قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية زهرة ولكن دميمة الجزء الثاني بقلم سلمى محمد الفصل السابع

رواية زهرة ولكن دميمة الجزء الثاني بقلم سلمى محمد

رواية زهرة ولكن دميمة الجزء الثاني بقلم سلمى محمد الفصل السابع

الدنيا ثلاثة أيام
الأمس، عشناه ولن يعود
واليوم، نعيشه ولن يدوم
والغد، لن ندري أين سنكون
هذا المشهد قفز أمام عينيه، مافعله بها من أنتهاك لجسدها العفيف، تقلصت ملامح وجهه وأرتعش جانب فمه، ثم هتف فيها والدموع تنساب على وجنتيه: أنا اللي منفعش ليكي، أنا حيوااان...

نظرت له حائرة، فهي لا تفهم كلامه ولكنها شعرت بالشفقة تجاهه، لمست كتفه برقه: أهدى
رأى نظراتها الحنونة، فزاد بكائه، فهو لا يستحق هذه النظرة منها، أزداد الصراع بداخله، فقد حان موعد الاعتراف، لا يستطيع أخفاء جريمته الى الأبد، فهو يمتلك طفلين، طفلاه يعيشون في ملجأ، هتف بوجع: أاااااه.. أااااه
حاولت تهدئته فقالت برقة: أدعى ربنا يمكن ترتاح، أنا لما بكون تعبانة، بصلي وأدعي، أعمل زيي...

نظر لها بألم: أنتي أزاي كده، بعد اللي عملته معاكي، لسه قلبك طيب، أنتي حقك تمسكي سكينة وتغرزيها جوا قلبي وتريحني...
أستغربت كلامه، ودعوتها لقتله، ماذا حدث لكل هذا، نظرت له حائرة لا تفهم: ليه كل ده
هتف بهستريا: عشااااان.. عشااان أنا، رفع رأسه ويديه الى الأعلى داعيا ربه بصوت مسموع، ثم قال بدون وعي لماهية الكلمات التي تخرج من فمه ودموع العذاب تنهمر بدون توقف، أنا اللي عملت فيكي كده، أنا المجرم اللي أنتهك برائتك، أنا اللي قطفت زهرة شبابك وحولتها لزهرة ذابلة خالية من الحياة...

نظرت له بذهول غير مصدقة وغير مستوعبة كلامه، أطلقت قهقه عالية: أنت بتهزر، أكيد بتهزر بس هزار تقيل، أنا من وقت ماشوفتك وقولت أنك عندك شيزوفرنيا، أنا ماشية.
صاح بألم: أنا أبوهم، أبوهم، ولادي طلعو متربين في ملجأ، كل ذنبهم أنهم أتولدو بطريقة غير شريعة، من أب زين ليه الشيطان طريق الرذيلة، أااااه من ذنب لحد النهاردة بدفع تمنه، ضيعت شرفك بسبب لحظات من اللذة وعدم الوعي...

توقفت يديها على مقبض الباب وهي تسمع كلماته، التفتت له، تسمرت عينيها طويلا في عينيه، رأت الصدق، العذاب، الحقيقية، أقتربت منه، رفضت مارأت، صرخت في وجهه وهي تدفعه بكلتا يديها في صدره: أنت ليه مصمم تأذيني، ليه مصمم تعذبني بقسوتك، أنت أنسان مريض، أزداد صراخها، مريض، وكداب
أمسك كلا معصم يديها وصاح بألم: سامحيني يازوزو..

اتسعت عينيها من الصدمة، ثم قالت وهي ترتعش: أنت قولت أيه، وعرفت الأسم ده أزاي، مفيش غير أتنين بس اللي كانو بينادوني بيه، بابا وأحمد وبس...
أخذ يتنفس بعمق وصدره يعلو ويهبط، الشك رواده فقال بهمس: عرفته منك يوم ماأتقابلنا وركبتي معايا العربية، وقتها سألتك على أسمك قولتلي زوزو، ليه خبيتي عليا أنك متعرفنيش لما أتقابلنا ليه خبيتي، لو عايزه تنتقمي أنا أهو أقصادك أنتقمي، عايزه تبلغي عني بلغي وهقول حصل، صاح بصراخ، عايزه تموتيني موتي عشان أرتاح..

هتفت بهسترية: عشان معرفكش، معرفكش، هزت رأسها بعنف، تمتمت دون وعي والدموع تنهال على وجنتيها، أنا مش فاكرة حاجة ولا فاكرة حصل أيه معايا، الفترة دي أتمحت تماما من عقلي، ثم صاحت في وجهه بهسترية، أنا مش عايزه حاجة، كل اللي عايزه دلوقتي تسيبني أمشي، ثم أعطته ظهرها وتحركت باتجاه الباب..

وضع يديه على كلتا كتفيها مثبتا اياهها، جاعلها تلتفت له، طالعته بنظرات مضطربة، هزها بعنف صارخا بانفعال: أنا أعرفك وأعرفك كويس يازوزو، أنا مقدرتش أخبي الحقيقية أكتر من كده، حسيت أد أيه أنا صغير وجبان قصادك، أنا خوفت أقول الحقيقة، وأنتي طلعتي أصدق وأشجع مني ومحاولتيش تكذبي عليا وتخبي حقيقتك، مقدرتش أتجوزك وأنا مخبي عنك الحقيقة، أنا أبقا أبو ولادك...

ضغطت على أذنيها ثم صرخت في وجهه: مش عايزه أسمع حاجة، سيبني أمشي أبوس أيدك...
نزع محفظته من جيبه وأخرج منها صورة، وقام بوضعها أمام عينيها: بصي كويس للصورة...
شهقت بعنف، أخفضت يديها بالتدريج ثم أمسكت الصورة من يديه، عينيها تسمرت على ملامح الطفل فيها، غير مصدقة مارأت...
هتف بألم: دي صورة بيسان أختي تقريبا في نفس العمر، صورة بيسان من أكتر من عشرين سنة، بصي على تاريخها...

تسمرت نظراتها على التاريخ، لمعت عيناها بالدموع وهي تنتفض في مكانها، قالت بصوت مرتعش: مستحيل
قال بصوت حزين: لما شوفتهم حسيت كأنهم طلعو من الصورة...
لم تعد قادرة على النكران، صرخت بكل ذرة تسكن كيانها، صرخت بوجع كان دفين لسنوات، صرخت وصرخت، حتى أسودت الدنيا أمام عينيها، تلقفته يديه بسرعة وهو يراها تسقط فاقدة الوعي، حملها بذراعين تهتز من الرعب، وضعها برقة فوق الفراش، أخرج هاتفه وبأصابع ترتعش أتصل بطبيبه...

هرول زاهر مسرعا الى داخل غرفة والدته، ثم دخلت بيسان بعده مباشرة، أقترب من الفراش وقال بقلق: مالك ياست الكل، قلبي أتوجع عليكي لما سعدة قالتلي على اللي حصل، خيرمالك؟حاولت كتير أتصل بدكتور بكري عشان أطمن عليكي منه، تليفونه كان بيدي علطول مشغول...
تصنعت الالم، قالت بصوت ضعيف: الضغط عالى عليا شوية
نظر له بقلق: شوية ضغط يخلو وشك أصفر وينايموكي في السرير...

قالت صفية بصوت واهن: ماأنت عارف صحتي متستحملش الضغط يعلى، صحتي مبقتش زي الأول، وخايفة أموت وأنت بعيد عني
أحتضنها قائلا: بعد الشر عليكي ياست الكل، أستكانت بين ذراعيه وقالت بابتسامة: العمر بيجري يازاهر، ومش هعيش أكتر ماعشت
قالت بيسان برقة: بعد الشر عليكي، والف سلامة عليكي
ردت عليها بابتسامة صفراء: طبعا بعد الشر، طول ماأبني معايا هكون كويسة..

شعرت بيسان بالضيق من طريقة ردها، فقالت: بعد أذنكم أنا رايح أوضتي، هغير هدوم السفر
بدون الألتفات لها قال وكل تركيزه منصب على والدته: روحي ياحبي
دلفت بيسان الى غرفتها، وأخذت تمتم بضيق: حيزبون حتى في تعبها، كله عشان خاطرك يهون ياحبييي...
شعرت بقشعريرة غريبة تسري في جسدها وفجأة تملكها أحساس بالخنقة، لم تشعر بيه أول مرة دخلت غرفة زوجها، صرخت بفزع عندما رأته مرة أخرى وهذه المرة لم يكن بمفرده: الحقوووني...

أنتفض زاهر في جلسته على صوت صريخ زوجته، قائلا بجزع: هروح أشوف حصل أيه، خرج سريعا حتى وصل الى غرفته، وجدها تقف فوق الفراش، ولما رأته صرخت ببكاء: الحقني يازاهر
، في خطوتين أصبح جوارها، فأرتمت عليه، أحتضنها مسرعا قبل سقوطها
قال في قلق: مالك يابيسان
بيسان أشارت بيديها على ماأرعبها، تمتمت بصوت متقطع: مش لوحده يازاهر، أنا خايفة أوي..

نظر الى ماتشير اليه، همس بضيق: ايه اللي جابهم هنا، بصي أنت هتطلعي فوق السرير تاني وأنا هروح أمسكهم وأطلعهم برا الأوضة، أستطاع بصعوبة أمساكهم، قال له برقة: هروح أحبسهم في أوضتهم وجي بسرعة
_ بسرعة يازاهر عشان خاطري
_ دقايق وهكون معاكي
سمعت من مكانها صوت زاهر الغاضب، حسابك هيبقا عسير معايا ياسعدة، لو الاوضة اتسابت مفتوحة تاني...

بمجرد دخوله تعلقت في رقبته.. قالت بصوت متقطع باكي، دون أن تفلت تعلقها برقبته: خليك معايا يازاهر...
. سمع دقات قلبها تنبض بعنف تحت يديه، شتم في سره لرؤيتها هكذا: حاضر يابوسة، مش هتحرك من مكاني، مسح دموعها بأبهامه بخفة، قال بحب: دموعك دي غاليه عندي وكل دمعة من عينيكي بتقطع قلبي، ثم قبلها ببطء على الوجنتين، سمع دقات قلبها تهدىء قليلا، ضاعف قبلاته، أزدادت القبلات بينهم، أصبحت كلها له...

تكرر رنين جرس الباب، همست بضيق عندما أستمر الرنين والباب لم يفتح: ده أنا مصدقت تدخل تنام، واتجهت مسرعة ناحية باب الشقة...
قالت بفضول لما رأت الشخص الواقف أمامها: أنت مين
المحضر قام بأخراج ورقة من داخل الحقيبة المعلقة على أحدى كتفيه: أنا محضر المحكمة وده أخطار، ومد يده لها بالورقة، أتفضلي حضرتك أمضي أستلام
همست لنفسها بغضب: عملت اللي قولت عليه
قال بهدوء: أتفضلي أمضي ياهانم...

أبتسام بانفعال: حاضر، ثم مضت على أستلام الأخطار، ثم أغلقت بالباب بعنف، لمعت عينيها بالدموع وهى تقرأ الكلمات المكتوبة فيها، همست بحزن: كده يااحمد، أنا عارفة أن رشا غلطت، بس اللي بتعمله ده غلط، انتو الأتنين غلطتو...
خرجت رشا من غرفتها، نظرت الى أمها بعيون ذابلة لم تعد تلمع كالسابق، كيف تلمع وهي بعيدة عن حبيبها، ركزت نظراتها على الورقة القابعة في يد أمها، فقالت: مين اللي كان بيخبط؟ وأيه الورقة دي..


أنعقد لسانها عن الكلام، ردت بلهجة متوترة: اللي خبط كان كااان المحصل، ثم قامت بطوي الورقة...
برغم أنها تعيش حالة من الأنعذال، شعرت بعدم الراحة وكذب والدتها، هتفت بشك: محصل!
أبتسام بلجلجة: أيوه
أقتربت منها رشا وبحركة فجائية نزعت الورقة من يد أمها ونظرت الى المكتوب فيها...
أضطربت بشدة في وقفتها وهي ترى تقلص ملامح أبنتها...

صرخت بانفعال: رفع عليا دعوة لحضانة البنات، ده على جثتي، فاهمة على جثتي...
أبتسام برجاء: أهدي يارشا، أنا هكلم المحامي بتاعي يباشر الدعوة، ومش هيقدر ياخد منك البنات...
هتفت بانفعال: خلاص باعني ياماما، خلاص مبقاش يحبني.. وعايز ياخد مني البنات، الحاجة الوحيدة اللي ممكن تخليني أرجع ليه، مستحيل ياخد مني البنات...
أبتسام بلهجة متوسلة: طبعا ياحبيتي مش هيقدر ياخدهم منك...

في غرفة صفية، جلست سعدة بجوار الفراش..
سألت صفية: وحصل أيه بعد مازعق ليكي ياسعدة
أبتسمت سعدة بخبث: ولا بعدين ياستي، دخل الاوضة وقفل الباب ولحد دلوقتي هما الاتنين جوا...
قالت صفية بغضب: شوفتي ياسعدة زاهر اللي الكبير قبل الصغير بيخاف منه، تيجي واحدة زي دي أول ماتنادي عليه، يجري عليها ملهوف، ونسى أمه وأنها تعبانة...

_ متزعليش نفسك، مش هتلحق تتهنى بيه كتير، أنا عملت كل اللي قال عليه الشيخ فرحات بالحرف الواحد، لما يتحقق المراد متنسنيش في الحلاوة
_ بس يحصل وكل اللي انتي عايزه يسعدة هعمله ليكي، هو الشيخ مبروك قالك المفعول هيبتدي بعد أيه
هزت سعدة رأسها نافية: مقلش أمتى بالظبط، بس اللي أعرفه أن كل واحد راح ليه وطلب منه حاجة اتنفذت...
تمتمت صفية بدعاء ثم قالت: أنا بعمل كده عشان مصلحته، عشان متأكده أنها هتتعبه...

في غرفة زاهر
شعر بالسعادة تغمر قلبه فنظر لها بحب غير مصدق أنها أصحبت ملكه وملتصقة بيه، أبعدها عن حضنه برفق ونظر لعينيها وقال: بحبك ونفسي لو قدر لينا وجبنا أطفال يبقو شبهك
ضحكت بيسان بدلع: وأنا بقا عايزهم شبك أنت، ثم نهضت من فوق الفراش...
زاهر بابتسامة: سايبني ورايحة فين؟
قالت وهي ذاهبة باتجاه الخزينة: هطلع هدوم ألبسها...

غمز لها بمكر: ماتخليكي كده أحلى
ردت عليه بخجل عفوي: باين عليك نسيت الوالدة وأنها تعبانة
خبط بكف يديه على جبهته وهتف: أوبااا، الوالدة مش هتعديها، ليلتك ملونة يازاهر، ثم نهض مسرعا من فوق الفراش باتجاه الحمام..

ابتسمت بيسان بخفة وهي ترى أندفاعه باتجاه الحمام، ثم قامت بفتح الخزينة ومدت يديها لالتقاط ثوب لها، عندما أمسكته لفت أنتباهها.. شيء موجود في قاع الخزينة، تمعنت النظر، فوجدت كومه من ريشات سوداء اللون، فقامت بأمساك ريشة منهم، عقدت حاجبيها بتفكير، أيه اللي جاب الريش دي هنا، أكيد الفار اللي بيقولو عليه سنجاب، ثم القتها مكانها بعنف، هبقا أخلي سعدة تنضف الدولاب، وأغلقت الدولاب، شعرت بيسان فجأة بقبضة داخل قلبها، دموعها نزلت من عينيها دون أن تدري...

أندهش زاهر لما رأها واقفة في نفس المكان معطية له ظهرها، لمس كتفها برقة: بيسان
أنتفضت من شرودها مذعورة، صرخت بحدة، التفتت له وقالت برعب: خضتني يازاهر
سألها بلهجة يشوبها القلق: مالك يابيسان وكنتي بتعيطي ليه..
ردت بدهشة: بعيط!، بتلقائية لمست وجهها فوجدته رطب فعلا بالدموع، فقالت بهمس غير مصدقة أنها كانت تبكي، ده أنا كنت بعيط بجد..

سأل بحيرة: هو أنتي مكنتيش تعرفي أنك بتعيطي
ردت عليه وهي تشعر بالأضطراب: محستش خالص يازاهر أني كنت بعيط...
قال بقلق: أحنا كنا كويسين مع بعض وكنتي بتضحكي قبل مادخل الحمام، أيه اللي غيرك مرة واحدة، حصلت حاجة زعلتك
هزت رأسها نافية: مفيش حاجة زعلتني، أنا معرفش أصلا كنت بعيط ليه، مرة واحدة حسيت أني مخنوقة، همست بضيق، حسيت أن نفسي بيتكتم
_ وده من أيه يابيسان
_ معرفش يازاهر، بجد معرفش، خليك جنبي علطول
أحتضنها برقة وهمس برقة: مش هسيبك وهفضل علطول معاكي...

أرتسمت علامات الدهشة على وجه طبيبه، وهو يرى أكنان ثائرا من أجل هذه الفتاة...
تحدث بلهجة منفعلة، صارخا في وجهه: مالها ياأصهب...
رد عليه بهدوء: ثواني ياأكنان، أخلص كشف الاول وهقولك عندها أيه...
تحدث بحدة: خلص بسرعة
رد بثبات: حاضر، وعندما أنتهى قال، معندهاش حاجة، الضغط طبيعي، كل الوظائف الحيوية عندها طبيعة
سأل بانفعال: أومال عندها أيه؟

أجابه أصهب قائلا: مجرد أغماء، مفيش حاجة مستاهلة، أنا هفوقها دلوقتي، ربت بخفة على خدها، ثم مرر أبهامه على أذنها...
فتحت عينيها ببطء وهي تشعر بالدوار، رفعت يديها وضغطت على رأسها لتسكين هذا الصداع، تمتمت بخفوت وهي مازالت غير واعية: أنا فين
سأل أكنان بقلق: مالها ياأصهب
قال أصهب بهدوء: لسه مش واعية وبتفوق
فجأة مرت أمام عينيها كل الاحداث الذي حدثت منذ قليل، تقلصت ملامح وجهها متألمة وهى ترى مغتصبها واقف أمامها...

نهضت من الفراش بسرعة غير مبالية بدوارها، وأتجهت ناحية الباب مهرولة تريد الهروب من هذا الكابوس، وما أن أمسكت مقبض الباب حتى عجزت قدمها عن حملها لكن وجدت ذراعين تقوم بأسنادها...
قال بلهجة خائفة: زهرة
لم تشعر بنفسها الا وهي تصفعه بكل قوة على وجنتيه يمينا وشمالا كالمجنونة، لم تعد تدري لماذا تصفعه فهي لا تتذكر أغتصابه لها، ولكن تتذكر جيدا معاناتها وحبسها ليل نهار منبوذة تداري فضيحتها...

ظل ثابت في مكانه يتلقى صفعاتها، توقفت فجأة وأخذت تلهث بعنف.. دفعته بقوة للوراء، وصرخت فيه: أنا همشي من هنا، ومش عايز أشوف وشك تاني في حياتي، وخرجت من الغرفة مسرعة...
أصاب أصهب الذهول.. فما حدث أمامه شيء مستحيل، ولا حتى في أحلامه، كان يتوقع أن يأتي اليوم ويرى فيه أكنان يتم صفعه من فتاة هزيلة لا تصل حتى الى مستوى كتفه، عندما رأه مازال واقف، قرر الخروج هو الأخر، وقبل أن تخطو قدمه الى خارج الغرفة...

تحدث أكنان بهدوء ظاهري: أستنى يأصهب عايز أسألك في حاجة...
أصهب بتوتر: أسألني وأنا هجاوب
قال أكنان بثبات: هو ممكن الواحد ينسى وقت معين في حياته وميفتكرهوش بعد كده...
سأل أصهب باستفسار: فقدان الذاكرة علم كبير وأنواع وليه أسباب كتير، وضح كلامك أكتر...

_ ممكن الواحد لو أتعرض لخبطة في الراس وفي نفس الوقت يمر بتجربة صعبة، ممكن الوقت ده ينساه تماما بالاشخاص اللي قابلهم فيه...
وضع أصهب سبابته على جبهته ونقر عدة مرات: ممكن يحصل، أنا قريت عن حالة فقدت ثمانية وأربعون ساعة من حياتها ومعرفتش هي عملت فيهم أيه، ممكن الانسان يقفد جزء معين من ذكرياته لأكتر من سبب، ممكن يكون صدمة نفسية اتعرض ليها، فالمخ يمحي الوقت ده تماما، ممكن نتيجة حادثة، من الاخر فقدان الذاكرة ليه أسباب كتير، ممكن كلي أو جزئي...

قاطعه أكنان قائلا: والشخص ده ممكن ذكرياته ترجع ليه
رد أصهب بهدوء: ممكن أه وممكن لأ، وده راجع للشخص ونوع الفقدان الذاكرة اللي عنده...
وعندما سمع ماأراد معرفته، رمق أصهب بنظرة محذرة: اللي حصل قصادك ميطلعش لجنس مخلوق
رد أصهب بهدوء: أنت عارفني كويس، مفيش حاجة اتقالت هنا هتطلع برا..
قال أكنان: عارف بس حبيت أكد الكلام...

بمجرد أنصراف أصهب، أنهار أكنان، أرتكن على الارض بجوار الحائط، وألقى وجهه بين كفيه وأنخرط في بكاء حاد، عادت بيه الذكريات الى سنوات مضت، وراح يتذكر...
في عيد مولده الواحد والعشرين ومن المفروض في هذا اليوم الأحتفال بتخرجه وميلاده وتكون الفرحة فرحتين، كانت هدية والده له هي الزواج من فتاة في نفس عمره، هي نفسها الفتاة التي أخبره بنيته خطبتها له من أهلها عقب تخرجه...

نجم بابتسامةهادئة مترقبة رد فعله عندما يعلم بزواجه: مش تباركلي ياكينو
نظر لهم بحيرة، مندهش من تأبط ديمه لذراع والده والابتسامة تزيين شفتيها المكتنزتين: أبارك على أيه بالظبط
رد نجم بهدوء: على جوازي من ديمة
ديمة بلهجة يشوبها القلق: مش هتقولي مبروك ياديمة...
ساد شيء من الصمت فجأة، كأن عقارب الساعة قد توقفت عن الدوران...

أنتفض أكنان في وقفته ثائرا، وقال بغضب شديد: ليه؟، طب أنت وعارف طبعك كويس ديما بتجري ورا رغباتك، أنتي ياديمة ليه عملتي كده؟
خرجت الكلمات من فم ديمة مثل النيران تحرق وتشعل بكل قسوة: يمكن أكون أنانية في تصرفي، لكن مش عيب أدور على مصلحتي، ليه أتجوز الأبن وأنا ممكن أتجوز الأب، اللي في أيده كل حاجة...

تحولت كلماتها الى سهام دخلت في قلبه لتخنق دقاته وتصيب مشاعره في مقتل...
أمتص غضبه بصعوبة، وقال بهدوء ظاهري: مبروك ليكم
نظر كلاهما له بصدمة غير مصدقين مباركته لهم بالزواج...

وقبل خروجه من الغرفة وسط نظراتهم المندهشة، أستدار قائلا: هو أنت مقولتلهاش يانجم بيه أني شريك بأكتر من النص في كل الأملاك دي كلها، ده غير نصيب بيسان، يعني بنصيبي أنا وبيسان نقدر نخلعك خالص من أدارة المجموعة اللي بتتابهي بأنك مديرها، عندما أنتهى من كلامه قهقه بصوت عالي، حسبتيها غلط، عشان الأبن هو الأصل والأب مجرد صورة، وقبل خروجه رمقهم بنظرة كره شديدة...

مرت أيام وشهور وسنوات بعد هذه الحادثة التي تسببت في جرح غائر وشرخ دائم في علاقته مع والده، وتحول أكنان من شخصية هادئة رصينة، الى شخصية قاسية عابثة مستهترة، سهر وعلاقات نسائية لا حصر لها، وأنفصل نجم عن ديمة.. لتسافر بعد الطلاق مباشرة الى الخارج وتتزوج كهلا لمجرد أنه غني، حاول نجم أصلاح علاقته معه، لكن الشروخ أصبحت بينهم راسخة وبات من الصعب أصلاحها...

الى أن أتى اليوم الذي غير حياته...
تحدث أكنان باستهتار: هو ده بقا المكان الحلو اللي مفيش زيه
رد أمير: كفاية الكوكتيل اللي بيتقدم فيه، حاجة تظبط الدماغ...
أكنان بلامبلاة: هنشوف، ثم أشار بيديه الى النادلة كي تحضر مشروبا له...

تقدمت النادلة على مهل محركة جسدها بأغراء، ثم وضعت الكأس على الطاولة، أرتشف من الكأس بعض الشراب ثم نظر لها وجدها مازالت واقفة، قال بلهجة صارمة: يلا أمشي
أنصرفت غاضبة وأخذت تتأفف بضيق، فالزبون طار من يديها...
أخفى أمير أبتسامته وقال: ليه بس دي البت موزة بتقولك أنا أهو
عبس أكنان في جهه بقرف: ذوقك بقا مقرف...

أمير بابتسامة ماكرة: أنا معايا سجارتين مخصوص، وغمز له بأحد حاجبيه، يعني ملغمين
قال أكنان بهدوء: أنت عارف أني مليش في المخصوص
_ جرب أنت مش هتخسر حاجة، ثم أخرج من جيبه لفافة السجائر ووريقتين، ولفهم بمهارة، حدث أكنان قائلا: أمسك
تناولها بتردد وفي الاخر حسم قراره، فقام بأشعالها وأخذ منها عدة أنفاس متتالية، وبعد مرور فترة من الوقت...

قال أكنان: أنا ماشي
أمير بابتسامة خفيفة: ماهو لسه بدري، دي السهرة لسه في أولها...
أكنان بلهجة ثقيلة: ماهو لزم أصحى بدري عشان الصفقة الجديدة
_ سلااام يابص مادام في صحيان بدري، أنا ناوي أبات هنا في الفندق...
_ سلاااام، ثم تحرك ناحية باب الخروج..

تحرك بسيارته، ظهرت أمامه من العدم، أوقف سيارته فجأة محاولا تجنب الأصطدام بيه، فلم يستطيع تفادي الأصطدام بها، سقطت أمام السيارة، تأفف بضيق، فهي ليست المرة الاولى تقوم فتاة بالقاء نفسها أمام سيارته في سبيل التعرف اليه...
نزل من السيارة، فوجد الفتاة قد نهضت من على الارض تمسك رأسها بكلتا يديهاوقد أرتسمت على ملامحها الألم الشديد...

كانت ترتدي فستان عاري الكتفين مظهر لمعان بشرتها النقية، تأملها ببطء من رأسها حتى أخمص قدميها، ثم ظهرت أبتسامة متلاعبة على شفتيه، محدثا نفسه، أنها تبدو كأحدى فتيات البار بزيها العاري الذي كان متواجد فيه منذ قليل، مجرد فتاة تبيع نفسها ليلة واحدة، هز رأسه بخفة والأبتسامة مازالت على وجهه متمتا، لما لا...

غمز لها ثم قال: عايزه توصيلة
أومأت رأسها بخنوع وسارت خلفه مشوشة الرؤية وهي تصدر أنينا مكتوم، وهي تتلوى سارت خلفه ببطء، وركبت بجواره، ودون أن تدري ذهبت في طريق لا عودة فيه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة