قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شمس في قلبين للكاتبة مروة نصار الفصل الأول

رواية شمس في قلبين للكاتبة مروة نصار كاملة

رواية شمس في قلبين للكاتبة مروة نصار الفصل الأول

استيقظت من نومها بتثاقل شديد .. تمنت لو تجد أي مبرر للبقاء في البيت هذا اليوم، ولكن لا مفر من اللقاء، فالتأخير لن يفيد، وستضطر للمواجهة عاجلاً او آجلاً، لذا لا داعي لأن تأخر الالم أكثر من هذا، فلتنته منه سريعاً حتي تتماثل للشفاء من تلك الأثار التي لا تزول رغم مرور كل تلك السنوات .
أزاحت الغطاء من علي جسدها، وهي لاتزال مستلقاة علي ظهرها، واستمرت تفرك قدماها العاريتان في طرف الغطاء، كان ذهنها مشتت تماما، افكارها مبعثرة، لذا حاولت أن تستجمع كل قوتها قبل النهوض .

وبعد ثلاثون دقيقة تقريباً كانت بكامل هيئتها تقف أمام باب غرفتها مرتدية بلوزة حريرية باللون الكشميري وبنطال أسود كلاسيك وتحمل حقيبة يدها الصغيرة بنفس لون البلوزة ... لا تعلم لماذا تركت شعرها منسدل ؟، فهي دائما تعقده للخلف اثناء العمل، ولكن اليوم مختلف يجب أن تكون فاتنة، بل فاتنة جدا، لذا أسدلت شعرها البني الناعم المموج علي كتفيها، وتركت العنان لخصلاته القصيرة من الأمام ترسم هالة علي وجهها فتزيدها جمالاً وفتنة وأنوثة، وكحلت عيناها بالكحل البني ليظهر جمالها بدون أن يبدو صارخ أو ملفت، واخيراً وضعت طلاء الشفاه بلون مقارب لنفس لون البلوزة، ثم وقفت تتأمل نفسها في المرآة وعندما أعجبها ما تري، غادرت غرفتها بثبات وثقة شديدة .

وقفت خارج باب غرفتها، تتأمل والدتها وهي تضع صحون الأفطار علي المائدة، وتساءلت هل ستحاول محادثتها مرة أخري ؟، هل ستعيد علي مسامعها نفس الحديث الذي دار بالأمس ؟، كانت شاردة تماما وهي تنظر لها، حتي تنبهت لوالدتها وهي تلتفت نحوها، فانتفض جسدها، وشعرت باحتياجها للتأهب لما قد يحدث، ولكن عندما تلاقت الأعين، كانت نظراتهم كفيلة بأن تبوح بكل شيء، لم يعد هناك أي داعي للحديث، فكلتاهما تعلم جيداً، أنه لن يفيد، وأنه لن ترضخ أيا منهما وتغير رأيها .
تقدمت نحو المائدة في صمت بعد أن ألقت تحية الصباح، وجلست تتناول الأفطار بسرعة شديدة، حتي تتفادي أي حديث قد ينكأ جراحها، فهي اليوم يجب أن تكون صلبة .. قوية .. لا يجب أن تضعف .

دقائق قليلة وهمت مسرعة نحو الباب، تهرول للخارج وتتمني أن ترحل في سلام، وهي تلقي علي والدتها وأخواتها التحية .
وفي تمام التاسعة كانت امام الجاليري الخاص بها القابع في أحد أحياء المعادي الهادئة، وكالعادة وجدت الفتي أكرم الذي يعمل معها في انتظارها، فقامت بأخراج سلسلة المفاتيح من حقيبتها وأعطتها له قائلة: صباح الخير يا أكرم .
فأجابها وهي يقوم بفتح الأقفال: صباح الخير يا استاذة شمس، دقايق أجيب لحضرتك النسكافيه من الكافيه اللي جنبنا وأجيء أنظف الجاليري .
أماءت برأسها له واتجهت إلي داخل المكان ثم إلي غرفة مكتبها الخاص .

وعلي الفور جلست تراجع عملها وتتأمل التصاميم الجديدة التي تنوي تنفيذها، دقائق ودخل الصبي حاملاً القهوة إليها، ثم ذهب إلي العمل .
مرت ساعة وهي منهمكة تماما حتى انها تغافلت عما كان يشغلها، ولَم تنتبه الا عندما سمعت طرقات علي باب مكتبها، ورأس أكرم تطل من خلف الباب ليخبرها بقدوم ضيف لها، لم تعلم هل تنهض؟، أم تظل جالسة، شعرت بالارتباك بضع ثوان ثم أنبت نفسها علي التخاذل سريعاً هكذا، وحاولت التماسك او هكذا هيئ لها .

بضع ثوان تفصلها عن رؤيته ثانية، هل مازال وسيم كما عاهدته ؟، أم تغير شكله كما تغير نبضها، دقات قلبها تتسارع لتعلن الحرب عليها، معدتها تنكمش من الداخل كأنها تريد أن تعتصرها، الا يكفيها ما هي فيه، أخفضت بصرها وظلت تطالع الأوراق التي أمامها، لا تريد أن تتشابك أعينهما من اول لمحة، لا تريد ان يجادلها قلبها، يجب أن تستعد اولا، ظلت تلتهم الأوراق بعينيها وكأنها طوق النجاة لها من عينيه، حتي سمعت صوته وهو يناديها: شمس .

أجفلت جفنيها، ووجلت نبضات قلبها في وهن، شعرت بأنها ستنهار،ولكنها كانت علي علم بما سيحدث، وأعدت عدتها جيداً لتلك اللحظة، لَم يكن عليها سوى أن تعيد لذهنها لمحات من الماضي، لترفع بصرها نحوه بهدوء شديد وثبات قائلة: أهلا شريف .. اتفضل
تقدم نحوها وجلس في الكرسي المقابل، وهو يجول ببصره في المكان ثم قال: اول مرة ازورك هنا، المكان جميل فعلا، وذوقه راقي اوي، الف مبروك يا شمس تستاهلي كل خير .

فأجابته بثقة: شكرا، اللي وصلت ليه ده أخذ مني مجهود كبير، ووقت وتعب عشان أوصل وأبقي في المكان ده، والحمد لله دلوقتي براند شمس قرب يوصل للعالمية، وقربت أني أصدر شغلي لدول أوروبية كمان .
تأملها بإعجاب وهو يشعر ان مهمته لن تكون سهلة ولكنها ليست مستحيلة: برافو عليكي يا شموسة، طول عمرك شاطرة، وفنانة في كل حاجة، اي حاجة كنتي بتلمسيها كنتي بتحوليها لقطعة فنية .
ضحكت بخفوت ثم قالت: شموسة .. انت لسه فاكر الاسم ده .

حدق بها قليلاً ثم نهض من مكانه والتف حول المكتب ليقف أمامها تماما، ثم انحني نحوها وهو يقترب منها هامساً بصوت يدغدغ كيانها: انا منستش اي حاجة تخصك .
رفعت رأسها وألقت نظرة عليه وهي تقاوم من داخلها رغبتها في الاستسلام وإجابته بجفاء: بس أنا نسيت، ثم نهضت من مكانها، موالية ظهرها له، ولكنه قبض بيده علي ذراعها وأدارها باتجاهه، لتصبح في مواجهته تماما لا يفصلهما سوى بضع سنتيمترات، نظرت له بعينين لا يخضعان، وقلب لا يلين، كانت نظراتها مليئة بالتحدي والقوة، لم يرتعش جفنها، ولَم تخفض نظراتها، ظل يبحث في وجهها عن أي بارقة أمل ولكنه لم يجد، لذا جذبها نحوه لتصطدم بصدره العريض، ونظر لها بتحدي أقوي قائلاً: لا يمكن تكوني نسيتي، قلبك اصلاً عمره ما كان ملكك عشان تنسي، قلبك طول عمره ملكي أنا، عيونك دي اللي مش عايزة تلين، بتقول انك لسه بتعشقيني، ايديكي اللي بتحاولي تخليها متترعش، نفسها ترجع تاني تحضن أيدي، شفايفك اللي بتحاولي تبيني انها قاسية، نفسها تاني ...

ولَم يسترسل في كلماته بل انحني سريعا نحو شفتاها يسرق منهما قبلة تعيد لها شعلة الحب الذي خبئت قليلاً، طوَّق جسدها بذراعاه وضغط عليها بشدة، وحاول ان يلتهم شفتاها ليشعل بها نار الحب ويعيد بداخلها مرة أخري ما تحاول أن تنكره، ولكنه فوجيء بها لا تتحرك، لم تقاوم، ولَم تتجاوب معه، كانت بين يديه كالتمثال لا يوجد بها حياة، فتح عيناه ليواجه نظرتها البارده له وكأنها تقول: هل انتهيت ؟.
تراجع للخلف في دهشة وقال لها: ايه اللي حصلك !، جبتي القسوة دي منين !.
نظرت له ببرود وابتسمت بسخرية ثم إجابته: أنت بجد مش عارف، والا عامل نفسك مش عارف .

اخفض بصره أرضاً وتحدث بتلعثم قائلاً: يا ... يا شمس، سامحيني .. أنا ... أنا عارف أني غلطت ووجعتك، بس مفيش حاجة تستاهل اننا نضيع الحب الكبير اللي ما بينا، يا شمس احنا مع بعض من واحنا عمرنا شهور، انا بحبك من قبل ما افهم يعني ايه حب، ارجوكي متضيعيش العمر ده كله عشان غلطة واحدة .
حدقت به بعينين حزينتين، حتي أنها لم تحاول أن تمنع دمعة من السقوط وإجابته بحزن: ...

مفيش حاجة تستاهل ... يا قلبك يا شيخ .. ووجعي السنين اللي فاتت ولا حاجة .. وحرقة قلبي وانت بتقدم حبيبتك ليا ولا كأنه حصل .. والخطوبة اللي اتعملت وعزمتني عليها بكل برود كأن مكانش في بينا وعد ولا عهد .. كل ده ولا حاجة، كل ده بالنسبة ليك غلطة بسيطة، أمال ايه الغلطة الكبيرة، ايه اكبر من الخيانة !، من انك تجرحني ببساطة وتقف تتفرج عليا !، في ايه تاني أكبر من كده !،صمتت لتستعيد انفاسها المتقطعة وتهدأ ثم قالت: أنت جاي ليه دلوقتي يا شريف ؟، ايه اللي فكرك بيا ؟، رجعت تاني ليه ؟ .

تريث قليلاً يحاول أن يجد كلمات تقنعها ولكن شعور باليأس بدأ يتسلل له، احس أن جرحها سيكون حائل بينهما ولكنه يجب ان لا يستسلم فأجابها قائلاً: جاي عشان بحبك، عشان اكتشفت اني مغفل، اني كنت مخدوع، انا طول عمري معاكي يا شمس، انتي اللي فتحت عيوني عليها، معرفتش حد غيرك، حتي في المدرسة مكانش ليا اصحاب بنات غيرك، انتي كنت كل حياتي، لحد ما حصلت الظروف اللي خلتني اكمل لوحدي، بقيت مرتبك، مش متعود اني اكون من غيرك في اي مكان، فترة ثانوي عدت عليا زي كابوس، ولما دخلت الجامعة كنت مشتت وتايه، اتعرفت علي اصدقاء كتير، شفت بنات غيرك وأتعرفت عليهم، مش حأنكر أني انبهرت بيهم مدة طويلة، وده اللي خلاني اتغيرت ومبقتش عارف احكم علي مشاعري، غصب عني تهت شوية وبعدت عنك، بس ده مش بمزاجي، ظروفك هي اللي كانت السبب، صدقيني انا ندمت واتاكدت بعد الانبهار ما راح اني محبتش حد غيرك، وان مفيش اي واحدة تستاهل تكون مكانك في قلبي .

تعالت صوت ضحكاتها الهستيرية رداً علي كلماته، ثم هدأت قليلاً وقالت: أنت مصدق نفسك، مصدق الكلام الخايب ده، جيت لما أتاكدت من حبك ليا، يعني مش لما عرفت اني ناجحة، مش لما أتاكدت أنك مش حتتكسف لما تقدمني للناس، للأسف يا شريف انت اخر واحد كنت متوقعة منه كده، عمري ما كنت اصدق انك تتخلي عني، كنت فاكرة ان اللي بينا اقوي من اي حاجة، طلع اللي بينا عبارة عن بيت من ورق شوية هوا بسهولة ممكن يهدوه، أمشي يا شريف، امشي وانسي، اللي بينا مات واتدفن، انا دفنته وعمري ما حأحيه تاني .

قالت كلماتها ثم أدارت ظهرها له، ووقفت تنظر من النافذة، حتي سمعت صوت غلق الباب، التفتت لتجد نفسها في غرفة خاوية، كانت تلك الإشارة، أشارة لقلبها ان يسقط الأغلال الذي تقيده، ولعقلها ان يأخد هدنة ويطلق العنان لمشاعرها ان تخرج في العلن، وبالفعل انسابت دموعها علي وجنتيها بهدوء ثم بدأت تدخل في نوبة من البكاء حتي كاد قلبها ان يتوقف من شدة النحيب، لم تكن تعلم عما تبكي بالفعل، عن عمر مضي في خديعة، ام عن حب لا تعرف كيف ستستمر بدونه، ولكنها علي يقين انه مهما حدث لن تعود له ثانيةً .

غادر شريف المكان كما طلبت والإحباط يتملكه ولكنه لن ييأس، كان علي يقين من داخله ان علاقتهما قوية كالجبل لن تتزحزح، وان حبهما كبير بطول عمرهما سوياً، لن ينتهي بتلك السهولة، لذا قرر أن يقدم علي خطوته الثانية، نعم سيتركها قليلاً تهدأ ولكنه لن يرحل بهذا الهدوء وسيظل يلاحقها حتي يستعيدها، لن يتنازل عنها ابدا، فهي دائما كانت ملكاً له وستظل هكذا .

في مكان اخر بمدينة أخري (شرم الشيخ )، جلس في مكتبه الفخم بداخل فندقه، كان يشاهد الشاشات التليفزيونية امامه، ليتابع سير العمل في الفندق، حتي سمع صوت طرقات خفيفة علي الباب، ليفتح وتطل منه (حسناء ) السكرتيرة الخاصة، مرر عيناه علي جسدها ببطء من أعلي لأسفل فقد كانت ترتدي فستان قصير أعلي الركبة يلتصق بجسدها كأنه جلدها، لونه اسود بحمالات عريضة علي الكتف وفتحة كبيرة من علي الصدر، تكشف اكثر ما تخفي، وعندما انتهي أشاح ببصره مرة أخري إلي الشاشات أمامه .

كانت حسناء فتاة جميلة، مثيرة، فاتنة كالعارضات، ذات قوام ممشوق، ووجه صارخ بالجمال، يفتقد البراءة فيه، شعرها ناعم طويل لونه أسود كليل حالك السواد، عيناها رمادية تميل للأخضرار، وشفتاها كحبات الكرز الذي تشتهي أن تلتهمها، نعم هي تعلم جيداً قدر نفسها، ولا تتواني في إظهار ما تملكه حتي تصل لغايتها، وغايتها هي ( قصي الدالي) سليل عائلة الدالي صاحبة سلسلة الفنادق الشهيرة في كل أنحاء العالم، ومديرها في العمل، رجل في الثلاثين من عمره، يهوي النساء الجميلات ولكن لم تستطيع أيا منهم إيقاعه في فخ الزواج، فهو كالطائر الحر لا يبني له عِش، يتنقل من غصن لأخر كما يحلو له، به كل مقومات الرجولة التي تهواها النساء .. جسد قوي .. طويل .. مفتول العضلات .. ملامحه شديدة الوسامة .. له شعر بني طويل يصل إلي مؤخرة عنقه، والأهم أن حسناء استطاعت ان تضع اسمها في قائمة نسائه، علي أمل أن تتفوق علي الجميع، وتصل للقب السيدة الأولي .

أحكمت حسناء غلق الباب ودخلت تتبختر في مشيتها بعد أن تأكدت أنها استطاعت ان تلفت انتباهه من النظرة الاولي، وأنها اصابت الهدف، وبجرأة شديدة دارت حول المكتب واتجهت نحوه، ثم رفعت جسدها لتجلس علي المكتب امامه مباشرة لا يفصلها عنه شيء، ورفعت ساقها لتضع واحدة علي الأخري بلا أدني حياء، ثم انحنت نحوه بدلال وهي تضع يدها علي خصلات شعره المتمردة وتقول: إزيك يا بيبي، وحشتني اوي .

نظر قصي لها وألقي نظرة وقحة علي جسدها ثم تحدث ببرود قائلاً: شكلك نسيتي نفسك يا حسناء، ونسيتي انك في الشغل، اللي بتعمليه ده يتعمل في أوض النوم مش في المكاتب .
ازدادت في الدلال وبنعومة اجابته: كده يا بيبي، انا غلطانة يعني انك وحشتني من امبارح بالليل، وقلت أجيء أشوفك قبل ما ابدا الشغل، ثم أعقبت كلماتها بأن وضعت ذراعاها علي كتفيه، واحتضنت بكفيها عنقه من الخلف، وهي تداعب شعره، واقتربت من فمه في محاولة منها لأغراءه بشفاهها .

رفع قصي بصره نحوها، ونظر لشفاهها الوقحة وجسدها الذي يسري به رعشة هو يفهم مغزاها جيداً وما تنوي فعله، وفِي حركة واحدة نهض من مكانه وهو يحملها من خصرها ليزيحها من أمامه، ويتجه صوب الباب قائلاً: مش بقولك نسيتي نفسك، ثم توقف والتفت نحوها قائلاً: مش قصي الدالي اللي حد يفرض عليه حاجة، أنا لما أعوز حأخد، وللمرة المليون يا حسناء مكان الشغل للشغل، ولو تصرفاتك دي اتكررت يبقي بتكتبي نهايتك مع مجموعة الدالي بأيديكي، ثم غادر المكتب ليبدأ جولته الصباحية، تاركاً أياها وهي تكاد تموت غيظاً ولكنها لن تتراجع فقط ستغير خطتها لخطة أخري بديلة .

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة