قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي عشر

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي عشر

رواية شظايا قسوته للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي عشر

ومن دون مقدمات وجدت نفسها هي من أسفله، هو من يطل عليها بهيئته الشامخة..
كالعادة عيناه السوداء الحادة كسيف مميت تخترقها، وزفرات الهواء الخشنة تلفح صفحة وجهها الأبيض..
لتغلق عيناها خشيةً من تلك النظرات التي تهدم أي ثبات داخلها!
تشكل هجومًا عنيفًا على خصوصيتها في الثبات والأستقلال امامه!
بينما هي في دائرة ذاك الأقتراب الخطر، وما يعني أن دقاتها تُبطئ بخوف رويدًا رويدًا!

قطع ذاك الصمت صوته الأجش وهو يسألها:
كنتِ بتعملي إية؟
رفعت كتفيها قليلاً تحاول إختلاف البرود:
كنت آآ كنت بس بجيب الهدوم المش نضيفة عشان داده فاطيما هي اللي طلبت مني، غير كدة والله مكنتش طلعت صدقني وبعدين انا مش مستغنية عن آآ..
قاطعها بجدية خبيثة:
هشش افصلي شوية، وبعدين حد قالك إن الهدوم عليا ولا إية؟
همست ببلاهة:
أكيد لأ يعني
رفع حاجبه الأيسر يسألها:
امال إية
مدت يدها تحاول دفعه متابعة بتلعثم:.

طب آآ ابعد بقا لو سمحت
سألها بعبث:
ولو مابعدتش؟
ولا تعرف ما جعلها تتحداه بقولها:
هقول لخالتو جميلة ودادة فاطيما، الصقر حابسني في اوضة
كادت تنطلق منه ضحكة خافتة على تلك الطفلة التي بين يديه، والان ادرك سبب انجذاب الجميع لها
روحها التي تأسرهم بخيوط طيبتها وحنانها!
واجاب بجدية مصطنعة:
قولتلك أنا الصقر، مابخافش من اي حد غير اللي خلقني
اومأت مسرعة بتوتر انتهى من افتراشه على ملامحها التي كانت هادئة:.

طيب انت اصلا مفيش حد زيك، ممكن تبعد عشان لو حد شافنا هتحصل حاجة مش كويسة ابداً
مط شفتيه وهو يردف:
معنديش اي مشكلة عادي يعني هما متعودين على كدة
ووغزة في قلبها جعلتها تسأله:
اية ده، يعني متعودين يدخلوا يلاقوك مع واحدة في اوضتك!؟
ولاحت ذكرى تقبيله للفتاة جالبه معها نكد فطري للأنثى - المصرية - في اوقات التوتر!
اقترب اكثر ليداعب انفها بأنفه مشاكسًا:
وإنتِ مالك اتضايقتِ لية؟
هزت رأسها نافية:.

لا خالص وانا مالي اصلاً
اقترب رويدًا رويدًا، وكاد يلتهم شفتاها فأبعدت رأسها على الفور لتتفاداه فارتكزت القبلة على رقبتها البيضاء التي ظهرت أسفل حجابها!
وشعرت انه صك ملكية لها إهانة ابدية!
ثم دفعته بكامل قواها المختزنة، وابتعد هو بأرادته فنهضت وكادت تسير إلا انه اوقفها:
هو انا قولت لك تمشي؟
أمر جديد يقيدها دون إرادتها، قيده كلمة منه! ولكن كلمة ملغمة بالتهديد المعهود في نبراته..

فألتفتت له متساءلة بخجل وضيق معًا:
نعم في حاجة تاني؟
غمز لها بطرف عيناه متابعًا:
ماخدتيش الهدوم
ابتسمت نصف ابتسامة محرجة من الأرتباك الذي فرض مقاليده على ذاكرتها فأنساها ما أتت له!
ولأول مرة يبادلها الأبتسامة الهادئة!
معجزة ستدون في تاريخهما معًا
الصقر يبادلها الابتسامة؟!
إلتفتت تأخذ الملابس مسرعة متلعثمة، لتسمع صوته الجاد وهو يدعك رأسه:
اعمليلي كوباية قهوة يا سيلا لو سمحتِ
اعترضت هادئة:.

مينفعش قهوة على الريق كدة
هز رأسه نافيًا بنفس وتيرة الهدوء:
لأ انا مش لسة صاحي، صاحي من بدري بس كنت بشتغل وغفيت في النوم
اومأت موافقة:
حاضر
ثم إستدارت تغادر، تركته متعجبًا من حالة الهدوء تلك!
والأعجب الصقر يبرر لشخصًا؟!
ضرب رأسه برفق هامسًا لنفسه:
في إية فوق من امتى وانت بتبرر تصرفاتك لحد!

دلفت رقية إلى غرفتها بهدوء، إرهاق يتلبسها من نومتها على الأريكة في المستشفى بجوار جدها..
بالطبع السبب إصرارها على البقاء..
لم تفعل شيئ وفجأة وجدت مجدي يضيئ النور جالسًا على طرف الفراش!
نظرت له بذهول للحظات قبل أن تسأله ببلاهة:
مجدي إنت هنا؟
سؤالها بالرغم من سذاجته، إلا انه وصله مرافقًا بالصدمة وعدم الرغبة!
فنهض يقول بسخرية:
أية مكنتيش متوقعة أني اجي ولا أية؟
ونفسها الثائرة الغاضبة...

كرامتها كزوجة وانثى عاشقة، هي من نطقت بحروف كستها بالحدة والسخرية:
اه مكنتش متوقعة ولا عايزة اصلاً
طحظت عيناه بصدمة فلم تعطيه فرصو للرد وقالت:
اصل عرفت ان صباحيتك النهاردة صح مبروك
للحظة كان سيتهاون أمام الحزن الذي قرأه بين سطور عيناها...
سينسى كالعادة ويتغاضى ليأخذها في رحلة جديدة من العشق يعلمها فيها حروف الأبجدية!
ولكن كلمات والدته ترن في اذنيه كأجراس تأمره ببدء الحرب واخذ الثأر!

فبادلها بنظرات قاسية وهو يردف مزمجرًا:
انا حر اجي وقت ما اجي عشان اشوف مراتي، واه كانت صباحيتي عاجبك ولا مش عاجبك؟!
لا تصدق ذاك الجبروت والبرود الذي يضعهم امامها كغلاف لعيناه المبررة!
ولكنها الاخرى اومأت ببرود:
اه مش عاجبني، وبعدين خلاص مبقاش من حقك
واصطنع عدم فهم مغزى عبارتها الذي كان يظهر بكل وضوح وهو يسألها:
يعني أية؟
رفعت كتفيها مجيبة ببرود:.

مش معقول الحاجة الوالدة ماقالتلكش ولا اية، تؤ تؤ ماتقوليش انها اتكرمت وكانت بتحافظ على بيت ابنها اللي هي عايزه تخربه اصلاً
كز على أسنانه بغيظ وقال محذرًا:
رقية أعرفي لكلامك عشان مش همسك أعصابي اكتر من كدة
وجدتها كحلقة امامها مفتوحة لتدلف فيها لتحرقه اكثر كما احترقت هي
ولكنها لم تلحظ أنها من الممكن أن تُحرق هي، وصاحت فيه مشيرة:.

لا مش هراعي، مش هراعي ومش هعرف لكلامي زي ما انت ماراعتش شعوري لما روحت اتجوزت عشان تخلف، ماراعتش أن انا كمان اكيد نفسي اخلف، ماراعتش أن كل ده بسببك اصلاً انت بس، أنت اللي حرمتنا إحنا الاتنين من الحق ده
إتسعت حدقتا بصدمة!
توقع جرحها وحزنها منه، ولكن لم يتوقع ذاك العمق الذي يجعلها تُسبب الاسباب بشكل خاطئ - من وجهة نظره -
فسألها هامسًا بصدمة:.

أنا السبب! اللي يشوفك يقول إن انا فضلت اصلي وادعي ان ربنا يجعلك مابتخلفيش؟!
وهي الاخرى لم تصدق ما قالته، تركت لجام غضبها قليلاً فكادت تحرق نفسها بهذا الغضب قبله!
ويا ويلها أن علم أنها تأخذ - مانع للحمل - بأستمرار!؟
هزت رأسها نافية بيأس:
خلاص على العموم الكلام مابقاش ينفع يا مجدي
تغاضى عن كلامها وهو يسألها بغضب اعمى لإهانة والدته:
ثم أنك ازاي تعملي مع امي كدة، وهي في بيتك كمان؟!
اجابته دون تردد بحماقة:.

وأنت كنت عايزني اعمل اية، ده كويس جدًا إن معملتش اكتر من كدة كمان
وعندما تتكاثر الصدمة عليك في شخصًا كنت تعتقده شيئً كامل ما به سوى ثقوب صغيرة!
وتتفاجئ أن تلك الثقوب اصبحت حفرة واسعة، وجدًا!
تزداد رغبتك في حرق ذاك العشق لتظهر رائحته إن كان له رائحة!
أشار لها بيده مذهولاً:
يعني إنتِ بتقولي ادامي عادي ومش هامك أن دي امي؟!
اومأت بكل برود:
ايوة لان انا مغلطتش كنت باخد حقي
وكلاً منهم يرى من قالب معين..

هي لم تهين والدته من الأساس
وهو يراها تتفاخر بإهانة والدته امامه!
وعُقد لسانه فلم يجد سوى الصفعة ردًا على إهانة تردد صداها عليه هو!
ولم تجد هي سوى الصراخ في وجهه باهتياج:
طلقني يا مجدي، طلقني انا مستحيل اعيش معاك
اومأ بأنفعال:
هطلقك يا رقية لإن انا مابقتش عايز واحدة بتهين امي ومابتخجلش من غلطها!

ركض ياسين لسيارته منطلقًا لدار الأيتام!
ألف فكرة وفكرة مخيفة وردت على عقله فجعلته يسرع اكثر كطير يرغب التحليق ليلحق بما تبقى من الأمل!
قلبه يعتصر بخوف حقيقي، يعتصر بعصابة مميتة تشكلت على هيئة جملته السابقة للمرضة:
أقفلوا عليها الباب وأنا جاي
لعن لسانه في تلك اللحظة..
يا ليته لم يخبرها بأغلاق ذاك الباب!
يا ليته لم ينطقها ويأسرها مع وحوشها الخيالية فلا تجد من تختبئ خلفه.

فتُفضل حافة الموت لتختفي خلفها ومعها!
وصل امام الدار فترجل من سيارته وقدماه تتحرك نحو الداخل تلقائيًا..
وجد سيارة الأسعاف امام الدار..
فازداد قلقه اضعافًا!
دلف ليجدهم يحملوها متجهين لسيارة الأسعاف..
ظل يمسح على شعره عدة مرات وهو يرى صفحة وجهها الأبيض اصبحت شاحبة كشحوب الموتى..
الدماء تغطي يدها اليمنى!
وشفتاها الوردية اصبحت كزهرة ذبلت!
شفتاها فقط..

اصبحت هي شخصيًا زهرة لم تجد حارسها فاختارت الذبلان طريقًا إجباريًا!؟
واللوم لنفسه لا يتركه فيلتف حوله كسلاسل حديدية تخنقه..
اتجه لسيارة الأسعاف، فسأل الطبيب بوجه واجم:
هينفع أركب معاها؟
سأله بهدوء:
بصفتك؟
اجابه بأسف:
الدكتور النفسي بتاعها، بس ضروري أكون معاها
اومأ الاخر مشيرًا لها:
طيب يلا بسرعة عشات بتنزف
استقل السيارة معهم وتلقائيًا امسك يدها، وهو جالس لجوارها يهمس بأسمها بحزن وضيق:
نادين، أنا اسف.

ولكن بالطبع لا من مجيب، سمع فقط همسه صدرت بصعوبة:
س سليم!
بالرغم من صدمته، من تعجبه وأندهاشه، إلا ان جزءً من الاطمئنان طاف بخلده، على الاقل هي بخير الان!
ماذا عساه أن يفعل؟!
اخرج بهاتفه ليتصل بتلك الممرضة، والتي اجابته بسرعة:
ايوة يا دكتور ياسين؟
مين سليم اللي بتقول أسمه؟
اخوها يا دكتور
اخوها ازاي؟!
اللي جابها هنا يعني قصدي
على العموم مش وقته، أتصلي بيه وعرفيه اللي حصل خليه يجي على المستشفى.

على اي حال هو هيعرف لأنه صاحب الدار، لكن حاضر هاتصل بيه حالاً
سلام
مع السلامة
اغلق الهاتف وهو يتنهد بقوة..
يسأل نفسه بحيرة لمَ شعر بفتيل حارق داخله يشتعل من همستها تلك؟!

جلس سليم مع جميلة في مربع اسرارها - حديقة المنزل الواسعة - يرتشف القهوة بهدوء في الهواء الطلق..
عله يفرغ عقله من تساؤلات كثيرة متشابكة بعقله لا تتركه!
نظر لخالته التي كان حالها لا يختلف عن حاله كثيرًا وقال بهدوء:
بقولك إية يا خالة
حانت منها إلتفاته منتبهة، ليسألها:
متعرفيش دارين هنا في الأقصر ولا لا
رفعت كتفيها مجيبة بلامبالاة:
لا والله معرفش، ده انا حتى مابكلمش امها بقالي شوية كدة.

عقد ما بين حاجبيه بسخرية غير مقصودة:
لية يا خالة مش دي اختك وبنت اختك الأمورة اللي دبستيني في خطوبتها
قهقهت جميلة متابعة:
لا صدقني يا سليم البنت مش وحشة، هي بس محتاجة شوية تظبيط وانا متأكدة أنك انت اللي هتعمل كدة
اومأ بغرور لا يصطنعه..
كلامها يشبع غزيرته الرجولية الحادة المتكبرة!
وإرتشف من القهوة قائلاً:
اه طبعاً هو انا اي حد، ده انا سليم الصقر
ووجدت حنينها لأستسلامه هو من يسأله:
لأمتى يا سليم؟

إلتفت لها بهدوء:
لأمتى اية؟
اكملت بتنهيدة:
لأمتى هتفضل تقول سليم الصقر، إنت مش سليم الصقر، ليك اسم عيلة يا حبيبي
عائلة!
كلمة وضع عليها - غبارًا - من النسيان عن عمد!
كلمة كرهها حرفيًا ولم يعد يريد حتى تدخلها ولو بلفظ في حياته!
وأردف بعنف وهو يترك قهوته:
لأ يا خالة، اسمي سليم الصقر بس، وأن كنتِ بتحبيني فعلاً ماتجبيش السيرة دي ادامي تاني
وكالعادة كادت تعترض، ولكن قاطعتها رنات هاتف سليم.

التي وكأنها شعرت بدقاته التي كادت تتوقف من كثرة الأنفعال!
ليجيب سليم بجدية:
الوو نعم
وحدق امامه وهو ينهض:
نعممممم، انا جاي حالاً
واغلق الهاتف ليهرع لغرفته ركضًا لتبديل ملابسه والاتجاه للمستشفى دون ان يشرح حتى لخالته التي سألته بقلق!

أمام المنزل، بمسافة متوسطة الى حدا ما، كانا رجلان ملثمان، ذوي عضلات مفتولة وملابس سوداء توازي حلكة قلوبهم الخاضعة تحت حب الأموال وطاعة من يعطيها لهم!
رفع احدهم الهاتف يجيب:
ايوة يا باشا
انتوا فين، وشوفتوه ولا لا
اهوو خارج ادامي يا باشا
قالها وهو يراقب بعيناه سليم الذي خرج لتوه من المنزل مسرعًا فأمره الاخر:
تدخلوا براحة وبدون مشاكل محدش يحس بيكم
فتابع الاخر مؤكدًا:
حاضر يا باشا حاضر.

تخلصوا اللي امرتكم بيه وتمشوا علطول
اوامرك
بس لو حد حس اوعوا تستسلموا ليه وخلصوا عليه هو كمان
اكيد يا باشا
خلص واديني خبر
حاضر يا باشا تحت امرك.

أغلق الهاتف وهو ينظر لصديقه هامسًا بخبث:
يلا يابني، قتلة تفوت ولا حد يموت!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة