قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثلاثون والأخير

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثلاثون والأخير

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثلاثون والأخير

بعد قضاء ساعات طويلة بالخارج في التجول بسيارتها الجديدة وبرفقته، عادت سعيدة مُقبلة على العمل لكي تنجز أكبر قدر ممكن، أحست وكأن الحياة تفتح ذراعيها من جديد لتحتضنها بين أذرع السعادة، ولم تكن مآساتها نهاية العالم، بل إنها البداية التي أجبرت على خوضها لتصل إلى طريق المُنتصف ثم النهاية معه، گالليل الذي يأتي بظلمته ولكنك على يقين بأن شمس يوم جديد ستشرق حتمًا، وإيمانًا منها بقوله تعالى إنَ مع العُسرِ يُسرًا، صبرت ليكون جزائها إنَ الله معَ الصَابِريِّن..

نسجت وتين بقلمها خيوطًا متناسقة لينتج عنها تصميم لثوب زفاف رائع لم تنتج مثيله من قبل، وأثناء تعمقها في التركيز لأنهاء هذا العمل الليلة، ولج صفوت حاملًا كأس من مشروب البرتقال الطازج ووضعه أمامها، فبادرت هي بسؤاله: - هو رحيم فين ياعم صفوت؟
- في المكتبة تحت
تنغض جبينها بذهول وهي تردد متعجبة: - مكتبة! مش فاهمة مكتبة إيه؟
- رحيم عنده مكتبة كبيرة جدًا تحت، هو اللي مختار كل الكتب اللي فيها كتاب كتاب.

خصلة جديدة تكتشفها اليوم، إنه قارئ مُخضرم يحوي بيته الكثير من الكتب وهو بنفسه ينتقيها، لم تقوَ على الجلوس هكذا وقد دفعها فضولها لتتعرف على جانب آخر منه، أرشدها صفوت على مكان تلك الغرفة البعيدة عن الأنظار، ف طرقت بابها ودلفت لتجد هذه الأجواء..

الكثير من الأرفف المكتظة بعدد مهول من الكتب ذات المجالات المتعددة، الإضاءة خافتة إلى حد تشجعك على قضاء وقت مريح للأعصاب في هذا المنظر الممتع ورائحة الكتب تشعرك وكأنك تجلس أمام شاطئ بحر أزرق متدرج الألوان مبهج المنظر، بجانب موسيقى هادئة قام بتشغيلها وهو يجلس بأحد الزوايا على مقعد وثير يتأرجح به أثناء قراءة أحد الكتب.

رمقها بتعجب في بداية الأمر، ولكنه استنتج في الأخير كيف وصلت إلى هنا: - صفوت هو اللي جابك هنا أكيد؟
نظرت وتين حولها بانبهار تبيّن في لمعان عينيها وهي تتجاهل سؤاله قائلة: - إيه المكان ده يارحيم! أول مره أعرف إنك بتحب القراية
ف ضمّ شفتيه ببعض الضيق الذي اعتراه وهو يعترف بهذه الحقيقة التي قالها مرارًا: - مش قولتلك انتي محاولتيش تعرفيني كويس؟

اقتربت وتين من أحد الجوانب وراحت تتفحص أسماء الكتب والتي كان أغلبها يتعلق بعلوم النفس والأجتماع وعلم الفلسفة، سحبت أحدهم وبدأت تتصفح أوراقه و: - بتقرا كتب فلسفية بس؟
كان قد أغلق الكتاب الذي بيده ووقف خلفها وهو يضع كفه على كتفها أثناء الأشارة للجانب الآخر قائلًا: - بقرأ في كل حاجه، هنا فلسفي وهناك في كتب سياسية، وفوق علوم الأدارة والقيادة وجزء تاني في علوم الطبيعة.

جذبها قليلًا لأحد الأركان المميزة و: - وهنا كله روايات بتصنيفات مختلفة و...
- روايات!
وكأن الأزهار تفتحت في وجهها وهي تقول: - أنا عايزة أقرأ رواية، عمري ما جربت قبل كدا
رمقها بجاذبية سحبتها نحوه وهو يبتسم متسائلًا: - عايزة تقري عن إيه؟، رومانسي ولا أثارة ولا تراچيدي ولا فانتازيا ولا إيه بالظبط
- رومانسي.

شمل أرفف المكتبة بنظرات خاطفة يحاول أن يختار رواية ذات طابع رومانسي حزين ليؤثر على عواطفها أولًا ويقودها إلى التعاطف مع تلك القصص، وإذ به يسحب عملًا رائعًا للكاتب الرائع يوسف السباعي، أفضل الكُتاب القُدامى الذين كتبوا روايات رومانسية راقية وبأسلوب منمق جذاب، ناوله إياها لتتأمل غلافه وتقرأ أسمه بصوت مسموع: - إنّي راحلة!، شكلها حزينة
- شوية
فأعادته له و: - طب مش هتقرالي؟

ارتفع حاجبيه بتعجب ولم ينطق بكلمة، فبادرت هي: - عايزة أجرب أسمعك وبعدين هبقى أقرأ بنفسي
وجلسا سويًا وسط هذه الأجواء البديعة وبدأ هو بحبور شديد تملكه يقرأ لها أولى الصفحات بصوت لا تقوَ على مقاومة التركيز في نبراته: - ^^قد عزمت على الرحيل..
وماذا يدعوني إلى البقاء في دنياكم تلك بعد أن أضحيت في غنى عنها وعن كل ما بها، وبعد أن فقدت كل إحساس بأن هناك ما يربطني بها ويشدني إليها؟ ^^.

دققت حواسها أجمع وشعور قلبها بالأخص مع كل كلمة يسردها عليها في قصة الحبيبين اللذين افترقا بسبب الفوارق الأجتماعية وفي نهاية الطريق يلتقيان مجددًا، كلما اقتربت الصفحات على الأنتهاء تشعر وكأن شعور الغربة يجتاحها، إلى أن لقى الحبيب حتفه ومات، بدأت الدموع تنساب على وجنتيها بتأثر شديد وهو يتابع مسيرة الأحداث التي ستنتهي بأن الحبيبة تكتب قصة حبها مع حبيبها الذي فشلت في أنقاذه من براثن الموت الذي اختطفه منها، ومن ثم قررت أن لا تحيا ثانية بدونه، أشعلت النيران في المنزل ليحترق بأكمله وهي تعانقه على فراش الموت وتكون هذه نهايتهما.

في كل مرة يقرأ فيها رحيم يتأثر ويندمج معها وكأنه يقرأها لأول مرة، أغلق الكتاب وهو يتنهد بضيق، ثم نظر لها ليجد فيضان الدموع ينهمر من بين عينيها، وسرعان ما ترك الكتاب بندم وجلس القرفصاء أمامها وهو يعانق كفيها: - انتي بتعيطي ياوتين؟ مكنتش متخيل إن الرواية ممكن تأثر فيكي أوي كدا!
نزحت دموعها وساعدها هو بذلك، ثم مسح بيده على وجهها بينما كانت تقول هي بصوت متحشرج: - الرواية حلوة أوي، بس نهايتها وحشه جدًا.

- خلاص متزعليش دي رواية
- ويمكن حصلت في الحقيقة!
نظرت وتين على ساعة الحائط لتجدها على وشك أن تكون الثالثة فجرًا، ف حدقت بعينيها مندهشة من مرور الوقت بهذه السرعة: - إحنا بقالنا 4 ساعات قاعدين هنا! كنت هقولك نقرأ حاجه تاني بس الوقت جري، ينفع بكرة؟
- ينفع
كانت نظراته العاشقة تُقبلها وتعانقها بصمت، استحت منه وبدأت تتلعثم وهي تقول: - طب آ أنت هطلع انام.

وقف مستقيمًا في جلسته و: - تقدري تدخلي المكتبة في أي وقت تحبيه وتقري براحتك
- هعمل كدا، تصبح على خير.

ها هي تتركه گكل ليلة وحيدًا ينتظر دفء أحضانها والنوم على أنغام أنفاسها، تركها ترحل وهي تسحب قلبه ليبيت معها گالعادة، ثم تستيقظ فيراها ليسترده من جديد، نظر رحيم ب امتنان لهذا الكتاب الرائع الذي مكّنه من قضاء ساعات لطيفة معها، وقد وجد منفذًا جديدًا يُطلّ منه على نافذة قلبها ويخترق به عالمها الموصد مستبشرًا بأيام قادمة حتمًا سترى فيها قلبه المُتيم العاشق.

طيلة ليلها هاجدة تفكر في تلك العلاقة التي قرأ لها عنها، هل حقًا يوجد الحُب الذي تستطيع أن تتخلى عن روحك وتضحي بأنفاسك في سبيله!؟، إلى أن أشرقت الشمس عليها ومازالت مستيقظة تفكر في موضوع واحد فقط، وامتزجت أفكارها بين الرواية وبين رحيم، زوجها الذي ستنظر له بشكل آخر مع كل جديد تكتشفه عنه وعن شخصيته التي كانت مختبئة عنها خلف واجهة رجل الأعمال الناجح صاحب أشهر معارض السيارات، گشخصية لا ينتمي لهذه الواجهة التي يرسمها أمام الجميع أبدًا.

استيقظ رحيم بعد نوم مريح وقرر أولًا زيارتها، ولكنها لم تكن موجودة بغرفتها، بحث عنها وسأل لي لي المسؤولة عن خدمتها، ولكنها لا تعلم عنها شيئًا، تشكك هل خرجت منذ البكور أم ماذا!؟، ولكنه وجد جوابًا في مكان لم يكن يتخيله، لا يعلم لماذا قادته خطواته نحو هذه الردهة المؤدية لمكتبته الفخمة فكان الباب مفتوحًا، تنفس براحة وهو ينظر خلسة من الجانب كي لا يُشعرها بتواجده، فرآها تتصفح صفحات رواية إني راحلة من جديد، وكأنها أصبحت شغوفة بهذه الكلمات وتعلقت بها، تلقائيًا علت بسمة صغيرة محياه، فهذا هو أول شئ علمها إياه ونجح في ترك بصمته فيه، ويود لو يترك بصمات كثيرة في حياتها مثلما بصمت هي بحبها على قلبه، لم يسئم من مراقبتها هكذا لبعض الوقت واقفًا مستمتعًا برؤيتها، حتى أحس إنها ستنهض عن جلستها، ف لملم تركيزه المشتت سريعًا وبرح المكان قبل أن تكتشف تواجده، وعاد لغرفته وكأن شيئًا لم يكن، فقد استكفى بهذا الوقت الذي رآها فيه كما هي.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة