قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

كان يقف متأنقاً في بذلة رسمية جذابة، يشعر بداخله بمزيج من الرهبة والشغف واللهفة، فاليوم مميز جدا بحياته يكاد يكون الأهم على الاطلاق، انه اليوم الذي سيضع محبسه في اصبع محبوبته بعد انتظار دام الأزل.

رأي مركبتها تقترب لتنطلق الأعيرة النارية احتفالاً بوصولها، توقفت على مسافة قريبة منه وهبط جده أولاً يساعدها على الهبوط بدورها فأطلت هي بابتسامة خصت بها جده فسرقت قلبه مجدداً برقتها الفاتنة، دارت بعينيها في المكان تبحث عن أحد ما، تمنى لو كان هو ولكنه يدرك عمن تبحث، فتلاقت أعينهم للحظة توقف فيها الزمن ود لو غرق بها كلية ونسي كل من حوله ولكنها حبيبته لذا تأتي رغباتها اولا، أشار بعينيه في اتجاه ما فنظرت إلى مايشير قبل أن تتسع ابتسامتها بحب تشمل وجهها بالكامل ترسل قبلة هوائية فابتسم طاهر حين أدمعت عينا والدتها مرسلة لها قبلة هوائية بدورها، عادت إليه بعينيها بنظرة امتنان اكتفي بها الآن أملاً في أن تتبدل مستقبلاً لنظرة حب خالصة كتلك التي يرسلها إليها وهو يمسك يدها من جده قبل أن يقترب فجأة ويضع قبلة على جبهتها، دامت للحظة. لحظة واحدة جعلت خفقاته تدوي بجنون بينما أشعلت نيران الخجل بجسدها ليبتعد متطلعاً إليها للحظة أخرى يتشبع بملامحها الجميلة التي اعتلتها حمرة الخجل المحببة إلي قلبه.

ابن جدك ياولد. كمل بالشكل ده ومحدش هيشك أبداً انها تمثيلية.
لا أمثل ياجدي بل تقودني مشاعري، احاول إلجامها قدر المستطاع حتى لا أخيف حبيبتي ولكني اعيش لحظات واقعية، أحقق أحلامي الخيالية التي لطالما أخذتني بعيداً عن واقعي، كفاني أحلاما فالواقع أجمل بكثير.
اوعي تسمع كلام جدي. متزودهاش ياطاهر.
ابتسم قائلاً بمزاح:
أزودها ولا مزودهاش حيرتوني.
زودها متزودهاش.

نطق الجد وآيات كلماتهما في نفس اللحظة، لتتسع ابتسامة طاهر قائلاً:
سيبكم مني وتعالوا نسلم على الناس اللي مستنيينا دول وأولهم مامتك، عارف انك نفسك تحضنيها بس اوعي تبكي انا بقولك اهو عشان المكياج ميبوظش وتبقى زي العفريتة.
وكزه جده قائلاً:
عفريتة. آل وبقول انك طالعلي، انسى يابنتي الكلام اللي قلتهولك عنه.
ضحكت آيات بقوة ليبتسم كل من الجد و حفيده وهم يتجهون سويا لمكان والدتها التي قالت بعيون دامعة:.

شفت يارأفت مبسوطة قد إيه، أنا عمري ماشفتها بتضحك بالشكل ده، الحمد لله ان عقدتها اتحلت على ايد طاهر، ربنا يتتمملهم على خير. ما شاء الله طالعين زي القمر.
تمتم رأفت من بين أسنانه:
عقدتها اتحلت! اصبري علية ياست حورية. ان ماخليت عقدتها تزيد وتبقى عقد على ايديه مبقاش رأفت السلحدار، فين بس عاصم الزفت هو مش قال هيوصل من ساعة. بس أما أشوف وشه.

صمت تماماً حين وجدهم يقتربون منهما ليهز رأسه في تحية باردة للجد رءوف بينما كان العروسان مشغولان بتقبل التهنئة من السيدة حورية.
فركت المحبس في يدها بإبهامها تشعر بأنه طوق من لهب يشعل إصبعها ويمتد لكيانها، لا تدري لمَ شعرت وطاهر يضعه بإصبعها أنه تماماً حيث يجب أن يكون، هل هو صاحب المحبس الذي يحيرها شبهه الشديد بوالدها؟ حتى عندما مال على أذنها قائلا لها.

(مبارك ياأميرتي افتحي قلبك للفرح ومتخافيش، باب الفرح مش هيتقفل قصادك أبداً)
كان في معاني كلماته ماردده والدها على مسامعها ليلة تخرجها
مبارك ياأميرتي. الحلوة مكشرة ليه بس.
مش عايزني أكشر يابابا؟ أنا طلعت التانية ع الدفعة.

مش شرط تطلعي الأولى في النظري عشان تكوني اشطر الناس، حاولي في العملي تكوني أشطر واحدة. نجاحك في حياتك بعد الدراسة هو النجاح الحقيقي ليكي. يلا بقى اضحكي وافرحي من قلبك وكوني واثقة ان الفرح فاتحلك دراعاته دايماً.
عادت من ذكرياتها على صوته يسألها شيئا ما فالتفتت إليه تقول بارتباك:
ها. قلت حاجة؟
مال قليلا تجاهها يقول بابتسامة جذابة:
روحتي فين بأفكارك؟ ماما عنيها عليكي وشايف القلق في عينيها.
ماما!

أشار بعينيه تجاه والدتها فوجدتها بالفعل تطالعها بقلق، لترسم ابتسامة على شفتيها وترسل لها قبلة هوائية أخرى، فابتسمت والدتها ثم منحت انتباهها لمحدثتها بينما عاودت آيات النظر إلى طاهر الذي وجدته يبتسم بدوره لجده، احتارت في أمره، ينتبه لكل شاردة وواردة ويهتم بأمها كما لو كانت والدته هو بل ويطلق عليها لقب ماما، يهتم بها حقاً ويظهر اهتمامه في كل كلمة ونظرة، هل نسي حبيبته وبات يهتم بها هي؟ أصابتها تلك الفكرة بمشاعر متناقضة أبرزها عدم الراحة.

مبارك يابنت عمي.
صوت صدح بقوة خلفهما فاستدارا سوياً تجاهه ليتطلع طاهر بنظرة فاحصة إلى محدثه. كان شابا طويل القامة أسود العينان والشعر قمحي اللون حاد القسمات ينظر إليه بدوره ولكن شملت نظراته لمحة تقييمية ساخرة لم تخفي عن طاهر الذي سمع آيات تقول بهدوء:
ميرسيه ياعصام، أقدملك طاهر. خطيبي وده يبقى عصام ابن عمي ياطاهر.

تشديدها على كلمة (خطيبي) وحروف اسمه التي خرجت من فمها بعفوية جعلته يبتسم بوجه هذا المأفون تظهر السعادة على ملامحه قائلا:
تشرفنا.
هز عصام رأسه ببرود، ثم قال:
مقلتليش ياآيات. خطيبك بيشتغل إيه؟
وهو انت لازم تسأل آيات؟ ماتسألني أنا.
أمسكت آيات يده قائلة بابتسامة:
معلش ياطاهر سيبني أقدمك بنفسي لإني ببقى فخورة جدا وأنا بقول إني مخطوبة للكاتب المعروف طاهر الفيومي.
مط عصام شفتيه قائلاً:.

كاتب وياتري كاتب مثقف ولا من بتوع اليومين دول اللي بيكتبوا كلام فارغ ويحطوه في كتاب وينشروه ويفرحوا قوي لما ينادوهم كتاب.
عصاااام.
نهرته آيات فأمسك طاهر يدها يضغط عليها وهو يقول:
مش حابب أمجد في نفسي، أكيد هتقول مغرور بس سيرش صغير على جوجل يديك فكرة حلوة قوي عن كتاباتي وآراء الناس فيها ومقتبسات منها كمان، دلوقتي إعذرني كان نفسي اتكلم معاك أكتر بس حابب أرقص على الأغنية دي مع أميرتي.

سحبها طاهر بينما تكتم آيات ضحكتها بصعوبة حتى ابتعدا قليلاً ليضم خصرها بيد بينما يمسك يدها بالأخري لتقول آيات على الفور بحماس:
والله برافو عليك قدرت تفحمه وتحرق دمه وتخليه عاجز عن الرد بكل هدوء، ده انا خفت متمسكش أعصابك و تتخانق معاه وساعتها هنبوظ كل اللي عملناه.
طالع عيناها السعيدتان بابتسامة هادئة وهو يقول:.

مش ممكن أبداً أبوظ ليلة زي دي مهما حصل ومش بني آدم حقود زي ده اللي هيبوظهالي وبعدين انا اتعودت من خلال مهنتي أمسك أعصابي لإن أمثال ابن عمك في مجالنا كتير ناس ملا الحقد قلوبهم وعما بصيرتهم لدرجة انهم بيشوفوا نفسهم أحسن الناس والباقي حثالة ملهاش قيمة.
في كل مكان هتلاقي شبيه لعصام. ربنا يهديه، المهم سيبك منه وقولي إيه خطوتنا الجاية.

مال يزيح بيده خصلة تحجب عنه عينها، يضعها خلف أذنها بحنان ارسل رجفة في أوصالها وهو يقول بنبرة ناعمة:
دلوقتي هنرقص وبس على أنغام الأغنية الحلوة دي، منها هنحبك التمثيلية اكتر وأكتر وهنوريهم ان احنا بنحب بعض ومنها هنغيظ الحقود اللي واقف هناك عينه بتطلع شرار ولو طايل يموتني هيموتني.
قرن كلماته بضمها اكثر إليه ليهمس جوار أذنها:
سيبي نفسك ياآيات، صدقيني مش هاكلك.

قربه منها وأنفاسه الساخنة أذابت كيانها لتقول بضعف:
قلتلك متزودهاش.
متخافيش مني، أنا جنبك ومعاكي ومستحيل هأذيكي.
استسلمت لهذه العاطفة الصادقة التي حملتها كلماته فأغمضت عيناها تستمع لكلمات الأغنية التي قضت نهائياً على أي مقاومة لديها.
ضميني وانسي الدنيا
ضميني وانسي الناس
انا وانتي هانبقي في ثانية
مالناش غير الاحساس
احساس بالحب وبس
احساس بربيع العمر
ولا نعرف هم في دنيا
ولا نسمع لكلام ناس
ضميني وانسي الدنيا.

ضميني وانسي الناس
كانت تمشي على الشاطئ، جافاها النوم فقررت الخروج قليلاً وطفلتها نائمة علها تُخرج تلك الذكريات من رأسها، قدومها إلى هنا لم يكن من أجل الطفلة فحسب، بل كان من أجل نفسها أيضاً. تريد أن تشفي جراحها المستترة آملة أن تلتئم روحها في البعد عنه، ولكن كل لحظة تقضيها هنا تجعلها تدرك شيئاً واحداً. ماكُسر مهما حاولتي إصلاحه سيظل أثر الشرخ ظاهراً فلا شيء يعود كما كان.

كان يقف على بعد خطوات منها، يراها شاردة وكأنها في عالم آخر، تتطاير بضع خصلات من شعرها من خلال حجابها الذي تراجع قليلا فتذكره بحوريات البحر، فاتنة رقيقة وتسحر كل من يراها، التفت يطالع الشاطئ حولها. جيد. لا أحد غيره يطالع هذا الجمال الفاتن، أنب نفسه قائلاً:
انت كمان، غض بصرك. مش من حقك تبصلها. اتقي الله يامحمد.

غض بصره يطرق أرضاً، يبذل قصارى جهده ألا يتطلع إليها في صورتها الملائكية تلك، أن يعود كالماضي حين كانا صغاراً يطالعها بقلب بريئ، ليخبره قلبه ساخراً. كنت حتى حينها تحبها حتى وان لم تفهم مشاعرك وقتها. عادت عيونه ترتفع وتراقبها بصمت. من يراه الآن يدرك بكل تأكيد كم هو عاشقاً ولهاً يطالعها وكأنه في محرابها يتعبد.

وجدها تنحني وتحمل صدفة، تهمس لها ببضع الكلمات ثم تضعها على أذنها، ابتسم. هذه عادتها منذ الصغر، تهمس برسالتها إلى الصدف تأمل ان تجيبها يوماً وتخبرها أسرار البحر والحياة. تقدم منها بخطوات واسعة حتى صار خلفها يسمعها تهمس قائلة:
الشمس لما بتغيب في حضن البحر ياترى بيضمها ويبقى حنين عليها ولا بيإذيها ويطفي لهيبها ويخليها تضلم؟
رأيك انتِ ايه ياسعاد؟

صوته أفزعها فاستدارت بسرعة ليختل توازنها. كادت ان تسقط فمد يده على الفور وأمسك يدها فاعتدلت تتطلع إليه بدهشة فوجد نفسه يردد بصوت غلبته مشاعره:
حتى لو إذاها وطفي لهيبها وقهرها بتقدر من تاني تتغلب عليه وتشرق بالأمل في أن رحمة ربنا أوسع من كل شيء وان اللي جاي أكيد أحلى طول ماهي مليانة بالتفاؤل والحب والقوة.

نظراته. لمسة يده. نبراته وكلماته أرسلا إلى جسدها ذبذبات مشاعر عاتية، دوامة كادت ان تبتلعها، لتقاومها بكل قوتها وهي تسحب يدها قائلة بارتباك:
من زمان وانت بتعرف تجاوب عن كل أسئلتي يامحمد وتقنعني باجاباتك كمان.
ودي حاجة وحشة؟ حاسس انك مش مبسوطة بيها.
طالعته قائلة بصوت شابه الحزن:.

المشكلة في كمية التفاؤل اللي بيديهالي كلامك والصورة البسيطة اللي بتصورها للحياة. بصدقك. حقيقي بصدقك وبعدين بكتشف ان الحياة مش بالبساطة دي ولا هينفعنا ان احنا نتفائل فيها دايماً لإنها قاسية قوي ومبترحمش.
نعيب زماننا والعيب فينا.
مش هعرف أقنعك بأفكاري، انا مش زيك ومش هعرف أتناقش معاك. هتكسب دايماً زي زمان. زمان. ياريت يرجع.
قالتها بحيرة فأنّ قلبه ليقول:
عايزاه يرجع ليه؟

مش هقولك اني هغير حاجات كتير قوي، كل اللي هعمله حاجة واحدة بس.
ايه هي؟
همنع جواز ماما وبابا. عشان ميجبونيش للدنيا دي.
ليه بتقولي كدة ياسعاد؟ طب ماتغيري اللي محبتيهوش في حياتك وبس، ليه مش عايزة تكوني موجودة من الأساس؟

عشان الدنيا كدة فيها ناس اتخلقت عشان مترتاحش فيها لحد ماتموت وأنا من الناس دي. من يوم ماوعيت على الدنيا وأنا بتألم، بتألم من قسوة بابا علية ومن ضعف أمي قدامه، بتألم لما بشوفه بضربها وانا مش قادرة اعمل حاجة، بتألم لما بتغصب على كل حاجة واحس اني مليش حتى الحق في اختيار شريك حياتي وبتألم لما حتى البني آدم ده ميعوضنيش عن كل الألم اللي عشته بالعكس زودها علية، فيه ناس اتخلقت عشان تشوف المر في حياتها لحد ماتموت وأنا من الناس دي يامحمد.

الألم في صوتها ذبحه يدرك أنها المرة الأولى التي تفتح له قلبها بعد أن وارت ألمها في صدرها لسنوات، تتظاهر بأنها على مايرام أمام الجميع سعيدة في حياتها حتى كانت هذه المرة التي ادركوا فيها زيف ادعائها حين أخرجها من منزلها في ذلك اليوم وهو يهينها بقسوة ويضربها بينما تذوذ عنها حماتها، غادرت إلى منزل والديها محطمة الفؤاد مكسورة القلب يستقبلها أباها بعبارات لائمة كونها ستصبح مطلقة يلوك في سيرتها الجيران، أمضت ليلتها باكية في أحضان امها كما أخبرت خالته والدته، بينما عاد أشرف في اليوم التالي مع والدته ليعيدها للمنزل وحين رفضت هددها بحرمانها من تقي صغيرتها الجميلة. لترضخ وتعود. صامتة مجدداً تدعي السعادة ولكن هذه المرة لم تستطع التظاهر بل فتحت قلبها على مصراعيه وكم أحزنه مارآه بداخله من جروح.

رأت الحزن والألم يعتليان ملامحه فشعرت بالندم، انها تكن لمحمد عاطفة قوية منذ الصغر عدته كأخ لها حيث لم يرزق الله أباها البنين، وفي الفترة الأخيرة باتت مشاعرها تجاهه أقوى حتى أن لمحة حزن في مقلتيه تضنيها ألماً، حاولت نفض الحزن عن كليهما قائلة بمرح:.

بقيت كئيبة قوي مش كدة؟ سيبك مني وهات ياجرعة التفاؤل خبر حلو كدة يفرحني، زي مثلاً ليه سبت القاهرة وجيت اسكندرية على ملا وشك؟ أكيد جاي تشوف مروة. وحشتك مش كدة؟
تحب مروة صديقتها كنفسها تماماً، تراها مناسبة تماماً كعروس لابن خالتها. ودت كثيراً لو تزوجا الثنائي الأقرب لقلبها ولكن لا تدري وهي تردد كلماتها الآن. لماذا شعرت بغصة في حلقها؟ بينما تعتصر قلبها قبضة قوية آلمته.

مروة وحشتني صحيح بس أنا جاي عشانك انتِ.
عقدت حاجبيها بحيرة قائلة:
عشاني أنا؟!
تأمل عينيها قائلاً:
طمنيني عليكي.

كلمتان. هما فقط كلمتان ولكن هل هناك من الكلمات ماترك تاثيراً على روحها كهاتان الكلمتان؟وهل أرادت يوماً من اي أحد سوي اهتماماً رقيقاً في سؤال كهذا. يبغى به صاحبه أن تمنحه حقيقة مشاعرها. تخبره أنها بخير أو حتى تعاني خطباً ما؟ كيف يمكن لكلمتان ان يمنحانها أقصى أمانيها على وجه الأرض. شعور الوجود. الحياة. هي على بال أحدهم فقط يبغى الاطمئنان عليها.
مش عارفة.

طالعها منتظراً كلماتها فأردفت وهي تستدير مطالعة البحر:
أوقات كتير بحس اني كويسة، مش مبسوطة لكن عايشة واوقات بحس اني بتنفس بالاسم بس لكن الأكيد ان روحي ماتت من القهر والوجع.
أدمعت عيونها فمدت اناملها تمسح دموع تسللت إلى وجنتيها، فانتفضت حين وجدت يده توضع على كتفها وصوته يأتيها:.

كل ظلم وليه نهاية، وكل وجع آخره فرح، ربك كريم قوي ياسعاد، بيبتلينا بس بيحبنا، عايزنا نقوي ونصبر ونحارب عشان في الآخر لما نفرح نقدر نعمة الفرح ونحافظ عليها.
استدارت تطالعه قائلة:
لسة شايف فيها أمل.
أكيد. طول مافينا نفس.
ابتسمت قائلة:
قلتلك انت جرعة التفاؤل اللي في حياتي، مش عارفة من غيرك كنت هستحملها ازاي.

آه لو تدري مافعلته حروفك بخفقات قلبي. رفع يده عن كتفها حتى لا تشعر بنبضاته المتسارعة والتي صارت تدوي في جسده وامتدت لأطرافه.
ابتسم قائلاً:
قوليلي بقى فين حبيبتي تقي؟ وحشتني بشكل.
ابتسمت وهي تسير عائدة للفندق، يسير جوارها وهي تقول:
نايمة، على فكرة هتفرح قوي لما تشوفك. انت قاعد كام يوم ولا مسافر النهاردة؟
انا قاعد على قلبك لغاية لما تزهقي مني.
ابتسمت فاردف قائلاَ:.

مش هقدر أسيبك هنا لوحدك ياسعاد، مش هكون مطمن عليكي ولا هيهدالي بال وأنا بسأل نفسي في كل لحظة عن حالك وعاملة ايه في الغربة لوحدك.
مجددا كلماته التي تنفذ إلى أعماقها وتثير بداخلها دوامة المشاعر تلك لتنفض خفقاتها المتسارعة تحاول المزاح قائلة:
وهي اسكندرية غُربة برضه هتخاف علية منها؟ دي فردة كعب بينها وبين القاهرة.
كنت بخاف عليكي وبيني وبينك شارعين، مش عايزانى اخاف عليكي وبيني وبينك 225 كيلو متر.

هنا لم تستطع نفض مشاعرها أو الهروب من دوامة الاحاسيس التي سحبتها في هذه اللحظة بل استسلمت تماماً لها، تعيش لحظات من السعادة لم تشعر بها منذ، منذ ماذا؟ اكتشفت الآن والآن فقط انها لم تشعر بالسعادة فقط حتى تكون بصحبتهم فقط. ابنتها وصديقتها. ، وهو. نعم هم فقط لا غير من يمنحونها لحظات سعادة تسرقها من الزمن.

كان يتجول في المكان، تجول يده على بعض الأدوات التي تستخدم في تصليح السيارات، اتسخت يده فأخرج منديله ومسحها بهدوء قبل أن يعيد المنديل إلى جيبه في نفس اللحظة التي سمع فيها صوت يأتي من خلفه قائلاً:
خير ياباشا، قالولي انك عايزني. أنا ماشي في السليم والله ومشربتش من 6 شهور ولا مشيت مع الواد عزمي.
استدار إليه الجد رءوف قائلاً:
انا مش مباحث على فكرة ومع ذلك مش مصدق بقك.
عقد أشرف حاجبيه قائلاً:.

لما انت مش مباحث ياباشا. لازمتها ايه بقى الدخلة دي؟ تبعت رجالتك يجيبوني من القهوة على ملا وشي وكأني عامل عملة. مش أصول على فكرة.
وهي الأصول انك تسيب ورشتك مفتوحة كدة للي رايج وجاي يدخلها ويسرقها وانت ولا على بالك، الأصول انك ترمي والدتك في دار مسنين ومتسألش عنها. ولا الأصول انك تشرب وتصاحب ولاد الليل وتهين مراتك وتعذب بنتك؟ لما تعرف الأصول ابقى إسأل غيرك عنها.
قال اشرف بحنق:.

وانت جاي بقى تحاسبني؟ تبقالي ايه؟أبويا. واحد صاحبي. انت مين أساساً وعايز مني ايه؟

انا واحد بعته ليك القدر عشان يساعدك، مش مهم انا مين قد ما مهم أنا ممكن اقدملك إيه. انا ممكن أساعدك تتعالج وتفوق من السم اللي مالي جسمك وعقلك، ممكن أساعدك اكتر وأشغلك بعد العلاج في مصنعي وأديلك فلوس متحلمش بيها. ممكن أخلق منك واحد تاني خالص احسن من اللي واقف قدامي بكتير. بس في حالة واحدة بس، لو كان عندك فعلا الرغبة في التغيير، لو ندمان بجد على كل اللي عملته وحابب تصلح من نفسك.
انت بتعمل كل ده ليه؟

ممكن تقول اني بحاول أحقق أمنية أم كل دعواتها وأمانيها صلاح حالك ورجوعك ليها ولحضنها، أم طيبة قوي حبت وضحت ومستنتش رد جميل بس كل اللي عملته كان نهايته قسوة وجحود ونكران وظلم وربنا ميرضاش بالظلم، سخرني عشان أصحح الوضع فلو حابب ترجع لحضن الست الطيبة دي يبقى ايدي أهي ممدودة ليك بالخير امسك فيها وبإذن الله هترجع.

ظهر التردد على وجه أشرف للحظات يدرك الجد فيهم أن أشرف يصارع نفس تتوق لهذه الأشياء التي عرضها عليه وسموم تسيطر على ارادته قبل أن يظهر الحزم على وجهه وهو يمد يده ويصافح الجد. فارتسمت ابتسامة على وجه الأخير عبرت بكل وضوح عن سعادته وارتياحه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة