قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سجينة هوسه للكاتبة سارة علي الفصل الخامس

رواية سجينة هوسه للكاتبة سارة علي الفصل الخامس

رواية سجينة هوسه للكاتبة سارة علي الفصل الخامس

كانت تهم بالخروج من المنزل متجهة الى الحفلة حينما وجدت والدها يدخل المنزل، رمقها بنظراته المزدرءة ثم سألها بجمود:
الى اين...؟
اجابته بتوتر جلي:
الى الحفلة، الم اخبرك بأنني سأعمل هناك الليلة، وانت وافقت...
هز رأسه مؤكدا كلامها وقد تذكر انها بالفعل اخبرته وهو وافق...
لا تنسي ان تضعي الأموال في جيب بنطالي حينما تعودي...
حاضر...

قالتها باذعان ثم خرجت من المنزل لتجد السائق في انتظارها ركبت السيارة وحيته ليرد لها تحيتها وينطلق بها نحو الحفلة...
بعد حوالي نصف ساعة كانت واقفة بجانب مجموعة من الفتيات ترتدي زيها الرسمي المكون من بنطال اسود طويل يصل الى كاحلها يلتصق على جسمها كجلد ثاني مبرزا رشاقة قدها النحيل...
ومن الأعلى ترتدي قميص ابيض اللون ذو أزرار فضية لامعة، وشعرها البني الطويل منسدل على ظهرها بحرية...

تقدمت سيدة أنيقة منهن تبدو في الخمسينات من عمرها، تأملتها ازل بانبهار، كانت جميلة للغاية بشعرها الاشقر القصير المميز بقصته الفرنسية الأنيقة وعينيها العسليتين، كانت ترتدي فستان سواريه انيق للغاية اسود اللون عاري الاكتاف، جسدها كان نحيلا للغاية بالنسبة لواحدة في مثل سنها، كانت تتحدث مع احد العاملين في المطبخ وهي تبتسم بغنج ودلال يليق بامرأة عذبة وجميلة مثلها...

استدارت بعدها ناحيتهن وهي تقول بنفس ابتسامتها:
كيف حالكن يا فتيات...؟ هل أنتن جاهزات للعمل...؟
اجبنها الفتيات بأنهن بالفعل جاهزات للعمل فاخذت تتعرف على أسمائهن وتملي عليهن بعض التعديلات حينما وصلت لتسألها:
وانتِ ماذا اسمك...؟
اجابتها بجدية:
اسمي ازل...
اخذت تتأملها بتمعن واعجاب واضح حينما همس العامل بجانبها قائلا:
انها من ضمن الفتيات اللاتي جلبهن السيد لبيد...
دائما ذوقه رفيع ومميز في اختيار الفتيات...

عادت بتركيزها ناحية الفتيات وبدأت توضح لهن طبيعة عملهن وكيف يجب ان يتصرفوا ويتعاملوا مع الضيوف...

طرقت على باب غرفتها ثم دخلت اليها لتجدها متمددة على سريرها تقلب في هاتفها...
تقدمت ناحيتها وهي تقول بضيق:
هل ما زلت مصرة بان لا تأت الى الحفلة يا صفا؟
اجابتها وهي مستمره في العبث بهاتفها:
نعم، ما زلت مصرة...
حسنا كما تشائين...
قالتها بعصبية واضحة ثم أردفت بجدية:
جدك سوف يتضايق كثيرا حينما يعرف انك لن تأتي الى الحفلة...
اخبريه باني مريضة اذا سأل عني...

قالتها بلا مبالاة جعلت والدتها تستشاظ غيضا منها ومن برودها...
سألتها مرة اخرى:
هل تصالحتِ مع نادية ابنة عمك...؟
زفرت نفسها ضيقا من إلحاح والدتها ثم اجابتها بملل:
كلا، لم نتصالح بعد...
اسمعيني جيدا، انا اعرف ان ثمة شيء ما وراء شجاركن هذا، اتمنى الا يكون شيئا يسبب الضيق لوالدك او أجدك...
هزت رأسها دون ان تجيبها حتى مما جعل والدتها تقول بنفاذ صبر:.

أحذرك يا صفا، أحذرك من ان تخطئي بأي تصرف كان، حينها لا احد سوف يرحمك واولهم انا...
خرجت من الغرفة ما ان أنهت كلماتها تتبعها نظرات صفا المحتقنة...

بدأت الحفلة التي تقام في قصر الجد مختار التميمي، بدأ الضيوف في الوصول الى الحفل حيث كان يقف كلا من غسان ولبيد وعثمان في استقبالهم، اما الجد فكان يتوسط قاعة الحفل يرحب بالضيوف ويتحدث معهم وبجانبه أولاده الأربعة كلا منهم يقف يتحدث مع مجموعة من الضيوف المهمين...

انتهى الأحفاد الثلاثة من استقبال الضيوف فتوجهوا الى داخل الحفل، كانوا يسيرون بجانب بعض حينما تحدث فجأة غسان قائلا بانبهار شديد بعد ان أطلق صفير عالي:
صاروخ...
ماذا...؟!
قالها كلا من غسان وعثمان بعدم فهم ثم اتجهوا بأنظارهم للجهة الذي يتطلع اليها ليجد فتاة شقراء جميله تقف هناك بجانب مجموعة من الشباب والفتيات ترتدي فستان احمر قصير مثير...
يا الهي، الا تمل من النسوان...؟

قالها عثمان بملل وهو يبتعد عنهم متجه الى احد أصدقائه الذي جاء الى الحفل اما غسان فرماه بنظرات حانقة وابتعد عنه دون ان ينبس بكلمة واحدة ليعدل لبيد من ربطة عنقه ثم يغلق أزرار سترته ويتجه الى الفتاة بثقة عالية ناويا إيقاع الفتاة...
وصل الى الفتاة التي لاحظت نظراته نحوها من بداية حديثه مع غسان وعثمان ثم اتجاهه اليها، وجدته يقف بجانبها قائلا بإعجاب واضح:.

شقراء بفستان احمر مثير، هذا ما لا يتحمله قلبي إطلاقا...
سلامة قلبك، انتبه عليه لكي لا يصاب بالجلطة او ما شابه...
قالتها بسخرية جعلته يرمقها بنظرات خبيثة قائلا بلهجة رجل مراوغ ينوي الايقاع بفريسته المثيرة:
فداكِ، فداكٍ قلبي وكل أعضائي...
ابتسمت بسخرية وهي تبعد أنظارها عنه موجهة إياها الى الجهة الاخرى حينما اقترب هامسا بجانب إذنها:
لبيد التميمي، وماذا عنك...؟ من تكونين...؟

عادت ببصرها ناحيته وهي تقول معرفة عن نفسها:
جوان الطائي...
هل تقربين السيد عدنان الطائي صديق جدي...؟
حفيدته...
تطلع اليها بصدمة فهو لم يتوقع ان تكون حفيدة احد أصدقاء جده المقربين، اتسعت ابتسامته تدريجيا وهو يقول:
اذا نحن معارف، يا له من شيء رائع...
للاسف الشديد...
قالتها بضجر ليتنهد بصمت وهو يرمقها بنظراته المعجبة...
هل سوف تبقى تتطلع الي بهذا الشكل...؟
اجابها وهو ما زال يتطلع اليها بنفس نظراته السابقة:.

وهل يوجد مانع لديكِ...؟
زفرت انفاسها بضيق وهي تشيح بوجهها عنه ناحية الجهة الاخرى، بينما ظل هو واقفا بجانبها رافضا ان يتركها ويعطيها مساحة حرية خاصه بها...

كان واقفا بجانب مجموعة من رجال الاعمال يتحدث معهم حول بعض أمور العمل، فجأة وجد والدته تقترب منه قابضة على ذراعيه ساحبة اياه من بين مجموعة الرجال بعد ان استآذنتهم، كانت تقوده خلفها وهي تقول بجدية:
تعال معي يا غسان، اريد ان أعرفك على شخص مهم...
قادته الى احدى الطاولات التي تقف عليها امرأة كبيرة في السن نوعا ما وبجانبها شابة جميلة...
تحدثت بابتسامة معرفة الفتاة عليه:.

فرح حبيبتي، أعرفك على ابني غسان...
ثم أردفت موجهة حديثها الى غسان:
حبيبي غسان، أعرفك فرح الناصري ووالدتها السيدة سليمة...

ابتسم لهم بترحيب مصطنع ومد يده الى الفتاة التي استقبلتها بيديها وهي ترد لها سلامه ثم حيّا والدة الفتاة ايضا، وجد نفسه مضطرا على البقاء معهم والتعرف عليهم بناء على رغبة والدته فاخذ يتحدث معهم ويحاول الاندماج في أحاديثهم حينما تفاجئ بوالدته تأخذ والدة الفتاة وتتجه بها الى طاولة اخرى...
ها قد بدأنا من جديد...

قالها بضيق وصوت غير مسموع وهو يعرف خطة والدته جيدا، تطلع الى الفتاة الصامته امامه بجمود ولم ينبس بكلمة واحده حينما وجدها تسأله برقة:
انت تدير شركات العائلة ؛ أليس كذلك...؟
اجابها بجدية:
نعم، انا المدير العام لجميع شركاتنا...

اخذت تسأله عنه وعن طبيعة عمله وكان هو يجيبها باختصار شديد، فجأة لمحها تمر من امامه امامه، حاول ان يتآكد من صحة ما رأه، فوجدها بالفعل هي، اعتصر قبضة يده بقوة وهو يحاول استيعاب سبب وجودها في هذا المكان، تقدم ناحيتها بخطوات سريعة دون ان يعتذر لفرح حتى او يخبرها بذهابه، كانت تسير وهي تحمل بيدها صينية تحوى على اربع كؤوس من المشروبات المنوعة حينما وجدته يقتحم عليها طريقها واقفا أمامها بملامح جامدة مظلمة وعينين تشعان قسوة وغضبا...

ماذا تفعلين هنا...؟
سألها بحدة ارعبتها للغاية وجعلت الصينية التي بين يديها تهتز من شدة الخوف...
انا، انا...
عجزت عن تشكيل جملة واحدة تجيبه من خلالها على سؤاله...
اما هو فقد شعر بنظرات البعض المصوبة نحوه فأخذ احد الكؤوس الموجودة في الصينية التي تحملها وتناولها دفعة واحدة، ثم وضعه في مكانه مرة اخرى وأخذ كأسا آخراً وتناوله ايضا على دفعة واحده...

وضع الكآس الفارغ عَلى الصينية وأخذت يرمقها بنظرات باردة لا توحي بشيء، امرها بعدها بنبرة صارمة:
عودي الى المطبخ ولا تخرجي منه حتى أامرك انا بذلك...
هزت رأسها باذعان لا تعرف سواه ثم فرت من امامه متجهه بسرعة الى المطبخ...

عشر دقائق، عشر دقائق لا غير هي المدة التي تحملها غسان فوجد نفسها يتجه اليها بعد انتهائها دون ان يصبر او ينتظر الحفل ان ينتهي، دلف الى المطبخ ليجدها واقفة تغسل الكؤوس الزجاجية بجانبها شاب صغير يساعدها في تجفيفها...
ابتسم برضا فهي على الأقل نفذت اوامره ولم تخرج من المطبخ...
آنسة ازل...
التفتت اليه فورا ما ان سمعت صوته يخترق طبلة اذنيها وقد شعرت بالقشعريرة تمتد على طول جسدها...

كان يراقبها بعينين متوهجتين وهو يراها تقف امامه على بعد مسافة قصيرة رأسها منخفض نحو الأسفل كالعادة، كان منظرها أشبه بتلميذة تقف امام أستاذها...
اتبعيني...
امرها بجمود فتبعته بسرعة منفذة ما قاله، وجدته يصعد درجات السلم متجها الى الطابق العلوي فاتبعته، كانت تسير خلفه حينما تفاجئت به يقبض على ذراعها اليمنى ويدخلها بسرعة الى احدى غرف القصر...

شهقت بقوة وانتفض قلبها بين أضلعها من شدة الخوف، جاءها صوت الغاضب قائلا:
ماذا تفعلين هنا...؟
رفعت بصرها ناحيته ليرى نظراتها المرتعبة خوفا منه، تكونت الدموع داخل مقلتيها فصرخ بها:
لماذا تبكين الان...؟ لم يحدث شيء يستدعي البكاء...

فجأة وجدها تنتفض باكية بعنف شديد، كانت تضع يدها على فمها وتبكي بقوة، شهقاتها كانت رقيقة تشبه شهقات طفلة صغيرة، اثاره بكاءها بشدة و شكل داخله مشاعر المته بشدة، لم يتحمل ان يراها تبكي هكذا امام عينيه دون ان يفعل لها شيئا فتقدم ناحيتها وضمها داخل احضانه بقو وهو يقول بنبرة لطيفة:
اهدئي يا ازل، اهدئي ارجوك ولا تبكي، انا أسف...

ظلت تبكي بين احضانه وهو يربت على ظهرها بكفي يده، وجدها تبتعد من بين احضانه بعد لحظات وهي تمسح دموعها بظاهر كفها ليظهر وجهها الاحمر من شدة البكاء...
انا آسفة، لو كنت اعلم بان مجيئي الى هنا سوف يضايقك لما جئت...
كيف وصلت الى هنا...؟ هذا ما أودّ معرفته...
اجابته وهي تنظر في عينيه مباشرة:
السيد لبيد هو من طلب مني المجيء الى هنا...
رفع بصره الى الأعلى وهو يقول بنفاذ صبر:.

قولي هذا اذا، لبيد سبب جميع المصائب...
اخفضت رأسها نحو الارض بخجل وتوتر فوجدته يأخذ نفسا عميقا ويزفره على مهل...
تعالي معي، سوف اعيدك الى المنزل...
لا داعي لهذا، السائق سوف يعيدني...
قلت انا من سوف يوصلك...
ارجوك سيد غسان والدي ان علم بأنك انت من اوصلتي لن يرحمني إطلاقا...
قالتها بتوسل جعله يقول:
ماذا سيفعل...؟ هل سيضربك كما فعل في المرة السابقة...

تطلعت اليه بصدمة من معرفته لسبب ضربها، اخفضت رأسها الى الأسفل بخجل وانكسار، لعن نفسه لما قاله، لقد جرحها دون ان يقصد، حاول ان يغير الموضوع فأمرها قائلا:
هيا يا ازل لنذهب...
رفعت بصرها نحوه وقالت بنبرة مترجية:
ولكن...
قاطعها بصرامة:
قلت هيا بِنَا...
ثم سار من أمامها خارجا من الغرفة وهي تتبعه بخطواتها الواهية المتعبة...

أوقف سيارته امام باب منزلها ففتحت الباب و هبطت من السيارة متقدمة الى داخل المنزل، اخرجت المفتاح من حقيبتها ووضعته في مكانه لكي تفتح الباب الا انها تفاجئت بوالدها يأتي من الخارج وهو يصيح باسمها:
ازل، متى عدت يا فتاة...؟ ومن هذا الذي أوصلك...؟
ابتلعت ريقها بتوتر ما ان سمعت صوته، أوقعت المفتاح أرضا، استدارت ناحيته مجيبة اياه:
لقد انتهيت من عملي، وهذا مديري قرر ان يوصلني...

مديرك هو من أوصلك الى هنا...
قالها بملامح متعجبة سرعان ما احتلها الغضب وهو يقبض على شعرها بكفي يده صارخا بها:
ماذا كنت تفعلين بالضبط ايتها الحقيرة لكي يوصلك مديرك الى هنا...؟ ماذا كنّت تفعلين معه ايتها السافلة...؟
كانت تبكي بالم وتترجاه ان يتركها حينما تفاجئت بغسّان يحرر شعرها من يد والدها ويقبض على عنقه صارخا به:
ايها الأبله المجنون، ماذا تفعل بها...؟

حاول جابر ان يضربه او يحرر عنقه من قبضته الا انه لم يستطع فعل هاذ فصاح به:
انت مديرها أليس كذلك...؟ عشيقها السري، الان فهمت من اين وجدت وظيفتك تلك بهذه السرعة، وتقولين انك تعملين عاملة نظافة ايتها العاهرة الرخيصة...
وضعت يدها على فمها تبكي بعنف وقوة بينما خرج الجيران من بيوتهم على أصوات صراخه...

لم يتحمل غسان ما سمعه فلكمه بقوة على وجهه، طاح جابر أرضا فانقض غسان عليه يلكمه بعنف مفرغا غضبه المكبوت به، ركضت ازل ناحيته وحاولت ابعاده عن والدها...
يكفي يا سيد غسان، لا تفعل هذا ارجوك...
ابتعد غسان عنه اخيرا بعد عدة محاولات من قبل ازل اما الجيران فلم يتقرب اي منهم او يتدخل لمساعدة جابر اوإيقاف غسان فالجميع كان يكره جابر ويعرف مدى حقارته وأذيته...

زحف جابر على ارضية الشارع والدماء تخر من وجهه ثم استند على العمود لينهض من مكانه، استطاع ان يقف اخيرا على قدميه ليجد غسان واقفا امامه يلهث بشدة وبجانبه ازل تقبض على ذراعيه بقوة...
ايتها العاهرة الرخيصة، انا يحدث لي هذا بسببك...
هم غسان بالاتجاه ناحيته وضربه مره اخرى الا قبضة يد ازل على ذراعه منعته من فعل هذا...
بابا ارجوك اسمعني...
قالتها ازل بتوسل ليصرخ بها جابر:.

اخرسي ايتها السافلة، لا يوجد شيء اسمعه منك، لقد انفضحنا بسببك، اسمعيني جيدا، لا اريد ان ارى وجهك مرة اخرى وهذا البيت لن تدخلينه ابدا بعد الان...
انتفضت من مكانها قائلة ببكاء:
بابا ؛ ماذا تقول انت...؟
ومن قال باني سآسمح لها ان تعيش في منزل واحد حقير مثلك، هي ستأتي معي...

بدأت الهمهمات تسري بين الجيران متعجبين مما يقوله هذا الشاب الثري بينما صدق البعض ظنونه بان ازل عشيقته بالفعل فالفتاة فقيرة ومن الممكن ان تعمل اي شيء لتنال لقمة عيش لها ولاختها، كان هذا اول ما خطر عَلى بالهم، اما غسان فقد قبض على ذراع ازل قائلا لها بهدوء:
هيا تعالي معي...
هزت رأسها نفيا وهي تقول:
كلا لن أاتِ، انا لن اترك منزلي...

وجدت والدها يدلف الى الداخل ويغلق باب المنزل خلفه بينما كرر غسان ما قاله:
هيا يا ازل، يجب ان نذهب حالا...
ظل يتوسل بها لوقت طويل وهي مستمرة على رفضها حتى أذعنت اليه في اخر الامر وذهبت معه فهي لم يكن لديها حل اخر سوى هذا...

كان مستمرا في إلقاء الأحاديث المختلفة على مسامعها بينما هي صامته لا تنطق بكلمة واحدة، ظل بجانبها طوال الحفل ولن يتركهها لحظة واحده، وجد جدها يقترب منهم قائلا:
هيا يا جوان، لنذهب الان...
لما...؟ مازال الوقت مبكرا...
ابتسمت جوان بتهكم اما الجد فأجابه بجدية:
انا لا احب السهر لوقت متأخر يا بني وجوان كذلك، يجب ان نذهب الان...
هز رأسه بتفهم ثم ودعهم وهو يرمي جوان بنظراته محدثا نفسه:.

جوان الطائي، ما أجملك...
وقفت ناريمان بجانبه متسائلة:
لبيد، هل رأيت غسان...؟ اختفى من الحفل ولم اره...
اجابها لبيد نافيا:
كلا لم اره...
هزت رأسها بتفهم ثم ابتعدت من أمامه وهي تشعر بالضيق الشديد بسبب اختفاء غسان فجأة من الحفل...

في صباح اليوم التالي
استيقظت من نومتها لتجد نفسها في غرفة غريبة عنها، عادت ذكريات ليلة البارحة اليها، ما فعله والدها معها وكيف جائت الى هنا، لقد جلبها غسان الى شقته الخاصة وأخبرها انها ستبيت بها، ثم تركها وعاد الى منزله، اما هي فظلت تبكي طوال الليل بسبب ما حدث معها وما سمعته من والدها...

نهضت من فراشها واتجهت الى خارج الغرفة، اخدت تسير داخل الشقة وهي تتطلع اليها بانبهار شديد، طوال سنوات عمرها العشرون لم تَر شيئا كهذا ولم تتخيل بأنها ستنام يوما ما في مكان كهذا، سمعت جرس الباب يرن فسارعت لفتحه لتجد السائق الخاص بغسّان يقف أمامها، طلب منها ان يدلف الى الداخل فسمحت له بهذا، ولج الى داخل الشقة وهو يحمل بيده مجموعة اكياس...
وضعها على الطاولة التي تتوسط صالة الجلوس ثم سألها:.

هل تريدين شيئا اخر آنستي...؟ لقد أوصاني السيد غسان بتنفيذ جميع طلباتك...
هزت رأسها نفيا وهي تجيبه:
كلا ؛ شكرا...
خرج من الشقة تاركا إياها لوحده مع الإكياس فتقدمت بفضول ناحيتها وبدأت تفتح كيسا يليه الاخر، الكيس الاول كان يحتوي بيجامة زهرية اللون أنيقة للغاية أعجبتها كثيرا والكيس الثاني كان يحتوي على فستان زهري اللون وحذاء من نفس اللون، اما بقية الأكياس فكانت تحتوي على العديد من الأطعمة الجاهزة...

بعد ان انتهت من البحث داخل الاكياس حملت البيجامة ودلفت بها الى داخل الغرفة ثم خلعت زي العمل الرسمي الذي ترتديه منذ البارحة وارتدت البيجامة بدلا عنه، خرجت بعدها من الغرفة وتقدمت ناحية الاكياس مرة اخرى، فتحت بعض الاكياس وأخرجت منها الأطعمة الموجودة فيها وبدأت تتناولها بشهية مفتوحة فهي لم تتناول شيئا منذ وقت طويل...

سمعت هاتفها يرن فانتفضت من مكانها بسرعة وركضت ناحية حقيبتها وأخرجت الهاتف منه لتجد والدتها يتصل بها، اتسعت عيناها بصدمة وعدم تصديق، لماذا يتصل بها الان...؟ هل يريد منها ان تعود الى المنزل...؟ هل شعر بانه ظلمها وقسا عليها...؟
ضغطت زر الإجابة على الفور ليأتيها صوته الحاد متسائلا:
اين انت يا فتاة...؟
ازدردت لعابها بتوتر ثم اجابته كاذبة:
انا موجودة لدى السيدة رنا التي كنت اعمل لديها احيانا...

قاطعها دون ان يهتم لسماع حديثها حتى:
تعالى الى المنزل فورا...
بابا هل سامحتني وستسمح لي بالعودة الى المنزل مرة اخرى...؟
نعم ؛ سامحتك يا ازل، تعالي فورا قبل ان أغير رأيي...
نهضت من مكانها وهي تقول بسرعة:
سوف أكون عندك في الحال...
اغلقت هاتفها ثم سارعت في ارتداء الفستان والحذاء الذي احضرها غسان اليها وخرجت بعدها من الشقة متجهه الى منزلها...

كان عثمان يجلس في مكتب لبيد يتناقشون في بعض الاعمال والصفقات حينما اقتحم غسان المكان عليهم وتوجه ناحية لبيد بملامح تتقد غضبا، ابتلع لبيد ريقه بتوتر من منظر غسان المرعب والذي انقض عليه رافعا إياها من فوق كرسيه قائلا بصوت غاضب كاره:
الم أحذرك ان تبتعد عن ازل...؟ الم أحذرك من الاقتراب منها...؟
ماذا يحدث يا غسان...؟ لما انت تتحدث معي هكذا...؟
سأله لبيد بعدم فهم وتوتر ليجيبه غسان:.

كيف تتجرأ وتجلبها الى حفلة البارحة...؟ كيف تفعل شيء كهذا...؟
وما المشكله في هذا...؟ فتاة فقيرة اردتها ان تسترزق بعضا من الأموال...
يا الهي كم انت رجل حنون...
قالها غسان بسخرية ثم ما لبث ان دفعه على كرسيه مرة اخرى وانقض يخنقه من عنقه وهو يقول بعصبية بالغة:
ماذا افعل بك الان اخبرني...؟ ماذا افعل وانت فيك كل العبر...؟ هل أقتلك وأريح البشرية كلها منك...؟
يا غسان اهدأ ارجوك واسمعني...

كان بالكاد يستطيع ان يتحدث من بين انفاسه المختنقة، التفت ناحية عثمان الذي كان يجلس على الكرسي المقابل لهم يقلب في احد الملفات بتركيز شديد:
ايها البارد المتخلف، أنقذني منه...
بدا وكأنه لم يسمع شيئا مما جعل لبيد يمسك القلم الذي بجانبه ويرميه عليه، رماه عثمان بنظرات مستخفة ثم عاد بتركيزه ناحية الملف الموجود بين يديه...
اما غسان فكان مستمرا في خنقة وهو يسأله بكره:.

هل انت معجب بها...؟ اخبرني ولا تخبئ علي، انت معجب بها أليس كذلك...؟
انا، انا أعجب بعاملة نظافة، هل هذا مستواي يا رجل...
ماذا تقصد، ما بها عاملة النظافة، انها اشرف منك ومن عِشرة امثالك...
معك حق، فقط حرر رقبتي من يديك...
نفض غسان يديه عنه تاركا اياه يتنفس بعمق شديد، تطلع اليه غسان بسخرية ثم ما لبث ان قال:
اذا سمعت بأنك اقتربت منها او فكرت بهذا حتى فحينها سوف أقتلك بيدي هاتين دون أدنى رحمة او شفقة...

وضع فنجان القهوة خاصته على الطاولة الموضوعة امامه ثم تسائل بجدية:
خير يا زوجة عمي، لماذا طلبتِ مقابلتي...؟
اجابته ناريمان بعد ان ارتشفت القليل من قهوتها:
أردت عن أسألك عن تلك الفتاة المدعوة بازل، اين اختفت مساء البارحة فجأة دون ان تأخذ اجرتها...؟
تنحنح بارتباك ثم قال بدهشة مصطنعة:
اختفت مساء البارحة...؟ لم أكن اعلم...
هزت ناريمان رأسها مؤكدة ما قالته مستمرة في حديثها:.

نعم ؛ اختفت، وانا أردت ان أسألك عنها، وأرسل معك اجرتها لتعطيها لها...
حسنا، سوف اعطيها لها بالتأكيد حينما أراها...
قالها بسرعة وهو ينوي القيام وانهاء هذه الجلسه بسرعة الا ان ناريمان كانت مصرة على أكمال ما نوت قوله:
عزيزي لبيد، كنت اريد ان اطلب منك شيء اخر...
تفضلي زوجة عمي، ماذ تريدين...؟
تلك المدعوة ازل...
قاطعها بسرعة:
ما قصتك مع ازل يا زوجة عمي...؟
اجابته بسرعة موضحة:.

فكرت ان اجلبها تعمل لدي خادمة بدلا من سهام التي تركت العمل لدي، انت تعرف انني لا اجلب سوى الفتيات الجميلات والنظيفات ليعملن لدي في المنزل، وهذه الفتاة جميلة ومرتبة للغايه، لهذا فهي تناسبني جدا...
زوجة عمي، ماذا تقولين أنتِ...؟ تريدين من ازل ان تعمل خادمة لديك...؟
سألها بعدم استيعاب لما تقوله فاجابته بجدية:
نعم ؛ أريدها ان تعمل خادمة لدي، بدل من ان تخدم في الشركة تخدم في المنزل...

هنا لم يتحمل لبيد ما يسمعه على لسان زوجة عمه التي تتحدث بعفوية مطلقة عن ازل دون ان تعلم ما يتعلق بتلك الفتاة من مصائب قادمة فوق رآسها فانفجر لبيد ضاحكا بصخب تحت أنظار زوجة عمه المستغربة...
لماذا تضحك هكذا يا لبيد...؟
سألته بانزعاج واضح ليأتيها رد لبيد الذي بالكاد يسيطر على ضحكاته:.

اضحك بسبب ما تقولينه يا زوجة عمي، اذا كان ابنك قد جن جنونه حينما رأها تقدم المشروبات في الحفلة، ماذا سيفعل حينما تعمل لديكم في المنزل اذا...؟
ماذا تقول يا لبيد...؟ غسان جن جنونه بسببها...؟ وما علاقة غسان بها...؟

استعاد لبيد وعيه اخيرا وقد ادرك حجم الكارثه التي اوقعه لسانه بها، لعن نفسه وغبائه الذي جعله يتفوه بتلك الكلمات، اخذ يفكر في طريقة للخلاص من هذه الكارثة بينما زوجة عمه تسترسل في حديثها قائلا:
البارحة غسان اختفى فجأة من الحفل ولم يعد الا بعد انتهاؤه، لا تقل لي انه كان معها، ماذا يحدث من وراء ظهري بالضبط، اخبرني...؟
نهضت من مكانها بعصبية واضحة وهي تتسائل بغضب:.

ماذا بين غسان وعاملة النظافة تلك يا لبيد...؟ أجبني حالا...
زوجة عمي اهدئي ارجوك...
قالها محاولا امتصاص غضبها الا ان غضبها لم يتناقص بل على العكس تماما ازداد وصبرها نفذ ففكرة ان يكون هناك شيء بين عاملة النظافة وابنها اثارت جنونها...
توجد علاقة بيني وبين ازل...
ماذا...؟ بينك وبينها...
قالتها بعدم استيعاب ليكمل لبيد حديثه موضحا:.

انا معجب بها للغاية، وغسان حينما علم بذلك جن جنونه، فهو لا يحب ان يحدث اختلاط بيننا وبين الموظفات، لهذا هو يحاول ان يبعدني عنها خوفا من ان يعلم احد بهذا...
تنفس لبيد الصعداء وهو يشاهد غضبها الذي بدأ يخف تدريجيا والراحة التي سيطرت على ملامح وجهها المشدودة فيبدو ان كذبته انطوت عليها...
عادت وجلست امامه بعد ان اخذت نفسا عميقا ثم تحدثت بجدية قائلة:.

لبيد يا بني، معقول ما تفعله انت، معجب بعاملة نظافة، كيف تفعل شيء كهذا...؟
مط شفتيه بعبوس وهو يفكر في المصيبة التي أوقع نفسه بها، لكن لا بأس هذا افضل مما سيفعله غسان معه لو علم بمقدار الخطأ الذي قام به...
لبيد اسمعني، لا تفكر في هذه الفتاة نهائيا، انها لا تناسبك من جميع النواحي...
معك حق زوجة عمي، لن افكر بها من بعد الان...

قالها بإيجاز وهو ينهض من مكانه هاربا منها ثم ودعها بسرعة وخرج متجها الى الشركة مرة اخرى...

فتحت ازل باب منزلها ودلفت الى الداخل لتتفاجئ بوالدها ومعه رجلان كبيران في السن اضافة الى رجل اخر تعرفه جيدا يكون صديقه المقرب يتوسطهم جميعا شيخ الجامع القريب من منزلهم...
نهض جابر ما ان رأها متقدما ناحيتها قائلا بترحيب مصطنع:
تعالي يا ابنتي، رحبي بالضيوف...
مرحبا...
قالتها بنبرة خافتة وهي لا تفهم شيء مما يحدث حولها الا حينما تحدث صديق والدها محسن قائلا:
هيا يا عروسة اجلسي في مكانك بجانب الشيخ...

عروسة...! ماذا تقول يا عّم محسن...؟
هنا تدخل والدها قائلا:
نعم عروسة يا ازل...
أشار بعدها ناحية الرجل السبعيني قائلا بجدية:
السيد عماد طلب يدك مني وانا وافقت واليوم سوف يتم عقد قرانكما...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة