رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل الثالث والعشرون
جاءت نتيجة التحليل مؤكدة لشكوك حسام، جاءت بما يكسر ظهر أقوى الرجال، زهرة ليست ابنته، أما سليم فهو ابنه، إذن هيلانا خائنة من أيام الزواج الأولى، حيث جاءت زهرة بعد مرور عشرة أشهر فقط من الزواج، خرج حسام من معمل التحاليل وقدماه لا تقويان على حمله، دارت الدنيا به، شعر بالرغبة في الانتقام من هيلانا وعشيقها، ود لو كانت أمامه الآن، لو سحقها، لو أطبق بيده على عنقها بكل ما بداخله من نار مشتعلة وغيظ مكبوت، شعر بالرغبة في البكاء، الصراخ، لكنه عجز عن كل هذا، ظل صامتا ورياض يحدثه مواسيا ليخفف عنه وهو كمن أصيب بالصمم، صار يترنح معه حتى ركبا السيارة، وفور جلوسه داخل السيارة بكى، بكى كثيرا.
كان يسمع عن الخيانة لكنه لم يتخيل يوما أن يكون أحد ضحاياها، لقد أحبته هيلانا، أو أوهمته بذلك، حتى عندما وجدها غير عذراء ليلة الزفاف لم يدقق كثيرا باعتبار أن هذا أمر شائع هناك، وأنه حدث في الماضى وقبل معرفته بها، كما أنها تعهدت له بالإخلاص.
خيانة الزوجة من أصعب المواقف التي يمر بها الرجل، تفقده الثقة بالنفس، يكره نفسه ومن حوله، يفقد احترامه لذاته بعد ان فضلت زوجته عليه غيره، حتى لو كان هو الأفضلة.
أصبحت زهرة تكتب عمودا أسبوعيا بالجريدة تحت عنوان (أجراس الخطر) تتحدث فيه عن القضايا الشائكة وما طرأ على المجتمع المصرى من تغيير، العادات الدخيلة عليه والعادادت الجميلة التي اندثرت بفعل.
الانفتاح الثقافى والتكنولوجى، الجرائم المستحدثة بفعل التكنولوجيا مثل الخيانة الالكترونية، ودخول المواقع المشبوهة، وعندما تعجز عن إيجاد موضوع للتحدث عنه تسأل حسن وراضى عن الجديد في الجرائم التي كتبا عنها في باب الحوادث.
زهرة: إيه الاخبار يا حسن؟
حسن: كلها حوادث عادية قتل واغتصاب وسرقة.
زهرة: القتل والاغتصاب بقت حوادث عادية؟
حسن: في موضوع كويس ممكن تتكلمى عنه، موضوع المستريحين اللى كل يوم والتانى يتقبض عليهم وكل واحد فيهم ناصب على الناس في خمسين ستين مليون، ما أعرفش الناس دى إيه ما بيتعلموش؟ دول لو بيلاقوا الفلوس تحت السرير مش هيعملوا فيها كدة.
راضى: سيبك منه يا مدام زهرة، أنا عندى موضوع جديد وهيعجبك.
زهرة: موضوع إيه؟
راضى: البنات اللى بتطلع على التك توك شبه عريانة عشان المشاهدات، لسة جاى من القسم، قابضين على واحدة هي وجوزها، كانت بتعمل فيديوهات بقمصان عريانة من أوضة نومها، تخيلى راحو يقبضوا عليها لقوا جوزها اللى بيصورها.
زهرة: معقولة اللى وصلنا له ده؟ أنا كنت الأول فاكرة إن اللى بتعمل كدة بنات مراهقة، طايشة، يمكن مالهاش حد يحكمها، لكن بعد كدة بقيت ألاقى ستات كبيرة والمفروض إنهم أمهات محترمة، المحزن إن في ستات كبيرة جدا في السن بتطلع تقول أى حاجة وتعمل أى حاجة عشان تضحك الناس، حتى لو هتاكل بطريقة مقززة، حاجة تكسف.
راضى: تصدقي يا مدام زهرة إن أخويا شغال في السعودية بيقول بقيت أنكسف أقول أنا مصري من عمايل الستات دى.
حسن: كله عشان الفلوس، الناس بقت مستعدة تعمل أى حاجة عشان تجمع مشاهدات، حتى لو هتبيع عرضها.
زهرة: لا، مش دول المصريين، دول مهما كانوا قلة، الأغلبية اتربت على الأصول والمحافظة على الشرف، المصريين نعمات اللى حلفت ما تقلع عبايتها برة بيتها، هند اللى بتفضل طول الليل صاحية لجوز أمها يدخل أوضتها ويلمسها، وتنام بعد ما يخرج، المصريين عم حمزة اللى بيصمم يرجع لى باقى الفلوس كل مرة يجيب لى حاجة ويرفض ياخد منى أى فلوس ويقول مش هأصرف على بيتى إلا من تعبى، المصريين مالين الشوارع بيجروا ورى اتوبيس أو يتحشروا في عشان يلحقوا شغلهم اللى يا دوب هيكفيهم أكل وشرب، المصريين في الغيطان من الفجر في عز البرد وعز الحر، في المصانع شقانين، في الأسواق، في كل مكان رزق بالحلال، راضيين برزقهم القليل اللى تعبوا فيه، مش هما دول أبدا المصريين.
ظل حسام يبكي أكثر من ساعتين ورياض محتضن له.
رياض: وبعدين يا حسام؟ كفاية كدة أنت هيجرالك حاجة، لو مش عايز تروح بيتك تعالى عندى على ما أعصابك تهدى وتفكر هتعمل إيه.
حسام: مش قادر أقوم من مكانى، حاسس إنى أتشليت.
رياض: بعد الشر عليك، ده بس من الصدمة.
حسام: ده ذنب زهرة يا رياض، زهرة اللى أتخليت عنها، زهرة اللى حاسبتها على ذنب ما عملتهوش.
رياض: مش أنت اللى حاسبتها لوحدك، المجتمع كله حاسبها، هون على نفسك وانسى كل اللى حصل، عايزين نخرج من الموضوع ده بأقل الخساير.
حسام: أنسى إيه؟ أنسى إن مراتى فضلت رجل تانى عليا وإنها سلمته نفسها يمكن في بيتى وعلى سريرى؟ دى خلفت منه، كل ده وأنا نايم في العسل.
رياض: طلقها يا حسام، أنت مش هتقدر تكمل معاها تانى.
حسام: وولادى؟
رياض: سليم بس اللى ابنك.
حسام: وزهرة؟ ده أنا روحى فيها.
رياض: خلاص يا حسام زهرة مش بنتك، فكر بعقل شوية.
حسام: مكتوب عليا انحرم من زهرة هناك وزهرة هنا.
رياض: نصيبك يا حسام، دى إرادة ربنا، هتعترض على قضاه؟
حسام: ونعم بالله، أنا كل اللى يهمنى دلوقتي إزاى أرفع دعوى إنكار نسب لزهرة، وإزاى اخد سليم منها.
رغم أن مواعيد عمل هند حتى السابعة إلا أن عادل كان يصر على انصرافها قبل موعدها بساعة، خصوصا بعد عودتها لمنزل أسرتها، ذهبت زهرة إلى الشركة، وجدت عادل وحده.
عادل: الآنسة هند مشيت يا مدام زهرة.
زهرة: عارفة، أنا جاية لك أنت.
عادل: تحت أمرك.
زهرة: من غير لف ولا دوران إيه رأيك في هند؟
عادل: أنا اللى هأقول لك رأيى فيها؟! دى صاحبتك من سنين.
زهرة: أنا قصدى رأيك في الارتياط بيها.
عادل: مش عارف أقول لك إيه، أنا ظروفى وحشة وقدامى فترة عادل ما أجهز.
زهرة: كل الأمور دى هنحلها سوى، المهم هي عاجباك؟
عادل: من ناحية الأخلاق مافيش كلام، واضح إنها محترمة ومتربية، وكفاية إنها اختيارك وكانت زميلتك، لكن هتصدقينى لو قولت لك إنى ما أعرفش شكلها.
كان عادل يجلس طول الوقت منكس الرأس، لا يرفع عينيه أبداً في هند، حتى عندما يحدثها، لذا لم يستوضح ملامحها جيدا.
زهرة: إزاى بقى؟ دى بقالها معاك حوالى شهر أهو.
عادل: هتصدقينى لو قولت لك عمرى ما بصيت في وشهها، أنا متعود على كدة، غض البصر من الإيمان.
زهرة: لو إن اللي بتقوله ده غريب، بس مصدقاك.
عادل: والله ده اللي حصل.
زهرة: على العموم لو الموضوع في دماغك ممكن تبص عليها بكرة، ولو عجبتك بلغنى واللى فيه الخير يقدمه ربنا.
عادل: حتى لو عجبتنى هأتجوزها إزاى بمرتبى اللى ضايع أكتر من نصه على أهلى؟
زهرة: اللى باقى من مرتبك على مرتبها يكفى.
عادل: والجهاز والعفش والشبكة والمهر؟
زهرة: مش لازم شبكة، كفاية دبلة وخاتم صغير، وبالنسبة للعفش جيب أوضة نوم جديدة بالقسط وأنا عندى في شقة بابا سفرة وصالون وأجهزة كهربائيّة مستعملة لكن شغالة وبحالتها، وأى حاجة تانية ناقصة أنا هأجيبها.
عادل: وهي هتقبل إنى أفضل أصرف على أهلى؟
زهرة: نسألها، على فكرة أنا لسة ما فاتحتهاش، بس أنا حسيت إنكوا أنتوا الاتنين طيبين ولايقين لبعض، ها، هتشوفها بكرة؟
عادل: من غير ما أشوفها أنا موافق، كفاية إنها اختيارك، بس في تعديل بسيط.
زهرة: خير؟
عادل: اللى هأقدر عليه هأجيبه واللى مش هأقدر عليه هأجيبه مع الوقت، هأجيب الضروريات.
زهرة: طب ما تاخد الحاجة اللى قولت لك عليها ولما ربنا يقدرك تجيب غيرها ابقى رجعهالى.
تمت خطبة عادل وهند، وتحدد الزفاف بعد شهرين، ساهمت زهرة بالكثير من شوار هند التي كانت لا تدخر أى شئ في شوارها كما تفعل معظم الفتيات.
كانت زهرة تحرص على شراء أغلى الأشياء كما لو كانت ستشتريها لنفسها، كانت تشترى ما يلزمها فقط بدون مبالغة، كما يفعل البعض.
حاولت صافى أكثر من مرة التحدث مع زهرة في كل لقاء يجمعهما لكن زهرة كانت تتجاهلها وأحيانا تترك المكان وتنصرف، حتى حضرت إليها بالجريدة.
صافى: هتفضلى كدة زعلانة منى؟
زهرة: أنا زعلانة عليكي، إزاى ترخصى نفسك لكل واحد يعجبك؟ ربنا خلقك غالية، عززك بإنك تبقى لرجل واحد بالحلال، إزاى بتقدرى تعملى كدة من غير مشاعر؟ أنتى كدة زى العاهرة اللى بتبيع نفسها بالفلوس ويمكن أنتى أقذر كمان، يمكن هي يكون ليها مبرر عشان الفلوس، لكن أنتى عاهرة ببلاش.
صافى: خلاص يا زهرة، والله حاولت كتير أبطل ما قدرتش، كل ما أشوف رجل ويعجبنى أبقى هاموت عليه.
زهرة: بالذمة ده كلام ست محترمة؟ الكلام ده مش مقبول حتى لو بيقوله رجل على ست، إزاى تقوله ست مفترض فيها الحياء؟ أنتى مريضة يا حبيبتي، لازم تتعالجى.
صافى: هأروح أقول للدكتور إيه؟ أنا مريضة بحب الرجالة.
زهرة: مش ده الواقع؟
صافى: على فكرة أنا قللت علاقاتى خالص، بس غصب عنى مش قادرة أمنعها.
زهرة: مش عايزة تخلفى طفل أو طفلة؟ إزاى هتخلفى وأنتى كدة؟
صافى: جوزى مش عايز يخلف منى.
زهرة: عنده حق، ما هو مش ضامن الطفل اللى هيجى ده من صلبه وإلا لأ.
صافى: أنا كمان بصراحة مش عايزة، طفل يعنى مسئولية أنا مش قدها.
زهرة: لو سليمة وتقدرى تخلفى ومانعة نفسك أيا كان السبب هتندمى، الطفل ده فرصتك إنك تبقى بنى آدمة كويسة، اقطعى علاقتك بأى حد تعرفيه، اعتذرى لجوزك واطلبى منه يسامحك وافتحوا صفحة جديدة، هو بيحبك هيسامحك، بعدها جيبى طفل يملى حياتك، طفل لما تبصى في عينيه تنسى كل الدنيا، ما تبقيش عايزة رجل غير أبوه، تعملى المستحيل عشان تبقى أم مثالية في عينه.
صافى: كل شيء بآوان يا زهرة.
زهرة: يعني مصرة؟
صافى: ممكن ما تقطعيش علاقتك بيا لحد ما ده يحصل، وما تكرهنيش مهما حصل، أنتى قولتى إنى مريضة، وليس على المريض حرج.
تطلبت حالة عبد الرحمن الصحية إجراء جراحة عاجلة لاستئصال الورم من الكبد، تركت زهرة كل مشاغلها ورافقت عمها، وكذلك نرمين.
أمسكت زهرة يد عمها وقبلتها.
زهرة: مليون سلامة عليك يا عمو، اجمد يا حبيبي كدة، إحنا ما لناش غيرك.
عبد الرحمن: لكوا ربنا يا حبيبتي.
زهرة: ونعم بالله.
عبد الرحمن: ما كنتش عايز أعرفكوا، بس ما حدش ضامن الموت من الحيا، كان نفسي أشوفكوا قبل ما أدخل العمليات.
نرمين: ربنا يطول في عمرك يا عمو، إن شاء الله تخرج لنا بالسلامة.
عايدة باكية دموع التماسيح: اوعى يا عبدو تسيبنى، أنا ماليش حد إلا أنت، نرمين وزهرة عندهم أجوازهم أنا من غيرك يتيمة.
عبد الرحمن: قولي يا رب.
الجميع: يارب.
الله وحده يعلم ما كانت تطلبه عايدة من الله.
اتصلت نانا بزهرة، طلبت منها الحضور لافتتاح المشروع الخاص بها وهو ملابس داخلية حريمي،
اعتذرت زهرة متعللة بمرض عمها، وكانت المفاجأة ذهاب دكتور خالد.
نانا: دكتور خالد؟! متشكرة لذوقك إنك جيت.
د. خالد بوقاحة: كان نفسي أتجوز واحدة طويلة، الست الطويلة دى مهرة.
نانا: زهرة ست الستات، وأجمل واحدة فينا.
د. خالد: بيقولوا الست الطويلة مثيرة وكلها أنوثة، أنا أحب أجرب بنفسى.
صعقت نانا مما سمعت تجاهلته وقالت: شكرا يا دكتور، نورتنى.
د. خالد: أنا كدة بانطرد؟
نانا: ما أقدرش يا دكتور.
قدم لها الكارت الخاص به وقال: ده الكارت بتاعي فيه كل أرقامى، والرقم الخاص اللى للناس الخاصة، هأستنى تليفونك.
نانا: إيه الوقاحة دى؟
د. خالد: مين اللى بتتكلم عن الوقاحة؟ نانا؟ هو أنا مش زى مجدى؟