قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الحادي عشر

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الحادي عشر

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الحادي عشر

كان الأفق الرمادي يتنهد شوقا لتباشير الصباح القادمة من بعيد عندما وصل عبدالعزيز و روح لقرب غيط من القصب تسللا بين عيدانه ليلتقطا أنفاسهما و ما ان جذب عبدالعزيز كف روح لتنهض من جديد لمواصلة الهروب بعيدا عن النجع و من فيه
الا وهتفت روح بوهن: -خلاص، معدتش جادرة يا شيخ عبعزيز..
و ألتقطت أنفاسها في صعوبة
لكنه رغما عن ذلك هتف فيها مشجعا: - معلش، تعالى على نفسك شوية عشان نبجى ف الأمان..

و مد كفه لها يجذبها لتنهض و تتابع معه هرولتهما المحمومة
فوجد كفها ببرودة الثلج ووجهها قد غطاه الشحوب
اقترب منها مذعورا هاتفا: - روح، مالك..!؟، انتِ حاسة بأيه..!؟.
همست بحروف متقطعة وهنا: - روحى رايحة يا شيخ
و جسمى متلچ..
و بدأت بالفعل تفقد وعيها
فهتف عبدالعزيز
بصوت يقطر رعبا: - روح، فوجى، انتِ بخير، متناميش، خليكى معايا، روووح..
لكن روح لم تكن هنا لتسمع نداءاته
بل فقدت وعيها كليا.

و تركته يتطلع حوله ليجد مكانا يحمل زوجته اليه..
طالع من البعد عشة من الخوص قرر التوجه اليها..
خلع قفطانه و ألقاه على جسد روح و ما ان هم بحملها حتى رأى كفه و قد اصطبغت بلون الدماء القانى..
شهق في ذعر غير قادرعلى ادراك مصدر تلك الدماء..
تمالك نفسه في صعوبة و حملها في سرعة باتجاه العشة الخوص.

و ما ان دخلها حتى وضعها جانبا على ذاك الفراش الخشبي المبطن بالقش واندفع خارج الغرفة البوص يتلفت حوله طلبا للنجدة و العون وقد اضحى الصبح بين على حدود الأفق البعيد
ليجدها قادمة من بعيد..
امرأة تتوشح بالسواد كعادة اهل القرى و النجوع
تسحب خلفها بهيمتها و تتبختر قادمة على الطريق القريب منهما..
اندفع تجاهها في لهفة من طالع طوَّق نجاة في خضم بحرهائج صارخا.

يوقفها في توسل: - يا خالة، انجدينى يا خالة ربنا ما يوجعك ف ضيجة..
هتفت المرأة بقلق و هي تراه يقف أمامها على تلك الحالة المزرية بجروحه و تورمات وجهه التي ارعبتها لا محالة
الا انها تمالكت نفسها مجيبة نداءه الحار بنبرة لا تخلو من الريبة : - خير يا ولدى، ايه في..!؟.
أشار عبدالعزيز للخص حيث تقبع روح بلا حراك..

اندفعت المرأة للخص و ما ان رأت روح ممددة بهذا الشكل حتى توجهت اليها في لهفة تستطلع أخبارها هاتفة لعبدالعزيز: - مرتك دى..!؟.
هتف عبدالعزيز مؤكدا: - اااه، مرتى يا خالة، مرتى..
تطلعت المرأة للنزيف الذى يغطى جلباب روح و وجها الشاحب الذى غابت عنه ملامح النضارة..
فسألت من جديد: - هي مرتك حبلى يا ولدى..!؟.
هتف عبدالعزيز متعجبا: - حبلى.!؟
، بتجولى حبلى يا خالة..!.

هتفت المرأة و هي تعدل من وضع روح: - اه يا ولدى، ربنا يعوض عليكم، شكلها كانت حبلى و ربنا ما أردش و العيل نزل..
و توجهت المرأة باتجاه باب الخص ليهتف عبدالعزيز متعجبا: - على فين يا خالة..
هتسبينى معاها و انى معرفش
اعمل ايه..!؟.
اكدت المرأة: - لاه يا ولدى..
انت ضيفى، و دى ارضى..
بس مرتك محتاجة علاچ ضرورى عشان نلحجها..

هروح اجيب لها جلبية چديدة نغيرولها و أكلة ترم عضمها و أبعت ام محمد الداية تطل عليها ضرورى..
هتف عبدالعزيز شاكرا: - ربنا يعزك يا خالة، و انتظر ليعرف الاسم
فهتفت المرأة مؤكدة: - وچيدة، أسمى وچيدة يا ولدى، ادخل لمرتك
و توجهت لبهيمتها و جذبت منها منديل مغلق مطبق على ما به
ناولته إياه هاتفة: - خد، فوجها و خليها تاكل، لازما تاكل على بال ما اجيب اللازم و اچى..

هتف عبدالعزيز ممتنا: - ربنا يعزك يا خالة وجيدة، ربنا يسترك..
ابتسمت الخالة وجيدة في أريحية و عادت القهقهرى مع بهيمتها لتفعل اللازم من اجل روح..
ما ان استدار عبدالعزيز ليدخل الخص حتى سمع همهمات روح تعلن عن بدأ استفاقتها فاندفع اليها ملهوفا هاتفا باسمها: - روح، انت فوجتى..!.
نظرت اليه نظرات هائمة مشوشة و أخيرا همست: - هو ايه اللى حصل يا شيخ عبعزيز..!؟.
هتف مستنكرا: - ايه اللى حصل.!؟

و لا حاچة، نشفتى دمى بس..
وضع المنديل المصروم أمامها و فتحه ليخرج الطعام أمرا: - ياللاه لازما تاكلى، و متتحركيش من مكانك نهائي..
هتفت روح: - ايه اللى حصل، انا مش حاسة بحالى يا شيخ..!؟.
مد كفه بالطعام لها
هامسا في شجن: -طب بس كلى و انتِ تبجى احسن..
تناولت من كفه الطعام تلوكه في قلق
و هي تشعر انها ليست بخير
و انها فقدت شيئا عزيزا تشعر من جراء فقده بالخواء.

لكنها لا تدرك كنه ذاك الشئ الذى تشعر به و قد غادرها مع بعض من روحها..
كانت تأكل تلك اللقيمات التي كان عبدالعزيز يدفع بها لفيها في آلية..
حتى أخيرا ظهرت امرأتان على باب الخص..
مظهرهما المتشح بالسواد جعل روح تنتفض
فيدرك عبدالعزيز وجود شخصا ما حيث توجه روح نظراتها..
انتفض عبدالعزيز بدوره لكن مرحبا هذه المرة هاتفا فيهما: - اتفضلى يا خالة وجيدة، تعبناكِ معانا..

هتفت الخالة وجيدة و المرأة الأخرى تتبعها للداخل: - مفيش تعب و لا حاچة يا ولدى..
الحمد لله مرتك فاجت اهى..
اطلع استنانا انت بره و كله هايبجى تمام..
اومأ عبدالعزيز برأسه موافقا
الا ان روح هتفت بإسمه مستنجدة به، لا تدرى ما سيحدث لها من جراء بقاءها مع هاتين المرأتين..
الا ان عبدالعزيز طمأنها بايماءة من رأسه و غادر في صمت يقف على باب الخص مترقبا..
مر الوقت بطيئا و هو لا يدرك ما يحدث داخل الخص.

الا من خلال بعض الهمهمات من النسوة بالداخل و بعض الكلمات المتقطعة من هنا او هناك لا تحمل معنى مستقيم..
حتى أخيرا طالعه محياهما خارجتين من الباب القش
دافعين إياه في تؤدة
اندفع إليهما يستطلع الأخبار هاتفا في ترقب: - خير يا خالة، مش خير برضك..!؟.
اكدت الخالة وجيدة: - الحمد لله يا ولدى على عطايا ربك..
هو اللى بيعطى و هو اللى بياخد..
و احنا ملناش الا نطيع..

اومأ برأسه مدركا لمغزى كلماتها هامسا بشجن: - يعنى كانت حبلى..
و الحبل ربنا يعوض فيه..!؟.
اكدت الداية بايماءة من رأسها دون ان تنطق بحرف
و استطردت الخالة وجيدة هاتفة
و هي تشير للباب القش الموارب
قليلا: - ادخل لمرتك يا ولدى و طيب خاطرها بكلمتين..
ووكلها..
لازما تاكل عشان تشد حيلها
دى نزفت كَتير و ربنا وحده اللى سلم، دى المسكينة كانت ممكن تروح فيها، و ربنا يخلف عليكم..

اكد عبدالعزيز بايماءة من رأسه موافقا كلام الخالة و هو يندفع للخص
و لكن قبل ان يدلف للداخل
همس بصوت يملؤه الامتنان: - تسلمى يا خالة..
ربنا يسترك زى ما سترتينا..
همست وجيدة: - انى معملتش غير الواجب..
دِه حج الضيف..
و الضيف ضيف ربنا..
و إنتوا ف ارض الحاچة وجيدة اللى مبيباتش عليها چعان..
روح لمرتك يا ولدى، و اللى تطلبه كله مچاب..

ابتسم عبدالعزيز في امتنان لتلك المرأة التي أرسلها الله رحمة منه لتنقذ زوجته من موت محقق و تستقبلهما في ارضها دون حتى ان تسألهما
من أين..!؟.
و الى أين..!؟
و كم كان هذا السؤال او ذاك صعب الإجابة، بل ان إجابة الأول بالأخص لابد و ان تظل سرا، اما إجابة الاخر فهى بيد الرحمن..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة