفة، و رغم عدم إستمتاعه بإذلال عدوه بالصورة التي يريدها إلا أنه ابتسم له بفتور فقد نفذ ما يريده بالفعل، لذا رد عليه قائلا بنبرة جافة هو يشير بيده:
-حسنا، لنتحدث داخل قاعتي
تحرك الجميع إلى الداخل. وسار الملك شيروان بكبرياء عجيب وشموخ مهيب. فبالرغم من كونه في حالة هزيمة وخضوع، إلا أنه كان واثقا معتدا بنفسه.

فما يفقد العدو لذة إنتصاره هي الإبتسام ببرود وثقة أمامه.

شهقت آنيا بذعر وهي تفتح عينيها لتحدق في السقف بخوف بعد ذلك الكابوس الذي هاجمها.

أسرعت الوصيفة داليدا إليها بكوب ماء بارد، وقربته من فمها لترتشف القليل منه وهي تهدئها قائلة:
-اهدي صغيرتي، أنت بخير
همست لها آنيا بنبرة مرتجفة وهي تبكي بخوف: -س. سيقتله مثلما قتلها، لن. لن يرحمه
ابتسمت لها داليدا، ومسحت على جبينها وهي تهمس لها بحنو: -إنها مجرد أحلام، لم يحدث شيء!
اختنق صوتها وهي تتابع بهلع: -رأيت الموت في نظراته، توسلت إليه أن يغفر له ويتركه!

توقفت آنيا عن الحديث لتلتقط أنفاسها بعد أن تسارعت شهقاتها المذعورة، ثم هزت رأسها مستنكرة وهي تهمس برعب:
-لن يتراجع عن قراره، إنه. إنه قاتل، شيطان، ألقى بها في. في الحفرة لتقتلها أفاعيه السامة!

ازدردت داليدا ريقها بتوتر. فهي تعرف جيدا عما تتحدث تلك الشقراء ( عن هوة الأفاعي القاتلة، وشهده المميت ). وحاولت الحفاظ على ابتسامتها الهادئة وهي تقول:
-أنت فقط مرهقة، فهاجمتك تلك الكوابيس المزعجة، لكن صدقيني كل شيء على ما يرام.

-إنت لا تفهمين، هو أخذني إلى هناك. هو آآآ...
قاطعتها داليدا قائلة بهدوء زائف محاولة صرف انتباهها: -لما لا تأكلين شيئا لتستعيدي نضارة بشرتك
ثم مدت يدها لتلتقط بعض الطعام وتضعه أمامها.
دفعته آنيا بيدها بغضب وهي تهتف بصراخ: -لا أريد
تنهدت داليدا بإنهاك، وفكرت في إبلاغها بذلك الخبر المفاجيء الذي عرفته قبل برهة لعل الإبتسامة تجد طريقها إليها، لذا هتفت بحماس:
-أتعلمين شيئا، لقد سمعت خبرا ربما سيفرحك.

تهدل كتفي آنيا، وبدت أكثر وهنا وهي تتمتم مع نفسها بكلمات غاضبة. ثم نكست رأسها في مهانة.

أكملت داليدا حديثها قائلة بترقب: -لقد جاء ألد أعداء السلطان أسيد إليه
انتبهت آنيا إلى حديثها، ورفعت رأسها في إتجاهها فجأة، وحدقت فيها بنظرات شبه قلقة، وبدأت دقات قلبها في التسارع.

ابتسمت داليدا بزهو لأنها استطاعت أن تجذب انتباهها، وأكملت بتشجع: -هل سمعتي عن الملك شيروان، كان بينه وبين سلطاننا العظيم معارك وحروب، واليوم هو هنا من أجل الإستسلام والتفاوض مقابل حياته!

نزل الخبر على رأس آنيا كالصاعقة، وجحظت بعينيها بهلع جلي. وارتجفت أوصالها بشدة وهي تستمع إلى باقي حديثها:
-لا أخفيك سرا، الجميع هنا سعيد بهذا الانتصار فقد أنهكتنا الحرب، وخسرنا الأعزاء والأحباب!

أخفضت داليدا نبرة صوتها وهي تهمس لها بترقب: -أتدرين ربما سيخدعه السلطان ويقتله، لا أحد يمكنه التنبؤ بأفعاله!
مع كل كلمة كانت تقولها الأخيرة قد نبضات فؤاد الأميرة تتسابق.
شحب وجهها أكثر، وزاغت أبصارها.
نعم. لقد صدق في وعيده لها، وأحضر أبيها الغالي إلى هنا. ولكن ليس من أجل التفاوض، وإنما لقتله ببشاعة.

شهقت آنيا بهلع، ووضعت يدها على فمها لتكتم شهقاتها المذعورة.
نظرت إليها داليدا بإستغراب، ورفعت حاجبيها مندهشة، وسألتها متعجبة وهي تتفحص هيئتها المصدومة بتمعن:
-ما الأمر؟ لماذا تبدين كمن رأى شبح توا
ابتلعت آنيا ريقها بصعوبة، ومدت يديها لتمسك كفي داليدا، وضغطت عليهما بأصابعها الضعيفة، وتوسلتها بإستعطاف وقد ترقرقت العبرات في عينيها:
-من فضلك دعيني أراه
سألتها داليدا بإندهاش عجيب: -من؟!

تقطع صوتها وهي تجيبها بنبرة مرتجفة: -آآ. أبي. ال. الملك شيروان!
شهقت داليدا مصدومة وهي تقول: -من!
هتفت آنيا بتوسل وهي تبكي: -دعيني أراه لمرة واحدة، هو أبي، لقد جاء من أجلي، وسيقتله السلطان
هزت داليدا رأسها بخوف وهي تقول رافضة: -لا. لا أستطيع
ابتلعت آنيا ريقها بصعوبة، وانتحبت وهي تستعطفها بنبرة مختنقة: -من فضلك، أنا لا أريد أي شيء سوى رؤيته، فقط أرشديني إلى طريقه.

رق قلب داليدا لحالها، لكنها كانت تخشى من بطش السلطان القاسي.
فأشاحت بوجهها بعيدا عنها لتتجنب نظراتها الأسفة، وهمست لها بخزي: -صغيرتي، أنت لا تعرفين السلطان أسيد وغضبه العنيف، إن ساعدتك فسيعدها خيانة، وسيلقي بي في حفرته المرعبة.

وضعت آنيا يدها على كتفها، وضغطت عليه قليلا، وهمست برجاء: -أرجوك، إنه أبي
أبعدت داليدا كفها، ونهضت من جوارها، وتحركت مبتعدة وهي تقول بنبرة مريرة: -سامحيني، أنا أخشى على نفسي مثلما أخشى عليك
لم تيأس آنيا من المحاولة. فلو تطلب منها الأمر الركوع على قدميها أمامها وتقبيلها لن تتردد في فعل هذا.

فكرت سريعا في إيجاد بديل، وهداها تفكيرها المتهور إلى تنفيذ ما إعتادت فعله، فهتفت بنزق:
-حسنا أنا أتفهم حذرك، وأنا لن أضرك، انظري، أنا سأهرب كما أفعل دوما، وسأحاول الوصول إليه، فقط دليني على أقرب ممر للوصول إليه!

التفتت داليدا برأسها نحوها، ورمقتها بنظرات مصدومة، واعترضت بخوف: -لا أعتقد أني آآ...
قاطعتها آنيا قائلة ببكاء حاد وهي تقف قبالتها: -إنه كل شيء في حياتي، على الأقل دعيني أودعه قبل أن يقتله السلطان
نكست داليدا رأسها، وتنهدت بأسف وهي تجيبها بحذر: -ربما لن يفعل، أنا فقط أتوقع الأسوأ.
هتفت آنيا بخوف: -لقد تعهد لي بقتله!

مطت داليدا فمها، وهزت رأسها في حيرة، ثم تحركت مسرعة من أمامها، وأولتها ظهرها لتقول بجدية:
-مممم. لا أعرف فيما يفكر مولاي!
استاءت آنيا من فشلها في محاولة اقناع الوصيفة بمساعدتها. فحاولت أن تفكر في بديل سريع.

رسمت على ثغرها ابتسامة زائفة، وتنهدت بصوت مسموع وهي تمسح عبراتها عن وجنتيها.

واقتربت منها، وأسندت رأسها على كتفها، وأردفت قائلة بحذر: -ربما أنا مخطئة داليدا، ربما جاء أبي للصلح معه، فأنا أعرفه جيدا، لن يقبل بإزهاق أرواح الأبرياء!

تحركت داليدا مبتعدة. وأشارت بيدها وهي تتابع بجدية: -هذه أمور القادة، ولا شأن لي بالحكم، أنا مسئولة عن الجواري هنا
لم تخف آنيا ابتسامتها الزائفة، وردت بإيماءة خفيفة: -أعلم هذا.
حافظت هي على هدوئها الزائف، وأخفضت نبرة صوتها لتقول وهي ترمقها بنظرات لامعة: -داليدا آآ.

ازدردت ريقها بصعوبة، وأكملت بنبرة صادقة: -ألا تشعرين بالأسف لحالي، لو كانت ابنتك من تتوسل إليك هل كنت تصديها؟ من فضلك، لا أريد سوى رؤية أبي، أعدك أني سأراه من بعيد، لن أحدثه.

أشفقت الوصيفة على حال تلك الشقراء. فهي طيبة القلب، مرهفة المشاعر، ورقيقة الإحساس. ولكنها كانت تخاف من انتقام سلطانها. لذا اعترضت على توسلاتها بقلق:
-ولكن آآ،!
احتضنت آنيا كف الوصيفة بعد أن التقطته برقة، وهزت رأسها بحركة بسيطة وهي تهمس بجدية:
-لك وعدي، سأراه فقط للحظة، لن أقترب منه!
رأت نظرات اللهفة والإشتياق في عينيها. فخفق قلبها أكثر لأجلها.

هي لا تستطيع منعها عن رؤية والدها. فهي تعلم بسابقتها في الهروب. و لن تتوقف عن فعل هذا، واليوم هي أعطتها الدافع لتكراره. لذا فكرت في مساعدتها تحت أنظارها لتضمن عودتها.

أخدت نفسا عميقا، وزفرته على مهل وهي تقول مستسلمة: -حسنا، سأساعدك، ولكن عديني أن تعودي سريعا
وكأن روحها ردت إليها بموافقتها، فتنفست الصعداء، وهتفت بإبتسامة مشرقة وقد زاد بريق عينيها الخضراوتين:
-سأفعل،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة