قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والعشرون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والعشرون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والعشرون

انتظرت المعلمة حنان حضور أخيها لتبلغه بشأن عثورها على عروس مناسبة له، ولكن تعذر عليه الحضور، فقررت أن تؤجل مفاتحته لحين عودته سالماً، وخلال هذا الوقت ستستغل الفرصة في التقرب أكثر إلى سارة، وتوطيد العلاقات الطيبة معها، ومن ثَمَ سؤالها عما يخصها حتى تعطي صورة واضحة وشبه مكتملة لأخيها عنها...

ولجت وردة من إحدى البنايات القديمة وعلى ثغرها ابتسامة عريضة، ثم دست في حافظة نقودها السوداء شيئاً ما، وقبضت عليها بشدة، وغمغمت مع نفسها بثقة ب:
-الشيخ مبروك قالي ده هايجيب نتيجة أكتر معاه، هاحطله منه في الأكل والمياه، وبعد سبوعين بالكتير هاشوف البشاير..!
تنهدت بحرارة لتكمل قائلة:
-الحب بهدلة يا سي إزاز..
ثم تحركت في إتجاه الطريق الرئيسي، وصاحت بنزق وهي تشير بيدها لأحد سائقي ( التوك توك ):.

-فاضي يا اسطى ولا أشوف غيرك!
رد عليها السائق بصوت متحشرج بعد أن رمقها بنظرات شبه متفحصة:
-ايوه، اركبي يا ست!
ثم ألقى ببقايا سيجارته على الأرضية الإسفلتية، بينما تابعت هي بصوت جاد:
-اطلع يا اسطى على ((، )).

انشغل رامي بالترويج الدعائي للتوكيل الجديد الخاص بماركة إحدى السيارات بمعرضه، وانبهر والده بما حققه من إنجاز مقبول في وقت قصير، وأبدى سعادته به..
ورغم هذا، واظب هو على متابعة جديد سباقات السيارات، وشارك في إثنين منهما، وفاز بالمركز الثاني في الأخير، فزادت ثقته بنفسه..

كما لم يغبْ عن باله مقتطفات من لقاءاته المتكررة مع عاليا، وحاول جاهداً أن يصرفها عن ذهنه، لكنه صُدم حينما رأها في أحد أحلامه تجلس معه في غرفته، وتتمدد إلى جواره على الفراش مرتدية إحدى قمصان النوم الحريرية الطويلة، وتبتسم له إبتسامة ساحرة جعلت قلبه يخفق بشدة، ثم رأها تمد يدها نحوه ذقنه، وتتحسسها برقة وهي تهمس له بنعومة:
-وحشتني!

إنتفض مذعوراً من نومته، وتلاحقت أنفاسه، وظل يرمش بعينيه ليتأكد أنه عاد للواقع، ثم إلتفت بحذر لجانب الفراش، وتأكد من خلوه من وجودها، فأخذ نفساً عميقاً، وزفره على مهل، وحدث نفسه بذهول وهو يفرك وجهه غير مصدقاً ما رأه:
-حتى أحلامي مش سيباني فيها!
تمدد على فراشه مجدداً، وعقد ساعديه خلف رأسه، وحدق بالسقف، وأغمض عينيه وهو يفكر في ذلك الحلم الغريب..

مر الأسبوع الأول والثاني من العام الدراسي وهما مليئان بالكثير من الجهد والإرهاق على الجميع من أجل تعويد الصغار على النظام المتبع في مدرسة اللافانيا الدولية..
وكان جميع العاملين في مبنى الرياض يبذلون أقصى ما في وسعهم لإحتضان هؤلاء الصغار وطمأنتهم..
واستجاب الغالبية منهم، وإعتادوا رويداً رويداً على المكان..

عاني آياز كثيراً في البداية، ولكنه نوعاً ما إعتاد على تصرفات الأطفال المفاجئة والصادمة له دون أن يبدي تقززه أو حتى إشمئزازه، وإجتهد لحثهم على اتباع تعليماته بشأن قواعد تناول الطعام والتحرك داخل قاعة الدراسة..
كذلك أرهق بدنياً بسبب وسائل المواصلات، فكان يضطر للجوء إلى رامي لإيصاله يوماً بعد يوم، وفكر في شراء سيارة ما مناسبة له حتى يريح الأخير من عناء إيصاله خاصة أثناء أوقات الذروة..

كما انشغل كل فرد بما يخص أمور فصله وتلاميذه الصغار حتى طلبت الناظرة عقد إجتماع لفريق العمل بعد إنتهاء اليوم الدراسي، فبدى التذمر جلياً على معظمهم..
تشكلت مجموعات من المعلمات في ردهة الإستقبال، وتبادلن الحوار الجاد..
نفخت سالي من الضيق، وعلقت حقيبة يدها على كتفها، وهتفت بتذمر:
-أل هي ناقصة اجتماعات واحنا طالع عينا طول اليوم
ردت عليها سارة بتنهيدة مرهقة:
-معلش يا سالوكة.

تدخلت ميادة في الحوار قائلة بجدية وهي تشير بيدها:
-المشكلة بس إنها بتطلب حاجات غريبة في أوقات أغرب
أضافت هبة وهي تتثاءب:
-المهم احنا عاوزين نخلص في الإنجاز، مش لازم فتي ورغي على الفاضي
اقتربت فريال منهن، وابتسمت قائلة:
-ايه الأخبار معاكو؟
ردت سارة بإنهاك:
-زي ما إنتي شايفة، طالع عين أبونا من الصبح!
ربتت على ظهرها، وردت بنعومة:
-ربنا يعينكم
سألتها هبة بإهتمام يحمل المزاح وهي تلوح بيديها في الهواء:.

-ايه أخبار ال Art؟ والتفنن بتاع العباقرة اللي عندنا!
تنحنحت بخفوت، وأطرقت رأسها للأسفل قليلاً لتجيبها بحذر:
-ماهو أنا جاية أقولكم على حاجة، مش عارفة بقى إن كانت هتزعلكم ولا لأ
سألتها سالي بنبرة جادة وهي مقطبة الجبين:
-حاجة ايه دي؟
انضمت إليهن عاليا، وأسندت ذراعيها على كتفي كلاً من سارة وسالي، وابتسمت قائلة بمرح:
-متجمعين في الخير دايماً
تنهدت سالي بإنهاك وهي ترمقها بنظرات متعبة:.

-شيلك ايدك يا عاليا، مش قادرة من كتفي خالص
غمزت لها عاليا قائلة بحماس:
-يا سالوكتي أنا بأحب أهزر معاكي، ده انتي الحتة الطرية
ردت عليها سالي بضجر:
-بعدين ابقي هزري، بس نخلص بس من اللي ورانا
ضغطت عاليا على كتفها قليلاً، ومالت برأسها عليها لتهمس لها برقة:
-اها، عشان خاطرك بس!
ابتسمت لها سالي بإمتنان وهي تقول:
-تسلمي يا حبيبتي!
سألت هبة بفضول فريال الواقفة إلى جوارها ب:.

-مقولتيش يا فيرو، ايه الخبر اللي هيزعلنا؟!
أخذت فريال نفساً عميقاً، وزفرته على مهل لتجيبها بصوت شبه حزين:
-انا، أنا هاقدم استقالتي وأمشي!
شهق الجميع بصدمة ب:
-ايييييييييييييييه!

في الحديقة الخارجية،
هز آياز رأسه وهو يسير في إتجاه غرفة المعلمات متحدثاً بهدوء في هاتفه المحمول:
-خليها عليا المرادي، بس ماتتأخرش
تعالت منه ضحكة متحمسة وهو يضيف:
-قريب هاجيب واحدة، ماهو مش معقول أفضل مبهدلك معايا كده كتير
مط فمه للأمام، ومرر أصابعه في فروة رأسه بعد أن وضع يده عليها ليقول بإستغراب:
-ادبحلها حاجة؟! ايه التخاريف دي؟ انت هاتعملي زي فلاور؟!

ثم وضع إصبعيه عند مقدمة أنفه، وضغط عليه قليلاً، وأكمل بصوت شبه مرهق:
-نتكلم في ده بعدين، أنا هاخلص ال Meeting على 2: 30 Maximum ( على أقصى تقدير )، هاتكون إنت وصلت؟
إلتوى فمه قليلاً وهو يتابع ب:
-تمام، منتظرك يا رامي!
ثم أبعد الهاتف عن أذنه، وضغط على زر إنهاء المكالمة، وأكمل سيره في اتجاه غرفة المعلمات..

في غرفة المعلمات،
نزعت ليلة إسدال الصلاة عنها، ووقفت تعدل من حجاب رأسها، ثم جلست على الأريكة لترتدي حذائها..
إلتفتت برأسها ناحية رفيقتها ريمان التي كانت مندمجة في تحضير دروس الغد على جهاز الحاسوب، ولكن الأخيرة رمقتها بنظرات حانية وهي تتشدق بهدوء:
-تقبل الله يا لولو!
ردت عليها ليلة بإبتسامة:
-منا ومنك يا ريمو، هاتصلي؟ أسيبلك السجادة والإسدال؟
هزت رأسها نافية وهي تجيبها بإيجاز:
-لأ، أنا Off ( أجازة ).

انحنت ليلة لتزيح ( المصلية ) عن الأرضية اللامعة، وطوتها وهي تقول بصوت جاد:
-طب يالا عشان نلحق الاجتماع
هتفت ريمان بصوت هاديء وهي محدقة في شاشة الحاسوب:
-على طول، أنا بس هاخلص ده، وأجي وراكي
-اوكي، وأنا هاظبط بس الطرحة لأحسن معوجة
-تمام
ظلت ريمان مشغولة بكتابة الدرس التفاعلي بطريقة مبتكرة في وقت فراغها المتاح، ولم تنتبه إلى دخول آياز إلى الغرفة..

وما إن رأها حتى تنهد بخفوت، وتقوس فمه مبدياً ضيقه من وجودها بالغرفة، فقد إعتقد أنها خاوية، فهو لم يردْ أن يتبادل أي حديث معها أو مع غيرها..
لذا اكتفى بالدخول في صمت، وجلس على أحد المقاعد الشاغرة حول الطاولة، وبدأ في تفقد محتويات حقيبته..
غرست ريمان أصابع يديها في شعرها، وصاحت فجأة بصدمة:
-لألألأ، مش بعد ده كله!
انتبه هو إلى صوتها الغاضب، ونظر نحوها بفضول، بينما تابعت هي بضجر:.

-حرام والله، ده أنا من الصبح شغالة فيه، It s unfair ( هذا غير عادل )
إحتقن وجهها بشدة، وإصطبغت وجنتيها باللون الأحمر، وبدى صوتها مختنقاً وهي تكمل ب:
-مش معقول هاعيد ده كله تاني، I am so stupid ( أنا غبية جدا )
تردد آياز في مساعدة ريمان، خاصة أنه يعرف طريقة استعادة البيانات الضائعة في حالة فقدانها..
وقرر أن يتجاهلها، ولكن شيئاً ما داخله دفعه للعدول عن هذا القرار..

صر على أسنانه بقوة، وقاوم تلك الفكرة محدثاً نفسه ب:
-ملكش دعوة، it s not your business ( أمر لا يخصك )
إستندت ريمان برأسها على كفيها، وأغمضت عينيها وهي تقول بحزن:
-يا ريتني جبت اللاب توب بتاعي، كان هيبقى عندي copy ( نسخة ) من ال Data ( البيانات ) اللي راحت دي!
أشفق آياز على حالها، فقد بدت على وشك البكاء، فنفخ من الضيق، وتشدق قائلاً بصوت مرتفع:
-أنا أقدر أساعدك يا مس.

رفعت ريمان رأسها فجأة، واتسعت عينيها بصدمة كبيرة حينما سمعت صوته يأتي من خلفها..
أدارت رأسها للخلف وهي فاغرة شفتيها، وظلت على وضعيته المذهولة لعدة ثوانٍ، فهي لم تتوقع وجود أي أحد بالغرفة معها..
وعاتبت نفسها أنها لم تنتبه إلى حضوره..
نهض آياز من على المقعد، ودار حول الطاولة ليتحرك نحوها، ثم سلط أنظاره عليها، وتابع قائلاً بجدية:
-أنا أعرف إزاي أرجع ال Data ( البيانات ).

كانت على وشك الرد عليه بإعتراض، ولكنه وقف قبالتها، فرفعت رأسها عفوياً للأعلى لتحدق به، فإبتسم لها إبتسامة باهتة وهو يقول بثقة محدجاً إياها بنظرات مغترة:
-Trust me , I can do it as a piece of cake ( ثقي بي، فأنا أستطيع فعل هذا بسهولة )
ثم انحنى بجسده نحوها لتشهق هي مصدومة، وتتراجع للخلف في مقعدها، ومد ذراعه ليمسك بالفأرة، وأدار رأسه لها لينظر إليها عن قرب وهو يقول بخفوت:.

-أنا شاطر في استخدام البرنامج ده!
إزداد توترها، وشعرت بسخونة ما تبعث من وجهها، وكذلك تلونت وجنتيها أكثر بحمرة خجلة، وابتلعت ريقها بصعوبة، فقد باغتها هو بتصرفه هذا والذي لم تعتد عليه مع أي رجل من قبل...
حدق بها آياز بنظرات متأملة لملامحها..

هو لم يرها عن قرب من قبل، فلم يتبين لون عينيها الخضراوتين ومدى عمق نظراتها، فتقوس فمه قليلاً مبداياً إعجابه بهما، ولم ينكر أنها كانت جميلة الملامح رغم فظاظتها معه..
كما كانت تلك هي المرة الأولى لها والتي تراه فيها عن كثب، فحدقت هي الأخرى في عينيه الزرقاوتين، وشردت فيهما للحظات، فقد كان لونهما مميزاً وآسراً بدرجة عجيبة..

في نفس التوقيت دلفت رانيا إلى الغرفة بعد أن ظلت تبحث عن آياز بالخارج، وتسمرت في مكانها مذهولة، وجحظت عينيها بغل حينما رأتهما على تلك الوضعية، عبست أكثر، وإكفهرت تعابير وجهها، وحل الغضب عليها، وحدجتهما بنظرات محتقنة، ثم شهقت بصوت مرتفع وهي تضع يديها في منتصف خصرها، وصاحت بسخط جلي:
-الله الله، وده نسميه إيه إن شاء الله...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة