قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية زهرة ولكن دميمة الجزء الثاني بقلم سلمى محمد الفصل السادس عشر

رواية زهرة ولكن دميمة الجزء الثاني بقلم سلمى محمد

رواية زهرة ولكن دميمة الجزء الثاني بقلم سلمى محمد الفصل السادس عشر

عذبتني حيرة مشاعري نحوه، بالرغم من قسوته كان يحنو عليا أنا فقط، طلب المغفرة وتوسلني، أعطاني ألامان وأسرة دافئة، لكني لست قديسة كي أسامحه تماما برغم كل مايفعل لي، مازال هذا الألم يأبى أن يزول
أنا لست قديسة
انا مجرد فتاة تعذبت، تألمت، عانت من قسوة الحياة

بمجرد دخول ضحى الغرفة، أنصدمت من رؤية حماتها على هذا الشكل، فقالت بخوف: مالك نيروز
وضعت نيروز يديها على رقبتها تحاول التنفس وأشارت باتجاه الخارج وبصوت متقطع: مش عارفة أتنفس، بخاخة النفس بتاعتي في شنطتي
نظرت ضحى حولها بهلع ثم ردت بتوتر: مش شايفة أي شنط قصادي
ردت عليها باختناق وبصوت مبحوح: شنطتي في العربية.

خرجت ضحى من الغرفة مهرولة حتى توقفت أمام السيارة، فتحت الباب وهي تتنفس بقوة، القت ببصرها في الداخل حتى وقعت عينيها على الشنطة، فتحتها بأصابع ترتعش من شدة توترها لم تعثر مباشرة على الجهاز، فقامت بتفريغ محتويتها على الكرسي، رأته مع العديد من الأشياء، أمسكته مباشرة ثم جرت مسرعة الى الداخل..

رأتها تتنفس بصعوبة مخرجه أنيين متألم، وضعت جهاز الاستنشاق على فمها وقامت بالضغط، أخذت تدعو لها بخفوت
فتحت عينيها وهي تتنفس بصوت مسموع، تأملتها نيروز لثواني وهي ترى نظرات الخوف في عينيها بالرغم ممافعلته معاها، أبتسمت أبتسامة متعبة ثم أردفت قائلة: تعبتك معايا، شكرا ليكي ياضحى..

ردت عليها قائلة: مفيش حاجة تستحق الشكر وحصل خير، أتصل بالدكتور يجي يشوفك
شعرت بالخجل من نفسها فلم تجروء على النظر بداخل عينيها: مفيش داعي أنا كويسة
قالت لها بهدوء: نصيحة مني خلى الجهاز في جيبك أو شنطتك المهم مش يبعد عن متناول أيدك
هزت رأسها ثم أردفت قائلة: هاخد بكلامك ياضحى، أنا همشي بقا..

_ مينفعش تمشي وأنتي لسه تعبانة
_ أنا بقيت كويسة
_ طب مش هتستني كريم
_ هبقا أكلمه، ثم تحركت باتجاه الباب وكانت بجوارها ضحى في نفس اللحظة فقالت لها مترجية: أقعدي شوية كمان تاخدي نفسك
ردت عليها نيروز: لو حسه أني مبقتش أحسن مكنتش أتحركت، وعايزه منك طلب قبل مااخرج
سألتها ضحى باهتمام: طلب أيه؟

أردفت قائلة بابتسامة خافتة: مش عايزه كريم يعرف حاجة باللي حصل، مش عايزه يتخض عليا والأفضل متقوليش ليه أني جيت وأنا هبقا أتصل بيه
سارت ضحى خلفها في صمت حتى تأكدت من ركوبها سيارتها في سلام، ظلت في مكانها لعدة دقائق تنظر الى الفراغ وتساؤل في عينيها، أدركت بغريزتها أن هناك شيء ما ودعت أن تكون حياتها سهلة مع عائلة زوجها...

أشتاقت له بشدة وبعد مضي فترة من الوقت، ذهبت الى الشرفة تنتظره فهو أتصل أخبرها كل ماحدث وأنه تم القبض على شهاب ودينا وأن الجميع بخير وهما في طريقهم الى المنزل وهو قادم في الطريق شعرت بالراحة النفسية عندما أطمئنت على كل أحبابها، راحت تراقب الأشجار وأوراقها الخضراء، تابعت بنظراتها كل شيء أمامها، أغمضت عينيها بتركيز واستمعت لصوت الكون حولها الهواء الشجر، وعندما فتحت عينيها وجدته أمامها يتأمل وجهها بحب..

نظرت له بدهشة: أنت جيت أمتى وأزاي وصلت من غير ماأحس بيك، ده أنا كنت مستنياك
أجابها بابتسامة عاشقة: كنتي سرحانة في أيه خلاكي مش تحسي بوجودي، أكيد فيا طبعا
ردت بابتسامة: لا مش فيك بالظبط، كنت سرحانة شوية مع الطبيعة
وضع يده على قلبه وقال بضحك: أااه ياقلبي وبتقوليها في وشي طب قولي أه
غلب ضحى الضحك: أه كنت بفكر فيك..

_ بعد مازعلت خلاص مش مسامح
_ هو ده شكلك وأنت زعلان ياريت تبقا زعلان علطول ثم ضحكت
أمسك بيديها وقبلهما بحب جارف، نظر الى عينيها قائلا بشوق: واحشتيني أوي، أخذ يداعب يديها برقة ثم ضمها الى حضنه، كل حاجة فيكي واحشتني
_ وأنت كمان واحشتني
أدارها في حضنه وقال بحب: أنتي ليه دلوقتي حلوة أوي بزيادة
أبتسمت بغرور متصنع: ده العادي بتاعي على فكرة
ضحك على طريقة كلامها وغمز لها: طب ماتيجي ندخل الأوضة..

حاول ضمها فدفعته بمرح: نتعشا الأول أنا مأكلتش طول اليوم ولا أنت كمان
غمز لها مرة أخرى: هتندمي
ضحكت وهي تبتعد عنه: هندم على حاجة واحدة لو سمعت كلامك ومعملتش العشا وأتعشينا
بعد وقت قليل أعدت ضحى الطعام ووضعته على السفرة
كريم بابتسامة: كلي دي من أيدي، قام بأطعامها وسط جو مليء بالضحك وكلمات الغزل..

كانت تبتسم له ولكن كل ذلك لم يمنع شرودها الغير مقصود فيومها كان حافل بالمفاجأت فالمصائب تأتي دفعة واحدة على رأي المثل بداية من خطف زهرة حتى زيارة حماتها
وضع كريم يده فوق يديها وربت عليها برقة ثم رفع يديها وقبل باطنها بحب، نظر لها مبتسما وقال: هنضطر نسافر بعد بكرا نيويورك
قالت ضحى: بسرعة كده..

_ المفروض كنا نسافر قبل كده لكن بسبب الظروف اللي حصلت من مرض بيسان وخطف مرات أكنان منعوني عن السفر، دلوقتي بيسان بقيت أحسن وزهرة وولادها كويسين
_ عايزه أروح أشوف زهرة بكرا، بحاول أتصل بيها تليفونها مقفول، عايزه أطمن عليها
_ حاضر بس خليها بعد بكرا قبل مانسافر هوديكي ليها ومن عندها على المطار دوغري...
_ ومينفعش بكرا ليه؟ أنا عايزه أشوفها..

_ مينفعش ياضحى ورايا كام مشوار مهمين بكرا
أبتسمت في تفهم: طيب خليها بكرا، طلب أخير عايزه
كريم بابتسامة: أطلبي ياحبي
أبتسمت قائلة: الكلام اللي قولتلهولك بخصوص زهرة وأكنان، ياريت محدش يعرف بيه ولا حتى أكنان، هو لو عايز يتكلم هيتكلم
كريم تصنع الزعل: أنا مش وعدتك لما حكتي ليا حكايتهم، قولتلك أيه بعديها أعتبري سرك في بير
قالت بهدوء: حبيت أكد عليك مش أكتر، ثم مدت يديها وقامت برفع أول طبق، أمسك يديها وأرجع الطبق مكانها غمز له قائلا: وبعدين ياحبي.. أنا أستنيت كتير.

جفل أكنان وجلس فوق فراشه عندما ظهرت أمامه بدت في غاية الجمال والعذوبة، كانت ترتدي فستان أبيض، كان وجهها وجسمها يشعان بالنور وشعرها البني الذهبي منسدل طليقا على ظهرها، وعينيها الرزقاوتين تلمعان ببريق خاص، وأسنانها تكشف عن أبتسامة عابثة...

قال بذهول: زهرة أنتي كويسة
ردت عليه ضاحكة: صحتي تمام وقامت بفرد يديها ثم ثنتهم بحركة رياضية، أبتسمت له ثم رقصت أمامه بخفة كالفراشة وبقدميها الحافيتين أخذت تدق على الأرض بنعومة، حركت سبابتها بأغراء لكي يأتي لها
وجد نفسه أمامها في غمضة عين وبشوق ظل محبوس لوقت طويل حضنها بكل مايملك من قوة، قال أكنان برقة: بحبك يازهرة..

ردت عليه بابتسامة أسرة: وأنا كمان، ردها أسكره بالسعادة من رأسه حتى أخمص قدميه، فقبلها بقوة وأصبح ليلهم ليل خاص بالعشاق
قبل أستيقاظه أرتسمت على شفتيه أبتسامة سعيدة، القى يديه بجواره فلم يجدها، جلس فوق الفراش الابتسامة أختفت عندما أكتشف أنه كان يحلم بيها ثم تنهد بعمق قائلا لنفسه، ياليتى هذا الحلم كان واقع، فهذا الحلم كان أجمل أحلامه..

أغتسل بسرعة وذهب مباشرة الى غرفتها، فتح الباب بهدوء، ثم دلف ببطء ونظر اليها من مكانه رأها مازالت نائمة ومستغرقة في نوم عميق وصوت شخير ناعم يصدر منها.. عندما أطمئن عليها أغلق الباب خلفه، شعر بوخز داخل قلبه، الى متى ياقلبي ستظل تتألم
أخرج هاتفه وأتصل بطبيب بيسان للأطمئنان على حالتها، ثم ذهب لرؤيتها وفي داخل غرفتها في المستشفى..

كان الجميع متواجد معاها.. فالطبيب أذن لها بالخروج
كريم ممازحا: ماشاء الله وشك منور وبقيتي أحسن من الاول
قالت بابتسامة خافتة: اهو أرك ده اللي جابني هنا
تصنع الزعل: كده بردو يابوسة، ده أنا سبت العروسة عشان خاطر عيونك الحلويين
_ قولي بقا عامل أيه في الجواز
_ مفيش أحلى من كده يارتني سمعت كلامك من زمان أول لما كلمتك عنها
_عشان المرة الجاية تبقا تسمع كلامي..

قاطعهم أكنان قائلا: أنا عارف لما بتفتحو في الكلام مش بتسكتو، يلا عشان تلبسي ولا قعدة المستشفى عاجبتك
أبتسمت له وبنبرة فيها القليل من الألم: لأ طبعا ده أنا مصدقت هخرج النهاردة، أنا زهقت بجد وعاوزة أخرج من هنا
جيلان بابتسامة: مش أنتي لوحدك ياحبيبتي
نجم أمسك بيديها برقة: الحمد لله أنك بقيتي كويسة
رن هاتف كريم فقال: هطلع برا دقايق أرد على نيروز
غادر الغرفة ولحقه أكنان مباشرة..

سأله أكنان عندما رأى عبوس وجهه: مالك
_ ماما سافرت من غير ماتقولي
_ عادي مش مستاهلة التكشيرة دي
_ مش تكشيرة بس مستغرب أحنا كنا متفقين نسافر مع بعض بكرا وهي تسافر النهاردة، مش مرتاح
رد أكنان بهدوء: هي نيروز ديما كده عليها تصرفات غير متوقعة، المفروض انك أتعودت
أجابها بلهجة عابسة: أه وهو المفروض
سأله أكنان: هتروح تجيب الشيخ أمتى..

رد عليه قائلا: هروح أجيبه دلوقتي، عقبال مابيسان تروح هكون جبته معايا زي ماقال أول ماتخرج من المستشفى يروح ليها
تفاجىء أكنان وكريم بظهور زاهر أمامهم
هتف كلاهما في وقت واحد: زاهر
زاهر بابتسامة: طبعا زاهر بشحمه ولحمه
سأله أكنان بحيرة: أخر مرة أتصلت الدكتور قال انك لسه في غيبوبة
أجابه بابتسامة شاحبة: ماهو أنا أول مافوقت وعرفت باللي حصل وقدرت أتحرك ركبت أول طيارة عشان أطمن على بيسان..

تقلصت ملامح وجه أكنان بالغضب لمجرد ذكر ماحدث قال له بحدة: أنا مرضتش أتصرف وسكت عشان خاطرك أنت يازاهر، لولاك كنت قلبت الدنيا
ابتلع ريقه بألم: عارف أن الأعتذار ملهوش لزمة دلوقتي، بس اللي حصل مكنش ليا يد فيه، أنت عارف كويس أن بيسان روحي ومستحملش عليها أي حاجة واللي أذتها أمي أمي اللي كل في أيدي أدعي ليها ربنا يسامحها ويهديها، كل اللي عايزه منك تديني فرصة أحاول أصلح الوضع..

كريم بانفعال: مفيش تصلح الوضع، أنت معرفتش تحافظ عليها
قاطعه أكنان قائلا: براحة ياكريم
زاهر بلهجة برجاء: أحنا الأتنين منقدرش نعيش من غير بعض، اللي حصل ليها وأكتئبها عشان بعدها عني واللي حصل ليا لما حسيت أنها ممكن تسيبني
سأل أكنان مستفسرا: تقصد أيه
شرد زاهر في ذكرياته وأخذ يسرد ماحدث والسبب الذي أدى وقوعه والدخول في غيبوبة وكلام الاطباء أنه لا يوجد سبب لأستمراره في الغيبوبة وعندما أنتهى قال.. كل اللي عايزه فرصة..

أكنان أشار بأبهامه وقال بلهجة محذرة: هديك فرصة ودي هتكون أخر فرصة، مش عايز أخسرك
هتف كريم: أيه اللي بتقوله ده ياأكنان
أشار له بالتوقف: كريم أهدى شوية وفكر، بيسان بعد ماترجع لطبيعتها محتاجة زاهر معاها
صمت للحظات وقال: اللي تشوفه
سأل زاهر متلهفا: أدخل أشوفها وبيسان هتكون في عينيا..

أكنان قال بهدوء: مش دلوقتي هي هتخرج النهاردة وهنجيب شيخ يريقها، مش دلوقتي لما الشيخ يقول أنها بقيت كويسة
قال زاهر بألم: أن شاء الله تخف
_ تعالا شوفها بكرا أحسن
هز رأسه في صمت كئيب: هجي بكرا..

أنصرف كريم ودلف أكنان الى الداخل وأستعد الجميع للرحيل، وقف زاهر أمام المستشفى في الركن وأنتظر خروجها لرؤيتها لكي يملي عينيه منها، فقد كان مشتاقا لها، أشتاق لسماع صوتها لكل شيء فيها، تسارعت دقات قلبه عندما رأها من بعيد كنت تمشي بهدوء ورزانة ورغم مرضها وجهها مازال محتفظ بجماله الخاص لكن لمعت عينيها أنطفئت وصارت خواء، أنتفض في مكانه متألما لرؤيتها هكذا وبعيون لا ترمش ولا تحيد عنها ظل متتبع تحركه حتى ركبت السيارة وأختفت لتسقط دمعة وحيدة ووعد نفسه أنه سيصلح الأمور بينهم مهما تطلب منه من وقت.

أستيقظت بعد عدة ساعات من أنصرافه، كان شعرها مبلل ملتصق من شدة العرق، أنشبت الحمى في جسدها، حاولت الاعتدال والجلوس فوق الفراش لكنها فشلت فالحمى تمكنت منها، قرع الباب ودلف الصغيرين وأخذا في القفز واللهو بجوار الفراش
أياد بابتسامة طفولية: يلا قومي بقالك كتير نايمة..

حاولت الرد، لكن الكلمات ظلت حبيسة حلقها، شعرت بالعجز، دموعها أنسابت بألم، أرتعشت شفتها، أصابها دوار قاتل فسقطت نائمة مغمضة العينين، حاول الصغيرين جعلها تفيق لكن كل محاولاتهم بائت بالفشل، خرجو الى الخارج...
ماأن دلف أكنان الى داخل الفيلا حتى أستقبله الصغيرين
أياد بلهجة طفولية: كنت فين.

رد عليه بابتسامة: كنت عند عمتكم وأول ماطمنت عليها جيت هنا علطول، شرد لثواني في أحداث أخر ساعة، عندما أتى الشيخ وقام برقيتها وقال أنها أصبحت أفضل والسحر المعمول لها أصبح ليس له وجود وبعد أنصراف الشيخ أستغرقت بيسان في النوم مباشرة
جذبه وليد من البنطلون بعنف وهتف فيه: روحت فين؟

أكنان بابتسامة: موجود أهو قصادك
سأل وليد: هو أنا عندي عمة
_ أيوه عندكم وعمة عسولة أوي كمان
قال وليد وأياد في وقت واحد: عايزين نشوفها
رد عليهم بابتسامة: حاضر هتروحو تشوفها، هي فين ماما
قال أياد بضيق: لسه نايمة ولما جيت أصحيها مش ردت تصحى
قاطعه وليد قائلا: وأنا لما لمستها كانت سخنة أوي..

أكنان بمجرد سماعه كلمات أبنه، لم ينتظر التأكد منه وأخذ يركض على السلالم بسرعة، وجد نفسه أمامها، رأى جسدها يرتعش، لمس جبهتها وجد حرارتها مرتفعة، وبأضطراب أخرج هاتفه وأتصل بالطبيب.

لم يعرف الطبيب سبب أصابتها بالحمى، فطلب مجموعة من التحاليل ليتأكد من تمام صحتها، لازمها أكنان وأخذ ينظر اليها في فراشها بعيون حزينة وقلب متألم، أستشعر بغصة لرؤيتها ضعيفة وتعاني، جلس على حافة الفراش همس بأسمها بخفوت، بللت دموع الندم وجنتيه، أتى الليل ومازال الوضع كما هو الا من أتصال الطبيب الذي أخبره ان التحاليل سليمة ولا يوجد بيها شيء وكل مايجب فعله أن تأخذ مخفضات للحرارة وكمادات مياه باردة.

في العتمة وسط هذيانها، كان هو الوحيد بجوارها، أخذ يمسح وجهها وشعرها بمنديل مبلل بالماء البارد، فتحت عينيها بضعف تشابكت النظرات، نظرة متلهفة تقابلها نظرة شاردة مغيبة
همست بأعياء: عطشانة.

توقفت يديه الممسكة بالترمومتر في الهواء وتمتم بالدعاء والشكر عندما فتحت عينيها وطلبت الماء، وضع الترمومتر جانبا وقام بصب كأس من الماء لها، رفعها من فوق الفراش وأسند رأسها على صدره، قرب حافة الكأس من شفتيها وسقها وعندما أنتهت من الشرب غفت مباشرة على صدره وبعيون ملتاعة أخذ يتأملها بحب شدها اليه أكثر، مرر برقة أصبعه على جانب شفتيها ماسحا قطرات الماء المنسابة، مرر أصابعه بحنية على شعرها..،

تنهد بصوت مسموع مع كل لمسه لها، ظل على هذا الوضع فترة من الوقت، أنهاكه التعب بعد فترة من عمل الكمادات لها، أراد أراحة جسده قليلا، فتسلل الى جانب الفراش ونام بقربها وظل بجوارها نائما حتى ساعات الفجر الاولى أستيقظ مفزوعا عندما وجد نفسه أستغرق في النوم كل هذا الوقت مرر أصابعه باضطراب على جبهتها، فوجد الحرارة أختفت، وعندما أطمئن أنها أصبحت أحسن، قفز من فوق الفراش سريعا فهي لن تتحمل رؤيته نائم بجوارها، تسلل من غرفتها بهدوء وقبل خروجه نظر لها بحب لا نهائي ممزوج بحزن عميق..

بدأت أشعة الشمس تحيط بغرفة زهرة من الخارج والداخل، بدأت تسمع أصوات ضاحكة بجوارها، شعرت بالألم ففتحت عينيها ببطء شديد، فشاهدت أطفالها بجوارها مبتسمين
وليد بابتسامة: صحي النوم ياماما كل ده نوم
زهرة وهي تبتسم بصعوبة: ده أنا لسه نايمة
أياد هز رأسه نافية: لأ أنتي نمتي يومين بحالهم..

وضعت يديها على رأسها المتألمة وسألت باستغراب: هو أنا نمت بجد يومين ولا بتهزرو
رد وليد بلهجة طفوليه: أه أحنا لما جينا هنا أمبارح كنتي نايمة وسخنة أوي
وأكمل أياد مقاطعا: ولما قولنا لبابا أكنان جاب الدكتور وفضل جنبك طول الليل
قال وليد بعبوس: وكان بيعمل ليكي كمادات ومرضاش أي حد فينا يقعد معاكي، أنا أضايقت أوي منه
وشاركه أياد الكلام: وأنا كمان..

زهرة تململت على الفراش بعدم راحة وهي تسمع حديثهم فقالت بابتسامة خافتة: هو عايز مصلحتك ياحبيبي عشان مش تتعدو مني
أياد بلهجة طفولية: أصحي بقا عشان جعان
ردت زهرة: رحو أنتو وأنا جاية وراكم نفطر كلنا سوا
بدأت زهرة بالتحرك حتى وصلت أمام الحوض، غسلت وجهها لكي تزيل بقايا غشاوة التعب والنعاس من على وجهها.. أخذت تلقي دفعات من الماء على وجهها، حتى أنتظمت أنفاسها وشعرت بالهدوء..

على طاولة الأفطار.. رأت أكنان متصدر مقدمة الطاولة، تناولت الطعام في صمت، لكن أطفالها لم يكفو عن الكلام واللهو، نظراتها لهم كانت شاردة سرحت في خيالات الليلة الماضية وبدون وعي لمست جانب فمها المرتعش..
لاحظ أكنان هذا الشرود الذي سيطر عليها، لكنه لم يعلق وأستمر في تناول أفطاره..

نظرت له بحيرة فبادلها بنظرات دافئة وقال بهدوء: أنا ماشي وهجي بالليل ده كان أتفاقنا لما خرجنا من فيلا شهاب أني أفضل معاكي، لسه عند أتفاقنا ولا هتقولي متجيش هنا تاني
همست بخفوت: أنا مش برجع في كلامي والأتفاق أتفاق
أبتسم بهدوء وقال: مع السلامة ياحبايبي ووزع نظراته على الكل وقبل كلا الصغيرين

فتحت عينيها بوهن، لم تستوعب لأول وهلة تواجدها في غرفتها، حاولت النهوض لكنها توقفت عن الحركة والتفتت الى صوت الباب الذي يفتح ببطء، ترقبت القادم بدت مصدومة من رؤيته...

بخطوات مترددة أقترب منها وجلس بجوارها على الفراش وظل يتأملها بحب ممزوج بندم، خانتها دموعها فأنسابت في صمت، أشاحت بوجهها بسرعة لكي لا يرى دموعها التي لا تدري لها سبب محدد، ندم أم خوف أم خذلان أم فرحة لرؤيته
شعرت بيد تلمس كتفها ثم أدار رأسها تجاهه، مسح دموعها ونظر لها بحب، سألها برقة تغللت داخل أحاسيسها بسرعة: حسه بأيه...

ارتفع صوت بكائها وهي تسمع صوته المحب
سأل بقلق: هو في حاجة وجعاكي
أجابته وهي تمسح دموعها: أنا كويسة، بدت الحيرة في عينيها سألته بتشوش، أنت عرفت أزاي؟ وجيت هنا أزاي؟
أنت كنت في غيبوبة..

قال بابتسامة باهتة: الغيبوبة فوقت منها عشان أفضل معاكي، وجيت طبعا بالطيارة أول ماعرفت باللي حصل ليكي، سألها بتردد، عرفتي السبب اللي وصلك لحالتك دي هزت رأسها في صمت وقالت بخفوت: أيوه أكنان قالي
حاولت النهوض لكنها لم تفلح لشعورها بدوار مفاجىء..

وضع يده حول خصرها مانعا أياها من السقوط وبالأخرى عدل وضع الوسادة خلفها، وجدت نفسها محاطة بين كلتا ذراعيه، شعرت بدغدغة خفيفة تعتريها وزادت نبضات قلبها، شعرت بنفسها ضعيفة هشة بين أحضانه وصدره العريض الذي أختبرت نشوة دفئه العديد والعديد من المرات، شعرت بقلبها الذي أصابته البرودة ينصهر يشتعل، أرادت وضع أناملها على صدره للشعور بدقات قلبه، هل ينتفض كقلبها، أرادت ضمه لتصدق أنها لا تحلم، كادت ترفع يديها لكنها شعرت بالعجز، رجعت بجسدها للخلف متفادية الأحتكاك به..

لم يريد البعد عنها، لكن لابد له من الأبتعاد مضطرا حتى لا يتفاقم الوضع بينهم، هي لازالت ضعيفة ومشوشة، تألم لرؤيتها هكذا، ضعيفة ومنكسرة
قال زاهر بهدوء مصطنع: وجودك في حياتي حسسني أني عايش مش مجرد ظل كنتي النكهة الحلوة في حياتي، وكل دقيقة وكل ساعة وكل يوم كنا في مع بعض كنت في منتهى السعادة، كان بيمر عليا وقت والخوف يسيطر عليا أنك تبعدي..،

كنت مستكتر وجودك في حياتي، لحد ماالخوف ده أتحول ليقين، همس بألم عندما أستعاد ذكريات هذا اليوم، سمعتك بتكلمي كريم وبتقولي ليه خلاص زهقت وأنا ناوية أبعد، مستحملتش ولقيت الدنيا بتلف بيا ووقعت على السلم ودخلت في غيبوبة، غيبوية لما فوقت منها أقتنعت أني فضلت فيها بأردتي، فوقت لما حلمت بيكي وأنك محتاجني، فوقت عشانك أنتي وبس، وبعدين عرفت باللي حصل ليكي واللي عملته أمي معاكي وأنك أتظلمتي واتألمتي كتير، سامحيني يابيسان أني مقدرتش أحميكي..

همست بارتجاف: أطلع دلوقتي
نطق كلماته بهدوء: هفضل معاكي ومش هطلع أنتي محتاجني وأنا محتاجك، أنتي أتخلقتي ليا وأنا أتخلقت ليكي مقدرش أعيش من غيرك ولا أنتي تقدري تعيشي من غيري عشان مصيرنا أحنا الأتنين مربوط ببعض، مش همسح للي حصل يفرق بينا، هنقاوم أحنا الأتنين لحد مانعدي الازمة وترجعي بيسان حبيبتي...

رفع يديها وعقد أصابعه في أصابعها ثم قبل أناملها برقة قائلا، بينا أحنا الاتنين هنعدي الأزمة وهترجعي زي الأول فاهمة يابيسان أنتي حته مني
ارتجف جسدها وشعرت بمشاعر مختلفة تغزوها فما مرت به لم يكن بالشيء الهين، فالحب ليس كل شيء في الحياة..

كانا في السيارة أمام الفيلا عندما قال لها كريم: هسيبك معاها ساعة تطمني عليها، هروح أخلص أجرءات السفر وأجي أخدك
نظرت له بحب: وأنا هستناك
بمجرد دخولها من باب الفيلا، أدار السيارة وأنطلق بها
في الداخل تفاجأت زهرة بأن ضحى موجودة في الأسفل وتسأل عنها
نزلت السلالم بسرعة وهتفت بسعادة لرؤيتها: واحشتيني يابت..

ضحى بابتسامة: وأنتي كمان يازوزو، هنفضل كده وافقين مش هتعزميني على حاجة يابخيلة
بادلتها الضحك: هو أنتي لحقتي، حاضر هشربك ثم نادت على الخادمة، لسه بردو بتحبي عصير المانجا
رسمت ضحى شكل قلب بأصابع يديها وقالت: ده عشق العشق
أحضرت الخادمة العصير، أرتشفت ضحى عصيرها بتلذذ واضح ثم قالت بابتسامة: فكريني لما أجي من السفر أجيلك هنا عشان أشرب عصير مانجا، أصله طعمه حلو أوي..

صمتت وهي تسمع أخر كلماتها فقالت: أنتي مسافرة
أرتسم العبوس على محياها وهي تقول: مسافرة النهاردة مع أن من جوايا مش عايزه أسيب هنا، مع أن بابا وماما سابو البيت وسافرو مصر
_ هما أهلك سافرو خلاص
_ أيوه يازهرة، لما زروني بابا قالي عندي مفاجأة حلوة أنهم لقو شقة حلوة وكمان جاله شغل في شركة كبيرة وهيسافرو علطول
بلهجة يشوبها بعض الحزن: خلاص كله سافر وحتى أنتي كمان..

ضمتها ضحى وقالت بحب: هتصل بيكي علطول، طمنيني عليكي الاول أنتي كويسة وأيه شغل العصابات اللي حصل معاكي، أنا بقرا الحاجات دي في الروايات وأشوفها في الافلام لكن عمري ماتخيلت أن ده يحصل معاكي، أحكيلي كل حاجة بالتفصيل، رأت نظرات زهرة المذهولة لكنها أكلمت حديثها.. طبعا من بصتك دي هتقولي عرفت أزاي وأنتي مقولتيش حاجة، أنا عرفت من كريم ماهو أكيد كريم هيقولي، قوليلي بقا تليفونك كان مقفول ليه، ده أنا أترعبت عليكي بالرغم أن كريم طمني بس قولت لزم ولابد أشوفك بنفسي، هو اللي أسمه شهاب ضرب علكيم نار والطلقات جيت في الهوا، الحمد لله أنها جيت في الهوا بصراحة الراجل ده يستاهل الشنق..

قاطعتها زهرة بضحك: أفصلي شوية أيه تسجيل وأتفتح، وأنا كويسة وقعدة قصادك، تعالي هنا ومادام كريم حكلك على كل حاجة عايزني أتكلم ليه هو وجع دماغ وخلاص
ضحكت قائلة: عشان هو لو نسى حاجة أنتي تحكيها، ثم نظرت في أرجاء الفيلا بتركيز، قوليلي يازهرة بصراحة أيه الوضع هنا في الفيلا، بعد ماعرفت أنه هيعيش هنا معاكم وأنتي أتقبلتي الوضع أزاي..

شردت زهرة وسرح تفكيرها وخيالها فيما مضى
لاحظت ضحى شرودها المبالغ فيه، فحدثتها قائلة: كل السرحان ده عشان جبت سيرته بس
عادت زهرة من شرودها بعد تلك الكلمات التي أطلقتها ضحى وقالت لها: أنا لحد النهاردة مش قادرة أنسى بالرغم كل اللي بيعمله معايا
أردفت ضحى قائلة: أركني ذكرياتك أحبسيها عشان تقدري تعيشي..

_أنا للأسف مش قادرة أنسى الماضي، اللي حصل زمان كان صعب أي حد يعدي منه وأنا عديت منه ياضحى بس بندوب لسه معلمه جوايا خلت مشاعري مشوهة أنا بقيت منفعش منفعش أكون أي حاجة
صمتت ضحى قليلا تفكر في كلماتها ونظرت لها بهدوء شديد: قولتي يازهرة أنه ندمان ويتمنى ترضي عنه، ليه مش عايزه تفوقي من الشرنقة اللي معيشة نفسك فيها ليه رافضة تفوقي، ربنا بيسامح يازهرة سامحيه حاولي تسامحيه، أنسي وبلاش تفكري نفسك باللي حصل، النسيان نعمة وبكرا تقولي أنا كان عندي حق..

تشوشت رؤيتها بالدموع فهي تشعر بحيرة وتخبط في مشاعرها تجاهه وأصبحت لا تعلم ماذا تريد، شددت ضحى من قبضتها على يديها وقالت: أسمعيني كويس يازهرة الدنيا أديتك فرصة من دهب حياة جديدة ومستقبل جديد بلاش تخسريهم وراجل بيحبك وندمان، في رجالة غيره بيهربو من ذنبهم ويقولو ملناش فيه، أكملت كلامها برجاء سامحيه حاولي تديله فرصة
زهرة بنبرة متشنجة: ححاول ححاول ياضحى..

_ أوعديني أنك تديه وتدي نفسك فرصة
_ أوعدك ياضحى
_ فين بقا الولاد عشان أسلم عليهم مش سامعة ليهم حس
_ فوق في أوضتهم بيلعبو
_ عايزه أبوسهم وأسلم عليهم قبل ماسافر
_ تعالي معايا نطلع ليهم ومتقوليش أني مش حذرتك
_ من أولها كده هتظلمي الولاد دول كيوت من غير ماشوفهم..

أول مازهرة فتحت الباب، تعالت أصوات الصراخ تسمرت ضحى على الباب للحظات ثم ضحكت على مايحدث أمامها
أياد بصراخ: سيب اللعبة بتاعتي
يقوم وليد بجذبها من يده قائلا بصراخ: لأ دي بتاعتي
_ لاااااابتاعتي أنا
_دي بتاعتي أنااااا
وكلا الشقيقين يجذبون اللعبة وكلاهما يصرخ في وجه الأخر
همست زهرة بضحك: أتفضلي سلكي بين الكيوت حبايبك..

تصنعت ضحى الرحيل: لااااياختي سلكي بينهم أنتي، أنا هروح أكمل العصير بتاعك لحد ماجوزي الكيوت يجي ليا
قامت زهرة بدفعها لداخل الغرفة وأغلقت الباب وقالت بابتسامة: روحي يلا فضي الخناقة
ضحكت زهرة فبادلتها ضحى الضحك
توقف الصغيرين عن الشجاروالتفتو اليهم بفضول، فتعالت أصوات ضحكاتهم أكثر وأكثر..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة