قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع والثلاثون

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع والثلاثون

رواية شرقية غزت قلبي الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع والثلاثون

- لا اريد تركك ابدًا
غمغمت ليان بصوت متحشرج وهي تضغط بقوة على كف الجدة، لترد الجدة بمشاكسة محببة
- ياإلهي ما الذي تفكرين به يا فتاة، سأنتظر ولادة تلك الشقية
ترقرقت عيناها بالدموع وهمست بتوسل
- عودي معنا
ابتسمت الجدة بمرارة وهي تحاول ان تبتلع الغصة المؤلمة في حلقها لترد
- لا تحتاجوني
هزت ليان رأسها نافية وقالت
- زين يحتاجك
ربتت الجدة على كفها ثم قالت بنبرة ذات مغزى.

- بل يحتاجك انتِ، انتِ والصغيرة، انتِ عائلته حافظي علي ذلك الاساس جيدًا والا سينهار كل شيء
انفجرت ليان باكية وهي تزيل دموعها بكف يدها الحرة لتهمس برجاء آخر
- كوني بخير
اتسعت ابتسامة الجدة وقالت
- سنتواصل صباحًا على ذلك البرنامج
هزت رأسها بيأس
- حسنًا
تطلعت الجدة الي ملامحها العذبة برقة وقالت بتساؤل
- هل اخبرك؟

الليلة الماضية، التي بمثابة اغلاق الدفاتر القديمة، اخبرها كل شيء علي ما فعله ب تيم، حياته في الخارج، أربعة الأعوام التي قضاها في الخارج بعيدًا عنها، زفرت بحرارة وقالت
- أخبرني كل شيء، اعتقد اننا متعادلان الآن
اومأت الجدة راسها بتفهم وقالت
- جيد، حافظي على حفيدي
- انه هنا جدتي
صدر صوته الرجولي وهو يقترب من فراشها، طبع قبلة علي جبينها ثم نظر اليهم بتفحص وهو يري دموع ليانه التي تهبط بصمت، فقال بفكاهة.

- اري انه لا حاجه لي هنا
راقبت عيناه الشغوفتين المعلقة على زوجته لتبتسم بنعومة قائلة
- تعال عزيزي
جلس بجوارها علي الفراش وضم كفي ليانه بين كفيه وازال دموعها بانامله وهو يسألها في خفوت عن سبب بكائها، نظرت ليان الي الجدة بعتاب، هي من أصرت على عودتهما لمنزلهما، أصرت بشدة حتى استسلم زين راضخًا لطلبها، بادلتها الجدة بابتسامة ناعمة ثم التفتت الي زين متسائلة
- تلك الفتاة تحفظك داخل قلبها، اين تحفظها انت؟

نظر الي ليانه بشغف شديد وظهر بريق وامض في عينيه قائلا ً
- تعلم جيدًا اين احفظها جدتي
ابتسمت ليان بين بكائها الصامت لتنفجر الجدة ضاحكة، حفيدها ما زال محتفظ بمشاعره عن الجميع سواها، تمتمت بعبارات راضية ثم التفتت الي زين
- أيها الماكر، لا تريد الإجابة
ثم استرسلت بنبرة عذبة
- حفظكما الرب، سأنتظر خبر مولدك.

قام زين من الفراش لتتبعه ليان وهي تنظر الي الجدة بعتاب طفولي، انفجرت الجدة مرة أخرى ضاحكة، لتهمس ليان بعذاب
- الى اللقاء جدتي
تمتمت بين شفتيها
- وداعًا.

زفرت براحة حينما أغلق الباب خلفها، ليست انانية لتلك الدرجة لتجعل حفيدها كل يومين يذهب باكرًا إلى عمله ويعود في منتصف الليل، رفعت عيناها نحو السقف مبتسمة بنعومة وسعادة داخلية انفجرت في أوردتها، جميع من عائلتها بخير وأصبح لكل منهما عائلة خاصة به وهي ادت مهمتها بنجاح ساحق.

بعد مرور ثلاث أشهر...
جالسة معه في المقهى بقرب الجامعة، تستمع إلي سخطه وتذمره من شقيقها الذي تفنن بتأجيل الخطبة المزعومة، زفر سالم بحرارة
- ذلك، يا إلهي انه يفقد صوابي، أتعلمين ذلك!

همت ان تضع كفها على ذراعه لكن في اخر ثانية اشاحت بيدها، متذكرة أول قاعدة عدم وجود احتكاك بينهما وهي حتى الآن ليست زوجته، لقد كان منتظرًا تذمرها لكنها فاجأته بابتسامة ناعمة جعلته يقف مبهوتًا، ظنت ان القاعدة سهلة لكنها صعبة، صعبة للغاية، هتفت بدلال
- تحمل القليل عزيزي، لقد هاتفت سارة واخبرتني انها ستحضر موعد ولادة ليان
ضغط سالم بأنامله على كوب القهوة وقال بيأس
- لا يوجد لدي سوى الانتظار.

أرادت تلك المرة أن تحتضنه، لتتذكر القاعدة الثانية يمنع بتاتًا وجود أي تلامس جسدي ولو مؤازرة حتى تصبح زوجته ، لتهتف بإستسلام
- نعم
صمت طويل اطبق على انفاسها لتقاطع الصمت قائلة بنعومة
- أتعلم كان امر ممتع وانا اتسوق بجوار ليان ونختار الثياب الزهرية للطفلة، أتعلم لقد اصر زين يوم ولادتهم ان يرتدوا الازرق وليس الزهري
حدق بها بدهشة ثم هتف بتعجب
- حقًا!
هزت رأسها وقالت.

- نعم واستغرقت وقتًا طويلا للعزوف عن رأيه، انه مثل الحجر
ارتشف القهوة من الكوب وغمغم بحنق
- وشقيقك ايضًا
هتفت بتساؤل
- ماذا قلت؟
زفر بحرارة وود للحظة أن يلتمس اصابعها المخملية، يلعن الان تلك القواعد التي شرعها، يلعن وبقوة لكن صبرًا، قال بحرارة
- قلت متى سنتزوج لولي؟
تخضب وجنتيها بالحمرة وهمست.

- احب ذلك الاسم كثيرًا منك، ( ثم تابعت بعد ان نظرت الى ساعة معصمها ) إذا يا استاذي يوجد لديك محاضرة الان، بالتوفيق عزيزي ( ثم همست بتحذير )واحرص على عدم النظر للفتيات
انفجر سالم ضاحكًا مستمتعًا بغيرتها ليقول
- لا تقلقي عيناي لا تنظر سواكِ
صمت للحظات وهو يراقب عيونها العسلية الدافئة بافتتان لتهتف بعبث
- ستتأخر حبيبي، سأنتظرك بعد انتهاء المحاضرة.

نظر اليها بنظرة مطولة لتقابل تلك النظرة بأبتسامة مشاكسة وهي تحدق في كوب قهوتها منتظرة اعلان سالم ملكيته عليها.

هبطت سارة الى مستوى الصغير تسأله بعد ان اعطته لوحته لتقول بمحبة
- هل أعجبتك عزيزي؟
رفع الصغير عيناه الفيروزيتين وقال بانبهار شديد وهو يتمسك بلوحته بين يديه الصغيرة
- كثيرًا جدًا، شكرًا لك.

طبع قبلة سريعة علي وجنتها لتبتسم بمحبة وهي تستقيم واقفة، تنظر إلى محلها الصغير بفخر شديد، لم يكن الأمر صعبًا للحصول على غرفة ذات واجهة زجاجية أمام حوض السباحة الضخم في تلك السفينة، نظرت الى ساعة معصمها وهي تعلم أن استراحه القبطان قد أتت،
خرجت من المحل وهي توصد الباب ثم التفت خارجًا باحثة عنه في مكانه المفضل مؤخرة السفينة ، توقفت للحظات حينما رأت هيفاء تقترب من قبطانها حاملة معها الهاتف في يدها،.

تصاعد نار يتآكل في أحشائها من تلك الحسناوات اللاتي تلتصقن به كالغراء منذ بداية رحلتهم رغم اعلانه للزواج منها ونشر عدة صور علي صفحته الشخصية لكن هذا لم يزدهن سوي تشبثًا به، بدون أدنى تفكير أو تعقل أطلقت قدميها لتتحرك نحو تلك المائعة،
التقط اذنها صوتها المغناج المتعمد
- من فضلك صورة واحدة فقط.

بالطبع تطلب صوره منه، يعتبر من أشهر الرجال وسامة على موقع التواصل الاجتماعي خاصة انستجرام ، عقدت ساعديها على صدرها وهتفت بصوت مغناج ك صوت تلك المائعة
- هيا عزيزي أعطى لتلك الحمراء صورة
لم يبدو على ملامحه آثار الاندهاش، ضيق حاجبيه وغمغم بعبوس
- سارة
زفرت سارة بحرارة، انها تعلم خالد، تعلمه جيدًا وعيناه لا تنظر سواها هي، لماذا إذا تشعر بتلك الحرقة وهي واثقة به!

لم ذلك الشعور الغبي الذي يهدد بسلامة عقلها إن رأت اي انثي مائعة تحوم حوله، فكت أسر خصلات شعرها ليهبط إلى أسفل جذعها، تعلم أنه شدد بأحكام خصلات شعرها في الخارج لكنها انثى وتغير علي رجلها،
رأت عيناه تتوعدانها لكنها لم تعبأ، تعلم عقابه معها، اقتربت من الحمراء وهتفت بصوت ناعم
- هل تفضلين عزيزتي ان التقط لكما الصورة؟
وضعت الحمراء يدها على ثغرها وهتفت بنعومة مماثلة
- هذا لطف منك حقًا.

تمردت خصلات شعرها الغجرية علي وجهها بسبب فعل الهواء المنعش لتضع خصلات شعرها خلف اذنها وهي تلتقط الهاتف وتنظر الي خالد بمكر، غمغم خالد عابسًا ل يدس يده في جيب بنطاله
- سارة
لم تعبأ سارة بنبرته الاجشة لتهتف الي الحمراء المائعة
- جاهزة
اومأت الحمراء بحماس لتقترب منه ملتصقة، تغضن جبين سارة بغضب و همست ببرود
- لا حبيبتي احفظي مسافة متر بعيدة عنه
حدقت المرأة بدهشة
- معذرة!

تحولت نظرات سارة الناعمة لأخرى شرسة وهي تقول بتحذير
- مترين وأن تفوهتي بأي كلمة سأكسر ذلك الهاتف
أومأت المرأة صاغرة خوفًا أن تهجم تلك المختلة عليها، التقطت سارة الصورة بامتعاض شديد دون أن تركز في جودة الصورة أو الزوايا، نظرت الى الصورة بابتسامة باردة
- صورة قبيحة، ( ثم نظرت اليها بوعيد شديد) لا تنشريه على الانستغرام.

فرت المرأة هاربة لتقع بأنظارها نحو الذي ضحك بخشونة امامها، نظرت اليه بوعيد وهي تلف يدها حول ذراعه قائلة بابتسامة ناعمة
- هيا حبيبي دعني اريك شيئًا
صوت ضحكاته الصاخبة اثرت علي نبضات قلبها، نظرت اليه بعدائية شديدة وقالت
- لماذا تضحك؟
لف ذراعه حول خصرها وقادها الى غرفته ليهبط براسه الي عنقها يطبع قبلة ناعمة ثم همس بنعومة
- اضحك لان نجمتي تثبت ملكيتها عليّ.

دفنت وجهها في صدره تتنفس رائحه عطره الموشومة برائحة جسده الرجولية بأنتشاء شديد، سكنت بين ذراعيه ولم تنتبه انه اغلق باب الغرفة، رفعت عينيها إليه وهمست بغيرة
- لا تفعلها مرة اخرى، المرة القادمة سأقتلع خصلات شعرهن
اومأ موافقًا وهو يقبل وجنتها بنعومة شديدة ليقول
- شرسة نجمتي.

نظر إلى نجمته بافتتان شديد، كانت اروع ثلاث أشهر قضاه في حياته، لوهلة شعر أن أعوامه السابقة انه لم يعش، بل لم يذق طعم سعادته سوي بين ذراعيها، رغم غيرته الشديدة والحارقة ان اقترب اي رجل حولها بل اصر بشدة حينما تفتح محلاً الا ترسم رجلاً سواه هي الاخري تفننت بأعلان ملكيتها عليه أمام النساء اللاتي لا تتوقفن عن النظر إليه، لكن عيناه شبعت، شبعت بوجود نجمته.
تملصت سارة من بين ذراعيه وهمست.

- حسنًا انتظر للحظات
اقتربت من اللوح الأبيض الضخم ثم أزاحت القماش الأبيض من عليه وهمست بتساؤل
- ما رأيك؟
فغر فاهه للحظات وهو ينظر الي الرسمة الخاصة به وعلياء، الصورة تعبر عنه بعيناه التي تنظر بتصميم ويمسك يد شقيقته بقوة متحديًا اي رجل يقترب منها، وهي تنظر بنعومة الى شخص اخر، شخص آخر في الفراغ رغم قربها منه وهي تمسك يده بقوة هي الأخرى متشبثة به، انتبه الان الي صوتها المتسائل ليهمس بإنبهار.

- انها مذهلة، رائعة
تفاجيء بعناقها الدافيء بين ذراعيه، تتوسد صدره تدمدم برضا تام، رفعت عيناها تنظر الى عيناه الغائمة بالعاطفة وقالت بنعومة
- بالطبع انا من رسمته
عيناها الناعسة طالبه وصاله جعلته يجلي حنجرته بارتباك، اقترب محتضنًا وجنتيها بين كفيه هامسًا بخشونة
- تري كم تبقى من الوقت في استراحتي؟
لمعت عيناها بشقاوة وهي تطوق عنقه بذراعيها هامسة بسؤال ماكر
- لماذا؟
نظر الى ساعة معصمه وهتف بعبث.

- اعتقد انه وقت كافي
ثم أنهى حديثه بعناق حار بين ذراعيه، اخذًا انفاسها بين طيات صدره، تلك المرة يتأني في كل فعل وحركة تصدر بها شفتيه وانامله علي جسدها المرتعد بقوة بتلك العاطفة، يحلق معها في الفضاء الخارجي، عالم معه تلك العاشقة للشوكولا بين ذراعيه فقط.

نقرات هادئة على باب غرفته، استعد وهو يضع يده على ذقنه متمعنًا النظر لتلك الفاتنة التي تسير بخطوات واثقة أمامه غالقة الباب خلفها، ازدادت فتنة بتلك السراويل العملية وحذائها الابيض الرياضي بدلاً من كعب حذائها، رغم نظراتها الواثقة إلا أنه لم يمنع من رؤية ذلك الارتجاف في جسدها، فتنة متحركة تسير على قدمين، رفع عينيه إلى تلك العقدة السخيفة ونظارتها السمكية بخبث شديد...

دارت حول المكتب لتقترب منه وهي تهبط بجذعها تضع الأوراق على سطح المكتب قائلة بصوت عملي
- اتفضل يا فندم الملف اللي طلبته
نظر نحوها بوجوم واشار بعينيه اليه قائلاً
- تعالي
رغم تصنعها الجدية والبرود الا ان ذلك لم يمنع زحف تورد في وجنتيها لتقول بتوبيخ محبب
- راشد احنا في الشغل
امسك معصمها واجلسها على فخذيه، شهقت بقوة وهي تحاول يائسه الخروج بين بين ذراعيه لتهتف بخجل
- افرض حد دخل علينا دلوقتي.

اقترب هامسًا أمام شفتيها بإغواء
- راجل ومراته محدش ليه عندنا حاجه
نفخت وجنتيها بغيظ شديد لتقول
- راشد بجد متخلنيش اندم اني رجعت اشتغل هنا
اعتصر ذراعها بقوة جعلها تصدر تأوه خافت وحدجها بنظرة قاسية قائلاً
- ومين هيسمحلك اصلاً انك تبعدي
صمت للحظات وهو يلاحظ تألم وجهها ليطلق شتيمة بذيئة قبل أن يهتف بمكر
- ثواني بس المشهد اللي فات كنت بعمل ايه؟
ضيقت عينيها وهمست بمكر
- بتعمل ايه!

اصطنع التفكير قبل أن يهجم عليها قائلاً بتسلية
- اه افتكرت
هبت فورًا مبتعدة عنه وهي تراه كان علي وشك السقوط ارضًا انفلتت ضحكات متشفية وهي تراه يتوعد بعينه امامها وهو يستقيم واقفًا مقتربًا منها، كالصياد الذي أوشك القبض على فريسته، وحينما هم بمسك معصمها فتح الباب فجأة ليصدر صوت متعجب
- بابا
نظر راشد الي يامن بعيون مشتعلة ل يسب بين خلجات عقله صائحًا بحنق
- يا بن اللذينا.

رمش يامن أهدابه عدة مرات وهو ينظر الى باب الغرفة ثم إليهم ليقول متصنعًا الغباء
- هو مش ده مكان شغل ولا اوضة نوم بردو!
احتقن وجه راشد وارتسم على وجهه علامات الغضب الشديد لتنفلت ضحكة ناعمة من هند وهي تقول هامسة
- انت اللي جبته لنفسك
نظر اليها بوعيد شديد جعلها تقر معترفة
- طلبت منه يعدي علينا قبل ما اخلص شغل، ( اقتربت تقبل وجنته وهمست بوداع خافت ) اشوفك يا بيبي في النادي.

ثم نظرت الي يامن الذي يترصد منهما اي فعل فاضح لتقرص وجنته بخفة وقالت
- يالا يامن
انطلق يامن خلفها بطواعية وهو يشد من حقيبة ظهره، رفع بصره إلى أبيه بعبث ليرفع بأصبع السبابة والوسطي كتحية صغيرة قائلاً
- مع السلامة يا بوص.

ابتسم راشد حينما أغلق يامن الباب، عاد يدور حول مكتبه وهو يجلس على المقعد باسترخاء شديد، لقد ابهرته هند بمحافظتها على صغيره واهتمامات عائلته ثم اهتمامه الشخصي، لقد أصبحت تراعي الجميع، ابيه، جدتها، صغيرها وبالنهاية تكثف دلالها واهتمامها عليه في أوقات الطعام وأوقاته الخاصة، لقد جعلته يهتم اكثر من اي وقت سابق باجتماعات عائلته، ما كانت حياته ستسير علي ذلك النهج الصحيح لولاها، لقد عادت روح المنزل الدافيء بوجودها ويالها من نعمة كبيرة يجب عليه المحافظة عليها.

جالسة باسترخاء شديد على الاريكة تنظر الي بطنها المنتفخة بسعادة، لقد اقترب مولد صغيرتها، وزين يبدو متحمسًا اكثر منها لرؤيه الصغيرة، وضعت السماعة على اذنها لتستمع الي صوته الرجولي قائلاً
- ما أحوال صغيرتي؟
دمدمت بنعومة شديدة وهي تنظر الى ارجاء الشقة الاكثر دفئًا عما سبق
- بخير، للغاية، تشتاق اليك كثيرًا
أراح زين رأسه على المقعد وقال بنبرة ذات مغزى
- وماذا عن والدتها؟

وضعت ليان يدها على بطنها حينما شعرت بحركتها لتتأوه في خفوت ثم ابتسمت قائلة
- تشتاق لوالدتها، ليان تطلب منك العودة مبكرًا
شعر بالقلق سماعًا لتأوها الخافت، لطالما طمأنته الطبيية على وضعها الصحي ووضع الجنين، همس باشتياق
- لا تقلقي سأعود في موعدي ان شاء الله
اتسعت ابتسامتها وهي تهتف ممسدة يدها علي بطنها وقد ازداد الشعور بالركل اكثر من ضربات خفيفة
- لقد جهزت الحقيبة، ووضعت جميع الاغراض تحسبًا لأي أمر.

غمغم براحة
- خير ما فعلت
سحقت شفتها السفلي للحظة ثم هتفت بصوت واهن
- أتعلم لقد هاتفتني جاسمين أمس واخبرتني انها تزوجت ولن تصدق من هو الرجل
ضيق جبينه وشعور انها ليست بخير يتسلل فؤاده، شعر بكل حركة وكل صوت يصدر عبر الأثير ليهتف
- من؟
ضحكت بنعومة وهمست بتسلية
- احذر
صمت قليلاً قبل أن يهتف
- كمال!
صفرت بسعادة قائلة
- نعم مدير المقهى، لقد اخبرتني ان الامر يحتاج لحديث طويل وستعود إلى لندن في أقرب وقت.

تلك المرة كانت الأشد، لتقبض بيدها على بطنها وخرجت شهقة مؤلمة من شفتيها، جعله يهب واقفًا وهمس بلوعة
- ليان
أخذت تأخذ شهيق وزفير لعدة مرات قبل أن تهمس بصوت متحشرج
- لا اعلم اشعر بتقلصات شديدة رغم أن الطبيبة أخبرتني أن موعدي بعد اسبوعان.

اخرجت صرخة خافتة، لتتسع أعين زين ذعرًا وهو يلتقط سترته ويسرع خارجًا من المكتب متوجهًا للمصعد، ظل يضغط عدة مرات متتالية حتى فتح باب المصعد ولم يجد لسانه ينطق بلوع غير كلمة واحدة
- ليان
ابتسمت ليان وهي تري الخادمة تهرع في مهاتفة الإسعاف، لتهمس من بين شفتيها بوهن
- اعتقد اني سألد
كان على وشك الصعود للسيارة وما إن استمع إلى ما قالته، وقف مبهوتًا وعينه تحدق في نقطة فارغة، همس بعدم فهم
- ماذا!

ازدادت معدل تنفسها، لتصرخ تلك المرة عبر الهاتف بالم
- زين.

تضعك الحياة في الكثير من الاختبارات وتنتظر منك نتيجة اختيارك، يظن الشخص حينما يوضع في نفس الموقف مرارًا انه فاشل، فشل في تخطي تلك المحنة،
لكن ما لم يضع في اعتباره أن ذلك يكسبه قوة وصلابة ويبني جدارًا للصدمات القادمة، العبرة هنا ليس في تعلم الدرس مرارًا، يعتبر ذلك بمثابة كتاب ذو عدة شفرات واشياء خارقة للطبيعة
ماذا تفعل اذاً؟

تقرأ مرة، تفهم صفحة، تقرأ مرة أخرى بالكاد تستوعب الكلمات المعقدة، تقرأ ثلاثة، اربعة، عشرة، الخ.
هنا تستطيع تفهم كيف يفكر الكاتب، ما هي العوامل التي ساعدته على كتاب لا يفهمه سوى العقول الفاذة،
أرأيت، تلك هي اختبارات الحياة عبارة كتاب معقد، ما عليك سوى أن تقرأ مرارًا لتفهم محتواه جيدًا.

ازدحام طريق، الدقائق تحولت لساعات، يسب ويلعن ساعة الذروة في ذلك الوقت وعيناه تحدق بأمل إلى الطريق المسدود، ما زال خط هاتفه علي اتصال بالخادمة المسنة، تطلعه على الأوضاع بدقة، لحظة بلحظة، حتي رسم في خياله انه يشبك انامله بأناملها، يهدأ من اضطرابات انفاسها ويمسح حبات العرق المتصفدة علي جبهتها،.

اندفع بقوة إلى الطابق الذي توجد به وصدي انفاسه يدوي في اذنه، تجربة جديدة تمر عليه وهو عاجزًا تمامًا على ما يفعله، الطريقة التي تهدئة بها قبل دخولها الى غرفة العمليات لم تهدئة اطلاقا، ابدًا لقد ازداد هلعه وتوتره الذي بدا جليًا علي ملامحه المجهدة، اقترب من الخادمة التي ابتسمت بشاشة ليهتف بلوع لم يستطيع مداراته
- كيف هي الاوضاع؟
ابتسمت برقة واجابت بهدوء وهي تحاول ان تهدأ رب عملها.

- لا تقلق سيدي، لقد دلفت إلى غرفة العمليات منذ بضعة دقائق، السيدة الصغيرة ستأتي
ذكرى تلك المشفى تحديدًا جعلت أعضاؤه تتلوى وتعتصر بشدة، أغمض جفنيه وهو يستند بجذعه على الجدار البارد، ليس مستعدًا للدخول، ليس مستعدًا ابدًا لتلك التجربة، لا يستطيع أن يرى المها، لن يقدر ابدًا يقسم انه لن يجعلها تحمل مرة اخرى ان رأي الامها وتحملها للصغيرة القادمة، غمغم بصوت خافت
- حسنًا.

اغمض جفنيه ولسانه يردد تلقائيًا الادعية والايات القرانية التي حفظها، ما زال فكه مشدود وعضلات جسده متصلبة وأذناه مرهفة السمع إلى داخل غرفة العمليات، استمع الى نداء اسمه بين خضم افكاره الضبابية ليفتح عيناه بتشوش وهو يستمع إلى صوت الخادمة قادمًا من بعيد
- لقد جلبت جميع المتعلقات الخاصة ب الأنسة الصغيرة، اتود شيء آخر سيدي
هز رأسه نافيًا و غمغم بصوت جامد
- لا شكرا.

عاد إغلاق جفنيه، وقلبه يحارب على البقاء صامدًا، شيء يلح عليه الدخول ومساعدتها، يهدأها بأي طريقة رغم علمه أن دلف إلى الداخل سيقف مشاهدًا لا اكثر، أطلق لعنة في داخله وهو يخلل أنامله في خصلات شعره الكستنائية
-زين
نداء من العم فاجأه لقد هاتفه حينما كان عالقًا في ازدحام مروري كيف آتي بتلك السرعة؟! ام هو لم يشعر بالوقت؟!، فتح جفنيه وهو ينظر إلى عمه براحة، اخفض بصره إلى ساعة معصمه ثم قال بقلق
- لقد طالت.

اقترب زيدان يرتب على ظهر ابن أخيه وقال
- ألم،
قاطعه وهو يهتف بصوت جامد
- لم استطيع، لم أقدر على الدخول
تفهم زيدان نوازع ابن أخيه الداخلية ومحاربته الشرسة حتى الآن لكي يقف صلبًا، هتف بأطمئنان
- كل شيء سيصبح بخير لا تقلق
هز رأسه وغمغم
- ان شاء الله.

عاد ينظر الى ساعة معصمه والي الغرفة المغلقة بتوتر، رباااه حتى الآن لم يستمع الي صراخ طفل، هل تواجه أي صعوبة في الداخل و تحارب بمفردها؟!، هناك شيء يقتله، شيء يحطم ما بناه طوال تلك الأعوام السابقة، ليس مستعدًا بعد، ليس مستعد لخسارتها وهو على وشك اكتساب فرد جديد في عائلته.

وهنا جاء بصيص الأمل، الرجفة الداخلية التي هزت اعماقه حينما استمع الي صوت مخلوق بعث لحياته، خفق قلبه باضطراب شديد وهو ينظر إلى الطبيبة التي خرجت من الغرفة حاملة بين يدها طفلته، صغيرته قائلة بصوت ناعم
- مبارك سيد زين، فتاه كالقمر، أصرت السيدة على انك اول من تحملها
اجلي حنجرته ونظر بعينيه إلى الكائن الصغير الوردي، جفنين منغلقين، شفاه صغيرة وردية مذمومة تذكره بليانه أثناء نومها،.

ليانه علمت بحضوره، علمت بتلك الصراعات السخيفة التي دارت في عقله وجسده، راقب بافتتان شديد إلى ليان، ليان الصغيرة وعيناه تومضان بالالاف النجوم في أشد الليالي حلكة، غمغم بنبرة شبه مهتزة
- كيف هي؟
ضحكت الطبيبة وهتفت بصوت هاديء
- الام في افضل صحه وكذلك الصغيرة رغم اقتراب موعدها.

ازداد فضوله للتقرب من صغيرته، تلك المشاعر التي تخفق في قلبه لم يختبرها مطلقًا، بل كل مشاعره وعواطفه تعود بفضلها ما بالك بقطعة منها،
لاحظت الطبيبة نظراته لتقترب منه وهي تضعها بحرص على يديه الذي التقطها بسرعة لتهمس
- جميلة
اختنق صوته وهو ينظر الى تلك النائمة ثم إلى عمه وهمس
- انها، انها رائعة الجمال.

ما زال يتطلع إلى ذلك الكائن الصغير بين يديه، كيف هي صغيرة للغاية، هشة مثل والدتها، انامله ترتجف هلعًا وخوفًا أن سقطت من يده، ازدرد ريقه بتوتر وعيناه تتابع بفضول عجيب سكونها بين ذراعيه، سقطت دمعات حارة من مقلتيه وهو يميل بأرنبة أنفه إلى انفها ودوامة جيوشه العاطفية ما زالت تثور في داخله، اغمض جفنيه وهو يستقبل انفاس صغيرته، بل ليانه الصغيرة بقلب يخفق فرحًا، همس بجوار اذنها بصوت مليء بالعاطفة الابوية التي يمارسها ولأول مرة.

- مرحبًا بك صغيرتي، سنستمتع كثيرًا انا وانتِ بعيدًا عن ماما، سأدللك كثيرًا وسنمرح كثيرًا وستصاب ماما بالغيرة لذلك لا تغضبي منها لانني سأغضب اذا تصرفتي بشكل سيء أمام ماما، كوني مطيعة صغيرتي.

بصعوبة بالغة انتزعها من بين احضانه، وعقله يعمل على شيء واحد فقط، ليان، الهدية الأعظم في سنين حياته، المرأة المعطاءة دائما، المليئة بالعواطف والمشاعر الجياشة، قلبه وروحه يستسلم أمامها دون أدنى مقاومة، شعر بيد حانية علي كتفه لينظر من خلف كتفه وهو يهتف مبتسما
- مبارك اصبحت ابًا زين
ابتسم بامتنان شديد وهو يتطلع شوقًا الآن إلى لقاء ليانه.

- برافوا يا بطل
صفرت هند بصوت مرتفع جذب انتباه بعض الحضور لكنها لم تعبأ تمامًا، ما يكفيها نظرة الامتنان وابتسامه الصغير مع كل تشجيعه وتصفيق منها، اقترب منها بلهفة وهو يتناول المنشفة يجفف العرق لتقول هند بفخر
- لعبت كويس جدًا
اتسعت ابتسامته ورأت بريق فضي يتلألأ مقلتيه ليرد
- شكرا
تهجمت ملامحه للعبوس والضيق وقال بنبرة جامدة
- بس موضوع الصفير والنط ده مش هيعجب البوص، بيقلب تنين فورًا.

كتمت ضحكة بصعوبة وهي تستمع إلى إسم تنينها ثم رفعت حاجبها الأيسر بتعجب من نبرته الجادة التي لا تتناسب مع عمره لتقترب منه وهي تخفض بجذعها إلى مستواه قائلة بمكر
- يامن حبيبي هيحفظ السر برده
هز يا من كتفيه وتنهد بإستسلام
- ماشي، امري لله شكلي كده هضرب كل واحد بيبصلك
جحظت عيناها وشكل صمت مريب رغم الضجة التي تحومهم لتهتف بصدمة
- هو عينك الحامي بتاعي!
هز يامن رأسه للمرة الثانية ثم تنهد بإستسلام.

- تعليمات البوص يا هند
استقامت واقفة وهي لدقائق تتأمل ملامح الصغير، رباااه ما الذي يفعله راشد؟، قاطع صمتهم صوت رجولي اجش
- مساء الخير
نظرت من خلف كتفها الي الرجل الذي اقتحم دائرتهم وحينما همت بالرد قاطعها صوت يامن الحانق
- نعم، عايز ايه؟
نظرت اليه بعتاب وهي تزم شفتيها
- يامن
تنفست بعمق قبل أن تلصق ابتسامة لزجة، صفراء لتقول
- اتفضل خير.

حك الرجل مؤخرة رأسه وبدا عليه التوتر الشديد من نظرات ذلك الصغير العدائية ونظرات تلك الفاتنة المتأففة ليهتف
- حضرتك والدته؟
اندفع يامن يضع بجسده الضئيل نسبيا وشكل مسافة آمنة بين هند وذلك المتحرش ليهتف باندفاع بعد أن أظلمت عيناه
- وانت يخصك في ايه؟
حك الرجل مؤخرة رأسه مجددًا ووجد أنه وطئ بقدمه إلى موضع خاطئ، حمحم بحرج وقال.

- اصل واضح جدًا ان مفيش اي شبه يجمعكم من بعيد يعني ممكن تكوني خالته أو عمته الصغيرة
ضمت ساعديها نحو صدرها وهمست بنبرة مستهزئة
- الصغيرة!
ضيق عينا يامن نحو ذلك الكائن الغريب، يبدو شابًا غرًا في العشرينات من عمره، رغم عضلاته البارزة المستفزة لم يجعله يرتعد خوفًا او يرتد اليه طرفه صاح بعدائية شديدة
- اسف اني هلخبط شغلك بس دي امي، تحب حضرتك نعملك تحليل DNA عشان تتأكد!
كتمت شهقة صادمة من شفتيها قبل ان تهمس.

- يامن
دار على عقبيه ليصبح في مواجهتها، همس بصوت خافت
- انا لو متصرفتش، البوص هيعلقني من المروحة
منعت ابتسامة شقية تظهر علي شفتيها وقبل ان ترد اطلقت لعنة وهي تستمع الى ذلك اللزج
- عموما انا اسف جدًا
دار يامن بحدة وتولي الحديث
- فعلا اسف وياريت حضرتك تبعد عنها ولو شفتها جايه من طريق تلف وترجع تاني
لم يستمع الرجل لباقي حديثه استدار مبتعدًا عنهما دون أن يلتفت، هزت بكعب حذائها علي الارضية وقالت بنبرة صارمة.

- عيب كده يا يامن
لم يعبأ يامن بما قالته بل هتف ببساطة
- انا عملت اللي يراضي ضميري وضمير البوص
انحنت بجذعها مرة اخري الي مستوي طوله و احتضنت وجنتيه بكفيها وقالت بنبرة ناعمة
- شايفني ماما
لمعت عيناه وقال
- انتي مش متجوزة بابا، يبقي انتي مامتي انا، بس وماله حد لاقي ماما زيك ويقول لأ وكمان بتجيلي الماتشات والتمارين بأستمرار رغم محاولتها الفاشلة للاسف في ببجي.

كانت ابتسامتها متسعة من الاذن للاذن وقلبها يخفق بشدة من كل كلمة عفوية تخرج من فم ذلك الصغير، بل صغيرها، احتضنته بلهفة شديدة قابلها عناق اخر منه وتشبث يداه حول عنقها، ضحكت بصوت مختنق وهي تزيل دموعها باناملها قبل ان تبتعد عنه وتستقيم واقفة لتقول
- الفون والتاب مسحوب منك لمدة عشر ايام علشان م احترمتش وجودي والراجل كان هنا
جحظ يامن عيناه وهتف بأندفاع شرس
- بس انا كنت بدافع عن...
قاطعته بجمود.

- عشرين يوم، و مظنش انك هتحب يبقوا شهر
دق بقدمه على الأرض الصلبة وهتف بحنق
- بقيتي زي بابا، وده مش،
هزت هند كتفيها وصاحت بتحذير
- ها
تنهد مستسلمًا وهو يطرق رأسه ارضًا
- امري لله
ارتسمت ابتسامة نصر على شفتيها وقالت
- شاطر هنروح الكافيه علشان بابا بعد شوية هيجي.

سحب جميع متعلقاته وهو يسير بجوارها يشبك أنامله بقوة باناملها، اصبحت تلك عادته حينما تزوجت من تنينها، القت نظرة عليه وهو ينظر الى الطريق امامه وعلى شفتيه ابتسامة ناعمة ابتسمت وهي تعبث بشقاوة علي خصلات شعره الكثيفة، رمقها بعبوس شديد جعلها تنفجر ضاحكة وهو الآخر يردد مع صدى ضحكاتها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة