قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راقصة الحانة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الرابع

رواية راقصة الحانة للكاتبة نورا عبدالعزيز كاملة

رواية راقصة الحانة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الرابع

أستيقظ " إلياس" صباحاً علي صوت خطوات هادئة في الخارج، أخرج مسدسه من أسفل وسادته وقام من فراشه بخفوت دون أن يصدر أي صوت ووضع يده علي الزناد وفتح باب غرفته بخفوت شديد وخرج إلي الخارج وأتبع صوت الخطوات فوجد نفسه أمام غرفتها...

وقفت " دموع " أمام الدولاب وأخرجت ملاية للسرير ثم ذهبت نحوه وغيرت ملايته المُتسخة، فتح باب غرفتها ثم دلف " إلياس " يحمل في يده مسدسه، نظرت له بخوف وعيناها تتجول بين عيناه ومسدسه فأزدردت لعوبها بخوف حين أقترب منها خطوة واحدة ..

- أنتي صحيتي أمتي ؟؟
سألها بنبرة باردة وهو ينزل مسدسه يتخطي عن سبب دخوله لغرفتها دون سبب ملموس وواضح، يخشي إن يخبرها بأنه تعرض للقتل وقتلت زوجته ومازال لا يعلم من يريد قتله وأن كان سيحاول قتله مجدداً.
أردفت بصوت مبحوح خافت من رؤيتها لمسدسه، قائلة:
- من ساعة كدة.

أستدار لكي يخرج دون آن يهتم ولمح بطرف عيناه في مرآة التسريحة، ظل أحدهما خلف شرفة غرفتها، ألتف لها مجدداً وهو يحاول أن يُشتت أنتباهاحتي لا تشعر بالخوف أو تُعلم ذلك الشخص بأنه رأه... فقال مُردفاً:
- أنتي فطرتي ولا لسه ؟؟

- لسه، تحب أحضرلك فطار
قالت بأبتسامة تنبث من عيناها، أشار إليها بنعم وعيناه علي الشرفة، يريدها أن تخرج من الغرفة قبل أن ينشر رياح عاصفته في المكان،أقتربت خطوة منه مُتجهة إلي الباب...

رأي ذلك الشخص يخرج مسدسه ويكسر بيه شرفة غرفتها، صرخت " دموع " بفزع فجذبها من يدها وأخافها خلف ظهره وأطلق رصاصة نحو النافذة دون أنتظار شئ، ركض نحو الشرفة وفتحها ولم يجد أحد، نظر في الشارع فوجد ذلك الرجل يركب علي الموتسكل خلف صديقه وهرب...
ألتف لها ورأها تقف مُنكمشة في ذاتها وترتجف أهي تركت حياة الحانة لتعيش بحياة مُخيفة يسكنها الرعب مُهددة بالموت - غيري هدومك وأجهزي عشان نخرج

مر من أمامها شارداً يفكر فيما حدث، أوقفه صوتها وهي تقول:
- أنا معيش هدوم
أشار إليها بنعم دون أن يستدير لها، خرج من الغرفة ثم عاد إليها ببعض الملابس الخاصة بزوجته المتوفية، تجهزت من أجل الذهاب معه إلي حيث لا تعلم...

دلف سعيد إلي مكتب " معتصم " وجده يجلس علي كرسيه أمام المكتب يباشر عمله بأتقان ومهارة، أقترب منه ثم مد يده بملف يضعه على المكتب، وقال مُحدثه:
- التقرير اللي حضرتك طلبته
ترك معتصم الورق من يده ومسك الملف وقال بجحود:
- عملت ايه في الموضوع التاني.

وقف " سعيد " يضم كفيه أمامه بخذلان وقال بخفوت وخوف من هذا الرئيس الغاضب:
- ملحقش يدخل الشقة، إلياس شافه فأضطر يهرب قبل ما يمسكه ويكون ورقة لتهديد حضرتك
قذف " معتصم " الملف بوجهه غاضباً من فشل رجاله المتكرر، وضرب المكتب بقبضته وقال:
- عشان أغبيه، حتة ضابط مفعوس مش عارفين تخلصوني منه، مش قادرين علي الشغل ولا قده قولولي وأنا أجيب غيركم يشتغل بربع مرتبكم.

- يافندم إلياس مش زي أي ضابط، إحنا قبل ما خطي الخطوة بيكون مستنينا، إحنا غلطنا لما فكرنا أن موت مراته هده وكسره...
أتجه " معتصم " إلى الشرفة واضعاً يديه الأثنين في جيبه مُلتزم الصمت ويكبت غضبه بين ضلوعه، نظر " سعيد " أرضاً يعلم ان صمته هدوء ما قبل العاصفة، أخرج "معتصم " تنهيدة قوية من بين ضلوعه ثم قال مُحدثه بمكر:
- أخبار أخته ايه ؟؟

أبتسم " سعيد " بشر وقال بجدية:
- في جامعتها دلوقتي
فتح " معتصم " شرفة المكتب وأتجه نحو مكينة القهوة ثم أحضر فنجانه وهو يقول بجدية ونبرك تهديد مُحذره من أي خطأ:
- عايز أشوفها، وأياك من أي غلط المرة دي، مفيش حاجة أسمها رجالتك، لو مجبتهاش آنا هأخدك رقبتك الحلوة دي من علي كتفك...

وضع " سعيد " يده اليسري علي عنقه وأزدرد لعوبه وقال بصوت مبحوح:
- تمام يافندم
أشار إليه " معتصم " بالرحيل وهو يرفع فنجانه إلي شفتيه ثم أرتشف القليل منه بعد أن غادر مساعده وهو يفكر بأعماله المتوقفة بسبب هذا الضابط الذي يدعي الشرف والكرامة فلديه كبرياء أكبر من أموال "معتصم " وبحار لا يستطيع أحد أقافها أو جعله ينحني له..

دق جرس الباب، خرجت " أثير " من غرفتها ثم فتحت الباب ورسمت بسمة مُبهجة علس شفتيها فور رؤية أخاها أمامها فعانقته بسعادة وهي تقول مُردفة:
- أخيراً أفتكرت أن ليك أخت تسأل عليها ياحضرة الظابط

أبعدها عنه وهو يقول ببرود:
- أمك هنا
نكزته في كتفه تساكشه بحديثها:
- يا سلام قول بقي أنك جاي تصالحها، عندك في المطبخ

- خليها معاكي
قالها وأتجه إلي الداخل، نظرت بأستغراب له ورأت " دموع " تقترب منها من خلف الحائط خائفة وصامتة ويظهر عليها توترها بوضوح، أكتفت ببسمة صغيرة وأدخلتها إلى الداخل...

دلف إلي المطبخ ووجد أمه تقف أمام البوتاجاز وتطهي الطعام، أردف ببرود شديدة:
- أمي
سمعت صوته وأصطنعت الغضب حتى أنها لم تلتف له، أقترب منها وقال:
- ممكن خدمة منك.

أستدارت له بذهول فهو لم يأتي لمصالحتها كما أعتقد الجميع بل جاء لسبب أخر يجهله الجميع ويعلمه هو فقط، سألته بفضول:
- خير ياحضرة الظابط
ضحك ساخراً فالجميع يردعوا بضابط الشرطة في حديثهم بدلاً من أسمه، جلس علي أحد الكراسي وقال:
- في بنت برا غلبانة جدا مالهاش أهل ولا حد...

بترت " جميلة " الحديث من فمه بحديثها قائلة:
- وجايبهالي عشان أساعدها، دي بقي اللي أبوك شافها في بيتك ولا واحدة غيرها
أشاح نظره بعيداً عن عيناها ثم وضع يديه في جيبه مع تنهيدة قوية وزفر من تعقبهم علي تصرفاته كطفل صغير، وقال:
- هي عندها 17 سنة.
زفرت أمه بضيق من تصرفاته وخرجت من المطبخ، قائلة:
- لما أشوف أخرتها معاك يابن بطني

دلفت للصالون وهو خلفها فرأتها تجلس مع " أثير " تتفحص المكان بعيناها وتنكمش في ذاتها وكفيها يحتضنان بعضهما البعض بتوتر، أقتربت منها " جميلة " بذهول من جسدها الضئيلة وعيناها البريئة الممزوجة بنظرة خوف من العالم بأكمله وكافة الناس أجمعين، جلست " جميلة " بجوارها ثم نظرت له بشفقة علي حال هذه الطفلة ثم أردفت بصوت حنون وهي تربت علي كتف " دموع " قائلاً:
- أسمك إيه ياحبيبتي ؟؟

نظرت " دموع " له بأرتباك فأشار إليها بنعم، عادت بنظرها إلي أمه ثم قالت بخفوت:
- دموع أسمي دموع
شهقت " أثير " بذهول وقالت:
- ليه الأسم الحزين ده
- أثير قومي أدخلي جوا
قالتها " جميلة " بصرامة بعد أن رمقتها بنظرة جدية حادة، وقفت " أثير " ودخلت إلي غرفتها، أربتت " جميلة " علي قدم " إلياس " بحنان وقالت بإبتسامة:
- قوم شوف وراك إيه

وضع يديه علي ركبتيه مصاحبها بتنهيدة خفيفة ووقف، وقفت " دموع " بسرعة مع وقوفه، أردفت " جميلة " بهدوء مُبتسمة ,, قائلة:
- أقعدي يابنتي هو هيروح شغله، ولا هتروحي معه الشغل
نظرت " دموع " له بخوف من تركها في هذا المكان الغريب، كانت نظرتها تترجاه بعدم تركها هنا وحدها، أشار إليها بإيجاب ودلف إلى غرفة أخته..
جلست " جميلة " معاها وأبتسمت لها وبدأت تسألها عن حياتها وتخشي " دموع " أخبارها بحقيقة كونها راقصة حانة...

نزلت " نارين " من الأعلي ووجدت " فريدة " تجلس علي أحد الكراسي أمام البار وترتشف كأس من العصير..
أردفت " نارين " بغيظ قائلة:
- هي الهانم مورهاش شغل، قومي أنجري نضفي المكان مع باقي البنات
صرخت " فريدة " بتذمر وهي تقف وتضرب البار بيدها، قائلة:
- حاضر

ودلفت إلي الداخل، جاء " سيد " إليها وجلس بجوارها، نظرت له بأشئمزاز ثم للأمام وقالت:
- يعني المحروسة مشرفتش، ولا أنت ناوي تسيبها هربانة كتير ولا أنت مستغني عن رقبتك لما تلف حوالها حبل المشنقة

- هجبها النهاردة، بليل تكون عندك وتحت أيدك
قالها وهو يقف بملل وغيظ من تصرفات " دموع " وهروبها...

تجولت " أثير " في المول وسط محلات الملابس بصحبة " دموع " لكي تشتري لها ملابس جديد كما أمر أخاها الأكبر ..
أشتروا الكثير ثم جلسوا في كافي المول، جلست " أثير " تراقب هذه الطفلة التي بصحبتها وتأكل الأيس كريم بأنبهار وسعادة تعلو وجهها ساكنة عيناها الخضراء لتجعلهم أجمل بكثير...

كانت تنظر حولها بذهول من عدد البشر الموجودين حولها في هذا المكان الذي لم تراه مثيل له من قبل في حياتها أو أحلامها، وبسمة مُشرقة مرسومة علي شفتيها الصغار...
دفعت " أثير " الحساب وخرجوا معاً من باب المول الخارج

- هنروح فين ؟؟
سألتها " دموع " بسعادة وعيناها تنتظر أن تخبرها بذهابهما لمكان أخر غير هذا ولا يعودان للبيت
مسكت " أثير " ذقن " دموع " بسبابتها بلطف مُبتسمة لها وقالت مُردفة:
- هنشتري هدية صغيرة من " إلياس" ليكي
نظرت " دموع " لها بدهشة وقالت بسعادة تغمرها غير مُصدقة ما قالته وأن هذا الوحش سيهديها هدية، مُردفة:
- بجد

وفور أنتهاءها من جملتها ووقفت سيارة سوداء أمامهما الأثنين، أستدارت " دموع " بقلق بسيط ونظرت للسيارة، ترجل رجلان من السيارة وماهي إلا ثواني معدودة وأخذوها في السيارة تاركين خلفهم الأخري...

وصل " إلياس " إلي شقته وأخرج مفتوحه وقبل آن يضعه في الباب رن هاتفه برقم مجهول غير مُسجل، فتح الخط وباب الشقة معاً

- آلو
قالها بهدوء كالمعتاد،أتاه صوت " معتصم " مُحدثه قائلاً:
- إيه الجبروت ده ياأخي، شهرين بدورلك علي نقطة ضعف غير المدام الله يرحمها ومش عارف أوصل لحاجة، أنت إيه

ضحك " إلياس " بأستفزاز وبرود واضح ثم قال:
- آنا قدرك الأسود اللي نهايتك علي أيده بس متستعجلش
ضحك " معتصم " بالمثل بأستفزاز أكبر ثم قال:
- مش يمكن أكون أنا قدرك الأسود، خد كلام في حد حبيبي أوي عايز يسلم عليك

دلف " إلياس " إلي المطبخ ثم فتح الثلاجة واضعاً هاتفه علي أذنه، أخرج زجاجة مياة ليروي عطشه ثم توقف مكانه بصعقة قوية حين أتاه صوت أخته الصغري عبر الهاتف وهي تبكي وتناديه بخوف:
- إليـــاس، ألحقني أنا خايفة أوي هم هيموتوني زي تيـا

رفع يده علي جبينه بخوف وعجز حين سمع صوت أخته وذكرته بمرت زوجته، قال بهدوء مُصطنع مُطمئنها:
- لا يا أثير متخافيش ياحبيبتي هم مش هيأذوكي...
بتر " معتصم " حديثه من فمه حين أخذ الهاتف بعيد عنها، وقال بجدية ممزوجة بأستفزاز وغرور:
- مستنيك ياحضرة الضابط في مكتبي بعد ساعة، مش محتاج منك غير أننا نتكلم شوية، متتأخرش لأحسن تترحم عليها ولا مش باقي علي حرايمك في عيلتك خالص...

كبت " إلياس " غضبه بين ضلوعه وأنحني لرغبة هذا العدو فهو قتل زوجته ولا يريد موت أخته هي الأخري، وقال بعجز:
- هجيلك بس متأذهاش
- مستنيك يا حضرة الضابط
قالها " معتصم " بأنتصار وأغلق الخط...

ظلت " جميلة " تبكي بخوف علي أبنتها وقالت:
- أنا عايزة بنتي يا حبيب، هاتلي بنتي.. كله بسببك أنت أختي مخطوفة وهيقتله بسببك.

صرخ " إلياس " بغضب شديد وهو يقف أمامهما، قائلاً:
- كله بسببي عشان بعمل شغلي بضمير ومبقبلش بالحرام، معلمتنيش ليه يا سيادة اللواء أن الزمن ده الشريف لازم يموت وينحني، معلمتنيش ليه إن مبقاش في حاجة إسمها أخلاق وشرف وضمير وإن ده زمن الفلوس والنفوذ بس.

صمتت " جميلة " بوجع وقلبها مقبوض من الخوف علي أبنتها، لم يعقب " حبيب " علي حديث أبنه، أتجه " إلياس " نحو الباب ثم أوقفته أمه وهي تمسك يده وتقول بهلع:
- أنت رايح فين ؟؟

-رايح أرجعلك بنتك، متخافيش هم مش هيأذوها هم عايزني أنا
قالها " إلياس " وهو ينظر لعين أمه بثقة وشفقة علي حاله
أردفت بخوف وهي تتشبث بذراعه بكلتا يديها قائلة:
- طب ما أنت كمان أبني.

نزع يدها من فوق ذراعه وخرج تاركها خلفه غاضباً ولم ينتبه بأن تلك الطفلة التي أحضرها بنفسه إلي بيت أمه لم تعود تماماً كأخته ولا يعلم أين هي...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة